طُوبَى لِمَنْ هُدِيَ إِلَى الْإِسْلَامِ - ملتقى الشفاء الإسلامي

 

اخر عشرة مواضيع :         تفسير جامع البيان عن تأويل آي القرآن للإمام الطبري .....متجدد (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 1161 - عددالزوار : 130529 )           »          3 مراحل لانفصام الشخصية وأهم أعراضها (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 7 )           »          متلازمة الشاشات الإلكترونية: كل ما تود معرفته (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 6 )           »          ما هي أسباب التعرق الزائد؟ (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 6 )           »          أضرار الوجبات السريعة على الأطفال: عواقب يُمكنك تجنبها (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 5 )           »          الوقاية من القمل بالقرنفل: أهم الخطوات والنصائح (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 7 )           »          علاج جفاف المهبل: حلول طبيّة وطبيعية (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 7 )           »          الوقاية من القمل في المدارس: دليل شامل للأهل والمعلم! (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 7 )           »          الوقاية من التهاب الكبد: 9 خطوات بسيطة لصحة أفضل! (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 6 )           »          الوقاية من الجلطات: دليلك الشامل لصحة أفضل! (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 6 )           »         

العودة   ملتقى الشفاء الإسلامي > قسم العلوم الاسلامية > ملتقى الجالية المسلمة - Muslim non-arabic
التسجيل التعليمـــات التقويم

ملتقى الجالية المسلمة - Muslim non-arabic قسم يهتم بتوعية الجالية المسلمة وتثقيفهم علمياً ودعوياً مما يساعدهم في دعوة غير المسلمين الى الاسلام

 
 
أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
Prev المشاركة السابقة   المشاركة التالية Next
  #1  
قديم 16-11-2020, 09:20 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم متصل الآن
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 157,844
الدولة : Egypt
افتراضي طُوبَى لِمَنْ هُدِيَ إِلَى الْإِسْلَامِ

طُوبَى لِمَنْ هُدِيَ إِلَى الْإِسْلَامِ
محمود محمدى العجوانى


بسم الله الرحمن الرحيم
إِنَّ الْحَمْدَ لِلَّهِ نَسْتَعِينُهُ وَنَسْتَغْفِرُه ُ وَنَعُوذُ بِاللَّهِ مِنْ شُرُورِ أَنْفُسِنَا وَسَيِّئَاتِ أَعْمَالِنَا فَمَنْ يَهْدِهِ اللَّهُ فَلَا مُضِلَّ لَهُ وَمَنْ يُضْلِلْ فَلَا هَادِيَ لَهُ وَأَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ
{ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلا تَمُوتُنَّ إِلاَّ وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ }[ آل عمران : 102]. { يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالاً كَثِيراً وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللهَ الَّذِي تَسَاءلُونَ بِهِ وَالأرْحَامَ إِنَّ اللهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيباً } ] النساء : 1] . { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللهَ وَقُولُوا قَوْلاً سَدِيداً يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزاً عَظِيماً } ]الأحزاب : 70-71 ]
" أما بعدُ؛ فإن أصدقَ الحديثِ كتابُ اللّه، وأحسنَ الهديِ هديُ محمدٍ صلى الله عليه وسلم ، وشر الأمورِ محدثاتها، وكلَّ محدثةٍ بدعةٌ ، وكل بدعة ضلالةٌ ، وكل ضلالةٍ في النار "
إخوة الإسلام
* عَنْ فَضَالَةَ بْنِ عُبَيْدٍ أَنَّهُ سَمِعَ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ : طُوبَى لِمَنْ هُدِيَ إِلَى الْإِسْلَامِ وَكَانَ عَيْشُهُ كَفَافًا وَقَنَعَ . [1]
* وعَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ قَدْ أَفْلَحَ مَنْ أَسْلَمَ وَرُزِقَ كَفَافًا وَقَنَّعَهُ اللَّهُ بِمَا آتَاهُ . [2]
إخوة الإسلام
1- الحياة الطيبة فى دين الإسلام وحده
إن الله عز وجل قد أنعم علينا بنعم كثيرة ظاهرة وباطنة لا تعد ولا تحصى كما أخبر بذلك ربنا جل وعلا فقال :{ وَآتَاكُمْ مِنْ كُلِّ مَا سَأَلْتُمُوهُ وَإِنْ تَعُدُّوا نِعْمَةَ اللَّهِ لا تُحْصُوهَا إِنَّ الإنْسَانَ لَظَلُومٌ كَفَّارٌ } ولكن النعم كلها فى حال وجودها لها نفع محدود وقد توجد النعمة ولا ينتفع بها الإنسان كمن عنده المال ولا توجد السلع فى الأسواق فلا تستطيع أموال الدنيا كلها أن تصنع له حبة قمح واحدة وكمن عنده جميع أنواع الطعام والشراب ولا يستطيع أن يتناول أى شئ منها لمرضه وتحذير الأطباء له بعدم تناولها .
وهذه النعم نفعها فى الدنيا فقط فإذا مات الإنسان إنقطعت عنه منافع هذه النعم .
ولكن الله عز وجل امتن علينا بنعمة غالية نفعها فى الدنيا موجود ونفعها أيضا بعد الموت ممدود ألا
وهى نعمة الإسلام .
فالإسلام ليس للآخرة فقط ولكنه للدنيا قبل الآخرة . لأن الله عز وجل الذى خلق عباده ويعلم جل جلاله أنهم يحبون العاجلة فجعل لهم بعض المنافع العاجلة فى هذه الدنيا إذا أقاموا دينه حتى تطمئن قلوبهم على موعود الله فى الآخرة فيقبلوا على إقامة دين الله فى الدنيا .
فالذى يقيم دين الله فى الدنيا كما أمر الله يتحصل على منافع هذا الدين فى هذه الدنيا مع ما يدخره له الله عز وجل من النعيم المقيم فى الآخرة لذا قال النبى صلى الله عليه وسلم : طُوبَى لِمَنْ هُدِيَ إِلَى الْإِسْلَامِ وَكَانَ عَيْشُهُ كَفَافًا وَقَنَعَ .
أى له الحياة الطيبة فى الدنيا والآخرة .
فيامن تريد الحياة الطيبة لن تتحصل عليها إلا بالإسلام إعتقاداً وتعلُماً وعملاً ودعوةً وتبليغاً .
فلن تطيب حياتنا إلا بنعمة الإسلام كما أخبرنا بذلك ربنا تبارك وتعالى فقال :
{ مَنْ عَمِلَ صَالِحًا مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّ هُ حَيَاةً طَيِّبَةً وَلَنَجْزِيَنَّ هُمْ أَجْرَهُمْ بِأَحْسَنِ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ }
فهذا وعدمن الله عز وجل أن من عمل صالحا والعمل الصالح هو الموافق لكتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم من ذكر أو أنثى وقلبه مطمئن بالإيمان وهو مؤمن بالله وحده لا شريك فى ربوبيته وألوهيته وأسمائه وصفاته بأن يحييه الله حياة طيبة فى الدنيا وأن يجزيه فى الآخرة بأحسن ما عمل فى الدنيا .وإذا جُوزى الإنسان بأحسن عمله فى الآخرة طابت حياته فى الجنة . ففى الجنة حياة لاموت فيها ولا مرض فيها ولا حزن فيها ولا شقاء فيها ولا أرق فيها ولا غم فيها ولاهم فيها . فهى حياة أبدا وصحة أبدا وسرور أبدا وشباب أبدا وراحة أبدا ونعيم أبدا .
* فعَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ وَأَبِي هُرَيْرَةَ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ :إذَا دَخَلَ أهْلُ الجَنَّةِ الجَنَّةَ يُنَادِي مُنَادٍ : إِنَّ لَكُمْ أَنْ تَصِحُّوا فَلَا تَسْقَمُوا أَبَدًا وَإِنَّ لَكُمْ أَنْ تَحْيَوْا فَلَا تَمُوتُوا أَبَدًا وَإِنَّ لَكُمْ أَنْ تَشِبُّوا فَلَا تَهْرَمُوا أَبَدًا وَإِنَّ لَكُمْ أَنْ تَنْعَمُوا فَلَا تَبْأَسُوا أَبَدًا فَذَلِكَ قَوْلُهُ عَزَّ وَجَلَّ{ وَنُودُوا أَنْ تِلْكُمْ الْجَنَّةُ أُورِثْتُمُوهَا بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ }[3]
فالذى يتحصل على الإيمان والأعمال الصالحلة يحيا فى جنة فى الدنيا والآخرة فهى جنة فى الدنيا وجنان فى الآخرة .
جنة الطاعات فى الدنيا وجنان رب الأرض والسموات فى الآخرة .
فالذى ذاق لذة الطاعات بالأعمال الصالحات لا ينشغل بالشهوات والذى فقد لذة الطاعات انشغل بطلبها فى الشهوات فضاعت منه جنان الدنيا وجنة الآخرة بعد الممات .
فهو دين الله من أقامه تحصل على موعود الله ومن ضيعه خسر الدنيا والآخرة .
** فعن الزهري قال : قدمت على عبد الملك بن مروان فقال : من أين قدمت يا زهري ؟ قلت :
من مكة . قال : فمن خلفت بها يسود أهلها ؟ قلت : عطاء بن أبي رباح . قال : فمن العرب أم من الموالي [4] ؟ قال : قلت : من الموالي . قال : وبم سادهم ؟ قلت : بالديانة والرواية . قال : إن أهل الديانة الرواية لينبغي أن يسودوا.
قال : فمن يسود أهل اليمن ؟ قال : قلت : طاووس بن كيسان . قال : فمن العرب أم من الموالي .
قال : قلت : من الموالي . قال: وبم سادهم ؟ قلت : بما سادهم به عطاء . قال : إنه لينبغي .
قال : فمن يسود أهل مصر ؟ قال : قلت : يزيد بن أبي حبيب . قال : فمن العرب أم من الموالي ؟ قال : قلت : من الموالي .
قال: فمن يسود أهل الشام ؟ قال : قلت : مكحول . قال : فمن العرب أم من الموالي ؟ قال : قلت : من الموالي عبد نوبي أعتقته امرأة من هذيل .
قال: فمن يسود أهل الجزيرة؟ قلت: ميمون بن مهران. قال: فمن العرب أم من الموالي؟ قال: قلت: من الموالي.
قال: فمن يسود أهل خراسان؟ قال: قلت: الضحاك بن مزاحم. قال: فمن العرب أم من الموالي؟ قال: قلت: من الموالي.
قال: فمن يسود أهل البصرة؟ قال : قلت : الحسن بن أبي الحسن . قال : فمن العرب أم من الموالي؟ قال : قلت: من الموالي.
قال : ويلك فمن يسود أهل الكوفة ؟ قال : قلت : إِبْرَاهِيمُ النَّخَعِيُّ . قال: فمن العرب أم من الموالي؟ قال : قلت: من العرب.[5]
قال: ويلك يا زهري فرجت عني والله لتسودن الموالي على العرب حتى يخطب لها على المنابر والعرب تحتها . قال : قلت : يا أمير المؤمنين ؟ إنما هو أمر الله ودينه من حفظه ساد ومن ضيعه سقط .
** وعَنْ عَامِرِ بْنِ وَاثِلَةَ أَنَّ نَافِعَ بْنَ عَبْدِ الْحَارِثِ لَقِيَ عُمَرَ بِعُسْفَانَ وَكَانَ عُمَرُ يَسْتَعْمِلُهُ عَلَى مَكَّةَ فَقَالَ : مَنْ اسْتَعْمَلْتَ عَلَى أَهْلِ الْوَادِي ؟ فَقَالَ : ابْنَ أَبْزَى . قَالَ : وَمَنْ ابْنُ أَبْزَى ؟ قَالَ : مَوْلًى مِنْ مَوَالِينَا . قَالَ : فَاسْتَخْلَفْتَ عَلَيْهِمْ مَوْلًى ؟ قَالَ : إِنَّهُ قَارِئٌ لِكِتَابِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ وَإِنَّهُ عَالِمٌ بِالْفَرَائِضِ .
قَالَ عُمَرُ : أَمَا إِنَّ نَبِيَّكُمْ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَدْ قَالَ : إِنَّ اللَّهَ يَرْفَعُ بِهَذَا الْكِتَابِ أَقْوَامًا وَيَضَعُ بِهِ آخَرِينَ .[6]
2- الحياة الطيبة فى ذكر الله تعالى
قال ابن القيم رحمه الله : "حضرتُ شيخَ الإسلام ابنَ تيمية مرَّةً صلّى الفجرَ، ثم جلس يذكرُ اللهَ تعالى إلى قريب من انتصاف النهار، ثم التفتَ إليَّ وقال: هذه غَدْوَتِي [7]، ولو لَم أتغذَّ هذا الغِذاءَ سقطت قوَّتِي، أو كلاماً قريباً من هذا"
وقال لي مرة : لا أترك الذكر إلا بنية إجمام نفسي وإراحتها لأستعد بتلك الراحة لذكر آخر . [8]
وكان ابن تيمية يقول في محبسه في القلعة : لوبَذَلْتُ لهم ملء هذه القلعة ذهبا، ما عدل عندي شكر هذه النعمة، أو قال : ما جزيتهم على ما تسببوا لي فيه من الخير، ونحو هذا .
وكان يقول في سجوده وهو محبوس : (( اللهم أعني على ذكرك وشكرك وحسن عبادتك ))
ولما دخل إلى القلعة وصار داخل سورها نظر إليه وقال : { فَضُرِبَ بَيْنَهُم بِسُورٍ لَّهُ بَابٌ بَاطِنُهُ فِيهِ الرَّحْمَةُ وَظَاهِرُهُ مِن قِبَلِهِ الْعَذَابُ } . [الحديد: 13][9]
جاء فى كتاب إصلاح القلوب [10]
اعْلَم - أَصْلَحَ اللّه قَلْبَكَ - بِأَنَّ لِذِكْرِ اللّهِ آثَارًا جَلِيلَةً عَلَى القَلْبِ، مِنْهَا:
أ- شِفَاءُ القَلْبِ: ذِكْرُ اللّه تَعَالَى دَوَاءُ القَلْبِ، وَالغَفْلَةُ مَرَضُهُ، فَالقُلُوبُ مَرِيضَةٌ، وَشِفَاؤُهَا فِي ذِكْرِ اللّه تَعَالَى.
كَمَا قِيلَ:
إِذَا مَرِضْنَا تَدَاوَيْنَا بِذِكْرِكُمُ ... فَنَتْرُكَ الذِّكْرَ أَحْيَانًا فَنَنْتَكِسُ .
ب- جَلَاءُ القَلْبِ: وَذِكْرُ اللّه يُورِثُ جَلَاءَ القَلْبِ مِنْ صَدَئِهِ. «وَلَا رَيْبَ أَنَّ القَلْبَ يَصْدَأُ كَمَا يَصْدَأُ النُّحَاسُ وَالفِضَّةُ وَغَيْرُهُمَا، وَجَلَاؤُهُ بِالذِّكْرِ، فَإِنَّهُ يَجْلُوهُ حَتَّى يَدَعَهُ كَالمِرْآةِ البَيضَاءِ؛ فَإِذَا تَرَكَ الذِّكْرَ صَدِىءَ، فَإِذَا ذَكَرَ جَلَاهُ.
وَصَدَأُ القَلْبِ بِأَمْرَيْنِ: بِالغَفْلَةِ وَالذَّنْبِ، وَجَلَاؤُهُ بِشَيْئَيْنِ: بِالاسْتِغْفَار ِ وَالذِّكْرِ».
ج- حَيَاةُ القَلْبِ: حياةُ القلبِ بدوامِ الذِّكرِ، لا حَيَاةَ لَهُ بِدُونِ ذَلِكَ أبداً. فَإِنَّهُ «لِلقَلْبِ مِثْلُ المَاءِ لِلسَّمَكِ، فَكَيْفَ يَكُونُ حَالُ السَّمَكِ إِذَا فَارَقَ المَاءَ؟!».
بَلْ إِنَّ القُلُوبَ المَيِّتَةَ تَحْيَى بِالذِّكْرِ، كَمَا تَحْيَى الأَرْضُ المَيِّتَةُ بِالقَطْرِ.
وَالذِّكْرُ فِيهِ حَيَاةُ القُلُوبِ كَمَا ... يُحْيِي البِلَادَ إِذَا مَا مَاتَتِ المَطَرُ
وَالقَلْبُ الذَّاكِرُ كَالحَيِّ فِي بُيُوتِ الأَحْيَاءِ، وَالغَافِلُ كَالمَيِّتِ فِي بِيُوتِ الأَمْوَاتِ. وَلَا رَيْبَ أَنَّ أَبْدَانَ الغَافِلِينَ قُبُورٌ لِقُلُوبِهِم، وَقُلُوبُهُم فِيهَا كَالأَمْوَاتِ فِي القُبُورِ، كَمَا قِيلَ:
فَنِسْيَانُ ذِكْرِ اللّه مَوْتُ قُلُوبِهِمُ ... وَأَجْسَامُهُم قَبْلَ القُبُورِ قُبُورُ
وأرواحهم في وحشة من جسومهم ... وليس لهم حتى النشور نشور
«فَإِنَّ أَبْدَانَهُم قُبُورٌ لِقُلُوبِهِم، فَقَدْ مَاتَتْ قُلُوبُهُم، وَقُبِرَتْ فِي أَبْدَانِهِم».
عَنْ أَبِي مُوسَى رَضِيَ اللّه عَنْهُ قَالَ: قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللّه عَلَيهِ وَسَلَّمَ: «مَثَلُ الَّذِي يَذْكُرُ رَبَّهُ وَالَّذِي لَا يَذْكُرُ رَبَّهُ، مَثَلُ الحَيِّ وَالمَيِّتِ» .[11]
فَحَقِيقٌ بِالعَبْدِ أَنْ يُنْزِلَ ذِكْرَ اللّه مِنْهُ، «مَنْزِلَةَ حَيَاتِهِ الَّتِي لَا غِنَى لَهُ عَنْهَا، وَمَنْزِلَةَ غِذَائِهِ الَّذِي إِذَا فَقَدَهُ فَسَدَ جِسْمُهُ وَهَلَكَ، وَبِمَنْزِلَةِ المَاءِ عِنْدَ شِدَّةِ العَطَشِ، وَبِمَنْزِلَةِ اللِّبَاسِ فِي الحَرِّ وَالبَرْدِ».
د- رِقَّةُ القَلْبِ : اعْلَم بِأَنَّ «فِي القَلْبِ قَسْوَةً لَا يُذِيبُهَا إِلَّا ذِكْرُ اللّه تَعَالَى، فَيَنْبَغِي لِلْعَبْدِ أَنْ يُدَاوِيَ قَسْوَةَ قَلْبِهِ بِذِكْرِ اللّه تَعَالَى؛ لأَنَّ القَلْبَ كُلَّمَا اشْتَدَّتْ بِهِ الغَفْلَةُ، اشْتَدَّت بِهِ القَسْوَةُ، فَإِذَا ذَكَرَ اللّهَ تَعَالَى، ذَابَتْ تِلَكَ القَسْوَةُ كَمَا يَذُوبُ الرَّصَاصُ فِي النَّارِ، فَمَا أُذِيبَتْ قَسْوَةُ القُلُوبِ بِمِثْلِ ذِكْرِ اللّهِ عَزَّ وَجَلَّ» .
وشكا رجل للحسن البصري قسوة قلبه فقال أدبه بالذكر .
قَالَ اللّهُ تَعَالَى :
{ أَلَمْ يَأْنِ لِلَّذِينَ آمَنُوا أَن تَخْشَعَ قُلُوبُهُمْ لِذِكْرِ اللَّهِ وَمَا نَزَلَ مِنَ الْحَقِّ وَلا يَكُونُوا كَالَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِن قَبْلُ فَطَالَ عَلَيْهِمُ الأَمَدُ فَقَسَتْ قُلُوبُهُمْ وَكَثِيرٌ مِّنْهُمْ فَاسِقُونَ (16) اعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ يُحْيِي الأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِهَا قَدْ بَيَّنَّا لَكُمُ الآيَاتِ لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ (17) } [الحديد: 16-17].
فِيهِ إِشَارَةٌ إِلَى أَنَّ مَنْ قَدِرَ عَلَى إِحْيَاءِ الأرْضِ بَعْدَ مَوْتِهَا بِوَابِلِ القَطْرِ، فَهُوَ قَادِرٌ عَلَى إِحْيَاءِ القُلُوبِ المَيِّتَةِ القَاسِيَةِ بِالذِّكْرِ .
عَسَى مَنْ أَحْيَى الأَرْضَ المَيِّتَةَ بِالقَطْرِ، أَنْ يُحِييَ القُلُوبَ المَيِّتَةَ بِالذِّكْرِ .
هـ- تَنْبِيهُ القَلْبِ : وَالذِّكْرُ «يُنَبِّهُ القَلْبَ مِنْ نَوْمِهِ، وَيُوقِظُهُ مِنْ سِنَتِهِ، وَالقَلْبُ إِذَا كَانَ نَائِمًا فَاتَتْهُ الأَرْبَاحُ وَالمَتَاجِرُ، وَكَانَ الغَالِبُ عَلَيْهِ الخُسْرَانَ، فَإِذَا اسْتَيْقَظَ وَعَلِمَ مَا فَاتَهُ فِي نَوْمَتِهِ شَدَّ المِئْزَرَ، وَأَحَيَى بَقِيَّةَ عُمُرِهِ، وَاسْتَدْرَكَ مَا فَاتَهُ، وَلَا تَحْصُلُ يَقَظَتُهُ
إِلَّا بِالذِّكْرِ، فَإِنَّ الغَفْلَةَ نَوْمٌ ثَقِيلٌ» .
و- نُورُ القَلْبِ : الذكرُ نُورٌ في القَلْبِ . فَمَا اسْتَنَارَتِ القُلُوبُ بِمِثْلِ ذِكْرِ اللّهِ تَعَالَى. وَالشَّأْنُ كُلُّ الشَّأْنِ، وَالفَلَاحُ كُلُّ الفَلَاحِ فِي النُّورِ، وَالشَّقَاءُ كُلُّ الشَّقَاءِ فِي فَوَاتِهِ . وَإذا "اسْتَنَارَ القَلبُ أَقْبَلَت وُفُودُ الخَيراتِ إِلَيهِ مِنْ كُلِّ نَاحيَةٍ، كَمَا أَنَّهُ إِذا أَظْلَمَ أقْبَلَتْ سَحَائِبُ البَلاءِ وَالشَّرِّ مِنْ كُلِّ مَكَانٍ".
وقال صاحب كتاب غذاء الألباب شرح منظومة الآداب
قَالَ الإِمَامُ الْمُحَقِّقُ ابْنُ الْقَيِّمِ رَوَّحَ اللَّهِ رُوحَهُ فِي كِتَابِهِ الْكَلِمِ الطَّيِّبِ وَالْعَمَلِ الصَّالِحِ سَمِعْت شَيْخَ الإِسْلامِ ابْنَ تيمية قَدَّسَ اللَّهُ رُوحَهُ يَقُولُ : إنَّ فِي الدُّنْيَا جَنَّةً مَنْ لَمْ يَدْخُلْهَا لَمْ يَدْخُلْ جَنَّةَ الآخِرَةَ .
قَالَ وَقَالَ لِي مَرَّةً : مَا يَصْنَعُ أَعْدَائِي بِي أَنَا جَنَّتِي وَبُسْتَانِي فِي صَدْرِي أَيْنَ رُحْت فَهِيَ مَعِي لا تُفَارِقُنِي , أَنَا حَبْسِي خَلْوَةٌ , وَقَتْلِي شَهَادَةٌ , وَإِخْرَاجِي مِنْ بَلَدِي سِيَاحَةٌ .
وَقَالَ لِي مَرَّةً : الْمَحْبُوسُ مَنْ حُبِسَ قَلْبُهُ عَنْ رَبِّهِ , وَالْمَأْسُورُ مَنْ أَسَرَهُ هَوَاهُ .
قَالَ : وَعَلِمَ اللَّهُ مَا رَأَيْت أَحَدًا أَطْيَبُ عَيْشًا مِنْهُ قَطُّ مَعَ مَا كَانَ فِيهِ مِنْ ضِيقِ الْعَيْشِ وَخَلاقِ[12] الرَّفَاهِيَةِ وَالنَّعِيمِ بَلْ ضِدِّهَا مَعَ مَا كَانَ فِيهِ مِنْ الْحَبْسِ وَالتَّهْدِيدِ وَالإِرْجَافِ وَهُوَ مَعَ ذَلِكَ أَطْيَبُ النَّاسِ عَيْشًا وأشرحهم صَدْرًا , وَأَقْوَاهُمْ قَلْبًا وَأَسَرُّهُمْ نَفْسًا تَلُوحُ نَضِرَةُ النَّعِيمِ عَلَى وَجْهِهِ .
قَالَ : وَكُنَّا إذَا اشْتَدَّ بِنَا الْخَوْفُ وَسَاءَتْ مِنَّا الظُّنُونُ وَضَاقَتْ بِنَا الأَرْضُ أَتَيْنَاهُ فَمَا هُوَ إلا أَنْ نَرَاهُ وَنَسْمَعَ كَلامَهُ فَيَذْهَبَ ذَلِكَ كُلُّهُ , وَيَنْقَلِبَ انْشِرَاحًا وَقُوَّةً وَيَقِينًا وَطُمَأْنِينَةً , فَسُبْحَانَ مَنْ أَشْهَدَ عِبَادَهُ جَنَّتَهُ قَبْلَ لِقَائِهِ وَفَتَحَ لَهُمْ أَبْوَابَهَا فِي دَارِ الْعَمَلِ فَأَتَاهُ مِنْ رُوحِهَا وَنَسِيمِهَا وَطِيبِهَا مَا استفرغ قُوَاهُمْ لِطَلَبِهَا وَالْمُسَابَقَة ِ إلَيْهَا .
وقال مالك بن دينار : ما تنعم المتنعمون بمثل ذكر الله .[13]
وقال بعضهم: مساكين أهل الدنيا خرجوا من الدنيا وما ذاقوا أطيب ما فيها، قالوا: وما أطيب ما فيها ؟ قال : محبة الله، والأنس به، والشوق إلى لقائه، والإقبال عليه، والإعراض عما سواه .[14]
3- إن الحياة الطيبة فى معرفة الله عز وجل
جاء فى مجموع الفتاوى
فَإِنَّ اللَّذَّةَ وَالْفَرْحَةَ وَالسُّرُورَ وَطِيبَ الْوَقْتِ وَالنَّعِيمَ الَّذِي لَا يُمْكِنُ التَّعْبِيرُ عَنْهُ إنَّمَا هُوَ فِي مَعْرِفَةِ اللَّهِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى وَتَوْحِيدِهِ وَالْإِيمَانِ بِهِ : وَانْفِتَاحِ الْحَقَائِقِ الْإِيمَانِيَّة ِ وَالْمَعَارِفِ الْقُرْآنِيَّةِ كَمَا قَالَ بَعْضُ الشُّيُوخِ : لَقَدْ كُنْت فِي حَالٍ أَقُولُ فِيهَا : إنْ كَانَ أَهْلُ الْجَنَّةِ فِي هَذِهِ الْحَالِ إنَّهُمْ لَفِي عَيْشٍ طَيِّبٍ . وَقَالَ آخَرُ : إنه لَتَمُرُّ عَلَى الْقَلْبِ أَوْقَاتٌ يَرْقُصُ فِيهَا طَرَبًا وَلَيْسَ فِي الدُّنْيَا نَعِيمٌ يُشْبِهُ نَعِيمَ الْآخِرَةِ إلَّا نَعِيمَ الْإِيمَانِ وَالْمَعْرِفَةِ . وَلِهَذَا كَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ : " { أَرِحْنَا بِالصَّلَاةِ يَا بِلَالُ } وَلَا يَقُولُ : أَرِحْنَا مِنْهَا كَمَا يَقُولُهُ مَنْ تَثْقُلُ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ كَمَا قَالَ تَعَالَى : { وَإِنَّهَا لَكَبِيرَةٌ إلَّا عَلَى الْخَاشِعِينَ }
قلت محمود : ترقص قلوبهم طربا بطاعة الله وطربا بذكر الله تعالى وطربا بقراءة القرآن .
أما نحن فلا تطرب قلوبنا إلا بذكر الأموال والأطيان والدنيا وسماع اللهو والغناء إلا من رحم الله . وهذا بخلاف ما يدعيه مدعى التصوف من رقص الأجساد واختلاط الرجال مع النساء . فإن العلماء العاملين والأولياء الصالحين يكتمون ما بينهم وبين الله حتى لا يُفتنوا فى دينهم وهروبا من النفاق لذا كان عامة عملهم بالليل حتى لا يراهم أحد من الناس .
وهذا مشهور عنهم فقد نقل عن زائدة : ( صام منصور أربعين سنة وقام ليلها وكان يبكي الليل كلَّه, فإذا أصبح كحل عينيه، وبرق شفتيه، ودهن رأسه، قال فتقول له أمه : أقتلتَ قتيلاً ؟ فيقول : أنا أدرى بما صنعَتْ نفسي.. وكان قد عمش من البكاء)[15]
وكان منصور من العُبّاد صام ستين سنة وقامها , وكان جيرانه يحسبونه بالليل في الصيف خشبةً قائمة , فلما مات كانوا يقولون الخشبة ما فعلت !
قالت ابنة لجار منصور بن المعتمر لأبيها : يا أبت ! أين الخشبة التي كانت في سطح منصور قائمة ؟! قَالَ : يا بنية ! ذاك منصور كان يقوم بالليل .
وكان منصور يصلي في سطحه فلمّا مات ، قَالَ غلامٌ لأمه : يا أمه الجذع الذي كان في سطح آل فلان ليس أراه ، قالت : يا بني ليس ذاك جذعًا ؛ ذاك منصور قد مات .[16]
وقال أحمدُ بنُ عاصم الأنطاكيُّ : أحبُّ أنْ لا أموتَ حتّى أعرفَ مولاي ، وليس معرفتُه الإقرار به ، ولكن المعرفة التي إذا عرفته استحييت منه .[17]
قال الله تعالى :
{ إِنَّ الْمُنَافِقِينَ يُخَادِعُونَ اللَّهَ وَهُوَ خَادِعُهُمْ وَإِذَا قَامُواْ إِلَى الصَّلاَةِ قَامُواْ كُسَالَى يُرَآؤُونَ النَّاسَ وَلاَ
يَذْكُرُونَ اللَّهَ إِلاَّ قَلِيلاً (142) مُّذَبْذَبِينَ بَيْنَ ذَلِكَ لاَ إِلَى هَؤُلاء وَلاَ إِلَى هَؤُلاء وَمَن يُضْلِلِ اللَّهُ فَلَن
تَجِدَ لَهُ سَبِيلاً (143) } ( النساء )

يتبع

__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
 


الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1)
 

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع


 


الاحد 20 من مارس 2011 , الساعة الان 01:21:21 صباحاً.

Powered by vBulletin V3.8.5. Copyright © 2005 - 2013, By Ali Madkour

[حجم الصفحة الأصلي: 149.58 كيلو بايت... الحجم بعد الضغط 147.86 كيلو بايت... تم توفير 1.72 كيلو بايت...بمعدل (1.15%)]