السلفية الجهادية : د/اكرم حجازي (مقالات متجددة ) - ملتقى الشفاء الإسلامي

 

اخر عشرة مواضيع :         حدث في مثل هذا اليوم ميلادي ... (اخر مشاركة : أبــو أحمد - عددالردود : 4477 - عددالزوار : 976154 )           »          Find Sexy Girls in your city for night (اخر مشاركة : lolaem - عددالردود : 0 - عددالزوار : 59 )           »          إشــــــــــــراقة وإضــــــــــــاءة (متجدد باذن الله ) (اخر مشاركة : أبــو أحمد - عددالردود : 4013 - عددالزوار : 494883 )           »          دور المواد الغذائية في التطور الجسمي والعقلي للجنين (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 95 )           »          دليلـك نحـو المهـارات التربويـة المهمة للتعامل مع فترة المراهقة (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 95 )           »          فضائل عرفة وأحكام الأضحية (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 80 )           »          الخلاصة النافعة في أحكام الحج والعمرة (word) (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 58 )           »          استحباب صوم يوم عرفة وإن وافق يوم السبت (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 88 )           »          مختصر الطواف وبعض ما يتعلق به من أحكام (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 65 )           »          العشر والأضحية (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 69 )           »         

العودة   ملتقى الشفاء الإسلامي > ملتقى اخبار الشفاء والحدث والموضوعات المميزة > الحدث واخبار المسلمين في العالم
التسجيل التعليمـــات التقويم

الحدث واخبار المسلمين في العالم قسم يعرض آخر الاخبار المحلية والعالمية

 
 
أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
Prev المشاركة السابقة   المشاركة التالية Next
  #1  
قديم 31-12-2011, 10:54 AM
*سلفيه مندسه* *سلفيه مندسه* غير متصل
عضو متميز
 
تاريخ التسجيل: Dec 2011
مكان الإقامة: ارض الكنانه
الجنس :
المشاركات: 405
افتراضي السلفية الجهادية : د/اكرم حجازي (مقالات متجددة )

مدخل إلى السلفية الجهادية ومشروعها الجهادي


(نموذج العراق)

مقدمة
منذ هجمات الحادي عشر من سبتمبر التي استهدفت بعض رموز القوة في الولايات المتحدة وما بعدها برزت ظاهرة "السلفية الجهادية" كفاعل استراتيجي دولي مميز وفريد من نوعه سواء تعلق الأمر بالحدث السياسي أو بالحدث الأمني. فأنْ يستفيق العالم على أحداث بهذه الضخامة فهي مسألة في غاية الإثارة، لكن أن يتحسب لوقوع أحداث مماثلة في المستقبل فهي مسألة تبعث على الدهشة حقا، وتستوجب التوقف عندها. إذ أن الإشكال المطروح هنا يتعلق في الأهداف والطموحات التي تسعى السلفية الجهادية إلى تحقيقها، وما إذا كان ممكنا وقف هذا الاندفاع والتحدي الذي تشكله الظاهرة.
فالظاهرة، شئنا أم أبينا، وفي ضوء عروضها العسكرية والأمنية النوعية على المسرح الدولي، باغتت في فعالياتها ومساعيها كل من السياسي والديني والاجتماعي والثقافي والعلمي والمعرفي وحتى الحضاري قبل أن يستشعر أحد بجدية المخاطر التي تخلفها في بنية التنظيم الدولي والعلاقات الدولية. وفقط بعد فوات الأوان تفطنت الولايات المتحدة، كخصم، إلى جدية الظاهرة فأعلنت حربا عليها عبر ما تسميه "مكافحة الإرهاب العالمي" وجندت تحالفا دوليا لتحقيق الغرض، لكن هذه الحرب أثارت الكثير من التساؤلات إذا ما أعيد النظر، على الأقل، في التصريحات الأمريكية إن لم نقل في السياسات خاصة فيما يتعلق بمفهوم "الفوضى الخلاقة". ذلك أن المفهوم يحيل البعض إلى الاعتقاد بوجود توجهات أمريكية تقضي بغض الطرف عن نمو السلفية الجهادية وغيرها من الظواهر التي من شأنها إشاعة فوضى يمكن السيطرة عليها من جهة وتوظيفها كآليات وأدوات تسمح بالمزيد من التدخلات الأمريكية من جهة أخرى. بل أن هذا البعض يغالي أكثر في الاعتقاد بأن السلفية الجهادية ليست أكثر من علامة تجارية أمريكية مسجلة في حظائر وكالات الاستخبارات الأمريكية[1].
وفي الواقع فإن المسألة مختلفة، إذ يصعب تقبل الأحداث الراهنة وتطورات الظاهرة وخطابها بموجب معايير أيديولوجية أو حزبية أو تنظيمية خصيمة لها أكثر من الولايات المتحدة نفسها ووفق حسابات خاصة تناست بموجبها تصريحات أمريكية وغربية من قمة الهرم السياسي إلى أدناه وهي تتحدث عن حرب صليبية ضد الإسلام والمسلمين واعتبار الإسلام هو العدو القادم للغرب بعد انهيار الاتحاد السوفياتي. فالمنطق يؤكد أن العناصر المكونة للظاهرة كعالميتها فضلا عن المرجعية الدينية التي تتحصن بها كافية لِأنْ تقف سدا منيعا أمام أية تأويلات غير موضوعية. وبالتالي فنبذ الظاهرة أو إنكارها والاستخفاف بها، كما هو شائع لدى السياسي والأمني وحتى الديني والتنظيمي، لن يجدي نفعا في فهمها. وعليه فالسؤال الذي نطرحه هو: لماذا نجحت الظاهرة في تحقيق انتشار أفقي؟ وتهديد حتى حصون الجماعات الإسلامية والسياسية الأخرى؟ ولماذا فشلت المقاربات السياسية والأمنية والأيديولوجية في التعامل معها حتى اللحظة؟ وبصيغة أخرى: كيف وصلت السلفية الجهادية إلى نقطة اللاعودة وتحولت إلى ظاهرة لا يمكن أن تتلاشى أو تزول فاعليتها قبل أن تصل إلى مدياتها النهائية؟
بداية نشير إلى أننا سنتعرض بالبحث إلى معالجة أربعة محاور أساسية هي:
المحور الأول: حاضر السلفية الجهادية
المحور الثاني: السلفية الجهادية والجماعات الأخرى
المحور الثالث: المجاميع الجهادية الكبرى في العراق
المحور الرابع: السلفية الجهادية ودولة العراق الإسلامية
وأخيرا: تعقيبات ختامية على المقالة السلفية
لكن قبل الخوض في بعض تفاصيل الظاهرة عبر المحاور أعلاه، نرى من الأهمية بمكان تثبيت بعض الملاحظات المنهجية التي تساعد في قراءة الظاهرة من الداخل. إذ أن الدراسة موضع النظر تعتقد أنه ما من جدوى في فهم الظاهرة خارج المقاربة الدينية، مما يعني ضرورة الابتعاد عن أية مقاربات تقليدية سواء كانت سياسية أو أيديولوجية أو أمنية ... إلخ
ملاحظات منهجية في فهم الظاهرة
أولا: وحدة لغة السلفية الجهادية
من الأهمية بمكان الإشارة إلى أن التحدث بلغة السلفية الجهادية لا يعني أبدا قبول أطروحاتها أو رفضها بقدر ما هي وسيلة ناجعة لفهمها وتفسير خطاباتها والوقوف على استراتيجياتها وسياساتها بالمضمون الذي هي تريده وتسعى إلى التعبير عن نفسها به[2]. فمن العبث قراءة الأطروحة السلفية إعلاميا أو أيديولوجيا أو أمنيا أو سياسيا أو حتى تنظيميا، ذلك أن السلفية تيار متشعب ومعقد لكنه ليس تنظيما وإن بدت أدواته الضاربة كذلك في مواضع شتى. فهو يضم رموز وقادة وعلماء وأنصار ومجاهدين، وكل هؤلاء ومن يدور في فلكهم ينطقون بلغة واحدة هي لغة التوحيد التي يقدمون أنفسهم بها أينما كانوا.
ثانيا: توصيف الظاهرة
قد يبدو توصيف ظاهرة السلفية الجهادية سهل المنال وهو في الحقيقة مظهر خادع ليس الوصول إليه متاحا بالنظر إلى سرية الفاعلين واختلاف البناء الهيكلي للأدوات التي تشكل الظاهرة كالتنظيم الأم والأدوات الضاربة لها في شتى أنحاء العالم مقارنة بالأبنية التقليدية التي ألفناها من الجماعات الجهادية المسلحة. فما من باحث استطاع بمفرده التصدي للظاهرة بالبحث إلا في مستويات محدودة أبرزها الخطاب الذي تبوح به. لذا يصعب الحصول على دراسات نجحت في تتبع الظاهرة بمختلف مكوناتها. بل أن الباحثين يعزفون عن التصدي للظاهرة لأسباب عديدة ليس التعقيد الشديد والغموض الذي يميزها أو السرية أو التحرج أو الحساسية إلا بعض منها. وفي المحصلة لدينا فقر مدقع في الرصيد المعرفي عن الظاهرة.
هذا لا يعني أن السلفية لا تتمتع بإنتاج معرفي هائل تفوقت فيه، كما ونوعا، على ما سبقها من الجماعات السياسية، وهنا بالذات تكمن المشكلة. فمن ذا الذي يمكنه أن يتفرغ للإحاطة بالظاهرة بحيث يكون ملزما، علميا وأدبيا، بمطالعة ملايين الصفحات من المنشورات التي تعج بها الشبكات الإعلامية الجهادية ومئات الساعات من الأشرطة المرئية والصوتية وآلاف المجلدات من الكتب والأبحاث؟ لهذا من الواجب بداية التأكيد على (1) أننا في سياق البحث العلمي ما زلنا في المراحل الأولى من توصيف الظاهرة والتي نحسب أنها لن تنتهي قريبا و (2) أن التوصيف ينصب على الخطاب الفكري للظاهرة فقط. وهذا يعني أيضا أننا أبعد ما نكون، علميا، عن تناول الظاهرة بالتحليل العميق والنقد الموضوعي.
ثالثا: مرجعية التوصيف
لعل أكثر الأخطاء الشائعة في توصيف ظاهرة السلفية الجهادية أو التعليق على خطاباتها أو رصد سياساتها واستراتيجياتها العسكرية والأمنية والإعلامية هي تلك التي ينطلق أصحابها في قراءة الحدث، لا شعوريا، من مكونات الواقع السياسي أو الأيديولوجي الذي يعيشونه. والواقع أن السلفية الجهادية ربما تكون الجماعة الإسلامية الدينية الوحيدة التي ظهرت في عالمنا هذا منذ تقسيم الوطن العربي وانهيار الخلافة العثمانية. وهذا معطى حاسم يؤدي إلى:
1)النظر إلى الجماعات الإسلامية، بما فيها الجهادية، على أنها جماعات سياسية وطنية ذات طابع إسلامي لكنها بالتأكيد ليست جماعات دينية خالصة كما هي السلفية الجهادية، وبالتالي فهي تعمل في إطار المنظومات القانونية والسياسية المحلية والدولية السائدة بخلاف السلفية الجهادية التي لا تقبل بغير حاكمية الشريعة كمعيار لفهم اختياراتها والحكم على توجهاتها السياسية. وهذه فرضية حاسمة لمن يرغب في التعرف على لغة السلفية الجهادية وأطروحاتها.
2)تأسيسا على ما سبق وجب التخلي، موضوعيا، عن معايير التوصيف التقليدية التي اتبعت في دراسة الجماعات السياسية السابقة عليها سواء كانت علمانية أو إسلامية. أما لماذا يتوجب علينا الالتزام بهذه الخطوة المنهجية الحاسمة فلأن استعمال مصطلحات وضعية في تحليل خطاب يستند إلى السياسة الشرعية سيؤدي قطعا إلى نتائج خاطئة[3].
رابعا: لغة التوصيف
إذن لغة الخطاب السلفي الجهادي صعبة التوصيف وليست سهلة كما يعتقد البعض. ولهذا السبب، أكثر من
غيره، يحجم الباحثون عن الخوض في الظاهرة. أما الصعوبة فتكمن في عدة أسباب:
1)إن لغة الخطاب السلفي هي لغة العلم الشرعي التي لا يقوى على فهم شروطها وتفاصيلها إلا من يمتلك قدرا معقولا منه. وهذا يعني، مبدئيا، أن الخطاب السلفي يخاطب النخبة والمتخصصين أكثر مما يخاطب العامة. وحتى انتقادات رموز الجهاد العالمي تتوجه نحو النخبة من المشايخ والعلماء والقادة وليس نحو الأتباع والعامة من الناس الذين يستقبلون من السلفية خطابا تحريضيا.
2)غزارة الإنتاج المعرفي للسلفية وأنصارها عبر عديد المؤسسات الإعلامية والشبكات الجهادية، وبالتالي ثمة صعوبة فائقة في متابعة الأحداث والمواقف التي غالبا ما تصيغها هذه المؤسسات قبل أن يعبِّر الرموز عن مواقفهم تجاهها.
لذا من المهم التنبه إلى اللغة السائدة في وسائل الإعلام الجهادي بوصفها مخزنا للمعلومات والآراء والأفكار المؤيدة والمعارضة، ومصدر الأخبار الرئيسي فيما يتعلق بالتيار الجهادي، ولا نبالغ إذا قلنا أنها باتت سيفا ذو حدين، فهي من جهة تعبر عن السَّمت الحقيقي لتوجهات الرموز وسياسات التيار في مختلف مناطق تواجده، ومن جهة أخرى لها من القوة بحيث تقيد الرموز وتدفعهم نحو الصراحة في القول والحسم في القضايا الخلافية. والأكيد أن المتابع لهذه الوسائل سيحتاج إلى فترة طويلة وجهود مضنية كي يفهم آلية عملها وطرق التعامل مع روادها وكتابها ومشايخها وما يدور فيها وإلا فقد يتعرض للطرد من رحابها إذا ما خالف توجهاتها أو شروط الكتابة فيها.

المحور الأول: حاضر السلفية الجهادية
أولا: هوية السلفية الجهادية والأس العقدي للظاهرة
استقر مصطلح السلفية الجهادية في وسائل الإعلام ليعبر عن تيار جهادي ذو صبغة عالمية[4]، لكنه في عرف أصحاب التيار لا يكفي لبلوغ المعنى الدقيق له فضلا عن أن ترويجه ينطوي على حصر للتيار في أطر ضيقة. فالوهابية مثلا تمثل أحد المصادر الشرعية والتاريخية للفكر الجهادي العالمي لكنها ليست المصدر الوحيد، وتبعا لذلك ليست السلفية الوهابية الجهادية هي التيار الجهادي العالمي ولا هي المخولة بالتحدث باسمه، كما أن التيار الجهادي أوسع، في مرجعياته ومكوناته، من أية مرجعية منفصلة. والحقيقة أن التصاق تعبير السلفية بالتيار الجهادي العالمي يمكن رده إلى عدة أسباب منها:
· كثرة منتسبيه من الجزيرة العربية وخاصة من السعودية إثر دخول الدولة على خط الجهاد الأفغاني الأول ودعمها لعديد القوى المنخرطة فيه وتوفير الغطاء المادي والإعلامي له وحتى الشرعي[5].
· تبني الكثير من علماء السعودية للمشروع الجهادي ممن ذاع صيتهم في الأوساط الجهادية والإعلامية.
والحقيقة أن اهتمام الجهاديين بالوهابية (دعوة الشيخ محمد بن عبد الوهاب) والتركيز على تراثها برز بشكل لافت عقب أحداث سبتمبر وما تبعها من دخول شيوخ نجديين على الخط الجهادي ممن كان لهؤلاء اهتمام بالغ وكبير بتراث أئمة الدعوة النجدية خاصة علي الخضير وأحمد الخالدي حيث تعج مؤلفاتهما بكثرة الإحالات (إلى) والنقل (عن) تراث أئمة الدعوة مما ينبئ عن استظهارهما لتلك الرسائل.
· الاسترشاد بالدعوة السلفية الوهابية كمنهج علمي وعملي، والنظر إلى كتاب التوحيد لمحمد بن عبد الوهاب كأحد المراجع الرئيسية للتيار الجهادي العالمي ومن بعده رسائل أئمة الدعوة النجدية خاصة الدرر السنية. فبعد الجهاد الأفغاني أضحى التراث الوهابي مصدرا رئيسيا أضيف إلى مصادر التراث المعرفي الجهادي ممثلا بفتاوى ابن تيمية وتلاميذه وسيد قطب ومحمد قطب وعبد الله عزام.
· انقسام السلفية الوهابية إلى سلفية تقليدية وأخرى جهادية الأمر الذي سمح باستخدام المصطلح بهدف التمييز بين التيارين. فـ"السلفية الجهادية" كمصطلح لا يعني بأي شكل من الأشكال وجود سلفية بلا جهاد لاسيما وأن التيار الجهادي كغيره من التيارات الإسلامية يرى في القرون الثلاثة الأولى من الإسلام هي خير القرون دعوة وجهادا وحضارة، وبالتالي فالسلفية تعبير أصيل، لكن المصطلح استخدم بهدف التميّز عن أولئك الذين صنفوا أنفسهم من أهل السلف إلا أنهم، وبلغة سايكس – بيكو كما تقول السلفية الجهادية، همشوا الجهاد أو منعوه بدعوى الضعف والعجز فكان لزاماً علينا التفريق بين سلفية تركز على الجهاد وتدعو له بصورة عالمية وأخرى تهمشه أو تمنعه وفي أحايين أخرى تحاربه.
لكل هذه الأسباب وغيرها استعمل المصطلح للدلالة على التيار الجهادي العالمي، إلا أننا لم نقع على قبول فعلي للمصطلح من قبل رموز التيار حتى تلك التي تستعمله إعلاميا. وفي المقابل لا يبدو على هذه الرموز رفضا للمصطلح بقدر ما تحرص على التعبير عن نفسها بـ "أهل السنة والجماعة" كتسمية دالة على التيار ومحببة إليها[6] أكثر من تعبير "السلفية الجهادية".
والحقيقة أن المقدسي، كنموذج للمعاينة، أحسن في توصيف هوية التيار السلفي الجهادي حين سئل عنه، ففيما يتعلق بالتسمية وعلاقة المصطلح بالجماعات السلفية الأخرى والجهادية يقول:
"أولا: أحب أن أنوه بأننا (1) لم نتسمى بهذا الاسم و (2) إنما نعتنا به من سمانا به من الناس لتمسكنا بما كان عليه السلف الصالح من الاعتقاد والعمل والجهاد، (3) فالسلفية الجهادية تيار يجمع بين الدعوة إلى التوحيد بشموليته والجهاد لأجل ذلك في آن واحد، أو قل هو تيار يسعى لتحقيق التوحيد بجهاد الطواغيت .. فهذه هي هوية التيار السلفي الجهادي والتي تميزه عن سائر الحركات الدعوية والجهادية"[7].
هذه الأطروحة ترى، ولا شك، أن الشرك يداخل الأمة من جوانب عدة، وعليه فهي تقدم "التوحيد" أو إقامة "الحاكمية" كهدف وغاية ليس الجهاد إلا الوسيلة الرئيسية لتحقيقها إلى جانب الدعوة. وهي رؤيا تنسف كافة الأطروحات الدعوية السابقة عليها سواء تلك التي نأَتْ بنفسها عن الوضع القائم أو شاركت به كـ: "بعض الحركات السلفية (التي) تقزم وتحصر دعوة التوحيد على شرك التمائم والتولة والقبور ولا تتعرض من قريب أو بعيد إلى شرك الحكام والمشرعين والقوانين والقصور، بل قد تكون ممن يسير في ركاب الحكام ويعمل على تثبيت عروشهم"، أو تلك التي عبرت عنها أطروحات: "بعض الحركات الجهادية (التي) تبوتق جهادها وتحصره في منطلقات وطنية وترفض رفضا جازما وحاسما أن تتعدى بجهادها حدود الوطن"[8].
وعطفا على ما انتهى إليه المقدسي:
"فالتيار السلفي الجهادي يخالف هؤلاء وهؤلاء. ومن أجل ذلك فهو يدعو إلى التوحيد بشموليته وفي كل مكان فحيث وجد الخلق شرعت دعوتهم إلى التوحيد بشموليته وحيث وجدت هذه الدعوة وجد الجهاد من أجلها وفي سبيلها ... ولذلك فأنت ترى أن هذا التيار لا يحصر جهاده في بقعة معينة من الأرض من منطلقات قومية أو أرضية بل ميدانه هي الأرض كلها فتجد أبناءه يجاهدون في شتى بقاع الأرض ... فرق بين الاجتهادات النابعة من السياسة الشرعية وبين الثوابت والأصول النابعة عن الوطنية أو نحوها من الموازين الجاهلية"[9].
ويغلب علينا القول بأن توصيف المقدسي هذا يعد نموذجا ممتازا للغوص في أعماق الأطروحة السلفية الجهادية وليس فقط البحث في ماهيتها. فإذا ما استبعدنا الجهاد كوسيلة لإقامة الحاكمية وانطلقنا من التوحيد بوصفه أهم المفاهيم التي تميز السلفية الجهادية على الإطلاق، وما دونه تفاصيل، فإن خصائص الظاهرة يمكن استخراجها بيسر من رحم المفهوم وإسقاطها على كافة الأدوات الضاربة للسلفية الجهادية ابتداء من الفلبين وحتى المغرب.
فالتوحيد بمعناه الشرعي يستدعي الكفر بالطاغوت. فكل من لم يحكم بما أنزل الله فهو كافر شرعا أو فاسق أو ظالم أو كلها معا، وبالتالي فهو مفهوم يحيل السلفية الجهادية إلى مرجعية وحيدة في الحكم على الأقوال والأفعال والنوازل أيا كان مصدرها ومكانها، فإذا ما وافقت الشريعة كان بها وإلا فهي قطعا باطلة ومنبوذة ومحاربة. وتبعا لذلك فالسلفية الجهادية ستجد نفسها، مختارة، في صدام حتمي مع كافة منتجات الحضارة الراهنة ابتداء من النظم الفكرية والأيديولوجية والدينية والأخلاقية وانتهاء بكل تجلياتها المادية من هياكل وبنى على اختلاف تشكيلاتها ومستوياتها. لكن هذا الصدام القائم لا يعني أن السلفية بصدد ممارسة الهدم بمعناه التقليدي، بالنسبة إليها فالهدف هو القضاء على منظومة العلاقات التي تتحكم بمصائر البشر سواء كانوا مسلمين أو "مستضغفين"، إذ أن العلاقات السائدة في النظام الدولي فضلا عن أنها تفرض على "المؤمنين" تشريعات "كفرية" لا يجوز الاحتكام إليها فهي أيضا تفرض علاقات هيمنة وتسلط ونهب وإذلال وإهانة خاصة للمسلمين وبالتالي تجب محاربتها والتخلص من سطوتها.
ولا ريب أن إسقاط المفهوم "التوحيد" على المنطقة العربية، كنموذج للمعاينة، ستكون له انعكاسات جوهرية على واقع الحياة السياسية والاجتماعية والاقتصادية والثقافية، بل أن انعكاساته ستطال كل مكون أو معطى سواء على مستوى الفرد أو الجماعة أو الدولة أو المؤسسة أو حتى الفعل والسلوك الفردي. فسايكس – بيكو مثلا، كاتفاقية استعمارية، عنيت بتقسيم الوطن العربي إلى عديد الدول إنما ولدت كحالة سياسية لا تمت إلى التاريخ العربي والإسلامي بصلة فإذا بها تتحول على مَرّ العقود إلى مكاسب ومنجزات وطنية وحالة ثقافيةتعبر عن أنماط سياسية واجتماعية واقتصادية وسلوكية كما لو أنها أصيلة وليست مستحدثة. بينما في عرف السلفية الجهادية فإن كل مكونات سايكس – بيكو ليست سوى منتجات لأيديولوجيا غير مشروعة لا بد من هدمها والتخلص منها. فالقضاء منظومة قانونية ودستورية وضعية، والحكم في الدولة يستند إلى مؤسسات تشرِّع من دون الله، والتعليم غيَّب العلم الشرعي وأنتج علماء وفقهاء يشرِّعون للوضع القائم، والاقتصاد تحكمه قوانين الربا، والتجارة بيد نخبة تمارس الاحتكار والهيمنة والربح غير المشروع، والثقافة غربية الطابع، والعلاقات الدولية مرهونة بإرادات القوى العظمى ومصالحها، والبلاد بعضها مغتصب والآخر محتل أو مهدد، والدين ضائع ومضيَّع، ولا شك أن القائمة لا تنتهي.
لكن للوصول إلى فهم أدق وأشمل لمفهوم التوحيد وإسقاطاته يمكن الانطلاق من التكليف الإلهي للنبي إبراهيم عليه السلام وهو يتلقى عن ربه أمرا صريحا: {وَأَذِّن فِي النَّاسِ بِالْحَجِّ يَأْتُوكَ رِجَالاً وَعَلَى كُلِّ ضَامِرٍ يَأْتِينَ مِن كُلِّ فَجٍّ عَمِيقٍ }- الحج27. وهذا يعني: (1) أنه أيا كانت معتقدات الناس فهم مأمورون بالتوحيد حتى ولو كانوا في فج عميق، و(2) أن التوحيد ليس له سقف جغرافي لأنه لا يعترف أصلا بأية فواصل أو حدود، لذا فمن (3) الأولى القول أن كافة المسلمين حيثما وُجِدوا فهم معنيون بدعوة التوحيد قبل غيرهم. وعليه فالتوحيد كلية لا تتجزأ ولا تقبل القسمة. فحيثما وُجد مسلم وُجِدت العقيدة ووُجد التوحيد والموحدون، وبالتالي فهم من مشمولات دولة التوحيد، وإذا ما أقيمت دولة إسلامية تحكم بموجب الشريعة فهذا يعني أنها ستكون معنية بمصالح كافة المسلمين في شتى أنحاء الأرض، ولا يجوز والحالة هذه الاعتقاد بوجود توحيد ذو نكهة وطنية كأن تزعم دولة إقامتها للتوحيد ضمن حدودها وسيادتها وتعفي نفسها من أية مسؤولية تجاه المسلمين الآخرين باعتبارهم رعايا دول أخرى. لذا لا تعترف السلفية الجهادية بأية تقيّة في التوحيد، ولا معنى عندها لأي توحيد سياسي أو وطني أو قومي أو مرحلي. فهل هذا هو معنى الشمولية التي يتحدث عنها المقدسي؟ سنرى لاحقا.
أما عقيدة الولاء والبراء عند السلفية الجهادية فهي المعيار المعتمد في قياس مدى نقاوة التوحيد لدى الأفراد والجماعات الإسلامية. وبهذا المعيار رأت السلفية، مثلا، في الحكام "طواغيت" هم ومن والاهم وساندهم أو شرع لسلطانهم ودعم تشريعاتهم، لكن مع التفصيل في الأمر، فقهيا، فيمن كان كفره ظاهرا أو خفيا ونحو ذلك. أما فيما يتعلق بالجماعات الإسلامية والجهادية فأغلبها، في أحسن الأحوال، بعيدة عن عقيدة الولاء والبراء التي تفرض على المسلم موالاة المسلم والتبرؤ من المشرك ومظاهر الشرك، ووفق هذه العقيدة فالمسلم الموحد مُلزَم بمبدأ الأخوة الإسلامية بديلا عن الأخوة الوطنية، وملزم بالنصح لإخوانه بديلا عن تتبع عوراتهم، وملزم بالحاكمية بديلا عن التشريعات الوضعية، وملزم بالنصرة بديلا عن التخذيل، وهكذا. لكن ذروة عقيدة الولاء والبراء لا تقع في مستوى النماذج النظرية التي ذكرنا بعض صورها بل في مستوى تطبيقات النماذج، فما تراه بعض الجماعات والعلماء مسائل خلافية تحتمل التأويل والتفصيل تراه السلفية الجهادية من جهتها تمييعا للعقيدة وتخذيلا أو إرجافا أو إرجاء، كالوطنية والديمقراطية والاستعانة بالأجنبي والاحتكام إلى الشرائع الوضعية والمفاوضات وغيرها.
ثانيا: الأدوات الضاربة للسلفية الجهادية
لا شك أن الموضوع بالغ التعقيد، فالمعطى البارز الذي أمكن ملاحظته، مع بروز ظاهرة الجهاد العالمي، يكمن في تراجع نمط المقاومة ذات الطابع الوطني أو القومي وتَقَدُّم "الجهاد" بديلا عن "المقاومة" كمصطلح ومضمون، فما من أحد يتكلم اليوم عن نضال وطني أو قومي أو أممي ولا عن وحدة عربية شاملة ولا جزئية ولا حتى عن تنسيق عربي، وعلى العكس من ذلك فإن أغلب الجماعات المسلحة الحديثة، خاصة بعد هجمات الحادي عشر من سبتمبر، اتخذت من الجهاد منهجا لانطلاقتها ومن التراث الإسلامي تسمية لها.
وها هي السلفية الجهادية تقدم نفسها تيارا من رحم العقيدة يسعى إلى بلوغ مصالح الأمة الإسلامية في ضوء الدعوة إلى التوحيد وإقامة الدين، وعبر مجاهدة ما تعتبره "طواغيت العرب" و "طواغيت العجم". فالمسألة إذن ذات منحى مختلف عما شهدناه طوال عقود من جماعات إسلامية سياسية بعضها عالمي النشأة والتوجه لكن الكثير منها حبيس تأويلات جعلتها أقرب إلى المحلية من أية صفة عالمية. وتبعا لذلك فإن تيار الجهاد العالمي تجاوز المسألة التنظيمية واستقر الآن كفكرة (= منهجا وعقيدة) تتعلق بالأفراد عامة أو ما يسمى بـ "الخلايا النائمة" خاصة مثلما تتعلق بالجماعات الجهادية المنظمة، وموضوعيا يصعب الإحاطة بالأمرين إن لم يكن مستحيلا.
وفي ذات القراءة، على مستوى الاعتقاد والمنهج، يصعب رد جماعة جهادية إلى السلفية أو تبرئتها منها خاصة وأن السلفية الجهادية أثرت كثيرا في مناهج بعض الجماعات وسلوكها السياسي فضلا عن تأثيرات خطاب الظاهرة نفسه على أفراد الجماعات الجهادية ذات الطابع الوطني بحيث يمكن ملاحظة انتشار الخطاب الجهادي العالمي في صلب هذه الجماعات دون أن يعني ذلك تبنيها له رسميا لأكثر من سبب. بل أننا لا نستبعد أن يكون التأثير قد وصل إلى رؤوس القيادات العسكرية والسياسية على السواء.
أما الرموز الكبار في السلفية الجهادية كـ: بن لادن والظواهري فنحسب أن فعاليات التيار الجهادي العالمي قد تجاوزتهم على الرغم من ثقلهم ومشروعيتهم كقيادة تاريخية، إذ أن بقاءهم على سطح الأحداث أو اختفاءهم لم يعد يقدم كثيرا أو قليلا في انتشار الظاهرة وترسخها خاصة وأن مكوناتها وآليات اشتغالها باتت على الأغلب ذاتية المنشأ والدفع، ومثل هذا التوصيف ينطبق حتى على تنظيم قاعدة الجهاد ذاته. وهذا مؤشر على أن الرموز الأفقية للظاهرة أكبر وأخطر من الرموز المألوفة وأدعى لاستمراريتها، ونعني بذلك شرائح العلماء والفقهاء وطلبة العلم الشرعي والأنصار والقيادات المتوارية عن أنظار الإعلام وكل المؤمنين بفكرة الجهاد العالمي سواء المؤطرين منهم في تنظيمات مسلحة أو ممن ليست لهم أية سوابق تنظيمية.
كل هؤلاء يشكلون، في واقع الأمر، أدوات ضاربة باعتبارهم جبهة أكثر منهم خلايا نائمة، فهم مشاركون في الإعلام الجهادي بفعالية، وفي توسيع جبهة الأنصار وفي حشد المعلومات ونشرها وتوزيعها وفي خوض نقاشات متشعبة ومرهقة مع القوى الأخرى بما فيها الجماعات المخالفة والخصيمة لفكرة الجهاد العالمي، والثابت أن صراحة الأطروحة الجهادية ووضوحها وصرامتها وثباتها تجعل من الأطروحات الأخرى، في أحسن الأحوال، في موقف الدفاع غالبا. فالكثير من القوى الإسلامية، أفرادا وجماعات (رسميين أو غير رسميين)، سبق لها وأن ناهضت مفاهيم كالديمقراطية والوطنية وموالاة النظم السياسية والتشريعية والدولية لكنها عادت إلى تبريرها والدفاع عنها والمشاركة في مؤسساتها وطلب نصرتها، ومثل هذه القوى تجد نفسها في موقع الحرج والإدانة من قبل السلفية الجهادية التي تعيب عليها تأرجح مواقفها السياسية وتوظيف الدين للدفاع عن أطروحات سبق لها وأن نبذتها، وإذا كان حقا لها أن تعبّر عن نفسها كجماعة سياسية فهذا شأنها أما أن تنسب نفسها إلى الإسلام كجماعة دينية فهذا لم يعد واردا ولا يعبر عن حقيقة واقعها.
لكن صعوبة حصر الظاهرة أفقيا لا يعني سهولة معاينتها ميدانيا، فالجبهات الساخنة في التيار الجهادي العالمي هي عالم سري لا يمكن الاقتراب منه إلا من خلال الفاعلين أنفسهم سواء عبر المادة الإعلامية التي يقدمونها أو عبر كتاباتهم وتأريخهم لتجاربهم وهو ما لم يحصل حتى اللحظة إلا نادرا[10]. ولعل أفضل معاينة متاحة للأدوات الضاربة للجهاد العالمي هي الانطلاق من الجبهات الساخنة بوصفها فضاءات استقطاب ذات مستويات متفاوتة في العمل الميداني منها:
· المستوى الأول: يضم مناطق أفغانستان: "حركة طالبان بقيادة الملا محمد عمر وقاعدة الجهاد بقيادة أسامة بن لادن" والباكستان: "حركة طالبان الباكستانية بقيادة بيت الله محسود" والعراق: "دولة العراق الإسلامية بإمارة أبو عمر البغدادي وجماعات السلفية الجهادية الأخرى" والشيشان: "إمارة القوقاز الإسلامية بإمارة دوكو عموروف"، وأخيرا الصومال: "حركة الشباب المجاهدين بإمارةالشيخ مختار عبد الرحمن (أبو الزبير)"، وهي المناطق التي تمثل بالنسبة للتيار الجهادي العالمي جبهات حرب مفتوحة ضد القوى الأجنبية على أراضيها.
· المستوى الثاني: يضم مناطق المغرب العربي ومركزه الجزائر: "قاعدة الجهاد في المغرب الإسلامي" التي تنشط ضد النظام السياسي، ونسبيا القاعدة في الجزيرة (بفرعيها النجدي واليمني) واللتان تعتبران نشاطهما، على الأغلب، كما لو أنهما في وضعية دفع الصائل، إذ غالبا ما تهاجمان منشئات حيوية وأهدافا أجنبية إلا من بعض الممارسات التي لم تتبناها تلك الجماعات كما حصل من استهداف لمقر الأمن العام في الرياض ونفي زعيم القاعدة عبد العزيز المقرن المسؤولية عنها. وجدير بالذكر أن "قاعدة الجهاد في الجزيرة العربية" وجنوبها: "قاعدة الجهاد في اليمن"، ذواتا ارتباط تنظيمي مباشر بقاعدة الجهاد في أفغانستان.
__________________
 


الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1)
 

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع


الاحد 20 من مارس 2011 , الساعة الان 01:21:21 صباحاً.

Powered by vBulletin V3.8.5. Copyright © 2005 - 2013, By Ali Madkour

[حجم الصفحة الأصلي: 1,078.51 كيلو بايت... الحجم بعد الضغط 1,076.79 كيلو بايت... تم توفير 1.71 كيلو بايت...بمعدل (0.16%)]