|
ملتقى القرآن الكريم والتفسير قسم يختص في تفسير وإعجاز القرآن الكريم وعلومه , بالإضافة الى قسم خاص لتحفيظ القرآن الكريم |
![]() |
|
أدوات الموضوع | انواع عرض الموضوع |
|
#1
|
||||
|
||||
![]() الشرك، فأعظم حقٌ لله تعالى هو التوحيد، وبالتالي فهدف السورة الدعوة إلى توحيد الله تبارك وتعالى، وهي بذلك تلتقي مع سورة الكهف قبلها، فسورة الكهف أيضاً ذكرت هذا الموضوع بوضوح حتى قال بعض المفسرين إن هدفها هو التوحيد أيضاً، لأنه في أولها ﴿ وَيُنذِرَ الَّذِينَ قَالُوا اتَّخَذَ اللَّهُ وَلَدًا ﴾، وبعدها بقليل ﴿ هَؤُلاءِ قَوْمُنَا اتَّخَذُوا مِنْ دُونِهِ آلِهَةً لَوْلا يَأْتُونَ عَلَيْهِمْ بِسُلْطَانٍ بَيِّنٍ ﴾، قومنا يتخذون آلهةً من دون الله بدون دليل ولا برهان، وتمضي الآيات إلى أن يختم الله سورة الكهف بقوله ﴿ قُلْ إِنَّمَا أَنَا بَشَرٌ مِثْلُكُمْ يُوحَى إِلَيَّ أَنَّمَا إِلَهُكُمْ إِلَهٌ وَاحِدٌ فَمَنْ كَانَ يَرْجُوا لِقَاءَ رَبِّهِ فَلْيَعْمَلْ عَمَلًا صَالِحًا وَلا يُشْرِكْ بِعِبَادَةِ رَبِّهِ أَحَدًا ﴾، خُتمت سورة الكهف بهذه الآية، وفي سورة مريم بعض الدلائل على هذا، وبعض المناقشات حول هذه القضية كما جاء في آخر سورة مريم. أيضاً بين سورة الكهف وسورة مريم مناسبةٌ أخرى وهي أنهما اشتركتا في ذكر بعض عجائب قدرة الله، فقصة أصحاب الكهف معروفة، ومعروفٌ عجب أمر الله فيها، وكذلك قصة الخضر مع موسى عليهما السلام، وقصة ذي القرنين أن يُمَكِّن الله بالأسباب لملكٍ من الملوك من الصالحين أن يطوف المشرق والمغرب، وأن يفعل هذه الأفعال العظيمة، كالسيد مثلاً سد يأجوج ومأجوج، الذي لا يستطيعه هؤلاء الرجال وتلك الأمة المفسدة الظالمة الطاغية يأجوج ومأجوج، إلى الآن لم يستطيعوا خرقه، وهذا من عجائب قدرة الله تعالى في خلقه، وفي سورة مريم رزق الله زكريا بولده يحيى عليهما السلام مع تخلف كل الأسباب التي تمهد للإنجاب، وذكر الله قصة عيسى وهي عجب العجاب، وفيها أعاجيب كثيرة، فمريم حملت من غير زواجٍ ولا زنا، وحملت على قول بعض العلماء حملاً على خلاف حمل النساء فكان حملاً سريعاً، وأنطق الله ولدها بمجرد ما وُلِد ﴿ فَنَادَاهَا مِنْ تَحْتِهَا أَلَّا تَحْزَنِي ﴾، لقد حزنت حين ولدت ولدها وتوقعت وتخيلت كيف تواجه به الناس، وماذا يقولون لها، فأصابها الحزن ﴿ قَالَتْ يَا لَيْتَنِي مِتُّ قَبْلَ هَذَا وَكُنتُ نَسْيًا مَنْسِيًّا ﴾ حين جاءها المخاض، فيناديها ولدها من تحتها أي من عنده رجليها، وهو وليدٌ للآن للحظة لكنه تكلم بقدرة الله فقال بما يطمئنها مما خافت منه ﴿ أَلَّا تَحْزَنِي قَدْ جَعَلَ رَبُّكِ تَحْتَكِ سَرِيًّا ﴾، هي في مكانٍ بعيد عن القوم، لم تتخير مكاناً معيناً فما كانت تعرف مكاناً إنما انطلقت بعيداً عنهم، المهم أن لا يراها أحد، فإذا هي في مكانٍ قفرٍ لا شيء فيه، لا طعام ولا شراب ولا علاج ولا دواء ولا شيء، ولا أحد من الناس، فتولى أمرها ربها عز وجل ونعم الرب، ونعمة الرعاية ﴿ قَدْ جَعَلَ رَبُّكِ تَحْتَكِ سَرِيًّا ﴾ أي تحت قدميك سرياً جدولاً من الماء، فجر الله لها ينبوعاً من الماء يجري، ﴿ وَهُزِّي إِلَيْكِ بِجِذْعِ النَّخْلَةِ ﴾ هل تستطيع؟ لا تستطيع والله، ولا أقوى الأقوياء من الناس أن يهز بجذع النخلة ليساقط رطباً ولكنها الأسباب، ولكنها خطوات التوكل على الله، ﴿ وَهُزِّي إِلَيْكِ بِجِذْعِ النَّخْلَةِ تُسَاقِطْ عَلَيْكِ رُطَبًا جَنِيًّا * فَكُلِي ﴾ أي من الرطب ﴿ وَاشْرَبِي ﴾ من هذا السري، ﴿ وَقَرِّي عَيْنًا ﴾ وقرار العين حين يتم المقصود، ما تخافين منه سنؤمنك منه، اطمئني واجعل عينك تقر وتنام وتهدأ، لا تتطلع لا تنتظر لا تتخيل ماذا سيكون، سيكون كل أمرٍ على أفضل ما يكون، وعلى أهدأ ما يكون، وسوف يكون لك ولولدك شأنٌ عظيم، ﴿ وَقَرِّي عَيْنًا فَإِمَّا تَرَيْنَ مِنَ الْبَشَرِ أَحَدًا فَقُولِي إِنِّي نَذَرْتُ لِلرَّحْمَنِ صَوْمًا فَلَنْ أُكَلِّمَ الْيَوْمَ إِنسِيًّا ﴾ لا تتكلمي ونتولى نحن الموقف، وهناك أتت به قومها تحمله ﴿ قَالُوا يَا مَرْيَمُ لَقَدْ جِئْتِ شَيْئًا فَرِيًّا *يَا أُخْتَ هَارُونَ مَا كَانَ أَبُوكِ امْرَأَ سَوْءٍ وَمَا كَانَتْ أُمُّكِ بَغِيًّا ﴾ أي من تشبهين؟ من تشبهين ووراء من تسيرين، أهلك أهلٌ طيبون، وهذه شهادة فخر لبيت عمران، ولآل عمران الذين اصطفاهم الله تعالى، لأن ناطق هذه الشهادة والمدلي بها هم اليهود الخبثاء الذين لا يحبون أحداً ولا يحبون أنفسهم، ومع ذلك يمدحون في عمران وامرأته حنة بنت فاقوذة عليهم رحمة الله، ﴿ مَا كَانَ أَبُوكِ امْرَأَ سَوْءٍ وَمَا كَانَتْ أُمُّكِ بَغِيًّا ﴾ وهي ممنوعة من الكلام ﴿ فَأَشَارَتْ إِلَيْهِ ﴾ أي كلموا هذا، كلموه اسألوه هو، أنا لا أدري من أين جاء ولا كذا، هو أدرى، هو أعلم ﴿ فَأَشَارَتْ إِلَيْهِ قَالُوا كَيْفَ نُكَلِّمُ مَنْ كَانَ فِي الْمَهْدِ صَبِيًّا ﴾ ظنوا أنها تسخر منهم فإذا به يُدهش الجميع بمنطق يعجز عنه الجميع ﴿ قَالَ إِنِّي عَبْدُ اللَّهِ ﴾ أول ما تكلم به عيسى، وليت من يدَّعون اتباعه يفطنون لهذه المقالة المعجزة، أول ما قال ﴿ قَالَ إِنِّي عَبْدُ اللَّهِ آتَانِيَ الْكِتَابَ وَجَعَلَنِي نَبِيًّا *وَجَعَلَنِي مُبَارَكًا أَيْنَ مَا كُنتُ وَأَوْصَانِي بِالصَّلاةِ وَالزَّكَاةِ مَا دُمْتُ حَيًّا ﴾، فالإسلام وغيره من الشرائع السابقة اتفقت جميعاً على الثوابت، الصلاة، والزكاة، بر الوالدين، حرمة الزنا، حرمة الربا، إباحة التعدد في الأزواج، حرمة كل ما فيه ضرر، إباحة كل ما فيه نفع، وجوب ما فيه حق، هذه ثوابت في كل شريعة ولكن غيّر الناس ما غيروا، ويريد المسلمون اليوم أن يغيروا وراء من غير، وأن يحرفوا مثل من حرفوا، وتلك طريق وعرة، تلك سبيل الهلاك، فاحذروا يا مسلمون أن تبدلوا في دين الله، احذروا أن تغيروا في تشريع الله عز وجل، ما استطعتم فاتوا به أو انتهوا عنه وما عجزتم عنه فاسألوا الله العذر، لكن أن تغيروا وأن تحلوا ما حرم الله وأن تحرموا ما أحل الله فتلك جريمةٌ لا يسكت الله عنها ولو لنبي، قال لخير النبيين وخاتمهم عليه الصلاة والسلام ﴿ يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ لِمَ تُحَرِّمُ مَا أَحَلَّ اللَّهُ لَكَ تَبْتَغِي مَرْضَاةَ أَزْوَاجِكَ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ ﴾. هذه هي المناسبة بين سورة الكهف وسورة مريم اشتملت على عجائب هنا وهنا، واشتملت على أحق حقٍ لله على العبيد، وهو حق التوحيد فاعتصموا به، وتمسكوا به ولا تبرحوه ولا تتركوه. أقول قولي هذا واستغفر الله تعالى لي ولكم دائماً وأبداً، فاستغفروه إنه هو الغفور الرحيم. ♦♦ ♦♦ ♦♦ الحمد لله وحده، والصلاة والسلام على من لا نبي بعده، أما بعد فأوصيكم عباد الله بتقوى الله العظيم ولزوم طاعته، وأحذركم ونفسي عن عصيانه تعالى ومخالفة أمره، فهو القائل سبحانه وتعالى ﴿مَنْ عَمِلَ صَالِحًا فَلِنَفْسِهِ وَمَنْ أَسَاءَ فَعَلَيْهَا وَمَا رَبُّكَ بِظَلَّامٍ لِلْعَبِيدِ﴾، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن نبينا محمداً عبد الله ورسوله، اللهم صل على محمد النبي وأزواجه أمهات المؤمنين، وذريته وأهل بيته، كما صليت على آل إبراهيم إنك حميد مجيد. أما بعد: أيها الإخوة الأحباب، فتلكم هي سورة مريم، سورةٌ مكية نزلت قبل الهجرة تحمل العقيدة الإسلامية ككل السورة المكية، بينما تركز تركيزاً عظيماً على حق الله ووحدانية الله سبحانه وتعالى لألا تشركوا بالله شيئاً، وهي سورةٌ تهدف إلى هذا الغرض السامي، وهي متناسبةٌ مع السورة التي قبلها والسورة التي بعدها كما سيتبين فيما هو آتٍ إن شاء الله تعالى. لكني فوق ما ذكرت في سورة مريم ألمح فيها لمحةً وأرى أن هذه اللمحة وهذا الدرس وتلك العبرة من سورة مريم نحتاجها في واقعنا اليوم احتياجاً عظيماً جداً، وذلك أن بعض الناس من الآباء والأمهات وعلى مقياسهم ومنوالهم من كان في سنهم من الناس الكبار، يأنف الكبراء أن توجه إليهم نصيحة ممن كانوا أدنى منهم في العمر أو في الرتبة أو في المقام الدنيوي، فربما لا يقبل الوالدان نصيحةً من ولدهما، كيف تكون ولدنا وتنصحنا وتعلمنا، هل انقلبت الآية؟! لم تنقلب والحمد لله ولكن هذا هو القائم، هذا هو القدر، قد لا يقبل الزوج نصيحةً من زوجته، أنا الذي أقول، أنا الذي آمر وأنهى هنا، أنت تقولين كذلك أنت تعلمينني أنت.. أنت؟ نعم هي تعلمك لا مانع، قد لا يقبل الكبير في السن أو في الرتبة الدنيوية نصحاً أو موعظةً من صغيرٍ عنه في السن أو في المقام الدنيوي أيضاً، هذا خطأ والسورة تخطئه حينما تعرض لنا نموذجاً من زكريا وابنه يحيى عليهما السلام، الاثنان نبيان ولكن يقول الله في يحيى ما لم يقله في زكريا عليهما سلام الله ﴿ يَا زَكَرِيَّا إِنَّا نُبَشِّرُكَ بِغُلامٍ اسْمُهُ يَحْيَى لَمْ نَجْعَلْ لَهُ مِنْ قَبْلُ سَمِيًّا ﴾ ليس له شبيه، لم يأت مثله في الأبناء، لم يقل مثل هذا في أبيه زكريا ﴿ فَنَادَتْهُ الْمَلائِكَةُ وَهُوَ قَائِمٌ يُصَلِّي فِي الْمِحْرَابِ أَنَّ اللَّهَ يُبَشِّرُكَ بِيَحْيَى مُصَدِّقًا بِكَلِمَةٍ مِنَ اللَّهِ وَسَيِّدًا وَحَصُورًا وَنَبِيًّا مِنَ الصَّالِحِينَ ﴾، زاد الله في وصف يحيى ما لم يقله في زكريا عليه السلام، وقولا في "حصور" أي أنه لا يخطئ ولا يذنب، فقد عصمه الله تعالى وحصره في طاعته، وقيل غير ذلك، وتأتي مريم وكانت ذات مقامٍ رفيعٍ عند الله تعالى أرفع من مقام أبيها وأمها الصالحين، فكان رحمها وعاءً لآية الله دون رحم أمها أو جدتها أو من كان قبل ذلك، فهذه ميزةً لمريم وهي بنت، ثم يأتي منها عيسى الذي يزيد عنها في الفضل، فقد فضل عيسى على أمه وعلى جده وعلى جدته، فكان آيةً لله، وكان نبياً، كان رسولاً، وأُنزل عليه الإنجيل الذي هو تتمةٌ لكتاب التوراة، وكان ختاماً لأنبياء بني إسرائيل عليهم جميعاً السلام، وبعد ذلك يأتي إبراهيم عليه السلام وقد آتاه الله الرشد من قبل النبوة، ثم آتاه النبوية بعد ذلك وظل أبوه في ضلاله وغيه، وأخذ ينصح أباه فلم يقبل منه أبوه النصح، حتى أمره أن يتركه وينصرف أن يعتزلنا، قال له بتهديد ﴿ لَئِنْ لَمْ تَنتَهِ لَأَرْجُمَنَّكَ ﴾ يا إبراهيم، يقول لإبراهيم ﴿ لَئِنْ لَمْ تَنتَهِ لَأَرْجُمَنَّكَ وَاهْجُرْنِي مَلِيًّا ﴾ اتركني وانصرف، كما يقولها البعض اليوم ولكن لغة القرآن عالية، لغة القرآن سامية، لكن في كلام الناس يقول الوالد للولد: لا انت ابني ولا أنا أعرفك، لا انت ابني ولا أنا أبوك، تبرؤ كامل، قالها أبو إبراهيم مع أنه رأى قبل ذلك موقفاً حين قام الكافرون المشركون ليحرقوا إبراهيم في نارهم، فنظر أبوه مع القوم فوجدوا إبراهيم في وسط النار لا يتألم ولا يتأوه ولا يصرخ ولا يستغيث، وكأنما يعيش في جوٍ مكيفٍ طبيعي جميل لطيف لا يشعر بشيء، وذلك أنه قال: حسبي الله ونعم الوكيل[15]، فقال الله ﴿ يَا نَارُ كُونِي بَرْدًا وَسَلامًا عَلَى إِبْرَاهِيمَ ﴾ فكانت كذلك، فلم يروا منه شيئاً من الضيق ولا الحرج، جالس عادي، قال أبو إبراهيم الذي هو آزر نعم الرب ربك يا إبراهيم، والله ما في رب مثل ربك يا إبراهيم، ما هذا ما هذه العظمة، إذاً آمن؟ لا ظل على كفره، كما ظل على كفره أبو طالب عم النبي صلى الله عليه وسلم وهو في مقام أبيه، رأى من ابن أخيه عليه الصلاة والسلام عجباً وإعجازاً وحقاً وصدقاً ويعلم صدقه، ولكن ظل على دين آباءه وأجداه حتى لحظات الموت ومات عليها، ومات على هذه الملة الخاسرة خشية أن يقول الناس: إن أبا طالب ضعف عند موته، ومات أبو إبراهيم على كفره وهو من أهل النار، ومات أبو طالب على كفره وهو من أهل النار[16]، وهكذا. لماذا نعاند مع أولادنا، مرحباً والله بنصيحة تأتينا ولو من شيطان، وقد أقر النبي صلى الله عليه وسلم ذلك حين قال شيطانٌ لأبي هريرة ليفلته وليعفو عنه: أدلك على شيءٍ وتتركني؟ قال: نعم، قال: إذا أتيت مضجعك فاقرأ آية الكرسي لا يقربك شيطانٌ حتى تصبح، فتركه وفاءً بالعهد، وفي الصباح قال النبي عليه الصلاة والسلام لأبي هريرة: -وكان حارساً على مال الزكاة- قال له: ما فعلت بأسيرك الليلة؟ قال: قال كذا وكذا فتركته، قال عليه الصلاة والسلام: "صَدَقَك وهو كذوب"[17]، فأقر النبي عليه الصلاة والسلام نصيحة الشيطان، ونحن نعمل بذلك الآن لكن لا نعمل بنصيحة الشيطان إنما نعمل بإقرار النبي العدنان، صلى الله عليه وسلم، فلا نأخذ ديننا من هنا أو هناك، إنما مصدر الدين معروف قرآنٌ وسنة، لكن قبل أن تكون سنة، الشيطان هو الذي قالها، لم يرفضها النبي عليه الصلاة والسلام لأنها من شيطان، لا، طالما جاءني الحق والخير من أي إنسان أقبله، ويا فرحتي ويا سعادتي نعم السعادة والله حين يقوم ولدي وينصحني، الحمد لله الذي أخرجه هكذا، جعله ناصحاً، الحمد لله أن كانت زوجتي على وعي وعلى دراية بالحق والباطل والخير والشر فقامت تنصحني وتقول لي: اتق الله، أرحب بهذا القول وأكافئها بالخير على هذه النصيحة، ولو نصحني صغيرٌ آخر ليس من أولادي أشكره على ذلك، الحمد لله أن كان أولاد المسلمين بهذا الشكل، فهو عند الله - وينبغي أن يكون عندي أيضاً - خيرٌ من ملء الأرض من شباب يتسكع هنا أو يسرح هناك بدون هدف ولا غاية، شاب صغير ويقول له: يا عم ما تفعل كذا، ما ينبغي أن تدخن سجائر يا عم، السجائر تتعبنا، والله نعم الولد ونعم النصيحة، وهو إن لم يكن ولدي فهو من أولاد المسلمين ونحن جميعاً إخوة فهذا ابني أو ابن أخي ليس غريباً عني، فلا نضجر ولا نكره النصح حينما يأتي ممن هو أصغر منا أو أقل منا، كذلك العكس يا شباب اليوم، يا من تزعمون أن آباءكم وأمهاتكم دَقَّةٌ قديمة وموضة فائتة، ولا يعرفون اليوم ولا عن اليوم شيئاً فلا يفهمون في المحمول ولا يفهمون في الكمبيوتر ولا يفهمون في الآليات الحديث، فإنهم قومٌ متخلفون وأنتم الوجه الجديد، أنتم أصحاب القرن العشرين والواحد والعشرين التقدم والحضارة، إياكم أن تظنوا هذا، اعلموا أن الأصول عند آبائكم، اعلموا أن الخير في آبائكم وأمهاتكم، اعلموا أنهم أهل علمٍ فطريّ، أهل دين، أهل مبادئ، أهل قيَم، فاحترم أيها الولد أباك وأمك، احترمي أيتها الفتاة أباك وأمك، وخذوا منهما النصيحة والموعظة واطلبوا البركة في طاعتهما في طاعة الله، فإن بر الوالدين يمتد إلى طاعتهما في الطاعة والخير، يمتد إلى أخذ مشورتهما، فهم أخبر منا بالحياة، وأقدم منا فيها، وأكثر منا سماعاً وعلماً، لا مانع أن ينصحني أبي، أن يوجهني أبي، طالما كانت النصيحة في طاعة الله، أو في طاعة رسول الله صلى الله عليه وسلم فمرحباً بها ونِعِمَّ بها، لكن إذا خرج الوالد أو الولد عن طاعة الله في نصحهما، أبي ينصحني أن لا أعتاد المساجد، زوج المرأة يأمرها أن لا تذهب للخير، أن لا تفعل الخير، أن لا تلبس الحجاب، فهذا لا طاعة لمخلوق في معصية الخالق[18]، فتقبلوا النصح من بعضكم ولابد أن نكون هكذا حتى نكون كخلية النحل، الكل يساعد بعضه ﴿ وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ يَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنكَرِ ﴾، وقال النبي صلى الله عليه وسلم: "المؤمن للمؤمن كالبنيان المرصوص يشد بعضه بعضًا"، وشبك النبي صلى الله عليه وسلم أصابعه، إشارةً إلى رمز القوة[19]. هذه لمحةٌ في السورة ألحظها، وإن المؤمن ينبغي أن يقرأ القرآن وأن يستفيد به في حياته الدنيا، وفي حياة دينه، لينعم بذلك في آخرته. نسأل الله تبارك وتعالى أن يٌبصِّرنا وإياكم بالخير، اللهم إنا نسألك الهدى والتقى والعفاف والغنى، اللهم وفقنا لما تحب وترضى، ربنا تقبل منا إنك أنت السميع العليم، وتب علينا إنك أنت التواب الرحيم، اللهم اغفر للمسلمين والمسلمات، والمؤمنين والمؤمنات، الأحياء منهم والأموات، إنك سميعٌ قريبٌ مجيب الدعوات ورافع الدرجات، اللهم مكن لنا ديننا الذي ارتضيت لنا، اللهم مكن لنا ديننا الذي ارتضيت لنا، اللهم مكن لنا ديننا الذي ارتضيت لنا، امنع عنا يا ربنا مقالة السوء، وعافنا من قائلي السوء، اللهم عافنا واعف عنا يا رب العالمين من أن نغير في دينك، أو نحرف في كتابك، أو نبدل في آياتك، أو نعدل في سنة نبيك عليه الصلاة والسلام، اللهم اجعلنا من المؤمنين الملتزمين بالحق، التابعين للخير، الفاعلين للصالحات، إنك على كل شيءٍ قدير، اجعل اللهم خير أعمالنا خواتمها وخير أعمالنا أواخرها، وأوسع أرزاقنا عند كبر سننا، وخير أيامنا يوم نلقاك يا أرحم الراحمين. عباد الله: ﴿ إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالإِحْسَانِ وَإِيتَاءِ ذِي الْقُرْبَى وَيَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنكَرِ وَالْبَغْيِ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ ﴾، اذكروا الله يذكركم، واستغفروه لذنوبكم يغفر لكم.. وأقم الصلاة. [1] المصباح المنير (1/ 249)، مختار الصحاح (ص133). [2] السيرة النبوية، لابن هشام: (1/ 397). [3] أخرجه أحمد (1740)، وحسنه الأرناءوط. [4] لم أقف عليه. [5] أخرجه البخاري (1333)، ( 3877). [6] الصحابي من لقي النبي صلى الله عليه وسلم مؤمنًا به، ومات على الإسلام، انظر: الإصابة (1/ 2،3). [7] هي مكية عند الجمهور، وعن مقاتل: أن آية السجدة مدنية، ولا يستقيم هذا القول لاتصال تلك الآية بالآيات قبلها إلا أن تكون ألحقت بها في النزول وهو بعيد، وذكر السيوطي في الإتقان قولًا بأن قوله تعالى: ﴿ وَإِنْ مِنْكُمْ إِلَّا وَارِدُهَا ﴾ [مريم: 71] الآية؛ مدني، ولم يعزه لقائل". أهـ التحرير والتنوير: (17/ 56-58). [8] انظر: التحرير والتنوير: (17/ 58). [9] انظر: تفسير ابن كثير (3/ 117). [10] انظر: جامع البيان (3/ 234)، البداية والنهاية (1/ 438)، فتح الباري (6/ 68). [11] قال الإمام أبو السعود في تفسيره (2/ 27): "وأما قوله عليه الصلاة والسلام في شأن يحيى وعيسى عليهما الصلاة والسلام هما (ابنا خالة) قيل: تأويله أن الأخت كثيرًا ما تطلق على بنت الأخت، وبهذا الاعتبار جعلهما عليهما الصلاة والسلام ابني خالة". [12] رواه الترمذي (3491)، وصححه ابن القيم وحسنه الألباني، وانظر: شرح الأربعين النووية، لابن دقيق العيد: (131)، شرح الأربعين النووية، لابن العطار: (192). [13] تفسير الطبري (24/ 310). [14] أخرجه البخاري (3059)، ومسلم (3352). [15] أخرجه البخاري (4563). [16] أخرجه البخاري (1294)، ومسلم (24). [17] أخرجه البخاري (2311). [18] أخرجه أحمد (20672)، والحاكم (5870) وقال: صحيح الإسناد، والطبرانى (367)، وصححه الألباني في صحيح الجامع (7520). [19]أخرجه البخاري (2314)، ومسلم (2585).
__________________
|
![]() |
الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1) | |
أدوات الموضوع | |
انواع عرض الموضوع | |
|
|
|
Powered by vBulletin V3.8.5. Copyright © 2005 - 2013, By Ali Madkour |