|
هيا بنا نحفظ القرآن ونرضى الرحمن قسم يختص بحفظ واستظهار كتاب الله عز وجل بالإضافة الى المسابقات القرآنية المنوعة |
![]() |
|
أدوات الموضوع | انواع عرض الموضوع |
#691
|
||||
|
||||
![]() ![]() تفسير جامع البيان عن تأويل آي القرآن الإمام محمد بن جرير الطبري الجزء الثالث عشر تَفْسِيرِ سُّورَةِ الأعراف الحلقة (691) صــ 71 إلى صــ 80 بعد ما جاء قوم فرعونَ بالآيات الخمس: الطوفان وما ذكر الله في هذه الآية، فلم يؤمنوا ولم يرسلوا معه بني إسرائيل = فقال: ليذبح كل رجل منكم كبشًا، ثم ليخضب كفّه في دمه، ثم ليضرب به على بابه! فقالت القبط لبني إسرائيل = لم تعالجُون هذا الدمَ على أبوابكم؟ (1) فقالوا: إن الله يرسل عليكم عذابًا، فنسلم وتهلكون. فقالت القبط: فما يعرفكم الله إلا بهذه العلامات؟ فقالوا: هكذا أمرنا به نبيّنا! فأصبحوا وقد طُعِنَ من قوم فرعون سبعون ألفًا، فأمسوا وهم لا يتدَافنون. فقال فرعون عند ذلك: (ادع لنا ربك بما عهد عندك لئن كشفتَ عنا الرجز) ، وهو الطاعون، (لنؤمنن لك ولنرسلن معك بني إسرائيل) ، فدعا ربه، فكشفه عنهم، فكان أوفاهم كلّهم فرعون، فقال لموسى: اذهب ببني إسرائيل حيث شئت. 15034 - حدثنا ابن وكيع قال، حدثنا حبويه الرازي وأبو داود الحفري، عن يعقوب، عن جعفر، عن سعيد بن جبير = قال حبويه، عن ابن عباس = (لئن كشفت عنا الرجز) قال: الطاعون. * * * وقال آخرون: هو العذاب. * ذكر من قال ذلك: 15035 - حدثني محمد بن عمرو قال، حدثنا أبو عاصم قال، حدثنا عيسى، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد: "الرجز" العذاب. 15036 - حدثني المثنى قال، حدثنا أبو حذيفة قال، حدثنا شبل، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد، مثله. 15037 - حدثنا بشر بن معاذ قال، حدثنا يزيد قال، حدثنا سعيد، عن قتادة قوله: (فلما كشفنا عنهم الرجز) ، أي العذاب. 15038 - حدثنا محمد بن عبد الأعلى قال، حدثنا محمد بن ثور قال، (1) في المطبوعة: (( لم تجعلون )) ، وفي المخطوطة كما أثبتها. سيئة الكتابة، ومعناها قريب من الصواب إن شاء الله. حدثنا معمر، عن قتادة: (ولما وقع عليهم الرجز) ، يقول: العذاب. 15039 - حدثني يونس قال، أخبرنا ابن وهب قال، قال ابن زيد في قوله: (ولما وقع عليهم الرجز) ، قال، "الرجز" ، العذاب الذي سلط الله عليهم من الجراد والقمل وغير ذلك، وكلّ ذلك يعاهدونه ثم ينكثون. * * * وقد بينا معنى "الرجز" فيما مضى من كتابنا هذا بشواهده المغنية عن إعادتها. (1) * * * قال أبو جعفر: وأولى القولين بالصواب في هذا الموضع أن يقال: إن الله تعالى ذكره أخبر عن فرعون وقومه أنهم لما وقع عليهم الرجز = وهو العذاب والسخط من الله عليهم = فزعوا إلى موسى بمسألته ربَّه كشفَ ذلك عنهم. وجائز أن يكون ذلك "الرجز" كان الطوفان والجراد والقمل والضفادع والدم، لأن كل ذلك كان عذابًا عليهم = وجائز أن يكون ذلك "الرجز" كان طاعونًا، ولم يخبرنا الله أيّ ذلك كان، ولا صحَّ عن رسول الله صلى الله عليه وسلم بأيِّ ذلك كان خبرٌ، فنسلم له. فالصواب أن نقول فيه كما قال جل ثناؤه: (ولما وقع عليهم الرجز) ، ولا نتعداه إلا بالبيان الذي لا تمانع فيه بين أهل التأويل، وهو لمّا حل بهم عذاب الله وسخطه. * * * = (قالوا يا موسى ادع لنا ربك بما عهد عندك) ، يقول: بما أوصاك وأمرك به. (2) وقد بينا معنى: "العهد" ، فيما مضى. * * * = (لئن كشفت عنا الرجز) ، يقول: لئن رفعت عنا العذاب الذي نحن (1) انظر تفسير (( الرجز )) فيما سلف 2: 116 - 118/12: 521. (2) انظر تفسير (( العهد )) فيما سلف ص: 10، تعليق: 2، والمراجع هناك. فيه (1) (لنؤمننّ لك) ، يقول: لنصدقن بما جئت به ودعوت إليه ولنقرَّنّ به لك = (ولنرسلن معك بني إسرائيل) ، يقول: ولنخلِّين معك بني إسرائيل فلا نمنعهم أن يذهبوا حيث شاؤوا. * * * القول في تأويل قوله: {فَلَمَّا كَشَفْنَا عَنْهُمُ الرِّجْزَ إِلَى أَجَلٍ هُمْ بَالِغُوهُ إِذَا هُمْ يَنْكُثُونَ (135) } قال أبو جعفر: يقول تعالى ذكره: فدعا موسى ربه فأجابه، فلما رفع الله عنهم العذاب الذي أنزله بهم = (إلى أجل هم بالغوه) ، ليستوفوا عذابَ أيامهم التي جعلَها الله لهم من الحياة أجلا إلى وقت هلاكهم (2) = (إذا هم ينكثون) ، يقول: إذا هم ينقضون عهودَهم التي عاهدوا ربَّهم وموسى، ويقيمون على كفرهم وضلالهم. وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل. * ذكر من قال ذلك: 15040 - حدثني محمد بن عمرو قال، حدثنا أبو عاصم قال، حدثنا عيسى، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد في قول الله تعالى: (إلى أجل هم بالغوه) ، قال: عدد مسمَّى لهم من أيامهم. 15041 - حدثني المثنى قال، حدثنا أبو حذيفة قال، حدثنا شبل، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد، نحوه. 15042 - حدثني موسى بن هارون قال، حدثنا عمرو بن حماد قال، (1) انظر تفسير (( الكشف )) فيما سلف 11: 354. (2) انظر تفسير (( الأجل )) فيما سلف 12: 405، تعليق: 2، والمرجع هناك. حدثنا أسباط، عن السدي: (فلما كشفنا عنهم الرجز إلى أجل هم بالغوه إذا هم ينكثون) ، قال: ما أعطوا من العهود، وهو حين يقول الله: (ولقد أخذنا آل فرعون بالسنين) ، وهو الجوع = (ونقص من الثمرات لعلهم يذكرون) ، [الأعراف: 130] . * * * القول في تأويل قوله: {فَانْتَقَمْنَا مِنْهُمْ فَأَغْرَقْنَاهُمْ فِي الْيَمِّ بِأَنَّهُمْ كَذَّبُوا بِآيَاتِنَا وَكَانُوا عَنْهَا غَافِلِينَ (136) } قال أبو جعفر: يقول تعالى ذكره: فلما نكثوا عهودهم = "انتقمنا منهم" ، يقول: انتصرنا منهم بإحلال نقمتنا بهم، (1) وذلك عذابه = "فأغرقناهم في اليمّ" ، وهو البحر، كما قال ذو الرمة: دَاوِيَّةٌ وَدُجَى لَيْلٍ كَأَنَّهُمَا يَمٌّ تَرَاطَنُ فِي حَافَاتِهِ الرُّومُ (2) (1) انظر تفسير (( الانتقام )) فيما سلف 11: 47، 56، 57. (2) ديوانه: 576، من قصيدة باذخة، وهذا البيت منها في صفه فلاة مخوفة، يقول قبله: بَيْنَ الرَّجَا والرَّجَا من جَنْبٍ وَاصِيَةٍ ... يَهْمَاءَ خَابِطُهَا بِالخَوْفِ مَكْعُومُ لِلجِنِّ بِاللَّيْلِ فِي حَافَاتِهَا زَجَلٌ ... كَمَا تَجَاوَبَ يَوْمَ الرِّيحِ عَيْشُومُ هَنَّا، وَهَنَّا وَمِنْ هَنَّا لَهُنَّ، بِهَا ... ذَاتَ الشَّمَائِلِ وَالأَيْمَانِ هَيْنُومُ دَوِّيَّةٌ وَدُجَي لَيْل ... . . . . . . . . . . . . . . . . . . . (( الرجا )) الناحية. و (( الواصية )) ، فلاة تتصل بفلاة مخوفة أخري، كأن بعضها يوصي بعضاً بالأهوال.و (( خابطها )) الساري فيها لايكاد يهتدي. (( يهماء )) ، مبهمة لايكاد المرء يهتدي فيها. و (( مكعوم )) مشدود الفم، لايطيق أن ينطق من الرعب. و (( زجل الجن )) ، صوتها وعزيفها. و (( العيشوم )) نبت له خشخشة إذا هبت عليه الريح. و (( الهينوم )) ، الهينمة وهو صوت تسمعه ولا تفهمه. يقول تأتيه هذه الأصوات من يمين وشمال. و (( الدوية )) و، الداوية، الفلاة التي يسمع فيها دوي الصوت، لبعد أطرافها. وهذا شعر فاخر. وكما قال الراجز: (1) * كَبَاذِحِ الْيَمِّ سَقَاهُ الْيَمُّ * (2) = (بأنهم كذبوا بأياتنا) ، يقول: فعلنا ذلك بهم بتكذيبهم بحججنا وأعلامنا التي أريناهموها (3) = (وكانوا عنها غافلين) ، يقول: وكانوا عن النقمة التي أحللناها بهم، غافلين قبل حلولها بهم أنّها بهم حالَّةٌ. * * * و "الهاء والألف" في قوله: "عنها" ، كناية من ذكر "النقمة" ، فلو قال قائل: هي كناية من ذكر "الآيات" ، ووجّه تأويل الكلام إلى: وكانوا عنها معرضين = فجعل إعراضهم عنها غفولا منهم إذ لم يقبلوها، كان مذهبًا. يقال من "الغفلة" ، "غفل الرجل عن كذا يغفُل عنه غَفْلة وغُفُولا وغَفَلا" . (4) * * * (1) هو العجاج. (2) ديوانه: 63، ومجاز القرآن لأبي عبيدة 1: 227، من أرجوزة ذكر فيها مسعود بن عمرو العتكي الأزدي، وما أصابه وقومه من تميم رهط العجاج. فقال يذكر تميما وخزيمة، وقيس عيلان حين اجتمعت كتائبهم وجيوشهم: وَأَصْحَروا حين اسْتَجَمَّ الجَمُّ ... بِذِي عُبَابٍ بَحرُهُ غِطَمُّ كَبَاذِخِ اليِمِّ سَقَاهُ اليَمُّ ... لَهُ نَوَاحٌ وَلَه أُسْطُمُّ وكان في المطبوعة: (( كمادح اليم )) ، وهو خطأ، لم يحسن قراءة المخطوطة، وقوله: (( كباذخ اليم )) ، يعني موج البحر، (( سقاه اليم )) ، أي: أمده اليم، فهو لا يزال في علو وارتفاع. و (( الغطم )) ، البحر الكثير الماء الملتطم الموج. و (( أسطم البحر )) ، مجتمعه ووسطه، حيث يضرب بعضه بعضاً من كثرته. (3) انظر تفسير (( آية )) فيما سلف من فهارس اللغة (أيي) (4) انظر تفسير (( الغفلة )) فيما سلف 2: 244، 316 / 3: 127، 184 /9: 162 ولم يبين فيما سلف هذا البيان الذي جاء به هنا. القول في تأويل قوله: {وَأَوْرَثْنَا الْقَوْمَ الَّذِينَ كَانُوا يُسْتَضْعَفُونَ مَشَارِقَ الأرْضِ وَمَغَارِبَهَا الَّتِي بَارَكْنَا فِيهَا وَتَمَّتْ كَلِمَةُ رَبِّكَ الْحُسْنَى عَلَى بَنِي إِسْرَائِيلَ بِمَا صَبَرُوا وَدَمَّرْنَا مَا كَانَ يَصْنَعُ فِرْعَوْنُ وَقَوْمُهُ وَمَا كَانُوا يَعْرِشُونَ (137) } قال أبو جعفر: يقول تعالى ذكره: وأورثنا القوم الذين كان فرعون وقومه يستضعفونهم، فيذبحون أبناءهم، ويستحيون نساءهم، ويستخدمونهم تسخيرًا واستعبادًا من بني إسرائيل (1) = مشارق الأرض الشأم، وذلك ما يلي الشرق منها = "ومغاربها التي باركنا فيها" ، يقول: التي جعلنا فيها الخير ثابتًا دائمًا لأهلها. (2) وإنما قال جل ثناؤه: (وأورثنا) ، لأنه أورث ذلك بني إسرائيل بمهلك من كان فيها من العمالقة. * * * وبمثل الذي قلنا في قوله: (مشارق الأرض ومغاربها) ، قال أهل التأويل. * ذكر من قال ذلك: 15043 - حدثنا ابن وكيع قال، حدثنا يحيى بن يمان، عن إسرائيل، عن فرات القزاز، عن الحسن في قوله: (وأورثنا القوم الذين كانوا يستضعفون مشارق في الأرض ومغاربها التي باركنا فيها) ، قال: الشأم. 15044 - حدثنا الحسن بن يحيى قال، أخبرنا عبد الرزاق قال، أخبرنا إسرائيل، عن فرات القزاز قال: سمعت الحسن يقول، فذكر نحوه. 15045 - حدثنا ابن وكيع قال، حدثنا قبيصة، عن سفيان، عن فرات (1) انظر تفسير (( الاستضعاف )) فيما سلف 12: 542. (2) انظر تفسير (( البركة )) فيما سلف من فهارس اللغة (برك) القزاز، عن الحسن، "الأرض التي باركنا فيها" ، قال: الشأم. 15046 - حدثنا بشر بن معاذ قال، حدثنا يزيد بن زريع قال، حدثنا سعيد، عن قتادة قوله: (وأورثنا القوم الذين كانوا يستضعفون مشارق الأرض ومغاربها التي باركنا فيها) ، هي أرض الشأم. 15047 - حدثنا محمد بن عبد الأعلى قال، حدثنا محمد بن ثور، عن معمر، عن قتادة قوله: (مشارق الأرض ومغاربها التي باركنا فيها) ، قال: التي بارك فيها، الشأم. * * * وكان بعض أهل العربية يزعم "أن مشارق الأرض ومغاربَها" ، نصب على المحلّ، بمعني: وأورثنا القوم الذين كانوا يستضعفون في مشارق في الأرض ومغاربها = وأن قوله: "وأورثنا" إنما وقع على قوله: (التي باركنا فيها) . (1) وذلك قول لا معنى له، لأن بني إسرائيل لم يكن يستضعفهم أيام فرعون غير فرعون وقومه، ولم يكن له سلطان إلا بمصر، فغير جائز والأمر كذلك أن يقال: الذين يستضعفون في مشارق الأرض ومغاربها. * * * فإن قال قائل: فإن معناه: في مشارق أرض مصر ومغاربها = فإن ذلك بعيد من المفهوم في الخطاب، مع خروجه عن أقوال أهل التأويل والعلماء بالتفسير. * * * وأما قوله: (وتمت كلمة ربك الحسنى) ، فإنه يقول: وَفَي وعدُ الله الذي وعد بني إسرائيل بتمامه، على ما وعدهم، من تمكينهم في الأرض، ونصره إياهم على عدوّهم فرعون = و "كلمته الحسنى" ، قوله جل ثناؤه: (وَنُرِيدُ أَنْ نَمُنَّ عَلَى الَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا فِي الأرْضِ وَنَجْعَلَهُمْ أَئِمَّةً وَنَجْعَلَهُمُ الْوَارِثِينَ وَنُمَكِّنَ لَهُمْ (1) يعني بالوقوع، أنه تعدي إليه، فهو له مفعول به. فِي الأرْضِ وَنُرِيَ فِرْعَوْنَ وَهَامَانَ وَجُنُودَهُمَا مِنْهُمْ مَا كَانُوا يَحْذَرُونَ) ، [القصص: 5-6] . * * * وبنحو ما قلنا في ذلك قال أهل التأويل. * ذكر من قال ذلك: 15048 - حدثنا محمد بن عمرو قال، حدثنا أبو عاصم قال، حدثنا عيسى، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد في قول الله: (وتمت كلمة ربك الحسنى على بني إسرائيل) ، قال: ظهرَ قوم موسى على فرعون، و "تمكين الله لهم في الأرض" ، وما ورَّثهم منها. (1) 15049 - حدثني المثنى قال، حدثنا أبو حذيفة قال، حدثنا شبل، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد بنحوه. * * * وأما قوله: (ودمرنا ما كان يصنع فرعون وقومه) ، فإنه يقول: وأهلكنا ما كان فرعون وقومه يصنعونه من العِمارات والمزارع = (وما كانوا يعرشون) ، يقول: وما كانوا يبنون من الأبنية والقصور، وأخرجناهم من ذلك كله، وخرَّبنا جميع ذلك. * * * وقد بينا معنى "التعريش" ، فيما مضى بشواهده. (2) وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل. * ذكر من قال ذلك: 15050 - حدثني المثنى قال، حدثنا عبد الله بن صالح قال، حدثني معاوية، عن علي بن أبي طلحة، عن ابن عباس، قوله: (وما كانوا يعرشون) ، يقول: يبنون. (1) في المطبوعة: (( ظهور قوم موسي 000 )) ثم: (( وما ورثهم منها )) بزيادة الواو، وأثبت ما في المخطوطة، فهو مستقيم غاية الاستقامة. (2) انظر تفسير (( التعريش )) فيما سلف 12: 156. 15051 - حدثني محمد بن عمرو قال، حدثنا أبو عاصم، عن عيسى، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد: (يعرشون) ، يبنون البيوت والمساكن ما بلغت، وكان عنبهم غير معرَّش. (1) 15052 - حدثني المثنى قال، حدثنا أبو حذيفة قال، حدثنا شبل، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد، مثله. * * * واختلفت القرأة في قراءة ذلك. فقرأته عامة قرأة الحجاز والعراق: (يَعْرِشُونَ) ، بكسر الراء = سوى عاصم بن أبي النجود، فإنه قرأه بضمّها. * * * قال أبو جعفر: وهما لغتان مشهورتان في العرب، يقال: "عَرَش يعرِش ويعْرُش. فإذا كان ذلك كذلك، فبأيتهما قرأ القارئ فمصيب لاتّفاق مَعْنَيي ذلك، (2) وأنهما معروفان من كلام العرب. وكذلك تفعل العرب في" فَعَل "، إذا ردّته إلى الاستقبال، تضمُّ العين منه أحيانًا، وتكسره أحيانًا. غير أن أحبَّ القراءتين إليّ كسر" الراء "، لشهرتها في العامة، وكثرة القرأة بها، وأنها أصحُّ اللغتين." * * * (1) في المطبوعة: (( غير معروش )) ، وأثبت ما في المخطوطة. (2) في المطبوعة: (( معني ذلك )) بالأفراد، وأثبت ما في المخطوطة بالتثنية. القول في تأويل قوله: {وَجَاوَزْنَا بِبَنِي إِسْرَائِيلَ الْبَحْرَ فَأَتَوْا عَلَى قَوْمٍ يَعْكُفُونَ عَلَى أَصْنَامٍ لَهُمْ قَالُوا يَا مُوسَى اجْعَلْ لَنَا إِلَهًا كَمَا لَهُمْ آلِهَةٌ قَالَ إِنَّكُمْ قَوْمٌ تَجْهَلُونَ (138) } قال أبو جعفر: يقول تعالى ذكره: وقطعنا ببني إسرائيل البحر بعد الآيات التي أريناهموها، والعبر التي عاينوها على يدي نبيّ الله موسى، فلم تزجرهم تلك الآيات، ولم تعظهم تلك العبر والبينات! حتى قالوا = مع معاينتهم من الحجج ما يحق أن يذكُرَ معها البهائم، إذ مرُّوا على قوم يعكفون على أصنام لهم، يقول: يقومون على مُثُل لهم يعبدونها من دون الله (1) = "اجعل لنا" يا موسى "إلهًا" ، يقول: مثالا نعبده وصنما نتخذُه إلهًا، كما لهؤلاء القوم أصنامٌ يعبدونها. ولا تنبغي العبادة لشيء سوى الله الواحد القهار. وقال موسى صلوات الله عليه: إنكم أيها القوم قوم تجهلون عظمة الله وواجبَ حقه عليكم، ولا تعلمون أنه لا تجوز العبادة لشيء سوى الله الذي له ملك السموات والأرض. * * * وذكر عن ابن جريج في ذلك ما: - 15053 - حدثنا القاسم قال، حدثنا الحسين قال، حدثني حجاج: (وجاوزنا ببني إسرائيل البحر فأتوا على قوم يعكفون على أصنام لهم) ، قال ابن جريج: "على أصنام لهم" ، قال: تماثيل بقر. فلما كان عجل السامريّ شبِّه لهم أنه من تلك البقر، فذلك كان أوّل شأن العجل: (قالوا يا موسى اجعل لنا إلهًا كما لهم آلهة قال إنكم قوم تجهلون) ، * * * (1) انظر تفسير (( العكوف )) فيما سلف 3: 41، 539، 540. و (( المثل )) (بضمتين) جمع (( مثال )) (بكسر الميم) ، وهو الصورة، مثل (( التمثال )) . ![]()
__________________
|
#692
|
||||
|
||||
![]() ![]() تفسير جامع البيان عن تأويل آي القرآن الإمام محمد بن جرير الطبري الجزء الثالث عشر تَفْسِيرِ سُّورَةِ الأعراف الحلقة (692) صــ 81 إلى صــ 90 وقيل: إن القوم الذين كانوا عكوفًا على أصنام لهم، الذين ذكرهم الله في هذه الآية، قوم كانوا من لَخْم. * ذكر من قال ذلك: 15054 - حدثنا محمد بن بشار قال، حدثنا بشر بن عمرو قال، حدثنا العباس بن المفضل، عن أبي العوام، عن قتادة: (فأتوا على قوم يعكفون على أصنام لهم) ،قال: على لخم. (1) * * * وقيل: إنهم كانوا من الكنعانيين الذين أمر موسى عليه السلام بقتالهم. وقد:- 15055 - حدثنا محمد بن عبد الأعلى قال، حدثنا محمد بن ثور، عن معمر، عن الزهري: أن أبا واقد الليثي قال: خرجنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم قبل حنين، فمررنا بِسدْرة، (2) قلت: يا نبي الله، اجعل لنا هذه ذاتُ أنواط كما للكفار ذاتُ أنواط! وكان الكفار ينوطون سلاحهم بسدرة يعكفون حولها (3) = فقال النبي صلى الله عليه وسلم: الله أكبر! هذا كما قالت بنو إسرائيل لموسى: "اجعل لنا إلهًا كما لهم آلهة" ، إنكم ستركبون سنن الذين من قبلكم. (4) 15056 - حدثنا الحسن بن يحيى قال، أخبرنا عبد الرزاق قال، أخبرنا (1) الأثر: 15054 - (( بشر بن عمر الحكم بن عقبة الزهراني الأزدي )) ، روي له الجماعة. مضى برقم 3375. و (( العباس بن المفضل )) ، هكذا في المخطوطة والمطبوعة، وأرجح أنه (( العباس بن الفضل الأنصارى الواقفي )) ، مترجم في التهيب، وابن أبي حاتم 2/1/212، وهو متروك الحديث. و (( أبو العوام )) ، هو (( عمران بن داور القطان )) ، مضى برقم: 7503. (2) (( السدرة )) ، وواحدتها (( سدرة )) ، هو شجر النبق. (3) (( ناط الشيء ينوطه نوطا )) ، علقه. و (( الأنواط )) ما يعلق على الهودج أو غيره، وهي المعاليق. (4) الأثر: 15055 - خبر أبي واقد الليثى، في (( ذات أنواط )) ، رواه أبو جعفر من أربع طرق، هذا أولها، وهو خبر مرسل، لأن الزهري لم يسنده. وسيأتي تخريجه في الذي يليه. معمر، عن الزهري، عن سنان بن أبي سنان، عن واقد الليثي قال: خرجنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم قبل حنين، فمررنا بسدرة، فقلنا: يا نبي الله، اجعل لنا هذه ذات أنواط، فذكر نحوه. (1) 15057- حدثني المثنى قال، حدثنا الحجاج قال، حدثنا حماد، عن محمد بن إسحاق، عن الزهري، عن سنان بن أبي سنان، عن أبي واقد الليثي، عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، نحوه. (2) 15058 - حدثني المثنى قال، حدثنا ابن صالح قال، حدثني الليث قال، حدثني عقيل، عن ابن شهاب قال، أخبرني سنان بن أبي سنان الديلي، عن أبي واقد الليثي: أنهم خرجوا من مكة مع رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى حنين، قال: وكان للكفار سدرة يعكفون عندها، ويعلقون بها أسلحتهم، يقال لها "ذات أنواط، قال: فمررنا بسدرة خضراء عظيمة، قال: فقلنا: يا رسول الله، اجعل لنا ذات أنواط. قال:" قلتم والذي نفسي بيده، ما قال قوم موسى: "اجعل لنا إلها كما لهم آلهة قال إنكم قوم تجهلون" ، إنها السنن، لتركبن سَنَنَ من كان قبلكم. (3) * * * (1) الأثر: 15056 - (( سنان بن أبي سنان = الديلى أو الدؤلى =الجدرى )) ، تابعي ثقة. مترجم في التهذيب، والكبير 2/2/163، وابن أبي حاتم 2/1/252. وهذا الخبر رواه أحمد في مسنده 5: 218 من طريق عبد الرازق، عن معمر، بنحوه. (2) الأثر: 15057 - رواه ابن إسحق في سيرته 4: 84، عن (( أبي واقد الليثى، الحارث بن مالك قال: خرجنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى حنين، ونحن حديثو عهد بكفر )) ، وفي المطبوعة الحلبية (( أن الحارث بن مالك )) ، بزيادة (( أن )) ، وهي زيادة فاسدة، ليست في سائر النسخ. (3) الأثر: 15058 - (( ابن صالح )) : هو (( عبد الله بن صالح الجهني المصري )) ، (( أبو صالح )) ، كاتب الليث بن سعد. وأسقط في المطبوعة والمخطوطة [حدثني المثنى قال] ، وأبو جعفر لم يدرك أبا صالح، وإنما يروى عنه عن طريق (( المثنى )) ، كما سلف في إسناده الدائر في التفسير، وأقربه: 15050: (( حدثنا المثنى، قال: حدثنا عبد الله بن صالح )) . وقد رواه البخاري كما سترى عن أبي صالح مباشرة، فلذلك ثبت أنه قد سقط من الإسناد: [حدثني المثنى] فزدتها، وانظر مثل هذا الإسناد فيما سلف: 2350. والليث هو (( الليث بن سعد )) الإمام. و (( عقيل )) هو (( عقيل بن خالد الأيلي )) ، مضى برقم: 19، 2350، ثقة ثبت حجة. وهذا الخبر رواه أحمد من طريق حجاج، عن ليث بن سعد، بنحوه، ورواه البخاري مختصراً في تاريخه 2/2/164 قال: (( وقال لنا أبو صالح حدثني الليث، حدثني عقيل، عن ابن شهاب، أخبرنى سنان بن أبي سنان الدؤلى، ثم الجدرى، عن أبي واقد الليثى، سمع النبي صلى الله عليه وسلم: لتركبن سنن من قبلكم )) . وزاد أحمد طريقاً أخرى في مسنده لخبر أبي واقد، طريق مالك بن أنس، عن الزهرى، عن سنان ابن أبي سنان (المسند رقم 5: 218) . ورواه أبو داود الطيالسي في مسنده: 191 من طريق إبراهيم بن سعد الزهرى، عن [الزهرى] ، عن سنان بن أبي سنان، نحوه. وفي المسند إسقاط [الزهرى] . وخرجه السيوطي في الدر المنشور 3: 114، وزاد نسبته لابن أبي شيبة، والنسائي، وابن المنذر، وابن أبي حاتم، وأبي الشيخ، وابن مردوية. و (( السنن )) (بفتحتين) : نهج الطريق. القول في تأويل قوله: {إِنَّ هَؤُلاءِ مُتَبَّرٌ مَا هُمْ فِيهِ وَبَاطِلٌ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ (139) } قال أبو حعفر: وهذا خبر من الله تعالى ذكره عن قيل موسى لقومه من بني إسرائيل. يقول تعالى ذكره: قال لهم موسى: إن هؤلاء العُكوف على هذه الأصنام، الله مُهْلِكٌ ما هم فيه من العمل ومفسده، ومخسرهم فيه، بإثابته إياهم عليه العذاب المهين = "وباطل ما كانوا يعملون" ، من عبادتهم إياها، فمضمحلّ، لأنه غير نافعهم عند مجيء أمر الله وحلوله بساحتهم، (1) ولا مدافع عنهم بأسَ الله إذا نزل بهم، ولا منقذهم من عذابه إذا عذبهم في القيامة، فهو في معنى ما لم يكن. (2) * * * (1) في المطبوعة: (( غير نافع )) ، وأثبت ما في المخطوطة. (2) انظر تفسير (( الباطل )) فيما سلف من فهارس اللغة (بطل) . وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل. * ذكر من قال ذلك: 15059 - حدثني محمد بن الحسين قال، حدثنا أحمد بن المفضل، = حدثني موسى بن هارون قال، حدثنا عمرو بن حماد = قالا جميعًا، حدثنا أسباط، عن السدي: (إن هؤلاء متبر ما هم فيه) ، يقول: مهلك ما هم فيه. 15060 - حدثني المثنى قال، حدثنا عبد الله بن صالح قال، حدثني معاوية، عن علي بن أبي طلحة، عن ابن عباس، قوله: (إن هؤلاء متبر ما هم فيه) ، يقول: خُسْران. 15061 - حدثني يونس قال، أخبرنا ابن وهب قال، قال ابن زيد في قوله: (إن هؤلاء متبر ما هم فيه وباطل ما كانوا يعملون) ، قال: هذا كله واحد كهيئة: "غفور رحيم" ، "عفوّ غفور" . قال: والعرب تقول: "إنه البائس لمُتَبَّرٌ" ، "وإنه البائس لَمُخَسَّرٌ." * * * القول في تأويل قوله: {قَالَ أَغَيْرَ اللَّهِ أَبْغِيكُمْ إِلَهًا وَهُوَ فَضَّلَكُمْ عَلَى الْعَالَمِينَ (140) } قال أبو جعفر: يقول تعالى ذكره: قال موسى لقومه: أسِوَى الله ألتمسكم إلهًا، وأجعل لكم معبودًا تعبدونه، (1) والله الذي هو خالقكم، فضلكم على عالمي دهركم وزمانكم؟ (2) يقول: أفأبغيكم معبودًا لا ينفعكم ولا يضركم تعبدونه، وتتركون عبادة من فضلكم على الخلق؟ إن هذا منكم لجهل! (1) انظر تفسير (( بغى )) فيما سلف 12: 559، تعليق: 3، والمراجع هناك. (2) انظر تفسير (( العالمين )) فيما سلف من فهارس اللغة (علم) . القول في تأويل قوله: {وَإِذْ أَنْجَيْنَاكُمْ مِنْ آلِ فِرْعَوْنَ يَسُومُونَكُمْ سُوءَ الْعَذَابِ يُقَتِّلُونَ أَبْنَاءَكُمْ وَيَسْتَحْيُونَ نِسَاءَكُمْ وَفِي ذَلِكُمْ بَلاءٌ مِنْ رَبِّكُمْ عَظِيمٌ (141) } قال أبو جعفر: يقول تعالى ذكره لليهود من بني إسرائيل الذين كانوا بين ظهراني مهاجَر رسول الله صلى الله عليه وسلم: واذكروا مع قيلكم هذا الذي قلتموه لموسى بعد رؤيتكم من الآيات والعبر، وبعد النعم التي سلفت مني إليكم، والأيادي التي تقدمت = فعلَكم ما فعلتم = (إذ أنجيناكم من آل فرعون) ، وهم الذين كانوا على منهاجه وطريقته في الكفر بالله من قومه (1) = (يسومونكم سوء العذاب) ، يقول: إذ يحملونكم أقبح العذاب وسيئه. (2) * * * وقد بينا فيما مضى من كتابنا هذا ما كان العذاب الذي كان يسومهم سيئه. (3) * * * = (يقتلون أبناءكم) ، الذكورَ من أولادهم = (ويستحيون نساءكم) ، يقول: يستبقون إناثهم (4) = (وفي ذلكم بلاء من ربكم عظيم) ، يقول: وفي سومهم إياكم سوء العذاب، اختبار من الله لكم ونعمة عظيمة. (5) * * * (1) انظر تفسير (( الآل )) فيما سلف 2: 37 / 3: 222، تعليق 3 / 6: 326 / 8: 480. (2) انظر تفسير (( السوم )) فيما سلف 2: 40. (3) انظر ما سلف 2: 40، 41. (4) انظر تفسير (( الاستحياء )) فيما سلف 2: 41 - 48 / 13: 41. (5) انظر تفسير (( البلاء )) فيما سلف 12: 289، تعليق: 2، والمراجع هناك. وكان في المطبوعة: (( وتعمد عظيم )) ، ولا معنى له، والصواب ما أثبت، وانظر ما سلف في تفسير نظيرة هذه الآية 2: 48، 49، فمنه استظهرت الصواب. القول في تأويل قوله: {وَوَاعَدْنَا مُوسَى ثَلاثِينَ لَيْلَةً وَأَتْمَمْنَاهَا بِعَشْرٍ فَتَمَّ مِيقَاتُ رَبِّهِ أَرْبَعِينَ لَيْلَةً} قال أبوجعفر: يقول تعالى ذكره: وواعدنا موسى لمناجاتنا ثلاثين ليلة. (1) وقيل: إنها ثلاثون ليلة من ذي القعدة. = (وأتممناها بعشر) ، يقول: وأتممنا الثلاثين الليلة بعشر ليال تتمة أربعين ليلة. * * * وقيل: إن العشر التي أتمها به أربعين، عشر ذي الحجة. * ذكر من قال ذلك. 15062 - حدثنا ابن وكيع قال، حدثنا أبي، عن سفيان، عن ليث، عن مجاهد: (وواعدنا موسى ثلاثين ليلة وأتممناها بعشر) ، قال: ذو القعدة، وعشر ذي الحجة. 15063 - ... قال، حدثنا جرير، عن ليث، عن مجاهد: (وواعدنا موسى ثلاثين ليلة وأتممناها بعشر) ، قال: ذو القعدة، وعشر ذي الحجة. ففي ذلك اختلفوا. (2) 15064 - حدثني المثنى قال، حدثنا أبو حذيفة قال، حدثنا شبل، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد: (وواعدنا موسى ثلاثين ليلة) ، هو ذو القعدة، وعشر من ذي الحجة، فذلك قوله: (فتم ميقات ربه أربعين ليلة) . 15065 - حدثني محمد بن عبد الأعلى قال، حدثنا المعتمر بن سليمان، عن أبيه قال: زعم حضرميٌّ أن الثلاثين التي كان واعدَ موسى ربه، كانت (1) انظر تفسير (( المواعدة )) فيما سلف 2: 58 - 60، في نظيرة هذه الآية. (2) الأثر: 15063 - وضعت النقط، لأنه اختصار أراد به أن صدر الإسناد هو صدر الإسناد الذي قبله، وقد مضى مثل ذلك مرارًا ولم أشر إليه، فآثرت منذ الآن، أن أضع النقط تنبيهاً على ذلك، فهو رواية سفيان بن وكيع، عن جرير، كما مضى مرارًا مثل هذا الإسناد. ذا القعدة، والعشرَ من ذي الحجة التي تمم الله بها الأربعين. 15066 - حدثنا القاسم قال، حدثنا الحسين قال، حدثني حجاج، عن ابن جريج، عن مجاهد: (وواعدنا موسى ثلاثين ليلة) ، قال: ذو القعدة. (وأتممناها بعشر) ، قال: عشر ذي الحجة = قال ابن جريج: قال ابن عباس مثله. 15067 - حدثني الحارث قال، حدثنا عبد العزيز قال، حدثنا أبو سعد قال، سمعت مجاهدًا يقول في قوله: (وواعدنا موسى ثلاثين ليلة وأتممناها بعشر) ، قال: ذو القعدة، والعشر الأوَل من ذي الحجة. 15068 - ... قال: حدثنا عبد العزيز قال، حدثنا إسرائيل، عن أبي إسحاق، عن مسروق: (وأتممناها بعشر) ، قال: عشر الأضحى. * * * وأما قوله: (فتم ميقات ربه أربعين ليلة) ، فإنه يعني: فكمل الوقت الذي واعد الله موسى أربعين ليلة، (1) وبلغها. كما:- 15069 - حدثنا القاسم قال، حدثنا الحسين قال، حدثني حجاج، عن ابن جريج: (فتم ميقات ربه) ، قال: فبلغ ميقات ربه أربعين ليلة. * * * القول في تأويل قوله: {وَقَالَ مُوسَى لأخِيهِ هَارُونَ اخْلُفْنِي فِي قَوْمِي وَأَصْلِحْ وَلا تَتَّبِعْ سَبِيلَ الْمُفْسِدِينَ (142) } قال أبو جعفر: يقول تعالى ذكره: لما مضى لموعد ربه قال لأخيه هارون: (اخلفني في قومي) ، يقول: كن خليفتي فيهم إلى أن أرجع. * * * (1) انظر تفسير (( التمام )) فيما سلف 3: 17، 18 / 4: 7/ 12: 62. = وتفسير (( الميقات )) فيما سلف 3: 553 - 555. يقال منه: "خَلَفه يخْلُفه خِلافة" . (1) * * * (وأصلح) ، يقول: وأصلحهم بحملك إياهم على طاعة الله وعبادته، كما:- 15070 - حدثنا القاسم قال، حدثنا الحسين قال، حدثني حجاج، عن ابن جريج قال: "وقال موسى لأخيه هارون اخلفني في قومي وأصلح" ، وكان من إصلاحه أن لا يدع العجل يُعْبد. * * * وقوله: (ولا تتبع سبيل المفسدين) ، يقول: ولا تسلك طريق الذين يفسدون في الأرض، بمعصيتهم ربهم، ومعونتهم أهل المعاصي على عصيانهم ربهم، ولكن اسلك سبيل المطيعين ربهم. (2) * * * وكانت مواعدة الله موسى عليه السلام بعد أن أهلك فرعون، ونجَّى منه بني إسرائيل، فيما قال أهل العلم، كما:- 15071 - حدثنا القاسم قال، حدثنا الحسين قال، حدثني الحجاج، عن ابن جريج قوله: (وواعدنا موسى ثلاثين ليلة) ، الآية، قال: يقول: إن ذلك بعد ما فرغ من فرعون وقبل الطور، لما نجى الله موسى عليه السلام من البحر وغرّق آل فرعون، وخلص إلى الأرض الطيبة، أنزل الله عليهم فيها المنّ والسلوى، وأمره ربه أن يلقَاه، فلما أراد لقاء ربه، استخلف هارون على قومه، وواعدهم أن يأتيهم إلى ثلاثين ليلة، ميعادًا من قِبَله، من غير أمر ربه ولا ميعاده. فتوجه ليلقى ربه، فلما تمت ثلاثون ليلة، قال عدو الله السامريُّ: ليس يأتيكم موسى، وما يصلحكم إلا إله تعبدونه! فناشدهم هارون وقال: لا تفعلوا، انظروا ليلتكم هذه ويومكم هذا، فإن جاء وإلا فعلتم ما بدا لكم! فقالوا: نعم! فلما أصبحوا (1) انظر تفسير (( الخلافة )) فيما سلف 12: 540، 541 تعليق: 1، والمراجع هناك. (2) انظر تفسير (( اتبع )) و (( الفساد )) فيما سلف من فهارس اللغة (تبع) (فسد) . من غد ولم يروا موسى، عاد السامري لمثل قوله بالأمس. قال: وأحدث الله الأجل بعد الأجل الذي جعله بينهم عشرًا، (1) فتم ميقات ربه أربعين ليلة، فعاد هارون فناشدهم إلا ما نظروا يومهم ذلك أيضًا، فإن جاء وإلا فعلتم ما بدا لكم! ثم عاد السامري الثالثة لمثل قوله لهم، وعاد هارون فناشدهم أن ينتظروا، فلما لم يروا ... (2) 15072 - قال القاسم، قال الحسين، حدثني حجاج قال، حدثني أبو بكر بن عبد الله الهذليّ قال: قام السامري إلى هارون حين انطلق موسى فقال: يا نبي الله، إنا استعرنا يوم خرجنا من القبط حليًّا كثيرًا من زينتهم، وإن الجند الذين معك قد أسرعوا في الحلي يبيعونه وينفقونه، (3) وإنما كان عارية من آل فرعون، فليسوا بأحياء فنردّها عليهم، ولا ندري لعل أخاك نبيّ الله موسى إذا جاء يكون له فيها رأي، إما يقرّبها قربانا فتأكلها النار، وإما يجعلها للفقراء دون الأغنياء! فقال له هارون: نِعْمَ ما رأيت وما قلت! فأمر مناديًا فنادى: من كان عنده شيء من حليّ آل فرعون فليأتنا به! فأتوه به، فقال هارون: يا سامري أنت أحق من كانت عنده هذه الخزانة! فقبضها السامري، وكان عدو الله الخبيث صائغًا، فصاغ منه عجلا جسدًا، ثم قذف في جوفه تُرْبة من القبضة التي قبض من أثر فرس جبريل عليه السلام إذ رآه في البحر، فجعل (1) في المطبوعة: (( بينهم عشرا )) وفي المخطوطة غير منقوطة، وهذا صوابها. (2) الأثر 15071 - هذا خبر لم يتم كما ترى، ولم أجده في مكان آخر. وسبب ذلك أن قوله (( فلما لم يروه )) هو في المخطوطة في آخر الصفحة اليسرى، ثم بدأ بعدها: (( قال القاسم )) ، فظاهر أن الناسخ عجل، فأسقط من الخبر تمامه، لما قلب الصفحة، وبدأ الخبر التالي بعده. (3) (3) في المطبوعة: (( وإن الذين معك )) ، حذف (( الجند )) ، لأنها غير منقوطة، فلم يحسن قراءتها. يخور، ولم يخر إلا مرة واحدة، وقال لبني إسرائيل: إنما تخلف موسى بعد الثلاثين الليلة يلتمس هذا! (هذا إلهُكُمْ وإلهُ مُوسَى فَنَسِي) ، [طه: 88] . يقول: إن موسى عليه السلام نسي ربّه. * * * القول في تأويل قوله: {وَلَمَّا جَاءَ مُوسَى لِمِيقَاتِنَا وَكَلَّمَهُ رَبُّهُ قَالَ رَبِّ أَرِنِي أَنْظُرْ إِلَيْكَ قَالَ لَنْ تَرَانِي وَلَكِنِ انْظُرْ إِلَى الْجَبَلِ فَإِنِ اسْتَقَرَّ مَكَانَهُ فَسَوْفَ تَرَانِي} قال أبوجعفر: يقول تعالى ذكره: ولما جاء موسى للوقت الذي وعدنا أن يلقانا فيه (1) = "وكلمه ربه" ، وناجاه = "قال" موسى لربه = (أرني أنظر إليك) ، قال الله له مجيبًا: "(لن تراني ولكن انظر إلى الجبل) ." * * * وكان سبب مسألة موسى ربه النظر إليه، ما:- 15073 - حدثني به موسى بن هارون قال، حدثنا عمرو قال، حدثنا أسباط، عن السدي قال: إن موسى عليه السلام لما كلمه ربه، أحب أن ينظر إليه = قال: "رب أرني أنظر إليك قال لن تراني ولكن انظر إلى الجبل فإن استقر مكانه فسوف تراني" ، فحُفَّ حول الجبل [بملائكة] ، (2) وحُفَّ حول الملائكة بنار، وحُفّ حول النار بملائكة، وحُفّ حول الملائكة بنار، ثم تجلى ربه للجبل. 15074 - حدثني المثنى قال، حدثنا إسحاق قال، حدثنا عبد الله بن (1) انظر تفسير (( الميقات )) فيما سلف قريباً ص: 87، تعليق: 1، والمراجع هناك. (2) هذه الزيادة بين القوسين يقتضيها السياق. ![]()
__________________
|
#693
|
||||
|
||||
![]() ![]() تفسير جامع البيان عن تأويل آي القرآن الإمام محمد بن جرير الطبري الجزء الثالث عشر تَفْسِيرِ سُّورَةِ الأعراف الحلقة (693) صــ 91 إلى صــ 100 أبي جعفر، عن أبيه، عن الربيع، في قوله: (وَقَرَّبْنَاهُ نَجِيًّا) ، [مريم: 52] ، قال: حدثني من لقي أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم أنه قرّبه الربّ حتى سمع صَرِيف القلم، (1) فقال عند ذلك من الشوق إليه: (رب أرني انظر إليك قال لن تراني ولكن انظر إلى الجبل) . 15075 - حدثنا القاسم قال، حدثني الحسين قال، حدثني حجاج، عن أبي بكر الهذلي قال: لما تخلف موسى عليه السلام بعد الثلاثين، حتى سمع كلام الله، اشتاق إلى النظر إليه فقال: (ربّ أرني أنظر إليك! قال: لن تراني) ، وليس لبشر أن يطيق أن ينظر إليّ في الدنيا، من نظر إلي مات! قال: إلهي سمعت منطقك، واشتقت إلى النظر إليك، ولأن أنظر إليك ثم أموتُ أحب إليّ من أن أعيش ولا أراك! قال: فانظر إلى الجبل، فإن استقر مكانه فسوف تراني. 15076 - حدثني المثنى قال، حدثنا عبد الله قال، حدثني معاوية، عن علي، عن ابن عباس قوله: (أرني انظر إليك) ، قال: أعطني. 15077 - حدثنا ابن حميد قال، حدثنا سلمة، عن ابن إسحاق قال: استخلف موسى هارون على بني إسرائيل وقال: إني متعجل إلى ربي، فاخلفني في قومي ولا تتبع سبيل المفسدين. فخرج موسى إلى ربه متعجلا للقيّه شوقًا إليه، وأقام هارون في بني إسرائيل، ومعه السامري يسير بهم على أثر موسى ليلحقهم به. فلما كلم الله موسى، طمع في رؤيته، فسأل ربه أن ينظر إليه، فقال الله لموسى: إنك لن تراني، (ولكن انظر إلى الجبل فإن استقر مكانه فسوف تراني) ، الآية. قال ابن إسحاق: فهذا ما وصل إلينا في كتاب الله عن خبر موسى لما طلب النظر إلى ربه، وأهل الكتاب يزعمونَ وأهلُ التوراة: أنْ قد كان لذلك تفسير وقصة وأمور كثيرة، ومراجعة لم تأتنا في كتاب الله، والله أعلم. = قال ابن إسحاق عن بعض أهل العلم الأوّل بأحاديث أهل الكتاب، إنهم (1) (( صريف القلم والباب والناب )) ، ونحوها: وهو مثل (( الصرير )) ، وهو صوت ممتد حاد. يجدون في تفسير ما عندهم من خبر موسى حين طلب ذلك إلى ربه، أنه كان من كلامه إياه حين طمع في رؤيته، وطلب ذلك منه، وردّ عليه ربه منه ما ردّ: أن موسى كان تطهّر وطهّر ثيابه، وصام للقاء ربه. فلما أتى طور سينا، ودنا الله له في الغمام فكلّمه، سبحه وحمّده وكبره وقدَّسه، مع تضرع وبكاء حزين، ثم أخذ في مِدْحته، فقال: ربّ ما أعظمك وأعظم شأنك كله! من عظمتك أنه لم يكن شيء من قبلك، فأنت الواحد القهار، كأن عرشك تحت عظمتك نارًا توقد لك، وجعلت سرادقًا [من نور] من دونه سرادق من نور، (1) فما أعظمك ربّ وأعظم ملكك! جعلت بينك وبين ملائكتك مسيرة خمسمائة عام. فما أعظمك رب وأعظم ملكك في سلطانك! فإذا أردت شيئًا تقضيه في جنودك الذين في السماء أو الذين في الأرض، وجنودك الذين في البحر، بعثت الريح من عندك لا يراها شيء من خلقك، إلا أنت إن شئت، (2) فدخلت في جوف من شئت من أنبيائك، فبلغوا لما أردت من عبادك. (3) وليس أحد من ملائكتك يستطيع شيئًا من عظمتك ولا من عرشك ولا يسمع صوتك، فقد أنعمت عليّ وأعظمت عليّ في الفضل، وأحسنت إليّ كلّ الإحسان! عظمتني في أمم الأرض، وعظمتني عند ملائكتك، وأسمعتني صوتك، وبذلت لي كلامك، وآتيتني حكمتك، فإن أعدَّ نعماك لا أحصيها، وإن أُرِد شكرك لا أستطيعه. (4) دعوتك، ربّ، على فرعون بالآيات العظام، والعقوبة الشديدة، فضربت بعصاي التي في يدي البحر فانفلق لي ولمن معي! ودعوتك حين أجزتُ البحر، (5) فأغرقت عدوك وعدوّي. وسألتك الماء لي ولأمتي، فضربت بعصاي التي في يدي الحجر، فمنه أرويتني وأمتي. وسألتك لأمتي طعامًا لم يأكله أحد كان قبلهم، فأمرتني أن أدعوك من قبل المشرق ومن قبل المغرب، فناديتك من شرقي أمتي فأعطيتهم المن من مشرق لنفسي، (6) وآتيتهم السلوى من غربيهم من قبل البحر، واشتكيت الحر فناديتك، فظللت عليهم بالغمام. فما أطيق نعماك علي أن أعدّها ولا أحصيها، وإن أردت شكرها لا أستطيعه. (7) فجئتك اليوم راغبًا طالبًا سائلا متضرعًا، لتعطيني ما منعت غيري. أطلب إليك، وأسالك يا ذا العظمة والعزة والسلطان، أن تريني أنظر إليك، فإني قد أحببت أن أرى وجهك الذي لم يره شيء من خلقك! قال له رب العزة: ألا ترى يا ابن عمران ما تقول؟ (8) تكلمت بكلام هو أعظم من سائر الخلق! لا يراني أحد فيحيا، [أليس في السموات معمري، فإنهن قد ضعفن أن يحملن عظمتي، وليس في الأرض معمري، فإنها قد ضعفت أن تسع بجندي] . (9) فلستُ في مكان واحد فأتجلى لعين تنظر إليّ. قال موسى: يا رب، أن أراك وأموت، أحب إليّ من أن لا أراك وأحيا. قال له رب العزة: يا ابن عمران تكلمتَ بكلام هو أعظم من سائر الخلق، لا يراني أحد فيحيا! قال: رب تمم علي نعماك، وتمم عليّ فضلك، وتمم عليّ إحسانك، بهذا الذي سألتك، (10) ليس لي أن أراك فأقبض، ولكن أحب أن أراك فيطمئن قلبي. قال له: يا ابن عمران، لن يراني أحد فيحيا! قال: موسى رب تمم عليّ نعماك وتمم عليّ فضلك، وتمم علي إحسانك بهذا الذي سألتك، فأموت على أثر ذلك، (11) أحب إلي من الحياة! فقال الرحمن المترحِّم على خلقه: قد طلبت يا موسى، [وحيـ] لأعطينك (12) سؤلك إن استطعت أن تنظر إليّ، فاذهب فاتخذ لوحين، ثم انظر إلى الحجر الأكبر في رأس الجبل، فإن ما وراءه وما دونه مضيق لا يسع إلا مجلسك يا ابن عمران. ثم انظر فإني أهبط إليك وجنودي من قليل وكثير، ففعل موسى كما أمره ربه، نحت لوحين ثم صعد بهما إلى الجبل فجلس على الحجر، فلما استوى عليه، أمر الله جنوده الذين في السماء الدنيا فقال: ضعي أكتافك حول الجبل. فسمعت ما قال الرب، ففعلت أمره. ثم أرسل الله الصواعق والظلمة والضباب على ما كان يلي الجبل الذي يلي موسى أربعة فراسخ من كل ناحية، ثم أمر الله ملائكة الدنيا أن يمرُّوا بموسى، فاعترضوا عليه، فمروا به طيرانَ النُّغَر، (13) تنبع أفواههم بالتقديس والتسبيح بأصوات عظيمة كصوت الرعد الشديد، فقال موسى بن عمران عليه السلام: رب، إني كنت عن هذا غنيًّا، ما ترى عيناي شيئًا، قد ذهب بصرهما من شعاع النور المتصفِّف على ملائكة ربي! ثم أمر الله ملائكة السماء الثانية: أن اهبطوا على موسى فاعترضوا عليه! فهبطوا أمثال الأسد لهم لَجَبٌ بالتسبيح والتقديس، (14) ففزع العبد الضعيف ابن عمران مما رأى ومما سمع، فاقشعرّت كل شعرة في رأسه وجلده، ثم قال: ندمت على مسألتي إياك، فهل ينجيني من مكاني الذي أنا فيه شيء؟ فقال له كبير الملائكة ورأسهم (15) يا موسى، اصبر لما سألت، فقليل من كثير ما رأيت! ثم أمر الله ملائكة السماء الثالثة: أن اهبطوا على موسى، فاعترضوا عليه! فأقبلوا أمثال النسور لهم قَصْفٌ ورجفٌ ولجبٌ شديد، (16) وأفواههم تنبع بالتسبيح والتقديس، كلجَب الجيش العظيم، كلهب النار. (17) ففزع موسى، وأَسِيَتْ نفسه وأساء ظنه، (18) وأَيِسَ من الحياة، فقال له كبير الملائكة ورأسهم: مكانك يا ابن عمران، حتى ترى ما لا تصبر عليه! ثم أمر الله ملائكة السماء الرابعة: أن اهبطوا فاعترضوا على موسى بن عمران! فأقبلوا وهبطوا عليه لا يشبههم شيء من الذين مرُّوا به قبلهم، ألوانهم كلهب النار، وسائر خلقهم كالثلج الأبيض، أصواتهم عالية بالتسبيح والتقديس، لا يقاربهم شيء من أصوات الذين مرُّوا به قبلهم. فاصطكّت ركبتاه، وأرعد قلبه، واشتد بكاؤه، فقال كبير الملائكة ورأسهم: يا ابن عمران اصبر لما سألت، فقليل من كثيرٍ ما رأيت! ثم أمر الله ملائكة السماء الخامسة: أن اهبطوا فاعترضوا على موسى! فهبطوا عليه سبعةَ ألوان، فلم يستطع موسى أن يُتبعهم طرفه، ولم ير مثلهم، ولم يسمع مثل أصواتهم، وامتلأ جوفه خوفًا، واشتد حزنه وكثر بكاؤه، فقال له كبير الملائكة ورأسهم: يا ابن عمران، مكانك حتى ترى ما لا تصبر عليه! ثم أمر الله ملائكة السماء السادسة: أن اهبطوا على عبدي الذي طلب أن يراني موسى بن عمران، واعترضوا عليه! فهبطوا عليه في يد كل ملك مثل النخلة الطويلة نارًا أشد ضوءًا من الشمس، ولباسهم كلهب النار، إذا سبحوا وقدسوا جاوبهم من كان قبلهم من ملائكة السموات كلهم، يقولون بشدة أصواتهم: "سبوح قدوس، رب العزة أبدا لا يموت" في رأس كل ملك منهم أربعة أوجه، فلما رآهم موسى رفع صوته يسبح معهم حين سبحوا، وهو يبكي ويقول: "رب أذكرني، ولا تنس عبدك، لا أدري أأنفلتُ مما أنا فيه أم لا إن خرجت أحرقت، وإن مكثت مت" ! فقال له كبير الملائكة ورئيسهم (19) قد أوشكت يا ابن عمران أن يمتلئ جوفك، وينخلع قلبك، ويشتد بكاؤك، فاصبر للذي جلست لتنظر إليه يا ابن عمران! وكان جبل موسى جبلا عظيما، فأمر الله أن يحمل عرشه، ثم قال: مرُّوا بي على عبدي ليراني، فقليل من كثيرٍ ما رأى! فانفرج الجبل من عظمة الرب، وغشَّي ضوء عرش الرحمن جبل موسى، ورفعت ملائكة السموات أصواتها جميعا، فارتجّ الجبل فاندكَّ، وكل شجرة كانت فيه، وخرّ العبد الضعيفُ موسى بن عمران صعقًا على وجهه، ليس معه روحه، فأرسل الله الحياة برحمته، فتغشاه برحمته (20) وقلب الحجر الذي كان عليه وجعله كالمعِدة كهيئة القبة، (21) لئلا يحترق موسى، فأقامه الروح، مثل الأم أقامت جنينها حين يصرع. قال: فقام موسى يسبح الله ويقول: آمنت أنك ربي، وصدقت أنه لا يراك أحد فيحيا، ومن نظر إلى ملائكتك انخلع قلبه، فما أعظمك ربّ، وأعظم ملائكتك، أنت رب الأرباب وإله الآلهة وملك الملوك، تأمر الجنود الذين عندك فيطيعونك وتأمر السماء وما فيها فتطيعك، لا تستنكف من ذلك، ولا يعدلك شيء ولا يقوم لك شيء، رب تبت إليك، الحمد لله الذي لا شريك له، ما أعظمك وأجلّك ربَّ العالمين! * * * (1) الزيادة بين القوسين مما يقتضيه السياق. (2) في المخطوطة والمطبوعة: (( بعثت الريح )) ، ولا أشك أن الصواب ما أثبت، ويعني بذلك ما قال الله سبحانه في (( سورة غافر )) 15: "رَفِيعُ الدَّرَجَاتِ ذُو الْعَرْشِ يُلْقِي الرُّوحَ مِنْ أَمْرِهِ عَلَى مَنْ يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ لِيُنْذِرَ يَوْمَ التَّلاقِ" (3) في المطبوعة: (( لما أردت من عبادك )) وفي المخطوطة: (( ما أردت )) ، والصواب ما أثبت. (4) في المطبوعة: (وإن أردت شكرك لا أستطيعها ) ) ، وفي المخطوطة: (( وإن أرد شكرك لا أستطيعها )) ، والصواب ما أثبت. (5) في المطبوعة: (( جزت )) ، وأثبت ما في المخطوطة، وهو صواب أيضاً. (6) في المطبوعة: (( مشرقي لننفسى )) ، وهذه جملة مضطربة لا أدرى ما صوابها. (7) في المطبوعة والمخطوطة: (( لا أستطيعها )) ، والصواب ما أثبت. (8) في المطبوعة: (( فلا ترى )) وأثبت ما في المخطوطة. (9) هذه العبارة التي بين القوسين، لم أدر ما هي، قد جاءت في المخطوطة هكذا: (( في السماء معمرى ... )) ، وسائر الجملة كما في المطبوعة. وأنا في شك من ألفاظها، ولم أستطع أن اهتدي إلى تحريفها، فوضعتها بين القوسين. والخبر كله مضطرب اللفظ، ولم أجده في مكان آخر. فلذلك تركته كما هو، إلا أن يكون خطأ ظاهراً. (10) في المطبوعة: (( هذا الذي سألتك )) ، وأثبت ما في المخطوطة. وكذلك كانت في المطبوعة في الجملة التالية. (11) في المطبوعة: "هذا الذي سألتك ليس لي أن أراك فأموت" زادها قياسًا على السالف قبلها وأثبت ما في المخطوطة. (12) هذه الكلمة بين القوسين (هكذا في المخطوطة) . ولا أدري ما قراءتها. وأما في المطبوعة فقد حذفها وغير ما بعدها وكتب: "وأعطيتك" مكان "لأعطينك" . (13) (( النغر )) (بضم ففتح) : ضرب من الطير حمر المناقير وأصول الأحناك، يقال: هو البلبل عند أهل المدينة. (14) (( اللجب )) (بفتحتين) : ارتفاع الأصوات واختلاطها. (15) في المطبوعة والمخطوطة: (( خير الملائكة )) وكأن الصواب (( كبير الملائكة )) ، كما أثبثها، وقد جاءت (( خير الملائكة )) في جميع المواضع الآتية، الأخير منها فقد كتبت علي الصواب: (( كبير )) . (16) في المطبوعة: (( نخف )) ، وفي المخطوطة: (( قصف )) غير منقوطة، وصواب قراءتها ما أثبت. و (( القصف )) و (( القصيف )) صوت الرعد وما أشبهه. (17) في المطبوعة: (( أو كلهب )) بزيادة (( أو )) وأثبت ما في المخطوطة. (18) في المطبوعة: (( وأيست نفسه، وأساء ظنه )) وأثبت ما في المخطوطة وهو الصواب. يقال: (( أسيت نفسه )) أي: حزنت. وانظر تفسير (( ساء ظنه )) فيما سلف 3: 585، تعليق: 1، ومعناه: خامرته الظنون السيئة. (19) انظر التعليق السالف ص: 95، تعليق: 1. (20) في المطبوعة أسقط (( الروح )) من الجملة. (21) هكذا في المخطوطة والمطبوعة: (( كالمعدة )) ، ولا أدري أيصح هذا أم لا؟ القول في تأويل قوله: {فَلَمَّا تَجَلَّى رَبُّهُ لِلْجَبَلِ جَعَلَهُ دَكًّا وَخَرَّ مُوسَى صَعِقًا} قال أبو جعفر: يقول تعالى ذكره: فلما اطّلع الرب للجبل، جعل الله الجبل دكًّا، أي: مستويًا بالأرض = (وخر موسى صعقًا) ، أي: مغشيا عليه. (1) * * * وبنحو ما قلنا في ذلك قال أهل التأويل. * ذكر من قال ذلك: 15078 - حدثني الحسين بن محمد بن عمرو العنقزي قال، حدثني أبي قال، حدثنا أسباط، عن السدي، عن عكرمة، عن ابن عباس في قول الله: (فلما تجلى ربه للجبل جعله دكا) ، قال: ما تجلى منه إلا قدر الخنصر = (جعله دكًّا، قال: ترابًا = (وخر موسى صعقًا) ، قال: مغشيًّا عليه. 15079 - حدثنا موسى قال، حدثنا عمرو قال، حدثنا أسباط قال: زعم السدي، عن عكرمة، عن ابن عباس أنه قال: تجلى منه مثل الخِنصر، فجعل الجبل دكَّا، وخر موسى صعقًا، فلم يزل صعقًا ما شاء الله. 15080 - حدثني يونس قال، أخبرنا ابن وهب قال، قال ابن زيد في قوله: (وخر موسى صعقا) ، قال: مغشيًّا عليه. 15081 - حدثنا بشر بن معاذ قال، حدثنا يزيد قال، حدثنا سعيد، عن قتادة قوله: (فلما تجلى ربه للجبل جعله دكًّا) ، قال انقعر بعضه على بعض = (وخر موسى صعقًا) ، أي: ميتا. 15082 - حدثنا القاسم قال، حدثنا الحسين قال، حدثني حجاج، عن ابن جريج: (وخر موسى صعقًا) ، أي: ميتًا. (1) انظر تفسير (( الصعقة )) فيما سلف 2: 83، 84 /9: 359. 15083 - حدثنا محمد بن عبد الأعلى قال، حدثنا محمد بن ثور، عن معمر، عن قتادة في قوله: (دكًّا) ، قال: دك بعضه بعضًا. 15084 - حدثني المثنى قال، حدثنا سويد قال، أخبرنا ابن المبارك قال: سمعت سفيان يقول في قوله: (فلما تجلى ربه للجبل جعله دكًّا) ، قال: ساخ الجبل في الأرض، حتى وقع في البحر فهو يذهب معه. 15085 - حدثنا القاسم قال، حدثنا الحسين، عن الحجاج، عن أبي بكر الهذلي: (فلما تجلى ربه للجبل جعله دكًّا) ، انقعر فدخل تحت الأرض، فلا يظهر إلى يوم القيامة. 15086 - حدثنا أحمد بن سهيل الواسطي قال، حدثنا قرة بن عيسى قال، حدثنا الأعمش، عن رجل، عن أنس عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "لما تجلى ربه للجبل أشار بأصبعه فجعله دكًّا" = وأرانا أبو إسماعيل بأصبعه السبابة. (1) 15087 - حدثني المثنى قال، حدثني الحجاج بن المنهال قال، حدثنا حماد، عن ثابت، عن أنس: أن النبي صلى الله عليه وسلم قرأ هذه الآية: (فلما تجلى ربه للجبل جعله دكًّا) ، قال هكذا بإصبعه، (2) =ووضع النبي صلى الله عليه وسلم الإبهام على المفصل الأعلى من الخنصر =فساخ الجبل ". (3) " (1) الأثر: 15086 - (( أحمد بن سهيل الواسطى )) ، شيخ الطبري، لم أجد له ترجمة. و "قرة أبي عيسى" ، لم أجد له ترجمة ولا ذكرا. وهذا الخبر ذكره ابن كثير في تفسيره نقلا عن هذا الموضع، ولم يزد علي أن قال: (( هذا الإسناد فيه رجل مبهم لم يسم )) . (2) (( قال )) هنا بمعني: أشار. (3) الأثر: 15087 - (( حماد )) ، هو حماد بن سلمة )) ، مضى مرارًا. و (( ثابت )) هو ثابت بن أسلم البنانى )) ، ثقة، روى له الجماعة: مضى برقم: 2942، 7030. وهو إسناد رجالة ثقات. وهذا الخبر رواه الترمذي في تفسير الآية، من طريق سليمان بن حرب، عن حماد، ثم قال (( هذا حديث صحيح غريب، لا نعرفه إلا من حديث حماد بن سلمة )) . وذكره ابن كثير في تفسيره 3: 546، عن هذا الموضع في تفسير الطبري، ولكنه كتب إسناده هكذا: (( حدثنا حماد، عن ليث، عن أنس )) ثم قال: (( هكذا وقع في هذا الرواية: (( حماد بن سلمة، عن ثابت، عن ليث، عن أنس )) وليس ذلك كما نقل، فان الثابت في المخطوطة والمطبوعة، (( حماد، عن ثابت، عن أنس )) ، ليس فيها (( ليث )) ، فلا أدرى كيف وقع هذا للحافظ ابن كثير، ولا من أين؟ . وانظر تخريج الأثر التالي. 15088 - حدثني المثنى قال، حدثنا هدبة بن خالد قال، حدثنا حماد بن سلمة، عن ثابت، عن أنس بن مالك قال: قرأ رسول الله صلى الله عليه وسلم: (فلما تجلى ربه للجبل جعله دكًّا) ، قال: وضع الإبهام قريبًا من طرف خنصره، قال: فساخ الجبل = فقال حميد لثابت: تقول هذا؟ قال: فرفع ثابت يده فضرب صدر حُمَيْد، وقال: يقوله رسول الله صلى الله عليه وسلم، ويقوله أنس، وأنا أكتمه! (1) 15089 - حدثني المثنى قال، حدثنا إسحاق قال، حدثنا عبد الله بن أبي جعفر، عن أبيه، عن الربيع: (فلما تجلى ربه للجبل جعله دكًّا وخرّ موسى صعقًا) ، وذلك أن الجبل حين كُشِف الغطاء ورأى النور، صار مثل دكّ من الدكَّات. (2) (1) الأثر: 15088 - هو مطول الأثر السالف. وقد رواه ابن كثير تفسيره 3: 546، 547، ثم قال: (( وهكذا رواه الإمام أحمد في مسنده: حدثنا أبو المثنى، معاذ ابن معاذ العنبرى، حدثنا حماد بن سلمة، حدثنا ثابت البنانى، عن أنس بن مالك )) ثم ذكر الخبر بنحوه. ثم قال: (( وهكذا رواه الترمذي في تفسير هذه الآية، عن عبد الوهاب بن الحكم الوراق، عن معاذ بن معاذ )) . ورواه الحاكم في المستدرك 2: 320، من طريق عفان بن مسلم، عن حماد بن سلمة، وعن طريق سليمان بن حرب، عن حماد، بنحو حديث هد بة بن خالد، عن حماد، ثم قال: (( هذا حديث صحيح علي شرط مسلم )) ووافقه الذهبي. وقال ابن كثير: (( وهذا إسناد صحيح له علة فيه )) . بعد أن ذكر خبر أبي جعفر. و (( حميد )) المذكور في هذا الخبر، هو (( حميد الطويل )) . (2) (2) لعل صواب من (( الدكاوات )) ، كما سيأتي في ص: 101، تعليق: 1. 15090 - حدثنا الحرث قال، حدثنا عبد العزيز قال، حدثنا أبو سعد، عن مجاهد: (ولما جاء موسى لميقاتنا وكلمه ربه قال رب أرني أنظر إليك قال لن تراني ولكن انظر إلى الجبل فإن استقر مكانه) ، فإنه أكبر منك وأشد خلقا = (فلما تجلى ربه للجبل) ، فنظر إلى الجبل لا يتمالك، وأقبل الجبل يندك على أوله (1) . فلما رأى موسى ما يصنع الجبل، خر صعقًا. * * * واختلفت القرأة في قراءة قوله: (دكًّا) . فقرأته عامة قراء أهل المدينة والبصرة: (دكًّا) ، مقصورًا بالتنوين بمعنى: "دكّ الله الجبل دكًّا" أي: فتته، واعتبارًا بقول الله: (كَلا إِذَا دُكَّتِ الأرْضُ دَكًّا دَكًّا) ، [سورة الفجر: 21] وقوله: (وَحُمِلَتِ الأرْضُ وَالْجِبَالُ فَدُكَّتَا دَكَّةً وَاحِدَةً) ، [سورة الحاقة: 14] واستشهد بعضهم على ذلك بقول حميد: (2) يَدُكُّ أَرْكَانَ الجِبَال هَزَمُهْ تَخْطُرِ بِالبِيضِ الرِّقَاقِ بُهَمُهْ (3) * * * وقرأته عامة قرأة الكوفيين: "جَعَلَهُ دَكَّاءَ" ، بالمد وترك الجر والتنوين، مثل * * * (1) (1) هكذا في المطبوعة: وفي المخطوطة: (( على أدله )) أيضاً، ولكن بشدة على اللام، فكأنها تقرأ: (( على أذله )) ، وهي أوضح معنى من التي في المطبوعة. يعني أنه ذل أشد ذل فاندك. (2) حميد، هو حميد الأرقط. (3) لم أجد البيتين في مكان، وفي تاريخ الطبري 7: 41، أبيات من رجز، كأن الذي هنا من تمامها. وكان في المطبوعة هنا: (( هدمه )) ، والصواب ما أثبت، والمخطوطة غير منقوطة، وكأنها هناك راء مهملة لا دال. و (( الهزم )) (بفتحتين) و (( الهزيم )) هو صوت الرعد الذي يشبه التكسر، ومثله قول رؤبة في صفة جيش لجب: * يُرْجِفُ أَنْضَادَ الجِبَالِ هَزَمَهُ * و (( تخطر )) أي تمشى متمايلة، تهز سيوفها معجبة مدلة بقوتها وبأسها و (( البهم )) جمع (( بهمة )) (بضم فسكون) : وهو الفارس الشجاع الذي لا يدرى من أين يؤتى له، ولا من أين يدخل عليه مقاتله، من شدة بأسه ويقظته. و (( البيض الرقاق )) : السيوف الرقيقة من حسن صقلها. "حمراء" و "سوداء" . وكان ممن يقرؤه كذلك، عكرمة، ويقول فيه ما:- 15091- حدثني به أحمد بن يوسف قال، حدثنا القاسم بن سلام قال، حدثنا عباد بن عباد، عن يزيد بن حازم، عن عكرمة قال: "دكَّاء من الدكَّاوات" . وقال: لما نظر الله تبارك وتعالى إلى الجبل صار صَحراء ترابًا. (1) ![]()
__________________
|
#694
|
||||
|
||||
![]() ![]() تفسير جامع البيان عن تأويل آي القرآن الإمام محمد بن جرير الطبري الجزء الثالث عشر تَفْسِيرِ سُّورَةِ الأعراف الحلقة (694) صــ 101 إلى صــ 110 واختلف أهل العربية في معناه إذا قرئ كذلك. فقال بعض نحويي البصرة: العرب تقول: "ناقة دكَّاء" ، ليس لها سنام. وقال: "الجبل" مذكر، فلا يشبه أن يكون منه، إلا أن يكون جعله: "مثل دكاء" ، حذف "مثل" ، وأجراه مجرى: (وَاسْأَلِ الْقَرْيَةَ) [سورة يوسف: 82] . * * * وكان بعض نحويي الكوفة يقول: معنى ذلك: جعل الجبل أرضًا دكاء، ثم حذفت "الأرض" ، وأقيمت "الدكاء" مقامها، إذْ أدَّت عنها. * * * قال أبو جعفر: وأولى القراءتين في ذلك بالصواب عندي، قراءةُ من قرأ: (جَعَلَهُ دَكَّاءَ) ، بالمد وترك الجر، لدلالة الخبر الذي رويناه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم على صحته. وذلك أنه روي عنه صلى الله عليه وسلم أنه قال: "فساخ الجبل" ، (2) ولم يقل: "فتفتت" ولا "تحول ترابًا" . ولا شك أنه إذا ساخ فذهب، ظهرَ وجهُ الأرض، فصار بمنزلة الناقة التي قد ذهب سنامها، وصارت (1) (1) الأثر 15091 - (( عباد بن عباد بن المهلب بن أبي صفرة الأزدي )) ثقة، روى له الجماعة. مترجم في التهذيب، وابن أبي حاتم 3 / 1 / 82. و (( يزيد بن حازم بن يزيد الأزدي الجهضمى )) ، وثقه أحمد وابن معين، وهو أخو (( جرير ابن حازم )) ، أكبر منه. مترجم في التهذيب، والكبير 4/ 2/325، وابن أبي حاتم 4/2/257. وقوله: (( دكاء من الدكاوات )) ، (( الدكاوات )) جمع (( دكاء )) ، وهي الرابية من الطين ليست غليظة، وأجروه مجرى الأسماء، لغلبته، كقولهم: (( ليس في الخضراوات صدقة )) . وكان في المطبوعة: (( صار صخرة تراباً )) ، وفي المخطوطة: (( صار صحرا ترابا )) وهذا صواب قرأةتها. (2) (2) يعني في الأثرين رقم 15087، 15088 دكاء بلا سنام. وأما إذا دك بعضه، فإنما يكسر بعضه بعضًا ويتفتت ولا يَسُوخ. وأما "الدكاء" فإنها خَلَفٌ من "الأرض" ، فلذلك أنثت، (1) على ما قد بينت. * * * فمعنى الكلام إذًا: فلما تجلى ربه للجبل ساخ، فجعل مكانه أرضًا دكاء. وقد بينا معنى "الصعق" بشواهده فيما مضى، بما أغنى عن إعادته في هذا الموضع. (2) * * * القول في تأويل قوله: {فَلَمَّا أَفَاقَ قَالَ سُبْحَانَكَ تُبْتُ إِلَيْكَ وَأَنَا أَوَّلُ الْمُؤْمِنِينَ (143) } قال أبو جعفر: يقول تعالى ذكره: فلما ثاب إلى موسى عليه السلام فهمه من غشيته، وذلك هو الإفاقة من الصعقة التي خرّ لها موسى صلى الله عليه وسلم= "قال سبحانك" ، تنزيهًا لك، يا رب، وتبرئةً أن يراك أحد في الدنيا، (3) ثم يعيش = "تبت إليك" ، من مسألتي إياك ما سألتك من الرؤية= "وأنا أوّل المؤمنين" ، بك من قومي، أن لا يراك في الدنيا أحد إلا هلك. * * * وبنحو الذي قلنا في ذلك قال جماعة من أهل التأويل. * ذكر من قال ذلك: 15092- حدثنا ابن وكيع قال، حدثنا عبد الله بن موسى، عن أبي (1) (1) في المطبوعة: (( فلذلك أتت )) وفي المخطوطة: (( فلذلك أتيت )) ، وصواب ذلك ما أثبت. (2) (2) انظر تفسير (( الصعق )) فيما سلف 2: 83، 84 /: 359. (3) (3) انظر تفسير (( سبحان )) فيما سلف 12: 10، تعليق 1، والمراجع هناك. جعفر الرازي، عن الربيع بن أنس، عن أبي العالية في قوله: "تبت إليك وأنا أوّل المؤمنين" ، قال: كان قبله مؤمنون، ولكن يقول: أنا أوّل من آمن بأنه لا يراك أحد من خلقك إلى يوم القيامة. 15093- حدثني المثنى قال، حدثنا إسحاق قال، حدثنا عبد الله بن أبي جعفر، عن أبيه، عن الربيع قال: لما رأى موسى ذلك وأفاق، عرف أنه قد سأل أمرًا لا ينبغي له، فقال: "سبحانك تبت إليك وأنا أوّل المؤمنين" ، قال أبو العالية: عنى: إني أوّل من آمن بك أنه لن يراك أحدٌ قبل يوم القيامة. 15094- حدثني عبد الكريم بن الهيثم قال، حدثنا إبراهيم بن بشار قال، قال سفيان، قال أبو سعد، عن عكرمة، عن ابن عباس: "وخر موسى صعقًا" ، فمرّت به الملائكة وقد صعق، فقالت: يا ابن النساء الحيَّض، لقد سألت ربك أمرًا عظيمًا! فلما أفاق قال: سبحانك لا إله إلا أنت تبت إليك وأنا أوّل المؤمنين! قال: أنا أوّل من آمن أنه لا يراك أحدٌ من خلقك = يعني: في الدنيا. 15095- حدثني المثنى قال، حدثنا عبد الله بن صالح قال، حدثني معاوية، عن علي، عن ابن عباس قوله: "قال سبحانك تبت إليك وأنا أول المؤمنين" ، يقول: أنا أوّل من يؤمن أنه لا يراك شيء من خلقك. 15096- حدثنا ابن وكيع قال، حدثنا أبي، عن سفيان، عن رجل، عن مجاهد: "سبحانك تبت إليك" ، قال: من مسألتي الرؤية. 15097- حدثني الحارث قال، حدثنا عبد العزيز قال، حدثنا أبو سعد، عن مجاهد: "قال سبحانك تبت إليك" ، أن أسألك الرؤية. 15098- حدثنا ابن وكيع قال، حدثنا أبو نعيم، عن سفيان، عن عيسى بن ميمون، عن رجل، عن مجاهد: "سبحانك تبت إليك" ، أن أسألك الرؤية. 15099- حدثنا الحسن بن يحيى قال، أخبرنا عبد الرزاق قال، أخبرنا ابن عيينة، عن عيسى بن ميمون، عن مجاهد في قوله: "سبحانك تبت إليك" ، قال: تبت إليك من أن أسألك الرؤية. * * * وقال آخرون: معنى قوله: وأنا أول المؤمنين بك من بني إسرائيل. * ذكر من قال ذلك: 15100- حدثني الحسين بن عمرو بن محمد العنقزي قال، حدثنا أبي قال، حدثنا أسباط، عن السدي، عن عكرمة، عن ابن عباس: "وأنا أول المؤمنين" ، قال: أول من آمن بك من بني إسرائيل. 15101- حدثني موسى بن هارون قال، حدثنا عمرو بن حماد قال، حدثنا أسباط، عن السدي، عن عكرمة، عن ابن عباس: "وأنا أول المؤمنين" ، يعني: أول المؤمنين من بني إسرائيل. 15102- حدثني محمد بن عمرو قال، حدثنا أبو عاصم قال، حدثنا عيسى، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد، في قول الله: "وأنا أول المؤمنين" ، أنا أول قومي إيمانًا. 15103- حدثنا ابن وكيع والمثنى قالا حدثنا أبو نعيم، عن سفيان، عن عيسى بن ميمون، عن رجل، عن مجاهد: "وأنا أول المؤمنين" ، يقول: أول قومي إيمانًا. 15104- حدثني المثنى قال، حدثنا أبو حذيفة قال، حدثنا شبل، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد: "وأنا أول المؤمنين" ، قال: أنا أول قومي إيمانًا. 15105- حدثني الحارث قال، حدثنا عبد العزيز قال، حدثنا أبو سعد قال، سمعت مجاهدًا يقول في قوله: "وأنا أول المؤمنين" ، قال: أول قومي آمن. * * * قال أبو جعفر: وإنما اخترنا القول الذي اخترناه في قوله: "وأنا أول المؤمنين" ، على قول من قال: معناه: أنا أول المؤمنين من بني إسرائيل= لأنه قد كان قبله في بني إسرائيل مؤمنون وأنبياء، منهم ولدُ إسرائيل لصُلْبه، وكانوا مؤمنين وأنبياء. فلذلك اخترنا القول الذي قلناه قبل. * * * القول في تأويل قوله: {قَالَ يَا مُوسَى إِنِّي اصْطَفَيْتُكَ عَلَى النَّاسِ بِرِسَالاتِي وَبِكَلامِي فَخُذْ مَا آتَيْتُكَ وَكُنْ مِنَ الشَّاكِرِينَ (144) } قال أبو جعفر: يقول تعالى ذكره، قال الله لموسى: "يا موسى إني اصطفيتك على الناس" ، يقول: اخترتك على الناس (1) = "برسالاتي" إلى خلقي، أرسلتك بها إليهم = "وبكلامي" ، كلمتك وناجيتك دون غيرك من خلقي. = "فخذ ما آتيتك" يقول: فخذ ما أعطيتك من أمري ونهيي وتمسك به، واعمل به [ ... ] (2) = "وكن من الشاكرين" ، لله على ما آتاك من رسالته، وخصك به من النجوى، (3) بطاعته في أمره ونهيه، والمسارعة إلى رضاه. * * * (1) (1) انظر تفسير (( الاصطفاء )) فيما سلف 3: 91، 96 / 5: 312 / 6: 326، 393. (2) (2) في المطبوعة: (( واعمل به يريد )) وفي المخطوطة: (( واعمل به يديك )) ، ولا معنى لذلك هنا، وكأنها محرفة عن (( بجد )) أو ما أشبه ذلك، ولكني لم أحسن معرفتها، فتركت مكانها نقطا بين قوسين. وانظر تفسير قوله في (( سورة البقرة )) : 63 (( خذوا ما آتيناكم بقوة )) ج2: 160، 161. (3) (3) في المطبوعة والمخطوطة: (( وحصل به من النجوى )) ، وصواب قراءتها ما أثبت. القول في تأويل قوله: {وَكَتَبْنَا لَهُ فِي الألْوَاحِ مِنْ كُلِّ شَيْءٍ مَوْعِظَةً وَتَفْصِيلا لِكُلِّ شَيْءٍ} قال أبو جعفر: يقول تعالى ذكره: وكتبنا لموسى في ألواحه. * * * وأدخلت الألف واللام في "الألواح" بدلا من الإضافة، كما قال الشاعر: (1) والأحْلامُ غَيْرُ عَوَازِب (2) وكما قال جل ثناؤه: (فَإِنَّ الْجَنَّةَ هِيَ الْمَأْوَى) ، [سورة النازعات: 41] ، يعني: هي مأواه. (3) * * * وقوله: "من كل شيء" ، يقول: من التذكير والتنبيه على عظمة الله وعز سلطانه= "موعظة" ، لقومه ومن أمر بالعمل بما كتب في الألواح (4) = "وتفصيلا لكل شيء" ، يقول: وتبيينًا لكل شيء من أمر الله ونهيه. (5) * * * وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل. * ذكر من قال ذلك: 15106- حدثني محمد بن عمرو قال، حدثنا أبو عاصم قال، حدثنا عيسى، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد =: أو سعيد بن جبير، وهو في أصل (1) (1) هو النابغة الذبيانى. (2) (2) مضى البيت وتخريجه وشرحه فيما سلف 5: 160، تعليق: 3، ولم يذكر هناك موضعه هناك، فليقيد، والبيت، بروايته آنفاً:لَهُمْ شِيمَةٌ لم يُعْطِها الدَّهْرُ غَيْرَهُمْ ... من الناسِ، فَالأحْلامُ غَيْرُ عَوَازِبِ (3) (3) انظر ما سلف 5: 160، 161. (4) (4) انظر تفسير (( الموعظة )) فيما سلف من فهارس اللغة (وعظ) . (5) (5) انظر تفسير (( التفصيل )) فيما سلف ص: 68، تعليق: 5، والمراجع هناك. كتابي: عن سعيد بن جبير= في قول الله: "وتفصيلا لكل شيء" ، قال: ما أمروا به ونهوا عنه. 15107- حدثني المثنى قال، حدثنا أبو حذيفة قال، حدثنا شبل، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد، بنحوه. 15108- حدثني محمد بن الحسين قال، حدثنا أحمد بن المفضل قال، حدثنا أسباط، عن السدي: "وكتبنا له في الألواح من كل شيء موعظة وتفصيلاً لكل شيء" ، من الحلال والحرام. 15109- حدثني الحارث قال، حدثنا عبد العزيز قال، حدثنا أبو سعد قال، سمعت مجاهدا يقول في قوله: "وتفصيلاً لكل شيء" ، قال: ما أمروا به ونهوا عنه. 15110- حدثني محمد بن سعد قال، حدثني أبي قال، حدثني عمي قال، حدثني أبي، عن أبيه، عن ابن عباس قوله: "وكتبنا له في الألواح من كل شيء موعظة وتفصيلا لكل شيء" ، قال عطية: (1) أخبرني ابن عباس: أن موسى صلى الله عليه وسلم انْصَلتَ لما كربه الموت، (2) قال: هذا من أجل آدم! قد كان الله جعلنا في دار مثوًى لا نموت، فخطأ آدم أنزلنا هاهنا! فقال الله لموسى: أبعث إليك آدم فتخاصمه؟ قال: نعم! فلما بعث الله آدم، سأله (1) (1) هو (( عطية العوفي )) ، وهو جد (( محمد بن سعد )) الأعلى. انظر تفسير هذا الإسناد في رقم: 305. (2) (2) في المطبوعة، والدر المنثور 3: 21: (( أن موسى صلى الله عليه وسلم لما كربه الموت )) . أسقط الذي كتبت: (( انصلت )) ، وهي في المخطوطة هكذا: (( الطيب )) غير منقوطة، ولم أجد لها لفظاً يطابق رسمها، ويجرى في معناها أقرب من (( انصلت )) . يقال: (( انصلت في الأمر )) ، إذا انجرد وأسرع. يقال: (( انصلت يعدو )) إذا أسرع، و (( المنصلت )) : المسرع من كل شيء. وقد روى البخاري في صحيحة، عن أبي هريرة قال: أرسل ملك الموت إلى موسى عليه السلام. فلما جاءه صكه فرجع إلى ربه عز وجل فقال: أرسلتني إلى عبد لا يريد أن يموت، الحديث. فكأن هذا كان منه لما كره الموت وأبغضه، فأسرع لما رآه يقول ما قال. هذا ما رأيت، وفوق كل ذي علم عليم. وانظر أخبار وفاة موسى عليه السلام في البداية والنهاية 1: 316 - 319. موسى، فقال أبونا آدم عليهما السلام: يا موسى، سألت الله أن يبعثني لك! قال موسى: لولا أنت لم نكن هاهنا! قال له آدم: أليس قد أتاك الله من كل شيء موعظة وتفصيلا أفلست تعلم أنه ما أصاب في الأرض من مصيبة ولا في أنفسكم إلا في كتاب من قبل أن يبرأها؟ (1) قال موسى: بلى! فخصَمه آدم صلى الله عليهما. (2) 15111- حدثنا الحسن بن يحيى قال، أخبرنا عبد الرزاق قال، أخبرنا معمر، عن عبد الصمد بن معقل: أنه سمع وهبًا يقول في قوله: "وكتبنا له في الألواح من كل شيء موعظة وتفصيلا لكل شيء" ، قال: كتب له: لا تشرك بي شيئًا من أهل السماء ولا من أهل الأرض، فإن كل ذلك خلقي. لا تحلف باسمي كاذبًا، فإن من حلف باسمي كاذبًا فلا أزكِّيه، ووقِّر والديك. * * * القول في تأويل قوله: {فَخُذْهَا بِقُوَّةٍ} قال أبو جعفر: يقول تعالى ذكره: وقلنا لموسى إذ كتبنا له في الألواح من كل شيء موعظة وتفصيلا لكل شيء: خذ الألواح بقوة. * * * وأخرج الخبر عن "الألواح" ، والمراد ما فيها. * * * (1) (1) هذا تضمين آية (( سورة الحديد )) : 22. (2) (2) الأثر: 15110 - هذا خبر ضعيف الإسناد جداً، كما سلف في شرح إسناده رقم: 305. واحتجاج آدم وموسى عليهما السلام، روى خبره البخاري ومسلم، وسائر كتب السنن، وانظر فصلا جيداً جمعه ابن كثير في البداية والنهاية 1: 81 - 85. ويقال: (( خاصمه، فخصمه )) أي غلبه في الخصام. وهو الاحتجاج. واختلف أهل التأويل في معنى "القوة" ، في هذا الموضع. فقال بعضهم: معناها بجدٍّ. * ذكر من قال ذلك: 15112- حدثني عبد الكريم قال، حدثنا إبراهيم بن بشار قال، حدثنا ابن عيينة قال، قال أبو سعد، عن عكرمة، عن ابن عباس: "فخدها بقوة" ، قال: بجدّ. 10113- حدثني موسى قال، حدثنا عمرو بن حماد قال، حدثنا أسباط، عن السدي: "فخذها بقوّة" ، قال: بجد واجتهاد. * * * وقال آخرون: معنى ذلك، فخذها بالطاعة لله. * ذكر من قال ذلك: 15114- حدثني المثنى قال، حدثنا إسحاق قال، حدثنا عبد الرحمن بن سعد قال، أخبرنا أبو جعفر، عن الربيع بن أنس في قوله: "فخذها بقوة" ، قال: بالطاعة. * * * وقد بينا معنى ذلك بشواهده، واختلاف أهل التأويل فيه، في "سورة البقرة" عند قوله: (خُذُوا مَا آتَيْنَاكُمْ بِقُوَّةٍ) [سورة البقرة: 63] فأغنى ذلك عن إعادته في هذا الموضع. (1) * * * القول في تأويل قوله: {وَأْمُرْ قَوْمَكَ يَأْخُذُوا بِأَحْسَنِهَا} قال أبو جعفر: يقول تعالى ذكره: قلنا لموسى: "وأمر قومك" ، بني إسرائيل = "يأخذوا بأحسنها" ، يقول: يعملوا بأحسن ما يجدون فيها، كما:- (1) (1) انظر ما سلف 2: 160، 161. 15115- حدثني موسى قال، حدثنا عمرو قال، حدثنا أسباط، عن السدي: "وأمر قومك يأخذوا بأحسنها" ، بأحسن ما يجدون فيها. 15116- حدثني عبد الكريم قال، حدثنا إبراهيم قال، حدثنا سفيان قال، حدثنا أبو سعد، عن عكرمة، عن ابن عباس: "وأمر قومك يأخذوا بأحسنها" ، قال: أمر موسى أن يأخذها بأشدّ مما أمر به قومه. * * * فإن قال قائل: وما معنى قوله: "وأمر قومك يأخذوا بأحسنها" ، أكان من خصالهم ترك بعض ما فيها من الحسن؟. قيل: لا ولكن كان فيها أمرٌ ونهيٌ، فأمرهم الله أن يعملوا بما أمرهم بعمله، ويتركوا ما نهاهم عنه، فالعمل بالمأمور به، أحسنُ من العمل بالمنهي عنه. * * * القول في تأويل قوله: {سَأُرِيكُمْ دَارَ الْفَاسِقِينَ (145) } قال أبو جعفر: يقول تعالى ذكره لموسى، إذ كتب في الألواح من كل شيء: خذها بجدّ في العمل بما فيها واجتهاد، وأمر قومك يأخذوا بأحسن ما فيها، وانههم عن تضييعها وتضييع العمل بما فيها والشرك بي، فإن من أشرك بي منهم ومن غيرهم، فإني سأريه في الآخرة عند مصيره إليّ، "دارَ الفاسقين" ، وهي نار الله التي أعدها لأعدائه. (1) * * * وإنما قال: "سأريكم دار الفاسقين" ، كما يقول القائل لمن يخاطبه: "سأريك غدًا إلامَ يصير إليه حال من خالف أمري!" ، على وجه التهدُّد والوعيد لمن عصاهُ وخالف أمره. (2) * * * (1) (1) انظر تفسير (( الفسق )) فيما سلف. ص: 11، تعليق: 1، والمراجع هناك. (2) (2) في المطبوعة (( على وجه التهديد )) وأثبت ما في المخطوطة، وهو محض الصواب.
__________________
|
#695
|
||||
|
||||
![]() ![]() تفسير جامع البيان عن تأويل آي القرآن الإمام محمد بن جرير الطبري الجزء الثالث عشر تَفْسِيرِ سُّورَةِ الأعراف الحلقة (695) صــ 111 إلى صــ 120 وقد اختلف أهل التأويل في معنى ذلك. فقال بعضهم بنحو ما قلنا في ذلك. * ذكر من قال ذلك: 15117- حدثني محمد بن عمرو قال، حدثنا أبو عاصم قال، حدثنا عيسى، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد في قوله: "سأريكم دار الفاسقين" ، قال: مصيرهم في الآخرة. 15118- حدثني المثنى قال، حدثنا أبو حذيفة قال، حدثنا شبل، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد، مثله. 15119- حدثني المثنى قال، حدثنا مسلم قال، حدثنا مبارك، عن الحسن، في قوله: "سأريكم دار الفاسقين" ، قال: جهنم. * * * وقال آخرون: معنى ذلك: سأدخلكم أرض الشام، فأريكم منازل الكافرين الذين هم سكانها من الجبابرة والعمالقة. * ذكر من قال ذلك: 15120- حدثنا بشر بن معاذ قال، حدثنا يزيد قال، حدثنا سعيد، عن قتادة: "سأريكم دار الفاسقين" ، منازلهم. 15121- حدثنا محمد بن عبد الأعلى قال، حدثنا محمد بن ثور، عن معمر، عن قتادة: "دار الفاسقين" ، قال: منازلهم. * * * وقال آخرون: معنى ذلك: سأريكم دار قوم فرعون، وهي مصر. * ذكر من قال ذلك: (1) * * * قال أبو جعفر: وإنما اخترنا القول الذي اخترناه في تأويل ذلك، لأن الذي قبل قوله جل ثناؤه: "سأريكم دار الفاسقين" ، أمرٌ من الله لموسى وقومه بالعمل بما في التوراة. فأولى الأمور بحكمة الله تعالى أن يختم ذلك بالوعيد على من ضيّعه وفرَّط في العمل لله، وحاد عن سبيله، دون الخبر عما قد انقطع الخبر عنه، أو عما لم يجر له ذكر. القول في تأويل قوله: {سَأَصْرِفُ عَنْ آيَاتِيَ الَّذِينَ يَتَكَبَّرُونَ فِي الأرْضِ بِغَيْرِ الْحَقِّ} قال أبو جعفر: اختلف أهل التأويل في معنى ذلك. فقال بعضهم: معناه: سأنزع عنهم فهم الكتاب. * ذكر من قال ذلك: 15122- حدثنا أحمد بن منصور المروزي قال، حدثني محمد بن عبد الله بن بكر قال: سمعت ابن عيينة يقول في قول الله: "سأصرف عن آياتي الذين يتكبرون في الأرض بغير الحق" ، قال يقول: أنزع عنهم فهم القرآن، وأصرفهم عن آياتي. (2) * * * (1) (1) هكذا بياض بالمخطوطة قدره خمسة أسطر، وبهامش المخطوطة بالمداد الأحمر: (( نقص، كذا الأصل )) . (2) (2) الأثر: 15122 - (( أحمد بن منصور بن سيار الرمادى )) ، شيخ الطبري، مضى برقم: 10260، 10521. و (( محمد بن عبد الله بن بكر بن سليمان الخزاعى الصنعانى الخلنجى )) ، صدوق. روى عنه النسائى، وأبو حاتم وغيرهما. مترجم في التهذيب، وابن أبي حاتم 3/2/295. قال أبو جعفر: وتأويل ابن عيينة هذا يدل على أن هذا الكلام كان عنده من الله وعيدًا لأهل الكفر بالله ممن بعث إليه نبينا صلى الله عليه وسلم، دون قوم موسى، لأن القرآن إنما أنزل على نبينا محمد صلى الله عليه وسلم دون، موسى عليه السلام. * * * وقال آخرون في ذلك: معناه: سأصرفهم عن الاعتبار بالحجج. * ذكر من قال ذلك: 15123- حدثنا القاسم قال، حدثنا الحسين قال، حدثني حجاج، عن ابن جريج: "سأصرف عن آياتي" ، عن خلق السموات والأرض والآيات فيها، سأصرفهم عن أن يتفكروا فيها ويعتبروا. * * * قال أبو جعفر: وأولى الأقوال في ذلك بالصواب أن يقال: إن الله أخبر أنه سيصرف عن آياته، وهي أدلته وأعلامه على حقيقة ما أمر به عباده وفرض عليهم من طاعته في توحيده وعدله، (1) وغير ذلك من فرائضه. والسموات والأرض، وكل موجود من خلقه، فمن آياته، والقرآن أيضًا من آياته، (2) وقد عم بالخبر أنه يصرف عن آياته المتكبرين في الأرض بغير الحق، وهم الذين حقَّت عليهم كلمة الله أنهم لا يؤمنون، فهم عن فهم جميع آياته والاعتبار والادّكار بها مصروفون، لأنهم لو وفِّقوا لفهم بعض ذلك فهُدوا للاعتبار به، اتعظوا وأنابوا إلى الحق، وذلك غير كائن منهم، لأنه جلّ ثناؤه قال: (وَإِنْ يَرَوْا كُلَّ آيَةٍ لا يُؤْمِنُوا بِهَا) ، فلا تبديل لكلمات الله. * * * (1) (1) في المطبوعة: (( على حقيقة ما امر به عباده )) ، فعل بها ما فعل بسوابقها. انظر ما سلف ص: 68، تعليق: 4، والمراجع هناك. (2) (2) انظر تفسير (( آية )) فيما سلف من فهارس اللغة (أيى) . القول في تأويل قوله: {وَإِنْ يَرَوْا كُلَّ آيَةٍ لا يُؤْمِنُوا بِهَا وَإِنْ يَرَوْا سَبِيلَ الرُّشْدِ لا يَتَّخِذُوهُ سَبِيلا وَإِنْ يَرَوْا سَبِيلَ الْغَيِّ يَتَّخِذُوهُ سَبِيلا ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ كَذَّبُوا بِآيَاتِنَا وَكَانُوا عَنْهَا غَافِلِينَ (146) } قال أبو جعفر: يقول تعالى ذكره: وإن ير هؤلاء الذين يتكبرون في الأرض بغير الحق و= "وتكبرهم فيها بغير الحق" ، تجبرهم فيها، واستكبارهم عن الإيمان بالله ورسوله، والإذعان لأمره ونهيه، (1) وهم لله عبيدٌ يغذوهم بنعمته، (2) ويريح عليهم رزقه بكرة وعشيًّا، (3) = "كل آية" ، يقول: كل حجة لله على وحدانيته وربوبيته، وكل دلالة على أنه لا تنبغي العبادة إلا له خالصة دون غيره. (4) = "لا يؤمنوا بها" ، يقول: لا يصدقوا بتلك الآية أنها دالة على ما هي فيه حجة، ولكنهم يقولون: "هي سحر وكذب" = "وإن يروا سبيل الرشد لا يتخذوه سبيلا" ، يقول: وإن ير هؤلاء الذين وصف صفتهم طريق الهدى والسداد الذي إن سلكوه نجوا من الهلكة والعطب، وصاروا إلى نعيم الأبد، لا يسلكوه ولا يتخذوه لأنفسهم طريقًا، جهلا منهم وحيرة (5) = "وإن يروا سبيل الغي" ، يقول: وإن يروا طريق الهلاك الذي إن سلكوه ضلّوا وهلكوا. * * * وقد بينا معنى "الغي" فيما مضى قبل، بما أغنى عن إعادته. (6) (1) (1) انظر تفسير (( التكبر )) فيما سلف: 70، تعليق: 1، والمراجع هناك. (2) (2) في المطبوعة: (( يغدوهم )) بالدال المهملة، والصواب ما أثبت. (3) (3) (( أراح عليه حقه )) ، رده عليه، يقول الشاعر:إلا تريحى علينا الحق طائعة ... دُونَ القُضَاةِ، فَقَاضِينَا إلَى حَكَمِ (4) (4) انظر تفسير (( آية )) فيما سلف من فهارس اللغة (أيى) . (5) (5) انظر تفسير (( السبيل )) فيما سلف من فهارس اللغة (سبل) . = وتفسير (( الرشد )) فيما سلف 3: 482 / 5: 416 / 7: 576. (6) (6) انظر تفسير (( الغي )) فيما سلف 5: 416 / 12: 333. "يتخذوه سبيلا" ، يقول: يسلكوه ويجعلوه لأنفسهم طريقًا، لصرف الله إياهم عن آياته، وطبعه على قلوبهم، فهم لا يفلحون ولا ينجحون= "ذلك بأنهم كذبوا بآياتنا وكانوا عنها غافلين" ، يقول تعالى ذكره: صرفناهم عن آياتنا أن يعقلوها ويفهموها فيعتبروا بها ويذكروا فينيبوا، عقوبةً منا لهم على تكذيبهم بآياتنا = "وكانوا عنها غافلين" ، يقول: وكانوا عن آياتنا وأدلتنا الشاهدة على حقيقة ما أمرناهم به ونهيناهم عنه= "غافلين" ، لا يتفكرون فيها، لاهين عنها، لا يعتبرون بها، فحق عليهم حينئذ قول ربنا فعَطِبوا. (1) * * * واختلف القرأة في قراءة قوله: "الرشد" . فقرأ ذلك عامة قرأة المدينة وبعض المكيين وبعض البصريين: (الرُّشْدِ) ، بضم "الراء" وتسكين "الشين" . * * * وقرأ ذلك عامة قرأة أهل الكوفة وبعض المكيين: (الرَّشَدِ) ، بفتح "الراء" و "الشين" . * * * ثم اختلف أهل المعرفة بكلام العرب في معنى ذلك إذا ضمت راؤه وسكنت شينه، وفيه إذا فتحتا جميعًا. فذكر عن أبي عمرو بن العلاء أنه كان يقول: معناه إذا ضمت راؤه وسكنت شينه: الصلاح، كما قال الله: (فَإِنْ آنَسْتُمْ مِنْهُمْ رُشْدًا) ، [سورة النساء: 6] ، بمعنى: صلاحًا. وكذلك كان يقرؤه هو= ومعناه إذا فتحت راؤه وشينه: الرشد في الدين، كما قال جل ثناؤه: (تُعَلِّمَنِي مِمَّا عُلِّمْتَ رُشْدًا) [سورة الكهف: 66] ، (2) (1) (1) انظر تفسير (( الغفلة )) فيما سلف ص: 75، تعليق: 4، والمراجع هناك. (2) (2) قراءتنا وقراءة السبعة: (( رشدا )) (بضم الراء وسكون الشين) ، وقراءة أبي عمرو من السبعة كما ذكر أبو جعفر، ولذلك استدل بها أبو عمرو في هذا الموضع. ولم يذكر هذه القراءة أبو جعفر في تفسير الآية من سورة الكهف. بمعنى الاستقامة والصواب في الدين. * * * وكان الكسائي يقول: هما لغتان بمعنى واحد، مثل: "السُّقم" و "السَّقَم" ، و "الحُزْن" و "الحَزَن" وكذلك "الرُّشْد" و "الرَّشَد" . * * * قال أبو جعفر: والصواب من القول في ذلك عندي أن يقال: إنهما قراءتان مستفيضةٌ القراءة بهما في قرأة الأمصار، متفقتا المعنى، فبأيتهما قرأ القارئ فمصيبٌ الصوابَ بها. * * * القول في تأويل قوله: {وَالَّذِينَ كَذَّبُوا بِآيَاتِنَا وَلِقَاءِ الآخِرَةِ حَبِطَتْ أَعْمَالُهُمْ هَلْ يُجْزَوْنَ إِلا مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ (147) } قال أبو جعفر: يقول تعالى ذكره: وهؤلاء المستكبرون في الأرض بغير الحق، وكلّ مكذِّبٍ حججَ الله ورسله وآياته، وجاحدٍ أنه يوم القيامة مبعوث بعد مماته، ومنكرٍ لقاء الله في آخرته= ذهبت أعمالهم فبطلت، وحصلت لهم أوزارها فثبتت، لأنهم عملوا لغير الله، وأتعبوا أنفسهم في غير ما يرضى الله، فصارت أعمالهم عليهم وبَالا. يقول الله جل ثناؤه: "هل يجزون إلا ما كانوا يعملون" ، يقول: هل يثابون إلا ثواب ما كانوا يعملون؟ (1) فصار ثواب أعمالهم الخلودَ في نار أحاط بهم سرادقها، إذ كانت أعمالهم في طاعة الشيطان، دون طاعة الرحمن، نعوذ بالله من غضبه. وقد بينا معنى "الحبوط" و "الجزاء" و "الآخرة" ، فيما مضى، بما أغنى عن إعادته. (2) (1) (1) في المطبوعة: (( هل ينالون إلا ثواب )) ، وأثبت ما في المخطوطة. (2) (2) انظر تفسير (( الحبوط )) فيما سلف 11: 514، تعليق: 2، والمراجع هناك. وتفسير (( الجزاء )) ، و (( الآخرة )) ، فيما سلف من فهارس اللغة (جزى) و (أخر) . القول في تأويل قوله: {وَاتَّخَذَ قَوْمُ مُوسَى مِنْ بَعْدِهِ مِنْ حُلِيِّهِمْ عِجْلا جَسَدًا لَهُ خُوَارٌ أَلَمْ يَرَوْا أَنَّهُ لا يُكَلِّمُهُمْ وَلا يَهْدِيهِمْ سَبِيلا اتَّخَذُوهُ وَكَانُوا ظَالِمِينَ (148) } قال أبو جعفر: يقول تعالى ذكره: واتخذ بنو إسرائيل قومُ موسى، من بعد ما فارقهم موسى ماضيًا إلى ربه لمناجاته، ووفاءً للوعد الذي كان ربه وعده = "من حليهم عجلا" ، وهو ولد البقرة، فعبدوه. (1) ثم بين تعالى ذكره ما ذلك العجل فقال: "جسدًا لا خوار" = و "الخوار" : صوت البقر = يخبر جل ذكره عنهم أنهم ضلوا بما لا يضل بمثله أهل العقل. وذلك أن الرب جلّ جلاله الذي له ملك السموات والأرض، ومدبر ذلك، لا يجوز أن يكون جسدًا له خوار، لا يكلم أحدًا ولا يرشد إلى خير. وقال هؤلاء الذين قص الله قصَصهم لذلك: "هذا إلهنا وإله موسى" ، فعكفوا عليه يعبدونه، جهلا منهم، وذهابًا عن الله وضلالا. * * * وقد بينا سبب عبادتهم إياه، وكيف كان اتخاذ من اتخذ منهم العجل، فيما مضى بما أغنى عن إعادته. (2) * * * وفي "الحلي" لغتان: ضم "الحاء" وهو الأصل = وكسرها، وكذلك ذلك في كل ما شاكله من مثل "صلى" و "جثّي" و "عتّي" ، وبأيتهما قرأ القارئ فمصيب الصواب، لاستفاضة القراءة بهما في القراءة، ولا تفاق معنييهما. (3) * * * (1) (1) مضى ذكر (( العجل )) فيما سلف 2: 63، 72، 354، 357 / 9: 356، ولم يفسره إلا في هذا الموضع. (2) (2) انظر ما سلف 2: 63 - 68 / ثم ص: 74 - 78. (3) (3) في المطبوعة: (( لا تفارق بين معنييهما )) ، غير ما في المخطوطة، فأفسد الكلام ومسخه. والصواب ما في المخطوطة، ولكنى زدت الواو، لأنها حق الكلام. وقوله: "ألم يروا أنه لا يكلمهم ولا يهديهم سبيلا" ، يقول: ألم ير الذين عكفوا على العجل الذي اتخذوه من حليهم يعبدونه، أن العجل لا يكلمهم ولا يهديهم سبيلا؟ يقول: ولا يرشدهم إلى طريق؟ (1) وليس ذلك من صفة ربهم الذي له العبادة حقًا، بل صفته أنه يكلم أنبياءه ورسله، ويرشد خلقه إلى سبيل الخير، وينهاهم عن سبيل المهالك والردى. يقول الله جل ثناؤه: "اتخذوه" ، أي: اتخذوا العجل إلهًا، وكانوا باتخاذهم إياه ربًّا معبودًا ظالمين لأنفسهم، لعبادتهم غير من له العبادة، وإضافتهم الألوهة إلى غير الذي له الألوهة. * * * وقد بينا معنى "الظلم" فيما مضى بما أغنى عن إعادته. (2) * * * القول في تأويل قوله: {وَلَمَّا سُقِطَ فِي أَيْدِيهِمْ وَرَأَوْا أَنَّهُمْ قَدْ ضَلُّوا قَالُوا لَئِنْ لَمْ يَرْحَمْنَا رَبُّنَا وَيَغْفِرْ لَنَا لَنَكُونَنَّ مِنَ الْخَاسِرِينَ (149) } قال أبو جعفر: يعني تعالى ذكره بقوله: "ولما سقط في أيديهم" ،: ولما ندم الذين عبدوا العجل الذي وصف جل ثناؤه صفته، عند رجوع موسى إليهم، واستسلموا لموسى وحكمه فيهم. * * * وكذلك تقول العرب لكل نادم على أمر فات منه أو سلف، وعاجز عن شيء: "قد سُقِط في يديه" و "أسقط" ، لغتان فصيحتان، وأصله من الاستئسار، وذلك أن يضرب الرجل الرجل أو يصرعه، فيرمي به من يديه إلى الأرض ليأسره، (1) (1) انظر تفسير (( سبيل )) فيما سلف من فهارس اللغة (سبل) . (2) (2) انظر تفسير (( الظلم )) فيما سلف من فهارس اللغة (ظلم) . فيكتفه. فالمرميّ به مسقوط في يدي الساقط به. فقيل لكل عاجز عن شيء، وضارع لعجزه، (1) متندِّمٍ على ما قاله: "سقط في يديه" و "أسقط" . (2) * * * وعنى بقوله: "ورأوا أنهم قد ضلوا" ، ورأوا أنهم قد جاروا عن قصد السبيل، وذهبوا عن دين الله، وكفروا بربهم، قالوا تائبين إلى الله منيبين إليه من كفرهم به: "لئن لم يرحمنا ربنا ويغفر لنا لنكونن من الخاسرين" . * * * ثم اختلفت القرأة في قرأةة ذلك. فقرأه بعض قرأة أهل المدينة ومكة والكوفة والبصرة: (لَئِنْ لَمْ يَرْحَمْنَا رَبُّنَا) بالرفع، على وجه الخبر. * * * وقرأ ذلك عامة قرأة أهل الكوفة: (لَئِنْ لَمْ تَرْحَمْنَا رَبَّنَا) ، بالنصب، بتأويل: لئن لم ترحمنا يا ربنا= على وجه الخطاب منهم لربهم. واعتلّ قارئو ذلك كذلك بأنه في إحدى القراءتين: (قَالُوا رَبَّنَا لَئِنْ لَمْ تَرْحَمْنَا رَبَّنَا وتَغْفِرْ لَنَا) ، وذلك دليل على الخطاب. (3) * * * قال أبو جعفر: والذي هو أولى بالصواب من القراءة في ذلك، القراءة على وجه (1) (1) في المطبوعة: (( ومضارع لعجزه )) ، والصواب من المخطوطة. (2) (2) انظر معاني القرآن للفراء 1: 393، ومجاز القرآن لأبي عبيدة 1: 228، والذي قاله أبو جعفر تفصيل جيد، وبيان عن أصل الحرف، قلما تصيبه في كتب اللغة. (3) (3) في المطبوعة والمخطوطة: (( قالوا لئن ترحمنا ربنا وتغفر لنا )) كسياق الآية في مصحفنا، وهذا لا دليل فيه على الخطاب. ولكن ما أثبته هو الذي فيه الدليل على الخطاب، لتقديم قوله: (( ربنا )) ، وهي قراءة أبي بن كعب، وهي كذلك في مصحف عبد الله بن مسعود، كما ذكر الفراء في معاني القرآن 1: 393. فقوله: (( واعتل قارئو ذلك كذلك بأنه في إحدى القراءتين )) ، أرجح أنه يعني إحدى قراءتي عبد الله بن مسعود، وأيضاً، فإن الآية ستأتى بعد أسطر على الصواب في المخطوطة، ولكن يغيرها ناشر المطبوعة، كما في التعليق التالي. الخبر بالياء في (يَرْحَمْنَا) ، وبالرفع في قوله: (رَبُّنَا) ، لأنه لم يتقدم ذلك ما يوجب أن يكون موجَّهًا إلى الخطاب. * * * والقراءة التي حكيت على ما ذكرنا من قراءتها: (قَالُوا رَبَّنَا لَئِنْ لَمْ تَرْحَمْنَا) ، (1) لا نعرف صحتها من الوجه الذي يجب التسليم إليه. * * * ومعنى قوله: (لئن لم يرحمنا ربنا ويغفر لنا) ،: لئن لم يتعطف علينا ربنا بالتوبة برحمته، ويتغمد بها ذنوبنا، لنكونن من الهالكين الذين حبطت أعمالهم. (2) * * * (1) (1) في المطبوعة: (( قالوا لئن ترحمنا ربنا )) ، بتأخير (( ربنا )) ، والصواب تقديمها كما في المخطوطة. وهو تصرف سيئ من الناشر. انظر التعليق لسالف. (2) (2) انظر تفسير (( الرحمة )) و (( المغفرة )) و (( الخسران )) فيما سلف (رحم) (غفر) (خسر) . القول في تأويل قوله: {وَلَمَّا رَجَعَ مُوسَى إِلَى قَوْمِهِ غَضْبَانَ أَسِفًا قَالَ بِئْسَمَا خَلَفْتُمُونِي مِنْ بَعْدِي أَعَجِلْتُمْ أَمْرَ رَبِّكُمْ} قال أبو جعفر: يقول تعالى ذكره: ولما رجع موسى إلى قومه من بني إسرائيل، رجع غضبان أسفًا، لأن الله كان قد أخبره أنه قد فتن قومه، وأن السامري قد أضلّهم، فكان رجوعه غضبان أسفًا لذلك. * * * و "الأسف" شدة الغضب، والتغيظ به على من أغضبه، كما:- 15124- حدثني عمران بن بكار الكلاعي قال، حدثنا عبد السلام بن محمد الحضرمي قال، حدثني شريح بن يزيد قال، سمعت نصر بن علقمة يقول: قال أبو الدرداء: قول الله: "غضبان أسفًا" ، قال: "الأسف" ، منزلة وراء الغضب، ![]()
__________________
|
#696
|
||||
|
||||
![]() ![]() تفسير جامع البيان عن تأويل آي القرآن الإمام محمد بن جرير الطبري الجزء الثالث عشر تَفْسِيرِ سُّورَةِ الأعراف الحلقة (696) صــ 121 إلى صــ 130 أشدُّ من ذلك، وتفسير ذلك في كتاب الله: ذهب إلى قومه غضبان، وذهب أسفًا. (1) * * * وقال آخرون في ذلك ما:- 15125- حدثني موسى بن هارون قال، حدثنا عمرو قال، حدثنا أسباط، عن السدي: "أسفًا" ، قال: حزينًا. 15126- حدثني محمد بن سعد قال، حدثني أبي قال، حدثني عمي قال، حدثني أبي، عن أبيه، عن ابن عباس: "ولما رجع موسى إلى قومه غضبان أسفًا" ، يقول: "أسفًا" ، "حزينًا" ، وقال في "الزخرف" : (فَلَمَّا آسَفُونَا) [سورة الزخرف: 55] ، يقول: أغضبونا= و "الأسف" ، على وجهين: الغضب، والحزن. 15127- حدثنا نصر بن علي قال، حدثنا سليمان بن سليمان قال، حدثنا مالك بن دينار قال، سمعت الحسن يقول في قوله: "ولما رجع موسى إلى قومه غضبان أسفًا" ، قال: غضبان حزينًا. * * * وقوله: "قال بئسما خلفتموني من بعدي" ، يقول: بئس الفعل فعلتم بعد فراقي إياكم وأوليتموني فيمن خلفت ورائي من قومي فيكم، وديني الذي أمركم به ربكم. يقال منه: "خلفه بخير" ، و "خلفه بشر" ، إذا أولاه في أهله أو قومه ومن كان منه بسبيل من بعد شخوصه عنهم، خيرًا أو شرًّا. (2) * * * وقوله: "أعجلتم أمر ربكم" ، يقول: أسبقتم أمر ربكم في نفوسكم، وذهبتم عنه؟ * * * (1) الأثر: 15124 - (( عبد السلام بن محمد الحضرمى )) ، يعرف ب (( سليم )) ، مترجم في التهذيب، وقال: (( وقد ذكره البخاري فلم يذكر فيه جرحاً )) ، وابن أبي حاتم 3 / 1 / 48، وذكره ابن حبان في الثقات. و (( شريح بن يزيد الحضرمى )) ، (( أبو حيوة )) ، لم يذكر فيه البخاري جرحاً، ووثقه ابن حبان. ممترجم في التهذيب، والكبير 2/2/231. و (( نصر بن علقمة الحضرمى )) ، (( أبو علقمة )) ، وثقه دحيم وابن حبان، ولم يذكر فيه البخاري جرحاً. مترجم في التهذيب، والكبير 4/2/102، وابن أبي حاتم 4 / 1 / 469، وروايته عن أبي الدرداء مرسلة. (2) (1) انظر تفسير (( خلف )) فيما سلف ص: 88، تعليق: 1، والمراجع هناك. يقال منه: "عجل فلان هذا الأمر" ، إذا سبقه = و "عجل فلانٌ فلانًا" ، إذا سبقه = "ولا تَعْجَلْني يا فلان" ، لا تذهب عني وتدعني= و "أعجلته" : استحثثته. * * * القول في تأويل قوله: {وَأَلْقَى الألْوَاحَ وَأَخَذَ بِرَأْسِ أَخِيهِ يَجُرُّهُ إِلَيْهِ قَالَ ابْنَ أُمَّ إِنَّ الْقَوْمَ اسْتَضْعَفُونِي وَكَادُوا يَقْتُلُونَنِي فَلا تُشْمِتْ بِيَ الأعْدَاءَ وَلا تَجْعَلْنِي مَعَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ (150) } قال أبو جعفر: يقول تعالى ذكره: وألقى موسى الألواح. * * * ثم اختلف أهل العلم في سبب إلقائه إياها. فقال بعضهم: ألقاها غضبًا على قومه الذين عبدوا العجل. * ذكر من قال ذلك: 15128- حدثنا تميم بن المنتصر قال، أخبرنا يزيد قال، أخبرنا الأصبغ بن زيد، عن القاسم بن أبي أيوب قال، حدثني سعيد بن جبير قال، قال ابن عباس: لما رجع موسى إلى قومه غضبان أسفًا، فأخذ برأس أخيه يجرّه إليه، وألقى الألواح من الغضب. 15129- وحدثني عبد الكريم قال، حدثنا إبراهيم بن بشار قال، حدثنا ابن عيينة قال، قال أبو سعد، عن عكرمة، عن ابن عباس قال: لما رجع موسى إلى قومه، وكان قريبًا منهم، سمع أصواتهم، فقال: إني لأسمع أصواتَ قومٍ لاهين: فلما عاينهم وقد عكفوا على العجل، ألقى الألواح فكسرها، وأخذ برأس أخيه يجره إليه. 15130- حدثنا موسى قال، حدثنا عمرو قال، حدثنا أسباط، عن السدي قال: أخذ موسى الألواح، ثم رجع موسى إلى قومه غضبان أسفًا، فقال: (يَا قَوْمِ أَلَمْ يَعِدْكُمْ رَبُّكُمْ وَعْدًا حَسَنًا) ، إلى قوله: فَكَذَلِكَ أَلْقَى السَّامِرِيُّ [سورة طه: 86-87] ، فألقى موسى الألواح، وأخذ برأس أخيه يجره إليه= (قَالَ يَا ابْنَ أُمَّ لا تَأْخُذْ بِلِحْيَتِي وَلا بِرَأْسِي) [سورة طه: 94] . 15131- حدثنا ابن حميد قال، حدثنا سلمة، عن ابن إسحاق قال: لما انتهى موسى إلى قومه فرأى ما هم عليه من عبادة العجل، ألقى الألواح من يده، ثم أخذ برأس أخيه ولحيته، ويقول: (مَا مَنَعَكَ إِذْ رَأَيْتَهُمْ ضَلُّوا أَلا تَتَّبِعَنِي أَفَعَصَيْتَ أَمْرِي) [سورة طه: 92، 93] . * * * وقال آخرون: إنما ألقى موسى الألواح لفضائل أصابها فيها لغير قومه، فاشتدّ ذلك عليه. * ذكر من قال ذلك: 15132- حدثنا بشر بن معاذ قال، حدثنا يزيد قال، حدثنا سعيد، عن قتادة، قوله: "أخذ الألواح" ، قال: رب، إني أجد في الألواح أمةً خيرَ أمة أخرجت للناس، يأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر، فاجعلهم أمتي! قال: تلك أمة أحمد! قال: رب إني أجد في الألواح أمة هم الآخرون= أي آخرون في الخلق= السابقون في دخول الجنة، (1) رب اجعلهم أمتي! قال: تلك أمة أحمد! (1) (1) في المطبوعة: (( الآخرون السابقون = أي: آخرون في الخلق، سابقون في دخول الجنة )) ، وأثبت ما في المخطوطة. قال: رب إني أجد في الألواح أمة أناجيلهم في صدورهم يقرأونها،= وكان من قبلهم يقرأون كتابهم نظرًا، حتى إذا رفعوها لم يحفظوا شيئًا، ولم يعرفوه. قال قتادة: وإن الله أعطاكم أيتها الأمة من الحفظ شيئًا لم يعطه أحدًا من الأمم = قال: ربِّ اجعلهم أمتي! قال: تلك أمة أحمد! قال: رب إني أجد في الألواح أمة يؤمنون بالكتاب الأول وبالكتاب الآخر، ويقاتلون فضول الضلالة، حتى يقاتلوا الأعور الكذاب، فاجعلهم أمتي! قال: تلك أمة أحمد! قال: رب إني أجد في الألواح أمة صدقاتهم يأكلونها في بطونهم، ثم يؤجرون عليها= وكان من قبلهم من الأمم إذا تصدق بصدقة فقبلت منه، بعث الله عليها نارًا فأكلتها، وإن ردَّت عليه تركت تأكلها الطير والسباع. قال: وإن الله أخذ صدقاتكم من غنيكم لفقيركم= قال: رب اجعلهم أمتي! قال: تلك أمة أحمد! قال: رب إني أجد في الألواح أمة إذا همّ أحدهم بحسنة ثم لم يعملها كتبت له حسنة، فإن عملها كتبت له عشر أمثالها إلى سبعمائة، رب اجعلهم أمتي! قال: تلك أمة أحمد! قال: رب إني أجد في الألواح أمة إذا همّ أحدهم بسيئة لم تكتب عليه حتى يعملها، فإذا عملها كتبت عليه سيئة واحدة، فاجعلهم أمتي! قال: تلك أمة أحمد! قال: رب إني أجد في الألواح أمة هم المستجيبون والمستجاب لهم، فاجعلهم أمتي! قال: تلك أمة أحمد، قال: رب إني أجد في الألواح أمة هم المشفَّعون والمشفوع لهم، فاجعلهم أمتي! قال: تلك أمة أحمد! قال: وذكر لنا أن نبي الله موسى عليه السلام نبذ الألواح وقال: اللهم اجعلني من أمة أحمد! قال: فأعطي نبي الله موسى عليه السلام ثنتين لم يعطهما نبيٌّ، قال الله: (يَا مُوسَى إِنِّي اصْطَفَيْتُكَ عَلَى النَّاسِ بِرِسَالاتِي وَبِكَلامِي) ، [سورة الأعراف: 143] . قال: فرضي نبي الله. ثم أعطي الثانية: (وَمِنْ قَوْمِ مُوسَى أُمَّةٌ يَهْدُونَ بِالْحَقِّ وَبِهِ يَعْدِلُونَ) [سورة الأعراف: 159] ، قال: فرضي نبي الله صلى الله عليه وسلم كل الرضى. 15133- حدثني محمد بن عبد الأعلى قال، حدثنا محمد بن ثور، عن معمر، عن قتادة قال: لما أخذ موسى الألواح قال: يا رب، إني أجد في الألواح أمة هم خير الأمم، يأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر، فاجعلهم أمتي! قال: تلك أمة أحمد! قال: يا رب، إني أجد في الألواح أمة هم الآخرون السابقون يوم القيامة، فاجعلهم أمتي! قال: تلك أمة أحمد، ثم ذكر نحو حديث بشر بن معاذ= إلا أنه قال في حديثه: فألقى موسى عليه السلام الألواح، وقال: اللهم اجعلني من أمة محمد صلى الله عليهما. * * * قال أبو جعفر: والذي هو أولى بالصواب من القول في ذلك، أن يكون سبب إلقاء موسى الألواح كان من أجل غضبه على قومه لعبادتهم العجل، لأن الله جل ثناؤه بذلك أخبر في كتابه فقال: "ولما رجع موسى إلى قومه غضبان أسفًا قال بئسما خلفتموني من بعدي أعجلتم أمر ربكم وألقى الألواح وأخذ برأس أخيه يجره إليه" . * * * وذكر أن الله لما كتب لموسى عليه السلام في الألواح التوراة، (1) أدناه منه حتى سمع صريف القلم. * ذكر من قال ذلك: 15134- حدثني الحارث قال، حدثنا عبد العزيز قال، حدثنا إسرائيل، عن السدي، عن أبي عمارة، عن علي عليه السلام قال: كتب الله الألواح لموسى عليه السلام، (2) وهو يسمع صريف الأقلام في الألواح. 15135-.... قال حدثنا إسرائيل، عن عطاء بن السائب، عن سعيد (1) (1) في المطبوعة: (( وذلك أن الله لما كتب )) ، والصواب في المخطوطة. (2) (2) في المطبوعة: (( لما كتب الله الألواح )) ، والصواب حذف (( لما )) كما في المخطوطة. بن جبير قال: أدناه حتى سمع صريف الأقلام. (1) * * * وقيل: إن التوراة كانت سبعة أسباع، فلما ألقى موسى الألواح تكسرت، فرفع منها ستة أسباعها، وكان فيما رفع "تفصيل كل شيء" ، الذي قال الله: "وَكَتَبْنَا لَهْ فِي اْلألْوَاحِ مِنْ كُلِّ شَيْءٍ مَوْعِظَةً وَتَفْصِيلا لِكُلِّ شَيْءٍ" وبقي الهدى والرحمة في السبع الباقي، وهو الذي قال الله: (أَخَذَ الألْوَاحَ وَفِي نُسْخَتِهَا هُدًى وَرَحْمَةٌ لِلَّذِينَ هُمْ لِرَبِّهِمْ يَرْهَبُونَ) ، [سورة الأعراف: 154] . * * * وكانت التوراة فيما ذكر سبعين وَقْر بعير، يقرأ منها الجزء في سنة، كما:- 15136- حدثني المثنى قال، حدثنا محمد بن خالد المكفوف قال، حدثنا عبد الرحمن، عن أبي جعفر، عن الربيع بن أنس قال: أنزلت التوراة وهي سبعون وَقْر بعير، يقرأ منها الجزء في سنة، لم يقرأها إلا أربعة نفر: موسى بن عمران، وعيسى، وعزير، ويوشع بن نون، صلوات الله عليهم. * * * واختلفوا في "الألواح" . فقال بعضهم: كانت من زُمرد أخضر. * * * وقال بعضهم: كانت من ياقوت. * * * وقال بعضهم: كانت من بَرَد. * * * * ذكر الرواية بما ذكرنا من ذلك. 15137- حدثني أحمد بن إبراهيم الدَّورقي قال، حدثنا حجاج بن محمد، (1) (1) الأثر: 15135 - وضعت النقط في هذا الخبر، للدلالة على أن هذا الإسناد ملحق بالإسناد السالف، وصدره هكذا: (( حدثني الحارث قال، حثنا عبد العزيز قال، حدثنا إسرائيل.... )) . عن ابن جريج قال، أخبرني يعلى بن مسلم، عن سعيد بن جبير، عن ابن عباس قال: ألقى موسى الألواح فتكسرت، فرفعت إلا سدسها= قال ابن جريج: وأخبرني أن الألواح من زبرجد وزمرد من الجنة. 15138- وحدثني موسى بن سهل الرملي، وعلي بن داود، وعبد الله بن أحمد بن شبويه، وأحمد بن الحسن الترمذي قالوا، أخبرنا آدم العسقلاني قال، حدثنا أبو جعفر، عن الربيع، عن أبي العالية قال: كانت ألواح موسى عليه السلام من بَرَد. (1) 15139- حدثنا ابن حميد قال، حدثنا حكام، عن أبي الجنيد، عن جعفر بن أبي المغيرة قال: سألت سعيد بن جبير عن الألواح، من أي شيء كانت؟ قال: كانت من ياقوتة، كتابة الذهب، كتبها الرحمن بيده، فسمع أهل السموات صريف القلم وهو يكتبها. 15140- حدثني الحارث قال، حدثنا القاسم قال، حدثنا عبد الرحمن، عن محمد بن أبي الوضاح، عن خصيف، عن مجاهد أو سعيد بن جبير قال: كانت الألواح زمردًا، فلما ألقى موسى الألواح بقي الهدى والرحمة، وذهب التفصيل. 15141- قال، حدثنا القاسم قال، حدثنا الأشجعي، عن محمد بن مسلم، عن خصيف، عن مجاهد قال: كانت الألواح من زمرد أخضر. * * * وزعم بعضهم: أن الألواح كانت لوحين. فإن كان الذي قال كما قال، فإنه قيل: "وكتبنا له في الألواح" ، وهما لوحان، كما قيل: (فَإِنْ كَانَ لَهُ إِخْوَةٌ) [سورة النساء: 11] ، وهما أخوان. (2) * * * (1) (1) الأثر 15138 - انظر الأثر رقم 914، والتعليق عليه. (2) (2) انظر ما قال في الجمع، والمراد به اثنان فيما سلف 8: 41 - 44، ومعاني القرآن للفراء 1: 394. أما قوله: "وأخذ برأس أخيه يجره إليه" ، فإن ذلك من فعل نبي الله صلى الله عليه وسلم كان، لموجدته على أخيه هارون في تركه أتباعه، وإقامته مع بني إسرائيل في الموضع الذي تركهم فيه، كما قال جل ثناؤه مخبرًا عن قيل موسى عليه السلام له: (مَا مَنَعَكَ إِذْ رَأَيْتَهُمْ ضَلُّوا أَلا تَتَّبِعَنِي أَفَعَصَيْتَ أَمْرِي) ؟ [سورة طه: 92، 93] ، حين أخبره هارون بعذره فقبل عذره، وذلك قيله لموسى: (لا تَأْخُذْ بِلِحْيَتِي وَلا بِرَأْسِي إِنِّي خَشِيتُ أَنْ تَقُولَ فَرَّقْتَ بَيْنَ بَنِي إِسْرَائِيلَ وَلَمْ تَرْقُبْ قَوْلِي) ، [سورة طه: 94] ، وقال: "يا ابن أم إن القوم استضعفوني وكادوا يقتلونني فلا تشمت بي الأعداء" ، الآية: * * * واختلفت القرأة في قراءة قوله: "يا ابن أم" . فقرأ ذلك عامة قرأة المدينة وبعض أهل البصرة: (يَا ابْنَ أُمَّ) بفتح "الميم" من "الأم" . * * * وقرأ ذلك عامة قرأة أهل الكوفة: (يَا ابْنَ أُمِّ) بكسر "الميم" من الأم. * * * واختلف أهل العربية في فتح ذلك وكسره، مع إجماع جميعهم على أنهما لغتان مستعملتان في العرب. فقال بعض نحويي البصرة: قيل ذلك بالفتح، على أنهما اسمان جعلا اسمًا واحدًا، كما قيل: "يا ابن عمَّ" ، وقال: هذا شاذ لا يقاس عليه. وقال: من قرأ ذلك: "يا ابن أمِّ" ، فهو على لغة الذين يقولون: "هذا غلامِ قد جاء؟" ، جعله اسمًا واحدًا آخره مكسور، مثل قوله: "خازِ باز" . (1) * * * (1) (1) (( الخازباز )) ، هو ضرب من الذبان، و (( خاز )) و (( باز )) صوتان من صوت الذباب، فجعلا واحداً، وبنيا على الكسر، لا يتغير في الرفع والنصب والجر. وقال بعض نحويي الكوفة: قيل: "يا ابن أمَّ" و "يا ابن عمَّ" ، فنصب كما ينصب المعرب في بعض الحالات، فيقال: "يا حسرتا" ، "يا ويلتا" . قال: فكأنهم قالوا: "يا أماه" ، و "يا عماه" ، ولم يقولوا ذلك في "أخ" ، ولو قيل ذلك لكان صوابًا. قال: والذين خفضوا ذلك، فإنه كثر في كلامهم حتى حذفوا الياء. قال: ولا تكاد العرب تحذف "الياء" إلا من الاسم المنادَى يضيفه المنادِي إلى نفسه، إلا قولهم: "يا ابن أمِّ" و "يا ابن عمِّ" ، وذلك أنهما يكثر استعمالهما في كلامهم، فإذا جاء ما لا يستعمل أثبتوا "الياء" فقالوا: "يا ابن أبي" و "يا ابن أختي، وأخي" ، و "يا ابن خالتي" ، و "يا ابن خالي" . (1) * * * قال أبو جعفر: والصواب من القول في ذلك أن يقال: إذا فتحت "الميم" من "ابن أم" ، فمرادٌ به الندبة: يا ابن أماه، وكذلك من "ابن عم" . فإذا كسرت فمرادٌ به الإضافة، ثم حذفت "الياء" التي هي كناية اسم المخبر عن نفسه. وكأن بعض من أنكر تشبيه كسر ذلك إذا كسر ككسر الزاي من "خاز باز" ، (2) لأن "خاز باز" لا يعرف الثاني إلا بالأول، ولا الأول إلا بالثاني، فصار كالأصوات. وحكي عن يونس الجرمي تأنيث "أم" وتأنيث "عم" ، (3) وقال: لا يجعل اسمًا واحدًا إلا مع "ابن" المذكر. قالوا: وأما اللغة الجيدة والقياسُ الصحيح، فلغة من قال: "يا ابن أمي" بإثبات "الياء" ، كما قال أبو زبيد: يَا ابْنَ أُمِّي، وَيَا شُقَيِّقَ نَفْسِي أَنْتَ خَلَّفْتَني لِدَهْرٍ شَدِيدِ (4) (1) (1) هذه كلها مقالة الفراء في معاني القرآن 1: 394. (2) (2) في المطبوعة والمخطوطة: (( من أنكر نسبته كسر ذلك ... )) ، وصواب قراءته ما أثبته (( تشبيه )) . (3) (3) (( يونس الجرمى )) ، هكذا جاء هنا أيضاً، وانظر ما سلف 10: 120، تعليق: 1، ثم 11: 544، تعليق: 3، وما سيأتي ص: 138. (4) (4) أمالي اليزيدي 9، جمهرة أشعار العرب: 139 واللسان (شقق) ، وشواهد العينى (هامش خزانة الأدب) : 4: 222، وغيرها. من قصيدة مختارة، يرثى ابن أخته اللجلاج، ويقال: يرثى أخاه اللجلاج، ويروى البيت: يَا ابْنَ خَنْسَاء، شِقَّ نَفْسِيَ يَا لَجْلاجُ، خَلَّيْتَنِى لِدَهْرٍ شَدِيدِ وأما هذه الرواية، فهي رواية النحاة جميعًا في كتبهم في باب النداء. يقول فيها: كُلَّ مَيْتٍ قَدِ اغْتَفَرْتُ، فلا أُو ... جع مِنْ وَالِدٍ وَلا مَوْلُودِ غَيْرَ أَنَّ اللَّجْلاجَ هَدَّ جَنَاحِي ... يَوْمَ فَارَقْتُهُ بِأَعْلَى الصَّعِيدِ فِي ضَرٍيحٍ عَلَيْهِ عِبْءٌ ثَقِيلٌ ... مِنْ تُرَابٍ وجَنْدَلٍ مَنْضُودِ عَنْ يَمِينِ الطَّرِيقِ عِنْدَ صَدٍ ... حَرَّ انَ يَدْعُو بِاللَّيْلِ غَيْرَ مَعُودِ صَادِيًا يَسْتَغِيثُ غَيْرَ مُغَاثٍ ... وَلَقَدْ كَانَ عُصْرة المَنْجُودِ وقوله: (( شقيق )) تصغير (( شقيق )) ، وهو الأخ. وكما قال الآخر: (1) يَا ابْنَ أُمِّي! وَلَوْ شَهِدْتُكَ إِذْ تَدْ عُو تَمِيمًا وَأَنْتَ غَيْرُ مُجَابِ (2) (1) (1) هو غلفاء بن الحارث، وهو معد يكرب بن الحارث بن عمرو بن حجر آكل المرار الكندى، وهو عم امرئ القيس بن حجر إمام الشعراء. وسمى (( غلفاء )) ، لأنه كان يغلف رأسه بالمسك. ويقال: هو أول من فعل ذلك. (2) (2) النقائض: 457، 1077، الوحشيات رقم: 213، الأغاني: 12: 213، من قصيدة يرثي بها أخاه شرحبيل بن الحارث، قتيل يوم الكلاب الول (انظر خبر ذلك في النقائض، والأغاني) ، يقول قبله، وهو أول الشعر:إِنَّ جَنْبِي عَنِ الفِرَاشِ لَنَابِي ... كَتَاجَافِي الأسَرِّ فَوْقَ الظِّرَابِ مِنْ حَدِيثٍ نَمَى إلَيّ فَلا تَرْ ... قَأُ عَيْنِي، وَلا أُسِيغُ شَرَابِي مُرَّةٌ كَالذِّعَافِ أكْتُمُهَا النَّا ... سَ، عَلَى حَرِّ مَلَّةٍ كالشِّهَابِ مِنْ شُرْحَبِيلَ إِذْ تَعَاوَرُه الأرْ ... مَاحُ فِي حَالِ لَذَّةٍ وشَبَابِ . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ... يَا ابْنَ أُمِّي لَتَرَكْتُ الحُسَامَ تَجْرِي ظُبَاهُ ... مِنْ دِمَاءِ الأعْدَاءِ يَوْمَ الكُلابِ ثُمَّ طَاعَنْتُ مِنْ وَرَائِكَ حَتَّى ... تَبْلُغَ الرُّحْبَ، أو تُبَزَّ ثيَابي وقوله: (( الأسر )) ، هو البعير تخرج في كركرته قرحة لا يقدر معها أن يبرك إلا على مستو من الأرض. وفي (( الظراب )) : جمع (( ظرب )) (بفتح ثم كسر) ، وهو من الحجارة ما كان ناتئاً في جبل أو أرض خربة، وكان طرفه الناتئ محدداً. و (( الملة )) (بفتح الميم) : الرماد الحار. ![]()
__________________
|
#697
|
||||
|
||||
![]() ![]() تفسير جامع البيان عن تأويل آي القرآن الإمام محمد بن جرير الطبري الجزء الثالث عشر تَفْسِيرِ سُّورَةِ الأعراف الحلقة (697) صــ 131 إلى صــ 140 وإنما أثبت هؤلاء الياء في "الأم" ، لأنها غير مناداة، وإنما المنادى هو "الابن" دونها. وإنما تسقط العرب "الياء" من المنادى إذا أضافته إلى نفسها، لا إذا أضافته إلى غير نفسها، كما قد بينا. (1) * * * وقيل: إن هارون إنما قال لموسى عليه السلام: "يا ابن أم" ، ولم يقل: "يا ابن أبي" ، وهما لأب واحد وأم واحدة، استعطافا له على نفسه برحم الأم. (2) * * * وقوله: "إن القوم استضعفوني وكادوا يقتلونني" ، يعني بالقوم، الذين عكفوا على عبادة العجل وقالوا: "هذا إلهنا وإله موسى" ، وخالفوا هارون. وكان استضعافهم إياه: تركهم طاعته واتباع أمره= (3) = "وكادوا يقتلونني" ، يقول: قاربوا ولم يفعلوا. (4) * * * واختلفت القرأة في قراءة قوله: "فلا تشمت" . فقرأ قرأة الأمصار ذلك: (فَلا تُشْمِتْ بِيَ الأعْدَاءَ) ، بضم "التاء" من "تشمت" وكسر "الميم" منها، من قولهم: "أشمت فلان فلانًا بفلان" ، إذا سره فيه بما يكرهه المشمت به. * * * وروي عن مجاهد أنه قرأ ذلك: (فَلا تَشْمِتْ بِيَ الأعْدَاءَ) . 15142- حدثني بذلك عبد الكريم قال، حدثنا إبراهيم بن بشار قال، حدثنا سفيان قال، قال حميد بن قيس: قرأ مجاهد: (فَلا تَشْمِتْ بِيَ الأعَدَاءُ) . 15143- حدثني المثنى قال، حدثنا إسحاق قال، حدثنا عبد الله بن الزبير، عن ابن عيينة، عن حميد قال: قرأ مجاهد: (فَلا تَشْمِتْ بِيَ الأعَدَاءُ) . 15144- حدثت عن يحيى بن زياد الفراء قال، حدثنا سفيان بن عيينة، (1) (1) انظر معاني القرآن للفراء 1: 394. (2) (1) انظر معاني القرآن للفراء 1: 394. (3) (2) انظر تفسير (( استضعف )) فيما سلف ص: 76، تعليق: 1، والمراجع هناك. (4) (3) انظر تفسير (( كاد )) فيما سلف 2: 218. عن رجل، عن مجاهد، أنه قال: (لا تُشْمِتْ) . (1) * * * وقال الفراء: قال الكسائي: ما أدرى، فلعلهم أرادوا: فلا تشمت بي الأعداءُ، فإن تكن صحيحة فلها نظائر. العرب تقول: "فَرِغت وفَرَغت" ، فمن قال: "فَرغت" ، قال: "أنا أفرُغ" ، ومن قال: "فرِغت" ، قال: "أنا أفرَغُ" ، وكذلك: "ركِنت" "وركَنت" ، و "شمِلهم أمرٌ" (2) "وشمَلهم" ، (3) في كثير من الكلام. قال: "والأعداء" رفع، لأن الفعل لهم، لمن قال: "تشمَت" أو "تشمِت" . (4) * * * قال أبو جعفر: والقراءة التي لا أستجيز القراءة إلا بها، قراءةُ من قرأ: (فَلا تُشْمِتْ) : بضم "التاء" الأولى، وكسر "الميم" من: "أشمتُّ به عدوه أشمته به" ، ونصبِ "الأعداء" ، لإجماع الحجة من قرأة الأمصار عليها، وشذوذ ما خالفها من القراءة، وكفى بذلك شاهدا على ما خالفها. هذا مع إنكار معرفة عامة أهل العلم بكلام العرب: "شمت فلان فلانًا بفلان" ، و "شمت فلان بفلان يشمِت به" ، وإنما المعروف من كلامهم إذا أخبروا عن شماتة الرجل بعدوِّه: "شمِت به" بكسر "الميم" : "يشمَت به" ، بفتحها في الاستقبال. * * * وأما قوله: "ولا تجعلني مع القوم الظالمين" ، فإنه قولُ هارون لأخيه موسى. يقول: لا تجعلني في موجدتك عليَّ وعقوبتك لي ولم أخالف أمرك، محلَّ من عصاك فخالف أمرك، وعبد العجل بعدك، فظلم نفسه، وعبد غيرَ من له العبادة، ولم أشايعهم على شيء من ذلك، كما:- (1) (1) الأثر: 15144 - رواه الفراء في معاني القرآن 1: 394، وقال عند قوله: (( عن رجل )) : (( أظنه الأعرج )) ، يعني: (( حميد بن قيس المكى )) المذكور في الإسنادين السالفين. (2) (2) في المطبوعة والمخطوطة: (( ركبت وركبت )) ، والصواب في معاني القرآن للفراء. (3) (3) في معاني القرآن: (( وشملهم شر )) . (4) (4) معاني القرآن للفراء 1: 394. 15145- حدثني محمد بن عمرو قال، حدثنا أبو عاصم قال، حدثنا عيسى، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد: "ولا تجعلني مع القوم الظالمين" ،) قال: أصحاب العجل. 15146- حدثني المثنى قال، حدثنا أبو حذيفة قال، حدثنا شبل، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد، بمثله. * * * القول في تأويل قوله: {قَالَ رَبِّ اغْفِرْ لِي وَلأخِي وَأَدْخِلْنَا فِي رَحْمَتِكَ وَأَنْتَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ (151) } قال أبو جعفر: يقول تعالى ذكره: قال موسى، لما تبين له عذر أخيه، وعلم أنه لم يفرط في الواجب الذي كان عليه من أمر الله، في ارتكاب ما فعله الجهلة من عبدة العجل: "رب اغفر لي" ، مستغفرًا من فعله بأخيه، ولأخيه من سالفٍ سلف له بينه وبين الله: (1) تغمد ذنوبنا بستر منك تسترها به (2) = "وأدخلنا في رحمتك" ، يقول: وارحمنا برحمتك الواسعة عبادك المؤمنين، فإنك أنت أرحم بعبادك من كل من رحم شيئًا. * * * القول في تأويل قوله: {إِنَّ الَّذِينَ اتَّخَذُوا الْعِجْلَ سَيَنَالُهُمْ غَضَبٌ مِنْ رَبِّهِمْ وَذِلَّةٌ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَكَذَلِكَ نَجْزِي الْمُفْتَرِينَ (152) } قال أبو جعفر: يقول تعالى ذكره: "إن الذين اتخذوا العجل" إلهًا= "سينالهم غضب من ربهم" ، بتعجيل الله لهم ذلك (3) = "وذلة" ، وهي الهوان، لعقوبة الله (1) (1) في المطبوعة: (( من سالف له )) ، أسقط (( سلف )) ، وهي من المخطوطة. (2) (2) انظر تفسير (( المغفرة )) فيما سف من فهارس اللغة (غفر) . (3) (3) انظر تفسير (( نال )) فيما سلف 12: 408، تعليق: 3، والمراجع هناك. إياهم على كفرهم بربهم= (1) "في الحياة الدنيا" ، في عاجل الدنيا قبل آجل الآخرة. * * * وكان ابن جريج يقول في ذلك بما: - 15147- حدثنا القاسم قال، حدثنا الحسين قال، حدثني حجاج، عن ابن جريج، قوله: "إن الذين اتخذوا العجل سينالهم غضب من ربهم وذلة في الحياة الدنيا وكذلك نجزي المفترين" ، قال: هذا لمن مات ممن اتخذ العجل قبل أن يرجع موسى عليه السلام، ومن فرّ منهم حين أمرهم موسى أن يقتل بعضهم بعضًا. * * * قال أبو جعفر: وهذا الذي قاله ابن جريج، وإن كان قولا له وجه، فإن ظاهر كتاب الله، مع تأويل أكثر أهل التأويل، بخلافه. وذلك أن الله عم بالخبر عمن اتخذ العجل أنه سينالهم غضب من ربهم وذلة في الحياة الدنيا، وتظاهرت الأخبار عن أهل التأويل من الصحابة والتابعين بأن الله إذ رجع إلى بني إسرائيل موسى عليه السلام، تابَ على عبدة العجل من فعلهم بما أخبر به عن قيل موسى عليه السلام في كتابه، وذلك قوله: (وَإِذْ قَالَ مُوسَى لِقَوْمِهِ يَا قَوْمِ إِنَّكُمْ ظَلَمْتُمْ أَنْفُسَكُمْ بِاتِّخَاذِكُمُ الْعِجْلَ فَتُوبُوا إِلَى بَارِئِكُمْ فَاقْتُلُوا أَنْفُسَكُمْ) [سورة البقرة: 54] ، ففعلوا ما أمرهم به نبيهم صلى الله عليه وسلم. فكان أمرُ الله إياهم بما أمرهم به من قتل بعضهم أنفُس بعض، عن غضب منه عليهم بعبادتهم العجل. فكان قتل بعضهم بعضًا هوانًا لهم وذلة أذلهم الله بها في الحياة الدنيا، وتوبة منهم إلى الله قبلها. وليس لأحد أن يجعل خبرًا جاء الكتاب بعمومه، في خاصٍّ مما عمه الظاهر، بغير برهان من حجة خبر أو عقل. ولا نعلم خبرًا جاء بوجوب نقل ظاهر قوله: "إن الذين اتخذوا العجل سينالهم غضب من ربهم" ، إلى باطن خاصّ = ولا من العقل عليه دليل، فيجب إحالة ظاهره إلى باطنه. * * * (1) (1) انظر تفسير (( الذلة )) فيما سلف 2: 212 / 7: 171 / 11: 421. ويعني بقوله: "وكذلك نجزي المفترين" ، وكما جَزيت هؤلاء الذين اتخذوا العجل إلهًا، من إحلال الغضب بهم، والإذلال في الحياة الدنيا على كفرهم ربّهم، ورِدَّتهم عن دينهم بعد إيمانهم بالله، كذلك نجزي كل من افترى على الله، فكذب عليه، وأقر بألوهية غيره، وعبد شيئًا سواه من الأوثان، بعد إقراره بوحدانية الله، وبعد إيمانه به وبأنبيائه ورسله وقِيلَ ذلك، إذا لم يتب من كفره قبل قتله. (1) * * * وبنحو الذي قلنا في ذلك قال جماعةٌ من أهل التأويل. * ذكر من قال ذلك: 15148- حدثنا محمد بن عبد الأعلى قال، حدثنا محمد بن ثور، عن معمر، عن أيوب قال: تلا أبو قلابة: "سينالهم غضب من ربهم وذلة في الحياة الدنيا" الآية، قال: فهو جزاء كل مفترٍ يكون إلى يوم القيامة: أن يذله الله عز وجل. 15149- حدثني المثنى قال، حدثنا أبو النعمان عارم قال، حدثنا حماد بن زيد، عن أيوب قال: قرأ أبو قلابة يومًا هذه الآية: "إن الذين اتخذوا العجل سينالهم غضب من ربهم وذلة في الحياة الدنيا وكذلك نجزي المفترين" ، قال: هي والله لكل مفترٍ إلى يوم القيامة. 15150- ... قال حدثنا حجاج قال، حدثنا حماد، عن ثابت، وحميد: أن قيس بن عُبَاد، وجارية بن قدامة، دخلا على علي بن أبي طالب رضي الله عنه، فقالا أرأيت هذا الأمر الذي أنت فيه وتدعو إليه، أعهدٌ عهده إليك رسول الله صلى الله عليه وسلم، أم رأيٌ رأيته؟ قال: ما لكما ولهذا؟ أعرضا عن هذا! فقالا والله لا نعرضُ عنه حتى تخبرنا! فقال: ما عهد إليّ رسول الله صلى الله عليه وسلم إلا كتابًا في قراب سيفي هذا! فاستلَّه، فأخرج الكتاب من قراب سيفه، وإذا فيه: "إنه لم يكن نبيّ إلا له حرم، وأنّي حرمت المدينة" (1) (1) انظر تفسير (( الافتراء )) فيما سلف 12: 562، تعلق: 1، والمراجع هناك. كما حرّم إبراهيم عليه السلام مكة، لا يحمل فيها السلاحُ لقتال. من أحدث حدثًا أو آوى مُحدِثًا فعليه لعنة الله والملائكة والناس أجمعين، لا يقبل منه صرف ولا عَدْل ". فلما خرجا قال أحدهما لصاحبه: أما ترى هذا الكتاب؟ فرجعا وتركاه وقالا إنا سمعنا الله يقول" إن الذين اتخذوا العجل سينالهم غضب من ربهم "، الآية، وإن القوم قد افتروا فرية، ولا أدري إلا سينزل بهم ذلة. (1) " 15151- حدثني المثنى قال، حدثنا إسحاق قال، حدثنا عبد الله بن الزبير، عن ابن عيينة: في قوله: "وكذلك نجزي المفترين" قال: كل صاحب بدعة ذليلٌ. * * * القول في تأويل قوله: {وَالَّذِينَ عَمِلُوا السَّيِّئَاتِ ثُمَّ تَابُوا مِنْ بَعْدِهَا وَآمَنُوا إِنَّ رَبَّكَ مِنْ بَعْدِهَا لَغَفُورٌ رَحِيمٌ (153) } قال أبو جعفر: وهذا خبر من الله تعالى ذكره أنه قابلٌ من كل تائب إليه من ذنب أتاه، صغيرةً كانت معصيته أو كبيرةً، كفرًا كانت أو غير كفر، كما (1) (1) الأثر: 15150 - كان إسناد هذا الخبر في المطبوعة هكذا: (( قال، حدثنا حماد، عن ثابت: أن حميد بن قيس بن عباد، وحارثه بن قدامة )) ، وفي المخطوطة: (( قال حدثنا حماد عن ثابت وحميد بن قيس بن عباد، وحارثه بن قدامة )) . (( حارثة )) غير منقوطة. وهما جميعاً خطأ، صوابه ما أثبت. و (( حماد )) هو: (( حماد بن سلمة )) ، ثقة مشهور، مضى مرارًا. و (( ثابت )) هو (( ثابت بن أسلم البنانى )) ، مضى مرارًا. و (( حميد )) هو (( حميد الطويل )) ، وهو: (( حميد بن أبي حميد )) ، الإمام المشهور، مضى مرارًا، وهو خال (( حماد بن سلمة )) . وأما (( قيس بن عباد القيسى الضبعى )) ، فهو ثقة قليل الحديث، روى عنه الحسن. قدم المدينة في خلافة عمر. وهو ممن قتلهم الحجاج في من خرج مع ابن الأشعث. مترجم في التهذيب، وابن سعد 7 / 1 / 95، والكبير 4/1/145، وابن أبي حاتم 3/12/101، وفي الإصابة في القسم الثالث. وأما (( جارية بن قدامة بن زهير بن الحصين السعدي )) ، يقال هو بن عم الأحنف بن قيس، ويقال هو: عمه. وقال الطبراني: (( ليس بعم الأحنف أخي أبيه، ولكنه كان يدعوه عمه على سبيل الإعظام له )) . وجارية تميمى من أشراف تميم وكان شجاعاً فاتكاً، وهو صحابي ثابت الصحبة. مترجم في التهذيب، وابن سعد 7/1/38، والكبير 1/2/236، وابن أبي حاتم 1/1/520، وفي الإصابة، وغيرها. وهذا الخبر لم أهتد إليه بهذا الإسناد، وهذه السياقة، في شيء من الكتب، ولكن خبر الصحيفة، عن (( قيس بن عباد )) ، رواه أحمد في مسنده رقم 993، من طريق يحيى، عن سعيد بن أبي عروبة، عن قتادة، عن الحسن، عن قيس بن عباد قال: انطلقت أنا والأشتر إلى على، فقلنا: هل عهد إليك نبى الله صلى الله عليه وسلم شيئاً لم يعهده إلى الناس عامة؟ )) ، وساق خبراً آخر. وروى أحمد خبر الصحيفة في مسند علي رضي الله عنه، بأسانيد مختلفة، وألفاظ مختصرة ومطولة، ومؤتلفة ومختلفة. انظر رقم 615، 872، 874، 954، 962، 1037، 1297، 1306، وليس في شيء منها ذكر (( جارية بن قدامة )) . ومع ذلك فخبر أبي جعفر صحيح الإسناد، فكأنهما حادثتان مختلفتان. وكان في المخطوطة: (( ولا أدرى إلا سينزل به ذلة )) والصواب ما صححه ناشر المطبوعة. قبل من عَبَدة العجل توبتهم بعد كفرهم به بعبادتهم العجل وارتدادهم عن دينهم. يقول جل ثناؤه: والذين عملوا الأعمال السيئة، ثم رجعوا إلى طلب رضى الله بإنابتهم إلى ما يحب مما يكره، وإلى ما يرضى مما يسخط، من بعد سيئ أعمالهم، وصدَّقوا بأن الله قابل توبة المذنبين، وتائبٌ على المنيبين، بإخلاص قلوبهم ويقين منهم بذلك= "لغفور" ، لهم، يقول: لساتر عليهم أعمالهم السيئة، وغير فاضحهم بها= "رحيم" ، بهم، وبكل من كان مثلهم من التائبين. (1) * * * القول في تأويل قوله: {وَلَمَّا سَكَتَ عَنْ مُوسَى الْغَضَبُ أَخَذَ الألْوَاحَ وَفِي نُسْخَتِهَا هُدًى وَرَحْمَةٌ لِلَّذِينَ هُمْ لِرَبِّهِمْ يَرْهَبُونَ (154) } قال أبو جعفر: يعني تعالى ذكره بقوله: "ولما سكت عن موسى الغضب" . ولما كفّ عنه وسكن. (2) * * * (1) (1) انظر تفسير ألفاظ هذه الآية في فهارس اللغة. (2) (2) في المطبوعة: (( ولما كف موسى عن الغضب )) ، وهو اجتهاد من ناشر المطبوعة الأولى، ولم يصب. فإن المخطوطة أسقطت تفسير العبارة، وجاء فيها هكذا: (( ولما سكت عن موسى الغضب، وكذلك كل كاف )) ، والتفسير الذي أثبته الناشر الأول تفسير ذكره الزجاج قال: (( معناه: ولما سكن. وقيل: معناه: ولما سكت موسى عن الغضب - على القلب، كما قالوا: أدخلت القلنسوة في رأس، والمعنى: أدخلت رأسي في القلنسوة. قال والقول الأول الذي معناه سكن، هو قول أهل العربية )) . ولو أراد أبو جعفر، لفسره كما فسره الزجاج، فآثرت أن أضع تفسير أبي عبيدة في مجاز القرآن 1: 229، لأن الذي يليه هو قول أبي عبيدة في مجاز القرآن. وكذلك كل كافٍّ عن شيء: "ساكت عنه" ، وإنما قيل للساكت عن الكلام "ساكت" ، لكفه عنه. (1) وقد ذكر عن يونس الجرمي أنه قال (2) يقال: "سكت عنه الحزن" ، وكلُّ شيء، فيما زعم، ومنه قول أبي النجم: وَهَمَّتِ الأفْعَى بِأَنْ تَسِيحَا وَسَكَتَ المُكَّاءُ أَنْ يَصِيحَا (3) * * * = "خذ الألواح" ، يقول: أخذها بعد ما ألقاها، وقد ذهب منها ما ذهب = "وفي نسختها هدى ورحمة" ، يقول: وفيما نسخ فيها، أي كتب فيها (4) = "هدى" بيان للحق= "ورحمة للذين هم لربهم يرهبون" ، يقول: للذين يخافون الله ويخشون عقابَه على معاصيه. (5) * * * واختلف أهل العربية في وجه دخول "اللام" في قوله: "لربهم يرهبون" ، (1) (1) انظر مجاز القرآن لأبي عبيدة 1: 229. (2) (2) انظر ما سلف ص: 129، تعليق: 3. (3) (3) لم أجد البيتين. وكان في المطبوعة: (( تسبحا )) و (( تضبحا )) ، وهو خطأ وفساد، ولأبي النجم أبيات كثيرة من الرجز على هذا الوزن، ولم أجد الرجز بتمامه. وصواب قراءة ما كان في المخطوطة هو ما أثبت. (4) (4) انظر تفسير (( النسخة )) فيما سلف 2: 472. = وكان في المطبوعة هنا، مكان قوله: (( أي: كتب فيها )) ، ما نصه: (( أي: منها )) ، لم يحسن قراءة المخطوطة، لأن الناسخ كتبها بخط دقيق في آخر السطر، فوصل الكلام بعضه ببعض، فساءت كتابته. (5) (5) انظر تفسير (( الهدى )) فيما سلف من فهارس اللغة (هدى) . مع استقباح العرب أن يقال في الكلام: "رهبت لك" : بمعنى رهبتك= "وأكرمت لك" ، بمعنى أكرمتك. فقال بعضهم: ذلك كما قال جل ثناؤه: (إِنْ كُنْتُمْ لِلرُّؤْيَا تَعْبُرُونَ) ، [سورة يوسف: 43] ، أوصل الفعل باللام. * * * وقال بعضهم: من أجل ربِّهم يرهبون. * * * وقال بعضهم: إنَّما دخلت عَقِيب الإضافة: الذين هم راهبون لربهم، وراهبُو ربِّهم= ثم أدخلت "اللام" على هذا المعنى، لأنها عَقِيب الإضافة، لا على التكليف. (1) * * * وقال بعضهم: إنما فعل ذلك، لأن الاسم تقدم الفعل، فحسن إدخال "اللام" . * * * وقال آخرون: قد جاء مثله في تأخير الاسم في قوله: (رَدِفَ لَكُمْ بَعْضُ الَّذِي تَسْتَعْجِلُونَ) [سورة النمل: 72] . (2) * * * وذكر عن عيسى بن عمر أنه قال: سمعت الفرزدق يقول: "نقدت له مائة درهم" ، يريد: نقدته مائة درهم. (3) قال: والكلام واسع. * * * (1) (1) في المطبوعة: لا على التعليق )) ، وأثبت ما في المخطوطة، وكأنه يعني بقوله: (( التكليف )) معنى التعليق )) ، لأن (( التكليف )) هو (( التحميل )) ، ولم أجد تفسير هذه الكلمة في مكان آخر، ولعلها من اصطلاح بعض قدماء النحاة. (2) (2) انظر ما سلف 6: 511 / 7: 164، ومعاني القرآن للفراء 1: 233. (3) (3) نقله الفراء في معاني القرآن 1: 233 عن الكسائى، قال: (( سمعت بعض العرب يقول: نقدت لها مئة درهم، يريد: نقدتها مئة، لامرأة تزوجها )) . القول في تأويل قوله: {وَاخْتَارَ مُوسَى قَوْمَهُ سَبْعِينَ رَجُلا لِمِيقَاتِنَا فَلَمَّا أَخَذَتْهُمُ الرَّجْفَةُ قَالَ رَبِّ لَوْ شِئْتَ أَهْلَكْتَهُمْ مِنْ قَبْلُ وَإِيَّايَ} قال أبو جعفر: يقول تعالى ذكره: واختار موسى من قومه سبعين رجلا للوقت والأجل الذي وعده الله أن يلقاه فيه بهم، (1) للتوبة مما كان من فعل سفهائهم في أمر العجل، كما: - 15152- حدثني موسى بن هارون قال، حدثنا عمرو بن حماد قال، حدثنا أسباط، عن السدي، قال: إن الله أمر موسى عليه السلام أن يأتيه في ناسٍ من بني إسرائيل، يعتذرون إليه من عبادة العجل، ووعدهم موعدًا، فاختار موسى قومه سبعين رجلا على عينه، ثم ذهب بهم ليعتذروا. فلما أتوا ذلك المكان قالوا: لن نؤمن لك يا موسى حتى نرى الله جهرة، فإنك قد كلمته، فأرناه! فأخذتهم الصاعقة فماتوا، فقام موسى يبكي ويدعو الله ويقول: رَبِّ ماذا أقول لبني إسرائيل إذا أتيتهم وقد أهلكت خيارهم، لو شئتَ أهلكتهم من قبل وإيّاي! (2) 15153- حدثنا ابن حميد قال، حدثنا سلمة، عن ابن إسحاق قال: اختار موسى من بني إسرائيل سبعين رجلا الخيِّر فالخيرَ، وقال: انطلقوا إلى الله فتوبوا إليه مما صنعتم، واسألوه التوبة على من تركتم وراءكم من قومكم، صوموا وتَطَهَّروا، وطهِّروا ثيابكم! فخرج بهم إلى طور سيْناء، لميقات وقَّته له ربه. وكان لا يأتيه إلا بإذن منه وعلم. فقال السبعون =فيما ذكر لي= حين صنعوا ما أمرهم به، وخرجوا معه للقاء ربِّه، لموسى: اطلب لنا نسمع كلام ربِّنا! فقال: أفعل. فلما دنا موسى من الجبل، وقع عليه عمودُ الغمام، حتى تغشى الجبلَ كله. ودنا موسى فدخل فيه، وقال للقوم: ادنوا! وكان موسى إذا كلمه الله وقَع على جبهته نور (1) (1) انظر تفسير (( الميقات )) فيما سلف 3: 553 - 555 / 13: 87، 90. (2) (2) الأثر: 15152 - مضى مطولا برقم 958، ومراجعه هناك. ![]()
__________________
|
#698
|
||||
|
||||
![]() ![]() تفسير جامع البيان عن تأويل آي القرآن الإمام محمد بن جرير الطبري الجزء الثالث عشر تَفْسِيرِ سُّورَةِ الأعراف الحلقة (698) صــ 141 إلى صــ 150 ساطع، لا يستطيع أحد من بني آدم أن ينظر إليه! فضرب دونه بالحجاب. ودنا القوم، حتى إذا دخلوا في الغمام وقَعوا سجودًا، فسمعوه وهو يكلِّم موسى، يأمره وينهاه: افعل، ولا تفعل! فلما فرغ الله من أمره، انكشف عن موسى الغمام. أقبل إليهم، (1) فقالوا لموسى: لن نؤمن لك حتى نرى الله جهرة! فأخذتهم الرجفة= وهي الصاعقة= فَافْتُلِتَتْ أرواحهم، (2) فماتوا جميعًا، وقام موسى عليه السلام يناشد ربّه ويدعوه ويرغب إليه، ويقول: رب لو شئت أهلكتهم من قبلُ وإياي! قد سفهوا! أفتهلك مَنْ ورائي من بني إسرائيل؟ (3) 15154- حدثني المثنى قال، حدثنا عبد الله بن صالح قال، حدثني معاوية، عن علي بن أبي طلحة، عن ابن عباس، قوله: "واختار موسى قومه سبعين رجلا لميقاتنا" ، قال: كان الله أمرَه أن يختار من قومه سبعين رجلا فاختار سبعين رجلا فبرزَ بهم ليدعوا ربَّهم. فكان فيما دَعَوُا الله قالوا: اللهم أعطِنا ما لم تعط أحدًا بعدنا! فكره الله ذلك من دعائهم، فأخذتهم الرجفة. قال موسى: ربِّ لو شئت أهلكتهم من قبل وإيَّاي! 15155- حدثنا ابن وكيع قال، حدثنا خالد بن حيان، عن جعفر، عن ميمون: "واختار موسى قومه سبعين رجلا لميقاتنا" ، قال: لموعدهم الذي وعدهم. 15156 - حدثني المثنى قال، حدثنا أبو حذيفة قال، حدثنا شبل، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد: "سبعين رجلا لميقاتنا" ، قال: اختارهم لتمام الوعد. * * * وقال آخرون: إنما أخذتهم الرجفة من أجل دَعْواهم على موسى قتلَ هارون. (1) (1) في المطبوعة: (( وانكشف عن موسى أقبل )) ، غير ما في المخطوطة. كما فعل آنفاً في رقم: 957. (2) (2) في المطبوعة والمخطوطة: (( فالتقت أرواحهم )) ، ولا معنى لها، صوابها ما أثبته. (( افتلتت نفسه )) (بالبناء للمجهول) : مات فلتة، أي بغتة. وانظر ما سلف 2: 87، تعليق: 1. (3) (3) الأثر: 15153 - مضى هذا الخبر برقم 957، ومراجعه هناك. * ذكر من قال ذلك: 15157- حدثنا ابن بشار وابن وكيع قالا حدثنا يحيى بن يمان قال، حدثنا سفيان قال، حدثني أبو إسحاق، عن عمارة بن عبد السَّلولي، عن علي رضي الله عنه قال: انطلق موسى وهارون وشبر وشبير، فانطلقوا إلى سفح جَبَلٍ، فنام هارون على سرير، فتوفاه الله. فلما رجع موسى إلى بني إسرائيل قالوا له: أين هارون؟ قال: توفّاه الله. قالوا: أنت قتلته، حسدتنا على خُلقه ولينه= أو كلمة نحوها= قال: فاختاروا من شئتم! قال: فاختاروا سبعين رجلا. قال: فذلك قوله: "واختار موسى قومه سبعين رجلا لميقاتنا" ، قال: فلما انتهوا إليه، قالوا: يا هارون، من قتلك؟ قال: ما قتلني أحد، ولكنني توفّاني الله! قالوا: يا موسى لن تعصَي بعد اليوم! قال: فأخذتهم الرجفة. قال: فجعل موسى يرجع يمينًا وشمالا وقال: "يا رب لو شئت أهلكتهم من قبل وإياي أتهلكنا بما فعل السفهاء منّا إن هي إلا فتنتك تضل بها من تشاء وتهدي من تشاء" ، قال: فأحياهم الله وجعلهم أنبياءَ كلهم. (1) 15158- حدثنا محمد بن المثنى قال، حدثنا محمد بن جعفر قال، حدثنا شعبة، عن أبي إسحاق، عن رجل من بني سلول، أنه سمع عليًّا رضي الله عنه يقول في هذه الآية: "واختار موسى قومه سبعين رجلا لميقاتنا" ، قال: كان هارون (1) الأثر: 15157 - (( عمارة بن عبد السلولي )) ، هو أخو (( سليم بن عبد السلولى )) و (( زيد بن عبد السلولي )) ، قال العجلي: (( هم ثلاثة إخوة: سليم بن عبد، وعمارة بن عبد، وزيد بن عبد، ثقات، سلوليون، كوفيون )) . روى عن علي، وحذيفة. لم يرو عنه غير أبي إسحق الهمداني.قال أحمد بن حنبل: (( عمارة بن عبد، مستقيم الحديث، لا يروى عنه غير أبي إسحق )) . وقال أبو حاتم: (( شيخ مجهول لا يحتج بحديثه )) . مترجم في ابن سعد 6: 158، وابن أبي حاتم 3/1/367، وميزان الاعتدال 2: 248، ومر ذكره في التعليق على رقم 8754. وهذا الخبر، ذكره ابن كثير في تفسيره 3: 561، 562: (( وهذا أثر غريب جدا، وعمارة بن عبد هذا، لا أعرفه )) . فقد تبين مما ذكرت أنه معروف، وأن ابن كثير لم يستوعب بحثه. وخرجه السيوطي في الدر المنثور 3: 128، ونسبه إلى عبد بن حميد، وابن أبي الدنيا في كتاب: من عاش بعد الموت، وابن أبي حاتم، وأبي الشيخ ولم أجده في كتاب (( من عاش بعد الموت )) المطبوع، فدل هذا علي نقص النسخة المطبوعة منه. حسنَ الخلق محبَّبًا في بني إسرائيل. قال: فلما مات، دَفَنَه موسى. قال: فلما أتى بني إسرائيل، قالوا له: أين هارون؟ قال: مات! فقالوا: قتلته! قال: فاختار منهم سبعين رجلا. قال: فلما أتوا القبرَ قال موسى: أقُتِلت أو مِتّ! قال مت! فأُصعقوا، فقال موسى: ربِّ ما أقول لبني إسرائيل؟ إذا رجعت يقولون: أنت قتلتهم! قال: فأحيُوا وجُعِلوا أنبياء. 15159- حدثني عبد الله بن الحجاج بن المنهال قال، حدثنا أبي قال، حدثنا الربيع بن حبيب قال: سمعت أبا سعيد =يعني الرقاشي= وقرأ هذه الآية: "واختار موسى قومه سبعين رجلا لميقاتنا" ، فقال: كانوا أبناءَ ما عدا عشرين، ولم يتجاوزوا الأربعين، وذلك أن ابن عشرين قد ذهب جهلُه وصباه، وأنّ من لم يتجاوز الأربعين لم يفقد من عقله شيئًا. (1) * * * وقال آخرون: إنما أخذت القوم الرَّجفة، لتركهم فِراق عبدة العجل، لا لأنهم كانوا من عَبَدته. * ذكر من قال ذلك: 15160- حدثنا بشر بن معاذ قال، حدثنا يزيد قال، حدثنا سعيد، عن قتادة، قوله: "واختار موسى قومه سبعين رجلا لميقاتنا" ، فقرأ حتى بلغ: "السفهاء منا" ، ذكر لنا أن ابن عباس كان يقول: إنما تناولتهم الرجفة، لأنهم لم يزايلوا (1) (1) الأثر: 15159 - (( عبد الله بن الحجاج بن المنهال )) لم أجد له ترجمة. وأبوه (( الحجاج بن المنهال الأنماطي )) ، مضى مرارا كثيرة. و (( الربيع بن حبيب الحنفي )) ، (( أبو سعيد )) . روى عن الحسن، وابن سيرين، وأبي جعفر الباقر. روى عنه أبو داود الطيالسي، ويحيى القطان، وعبد الصمد بن عبد الوارث. وثقه أحمد ويحيى. مترجم في التهذيب، والكبير 2/1/253، وابن أبي حاتم 1 / 2 / 457. و (( أبو سعيد الرقاشي )) هو فيما أرجح (( قيس، مولى أبي ساسان حضين بن المنذر الرقاشي )) . وكان أبو سعيد قليل الحديث. مترجم في ابن سعد 7/1/154 والكبير 4/1/151، وابن أبي حاتم 3/2/106. وهناك أيضا (( أبو سعيد الرقاشي )) ، البصري وهو (( بيان بن جندب الرقاشى )) ، روى عن أنس. مترجم في الكبير 1/2/133، وابن أبي حاتم 1 / 1 / 424، ولسان الميزان 2: 69. قال ابن حبان في الثقات: (( يخطئ )) . القوم حين نَصَبُوا العجل، وقد كرهوا أن يجامِعُوهم عليه. 15161- حدثنا القاسم قال، حدثنا الحسين قال، حدثني حجاج، عن ابن جريج، قوله: "واختار موسى قومه سبعين رجلا لميقاتنا" ، ممن لم يكن قال ذلك القول، على أنهم لم يجامعوهم عليه، فأخذتهم الرجفة من أجل أنهم لم يكونوا باينوا قومَهم حين اتخذوا العجل. قال: فلما خرجوا ودعوا، أماتهم الله ثم أحياهم. فلما أخذتهم الرجفة قال: "رب لو شئت أهلكتهم من قبل وإيّاي أتهلكنا بما فعل السفهاء منا" . 15162- حدثني الحارث قال، حدثنا عبد العزيز قال، حدثنا أبو سعد قال، قال مجاهد: "واختار موسى قومه سبعين رجلا لميقاتنا" = و "الميقات" ، الموعد= فلما أخذتهم الرجفة بعد أن خرج موسى بالسبعين من قومه يدعون الله ويسألونه أن يكشف عنهم البلاءَ فلم يستجب لهم، علم موسى أنهم قد أصابوا من المعصية ما أصابَه قومهم= قال أبو سعد (1) فحدثني محمد بن كعب القرظي قال: لم يستجب لهم من أجل أنهم لم ينهوهم عن المنكر ويأمروهم بالمعروف. قال: فأخذتهم الرجفة، فماتوا ثم أحياهم الله. 15163- حدثنا ابن وكيع قال، حدثنا أبو أسامة، عن عون، عن سعيد بن حيان، عن ابن عباس: أن السبعين الذين اختارهم موسى من قومه، إنما أخذتهم الرجفة، أنهم لم يرضَوا ولم ينهَوا عن العجل. 15164- حدثنا ابن بشار قال، حدثنا محمد بن جعفر قال، حدثنا عون قال، حدثنا سعيد بن حيان، عن ابن عباس، بنحوه. * * * واختلف أهل العربية في وجه نصب قوله: "قومه سبعين رجلا لميقاتنا" . فقال بعض نحويي البصرة: معناه: واختار موسى من قومه سبعين رجلا = فلما نزع "من" أعمل الفعل، كما قال الفرزدق: (1) (1) في المخطوطة والمطبوعة: (( قال ابن سعد )) ، والصواب ما أثبت، كما سلف في إسناد الخبر. وَمِنَّا الَّذِي اخْتِيرَ الرِّجَالَ سَمَاحَةً وَجُودًا، إِذَا هَبَّ الرِّيَاحُ الزَّعَازِعُ (1) وكما قال الآخر: (2) أَمَرْتُكَ الْخَيْرَ، فَافْعَلْ مَا أُمِرْتَ بِهِ فَقَدْ تَرَكْتُكَ ذَا مَالٍ وَذَا نَشَبٍ (3) (1) (1) ديوانه: 516، النقائض: 696، سيبويه 1: 18، الكامل 1: 21، أملى الشجرى 1: 186، الخزانة 3: 669، 672، اللسان (خير) وغيرها كثير. وهو أول قصيدة ناقض بها جريراً، وذكر فيها فضائل قومه بني تميم ومآثرهم، وعنى بهذا البيت أباه غالبا، وهو أحد أجواد بني تميم، ثم قال بعده:ومِنَّا الَّذِي أَعْطَى الرَّسُولُ عَطِيَّةً ... أُسَارَى تَمِيمٍ، والعُيُونُ دَوَامِعُ يعني الأقرع بن حابس، الذي كلم رسول الله في أصحاب الحجرات، وهم بنو عمرو بن جندب ابن العنبر بن عمرو بن تميم، فرد رسول الله سبيهم. ثم أفاض في ذكر مآثرهم. (2) (2) هو أعشى طرود: (( إياس بن عامر بن سليم بن عامر )) . وروى هذا البيت أيضاً في شعر نسب إلى عمرو بن معد يكرب، وإلى العباس بن مرداس، وإلى زرعة بن السائب، وإلى خفاف بن فدية (الخزانة 1: 166) . (3) ديوان الأعشين: 284، سيبويه 1: 17، والمؤتلف والمختلف: 17، الكامل 1: 21، أمالي الشجري 1: 265 / 2: 240، الخزانة 1: 164 - 167، وغيرها كثير. فمن نسبها إلى أعشى طرود قال من بعد أبيات يذكر وصية أبيه له: إِنِّي حَوَيْتُ عَلَى الأَقْوَامِ مَكْرُمَة ... قِدْمًا، وَحَذَّرَنِي مَا يَتَّقُونَ أَبِي وَقَالَ لِي قَوْلَ ذِي عِلْمٍ وَتَجْرُبَةٍ ... بِسَالِفَاتِ أُمُورِ الدَّهْرِ وَالحِقَبِ أَمَرْتُكَ الرُّشْدَ، فافْعَلْ مَا أُمِرْتَ بِهِ ... فَقَدْ تَرَكْتُكَ ذَا مَالٍ وَذَا نَشَبِ لا تَبْخَلَنَّ بِمَالٍ عَنْ مَذَاهِبِهِ ... فِي غَيْرِ زَلَّةِ إِسْرَافٍ وَلا تَغَبِ فَإنّ وُرَّاثَهُ لَنْ يَحْمَدُوكَ بِهِ ... إِذَا أَجَنُّوكَ بَيْنَ اللِّبْنِ وَالخَشَبِ (( التغب )) : الهلاك، يعني إهلاك المال في غير حقه. ويروى: (( ذا مال وذا نسب )) بالسين، وهو أجود، لأن النشب هو المال نفسه. وقوله: (( بين النشب والخشب )) ، يعني: ما يسوى عليه في قبره من الطين والخشب. أما الشعر المنسوب إلى عمرو بن معد يكرب أو غيره فهو: إِنِّي حَوَيْتُ عَلَى الأقْوَامِ مَكْرُمَةً ... قِدْمًا، وَحَذَّرَنِي مَا يَتَّقُونَ أَبِي فَقَالَ لِي قَوْلَ ذِي رَأيٍ وَمَقْدِرَةٍ ... مُجَرَّبٍ عَاقِلٍ نَزْهٍ عَنْ الرَّيَبِ قَدْ نِلْتَ مَجْدًا فَحَاذِرْ أَنْ تُدَنِّسُهُ ... أبٌ كَرِيمٌ، وجَدٌّ غَيْرُ مُؤْتَشَبِ أَمَرْتُكَ الخَيْرَ ... . . . . . . . . . . . . . . . . . . . واتْرُكْ خَلائِقَ قَوْمٍ لا خَلاقَ لَهُمْ ... وَاعْمِدْ لأَخْلاقِ أَهْلِ الفَضْلِ والأدَبِ وَإِنْ دُعِيتَ لِغَدْرٍ أوْ أُمِرْتَ بِهِ ... فَاهْرُبْ بِنَفْسِكَ عَنْهُ آبِدَ الْهَرَبِ وقال الراعي: اخْتَرْتُكَ النَّاسَ إِذْ غَثَّتْ خَلائِقُهُمْ وَاعْتَلَّ مَنْ كَانَ يُرْجَى عِنْدَهُ السُّولُ (1) * * * وقال بعض نحويي الكوفة: إنما استُجيز وقوع الفعل عليهم إذا طرحت "من" ، لأنه مأخوذ من قولك: "هؤلاء خير القوم" و "خير من القوم" ، فلما جازت الإضافة مكان "من" ولم يتغير المعنى، (2) استجازُوا: أن يقولوا: "اخترتكم رجلا" ، و "اخترت منكم رجلا" ، وقد قال الشاعر: (3) فَقُلْتُ لَهُ: اخْتَرْهَا قَلُوصًا سَمِينَةً (4) (1) (1) لم أجد البيت في مكان. وكان في المطبوعة والمخطوطة: (( إذ عنت )) بالعين المهملة والنون. ولا معنى لها، ورجحت أن الصواب (( غثت )) بالغين والثاء. يقال: (( غثثت في خلقك وحالك غثاثة وغثوثة )) ، ولذلك إذا ساء خلقه وحاله. و (( الغث )) الردئ من كل شيء. و (( اعتل )) ، طلب العلل لمنع العطاء. (2) (2) في المطبوعة والمخطوطة: (( فإذا جازت الإضافة )) ، وأثبت صواب سياقها من معاني القرآن للفراء، فهو نص كلامه. (3) (3) هو الراعي النميري. (4) (4) طبقات فحول الشعراء، لابن سلام: 450، وما قبلها، وشرح الحماسة 4: 37، وما قبله، ومعاني القرآن للفراء 1: 395 (وهذا روايته) ، وغيرها. وهو من شعر قاله الراعى لما نزل به ضيف من بنى كلاب في سنة حصاء مجدبة، وليس عنده قرى، والكلابي على ناب له (وهي الناقة المسنة) ، فأمر الراعى ابن أخيه حبتراً، فنحرها من حيث لا يعلم الكلابي، فأطمعه لحمها، فقال الراعي في قصيدته يذكر أنه نظر إلى ناقة الكلابي: فَأَبْصَرْتُهَا كَوْمَاءَ ذَاتَ عَرِيَكَةٍ ... هِجَانًا مِنَ الَّلاتِي تَمَتَّعْنَ بِالصَّوَى فَأَوْمَضْتُ إيمَاضًا خَفَيًّا لِحَبْتَرٍ ... وَللهِ عَيْنًا حَبْتَرٍ! أَيَّمَا فَتَى فَقُلْتُ لَهُ: أَلْصِقْ بِأَبْيَسِ سَاقِهَا ... فَإنْ يُجْبَرِ العُرْقُوبُ لا يَرْقَأُ النَّسَا فَقَامَ إِلَيْهَا حَبْتَرٌ بِسِلاحِهِ، ... مَضَى غَيْرَ مَنْكُودٍ، ومُنْصُلَهُ انْتَضَى كَأَنِّي وَقَدْ أشْبَعْتُهُ مِنْ سِنَامِهَا ... كَشَفْتُ غِطَاءً عَنْ فُؤَادِي فَانْجَلَى وهذا تصوير جميل جيد، لهذه الحادثة الطريفة. ثم قال: فَقُلْتُ لِرَبِّ النَّابِ: خُذْهَا فَتِيَّةً ... وَنَابٌ عَلَيْهَا مِثْلُ نَابِكَ فِي الحَيَا أي: خذ مكانها ناقة فتية، وناقة أخرى مسنة مثل نابك المسنة، يوم يأتي الخصب، وتحيي أموالنا. وقال الراجز: (1) * تَحْتَ الَّتِي اخْتَارَ لَهُ اللهُ الشَّجَرْ * (2) بمعنى: اختارَها له الله من الشجر. (3) * * * قال أبو جعفر: وهذا القول الثاني أولى عندي في ذلك بالصواب، لدلالة "الاختيار" على طلب "من" التي بمعنى التبعيض، ومن شأن العرب أن تحذف الشيء من حَشْو الكلام إذا عُرِف موضعه، وكان فيما أظهرت دلالةٌ على ما حذفت. فهذا من ذلك إن شاء الله. * * * (1) (1) هو العجاج. (2) (2) ديوانه: 15، معاني القرآن للفراء 1: 395، ومجاز القرآن لأبي عبيدة 1: 229، اللسان (خير) ، ورواية الديوان، ومعاني القرآن: (( تحت الذي )) . وهو من قصيدته في مدح عمر بن عبيد الله بن معمر التيمي، مضت منها أبيات كثيرة، انظر ما سلف 10: 172، تعليق: 2، وهذا البيت في ذكر نبى الله صلى اله صلى الله عليه وسلم أصحابه، وبيعتهم تحت الشجرة. وهي بيعة الرضوان في عمرة الحديبية، فذكر عهد رسول الله، وعهد الصديق، وعهد عمر، وعهد المهاجرين، وعهد الأنصار، ثم ذكر بيعة الرضوان فقال: وَعُصْبَةِ النَّبِيِّ إِذْ خَافُوا الحَصَرْ ... شَدُّوا لَهُ سُلْطَانَهُ حَتَّى اقْتَسَرْ بِالْقَتْلِ أَقْوَامًا وَأَقْوَامًا أَسَرْ ... تَحْتَ الَّذِي اخْتَارَ لَهُ اللهُ الشَّجَرْ وفي المخطوطة: (( تحت التي اختارها له الله )) ، وهو خطأ ظاهر، صوابه ما في المطبوعة. (3) (3) انظر مجاز القرآن 1: 229، ونصه: (( تحت الشجرة التي اختار له الله من الشجر )) . وقد بينا معنى "الرجفة" فيما مضى بشواهدها، وأنّها: ما رجف بالقوم وزعزعهم وحرّكهم، (1) أهلكهم بعدُ فأماتهم، (2) أو أصعقهم، فسلب أفهامهم. (3) * * * وقد ذكرنا الرواية في غير هذا الموضع وقول من قال: إنها كانت صاعقة أماتتهم. (4) 15165- حدثني محمد بن عمرو قال، حدثنا أبو عاصم قال، حدثنا عيسى، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد: "فلما أخذتهم الرجفة" ، ماتوا ثم أحياهم. 15166- حدثني المثنى قال، حدثنا أبو حذيفة قال، حدثنا شبل، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد: "سبعين رجلا لميقاتنا" ، اختارهم موسى لتمام الموعد= "فلما أخذتهم الرجفة" ، ماتوا ثم أحياهم الله. 15167- حدثني عبد الكريم قال، حدثنا إبراهيم قال، حدثنا سفيان قال، قال أبو سعد، عن عكرمة، عن ابن عباس: "فلما أخذتهم الرجفة" ، قال: رُجف بهم. * * * (1) (1) في المطبوعة: (( ما رجف بالقوم وأرعبهم )) ، لم يحسن قراءة المخطوطة لأنها غير منقوطة، ولأنها سيئة الكتابة، فاجتهد واخطأ. وقد مضى اللفظ على الصواب فيما سلف، انظر التعليق التالي رقم: 3، في المراجع. (2) (2) في المطبوعة، زاد (( واو )) فكتب: (( وأهلكهم )) عطفاً على ما قبله، فأفسد معنى أبي جعفر. وإنما أراد أبو جعفر أن الرجفة: إما أن تعقب الهلاك، وتصعق من تنزل به فتسلبه فهمه من شدة الروع. (3) (3) انظر تفسير (( الرجفة )) فيما سلف: 12: 544، 545، 566. (4) (4) انظر ما سلف قديماً 2: 84 - 90، ثم ما سلف حديثاً ص: 140. القول في تأويل قوله: {أَتُهْلِكُنَا بِمَا فَعَلَ السُّفَهَاءُ مِنَّا إِنْ هِيَ إِلا فِتْنَتُكَ تُضِلُّ بِهَا مَنْ تَشَاءُ وَتَهْدِي مَنْ تَشَاءُ أَنْتَ وَلِيُّنَا فَاغْفِرْ لَنَا وَارْحَمْنَا وَأَنْتَ خَيْرُ الْغَافِرِينَ (155) } قال أبو جعفر: اختلف أهل التأويل في تأويل ذلك. فقال بعضهم: معنى ذلك: أتهلك هؤلاء الذين أهلكتهم بما فعل السفهاء منا، أي: بعبادة من عبد العجل؟ قالوا: وكان الله إنما أهلكهم لأنهم كانوا ممن يَعبد العجل. وقال موسى ما قال، ولا علم عنده بما كان منهم من ذلك. (1) * ذكر من قال ذلك: 15168- حدثنا موسى بن هارون قال، حدثنا عمرو قال، حدثنا أسباط، عن السدي: "أتهلكنا بما فعل السفهاء منا" ، فأوحى الله إلى موسى: إن هؤلاء السبعين ممن اتخذ العجلَ! فذلك حين يقول موسى: "إن هي إلا فتنتك تُضل بها من تشاء وتهدي من تشاء" . (2) * * * وقال آخرون: معنى ذلك: إن إهلاكك هؤلاء الذين أهلكتهم، هلاك لمن وراءهم من بني إسرائيل، إذا انصرفت إليهم وليسوا معي= و "السفهاء" ، على هذا القول، كانوا المهلَكين الذين سألوا موسى أن يُرِيهم ربَّهم. * ذكر من قال ذلك: 15169- حدثنا ابن حميد قال، حدثنا سلمة، عن ابن إسحاق قال: لما أخذت الرجفة السبعين فماتوا جميعًا، قام موسى يناشد ربّه ويدعوه ويرغب (1) (1) انظر تفسير (( السفهاء )) فيما سلف من فهارس اللغة (سفه) = وتفسير (( الهلاك )) فيما سلف (هلك) . (2) (2) الأثر: 15168 - مضى قديمًا برقم 958 بتمامه، ومضى صدره قريبًا برقم: 15152 إليه، يقول: "رب لو شئتَ أهلكتهم من قبل وإيّاي" ، قد سفهوا، أفتهلك من ورائي من بني إسرائيل بما فعل السفهاء منا؟ أي: إن هذا لهم هلاكٌ، قد اخترت منهم سبعين رجلا الخيِّر فالخيِّر، أرجع إليهم وليس معى رجل واحد! فما الذي يصدِّقونني به، أو يأمنونني عليه بعد هذا؟ (1) * * * وقال آخرون في ذلك بما: - 15170- حدثني يونس قال، أخبرنا ابن وهب قال، قال ابن زيد في قوله: "أتهلكنا بما فعل السفهاء منا" ، أتؤاخذنا وليس منا رجلٌ واحد تَرَك عبادتك، ولا استبدل بك غيرك؟ * * * قال أبو جعفر: وأولى القولين بتأويل الآية، قولُ من قال: إن موسى إنما حزن على هلاك السبعين بقوله: "أتهلكنا بما فعل السفهاء منا" ، وأنّه إنما عنى ب "السفهاء" عبدةَ العجل. وذلك أنه محالٌ أن يكون موسى صلى الله عليه وسلم كان تخيَّر من قومه لمسألة ربِّه ما أراه أن يسألَ لهم إلا الأفضل فالأفضل منهم، ومحالٌ أن يكون الأفضل كان عنده مَنْ أشرك في عبادة العجل واتخذَه دون الله إلهًا. * * * قال: فإن قال قائل: فجائز أن يكون موسى عليه السلام كان معتقدًا أن الله سبحانه يعاقب قومًا بذنوب غيرهم، فيقول: أتهلكنا بذنوب من عبد العجل، ونحن من ذلك برآء؟ قيل: جائز أن يكون معنى "الإهلاك" قبض الأرواح على غير وجه العقوبة، كما قال جل ثناؤه: (إِنِ امْرُؤٌ هَلَكَ) ، [سورة النساء: 176] = يعني: مات= فيقول: أتميتنا بما فعل السُّفهاء منَّا؟ (2) * * * (1) الأثر: 15169 مضى قديما برقم 957 بتمامه، ومضى قريبا بتمامه رقم: 15153. (2) انظر تفسير (( الهلاك )) فيما سلف 9: 30 / 104: 147، وفهارس اللغة (هلك) . ![]()
__________________
|
#699
|
||||
|
||||
![]() ![]() تفسير جامع البيان عن تأويل آي القرآن الإمام محمد بن جرير الطبري الجزء الثالث عشر تَفْسِيرِ سُّورَةِ الأعراف الحلقة (699) صــ 151 إلى صــ 160 وأما قوله: "إن هي إلا فتنتك" ، فإنه يقول جل ثناؤه: ما هذه الفعلة التي فعلَها قومي، من عبادتهم ما عبَدُوا دونك، إلا فتنة منك أصَابتهم= ويعني ب "الفتنة" ، الابتلاء والاختبار (1) = يقول: ابتليتهم بها، ليتبين الذي يضلَّ عن الحق بعبادته إياه، والذي يهتدي بترك عبادته. وأضاف إضلالهم وهدايتهم إلى الله، إذ كان ما كان منهم من ذلك عن سببٍ منه جل ثناؤه. * * * وبنحو ما قلنا في "الفتنة" قال جماعة من أهل التأويل. * ذكر من قال ذلك: 15171- حدثنا ابن وكيع قال، حدثنا أبى، عن أبي جعفر، عن الربيع، عن أبي العالية: (إن هي إلا فتنتك "،) قال: بليّتك." 15172-.... قال، حدثنا حبويه الرازي، عن يعقوب، عن جعفر بن أبي المغيرة، عن سعيد بن جبير: "إلا فتنتك" ،: إلا بليتك. (2) 15173- حدثني المثنى قال، حدثنا إسحاق قال، حدثنا عبد الرحمن بن سعد قال، أخبرنا أبو جعفر، (3) عن الربيع بن أنس: "إن هي إلا فتنتك" ، قال: بليتك. 15174-.... قال، حدثنا عبد الله بن صالح قال، حدثني معاوية بن صالح، عن علي بن أبي طلحة، عن ابن عباس: "إن هي إلا فتنتك تضل بها من تشاء" ، إن هو إلا عذابك تصيبُ به من تشاء، وتصرفه عمن تشاء. (4) (1) (1) انظر تفسير (( الفتنة )) فيما سلف 12: 373، تعليق: 1، والمراجع هناك. (2) (2) الأثر: 15172 - (( حبويه الرازي )) هو: (( إسحق بن إسماعيل الرازي )) (( أبو يزيد )) ، مضى مرارًا، آخرها رقم 15015، والراوي عن حبويه هو (( ابن وكيع )) ، كما هو ظاهر، ولذلك وضعت نقطاً مكان اسمه، في هذا الموضع وما يشابهه من المواضع، حيث يختصر أبو جعفر شيخه من الإسناد. (3) (3) في المطبعة والمخطوطة: (( أخبرنا ابن جعفر )) ، وهو خطأ ظاهر جداً، صوابه ما أثبت. وقد مضى هذا الإسناد وشبهه من رواية أبي جعفر الرازي عن الربيع، انظر ما سلف قريباً: 15171. (4) (4) الأثر: 15174 - شيخ الطبري في هذا الإسناد، هو (( المثنى )) المذكور في الأثر قبله. وسأضع هذه النقط، حيث يختصر أبو جعفر شيخه، ثم لا أنبه إليه، ومعلوم أن المحذوف هو شيخه في الإسناد قبله. 15175- حدثني يونس قال، أخبرنا ابن وهب قال، قال ابن زيد في قوله: "إن هي إلا فتنتك" ، أنت فتنتهم. * * * وقوله: "أنت ولينا" ، يقول: أنت ناصرنا. (1) = "فاغفر لنا" ، يقول: فاستر علينا ذنوبَنا بتركك عقابَنا عليها= "وارحمنا" ، تعطف علينا برحمتك= "وأنت خير الغافرين" ، يقول: خير من صَفَح عن جُرم، وسَتر على ذنب. (2) * * * (1) (1) انظر تفسير (( ولى )) فيما سلف 11: 282، تعليق: 1، والمراجع هناك. (2) (2) انظر تفسير (( المغفرة )) ، و (( الرحمة )) فيما سلف من فهارس اللغة (غفر) و (رحم) . القول في تأويل قوله: {وَاكْتُبْ لَنَا فِي هَذِهِ الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الآخِرَةِ إِنَّا هُدْنَا إِلَيْكَ} قال أبو جعفر: يقول تعالى ذكره: مخبرًا عن دعاء نبيه موسى عليه السلام أنه قال فيه: "واكتب لنا" ، أي: اجعلنا ممن كتَبت له= "في هذه الدنيا حسنَةً" ، وهي الصالحات من الأعمال (1) = "وفي الآخرة" ، ممن كتبتَ له المغفرة لذنوبه، كما: - 15176- حدثنا القاسم قال، حدثنا الحسين قال، حدثني حجاج، عن ابن جريج قوله: "واكتب لنا في هذه الدنيا حسنة" ، قال: مغفرة. * * * وقوله: "إنا هُدنا إليك" ، يقول: إنا تبنا إليك. (2) * * * وبنحو ذلك قال أهل التأويل. (1) (3) انظر تفسير (( الحسنة )) فيما سلف من فهارس اللغة (حسن) . (2) (4) انظر تفسير (( هاد )) فيما سلف 12: 198، تعليق: 1، والمراجع هناك. * ذكر من قال ذلك: 15177- حدثنا ابن وكيع قال، حدثنا جرير، وابن فضيل، وعمران بن عيينة، عن عطاء، عن سعيد بن جبير= وقال عمران: عن ابن عباس = "إنا هدنا إليك" قال: تبنا إليك. 15178- قال حدثنا زيد بن حباب، عن حماد بن سلمة، عن عطاء، عن سعيد بن جبير، قال: تبنا إليك. 15179-.... قال، حدثنا جابر بن نوح، عن أبي روق، عن الضحاك، عن ابن عباس قال: تبنا إليك. 15180-.... قال، حدثنا عبد الله بن بكر، عن حاتم بن أبي صغيرة، عن سماك: أن ابن عباس قال في هذه الآية: "إنا هدنا إليك" ، قال: تبنا إليك. (1) 15181- حدثني المثنى قال، حدثنا الحجاج قال، حدثنا حماد، عن عطاء بن السائب، عن سعيد بن جبير= قال: أحسبه عن ابن عباس: "إنا هدنا إليك" ، قال: تبنا إليك. 15182- حدثني محمد بن سعد قال، حدثني أبي قال، حدثني عمي قال، حدثني أبي، عن أبيه، عن ابن عباس: "إنا هدنا إليك" ، يقول تبنا إليك. 15183- حدثنا محمد بن بشار قال، حدثني يحيى بن سعيد قال، حدثنا (1) (1) الأثر: 15180 - (( عبد الله بن بكر بن حبيب السهمي )) ، ثقة، من شيوخ أحمد، مضى برقم: 8284، 10885، 11232. و (( حاتم بن أبي صغيرة )) ، هو (( حاتم بن مسلم )) (( أبو يونس )) القشيري، وقيل: الباهلي، و (( أبو صغيرة )) ، هو أبو أمه، ثقة. روى له الجماعة. مترجم في التهذيب، والكبير 2 / 1 / 71، وابن أبي حاتم 1/2/257. وكان في المخطوطة والمطبوعة: (( حاتم بن أبي مغيرة )) ، بالميم في أوله، وهو خطأ محض. سفيان قال، حدثنا عبد الرحمن بن الأصبهاني، عن سعيد بن جبير في قوله: "إنا هدنا إليك" ، قال: تبنا إليك. 15184-.... قال، حدثنا عبد الرحمن، ووكيع بن الجراح قالا حدثنا سفيان، عن عبد الرحمن بن الأصبهاني، عن سعيد بن جبير، بمثله. 15185- حدثني ابن وكيع قال، حدثنا أبي، عن سفيان، عن ابن الأصبهاني، عن سعيد بن جبير، مثله. 15186-.... قال، حدثنا جرير، عن مغيرة، عن إبراهيم قال: تبنا إليك. 15187-.... قال، حدثنا محمد بن يزيد، عن العوام عن إبراهيم التيمي قال: تبنا إليك. 15187م- حدثني المثنى قال، حدثنا عمرو بن عون قال، أخبرنا هشيم، عن العوام، عن إبراهيم التيمي، مثله. 15188- حدثنا بشر بن معاذ قال، حدثنا يزيد قال، حدثنا سعيد، عن قتادة: "إنا هدنا إليك" ، أي: إنا تبنا إليك. 15189- حدثنا محمد بن عبد الأعلى قال، حدثنا محمد بن ثور، عن معمر، عن قتادة، في قوله: "هدنا إليك" ، قال: تبنا. 15190- حدثنا موسى قال، حدثنا عمرو قال، حدثنا أسباط، عن السدي: "إنا هدنا إليك" ، يقول: تبنا إليك. 15191- حدثنا محمد بن عمرو قال، حدثنا أبو عاصم قال، حدثنا عيسى، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد: "إنا هدنا إليك" ، يقول: تبنا إليك. 15192- حدثني المثني قال، حدثنا أبو حذيفة قال، حدثنا شبل، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد، مثله. 15193- حدثنا ابن وكيع قال، حدثنا أبي، عن أبي جعفر الرازي، عن الربيع بن أنس، عن أبي العالية، قال: "هدنا إليك" ، قال: تبنا إليك. 15194- ... قال، حدثنا أبي، عن أبي حجير، عن الضحاك، قال: تبنا إليك. (1) 15195-.... قال، حدثنا المحاربي، عن جويبر، عن الضحاك قال: تبنا إليك. 15196- وحدثت عن الحسين بن الفرج قال، سمعت أبا معاذ يقول، أخبرنا عبيد بن سليمان قال، سمعت الضحاك يقول، فذكر مثله. 15197- ... قال، حدثنا أبي، وعبيد الله، عن شريك، عن جابر، عن مجاهد قال: تبنا إليك. 15198- ... قال، حدثنا حبويه أبو يزيد، عن يعقوب، عن جعفر، عن سعيد بن جبير، مثله. (2) 15199- ... قال، حدثنا أبي، عن شريك، عن جابر، عن عبد الله بن يحيى، عن علي عليه السلام قال: إنما سميت "اليهود" ، لأنهم قالوا: "هدنا إليك" . (3) 15200- حدثني المثني قال، حدثنا عبد الله بن صالح قال، حدثني معاوية، عن علي، عن ابن عباس: "إنا هدنا إليك" ، يعني: تبنا إليك. 15201- حدثنا ابن البرقي قال، حدثنا عمرو قال، سمعت رجلا يسأل سعيدًا: "إنا هدنا إليك" ، قال: إنا هدنا إليك. * * * وقد بينا معنى ذلك بشواهده فيما مضى قبل، بما أغنى عن إعادته. (4) * * * (1) (1) الأثر: 15194 - (( أبو حجير )) الذي يروى عن الضحاك، ويروى عنه وكيع، قال أحمد ابن حنبل: (( ما حدثني عنه إلا وكيع )) ، مترجم في لسان الميزان 6: 363. ولم أجد له ترجمة في غيره من كتب الرجال. (2) (2) الأثر: 15198 - (( حبويه )) ، (( أبو يزيد )) ، مضى قريباً برقم 15172. (3) (3) الأثر: 15199- (( جابر بن عبد الله بن يحيى )) ، هكذا هو في المخطوطة، وفي المطبوعة (( جابر، عن عبد الله بن يحيى )) ، ولم أجد لشيء من ذلك ذكراً في الكتب. وهو محرف بلا شك عن شيء آخر. وانظر ما سلف رقم 1094، عن ابن جريج. بمعنى هذا الخبر. (4) (4) انظر تفسير (( هاد )) فيما سلف ص: 152، تعليق. 4، والمراجع هناك. القول في تأويل قوله: {قَالَ عَذَابِي أُصِيبُ بِهِ مَنْ أَشَاءُ وَرَحْمَتِي وَسِعَتْ كُلَّ شَيْءٍ فَسَأَكْتُبُهَا لِلَّذِينَ يَتَّقُونَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَالَّذِينَ هُمْ بِآيَاتِنَا يُؤْمِنُونَ (156) } قال أبو جعفر: يقول تعالى ذكره: قال الله لموسى: هذا الذي أصبتُ به قومك من الرجفة، عذابي أصيب به من أشاء من خلقي، كما أصيب به هؤلاء الذين أصبتهم به من قومك (1) = "ورحمتي وسعت كل شيء" ، يقول: ورحمتي عمَّت خلقي كلهم. (2) * * * وقد اختلف أهل التأويل في تأويل ذلك. فقال بعضهم: مخرجه عامٌّ، ومعناه خاص، والمراد به: ورحمتي وَسِعت المؤمنين بي من أمة محمّدٍ صلى الله عليه وسلم. واستشهد بالذي بعده من الكلام، وهو قوله: "فسأكتبها للذين يتقون" ، الآية. * ذكر من قال ذلك: 15202- حدثني المثني قال، حدثنا أبو سلمة المنقري قال، حدثنا حماد بن سلمة قال، أخبرنا عطاء بن السائب، عن سعيد بن جبير، عن ابن عباس: أنه قرأ: "ورحمتي وسعت كل شيء فسأكتبها للذين يتقون" . قال: جعلها الله لهذه الأمة. (3) (1) (1) انظر تفسير (( الإصابة )) فيما سلف من فهارس اللغة (صوب) . (2) (2) انظر تفسير (( وسع )) فيما سلف 12: 562، تعليق 2، والمراجع هناك. (3) (3) الأثر: 15202 - (( أبو سلمة المنقري )) ، هو (( أبو سلمة التبوذكي )) : (( موسى بن إسماعيل المنقري )) ، مولاهم، روى عنه البخاري، وأبو داود، وروى له الباقون من أصحاب الكتب الستة بالواسطة. ثقة إمام. مترجم في التهذيب، والكبير 4/1/280، وابن أبي حاتم 4/1/136. 15203- حدثني عبد الكريم قال، حدثنا إبراهيم بن بشار قال، قال سفيان قال، أبو بكر الهذلي: فلما نزلت: "ورحمتي وسعت كل شيء" ، قال إبليس: أنا من "الشيء" ! فنزعها الله من إبليس، قال: "فسأكتبها للذين يتقون ويؤتون الزكاة والذين هم بآياتنا يؤمنون" ، فقال اليهود: نحن نتقي ونؤتي الزكاة ونؤمن بآيات ربنا! فنزعها الله من اليهود فقال: "الذين يتبعون الرسول النبي الأمي" ، قال: نزعها الله عن إبليس، وعن اليهود، وجعلها لهذه الأمة. (1) 15204- حدثنا القاسم قال، حدثنا الحسين قال، حدثني حجاج، عن ابن جريج قال: لما نزلت: "ورحمتي وسعت كل شيء" ، قال إبليس: أنا من "كل شيء!" . قال الله: "فسأكتبها للذين يتقون ويؤتون الزكاة والذين هم بآياتنا يؤمنون" ، الآية. فقالت اليهود: ونحن نتقي ونؤتي الزكاة! فأنزل الله: "الذين يتبعون الرسول النبي الأمي" ، قال: نزعها الله عن إبليس، وعن اليهود، وجعلها لأمة محمدٍ: سأكتبها للذين يتّقون من قومك. 15205- حدثنا بشر بن معاذ قال، حدثنا يزيد قال، حدثنا سعيد، عن قتادة قوله: "عذابي أصيب به من أشاء ورحمتي وسعت كل شيء" ، فقال إبليس: أنا من ذلك "الشيء" ! فأنزل الله: "فسأكتبها للذين يتقون" معاصي الله= "والذين هم بآياتنا يؤمنون" ، فتمنتها اليهود والنصارى، فأنزل الله شرطًا وَثيقًا بَيِّنًا، فقال: "الذين يتبعون الرسول النبيّ الأمي" ، فهو نبيّكم، كان أميًّا لا يكتُب صلى الله عليه وسلم. 15206- حدثني يعقوب قال، حدثنا ابن علية قال، أخبرنا خالد الحذاء، (1) (1) الأثر: 15203 - لا (( عبد الكريم )) ، هو (( عبد الكريم بن الهيثم بن زياد القطان )) ، شيخ الطبري، ثقة، مضى برقم: 892. و (( إبراهيم بن بشار الرمادى )) ، ثقة. مضى برقم 892، 6321. و (( سفيان )) هو: ابن عيينة. و (( أبو بكر الهذلى )) ضعيف مضى مرارًا، آخرها رقم 14690. عن أنيس بن أبي العريان، عن ابن عباس في قوله: "واكتب لنا في الدنيا حسنة وفي الآخرة إنا هدنا إليك" ، قال: فلم يعطها، فقال: "عذابي أصيب به من أشاء ورحمتي وسعت كل شيء فسأكتبها للذين يتقون" إلى قوله: "الرسول النبي الأمي" . (1) 15207- حدثني ابن وكيعٍ قال، حدثنا ابن علية، وعبد الأعلى، عن خالد، عن أنيس أبي العُريان= قال عبد الأعلى، عن أنيس أبي العُرْيان= وقال: قال ابن عباس: "واكتب لنا في هذه الدنيا حسنة وفي الآخرة إنَّا هدنا إليك" ، قال: فلم يعطها موسى، قال: "عذابي أصيب به من أشاء ورحمتي وسعت كل شيء فسأكتبها" ، إلى آخر الآية. 15208- حدثني المثني قال، حدثنا عبد الله بن صالح قال، حدثني معاوية، عن علي، عن ابن عباس قال: كان الله كتب في الألواح ذكر محمد وذكرَ أمته، وما ذَخَر لهم عنده، وما يسَّر عليهم في دينهم، وما وَسَّع عليهم فيما أحلّ لهم، فقال: (1) (1) الأثران 15206، 15207 - (( أنيس أبو العريان المجاشعى )) ، بغير (ابن) بينهما، مترجم في الكبير 1 / 2 / 44، وابن أبي حاتم 1/1/333، ولم يشر واحد منها إلى انه: (( أنيس ابن أبي العريان )) . وفي المخطوطة في الخبر الأول: (( أنيس بن أبي العريان )) بإثبات (ابن) ، وفي الخبر الثاني في الموضعين كليهما (( أنيس بن العريان )) بغير (ابن) كما أثبتها، وأما في المطبوعة، فإنه جعله في المواضع كلها (( أنيس ابن أبي العريان )) ، وهو تصرف معيب لا شك في ذلك. والظاهر أنه اختلف على ابن علية رواية اسمه، رواه مرة (( أنيس بن أبي العريان )) ، ثم رواه أخرى (( أنيس أبي العريان )) ، كما في الأثر الثاني منهما، وذكر الطبري قول عبد الأعلى، ليؤيد به هذه الرواية عن ابن علية. فإن صح هذا الاختلاف على ابن عيينة، وإلا فإنه ينبغي أن يكون أحد أمرين: إما أن يكون صواب الخبر الأول: (( أنيس أبي العريان )) . والثاني (( أنيس أبي العريان )) في الأولى، وعن عبد الأعلى (( أنيس ابن أبي العريان )) . أو: أن يكون الأول عن ابن عيينة: (( أنيس بن أبي العريان )) ، والثاني أيضاً: (( أنيس ابن أبي العريان )) ، وعن عبد الأعلى: (( أنيس بن أبي العريان )) . والله أعلم بالصواب في كل ذلك، ولا مرجح عندي.. "عذابي أصيب به من أشاء ورحمتي وسعت كل شيء فسأكتبها للذين يتقون" = يعني: الشركَ= الآية. * * * وقال آخرون: بل ذلك على العموم في الدنيا، وعلى الخصوص في الآخرة. * ذكر من قال ذلك: 15209- حدثنا الحسن بن يحيى قال، أخبرنا عبد الرزاق قال، أخبرنا معمر، عن الحسن وقتادة في قوله: "ورحمتي وسعت كل شيء" ، قالا وسعت في الدنيا البَرَّ والفاجر، وهي يوم القيامة للذين اتَّقوا خاصَّةً. * * * وقال آخرون: هي على العموم، وهي التوبة. * ذكر من قال ذلك: 15210- حدثني يونس قال، أخبرنا ابن وهب قال، قال ابن زيد في قوله: "أنت ولينا فاغفر لنا وارحمنا وأنت خير الغافرين* واكتب لنا في هذه الدنيا حسنة وفي الآخرة إنا هدنا إليك" ، فقال: سأل موسى هذا، فقال الله: "عذابي أصيب به من أشاء" = العذاب الذي ذَكر= "ورحمتي" ، التوبةُ = (وسعت كل شيء فسأكتبها للذين يتقون) ، قال: فرحمته التوبةُ التي سأل موسى عليه السلام، كتبها الله لنا. * * * وأما قوله: "فسأكتبها للذين يتقون" ، فإنه يقول: فسأكتب رحمتي التي وسعت كل شيء= ومعنى "أكتب" في هذا الموضع: أكتب في اللوح الذي كُتِب فيه التوراة "للذين يتقون" ، (1) يقول: للقوم الذين يخافون الله ويخشون عقابه على الكفر به والمعصية له في أمره ونهيه، فيؤدُّون فرائضه، ويجتنبون معاصيه. (2) (1) (1) في المطبوعة والمخطوطة: (( الذين يتقون )) بغير لام، والصواب ما أثبت. (2) (2) انظر تفسير (( التقوى )) فيما سلف من فهارس اللغة (وقى) . وقد اختلف أهل التأويل في المعنى الذي وصف الله هؤلاء القوم بأنّهم يتقونه. فقال بعضهم: هو الشرك. * ذكر من قال ذلك: 15211- حدثني المثني قال، حدثنا عبد الله بن صالح قال، حدثني معاوية، عن علي، عن ابن عباس: "فسأكتبها للذين يتقون" ، يعني الشرك. * * * وقال آخرون: بل هو المعاصي كلها. * ذكر من قال ذلك: 15212- حدثنا بشر قال، حدثنا يزيد قال، حدثنا سعيد، عن قتادة "فسأكتبها للذين يتقون" ، معاصي الله. * * * وأما "الزكاة وإيتاؤها" ، فقد بيَّنا صفتها فيما مضى، بما أغنى عن إعادته. (1) * * * وقد ذكر عن ابن عباس في هذا الموضع أنه قال في ذلك ما: - 15213- حدثني المثني قال، حدثنا عبد الله قال، حدثني معاوية، عن علي، عن ابن عباس: "ويؤتون الزكاة" ، قال: يطيعون الله ورسولَه. * * * فكأنّ ابن عباس تأوَّل ذلك بمعنى أنه العمل بما يزكِّي النفسَ ويطهِّرها من صالحات الأعمال. * * * وأما قوله: "والذين هم بآياتنا يؤمنون" ، فإنه يقول: وللقوم الذين هم بأعلامنا وأدلتنا يصدِّقون ويقرُّون. (2) * * * (1) (1) انظر تفسير (( إيتاء الزكاة )) فيما سلف 1: 573، 574، وما بعده في فهارس اللغة (زكا) و (أتى) . (2) (2) انظر تفسير (( الآيات )) و (( والإيمان )) فيما سلف من فهارس اللغة (أيي) و (أمن) . ![]()
__________________
|
#700
|
||||
|
||||
![]() ![]() تفسير جامع البيان عن تأويل آي القرآن الإمام محمد بن جرير الطبري الجزء الثالث عشر تَفْسِيرِ سُّورَةِ الأعراف الحلقة (700) صــ 161 إلى صــ 170 القول في تأويل قوله: {الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الرَّسُولَ النَّبِيَّ الأمِّيَّ الَّذِي يَجِدُونَهُ مَكْتُوبًا عِنْدَهُمْ فِي التَّوْرَاةِ وَالإنْجِيلِ} قال أبو جعفر: وهذا القول إبانةٌ من الله جل ثناؤه عن أنّ الذين وَعَد موسى نبيَّه عليه السلام أن يكتب لهم الرحمة التي وصفَها جل ثناؤه بقوله: "ورحمتي وسعت كل شيء" ، هم أمة محمد صلى الله عليه وسلم، لأنه لا يعلم لله رسولٌ وُصف بهذه الصفة = أعني "الأمي" = غير نبينا محمد صلى الله عليه وسلم. وبذلك جاءت الروايات عن أهل التأويل. * ذكر من قال ذلك: 15214- حدثنا ابن وكيع قال، حدثنا عمران بن عيينة، عن عطاء، عن سعيد بن جبير، عن ابن عباس: "فسأكتبها للذين يتقون" ، قال: أمة محمد صلى الله عليه وسلم. 15215-.... قال، حدثنا زيد بن حباب، عن حماد بن سلمة، عن عطاء، عن ابن عباس قال: أمة محمد صلى الله عليه وسلم. 15216- حدثنا أبو كريب وابن وكيع قالا حدثنا يحيى بن يمان، عن أشعث، عن جعفر، عن سعيد في قوله: "فسأكتبها للذين يتقون" ، قال: أمة محمد صلى الله عليه وسلم، فقال موسى عليه السلام: ليتني خلقت في أمّة محمدٍ!. 15217- حدثنا ابن حميد وابن وكيع قالا حدثنا جرير، عن عطاء، عن سعيد بن جبير: "فسأكتبها للذين يتقون" ، قال: الذين يتّبعون محمدًا صلى الله عليه وسلم. 15218- حدثنا ابن وكيع قال، حدثنا جرير، عن ليث، عن شهر بن حوشب، عن نوف الحميري قال: لما اختار موسى قومه سبعين رجلا لميقات ربه، قال الله لموسى: أجعل لكم الأرض مسجدًا وطهورًا، وأجعل السكينة معكم في بيوتكم، وأجعلكم تقرأون التوراة عن ظَهْر قلوبكم، (1) يقرؤها الرجل منكم والمرأةُ، والحرُّ والعبدُ، والصغير والكبير. فقال موسى لقومه: إن الله قد يجعل لكم الأرض طهورًا ومسجدًا. قالوا: لا نريد أن نصلي إلا في الكنائس! قال: ويجعل السكينة معكم في بيوتكم. قالوا: لا نريد إلا أن تكون كما كانت، في التابوت! قال: ويجعلكم تقرأون التوراة عن ظهر قلوبكم، (2) ويقرؤها الرجل منكم والمرأة، والحر والعبد، والصغير والكبير. قالوا: لا نريد أن نقرأها إلا نظرًا! فقال الله: "فسأكتبها للذين يتقون ويؤتون الزكاة" إلى قوله: "أولئك هم المفلحون" . (3) 15219- حدثنا محمد بن عبد الأعلى قال، حدثنا محمد بن ثور، عن معمر، عن يحيى بن أبي كثير، عن نوف البكالي قال: لما انطلق موسى بوفد بني إسرائيل، كلّمه الله فقال: إني قد بسطت لهم الأرض طهورًا ومساجدَ يصلُّون فيها حيث أدركتهم الصلاة، إلا عند مرحاضٍ أو قبر أو حمّام، وجعلت السكينة في قلوبهم، وجعلتهم يقرأون التوراةَ عن ظهر ألسنتهم. قال: فذكر ذلك موسى لبني إسرائيل، فقالوا: لا نستطيع حمل السكينة في قلوبنا، فاجعلها لنا في تابوت، ولا نقرأ التوراة إلا نظرًا، ولا نصلي إلا في الكنيسة! فقال الله: "فسأكتبها للذين يتقون ويؤتون الزكاة" ، حتى بلغ "أولئك هم المفلحون" . قال: فقال موسى عليه السلام: يا ربّ، اجعلني نبيَّهم! قال: نبيُّهم منهم! قال: رب اجعلني منهم! قال: لن تدركهم! قال: يا ربّ، أتيتك بوفد بني إسرائيل، فجعلت وِفَادَتنا لغيرنا! فأنزل الله: (وَمِنْ قَوْمِ مُوسَى أُمَّةٌ يَهْدُونَ بِالْحَقِّ وَبِهِ يَعْدِلُونَ) [سورة الأعراف: 159] . (1) (1) في المطبوعة: (( عن ظهور قلوبكم )) ، بجمع (( ظهور )) ، وأثبت ما في المخطوطة، وهو صواب محض. (2) (2) في المطبوعة: (( عن ظهور )) ، وتنظر التعليق السالف. (3) الأثر: 15218 "نوف الحميري" هو نوف البكالي المذكور في الأثريين التاليين: 515219، 15220، وهو "نوف بن فضالة الحميري البكالي الشامي" مضى برقم: 3965، 9446، 9456. = قال نوف البكالي: فاحمدوا الله الذي حَفظ غيبتكم، وأخذ لكم بسهمكم، وجعل وفادة بني إسرائيل لكم. 15220- حدثنا محمد بن المثني قال، حدثنا معاذ بن هشام قال، حدثني أبي، عن يحيى بن أبي كثير، عن نوف البكالي بنحوه= إلا أنه قال: فإني أنزل عليكم التوراة تقرأونها عن ظهر ألسنتكم، رجالكم ونساؤُكم وصبيانكم. قالوا: لا نُصلّي إلا في كنيسة، ثم ذكر سائر الحديث نحوه. 15221- حدثنا ابن وكيع قال، حدثنا إسحاق بن إسماعيل، عن يعقوب، عن جعفر، عن سعيد بن جبير: "فسأكتبها للذين يتقون" ، قال: أمة محمد صلى الله عليه وسلم. (1) 15222- حدثني محمد بن الحسين قال، حدثنا أحمد بن المفضل قال، حدثنا أسباط، عن السدي: "فسأكتبها للذين يتقون" ، قال: هؤلاء أمة محمد صلى الله عليه وسلم. 15223- حدثنا بشر بن معاذ قال، حدثنا يزيد قال، حدثنا سعيد، عن قتادة قال: لما قيل: "فسأكتبها للذين يتقون ويؤتون الزكاة والذين هم بآياتنا يؤمنون" ، تمنّتها اليهود والنصارى، فأنزل الله شرطًا بيّنًا وثيقًا فقال: "الذين يتبعون الرَّسول النبيّ الأمي" ، وهو نبيكم صلى الله عليه وسلم، كان أمِّيًّا لا يكتبُ. (2) * * * وقد بينا معنى "الأمي" فيما مضى، بما أغنى عن إعادته. (3) * * * وأما قوله: "الذي يجدونه مكتوبًا عندهم في التوراة والإنجيل" ، فإن "الهاء" (1) (1) الأثر: 15221 - (( إسحق بن إسماعيل )) هو (( حبويه )) ، (( أبو يزيد الرازي )) ، الذي مضى قريباً برقم: 15198، وصرح هنا أول مرة باسمه. (2) (2) الأثر: 15223 - انظر الأثر السالف رقم: 15205 (3) (3) انظر تفسير (( الأمي )) فيما سلف 2: 257 - 259 / 3: 442 / 6: 281، 282، 522/ ثم انظر رقم: 5827، 1774، 6775. في قوله: "يجدونه" ، عائدة على "الرسول" ، وهو محمّد صلى الله عليه وسلم، كالذي: - 15224- حدثني محمد بن الحسين قال، حدثنا أحمد بن المفضل قال، حدثنا أسباط، عن السدي، قوله: "الذين يتبعون الرسول النبي الأميّ" ، هذا محمّد صلى الله عليه وسلم. 15225- حدثني ابن المثني قال، حدثنا عثمان بن عمر قال، حدثنا فليح، عن هلال بن علي، عن عطاء بن يسار قال: لقيت عبد الله بن عمرو، فقلت: أخبرني عن صفة رسولِ الله صلى الله عليه وسلم في التوراة. قال: أجل والله، إنه لموصوف في التوراة كصفتِه في القرآن: يا أيها النبي إنا أرسلناك شاهدًا ومُبَشِّرًا ونذيرًا، وحِرْزًا للأمِّيين، أنت عبدي ورسولي، سميتك المتوكّل، (1) ليس بفظٍّ ولا غليظ ولا صخَّاب في الأسواق، ولا يجزي بالسيئة السيئة، ولكن يعفو ويصفح، ولن نقبضه حتى نقيم به الملةَ العوجاء، بأن يقولوا: "لا إله إلا الله" ، فنفتح به قلوبًا غُلْفًا، وآذانًا صُمًّا، وأعينًا عُمْيًا= قال عطاء: ثم لقيتُ كعبًا فسألته عن ذلك، فما اختلفا حرفًا، إلا أن كعبًا قال بلغته: قلوبًا غُلُوفيا، وآذانًا صمومِيَا، وأعينًا عُمْوميا. (2) 15226- حدثني أبو كريب قال، حدثنا موسى بن داود قال، حدثنا فليح بن سليمان، عن هلال بن علي قال، حدثني عطاء قال: لقيت عبد الله (1) (1) في المطبوعة: (( سميتك )) ، وأثبت ما في المخطوطة. (2) (2) الأثر: 15225 - (( عثمان بن عمر بن فارس بن لقيط العبدي )) ، ثقة، من شيوخ أحمد، روى له الجماعة، سلف برقم: 5458. و (( فليح )) ، هو (( فليح بن سليمان بن أبي المغيرة الخزامي )) ، ثقة، روى له الجماعة، مضى برقم: 5090. و (( هلال بن على بن أسامة المدني )) ، وينسب إلى جده فيقال: (( هلال بن أسامة )) ، ثقة، مضى برقم: 1495. وانظر الآثار التالية. بن عمرو بن العاص، فذكر نحوه= إلا أنه قال في كلام كعب: أعينًا عمومَا، وآذانًا صموما، وقلوبًا غُلُوفَا. 15227- ... قال، حدثنا موسى قال، حدثنا عبد العزيز بن سلمة، عن هلال بن علي، عن عطاء بن يسار، عن عبد الله بنحوه= وليس فيه كلام كعب. 15228- حدثنا بشر قال، حدثنا يزيد قال، حدثنا سعيد، عن قتادة قال الله: "الذي يجدونه مكتوبًا عندهم" ، يقول: يجدون نعتَه وأمرَه ونبوّته مكتوبًا عندهم. * * * القول في تأويل قوله: {يَأْمُرُهُمْ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَاهُمْ عَنِ الْمُنْكَرِ وَيُحِلُّ لَهُمُ الطَّيِّبَاتِ وَيُحَرِّمُ عَلَيْهِمُ الْخَبَائِثَ وَيَضَعُ عَنْهُمْ إِصْرَهُمْ وَالأغْلالَ الَّتِي كَانَتْ عَلَيْهِمْ} قال أبو جعفر: يقول تعالى ذكره: يأمر هذا النبيُّ الأميُّ أتباعَه بالمعروف= وهو الإيمان بالله ولزوم طاعته فيما أمر ونهى، فذلك "المعروف" الذي يأمرهم به (1) = "وينهاهم عن المنكر" وهو الشرك بالله، والانتهاء عمّا نهاهم الله عنه. (2) وقوله: "ويحل لهم الطيبات" ، وذلك ما كانت الجاهلية تحرِّمه من البحائر والسَّوائب والوصائل والحوامي (3) = "ويحرم عليهم الخَبَائث" ، وذلك لحم الخنزير والرِّبا وما كانوا يستحلونه من المطاعم والمشارب التي حرمها الله، (4) كما:- (1) (1) انظر تفسير (( المعروف )) فيما سلف 9: 201 تعليق: 2، والمراجع هناك. (2) (2) انظر تفسير (( المنكر )) فيما سلف 10: 496 تعليق: 2، والمراجع هناك. (3) (3) انظر تفسير (( الطيبات )) فيما سلف 11: 96 تعليق: 2، والمراجع هناك. (4) (4) انظر تفسير (( الخبائث )) فيما سلف 11: 96 تعليق: 2، والمراجع هناك. 15229- حدثني المثني قال، حدثنا عبد الله بن صالح قال، حدثني معاوية، عن علي، عن ابن عباس: "ويحرم عليهم الخبائث" ، وهو لحم الخنزير والربا، وما كانوا يستحلونه من المحرَّمات من المآكلِ التي حرمها الله. * * * وأما قوله: "ويضع عنهم إصرهم والأغلال التي كانت عليهم" ، فإن أهل التأويل اختلفوا في تأويله. فقال بعضهم: يعني بـ "الإصر" ، العهدَ والميثاقَ الذي كان أخذه على بني إسرائيل بالعمل بما في التوراة. * ذكر من قال ذلك: 15230- حدثنا ابن وكيع قال، حدثنا جابر بن نوح، عن أبي روق، عن الضحاك، عن ابن عباس: "ويضع عنهم إصرهم" ، قال: عهدهم. 15231- ... قال حدثنا المحاربي، عن جويبر، عن الضحاك، قال: عهدهم. 15232- حدثني المثنى قال، حدثنا عمرو بن علي قال، أخبرنا هشيم، عن جويبر، عن الضحاك، مثله. 15233- حدثنا ابن وكيع قال، حدثنا يحيى بن يمان، عن مبارك، عن الحسن: "ويضع عنهم إصرهم" ، قال: العهود التي أعطوها من أنفسهم. 15234-.... قال، حدثنا ابن نمير، عن موسى بن قيس، عن مجاهد: "ويضع عنهم إصرهم" ، قال: عهدهم. (1) 15235- حدثني محمد بن الحسين قال، حدثنا أحمد بن المفضل قال، حدثنا أسباط، عن السدي: "ويضع عنهم إصرهم والأغلال التي كانت عليهم" ، يقول: يضع عنهم عهودهم ومواثيقَهم التي أخذت عليهم في التوراة والإنجيل. (1) (1) الأثر: 15234 - (( موسى بن قيس الحضرمى )) ، مضى برقم: 6513. 15236- حدثني المثني قال، حدثنا عبد الله بن صالح قال، حدثني معاوية، عن علي، عن ابن عباس: "ويضع عنهم إصرهم والأغلال التي كانت عليهم" ، ما كان الله أخذ عليهم من الميثاق فيما حرّم عليهم. يقول: يضع ذلك عنهم. * * * وقال بعضهم: عني بذلك أنه يضع عمن اتّبع نبيَّ الله صلى الله عليه وسلم، التشديدَ الذي كان على بني إسرائيل في دينهم. * ذكر من قال ذلك: 15237- حدثنا بشر بن معاذ قال، حدثنا يزيد قال، حدثنا سعيد، عن قتادة: "ويضع عنهم إصرهم والأغلال التي كانت عليهم" ، فجاء محمد صلى الله عليه وسلم بإقالةٍ منه وتجاوزٍ عنه. 15238- حدثني المثني قال حدثنا الحماني قال، حدثنا شريك، عن سالم، عن سعيد: "ويضع عنهم إصرهم" ، قال: البولَ ونحوه، مما غُلِّظ على بني إسرائيل. 15239-.... قال، حدثنا الحماني قال، حدثنا يعقوب، عن جعفر، عن سعيد قال: شدّة العمل. 15240- حدثنا القاسم قال، حدثنا الحسين قال، حدثني حجاج، عن ابن جريج قال، قال مجاهد قوله: "ويضع عنهم إصرهم والأغلال التي كانت عليهم" قال: من اتبع محمدًا ودينه من أهل الكتاب، وُضع عنهم ما كان عليهم من التشديد في دينهم. 15241- حدثنا ابن وكيع قال، حدثنا ابن فضيل، عن أشعث، عن ابن سيرين قال: قال أبو هريرة لابن عباس: ما علينا في الدين من حَرَج أن نزني ونسرق؟ قال: بلى! ولكن الإصر الذي كان على بني إسرائيل وُضِع عنكم. 15242- حدثني يونس قال، أخبرنا ابن وهب قال، قال ابن زيد في قوله: "ويضع عنهم إصرهم" ، قال: إصرهم الذي جعله عليهم. * * * قال أبو جعفر: وأولى الأقوال في ذلك بالصواب أن يقال: إنّ "الإصر" هو العهد= وقد بينا ذلك بشواهده في موضعٍ غير هذا بما فيه الكفاية (1) = وأن معنى الكلام: ويضع النبيُّ الأميُّ العهدَ الذي كان الله أخذ على بني إسرائيل، من إقامة التوراة والعملِ بما فيها من الأعمال الشديدة، كقطع الجلد من البول، وتحريم الغنائم، ونحو ذلك من الأعمال التي كانت عليهم مفروضةً، فنسخها حُكْم القرآن. * * * وأما "الأغلال التي كانت عليهم" ، فكان ابن زيد يقول بما: - 15243- حدثني يونس قال، أخبرنا ابن وهب، عنه في قوله: "والأغلال التي كانت عليهم" ، قال: "الأغلال" ، وقرأ (غُلَّتْ أَيْدِيهِمْ) [سورة المائدة: 64] . قال: تلك الأغلال. قال: ودعاهم إلى أن يؤمنوا بالنبيّ فيضع ذلك عنهم. * * * القول في تأويل قوله: {فَالَّذِينَ آمَنُوا بِهِ وَعَزَّرُوهُ وَنَصَرُوهُ وَاتَّبَعُوا النُّورَ الَّذِي أُنْزِلَ مَعَهُ أُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ (157) } قال أبو جعفر: يقول تعالى ذكره: فالذين صدَّقوا بالنبي الأمي، وأقرُّوا بنبوّته (2) = "وعزَّروه" ، يقول: وَقَّروه وعظموه وحَمَوه من الناس، (3) كما: - 15244- حدثني المثني قال، حدثنا عبد الله بن صالح قال، حدثني (1) (1) انظر تفسير (( الإصر )) فيما سلف 6: 135 - 138، 560. (2) (2) انظر تفسير (( الإيمان )) فيما سلف من فهارس اللغة (أمن) . (3) (3) انظر تفسير (( التعزير )) فيما سلف 10: 119 - 121. معاوية، عن علي، عن ابن عباس: "وعزروه" ، يقول: حموه وقَّروه. 15245- حدثني الحارث قال، حدثنا عبد العزيز قال، حدثني موسى بن قيس، عن مجاهد: "وعزروه ونصروه" : "عزَّروه" ، سدَّدوا أمره، وأعانوا رَسُوله= "ونَصَرُوه" . * * * وقوله: "نصروه" ، يقول: وأعانوه على أعداء الله وأعدائه، بجهادهم ونصب الحرب لهم = "واتبعوا النور الذي أنزل معه" ، يعني القرآن والإسلام (1) = "أولئك هم المفلحون" ، يقول: الذين يفعلون هذه الأفعال التي وصف بها جل ثناؤه أتباع محمد صلى الله عليه وسلم، هم المنجحون المدرِكون ما طلبُوا ورجَوْا بفعلهم ذلك. (2) 15246- حدثنا بشر بن معاذ قال، حدثنا يزيد قال، حدثنا سعيد، عن قتادة قال: فما نقموا= يعني اليهود= إلا أن حسدوا نبيَّ الله، فقال الله: "الذين آمنوا به وعزّروه ونصروه" ، فأما نصره وتعزيره فقد سبقتم به، ولكن خياركم من آمن بالله واتَّبع النور الذي أنزل معه. * * * يريد قتادة بقوله "فما نَقَموا إلا أن حسدوا نبي الله" ، أن اليهودَ كان محمَّد صلى الله عليه وسلم بما جاء به من عند الله رحمةً عليهم لو اتبعوه، لأنه جاء بوضع الإصر والأغلال عنهم، فحملهم الحسد على الكفر به، وترك قبول التخفيف، لغلبة خِذْلانِ الله عليهم. * * * (1) (1) انظر تفسير (( النور )) فيما سلف 11: 526، تعليق: 2، والمراجع هناك. (2) (2) انظر تفسير (( الفلاح )) فيما سلف: 12: 505، تعليق: 5، والمراجع هناك. القول في تأويل قوله: {قُلْ يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنِّي رَسُولُ اللَّهِ إِلَيْكُمْ جَمِيعًا الَّذِي لَهُ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالأرْضِ لا إِلَهَ إِلا هُوَ يُحْيِي وَيُمِيتُ فَآمِنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ} قال أبو جعفر: يقول تعالى ذكره لنبيِّه محمد صلى الله عليه وسلم: "قل" ، يا محمد للناس كلهم= "إنّي رسول الله إليكم جميعًا" ، لا إلى بعضكم دون بعض، كما كان من قبلي من الرُّسل، مرسلا إلى بعض الناس دون بعض. فمن كان منهم أرسل كذلك، فإن رسالتي ليست إلى بعضكم دون بعض، ولكنها إلى جميعكم. وقوله: "الذي" ، من نعت اسم "الله" وإنما معنى الكلام: قل: يا أيها الناس إني رسول الله، الذي له ملك السموات والأرض، إليكم. ويعني جل ثناؤه بقوله: "الذي له ملك السموات والأرض" ، الذي له سلطان السَّموات والأرض وما فيهما، وتدبير ذلك وتصريفه (1) = "لا إله إلا هو" ، يقول: لا ينبغي أن تكون الألوهة والعِبادة إلا له جل ثناؤه، دون سائر الأشياء غيره من الأنداد والأوثان، إلا لمن له سلطان كل شيء، والقادر على إنشاء خلق كل ما شاء وإحيائه، وإفنائه إذا شاء إماتته = "فآمنوا بالله ورسوله" ، يقول جل ثناؤه: قل لهم: فصدِّقوا بآيات الله الذي هذه صفته، وأقِرُّوا بوحدانيته، وأنه الذي له الألوهة والعبادة، وصدقوا برسوله محمد صلى الله عليه وسلم أنَّه مبعوث إلى خلقه، داع إلى توحيده وطاعته. * * * (1) (1) انظر تفسير (( الملك )) فيما سلف من فهارس اللغة (ملك) . ![]()
__________________
|
![]() |
الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 7 ( الأعضاء 0 والزوار 7) | |
أدوات الموضوع | |
انواع عرض الموضوع | |
|
|
|
Powered by vBulletin V3.8.5. Copyright © 2005 - 2013, By Ali Madkour |