عوامل شخصية المعلم المؤثرة في أركان العملية التعليمية - ملتقى الشفاء الإسلامي

 

اخر عشرة مواضيع :         من أدلة صدقه عليه الصلاة والسلام: أجوبته الإعجازية (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 39 )           »          الصفات الفعلية (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 19 )           »          رعاية الله تعالى للنبي صلى الله عليه وسلم وكفايته (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 27 )           »          هل أنت راض حقا؟ (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 32 )           »          لقبول المحل لا بد من تفريغه من ضده (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 12 )           »          نصيحة العمر: كن أنت من تنقذ نفسك (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 28 )           »          مغسلة صلاة الفجر (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 25 )           »          كيف تستعيد البركة في وقتك؟ وصية عملية (أكثر من قراءة القرآن ولا تتركه مهما كثرت شواغل (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 22 )           »          فن التعامل مع الآخرين (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 18 )           »          حقوق الخدم في الاسلام (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 29 )           »         

العودة   ملتقى الشفاء الإسلامي > القسم العلمي والثقافي واللغات > ملتقى التنمية البشرية وعلم النفس
التسجيل التعليمـــات التقويم اجعل كافة الأقسام مقروءة

ملتقى التنمية البشرية وعلم النفس ملتقى يختص بالتنمية البشرية والمهارات العقلية وإدارة الأعمال وتطوير الذات

 
 
أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
Prev المشاركة السابقة   المشاركة التالية Next
  #3  
قديم 08-06-2021, 03:25 AM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم غير متصل
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 166,485
الدولة : Egypt
افتراضي رد: عوامل شخصية المعلم المؤثرة في أركان العملية التعليمية

وكان - صلَّى الله عليه وسلَّم - يحبُّه، وكان رجلاً دميمًا، فأتاه النبي - صلَّى الله عليه وسلَّم - وهو يَبيع متاعه، فاحتَضنه من خلفه وهو لا يُبصره، فقال: مَن هذا؟ أرسلني، فالْتَفَت، فعرَف النبي - صلَّى الله عليه وسلَّم - فجعَل لا يأْلُو ما ألصَق ظهره بصدر النبي - صلَّى الله عليه وسلَّم - حين عرَفه، فجعل النبي - صلَّى الله عليه وسلَّم - يقول: ((مَن يشتري هذا العبد؟))، فقال: يا رسول الله، إذًا تَجدني كاسدًا، فقال النبي - صلَّى الله عليه وسلَّم -: ((لكن عند الله لستَ بكاسدٍ))، أو قال: ((أنت عند الله غالٍ))[39].


وعن أنس بن مالك أنَّ رجلاً استحمَل[40] رسول الله - صلَّى الله عليه وسلَّم - فقال: ((إني حامِلك على ولد ناقة))، فقال: يا رسول الله، ما أصنع بولد الناقة؟ فقال - صلَّى الله عليه وسلَّم -: ((وهل تلد الإبل إلاَّ النُّوق))[41].


الخلاصة:
الأثر الإيجابي الذي يُحدثه المزاح في تلطيف جوِّ الدراسة، وقَطْع المَلل الذي يَعتري الطلاب.
مُراعاة عدم الإكثار منه؛ كيلا يخرج الدرس عن مساره، وتضيع الفائدة المرجوَّة منه.
الإكثار من المزاح يُزيل الهَيْبة والوَقار.
المزاح لا يكون إلاَّ حقًّا؛ أي: صِدقًا.
عدم إيذاء أو إهانة أحد التلاميذ بالمزاح.


8- الصبر واحتمال الغضب:
الصبر لغة بمعنى: المَنع والحَبس[42]، وهي منزلة رفيعة لا ينالها إلاَّ ذَوُو الهِمَم العالية والنفوس الزكيَّة، والغضب هو ثورة في النفس، يَفقد فيها الغاضب اتَّزانه، وتَنقلب الموازين عنده، فلا يكاد يُميِّز بين الحقِّ والباطل، وهي خَصلة غير محمودة، إلاَّ ما كان منها غضبًا لله، وهو ما كان يتَّصف به الرسول - صلَّى الله عليه وسلَّم - فإنه لَم يكن يغضب لنفسه، ولَم يَنتصر لها قطُّ، إنما كان يغضب إذا انْتُهِكت حُرُمات الله.


ووجه تعلُّق ذلك بالتعليم: أنَّ المعلم يتعامل مع أفراد يختلفون في الطباع والأفكار؛ فمنهم الجيد، ومنهم الضعيف، هذا بالإضافة إلى انشغال المعلم بعمليات التحضير والتصحيح، والتدريس المتواصل أغلب فترات اليوم الدراسي، مع ما يَتْبع ذلك من تحمُّلٍ لمشاكل الطلاب المتكرِّرة، إلى غير ذلك من المهام المَنُوطة بالمعلم، فكل الأمور السالفة الذِّكر وغيرها، تَستلزم من المعلم صبرًا وتحمُّلاً، وهذا الصبر ليس سهلَ المنال، بل إنه يحتاج إلى طول ممارسة من المعلم؛ حتى يعتادَ ذلك ويأْلفه، وفقدان الصبر يوقِع المعلم في حرجٍ شديد، خصوصًا إذا كان ذلك أثناء ممارسته للتعليم، فإن المعلم يواجِه عقليات متفاوتة في الإدراك والتصور والاستجابة، إلى غير ذلك.


فقد يظل المعلم يُلقي درسه لمدة ساعة متواصلة، ثم يفاجَأ بقول أحد طلابه: إنه لَم يَفهم هذا الدرس كله، أو قد يتعرَّض المعلم إلى أسئلة تافهة، أو في غير محلِّها، أو قد يفاجَأ المعلم أثناء إلقائه بأنَّ أحدَ طلابه نائمٌ أو يَبتسم... إلخ.


بل إنَّ من أشدها وقعًا وأثرًا على المعلم، ما إذا تعرَّض المعلم لكلمة نابية من أحد طلابه، وليس ذلك بمستغرب؛ لاختلافهم في الطباع والإدراك، ونحو ذلك.


إن احتواء الغضب والسيطرة عليه علامة قوَّة للمعلم، وليست علامة ضَعف، خصوصًا إذا كان ذلك المعلم قادرًا على إنفاذ ما يريد؛ أخبَر بذلك الرسول - صلَّى الله عليه وسلَّم - بقوله: ((ليس الشديد بالصُّرعة، إنما الشديد الذي يَملك نفسه عند الغضب))[43].


ويُجسِّد ذلك فِعْلُ النبي - صلَّى الله عليه وسلَّم - وقوله فإنه - بأبي وأمي - كان أملك الناس لغضبه.


عن أنس بن مالك قال: كنتُ أمشي مع رسول الله - صلَّى الله عليه وسلَّم - عليه رِداء نَجراني غليظ، شديد الحاشية، فأدرَكه أعرابي، فجبَذه برِدائه جَبْذَةً شديدة، نظَرت إلى صفحة عُنق رسول الله - صلَّى الله عليه وسلَّم - وقد أثَّرت بها حاشية الرِّداء من شِدَّة جَبْذته، ثم قال: يا محمد، مُر لي من مال الله الذي عندك، فالتَفَت إليه رسول الله - صلَّى الله عليه وسلَّم - فضَحِك، ثم أَمَر له بعطاءٍ"[44].


علَّق النووي على هذا الحديث بقوله: "فيه احتمال الجاهلين والإعراض عن مقابلتهم، ودَفْع السيئة بالحسنة"[45].


قلت: ولا شكَّ أنه مهما بلَغ من أمر الطالب ما بلَغ، فهو دون فِعل ذلك الأعرابي بكثير.


عن عبدالله بن مسعود - رضي الله عنه - قال: قسَم رسول الله - صلَّى الله عليه وسلَّم - قسمًا، فقال رجل: إنها لقسمة ما أُريدَ بها وجه الله، فأَتَيت النبي - صلَّى الله عليه وسلَّم - فسارَرْتُه، فغَضِب من ذلك غضبًا شديدًا، واحمرَّ وجهه؛ حتى تمنَّيتُ أني لَم أذكره له، قال: ثم قال: ((قد أوذي موسى بأكثر من هذا، فصَبَر))[46].


ولك أن تسأل عن أثر الغضب على المرء في جسمه، ولسانه، وأعضائه، وقلبه؛ يقول صاحب الإحياء: "ومن أثار هذا الغضب في الظاهر، تغيُّر اللون وشِدَّة الرَّعدة في الأطراف، وخروج الأفعال عن الترتيب والنظام، واضطراب الحركة والكلام؛ حتى يَظهر الزَّبد على الأشداق، وتحمرَّ الأحداق، وتَنقلب المناخر، وتستحيل الخِلقة، ولو رأى الغضبان في حالة غضبه قُبْحَ صورته، لسَكن غضبه حياءً من قُبح صورته، واستحالة خِلقته، وأمَّا أثرُه في اللسان، فانطلاقه بالشَّتم والفُحش من الكلام الذي يَستحيي منه ذو العقل ويستحيي منه قائله عند فتور الغضب، وذلك مع تخبُّط النظم واضطراب اللفظ، وأما أثرُه على الأعضاء، فالضرب والتهجُّم، والتمزيق والقتل والجرح عند التمكُّن، من غير مبالاة، وأمَّا أثرُه في القلب مع المغضوب عليه، فالحقد والحسد، وإضمار السوء والشَّماتة بالمُساءَات، والحزن بالسرور"[47].


وعلاج ذلك يكون بالعلاج الربَّاني والنبوي؛ أمَّا العلاج الربَّاني، فقد أثنَى الله - سبحانه وتعالى - على الذين يكظمون غيظَهم، وليس ذلك فقط، بل مع العفو عن الناس؛ قالتعالى: ﴿ وَالْكَاظِمِينَ الْغَيْظَ وَالْعَافِينَ عَنِ النَّاسِ وَاللَّهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ ﴾ [آل عمران: 134].


وأمَّا العلاج النبوي، فقد عالَج النبي - صلَّى الله عليه وسلَّم - الغضب بعِدَّة طرق؛ منها[48]:
أن يقول الغاضب: أعوذ بالله من الشيطان الرجيم.
أن يسكت الغاضب ولا يتكلَّم؛ حتى لا يتمادى به الغضب، فيقع في المحذور.
إذا كان الغاضب قائمًا فليجلس، وإن لَم يَنطفِئ غضبه، فليَضطجع.
أن يتوضَّأ الغاضب وضوءَه للصلاة؛ فإن الغضب يُطفَأ بالماء.


قال علي بن ثابت:
الْعَقْلُ آفَتُهُ الإِعْجَابُ وَالْغَضَبُ
وَالْمَالُ آفَتُهُ التَّبْذِيرُ وَالنَّهَبُ



وقال أبو العتاهية:
وَلَمْ أَرَ فِي الأَعْدَاءِ حِينَ خَبَرْتُهُمْ
عَدُوًّا لِعَقْلِ الْمَرْءِ أَعْدَى مِنَ الْغَضَبْ



الخلاصة:
الصبر عامل قوي في نجاح المعلم.
الغضب ثورة في النفس، واختلال في الموازين، وضَعف في التمييز، وعواقبه وخيمة.
براعة المعلم تَكْمن في كيفيَّة امتصاص غضبه عند حدوثه، والسيطرة على أعصابه.
التدرُّج وطول المِران، يُكسبان المعلم قوَّة ومَنعة.
المبادَرة بعلاج الغضب عند حدوثه، وأفضله على الإطلاق العلاج الربَّاني النبوي.


9- نبذ الكلام الفاحش البذيء:
الفُحش في القول، والسِّباب، والسخرية من الآخرين - خصال ممقوتة، تَلفظها النفوس، وتشمئزُّ منها الطِّباع، وتنأى عنها النفوس الكريمة، والمعلم يُفترض فيه أنه قدوة يُقتفى أثره، ويُسلك سبيله، فإن اتَّصف المعلم ببعض هذه الخصال، فهي نقيصة وأيُّ نقيصة! وإن اجتمَعَت في معلِّم، فهي طامَّة كبرى؛ لأن الطالب يتأثَّر بمعلمه سلبًا وإيجابًا، فإذا كان هذا حال معلِّمه، فماذا نرجو من الطالب؟!


وفائدة القول أنَّ اللعن والفحش والسخرية، يَستلزم تنقيص الآخرين، ويَقتل فيهم رُوحهم المعنوية، ويُفسد عليهم فِطَرهم وألْسِنتهم، ويُوغر صدور بعضهم على بعض، إلى غير ذلك.


هذا إلى جانب - وهو الأهم - أنها أمورٌ مرفوضة شرعًا، وصاحبها متوعَّد بالعقوبة.


بيان ذلك:
أ- السخرية: قال تعالى: ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا يَسْخَرْ قَوْمٌ مِنْ قَوْمٍ عَسَى أَنْ يَكُونُوا خَيْرًا مِنْهُمْ وَلَا نِسَاءٌ مِنْ نِسَاءٍ عَسَى أَنْ يَكُنَّ خَيْرًا مِنْهُنَّ وَلَا تَلْمِزُوا أَنْفُسَكُمْ وَلَا تَنَابَزُوا بِالْأَلْقَابِ بِئْسَ الِاسْمُ الْفُسُوقُ بَعْدَ الْإِيمَانِ وَمَنْ لَمْ يَتُبْ فَأُولَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ ﴾ [الحجرات: 11]، وقوله: ﴿ لَا يَسْخَرْ قَومٌ مِنْ قَوْمٍ ﴾ بكلِّ كلام وقولٍ وفِعل دالٍّ على إعجاب الساخر بنفسه، وعسى أن يكون المسخور به خيرًا من الساخر، وهو الغالب والواقع، فإن السخرية لا تقع إلاَّ من قلب مُمتلئ من مساوئ الأخلاق، مُتَحَلٍّ بكلِّ خُلق ذميم، مُتَخَلٍّ من كلِّ خُلق كريم؛ ولهذا قال النبي - صلَّى الله عليه وسلَّم -: ((بحسب امرئ من الشر أن يَحقر أخاه المسلم))[49].


ب - اللعن والسباب:
عن عبدالله بن مسعود قال: قال رسول الله - صلَّى الله عليه وسلَّم -: ((سِباب المسلم فسوق، وقِتاله كُفر))[50]، وفي هذا الحديث تعظيم حقِّ المسلم والحُكم على مَن سبَّه بغير حقٍّ بالفِسق.


عن أنس بن مالك قال: "لَم يكن رسول الله - صلَّى الله عليه وسلَّم - فاحشًا ولا لعَّانًا ولا سبَّابًا، كان يقول لأحدنا عند المَعتِبة: ((ما له تَرِب جبينه))"[51].


عن أبي الدَّرداء قال: قال النبي: ((إنَّ اللعَّانين لا يكونون شُهداءَ ولا شُفعاءَ يوم القيامة))[52].


وحَسْبُك بهذا؛ ففيه غُنيَة عن كثيرٍ من الآثار التي ورَدت في هذا الباب، وفيه كفاية لِمَن أعطاه الله فَهمًا وعقلاً.


ج- الفُحش البذيء:
عن عبدالله بن مسعود عن النبي - صلَّى الله عليه وسلَّم - قال: ((ليس المؤمن بالطَّعَّان، ولا اللعَّان، ولا الفاحش، ولا البذيء))[53].


الخلاصة:
هذه الخِصال الذميمة تتعدَّى آثارها إلى الغير، فتؤثِّر فيه.
السخرية فيها تنقيص للمسخور به، وازدراء له، وهذا جالب للعداوة والبغضاء، فكيف إن كان هذا دَأْب المعلم؟!
اللعن خُلق ذميم، وصاحبه مُتوعَّد بالعقوبة إن لَم يَتُب.
القول الفاحش يُنبئ عن سوء الطَّويَّة وفساد النيَّة.
الطَّعَّان: الوقَّاع في أعراض الناس بالذَّمِّ والغيبة.
اللعَّان: اللعن خلاف النصر؛ أي: الملعون لا يَنصره الله، فيَطرده ويُبعده، فلَعْن المؤمن؛ أي: طَرْده وإبعاده عن الجنة في أوَّل أمره.
والفاحش: هو الذي يتسرَّع لسانه بالفُحش ولا يريد أن يَنطق به، قال: "وكذا الفُحش بالفعال، قال الحافظ: هو الزيادة على الحد في الكلام السيئ، فمن تعدَّى بزيادة القبح في القول والعمل، فهو فاحش.
البذيء: قال الجوهري: هو التكلُّم بكلام لا ينفع، وقال القاري: هو الذي لا حياء له"[54].


10- استشارة المعلم لغيره:
تواجه المعلم مسائل مُشكِلة، وقضايا معقَّدة، يحتار معها المعلم، ولا يجد لها حلاًّ أو مخرجًا، فقد يصعب على المعلم في بعض الأحيان فَهْمُ مسألة ما، أو قد يُطرح عليه سؤال من أحد طلابه، ولا يجد له حلاًّ أو تفسيرًا، ومن جهة أخرى، قد يجد المعلم نفسه أمام مشكلة عند أحد طلابه أو بعضهم، وتحتاج من المعلم أن يَفصل فيها، ويحلَّ إشكالها.


وهنا قد يَسلك المعلم عدَّة مسالك، منها: أن يَجتهد في إيجاد حلٍّ لها، أو يَعتذر عنها، وهذا حسن بالنسبة إلى المعلم؛ لأنه لَم يَخض فيها بغير علمٍ، وإن كان ذلك مشكلاً للطالب؛ لأن مشكلته لَم تُحل بعدُ، ومنها أن يخوض فيها بغير علمٍ، فهذا مذموم، وهو يُفسد أكثر مما يُصلح، ومنها أن يبحث عن حلِّها؛ إمَّا عن طريق المطالعة والبحث، وإمَّا عن طريق طلب الاستشارة، وهو مقصودنا، "قال أهل اللغة: الاستشارة مأخوذة من قول العرب: شُرْت الدابَّة، وشَوَّرتها إذا عَلِمت خبرَها، وقيل: من قولهم: شُرْت العسل إذا أخَذته من موضعه"[55].


قال تعالى: ﴿ وَشَاوِرْهُمْ فِي الْأَمْرِ ﴾ [آل عمران: 159].


يقول ابن سعدي عند هذه الآية: "أي: في الأمور التي تحتاج إلى استشارة ونظرٍ وفكر، فإن في الاستشارة من الفوائد والمصالح الدينية والدنيويَّة، ما لا يُمكن حَصره، ومنها: أنَّ في الاستشارة تنور الأفكار؛ بسبب إعمالها فيما وُضِعت له، فصار في ذلك زيادة للعقول، ومنها ما تُنتجه الاستشارة من الرأي المصيب، فإن المشاوِر لا يَكاد يُخطئ في فِعله.


وإن أخطَأ، أو لَم يتمَّ له مطلوب، فليس بملوم، فإذا كان الله يقول لرسوله - صلَّى الله عليه وسلَّم - وهو أكمل الناس عقلاً وأغزَرهم عِلمًا وأفضلهم رأْيًا - ﴿ وَشَاوِرْهُمْ فِي الْأَمْرِ ﴾، فكيف بغيره؟!"[56].


عن ابن عباس قال: "لَمَّا نزَلت: ﴿ وَشَاوِرْهُمْ فِي الْأَمْرِ ﴾، قال رسول الله - صلَّى الله عليه وسلَّم -: ((أمَا إنَّ الله ورسوله لَغَنيَّان عنها، ولكنَّ الله جعَلها رحمة لأُمَّتي، فمَن استشار منهم، لَم يَعْدم رشدًا، ومنَ ترَكها، لَم يَعدم غيًّا))[57].


فأنت ترى في هذا الحديث، كيف كانت المشورة سببًا في القُرب من إصابة الحق، وما في تَرْكها من مقاربة الخطأ والوقوع فيه، فحَرِيٌّ بكلِّ معلم أن يسأل ويُشاور مَن هو أعلم منه فيما أشْكَل عليه؛ ليحصل له بذلك مقاربة الصواب وإصابة الحق، وليَبتعد عن الترفُّع والأَنَفَة، وتعاظُم النفس من سؤال غيره، وطلب رأيه ومَشورته، فإن ذلك ترفُّع في غير محلِّه، ولو كان ذلك محمودًا، لكان النبي - صلَّى الله عليه وسلَّم - أولَى الناس به!


فعليك أيها المعلم، أن تسأل عما أشكَلَ عليك فَهْمُه، أو تعسَّر عليك حَلُّه، ولا تَقُل: إنَّ هذا تهوين من شأني، أو نقص من قدري، لا، بل هو دليل على كمال العقل ورَجَاحته.


الخلاصة:
المشورة مُعين للمعلم فيما يُشكل عليه من المسائل والقضايا التي تَرِد عليه.
طلب الاستشارة من الغير، ليست دليلاً على نقص في المرتبة أو في العلم، بل هو دليلٌ على رَجَاحة العقل ورَزَانته.
في المشورة القُرب من الحق، وفي تَرْكها البُعد عنه.


[1] رواه ابن عبدالبَر في جامع بيان العلم وفضْله، المختصر ص 42.

[2] سيأتي تفصيل ذلك؛ ولذلك أعرَضت عن ذكره ها هنا.

[3] أخرَجه مسلم في كتاب الإمارة، والنسائي في الجهاد، وأحمد في باقي مسند المكثرين، والترمذي في الزهد.

[4] متفق عليه.

[5] متفق عليه.

[6] هو عبدالله بن سلام؛ رواه الترمذي في كتاب صفة القيامة، والدارمي في كتاب الصلاة.

[7] تيسير الكريم الرحمن في تفسير كلام المنَّان؛ للشيخ عبدالرحمن بن ناصر سعدي (7 / 365 - 366).

[8] إحياء علوم الدين (1 / 97)، ط: دار الحديث.

[9] مختصر جامع بيان العلم وفضله؛ لابن عبدالبر، اختصرَه الشيخ أحمد بن عمر المحمصاني البيروتي.

[10] تيسير الكريم الرحمن في تفسير كلام المنَّان ( 4 / 232 )، بتصرُّف يسير.

[11] تفسير القرآن العظيم (2 / 190).

[12] مُتفق عليه.

[13] رواه البخاري في كتاب الهبة، ومسلم في كتاب الهبات، واللفظ له، وأحمد في مسند الكوفيين، والنسائي في النُّحْل، وأبو داود في البيوع، وابن ماجه في الأحكام، ومالك في الأقْضِية.

[14] مسلم بشرح النووي، كتاب الهبات، حديث رقْم (1623).

[15] رواه البخاري في البيوع، وتفسير القرآن، وأحمد في مسند المُكثرين من الصحابة.

[16] رواه الإمام أحمد في باقي مسند الأنصار.

[17] متفق عليه.

[18] رواه أحمد، وابن ماجه، والترمذي، وقال: هذا حديث غريب، وأبو داود برقْم (3997 - 4777)، وقال الألباني: حسن.

[19] أخرَجه أبو داود، وأحمد، وصحَّحه ابن حِبَّان، ورواه الترمذي، وقال: هذا حديث غريب من هذا الوجه، قال الألباني: إسناده صحيح؛ "السلسلة الصحيحة"، (2 / 563).

[20] أخرَجه أبو داود، وابن حِبَّان، والحاكم، وقال الحاكم: صحيح على شرط الشيخين، ووافقَه الذهبي، قلت - أي الألباني -: وهو كما قالا؛ "السلسلة الصحيحة"، (2/ 437).

[21] سوف ترى أمثلة لذلك بعد عدة سطور.

[22] تيسير الكريم الرحمن بتفسير كلام المنَّان؛ عبدالرحمن السعدي (2 / 308).

[23] إعداد المعلم؛ د. عبدالله عبدالحميد محمود، ص 181.

[24] رواه مسلم في كتاب الجنة وصفة نعيمها، وأبو داود في الأدب، وابن ماجه في الزهد.

[25] رواه البخاري تعليقًا، وقد وصَله أحمد (3 / 119 - 214)، وأبو داود (4818) من هذا الوجه، ذكَر ذلك الألباني في حاشيته على الشمائل المحمديَّة، ص 176.

[26] رواه البخاري.

[27] رواه البخاري، والكراع: من الدابَّة ما بين الرُّكبتين إلى الساق؛ "نقلاً من رياض الصالحين، ط: دار عالم الكتب، ص 228".

[28] عزَاه مُحقق البداية والنهاية إلى دلائل البيهقي؛ انظر البداية والنهاية (ج4 / 533)، دار إحياء التراث العربي، ط 1408هـ، وهو عند ابن ماجه في كتاب الأطعمة.

[29] روى الإمام أحمد في مسنده.

[30] فنفَضَت: معناه أسْقَطَت ثمرها؛ مسلم بشرح النووي، ح رقْم (2362).

[31] مسلم بشرح النووي، ح رقْم (2362، 2363).

[32] المصدر السابق، وتلاحظ أننا خرَجنا عن مسارنا، وتوسَّعنا قليلاً في بيان التفريق بين قوله - صلَّى الله عليه وسلَّم - إذا كان من باب التشريع، أو من باب الرأي في الأمور الدنيويَّة؛ وذلك للحاجة إلى معرفته، وحتى لا يحصل الخَلْط فيه.

[33] ساقَه الحافظ ابن كثير في تفسيره من طريق أبي يعلى بسنده، ثم قال ابن كثير في آخره: قال أبو يعلى: وأظنُّه قال: فمَن طابَت نفسه، فليَفعل"؛ إسناده جيِّد قوي؛ تفسير ابن كثير الآية 20 من سورة النساء.

[34] مختصر جامع بيان العلم وفضله؛ لابن عبدالبر، ص (120).

[35] مختصر جامع بيان العلم وفضله، ص (119).

[36] تُحفة الأحوذي بشرح جامع الترمذي؛ للمباركفوري، باب البر والصِّلة، رقم 56، وانظر: قطوف من الشمائل المحمدية ص93؛ لمحمد جميل زينو، قال: ذكَره الزغبي مُحقِّق الشمائل المحمدية.

[37] إحياء علوم الدين (3 / 203).

[38] مختصر الشمائل المحمدية، وقال عنه الألباني: صحيح، ص 126.

[39] مختصر الشمائل المحمدية، وقال عنه الألباني: صحيح، ص 127.

[40] أي: طلَب منه أن يَحمله على دابَّة.

[41] مختصر الشمائل المحمدية، وقال عنه الألباني: صحيح، ص 126.

[42] عُدَّة الصابرين؛ لابن القيِّم الجوزية، ص 21.

[43]مُتفق عليه، قال النووي في رياض الصالحين (ص42): "والصُّرعة بضم الصاد وفتح الراء، وأصله عند العرب مَن يصرع الناس كثيرًا.

[44] رواه البخاري في الأدب، وفي مواضع من صحيحه، ومسلم في الزكاة، وأحمد في باقي مسند المكثرين، وابن ماجه في اللباس.

[45] مسلم بشرح النووي، حديث 1057.

[46] رواه البخاري في الأدب، وفي مواضع من صحيحه، ومسلم في الزكاة، وأحمد في مسند المُكثرين من الصحابة.

[47] إحياء علوم الدين؛ لأبي حامد الغزالي (3 / 262 - 263)، بتصرُّف يسير.

[48] انظر: البخاري 5764؛ ترقيم د. البغا، وأحمد 2552؛ ترقيم إحياء التراث، وأحمد 17524؛ ترقيم إحياء التراث، والتمهيد؛ لابن عبدالبر، (7 / 250).

[49] تيسير الكريم الرحمن؛ عبدالرحمن السعدي (7 / 135).

[50] رواه البخاري في كتاب الإيمان، ومسلم في الإيمان، وأحمد في مسند المُكثرين من الصحابة، والترمذي في الإيمان، والنسائي في تحريم الدم.

[51] فتح الباري، كتاب الإيمان، حديث رقم (48)، (1 / 135).

[52] رواه البخاري في كتاب الأدب، وأحمد في باقي مسند المُكثرين.


[53] البخاري؛ الأدب المفرد، وصحَّحه الألباني برقْم (320)، ومسلم في البِر والصِّلة، وأحمد في مسند القبائل، وأبو داود في الأدب.

[54] هذه النقولات من كتاب "فضل الله الصمد في توضيح الأدب المفرد"؛ لفضل الله الجيلاني، (1 / 409 -411).

[55] فتح القدير؛ محمد بن علي الشوكاني، (1 / 439).

[56] تفسير ابن سعدي، (1 / 445).

[57] ذكرَه الشوكاني في تفسيره،وصدَّره بقوله: قال السيوطي بسندٍ حسن عن ابن عباس، ثم ساق الحديث؛ فتح القدير، (1 / 440 - 441).







__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
 


الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1)
 
أدوات الموضوع
انواع عرض الموضوع

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع


 


الاحد 20 من مارس 2011 , الساعة الان 01:21:21 صباحاً.

Powered by vBulletin V3.8.5. Copyright © 2005 - 2013, By Ali Madkour

[حجم الصفحة الأصلي: 209.38 كيلو بايت... الحجم بعد الضغط 207.70 كيلو بايت... تم توفير 1.68 كيلو بايت...بمعدل (0.80%)]