|
|||||||
| ملتقى السيرة النبوية وعلوم الحديث ملتقى يختص في سيرة الرسول صلى الله عليه وسلم وعلوم الحديث وفقهه |
![]() |
|
|
أدوات الموضوع | انواع عرض الموضوع |
|
|
|
#1
|
||||
|
||||
|
شرح حديث: ((إن روح القدس نفث في رُوعي أن نفسًا لن تموت حتى تستكمل رزقها)) أ. د. كامل صبحي صلاح الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين؛ أما بعد: فإن من رحمة الله تبارك وتعالى ولطفه وحكمته، وقضائه وقدره، أن قدَّر أرزاق العباد وآجالهم، فلن تموت نفسٌ حتى تستكمل أجلها المحدد لها، وتأخذ وتستوفي رزقها المقدَّر لها والمكتوب من غير نقصان، فالأرزاق مقسومة ومقدَّرة كالآجال، ولو فرَّ الإنسان من رزقه كما يفر من أجله، لأدركه رزقه كما يدركه أجله؛ ففي الحديث عن عبدالله بن مسعود رضي الله تعالى عنه، أن النبي صلى الله تعالى عليه وسلم، قال: ((إن روح القدس نفث في روعي أن نفسًا لن تموت حتى تستكمل رزقها، فاتقوا الله، وأجمِلوا في الطلب))؛ [أخرجه القضاعي في (مسند الشهاب) (1151)، واللفظ له، والخطيب في (المتفق والمفترق) (1827)، مطولًا، والألباني، تخريج مشكلة الفقر (15)، صحيح]. وفي الحديث كذلك عن أبي أمامة الباهلي رضي الله تعالى عنه، أن النبي صلى الله تعالى عليه وسلم قال: ((إن روح القدس نفث في روعي، أن نفسًا لن تموت حتى تستكمل أجلها، وتستوعب رزقها، فاتقوا الله، وأجمِلوا في الطلب، ولا يحملنَّ أحدَكم استبطاءُ الرزق أن يطلبه بمعصية الله؛ فإن الله تعالى لا يُنال ما عنده إلا بطاعته))؛ [أخرجه الطبراني (8/ 166) (7694)، والسلمي في (طبقات الصوفية) (ص92)، وأبو نعيم في (حلية الأولياء) (10/ 26) واللفظ لهم، والألباني، صحيح الجامع (2085)]. شرح الحديث: قوله عليه الصلاة والسلام: ((إن روح القدس))؛ أي: جبريل عليه الصلاة والسلام. وقوله عليه الصلاة والسلام: ((نفث في روعي))؛ أي: في نفسي وقلبي. وقوله عليه الصلاة والسلام: ((أن نفسًا لن تموت حتى تستكمل أجلها، وتستوعب رزقها))؛ أي: فلن تموت نفس حتى تستكمل أجلها المحدد لها، وتأخذ وتستوفي رزقها المقدَّر لها والمكتوب لها من غير نقصان، فالأرزاق مقسومة ومقدَّرة كالآجال. وقوله عليه الصلاة والسلام: ((فاتقوا الله))؛ أي: اخشَوه واجتنبوا ما نهاكم عنه. ومعنى التقوى لغةً: الوقاية، ومصدره: وقاء، بمعنى حفظ الشيء عما يؤذيه، ومنه: قوله تبارك وتعالى: ﴿ وَوَقَاهُمْ عَذَابَ الْجَحِيمِ ﴾ [الدخان: 56]. ومفهوم التقوى اصطلاحًا: هي أن تعمل بطاعة الله تبارك وتعالى على نورٍ من الله سبحانه وتعالى؛ رجاء رحمة الله سبحانه وتعالى، والتقوى ترك معاصي الله تبارك وتعالى على نور من الله سبحانه وتعالى؛ مخافة عذاب الله سبحانه وتعالى. وقوله عليه الصلاة والسلام: ((وأجملوا في الطلب))؛ أي: اسعوا في طلب الدنيا باعتدال دون إفراط أو تفريط، واطلبوا الحلال برفق؛ لأن الرفق لم يكن في شيء قط إلا زانه، ولا مُنع من شيء إلا شانه، فطلبُ الرزق برفقٍ أجملُ من طلبه بعنف، واتركوا أخذ الحرام؛ كما في رواية ابن ماجه من حديث جابر بن عبدالله رضي الله عنهما: ((خذوا ما حلَّ، ودعوا ما حرم)). وقوله عليه الصلاة والسلام: ((ولا يحملن أحدكم))؛ أي: لا يدفعنه استبطاء الرزق، أي: تأخر الرزق، وهذا فيما يراه، ولكن قدر الرزق وموعده مقدَّر عند الله تبارك وتعالى أن يطلبه بمعصية الله سبحانه وتعالى، ومعلوم أن الرزق لا يتأخر عن وقته، ولكن الإنسان قد يستعجله قبل وقته المقدَّر، فإذا لم يأتِ قبل ذلك الوقت استبطأه فطلبه من الحرام، وهو ما يعرضه للخسارة، فإن الله تبارك وتعالى لا يُنال ما عنده؛ أي: من نعيم في الدنيا والآخرة، إلا بطاعته، أي: بالتزام أوامره واجتناب نواهيه؛ فإن العبد لَيُحرم الرزق بالذنب يصيبه، ولا سبيل إلى طاعة الله سبحانه وتعالى إلا بتوفيقه ومعونته، ومن كان لله تبارك وتعالى كما يريد، كان الله تبارك وتعالى له فوق ما يريد، فالعبد مأمورٌ أن يمشي في نواحي الأرض وجوانبها، طلبًا للرزق؛ قال الله تبارك وتعالى: ﴿ هُوَ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الْأَرْضَ ذَلُولًا فَامْشُوا فِي مَنَاكِبِهَا وَكُلُوا مِنْ رِزْقِهِ وَإِلَيْهِ النُّشُورُ ﴾ [الملك: 15]؛ أي: الله تبارك وتعالى وحده هو الذي جعل لكم الأرض سهلةً ممهَّدة تستقرون عليها، فامشوا في نواحيها وجوانبها، وكلوا من رزق الله تبارك وتعالى الذي يُخرجه لكم منها، وإليه وحده البعث من قبوركم للحساب والجزاء، وفي الآية حثٌّ على طلب الرزق والمكاسب، وفيها دلالة على أن الله تبارك وتعالى هو الإله الحق وحده لا شريك له، وعلى قدرته، والتذكير بنِعمه، والتحذير من الركون إلى الدنيا. ويشير الحديث إلى الحث على الكسب الحلال بوسائله وسُبله وطرقه المباحة المشروعة، وإن تباطأ على الإنسان رزقه، فهو آتيه لا محالة. ويدل الحديث كذلك على أن تقدير الأرزاق لا يعني عدم السعي في تحصيلها. هذا ما تم إيراده، نسأل الله العليَّ الأعلى أن يُعيننا على ذكره وشكره وحسن عبادته، وأن ينفع بما كُتب، وأن يجعله من العلم النافع والعمل الصالح، والحمد لله رب العالمين.
__________________
|
![]() |
| الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1) | |
|
|
|
|
|
Powered by vBulletin V3.8.5. Copyright © 2005 - 2013, By Ali Madkour |