|
|||||||
| فتاوى وأحكام منوعة قسم يعرض فتاوى وأحكام ومسائل فقهية منوعة لمجموعة من العلماء الكرام |
|
|
أدوات الموضوع | انواع عرض الموضوع |
|
#11
|
||||
|
||||
![]() الكتاب: المبسوط فى الفقه الحنفى المؤلف: محمد بن أحمد بن أبي سهل شمس الأئمة السرخسي (ت ٤٨٣ هـ) عدد الأجزاء: ٣١ (الأخير فهارس) المجلد الثالث صـــ 70 الى صـــ 79 (53) ووجه الرواية الأخرى ما روي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال { : إذا دعي أحدكم إلى طعام فليجب فإن كان مفطرا فليأكل ، وإن كان صائما فليصل } أي فليدع لهم وقال صلى الله عليه وسلم : { إن أخوف ما أخاف على أمتي الشرك والشهوة الخفية فقيل ، أو تشرك أمتك بعدك فقال : لا ولكنهم يراءون بأعمالهم فقيل وما الشهوة الخفية فقال : أن يصبح أحدهم صائما ثم يفطر على طعام يشتهيه } وسواء كان الفطر بعذر أو بغير عذر فالقضاء واجب وكذلك سواء حصل الفطر بصنعه ، أو بغير صنعه حتى إذاحاضت الصائمة تطوعا فعليها القضاء في أصح الروايتين وفي كتاب الصلاة إذا افتتح التطوع بالتيمم ثم أبصر الماء فعليه القضاء والخروج هنا ما كان بصنعه فتبين أن الصحيح أن الشروع ملزم للإتمام كالنذر موجب للأداء ، وأنه متى تعذر الإتمام بعد صحة الشروع فعليه القضاء ( قال ) : رجل أغمي عليه في شهر رمضان حين غربت الشمس فلم يفق إلا بعد الغد فليس عليه قضاء اليوم الأول ; لأنه لما غربت الشمس ، وهو مفيق فقد صح منه نية صوم الغد وركن الصوم هو الإمساك والإغماء لا ينافيه فتأدى صومه في اليوم الأول لوجود ركنه وشرطه ، وعليه قضاء اليوم الثاني ; لأن النية في اليوم الثاني لم توجد ، وقد بينا أن صوم كل يوم يستدعي نية على حدة وبمجرد الركن بدون الشرط لا تتأدى العبادة ( قال ) : وإذا نظر إلى فرج امرأته فأنزل فصومه تام ما لم يمسها وقال مالك رحمه الله تعالى : إن نظر مرة فكذلك ، وإن نظر مرتين فسد صومه لما روي { أن النبي صلى الله عليه وسلم قال لعلي لا تتبع النظرة النظرة فإنما الأولى لك ، والأخرى عليك } ; ولأن النظر الأول يقع بغتة فلا ينعدم به الإمساك فإذا تعمد النظر بعد ذلك حتى أنزل فقد فوت ركن الصوم . ( ولنا ) أن النظر كالتفكر على معنى أنه مقصور عليه غير متصل بها ، ولو تفكر في جمال امرأة فأنزل لم يفسد صومه فكذلك إذا نظر إلى فرجها ، ولو كان هذا مفسدا للصوم لم يشترط فيه [ ص: 71 ] التكرار كالمس وتأويل الحديث المؤاخذة بالمأثم إذا تعمد النظر إلى ما لا يحل ، وإن جامعها متعمدا فعليه أن يتم صوم ذلك اليوم بالإمساك تشبها بالصائمين ، وعليه قضاء ذلك اليوم والكفارة إما وجوب القضاء فقول جمهور العلماء وقال الأوزاعي ليس عليه : القضاء واستدل بحديث الأعرابي فإن النبي صلى الله عليه وسلم بين حكم الكفارة له ولم يبين حكم القضاء ، وتأخير البيان عن وقت الحاجة لا يجوز ، وقال : صلى الله عليه وسلم { من أفطر في رمضان متعمدا فعليه ما على المظاهر ، وليس على المظاهر سوى الكفارة } . ( ولنا ) أنه وجب عليه الصوم بشهود الشهر وقد انعدم الأداء منه فيلزمه القضاء كما لو كان معذورا وفوت ما لزمه من الأداء فيضمنه بمثل من عنده كما في حقوق العباد ، وإنما أراد بقوله فعليه ما على المظاهر بسبب الفطر ، وبه نقول أن وجوب القضاء ليس بسبب الفطر ، وإنما بين للأعرابي ما كان مشكلا عليه ، ووجوب القضاء غير مشكل فأما وجوب الكفارة قول جمهور العلماء ، وكان سعيد بن جبير يقول : لا كفارة على المفطر في رمضان ; لأن في آخر حديث الأعرابي أن النبي صلى الله عليه وسلم قال له { كلها أنت وعيالك } فانتسخ بهذا حكم الكفارة . ( ولنا ) قول النبي صلى الله عليه وسلم { من أفطر في رمضان متعمدا فعليه ما على المظاهر } وحديث { الأعرابي حين جاء إلى رسول الله ، وهو ينتف شعره ويقول : هلكت وأهلكت ، فقال : ماذا صنعت فقال : واقعت أهلي في رمضان نهارا متعمدا فقال : أعتق رقبة فضرب بيده على صفحة عنقه ، وقال : لا أملك إلا رقبتي هذه فقال : صلى الله عليه وسلم صم شهرين متتابعين فقال : وهل أتيت ما أتيت إلا من الصوم فقال : أطعم ستين مسكينا فقال : لا أجد فقال : اجلس فجلس فأتي بصدقات بني زريق فقال : خذ خمسة عشر صاعا فتصدق بها على المساكين فقال : على أهل بيت أحوج إليها مني ومن عيالي والله ما بين لابتي المدينة أحوج إليها مني ومن عيالي فقال صلى الله عليه وسلم : كلها أنت وعيالك } زاد في بعض الروايات { تجزيك ولا تجزي أحدا بعدك } فإن ثبتت هذه الزيادة ظهر أنه كان مخصوصا ، وإن لم تثبت هذه الزيادة لا يتبين به انتساخ الكفارة ولكنه عذره في التأخير للعسرة ثم الكفارة مرتبة عند علمائنا والشافعي رحمهم الله تعالى وقال مالك رحمه الله تعالى ثبتت على سبيل التخيير لحديث { سعد بن أبي وقاص أن رجلا سأل رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال : إني أفطرت في رمضان فقال : أعتق رقبة ، أو صم شهرين ، أو أطعم ستين مسكينا } . ( ولنا ) ما روينا من قوله صلى الله عليه وسلم { فعليه [ ص: 72 ] ما على المظاهر } وتبين بهذا أن المراد بالحديث الآخر بيان ما به تتأدى الكفارة في الجملة لا بيان التخيير ثم بعد العجز عن العتق كفارته بالصوم الأعلى قول الحسن البصري فإنه يقول عليه بدنة وجعل هذا قياس المجامع في الإحرام ، ولكنا نقول : لا مدخل للقياس في إثبات ما به تتأدى الكفارة إنما طريق معرفته النص وليس في شيء من النصوص ذكر البدنة في كفارة الفطر فكما لا مدخل للقياس فيما تتأدى به العبادات فكذا فيما يجب بالجناية فيها . والصوم مقدر بالشهرين بصفة التتابع إلا على قول ابن أبي ليلى فإنه يقول إن شاء تابع ، وإن شاء فرق بالقياس على القضاء وما روينا من الآثار حجة عليه وكان ربيعة الرازي يقول : الصوم مقدر باثني عشر يوما قال : لأن السنة اثني عشر شهرا فصوم كل يوم يقوم مقام اثني عشر يوما وبعض الزهاد يقول : الصوم مقدر بألف يوم فإن في رمضان ليلة القدر ، وهي خير من ألف شهر فإذا فوت صوم يوم منه فعليه أن يصوم ألف يوم ليقوم مقامه ولسنا نأخذ بشيء من هذا فإن الاعتماد على الآثار المشهورة كما روينا ، وهذه آثار تلقتها العلماء بالقبول ، والعمل بها وإثبات الكفارة بمثلها جائز ، وكما تجب الكفارة على الرجل تجب عليها إن طاوعته وللشافعي رحمه الله تعالى ثلاثة أقاويل قول مثل هذا وقول آخر أن الكفارة عليه دونها وقول آخر فصل بين البدني والمالي فقال : عليها الكفارة بالصوم ويتحمل الزوج عنها إذا كان ماليا واستدل بحديث الأعرابي فإن النبي صلى الله عليه وسلم بين حكم الكفارة في جانبه لا في جانبها فلو لزمتها الكفارة لبين ذلك كما بين الحد في جانبها في حديث العسيف ثم سبب الكفارة المواقعة المعدمة للصوم والرجل هو المباشر لذلك دونها إذ هي محل المواقعة وليست بمباشرة للمواقعة فكان فعلها دون فعل الرجل كالجماع فيما دون الفرج بخلاف الحد فإن سببه الزنا وهي مباشرة للزنا فإن الله تعالى سماها زانية وعلى القول الآخر يقول : ما يتعلق بالمواقعة إذا كان بدنيا اشتركا فيه كالاغتسال ، وإذا كان ماليا تحمل الزوج عنها كالمهر وثمن ماء الاغتسال . ( ولنا ) قوله صلى الله عليه وسلم { من أفطر في رمضان } وكلمة من تعم الرجال والنساء وتبين بهذا أن السبب الموجب للكفارة فطر هو جناية كاملة ، وهذا السبب يتحقق في جانبها كما يتحقق في جانبه فنلزمها الكفارة كما يلزمها الحد بسبب الزنا وبه تبين أن تمكينها فعل كامل فإن مع النقصان لا يجب الحد وبيان النبي صلى الله عليه وسلم الكفارة في جانبه بيان في جانبها ; لأن كفارتهما واحدة بخلاف حديث العسيف فإن الحد في جانبه كان [ ص: 73 ] هو الجلد وفي جانبها الرجم ولا معنى للتحمل ; لأن الكفارة إما أن تكون عقوبة ، أو عبادة وبسبب النكاح لا يجري التحمل في العبادات والعقوبات إنما ذلك في مؤن الزوجية ، وإن غلبها على نفسها فعليها القضاء دون الكفارة وعلى قول الشافعي رحمه الله تعالى لا يفسد صومها والكلام في هذا نظير الكلام في الخاطئ وقد بيناه ( قال ) : وكذلك إن أكل أو شرب متعمدا فعليه القضاء والكفارة عندنا وعند الشافعي رحمه الله تعالى لا كفارة عليه ; لأن سبب وجوب الكفارة بالنص المواقعة المعدمة للصوم فلو أوجب بالأكل كان بالقياس على المواقعة ولا مدخل للقياس في الكفارة ألا ترى أنه لا تقاس دواعي الجماع على الجماع فيه ; ولأن الحرمة تارة تكون لأجل العبادة وتارة لعدم الملك ثم ما يتعلق بالأكل لا يتعلق بالمواقعة متى كانت الحرمة لعدم الملك فكذلك العبادة ، واستدل بالحج فإن ما يتعلق بالمواقعة فيه ، وهو فساد النسك لا يتعلق بسائر المحظورات فكذلك الصوم والجامع أن هذه عبادة للكفارة العظمى فيها فتختص بالمواقعة . ( ولنا ) حديث أبي هريرة { أن رجلا قال : يا رسول الله أفطرت في رمضان فقال : من غير مرض ولا سفر فقال نعم فقال أعتق رقبة } وإنما فهم رسول الله صلى الله عليه وسلم من سؤاله الفطر بما يحوجه إليه كالمرض والسفر ، وذكر أبو داود أن الرجل قال : شربت في رمضان وقال علي " : رضي الله عنه إنما الكفارة في الأكل والشرب والجماع ; ولأن فطره تضمن هتك حرمة النص فكان كالفطر بالجماع وبيانه أن نص التحريم بالشهر يتناول ما يتناوله نص الإباحة بالليالي ، وهتك حرمة النص جناية متكاملة ثم نحن لا نوجب الكفارة بالقياس وإنما نوجبها استدلالا بالنص ; لأن السائل ذكر المواقعة وعينها ليس بجناية بل هو فعل في محل مملوك وإنما الجناية الفطرية فتبين أن الموجب للكفارة فطر هو جناية . ألا ترى أن الكفارة تضاف إلى الفطر والواجبات تضاف إلى أسبابها ، والدليل عليه أنه لا تجب على الناسي لانعدام الفطر والفطر الذي هو جناية متكاملة يحصل بالأكل كما يحصل بالجماع ; ولأنه آلة له وتعلق الحكم بالسبب لا بالآلة ثم إيجابه في الأكل أولى ; لأن الكفارة أوجبت زاجرة ، ودعاء الطبع في وقت الصوم إلى الأكل أكثر منه إلى الجماع والصبر عنه أشد فإيجاب الكفارة فيه أولى كما أن حرمة التأفيف يقتضي حرمة الشتم بطريق الأولى ثم لأجل العبادة استوى حرمة الجماع وحرمة الأكل بخلاف حال عدم الملك فإن حرمة الجماع أغلظ حتى تزيد حرمة الجماع على حرمة الأكل وبخلاف الحج [ ص: 74 ] فإن حرمة الجماع فيه أقوى حتى لا يرتفع بالحلق والدليل على المساواة هنا فصل الناسي فقد جعلنا النص الوارد في الأكل حال النسيان كالوارد في الجماع فكذلك يجعل النص الوارد في إيجاب الكفارة بالمواقعة كالوارد في الأكل والدواعي تبع فلا تتكامل به الجناية . ثم حاصل المذهب عندنا أن الفطر متى حصل بما يتغذى به ، أو يتداوى به تتعلق الكفارة به زجرا فإن الطباع تدعو إلى الغذاء وكذلك إلى الدواء لحفظ الصحة ، أو إعادتها فأما إذا تناول مالا يتغدى به كالتراب والحصاة يفسد صومه إلا على قول بعض من لا يعتمد على قوله فإنه يقول : حصول الفطر بما يكون به اقتضاء الشهوة ولكنا نقول : ركن الصوم الكف عن إيصال الشيء إلى باطنه ، وقد انعدم ذلك بتناول الحصاة ثم لا كفارة عليه إلا على قول مالك رحمه الله تعالى فإنه قال : هو مفطر غير معذور قال : وجنايته هنا أظهر إذ لا غرض له في هذا الفعل سوى الجناية على الصوم بخلاف ما يتغذى به ولكنا نقول عدم دعاء الطبع إليه يغني عن إيجاب الكفارة فيه زاجرا كما لم نوجب الحد في شرب الدم والبول بخلاف الخمر ، ثم تمام الجناية بانعدام ركن الصوم صورة ومعنى فانعدم معنى ما يحصل به اقتضاء الشهوة إذا انعدم لم تتم الجناية وفي النقصان شبهة العدم والكفارة تسقط بالشبهة ( قال ) : وإن جامعها ثانيا في الشهر فعليه كفارة واحدة عندنا وعند الشافعي رحمه الله تعالى عليه كل يوم كفارة قال : لأن السبب تقرر في اليوم الثاني ، وهو الجماع المعدم للصوم ، أو الفطر الذي هو جناية على الصوم فوجبت الكفارة ثم الكفارات لا تتداخل كما في سائر الكفارات فإن معنى العبادة فيها راجح حتى يفتى بها وتتأدى بما هو عبادة والتداخل في العقوبات المحضة . ( ولنا ) حرفان . أحدهما : أن كمال الجناية باعتبار حرمة الصوم والشهر جميعا حتى أن الفطر في قضاء رمضان لا يوجب الكفارة لانعدام حرمة الشهر وباعتبار تجدد الصوم لا تتجدد حرمة الشهر ومتى صارت الحرمة معتبرة لإيجاب الكفارة مرة لا يمكن اعتبارها لإيجاب كفارة أخرى ; لأنها تلك الحرمة بعينها ( والثاني ) : أن كفارة الفطر عقوبة تدرأ بالشبهات فتتداخل كالحدود وبيان الوصف أن سبب الوجوب جناية محضة على حق الله تعالى والجنايات سبب لإيجاب العقوبات والدليل عليه سقوطها بعذر الخطأ بخلاف سائر الكفارات ( قال ) : فإن أفطر في يوم وكفر ثم أفطر في يوم آخر فعليه كفارة أخرى إلا في رواية زفر عن أبي حنيفة رحمهما الله تعالى فإنه يقول : يكفيه تلك الكفارة لاعتبار اتحاد حرمة الشهر ، وهو قياس من تلا آية السجدة في مجلس وسجد ثم [ ص: 75 ] تلاها مرة أخرى لم تلزمه سجدة أخرى لاتحاد السبب وجه ظاهر الرواية أن التداخل قبل أداء الأول لا بعده كما في الحدود إذا زنى بامرأة فحد ثم زنى بها يلزمه حد آخر ، وهذا أصح ; لأن السبب فطر هو جناية على الصوم وحرمة الشهر محل تغلظ به هذه الجناية والعبرة للأسباب دون المحال ، فإن جامع في رمضانين فقد ذكر في الكسائيات عن محمد رحمه الله تعالى أن عليه كفارتين لاعتبار تجدد حرمة الشهر والصوم وأكثر مشايخنا يقولون : لا اعتماد على تلك الرواية ، والصحيح أن عليه كفارة واحدة لاعتبار معنى التداخل ( قال ) : وكل صوم في القرآن لم يذكره الله متتابعا فله أن يفرقه وما ذكر متتابعا فليس له أن يفرقه أما المذكور متتابعا فصوم كفارة القتل وكفارة الظهار فإن النص ورد بقدر معلوم مقيد بوصف فكما لا يجوز الإخلال بالقدر المنصوص فكذا بالوصف المنصوص فأما ما لم يذكره متتابعا فصوم القضاء . قال الله تعالى : { فعدة من أيام أخر } ويجوز القضاء متتابعا ومتفرقا ; لأنه مطلق عن الوصف . وقال ابن عباس رحمه الله تعالى انهموا ما أنهم الله وفي الحديث { أن رجلا سأل رسول الله عن قضاء أيام من رمضان أفيجزيني أن أصوم متفرقا فقال : أرأيت لو كان عليك دين فقضيت الدرهم والدرهمين أكان يقبل منك فقال : نعم فقال : الله أحق بالتجاوز والقبول } والذي في قراءة أبي بن كعب فعدة من أيام أخر متتابعة شاذ غير مشهور وبمثله لا تثبت الزيادة على النص فأما صوم كفارة اليمين فثلاثة أيام متتابعة عندنا خلافا للشافعي رحمه الله تعالى . ( قال ) : إنه مطلق في القرآن ونحن أثبتنا التتابع بقراءة ابن مسعود فإنها كانت مشهورة إلى زمن أبي حنيفة رحمه الله تعالى حتى كان سليمان الأعمش يقرأ ختما على حرف ابن مسعود وختما من مصحف عثمان رضي الله عنه والزيادة عندنا تثبت بالخبر المشهور ( قال ) : رجل جامع امرأته في يوم من رمضان ثم حاضت المرأة ومرض الرجل في ذلك اليوم سقطت عنهما الكفارة عندنا وعلى قول ابن أبي ليلى رحمه الله تعالى لا تسقط ، وهو قول الشافعي رحمه الله تعالى على القول الذي يوجب الكفارة على المرأة . وقال زفر رحمه الله تعالى : تسقط عنها بعذر الحيض ولا تسقط عنه بعذر المرض وجه قول ابن أبي ليلى أن السبب الموجب للكفارة قد تم ، وهو الفطر فوجبت الكفارة دينا في الذمة والحيض والمرض لا ينافي بقاء الكفارة ثم الحيض والمرض لم يصادف الصوم هنا فاعتراضهما في اليوم والليل سواء ، وهو قياس السفر بعد الفطر لا يسقط الكفارة ليلا كان أو نهارا وزفر رحمه الله تعالى [ ص: 76 ] يفرق ويقول : الحيض ينافي الصوم وصوم يوم واحد لا يتجزأ فتقرر المنافي في آخره يمكن شبهة المنافاة في أوله فأما المرض لا ينافي الصوم فلا يتمكن بالمرض في آخر النهار شبهة المنافاة في أوله للصوم ولكنا نقول : ينافي استحقاق الصوم بدليل أنه لو لم يفطر حتى مرض يباح له الفطر والكفارة لا تجب إلا بالفطر في صوم مستحق واستحقاق الصوم في يوم واحد لا يتجزأ فتقرر المنافاة للاستحقاق في آخر النهار يمكن شبهة منافاة الاستحقاق في أوله بخلاف السفر فإنه غير مناف للاستحقاق حتى لو لم يفطر حتى سافر لا يباح له الفطر فلا يتمكن بالسفر في آخر النهار شبهة في أوله بخلاف ما إذا لم يفطر حتى سافر ثم أفطر ; لأن سقوط الكفارة هناك باعتبار الصورة المبيحة والصورة المبيحة إنما تعمل إذا اقترنت بالسبب ولا إسناد في الصور إنما ذلك في المعاني ثم السفر فعله ، والكفارة إنما وجبت حقا لله تعالى فلا يسقط بفعل العبد باختياره بخلاف المرض والحيض فإنه سماوي لا صنع للعباد فيه فإذا جاء العذر ممن له الحق سقطت به الكفارة ، فإن سوفر به مكرها فقد ذكر في اختلاف زفر ويعقوب رحمهما الله تعالى أن على قول أبي يوسف رضي الله تعالى عنه لا تسقط به الكفارة ; لأن الصنع للعباد فيه فهو قياس ما لو أكره على الأكل بعد ما أفطر وعلى قول زفر رحمه الله تعالى تسقط ; لأنه لا صنع له فيه ولا اعتماد على هذه الرواية عن زفر رحمه الله تعالى فإن عنده بالمرض لا تسقط الكفارة فبالسفر مكرها كيف تسقط ( قال ) : رجل أصبح صائما في غير رمضان يريد به قضاء رمضان ثم أكل متعمدا فقد أساء ولا كفارة عليه ; لأن وجوب الكفارة بالنصوص والنصوص وردت بالفطر في رمضان والفطر في غير رمضان ليس في معنى الفطر في رمضان من كل وجه ; لأن هذا اليوم ما كان متعينا لقضائه ، وهذا بخلاف الحج فإن الجماع في قضاء الحج يوجب ما يوجب في الأداء لتحقق المساواة في معنى الجناية ألا ترى أن في حج النفل يتعلق بالجماع ما يتعلق في حج الفرض بخلاف الصوم ( قال ) : مسافر أصبح صائما في رمضان ثم أفطر قبل أن يقدم مصره أو بعدما قدم فلا كفارة عليه ; لأن أداء الصوم في هذا اليوم ما كان مستحقا عليه حين كان مسافرا في أوله فهذا والفطر في قضاء رمضان سواء وحكي عن الشافعي رحمه الله تعالى أنه إن أفطر بعد ما صار مقيما فعليه الكفارة وجعل وجود الإقامة في آخره كوجودها في أوله ولكنا نقول : الشبهة تمكنت بالسفر الموجود في أول النهار فإنه ينعدم به استحقاق الأداء وصوم يوم واحد لا يتجزأ في الاستحقاق [ ص: 77 ] قال ) : رجل عليه قضاء أيام من شهر رمضان فلم يقضها حتى دخل رمضان من قابل فصامها منه فإن صيامه عن هذا الرمضان الداخل وقد بينا هذا الفصل في المقيم والمسافر جميعا وعليه قضاء رمضان الماضي ولا فدية عليه عندنا وعند الشافعي رحمه الله تعالى يلزمه مع القضاء لكل يوم إطعام مسكين ومذهبه مروي عن ابن عمر ومذهبنا مروي عن علي وابن مسعود رحمهما الله تعالى وحاصل الكلام أن عنده القضاء مؤقت بما بين الرمضانين يستدل فيه بما روي عن عائشة رضي الله عنها أنها كانت تؤخر قضاء أيام الحيض إلى شعبان ، وهذا منها بيان آخر ما يجوز التأخير إليه ثم جعل تأخير القضاء عن وقته كتأخير الأداء عن وقته فكما أن تأخير الأداء عن وقته لا ينفك عن موجب فكذلك تأخير القضاء عن وقته ولنا ظاهر قوله تعالى { فعدة من أيام أخر } وليس فيها توقيت والتوقيت بما بين الرمضانين يكون زيادة ثم هذه عبادة مؤقتة قضاؤها لا يتوقت بما قبل مجيء وقت مثلها كسائر العبادات وإنما كانت عائشة رضي الله تعالى عنها تختار للقضاء شعبان ; لأن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان لا يحتاج إليها فيه فإنه كان يصوم شعبان كله ; ولأن كان القضاء مؤقتا بما بين الرمضانين فالتأخر عن وقت القضاء كالتأخر عن وقت الأداء وتأخير الأداء عن وقته لا يوجب عليه شيئا إنما وجوب الصوم باعتبار السبب لا بتأخير الأداء فكذلك تأخير القضاء عن وقته ثم الفدية تقوم مقام الصوم عند اليأس منه كما في الشيخ الفاني وبالتأخير لم يقع اليأس عن الصوم ، والقضاء واجب عليه فلا معنى لإيجاب الفدية وكما لم يتضاعف القضاء بالتأخير فكذلك لا ينضم القضاء إلى الفدية ; لأنه في معنى التضعيف ( قال ) : وإن شك في الفجر فأحب إلي أن يدع الأكل ، وإن أكل ، وهو شاك فصومه تام أما التسحر فهو مندوب إليه لقوله صلى الله عليه وسلم { استعينوا بقائلة النهار على قيام الليل وبأكلة السحور على صيام النهار } وعن ابن عباس رضي الله تعالى عنهما { أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : فرق ما بين صيامنا وصيام أهل الكتاب أكل السحور } والتأخير مندوب إليه قال صلى الله عليه وسلم { ثلاث من أخلاق المرسلين تعجيل الإفطار وتأخير السحور والسواك } إلا أنه يؤخر على وجه لا يشك في الفجر الثاني فإن شك فيه فالمستحب أن يدع الأكل لقوله صلى الله عليه وسلم { دع ما يريبك إلى ما لا يريبك } والأكل يريبه فإن أكل ، وهو شاك فصومه تام ; لأن الأصل بقاء الليل والتيقن لا يزال بالشك فإن كان أكبر رأيه أنه تسحر والفجر طالع فالمستحب له أن يقضي احتياطا للعبادة ولا يلزمه القضاء في ظاهر الرواية ; لأنه [ ص: 78 ] غير متيقن بالسبب والأصل بقاء الليل . وروى الحسن بن زيادة عن أبي حنيفة رحمهما الله تعالى قال : إن كان في موضع يستبين له الفجر فلا يلتفت إلى الشك ولكنه يأكل إلى أن يستيقن بطلوع الفجر ، وإن كان في موضع لا يستبين له الفجر ، أو كانت الليلة مقمرة فالأولى أن يحتاط ، وإن أكل لم يلزمه شيء إلا أنه إذا كان أكبر رأيه أنه أكل بعد طلوع الفجر فحينئذ يلزمه القضاء ; لأن أكبر الرأي بمنزلة التيقن فيما يبنى أمره على الاحتياط ( قال ) : وإن صام أهل المصر من غير رؤية الهلال ولم يصم رجل منهم حتى أبصر الهلال من الغد فصام أهل المصر ثلاثين يوما والرجل تسعة وعشرين يوما فليس على الرجل قضاء شيء وقد أخطأ أهل المصر حين صاموا بغير رؤية الهلال لقوله صلى الله عليه وسلم { صوموا لرؤيته وأفطروا لرؤيته فإن غم عليكم فأكملوا شعبان ثلاثين يوما } فأهل المصر خالفوا أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم فكانوا مخطئين . ومنهم من قال يرجع إلى قول أهل الحساب عند الاشتباه ، وهذا بعيد فإن النبي صلى الله عليه وسلم قال {من أتى كاهنا ، أو عرافا وصدقه بما يقول فقد كفر بما أنزل على محمد } والذي روي عن النبي صلى الله عليه وسلم { فإن غم عليكم فاقدروا له } معناه التقدير بإكمال العدة كما في الحديث المبين وإنما لا يجب على الرجل قضاء شيء ; لأن الشهر قد يكون تسعة وعشرين يوما قال صلى الله عليه وسلم { الشهر هكذا وهكذا وهكذا } وأشار بأصابعه وخنس إبهامه في الثالثة ، وقال عبد الله بن مسعود رضي الله عنه { ما صمنا على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم رمضان تسعة وعشرين يوما أكثر مما صمنا ثلاثين يوما } وهكذا عن عائشة فلم يتبين خطأ الرجل فيما صنع فلا يلزمه قضاء شيء والذي روى { شهران لا ينقصان رمضان وذو الحجة } المراد في حق الثواب دون العدد لاستحالة أن يقع الخلف في خبر صاحب الشرع إلا أن يكون أهل المصر رأوا هلال شعبان فأحصوا ثلاثين يوما ثم صاموا فقد أحسنوا وعلى من لم يصم معهم قضاء يوم ; لأنا تيقنا أنه أفطر يوما من شهر رمضان ; لأن الشهر لا يكون أكثر من ثلاثين يوما وعلى هذا روي عن محمد رحمه الله تعالى أنهم لو صاموا بشهادة الواحد على رؤية الهلال فصاموا ثلاثين يوما ثم لم يروا الهلال أفطروا ; لأن الشهر لا يكون أكثر من ثلاثين يوما ، وقد ألزمه ابن سماعة فقال : هذا فطر بشهادة الواحد ، وأنت لا ترى ذلك ، وهذا إلزام ظاهر والجواب عنه أن الفطر بقضاء القاضي ، وذلك بمقتضي الشهادة ويثبت بمثله ما لا يثبت بنفس الشهادة كالميراث عند شهادة القابلة [ ص: 79 ] على الولادة وقد روى الحسن عن أبي حنيفة رحمهما الله تعالى فيمن أبصر الهلال وحده ورد الإمام شهادته فصام ثلاثين يوما ، ولم يروا الهلال لم يفطر إلا مع الإمام والجماعة فلعل الغلط وقع له كما ورد في حديث عمر رضي الله عنه أنه أمر الذي قال : رأيت الهلال أن يمسح حاجبه بالماء ثم قال أين الهلال فقال فقدته فقال : شعرة قامت من حاجبك فحسبتها هلالا ، وإنما أمرناه بالصوم في الابتداء احتياطا من غير أن نحكم أن اليوم من رمضان والاحتياط في أن لا يفطر إلا مع الإمام والجماعة ( قال ) : وإذا جامع الرجل امرأته في الفرج فغابت الحشفة ولم ينزل فعليهما القضاء والكفارة والغسل أما الغسل فلاستطلاق وكاء المني بفعله وأما الكفارة فلحصول الفطر على وجه تتم الجناية به قيل تمام الجناية في اقتضاء الشهوة ، وذلك لا يحصل بدون إنزال ( قلنا ) اقتضاء الشهوة في المحل يتم بالإيلاج فأما الإنزال تبع لا يعتد به في تكميل الجناية فلو جامعها في الموضع المكروه فعليهما الغسل لما بينا ولا شك في إيجاب الكفارة على قولهما وعن أبي حنيفة رحمه الله تعالى فيه روايتان روى الحسن عن أبي حنيفة رحمهما الله تعالى أنه لا كفارة عليهما ، وهو ظاهر على أصله ; لأنه لا يجعل هذا الفعل كاملا في إيجاب العقوبة التي تندرئ بالشبهات كالحد وفي جانب المفعول ظاهر فليس لها فيه اقتضاء الشهوة . وروى أبو يوسف عن أبي حنيفة رحمهما الله تعالى أن عليهما الكفارة ، وهو الأصح فإن السبب قد تم ، وهو الفطر بجناية متكاملة إنما يدعي أبو حنيفة رحمه الله تعالى النقصان في معنى الزنا من حيث إنه لا يحصل به إفساد الفراش ولا معتبر به في إيجاب الكفارة ( قال ) : فإن جامع بهيمة ، أو ميتة فليس عليه الكفارة أنزل أو لم ينزل عندنا خلافا للشافعي رحمه الله تعالى فإن السبب عنده الجماع المعدم للصوم وقد وجد ولكنا نقول الجناية لا تتكامل إلا باقتضاء شهوة المحل ، وهذا المحل غير مشتهى عند العقلاء فإن حصل به قضاء الشهوة فذلك لغلبة الشبق ، أو لفرط السفه ، وهو كمن يتكلف لقضاء شهوته بيده لا تتم جنايته في إيجاب الكفارة فهذا مثله ( قال ) : فإن جامع أو أكل ، أو شرب ناسيا فظن أن ذلك يفطره فأكل بعد ذلك متعمدا فعليه القضاء ولا كفارة عليه ; لأنه اشتبه عليه ما يشتبه فإن الأكل مع النسيان يفوت ركن الصوم حقيقة ولا بقاء للعبادة مع فوات ركنها فيكون ظنه هذا في موضعه فصار شبهة في إسقاط الكفارة قال محمد : رحمه الله تعالى إلا أن يكون بلغه خبر الناسي فحينئذ عليه القضاء والكفارة ; لأن ظنه مدفوع بقول رسول الله صلى الله عليه وسلم حيث قال { تم على صومك } فلا [ ص: 80 ] تبقى شبهة وقد روى الحسن عن أبي حنيفة رحمهما الله تعالى أنه لا كفارة عليه ، وإن بلغه الخبر ; لأن خبر الواحد لا يوجب علم اليقين وإنما يوجب العمل تحسينا للظن بالراوي فلا تنتفي الشبهة به ، وعلى هذا لو احتجم فظن أن ذلك فطره فأكل بعد ذلك متعمدا فعليه القضاء والكفارة ; لأن ظنه في غير موضعه فإن انعدام ركن الصوم بوصول الشيء إلى باطنه ولم يوجد إلا أن يكون أفتاه مفتي العامة بأن صومه قد فسد فحينئذ لا كفارة عليه ; لأن الواجب على العامي الأخذ بفتوى المفتي فتصير الفتوى شبهة في حقه ، وإن كان خطأ في نفسه ، وإن كان سمع الحديث { أفطر الحاجم والمحجوم } فاعتمد ظاهره قال محمد رحمه الله تعالى : تسقط عنه الكفارة أيضا كما لو اعتمد الفتوى وعن أبي يوسف رحمه الله تعالى أنها لا تسقط ; لأن العامي إذا سمع حديثا فليس له أن يأخذ بظاهره لجواز أن يكون مصروفا عن ظاهره أو منسوخا ، وإن دهن شاربه أو اغتاب فظن أن ذلك فطره فأكل بعد ذلك متعمدا فعليه القضاء والكفارة سواء اعتمد حديثا ، أو فتوى ; لأن هذا الظن والفتوى بخلاف الإجماع غير معتبر ![]()
__________________
|
| الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 5 ( الأعضاء 0 والزوار 5) | |
| أدوات الموضوع | |
| انواع عرض الموضوع | |
|
|
|
|
|
Powered by vBulletin V3.8.5. Copyright © 2005 - 2013, By Ali Madkour |