تفسير جامع البيان عن تأويل آي القرآن للإمام الطبري .....متجدد - ملتقى الشفاء الإسلامي

 

اخر عشرة مواضيع :         حدث في مثل هذا اليوم ميلادي ... (اخر مشاركة : أبــو أحمد - عددالردود : 4987 - عددالزوار : 2106833 )           »          إشــــــــــــراقة وإضــــــــــــاءة (متجدد باذن الله ) (اخر مشاركة : أبــو أحمد - عددالردود : 4566 - عددالزوار : 1384263 )           »          إيران عدو تاريخي للعرب (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 271 )           »          الخوارج تاريخ وعقيدة (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 24 - عددالزوار : 1161 )           »          إنه ينادينا (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 37 - عددالزوار : 11702 )           »          إيقاظ الأفئدة بذكر النار الموقدة (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 283 )           »          علة حديث: (يخرج عُنُقٌ من النار) (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 270 )           »          علة حديث: (من كظم غيظا وهو يستطيع أن ينفذه ) (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 279 )           »          الأنفصال العاطفي بين الزوجين (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 294 )           »          مقاومة السمنة في السنة النبوية (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 288 )           »         

العودة   ملتقى الشفاء الإسلامي > قسم العلوم الاسلامية > ملتقى القرآن الكريم والتفسير > هيا بنا نحفظ القرآن ونرضى الرحمن
التسجيل التعليمـــات التقويم اجعل كافة الأقسام مقروءة

هيا بنا نحفظ القرآن ونرضى الرحمن قسم يختص بحفظ واستظهار كتاب الله عز وجل بالإضافة الى المسابقات القرآنية المنوعة

إضافة رد
 
أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
  #1  
قديم 15-07-2025, 12:24 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم غير متصل
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 160,615
الدولة : Egypt
افتراضي رد: تفسير جامع البيان عن تأويل آي القرآن للإمام الطبري .....متجدد

تفسير جامع البيان عن تأويل آي القرآن
الإمام محمد بن جرير الطبري
الجزء الحادى عشر
تَفْسِيرِ سُّورَةِ المائدة
الحلقة (593)
صــ 236 إلى صــ 245





وكأنّ من قال في ذلك بقول ابن جريج هذا، وجَّه تأويل الآية إلى: "فمن يكفر بعدُ منكم فإنّي أعذبه عذابًا لا أعذبه أحدًا من العالمين" في الدنيا = وأعذبه أيضًا في الآخرة: "إذ قال الله يا عيسى ابن مريم أأنت قلت للناس اتخذوني وأمي إلهين من دون الله" .
* * *
قال أبو جعفر: وأولى القولين عندنا بالصواب في ذلك، قولُ من قال بقول السدي، وهو أن الله تعالى ذكره قال ذلك لعيسى حين رفعه إليه، وأن الخبرَ خبرٌ عما مضى، لعلَّتين:
إحداهما: أن "إذْ" إنما تصاحب = في الأغلب من كلام العرب المستعمل بينها = الماضيَ من الفعل، وإن كانت قد تدخلها أحيانًا في موضع الخبر عما يحدث، إذا عرف السامعون معناها. وذلك غير فاشٍ، ولا فصيح في كلامهم، (1) وتوجيه معاني كلام الله تعالى إلى الأشهر الأعرف ما وجد إليه السبيل، (2) أولى من توجيهها إلى الأجهل الأنكر.
والأخرى: أن عيسى لم يشك هو ولا أحد من الأنبياء، أن الله لا يغفر لمشرك مات على شركه، فيجوز أن يُتَوهم على عيسى أن يقول في الآخرة مجيبًا لربه تعالى ذكره: إن تعذّب من اتخذني وأمي إلهين من دونك فإنهم عبادك، وإن تغفر لهم فإنك أنت العزيز الحكيم.
* * *
فإن قال قائل: وما كان وجه سؤال الله عيسى: أأنت قلت للناس اتخذوني وأمي إلهين من دون الله "، وهو العالم بأن عيسى لم يقل ذلك؟"
قيل: يحتمل ذلك وجهين من التأويل:
(1)
انظر ما سلف من القول في "إذ" و "إذا" 1: 349 - 444، 493/3: 92، 98/6: 407، 550/7: 333/9: 627. وانظر ما سيأتي ص: 317.

(2)
في المطبوعة والمخطوطة: "فتوجيه" بالفاء، والجيد ما أثبت.

أحدهما: تحذير عيسى عن قيل ذلك ونهيُه، كما يقول القائل لآخر: "أفعلت كذا وكذا" ؟ مما يعلم المقولُ له ذلك أن القائل يستعظم فعل ما قال له: "أفعلته" ، على وجه النهي عن فعله، والتهديد له فيه.
والآخر: إعلامه أنّ قومه الذين فارقهم قد خالفوا عهده، وبدّلوا دينهم بعده. فيكون بذلك جامعًا إعلامَه حالَهم بعده، وتحذيرًا له قيله. (1)
* * *
قال أبو جعفر: وأما تأويل الكلام، فإنه: أأنت قلت للناس اتخذوني وأمي إلهين "، أي: معبودين تعبدونهما من دون الله. قال عيسى: تنزيهًا لك يا رب وتعظيمًا أن أفعل ذلك أو أتكلم به (2) = ما يكون لي أن أقول ما ليس لي بحق" ، يقول: ليس لي أن أقول ذلك، لأني عبد مخلوق، وأمي أمَةٌ لك، وكيف يكون للعبد والأمة ادّعاء ربوبية؟ = (3) "إن كنت قلته فقد علمته" ، يقول: إنك لا يخفى عليك شيء، وأنت عالم أني لم أقل ذلك ولم آمُرهم به.
* * *
القول في تأويل قوله: {تَعْلَمُ مَا فِي نَفْسِي وَلا أَعْلَمُ مَا فِي نَفْسِكَ إِنَّكَ أَنْتَ عَلامُ الْغُيُوبِ (116) }
قال أبو جعفر: يقول تعالى ذكره، مخبرًا عن نبيه عيسى صلى الله عليه وسلم: أنه يبرأ إليه مما قالت فيه وفي أمه الكفرةُ من النصارى، أن يكون دعاهم إليه أو أمرهم به، فقال: "سبحانك ما يكون لي أن أقول ما ليس لي بحق إن كنت"
(1)
في المطبوعة: "وتحذيره" ، غير ما كان في المخطوطة لغير طائل.

(2)
انظر تفسير "سبحان" فيما سلف 1: 474 - 476، 495/2: 537/6: 423.

(3)
في المطبوعة: "فهل يكون للعبد" ، وفي المخطوطة: "فيكون يكون للعبد" ، هكذا ورجحت قراءتها كما أثبتها.

قلته فقد علمته ". ثم قال:" تعلم ما في نفسي "، يقول: إنك، يا رب، لا يخفى عليك ما أضمرته نفسي مما لم أنطق به ولم أظهره بجوارحي، فكيف بما قد نطقتُ به وأظهرته بجوارحي؟ يقول: لو كنت قد قلت للناس: ا" تخذوني وأمي إلهين من دون الله "، كنت قد علمته، لأنك تعلم ضمائر النفوس مما لم تنطق به، فكيف بما قد نطقت به؟ =" ولا أعلم ما في نفسك "، يقول: ولا أعلم أنا ما أخفيته عني فلم تطلعني عليه، لأني إنما أعلم من الأشياء ما أعلمتنيه =" إنك أنت عَلام الغيوب "، يقول: إنك أنت العالم بخفيّات الأمور التي لا يطلع عليها سواك، ولا يعلمها غيرك. (1) "
* * *
القول في تأويل قوله: {مَا قُلْتُ لَهُمْ إِلا مَا أَمَرْتَنِي بِهِ أَنِ اعْبُدُوا اللَّهَ رَبِّي وَرَبَّكُمْ وَكُنْتُ عَلَيْهِمْ شَهِيدًا مَا دُمْتُ فِيهِمْ فَلَمَّا تَوَفَّيْتَنِي كُنْتَ أَنْتَ الرَّقِيبَ عَلَيْهِمْ وَأَنْتَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ (117) }
قال أبو جعفر: وهذا خبر من الله تعالى ذكره عن قول عيسى، يقول: ما قلت لهم إلا الذي أمرتني به من القول أن أقوله لهم، وهو أن قلت لهم: "اعبدوا الله ربي وربكم" = "وكنت عليهم شهيدًا ما دمت فيهم" ، يقول: وكنت على ما يفعلونه وأنا بين أظهرهم شاهدًا عليهم وعلى أفعالهم وأقوالهم (2) = "فلما توفيتني" ،
(1)
انظر تفسير "علام الغيوب" فيما سلف قريبًا: 211 = وتفسير "الغيب" 1: 236، 237/6: 405/10: 585.

(2)
انظر تفسير: "شهيد" فيما سلف من فهارس اللغة (شهد) = وتفسير "ما دام" فيما سلف 10: 185/ 11: 74.

يقول: فلما قبضتني إليك (1) = "كنت أنت الرقيب عليهم" ، يقول: كنت أنت الحفيظ عليهم دوني، (2) لأني إنما شهدت من أعمالهم ما عملوه وأنا بين أظهرهم.
وفي هذا تبيانُ أن الله تعالى ذكره إنما عرّفه أفعالَ القوم ومقالتهم بعد ما قبضه إليه وتوفاه بقوله: "أأنت قلت للناس اتخذوني وأمي إلهين من دون الله" .
= "وأنت على كل شيء شهيد" يقول: وأنت تشهد على كل شيء، لأنه لا يخفى عليك شيء، وأما أنا، فإنما شهدت بعض الأشياء، وذلك ما عاينت وأنا مقيم بين أظهر القوم، فإنما أنا أشهد على ذلك الذي عاينت ورأيتُ وشهدت.
* * *
وبنحو الذي قلنا في قوله: "كنت أنت الرقيب عليهم" ، قال أهل التأويل.
* ذكر من قال ذلك:
13032 - حدثني محمد بن الحسين قال، حدثنا أحمد بن مفضل قال، حدثنا أسباط، عن السدى: "كنت أنت الرقيب عليهم" ، أما "الرقيب" ، فهو الحفيظ.
13033 - حدثنا القاسم قال، حدثنا الحسين قال، حدثني حجاج، عن ابن جريج: "كنت أنت الرقيب عليهم" ، قال: الحفيظ.
* * *
وكانت جماعة من أهل العلم تقول: كان جواب عيسى الذي أجاب به ربَّه من الله تعالى، توقيفًا منه له فيه. (3)
* ذكر من قال ذلك:
13034 - حدثنا ابن وكيع قال، حدثنا ابن يمان، عن سفيان، عن معمر،
(1)
انظر تفسير "توفاه" فيما سلف 6: 455 - 461/8: 73/9: 100.

(2)
انظر تفسير "الرقيب" فيما سلف 7: 523.

(3)
في المطبوعة والمخطوطة: "توفيقًا" (بالفاء قبل القاف) ، في هذا الموضع وما يليه.

وهو خطأ من الناسخ والناشر لا شك فيه، صوابه ما أثبت. يقال: "وقفت الرجل على الكلمة توقيفًا" ، إذا علمته الكلمة لم يكن يعلمها، أو غابت عنه. أي أنها كانت من تعليم الله إياه، لم يقلها من عند نفسه.
عن ابن طاوس، عن أبيه: "أأنت قلت للناس اتخذوني وأمي إلهين من دون الله قال سبحانك ما يكون لي أن أقول ما ليس لي بحق" ، قال: الله وقَّفَه. (1)
13035- حدثنا ابن وكيع قال، حدثنا أبو داود الحفري قال، قرئ على سفيان، عن معمر، عن ابن طاوس، عن أبيه طاوس قال: احتج عيسى، والله وقّفه: "أأنت قلت للناس اتخذوني وأمي إلهين من دون الله" ، الآية.
13036 - حدثنا ابن وكيع قال، حدثنا جرير، عن عطاء، عن ميسرة قال: قال الله تعالى ذكره: "يا عيسى أأنت قلت للناس اتخذوني وأمي إلهين من دون الله" ؟ قال: فأُرعدت مفاصله، وخشى أن يكون قد قالها، فقال: "سبحانك ما يكون لي أن أقول ما ليس لي بحق إن كنت قلته فقد علمته تعلم ما في نفسي ولا أعلم ما في نفسك إنك أنت علام الغيوب" .
* * *
القول في تأويل قوله: {إِنْ تُعَذِّبْهُمْ فَإِنَّهُمْ عِبَادُكَ وَإِنْ تَغْفِرْ لَهُمْ فَإِنَّكَ أَنْتَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ (118) }
قال أبو جعفر: يقول تعالى ذكره: إنْ تعذب هؤلاء الذين قالوا هذه المقالة، بإماتتك إياهم عليها = "فإنهم عبادك" ، مستسلمون لك، لا يمتنعون مما أردت بهم، ولا يدفعون عن أنفسهم ضرًّا ولا أمرًا تنالهم به = "وإن تغفر لهم" ، بهدايتك إياهم إلى التوبة منها، فتستر عليهم = "فإنك أنت العزيز" ، (2) في
(1)
في المطبوعة والمخطوطة: "الله وفقه" ، وانظر التعليق السالف، وكذلك ما سيأتي في الأثر التالي.

(2)
انظر تفسير "العباد" ، و "المغفرة" ، و "العزيز" ، و "الحكيم" فيما سلف من فهارس اللغة (عبد) ، (غفر) ، (عزز) ، (حكم) .

انتقامه ممن أراد الانتقام منه، لا يقدر أحدٌ يدفعه عنه = "الحكيم" ، في هدايته من هدى من خلقه إلى التوبة، وتوفيقه من وفَّق منهم لسبيل النجاة من العقاب، كالذي:-
13037 - حثنا محمد بن الحسين قال، حدثنا أحمد بن مفضل قال، حدثنا أسباط، عن السدي في قوله: "إن تعذبهم فإنهم عبادك وإن تغفر لهم" ، فتخرجهم من النصرانية، وتهديهم إلى الإسلام = "فإنك أنت العزيز الحكيم" . وهذا قول عيسى في الدنيا.
13038 - حدثنا الحسن بن يحيى قال، أخبرنا عبد الرزاق قال، أخبرنا معمر، عن قتادة في قوله: "إن تعذبهم فإنهم عبادك وإن تغفر لهم فإنك أنت العزيز الحكيم" ، قال: والله ما كانوا طعَّانين ولا لعَّانين.
* * *
القول في تأويل قوله: {قَالَ اللَّهُ هَذَا يَوْمُ يَنْفَعُ الصَّادِقِينَ صِدْقُهُمْ لَهُمْ جَنَّاتٌ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الأنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا}
قال أبو جعفر: اختلفت القرأة في قراءة قوله: "هذا يوم ينفع الصادقين" . فقرأ ذلك بعض أهل الحجاز والمدينة: (هَذَا يَوْمَ يَنْفَعُ الصَّادِقِينَ) ، بنصب "يوم" .
* * *
وقرأه بعض أهل الحجاز وبعض أهل المدينة، وعامة قرأة أهل العراق: هَذَا يَوْمُ يَنْفَعُ الصَّادِقِينَ، برفع "يوم" . فمن رفعه رفعه ب "هذا" ، وجعل "يوم" اسمًا، وإن كانت إضافته غير محضة، لأنه قد صار كالمنعوت. (1)
(1)
في المطبوعة: "لأنه صار" ، أسقط "قد" .

وكان بعض أهل العربية يزعم أن العرب يعملون في إعراب الأوقات مثل "اليوم" و "الليلة" ، عملهم فيما بعدها. إن كان ما بعدها رفعًا رفعوها، كقولهم: "هذا يومُ يركب الأمير" ، و "ليلةُ يصدر الحاج" ، و "يومُ أخوك منطلق" . وإن كان ما بعدها نصبًا نصبوها، وذلك كقولهم: "هذا يومَ خرج الجيش، وسار الناس" ، و "ليلةَ قتل زيد" ، ونحو ذلك، وإن كان معناها في الحالين "إذ" و "إذا" .
* * *
وكأن من قرأ هذا هكذا رفعًا، وجَّه الكلام إلى أنه من قيل الله يوم القيامة.
* * *
وكذلك كان السدي يقول في ذلك.
13039 - حدثني محمد بن الحسين قال، حدثنا أحمد بن مفضل قال، حدثنا أسباط، عن السدي قال الله: "هذا يوم ينفع الصادقين صدقهم" ، هذا فصل من كلام عيسى، وهذا يوم القيامة.
* * *
يعني السدي بقوله: "هذا فصل من كلام عيسى" : أن قوله: "سبحانك ما يكون لي أن أقول ما ليس لي بحق" إلى قوله: "فإنك أنت العزيز الحكيم" ، من خبر الله عز وجل عن عيسى أنه قاله في الدنيا بعد أن رفعه إليه، وأن ما بعد ذلك من كلام الله لعباده يوم القيامة.
* * *
وأما النصب في ذلك، فإنه يتوجه من وجهين:
أحدهما: أن إضافة "يوم" ما لم تكن إلى اسم، تجعله نصبًا، لأن الإضافة غير محضة، وإنما تكون الإضافة محضة، إذا أضيف إلى اسم صحيح. ونظير "اليوم" في ذلك: "الحين" و "الزمان" ، وما أشبههما من الأزمنة، كما قال النابغة:
عَلَى حِيْنَ عَاتَبْتُ المَشِيبَ عَلَى الصِّبَا ... وَقُلْتُ ألَمَّا تَصْحُ وَالشَّيْبُ وَازِعُ (1)
والوجه الآخر: أن يكون مرادًا بالكلام: هذا الأمر وهذا الشأن، يومَ ينفع الصادقين = فيكون "اليوم" حينئذ منصوبًا على الوقت والصفة، بمعنى: هذا الأمر في يوم ينفع الصادقين صدقهم.
* * *
قال أبو جعفر: وأولى القراءتين في ذلك عندي بالصواب: (هَذَا يَوْمَ يَنْفَعُ الصَّادِقِينَ) ، بنصب "اليوم" ، على أنه منصوب على الوقت والصفة. لأن معنى الكلام: إنّ الله جل وتعالى ذكره أجاب عيسى حين قال: "سبحانك ما يكون لي أن أقول ما ليس لي بحق إن كنت قلته فقد علمته" ، إلى قوله: "فإنك أنت العزيز الحكيم" ، فقال له عز وجل: هذا القولُ النافعُ = أو هذا الصدق النافع = يوم ينفع الصادقين صدقهم. ف "اليوم" وقت القول والصدق النافع.
* * *
فإن قال قائل: فما موضع "هذا" ؟
قيل: رفع.
فإن قال: فأين رَافعه؟
(1)
ديوانه: 38، ومعاني القرآن للفراء 1: 327، وسيبويه 1: 369، والخزانة 3: 151 والعيني (هامش الخزانة) 3: 406/ 4: 357، وسيأتي في هذا التفسير 19: 88/ ثم 30: 57، (بولاق) ، ورواية أبي جعفر هنا "ألما تصح" كرواية الفراء، وفي سائر المراجع "ألما أصح" . وهما روايتان صحيحتا المعنى.

وهذا البيت من قصيدته التي قالها معتذرا إلى النعمان بن المنذر، متنصلا مما قذفه به مرة بن ربيعة عند النعمان، يقول قبله: فَكَفْكَفْتُ مِنِّي عَبْرَةً فَرَدَدْتُهَا ... على النَّحْرِ، مِنْها مُسْتَهِلٌّ ودامِعٌ
يقول: عاقبت نفسي على تشوقها إلى ما فات من صباي، فقد شبت وشابت لداتي، وقلت لنفسي: ألم تفق بعد من سكرة الصبا، وعهد الناس بالمشيب أنه يكف من غلواء الشباب!
قيل: مضمر. وكأنه قال: قال الله عز وجل: هذا، هذا يوم ينفع الصادقين صدقهم، كما قال الشاعر: (1)
أَمَا تَرَى السَّحَابَ كَيْفَ يَجْرِي ? ... هذا، وَلا خَيْلُكَ يَا ابْن بِشْرِ
يريد: هذا هذا، ولا خيلك.
* * *
قال أبو جعفر: فتأويل الكلام، إذ كان الأمر على ما وصفنا لما بينا: قال الله لعيسى: هذا القول النافع في يوم ينفع الصادقين في الدنيا صدقهم ذلك، في الآخرة عند الله = "لهم جنات تجري من تحتها الأنهار" ، يقول: للصادقين في الدنيا، جنات تجري من تحتها الأنهار في الآخرة، ثوابًا لهم من الله عز وجل على ما كان من صدقهم الذي صدقوا الله فيما وعدوه، فوفوا به لله، فوفى الله عز وجل لهم ما وعدهم من ثوابه = "خالدين فيها أبدًا" ، يقول: باقين في الجنات التي أعطاهموها = "أبدًا" ، دائمًا، لهم فيها نعيم لا ينتقل عنهم ولا يزول. (2)
* * *
وقد بينا فيما مضى أن معنى "الخلود" ، الدوام والبقاء. (3)
* * *
القول في تأويل قوله: {رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ ذَلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ (119) }
قال أبو جعفر: يقول تعالى ذكره: رَضي الله عن هؤلاء الصادقين الذين
(1)
لم أعرف هذا الراجز

(2)
انظر تفسير "أبدًا" فيما سلف 9: 227/10: 185.

(3)
انظر فهارس اللغة فيما سلف (خلد) .

صدقوا في الوفاء له بما وعدوه، من العمل بطاعته واجتناب معاصيه = "ورضوا عنه" ، يقول: ورضوا هم عن الله تعالى ذكره في وفائه لهم بما وعدهم على طاعتهم إياه فيما أمرهم ونهاهم، من جزيل ثوابه (1) = "ذلك الفوز العظيم" ، يقول: هذا الذي أعطاهم الله من الجنات التي تجري من تحتها الأنهار، خالدين فيها، مرضيًّا عنهم وراضين عن ربهم، هو الظفر العظيم بالطَّلِبة، (2) وإدراك الحاجة التي كانوا يطلبونها في الدنيا، ولها كانوا يعملون فيها، فنالوا ما طلبوا، وأدركوا ما أمَّلوا.
* * *
القول في تأويل قوله: {لِلَّهِ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالأرْضِ وَمَا فِيهِنَّ وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ (120) }
قال أبو جعفر: يقول تعالى ذكره: أيها النصارى، "لله ملك السموات والأرض" ، يقول: له سلطان السموات والأرض (3) = "وما فيهن" ، دون عيسى الذين تزعمون أنه إلهكم، ودون أمه، ودون جميع من في السموات ومن في الأرض، فإن السموات والأرض خلق من خلقه وما فيهن، وعيسى وأمُّه من بعض ذلك بالحلول والانتقال، يدلان بكونهما في المكان الذي هما فيه بالحلول فيه والانتقال، أنهما عبدان مملوكان لمن له ملك السموات والأرض وما فيهن. ينبِّههم وجميعَ خلقه على موضع حجته عليهم، ليدَّبروه ويعتبروه فيعقلوا عنه = "وهو على كل شيء"
(1)
انظر تفسير "الرضا" فيما سلف 6: 262/9: 480/10: 144.

(2)
انظر تفسير "الفوز" . فيما سلف 7: 452، 472/8: 71.

(3)
انظر تفسير "الملك" فيما سلف 8: 480، تعليق: 3، والمراجع هناك.





__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
إضافة رد


الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 9 ( الأعضاء 0 والزوار 9)
 
أدوات الموضوع
انواع عرض الموضوع

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع


 


الاحد 20 من مارس 2011 , الساعة الان 01:21:21 صباحاً.

Powered by vBulletin V3.8.5. Copyright © 2005 - 2013, By Ali Madkour

[حجم الصفحة الأصلي: 217.63 كيلو بايت... الحجم بعد الضغط 215.96 كيلو بايت... تم توفير 1.67 كيلو بايت...بمعدل (0.77%)]