الميادين العلية للتفكر - ملتقى الشفاء الإسلامي

 

اخر عشرة مواضيع :         أدب السؤال (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 21 )           »          السائرون على الطريق (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 19 )           »          سَرِيَّة مؤتة اكتشافات جديدة في السجلات التاريخية الرومية (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 24 )           »          الفتور في الطاعة ..!! (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 17 )           »          (وَظَنّوا أَنَّهُم مانِعَتُهُم حُصونُهُم) (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 18 )           »          مسالك النفوس (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 24 )           »          قلب المؤمن بين الخوف والرجاء (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 19 )           »          الخوف والرجاء (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 22 )           »          من الأسباب المعينة على قيام الليل .. مجاهدة النفس على قيام الليل (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 20 )           »          المحتوى القيمي (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 22 )           »         

العودة   ملتقى الشفاء الإسلامي > قسم الصوتيات والمرئيات والبرامج > ملتقى الصوتيات والاناشيد الاسلامية > ملتقى الخطب والمحاضرات والكتب الاسلامية
التسجيل التعليمـــات التقويم

ملتقى الخطب والمحاضرات والكتب الاسلامية ملتقى يختص بعرض الخطب والمحاضرات الاسلامية والكتب الالكترونية المنوعة

إضافة رد
 
أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
  #1  
قديم 29-03-2022, 02:33 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم غير متصل
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 159,892
الدولة : Egypt
افتراضي الميادين العلية للتفكر

الميادين العلية للتفكر
الشيخ د. إبراهيم بن محمد الحقيل






الْحَمْدُ لِلَّهِ الْعَلِيمِ الْقَدِيرِ؛ وَلِيِّ الْمُؤْمِنِينَ، وَنَاصِرِ الْمُسْتَضْعَفِينَ، وَخَالِقِ الْخَلْقِ أَجْمَعِينَ، نَحْمَدُهُ كَمَا يَنْبَغِي لَهُ أَنْ يُحْمَدَ، وَنَشْكُرُهُ فَقَدْ تَأَذَّنَ بِالزِّيَادَةِ لِمَنْ شَكَرَ، وَأَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ؛ فَتَحَ لِعِبَادِهِ أَبْوَابَ الْخَيْرَاتِ، وَنَوَّعَ لَهُمُ الطَّاعَاتِ؛ فَضْلًا مِنْهُ سُبْحَانَهُ عَلَى عِبَادِهِ، وَرَحْمَةً بِهِمْ؛ لِيَكْتَسِبُوا بِهَا الْحَسَنَاتِ، وَيَتَزَوَّدُوا مِنَ الْبَاقِيَاتِ الصَّالِحَاتِ، وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ؛ كَانَ كَثِيرَ التَّفَكُّرِ فِي أَسْمَاءِ اللَّهِ تَعَالَى وَصِفَاتِهِ وَأَفْعَالِهِ، وَفِي نِعَمِهِ وَمِنَحِهِ وَآلَائِهِ، يُقَلِّبُ نَظَرَهُ فِي السَّمَاءِ مُتَفَكِّرًا مُعْتَبِرًا ﴿ قَدْ نَرَى تَقَلُّبَ وَجْهِكَ فِي السَّمَاءِ ﴾ [الْبَقَرَةِ: 144]، صَلَّى اللَّهُ وَسَلَّمَ وَبَارَكَ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَأَصْحَابِهِ وَأَتْبَاعِهِ إِلَى يَوْمِ الدِّينِ.







أَمَّا بَعْدُ: فَاتَّقُوا اللَّهَ تَعَالَى وَأَطِيعُوهُ، وَاسْتَقِيمُوا عَلَى أَمْرِهِ، وَانْصُرُوا دِينَهُ؛ فَإِنَّ اللَّهَ تَعَالَى يَنْصُرُ مَنْ نَصَرَ دِينَهُ ﴿ وَلَيَنْصُرَنَّ اللَّهُ مَنْ يَنْصُرُهُ إِنَّ اللَّهَ لَقَوِيٌّ عَزِيزٌ ﴾ [الْحَجِّ: 40].











أَيُّهَا النَّاسُ: الْإِنْسَانُ بِجِبِلَّتِهِ ذُو هَمٍّ وَإِرَادَةٍ، وَتَفْكِيرٍ وَخَيَالٍ، فَإِمَّا أَنْ يَشْغَلَ فِكْرَهُ فِيمَا يَنْفَعُهُ، وَإِمَّا أَنْ يَشْغَلَهُ فِيمَا لَا نَفْعَ فِيهِ، مِنَ الْخَيَالَاتِ وَالْأَحْلَامِ الضَّارَّةِ. وَمِنْ أَعْظَمِ الْعِبَادَاتِ الْمُعَطَّلَةِ عِنْدَ كَثِيرٍ مِنَ النَّاسِ عِبَادَةُ التَّفَكُّرِ، وَهِيَ عِبَادَةٌ لَا تَحْتَاجُ إِلَّا إِلَى إِعْمَالِ الْفِكْرِ فِي الْأُمُورِ السَّامِيَةِ الْعَالِيَةِ، وَأَعْلَاهَا أَسْمَاءُ اللَّهِ تَعَالَى وَصِفَاتُهُ وَأَفْعَالُهُ وَمَخْلُوقَاتُهُ، وَآيَاتُهُ الْقُرْآنِيَّةُ وَالْكَوْنِيَّةُ، وَفِي خَلْقِ الْإِنْسَانِ وَمَصِيرِهِ، وَمَا يَنْفَعُهُ فِي آخِرَتِهِ. وَهِيَ الْعِبَادَةُ الَّتِي كَانَ الصَّحَابَةُ وَالسَّلَفُ الصَّالِحُ يَعْتَنُونَ بِهَا، وَيُعْلُونَ مِنْ شَأْنِهَا، وَيَرَوْنَ أَثَرَهَا فِي صَلَاحِ الْقُلُوبِ وَاسْتِقَامَتِهَا عَلَى أَمْرِ اللَّهِ تَعَالَى؛ قَالَ عَامِرُ بْنُ عَبْدِ قَيْسٍ: «سَمِعْتُ غَيْرَ وَاحِدٍ وَلَا اثْنَيْنِ وَلَا ثَلَاثَةٍ مِنْ أَصْحَابِ مُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُونَ: إِنَّ ضِيَاءَ الْإِيمَانِ أَوْ نُورَ الْإِيمَانِ: التَّفَكُّرُ». وَسُئِلَتْ أُمُّ الدَّرْدَاءِ: «مَا كَانَ أَفْضَلَ عِبَادَةِ أَبِي الدَّرْدَاءِ؟ قَالَتِ: التَّفَكُّرُ وَالِاعْتِبَارُ». وَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: «تَفَكُّرُ سَاعَةٍ خَيْرٌ مِنْ قِيَامِ لَيْلَةٍ». وَقَالَ الْحَسَنُ الْبَصْرِيُّ: «أَفْضَلُ الْعِبَادَةِ التَّفَكُّرُ وَالْوَرَعُ».







وَلِلْعَلَّامَةِ ابْنِ الْقَيِّمِ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى كَلَامٌ مَتِينٌ فِيمَا يَنْبَغِي لِلْمُؤْمِنِ أَنْ يَشْغَلَ فِكْرَهُ فِيهِ، فَقَالَ: «وَأَعْلَى الْفِكَرِ وَأَجَلُّهَا وَأَنْفَعُهَا: مَا كَانَ لِلَّهِ وَالدَّارِ الْآخِرَةِ، فَمَا كَانَ لِلَّهِ فَهُوَ أَنْوَاعٌ:



أَحَدُهَا: الْفِكْرَةُ فِي آيَاتِهِ الْمُنَزَّلَةِ وَتَعَقُّلُهَا، وَفَهْمُهَا وَفَهْمُ مُرَادِهِ مِنْهَا، وَلِذَلِكَ أَنْزَلَهَا اللَّهُ تَعَالَى، لَا لِمُجَرَّدِ تِلَاوَتِهَا، بَلِ التِّلَاوَةُ وَسِيلَةٌ. قَالَ بَعْضُ السَّلَفِ: أُنْزِلَ الْقُرْآنَ لِيُعْمَلَ بِهِ، فَاتَّخَذُوا تِلَاوَتَهُ عَمَلًا». ﴿ كِتَابٌ أَنْزَلْنَاهُ إِلَيْكَ مُبَارَكٌ لِيَدَّبَّرُوا آيَاتِهِ وَلِيَتَذَكَّرَ أُولُو الْأَلْبَابِ ﴾ [ص: 29]. وَفِي آيَاتٍ كَثِيرَةٍ يُبَيِّنُ اللَّهُ تَعَالَى أَنَّهُ سُبْحَانَهُ أَنْزَلَ آيَاتِهِ، وَبَيَّنَهَا لِعِبَادِهِ؛ لِيَنْتَفِعَ بِهَا أَهْلُ الْإِيمَانِ وَالْعِلْمِ وَالْيَقِينِ، وَأُولُو الْعُقُولِ الرَّاجِحَةِ؛ قَالَ تَعَالَى: ﴿ قَدْ بَيَّنَّا الْآيَاتِ لِقَوْمٍ يُوقِنُونَ ﴾ [الْبَقَرَةِ: 118]، وَقَالَ تَعَالَى: ﴿ كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمُ الْآيَاتِ لَعَلَّكُمْ تَتَفَكَّرُونَ ﴾ [الْبَقَرَةِ: 219]، وَقَالَ تَعَالَى: ﴿ قَدْ بَيَّنَّا لَكُمُ الْآيَاتِ إِنْ كُنْتُمْ تَعْقِلُونَ ﴾ [آلِ عِمْرَانَ: 118]، وَقَالَ تَعَالَى: ﴿ قَدْ فَصَّلْنَا الْآيَاتِ لِقَوْمٍ يَذَّكَّرُونَ ﴾ [الْأَنْعَامِ: 126]، وَقَالَ تَعَالَى: ﴿ وَنُفَصِّلُ الْآيَاتِ لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ ﴾ [التَّوْبَةِ: 11]، وَقَالَ تَعَالَى: ﴿ وَتِلْكَ الْأَمْثَالُ نَضْرِبُهَا لِلنَّاسِ وَمَا يَعْقِلُهَا إِلَّا الْعَالِمُونَ ﴾ [الْعَنْكَبُوتِ: 43].







«الثَّانِي: الْفِكْرَةُ فِي آيَاتِهِ الْمَشْهُودَةِ، وَالِاعْتِبَارُ بِهَا، وَالِاسْتِدْلَالُ بِهَا عَلَى أَسْمَائِهِ وَصِفَاتِهِ، وَحِكْمَتِهِ وَإِحْسَانِهِ، وَبِرِّهِ وَجُودِهِ، وَقَدْ حَضَّ اللَّهُ سُبْحَانَهُ عِبَادَهُ عَلَى التَّفَكُّرِ فِي آيَاتِهِ وَتُدَبِّرِهَا وَتَعَقُّلِهَا، وَذَمَّ الْغَافِلَ عَنْ ذَلِكَ». قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: ﴿ إِنَّ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَاخْتِلَافِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ وَالْفُلْكِ الَّتِي تَجْرِي فِي الْبَحْرِ بِمَا يَنْفَعُ النَّاسَ وَمَا أَنْزَلَ اللَّهُ مِنَ السَّمَاءِ مِنْ مَاءٍ فَأَحْيَا بِهِ الْأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِهَا وَبَثَّ فِيهَا مِنْ كُلِّ دَابَّةٍ وَتَصْرِيفِ الرِّيَاحِ وَالسَّحَابِ الْمُسَخَّرِ بَيْنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ لَآيَاتٍ لِقَوْمٍ يَعْقِلُونَ ﴾ [الْبَقَرَةِ: 164]، وَقَالَ تَعَالَى: ﴿ إِنَّ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَاخْتِلَافِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ لَآيَاتٍ لِأُولِي الْأَلْبَابِ ﴾ [آلِ عِمْرَانَ: 190]، وَقَالَ تَعَالَى: ﴿ وَهُوَ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ النُّجُومَ لِتَهْتَدُوا بِهَا فِي ظُلُمَاتِ الْبَرِّ وَالْبَحْرِ قَدْ فَصَّلْنَا الْآيَاتِ لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ * وَهُوَ الَّذِي أَنْشَأَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ فَمُسْتَقَرٌّ وَمُسْتَوْدَعٌ قَدْ فَصَّلْنَا الْآيَاتِ لِقَوْمٍ يَفْقَهُونَ ﴾ [الْأَنْعَامِ: 97-98]، وَقَالَ تَعَالَى: ﴿ اللَّهُ الَّذِي رَفَعَ السَّمَاوَاتِ بِغَيْرِ عَمَدٍ تَرَوْنَهَا ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ وَسَخَّرَ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ كُلٌّ يَجْرِي لِأَجَلٍ مُسَمًّى يُدَبِّرُ الْأَمْرَ يُفَصِّلُ الْآيَاتِ لَعَلَّكُمْ بِلِقَاءِ رَبِّكُمْ تُوقِنُونَ * وَهُوَ الَّذِي مَدَّ الْأَرْضَ وَجَعَلَ فِيهَا رَوَاسِيَ وَأَنْهَارًا وَمِنْ كُلِّ الثَّمَرَاتِ جَعَلَ فِيهَا زَوْجَيْنِ اثْنَيْنِ يُغْشِي اللَّيْلَ النَّهَارَ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ * وَفِي الْأَرْضِ قِطَعٌ مُتَجَاوِرَاتٌ وَجَنَّاتٌ مِنْ أَعْنَابٍ وَزَرْعٌ وَنَخِيلٌ صِنْوَانٌ وَغَيْرُ صِنْوَانٍ يُسْقَى بِمَاءٍ وَاحِدٍ وَنُفَضِّلُ بَعْضَهَا عَلَى بَعْضٍ فِي الْأُكُلِ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِقَوْمٍ يَعْقِلُونَ ﴾ [الرَّعْدِ: 2-4]، وَقَالَ تَعَالَى: ﴿ اعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ يُحْيِي الْأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِهَا قَدْ بَيَّنَّا لَكُمُ الْآيَاتِ لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ ﴾ [الْحَدِيدِ: 17].







«الثَّالِثُ: الْفِكْرَةُ فِي آلَائِهِ وَإِحْسَانِهِ، وَإِنْعَامِهِ عَلَى خَلْقِهِ بِأَصْنَافِ النِّعَمِ، وَسِعَةِ رَحْمَتِهِ وَمَغْفِرَتِهِ وَحِلْمِهِ». وَقَدْ أَمَرَ الرُّسُلُ عَلَيْهِمُ السَّلَامُ أَقْوَامَهُمْ بِذَلِكَ، كَمَا قَالَ هُودٌ لِقَوْمِهِ: ﴿ فَاذْكُرُوا آلَاءَ اللَّهِ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ ﴾ [الْأَعْرَافِ: 69]، وَقَالَ صَالِحٌ لِقَوْمِهِ: ﴿ فَاذْكُرُوا آلَاءَ اللَّهِ وَلَا تَعْثَوْا فِي الْأَرْضِ مُفْسِدِينَ ﴾ [الْأَعْرَافِ: 74]، وَعَدَّدَ اللَّهُ تَعَالَى جُمْلَةً مِنْ آلَائِهِ فِي سُورَةِ الرَّحْمَنِ فَقَالَ سُبْحَانَهُ: ﴿ وَالْأَرْضَ وَضَعَهَا لِلْأَنَامِ * فِيهَا فَاكِهَةٌ وَالنَّخْلُ ذَاتُ الْأَكْمَامِ * وَالْحَبُّ ذُو الْعَصْفِ وَالرَّيْحَانُ * فَبِأَيِّ آلَاءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ ﴾ [الرَّحْمَنِ: 10-13]، وَكَرَّرَ قَوْلَهُ تَعَالَى: ﴿ فَبِأَيِّ آلَاءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ ﴾ ثَلَاثِينَ مَرَّةً فِي سُورَةِ الرَّحْمَنِ؛ تَذْكِيرًا بِآلَائِهِ سُبْحَانَهُ عَلَى عِبَادِهِ. وَقَالَ تَعَالَى: ﴿ اللَّهُ الَّذِي سَخَّرَ لَكُمُ الْبَحْرَ لِتَجْرِيَ الْفُلْكُ فِيهِ بِأَمْرِهِ وَلِتَبْتَغُوا مِنْ فَضْلِهِ وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ * وَسَخَّرَ لَكُمْ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ جَمِيعًا مِنْهُ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ ﴾ [الْجَاثِيَةِ: 12-13].







قَالَ ابْنُ الْقَيِّمِ: «وَهَذِهِ الْأَنْوَاعُ الثَّلَاثَةُ تَسْتَخْرِجُ مِنَ الْقَلْبِ مَعْرِفَةَ اللَّهِ وَمَحَبَّتَهُ وَخَوْفَهُ وَرَجَاءَهُ. وَدَوَامُ الْفِكْرَةِ فِي ذَلِكَ مَعَ الذِّكْرِ يَصْبُغُ الْقَلْبَ فِي الْمَعْرِفَةِ وَالْمَحَبَّةِ صَبْغَةً تَامَّةً».







نَسْأَلُ اللَّهَ تَعَالَى أَنْ يُعَلِّمَنَا مَا يَنْفَعُنَا، وَأَنْ يَرْزُقَنَا الْعَمَلَ بِمَا عَلَّمَنَا، وَأَنْ يَجْعَلَنَا مِنْ عِبَادِهِ الصَّالِحِينَ، وَحِزْبِهِ الْمُفْلِحِينَ، إِنَّهُ سَمِيعٌ مُجِيبٌ.







وَأَقُولُ قَوْلِي هَذَا وَأَسْتَغْفِرُ اللَّهَ لِي وَلَكُمْ...











الخطبة الثانية



الْحَمْدُ لِلَّهِ حَمْدًا طَيِّبًا كَثِيرًا مُبَارَكًا فِيهِ كَمَا يُحِبُّ رَبُّنَا وَيَرْضَى، وَأَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ، وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ، صَلَّى اللَّهُ وَسَلَّمَ وَبَارَكَ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَأَصْحَابِهِ وَمَنِ اهْتَدَى بِهُدَاهُمْ إِلَى يَوْمِ الدِّينِ.







أَمَّا بَعْدُ: فَاتَّقُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوهُ، وَأَعْمِلُوا الْفِكْرَ فِيمَا يَنْفَعُكُمْ؛ فَإِنَّهُ طَرِيقٌ لِلتَّقْوَى: ﴿ إِنَّ فِي اخْتِلَافِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ وَمَا خَلَقَ اللَّهُ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ لَآيَاتٍ لِقَوْمٍ يَتَّقُونَ ﴾ [يُونُسَ: 6].







أَيُّهَا الْمُسْلِمُونَ: مِنْ أَهَمِّ مَوْضُوعَاتِ التَّفَكُّرِ، وَهُوَ رَابِعُهَا: «الْفِكْرَةُ فِي عُيُوبِ النَّفْسِ وَآفَاتِهَا، وَفِي عُيُوبِ الْعَمَلِ، وَهَذِهِ الْفِكْرَةُ عَظِيمَةُ النَّفْعِ، وَهَذَا بَابٌ لِكُلِّ خَيْرٍ...»، وَاللَّهُ تَعَالَى هُوَ خَالِقُ النَّفْسِ الْبَشَرِيَّةِ، وَهُوَ أَعْلَمُ بِهَا؛ وَقَدْ ذَكَرَ مِنْ أَوْصَافِهَا وَعُيُوبِهَا فِي الْقُرْآنِ مَا يَدْفَعُ الْمُؤْمِنَ إِلَى مُرَاقَبَتِهَا وَتَهْذِيبِهَا وَإِصْلَاحِهَا، وَتَزْكِيَتِهَا بِالْإِيمَانِ وَالْعَمَلِ الصَّالِحِ، وَدَوَامِ الْمُرَاقَبَةِ وَالْمُحَاسَبَةِ، وَدُونَكُمْ جُمْلَةً مِنَ الْآيَاتِ فِي بَيَانِ خَفَايَا النَّفْسِ الْبَشَرِيَّةِ: ﴿ إِنَّ الْإِنْسَانَ لَظَلُومٌ كَفَّارٌ ﴾ [إِبْرَاهِيمَ: 34]، ﴿ وَيَدْعُ الْإِنْسَانُ بِالشَّرِّ دُعَاءَهُ بِالْخَيْرِ وَكَانَ الْإِنْسَانُ عَجُولًا ﴾ [الْإِسْرَاءِ: 11]، ﴿ وَكَانَ الْإِنْسَانُ قَتُورًا ﴾ [الْإِسْرَاءِ: 100]، ﴿ وَكَانَ الْإِنْسَانُ أَكْثَرَ شَيْءٍ جَدَلًا ﴾ [الْكَهْفِ: 54]، ﴿ وَحَمَلَهَا الْإِنْسَانُ إِنَّهُ كَانَ ظَلُومًا جَهُولًا ﴾ [الْأَحْزَابِ: 72]، ﴿ وَإِنْ مَسَّهُ الشَّرُّ فَيَئُوسٌ قَنُوطٌ ﴾ [فُصِّلَتْ: 49]، ﴿ إِنَّ الْإِنْسَانَ خُلِقَ هَلُوعًا * إِذَا مَسَّهُ الشَّرُّ جَزُوعًا * وَإِذَا مَسَّهُ الْخَيْرُ مَنُوعًا * إِلَّا الْمُصَلِّينَ ﴾ [الْمَعَارِجِ: 19-22]، ﴿ قُتِلَ الْإِنْسَانُ مَا أَكْفَرَهُ ﴾ [عَبَسَ: 17]، ﴿ وَنَفْسٍ وَمَا سَوَّاهَا*فَأَلْهَمَهَا فُجُورَهَا وَتَقْوَاهَا * قَدْ أَفْلَحَ مَنْ زَكَّاهَا *وَقَدْ خَابَ مَنْ دَسَّاهَا ﴾ [الشَّمْسِ: 7-11]، ﴿ كَلَّا إِنَّ الْإِنْسَانَ لَيَطْغَى * أَنْ رَآهُ اسْتَغْنَى ﴾ [الْعَلَقِ: 6-7].







كَمَا أَنَّ النَّفْسَ الْبَشَرِيَّةَ مَبْلِيَّةٌ بِالرِّيَاءِ وَالسُّمْعَةِ وَحُبِّ الظُّهُورِ وَالشُّهْرَةِ وَالذِّكْرِ، مَعَ مَا فِيهَا مِنْ نَقْصِ الْعَمَلِ الصَّالِحِ وَالْخَلَلِ فِي أَدَائِهِ، وَالْجَهْلِ مَعَ ادِّعَاءِ الْعِلْمِ، وَالْفَسَادِ مَعَ ادِّعَاءِ الصَّلَاحِ، وَغَيْرِ ذَلِكَ مِنَ الْأَدْوَاءِ الَّتِي تَسْتَوْجِبُ عِلَاجَهَا.








«الْخَامِسُ: الْفِكْرَةُ فِي وَاجِبِ الْوَقْتِ وَوَظِيفَتِهِ، وَجَمْعِ الْهَمِّ كُلِّهِ عَلَيْهِ، فَالْعَارِفُ ابْنُ وَقْتِهِ، فَإِنْ أَضَاعَهُ ضَاعَتْ عَلَيْهِ مَصَالِحُهُ كُلُّهَا، فَجَمِيعُ الْمَصَالِحِ إِنَّمَا تَنْشَأُ مِنَ الْوَقْتِ، وَإِنْ ضَيَّعَهُ لَمْ يَسْتَدْرِكْهُ أَبَدًا».







وَكَثِيرٌ مِنَ النَّاسِ فِي عِبَادَةِ التَّفَكُّرِ يَتَفَكَّرُ فِيمَا لَا يَقْدِرُ عَلَيْهِ، وَلَا يَعْمَلُ بِمَا يَقْدِرُ عَلَيْهِ، فَيَعْجِزُ عَنِ الْأَوَّلِ وَيَفُوتُ عَلَيْهِ الثَّانِي، وَمِنْهُمْ مَنْ يَشْتَغِلُ بِالتَّفَكُّرِ فِي أُمُورٍ مُسْتَقْبَلِيَّةٍ عَنْ أُمُورٍ حَاضِرَةٍ، فَيُضَيِّعُ وَاجِبَ الْوَقْتِ لِمُسْتَقْبَلٍ لَا يَدْرِي هَلْ يُدْرِكُهُ أَمْ لَا؟ ثُمَّ إِذَا أَدْرَكَهُ لَا يَدْرِي هَلْ يَقْدِرُ عَلَى تَحْقِيقِ مَا فَكَّرَ فِيهِ أَمْ يَعْجِزُ عَنْهُ. وَلِذَا فَإِنَّ مِنْ فِقْهِ التَّفَكُّرِ تَقْدِيمَ التَّفَكُّرِ فِي الْأَهَمِّ عَلَى الْمُهِمِّ، وَتَقْدِيمَ التَّفَكُّرِ فِيمَا يَفُوتُ عَلَى مَا لَا يَفُوتُ، وَتَقْدِيمَ التَّفَكُّرِ فِيمَا يَقْدِرُ عَلَيْهِ عَلَى مَا يَعْجِزُ عَنْهُ. وَلَوْ فَعَلَ ذَلِكَ كَانَتْ حَيَاتُهُ كُلُّهَا عِبَادَةً لِلَّهِ تَعَالَى، وَلَا يَفُوتُ عَلَيْهِ لَحْظَةٌ فِي غَيْرِ عِبَادَةٍ؛ فَإِذَا انْتَهَى مِنْ عَمَلٍ صَالِحٍ اشْتَغَلَ بِالتَّفَكُّرِ فِي عَمَلٍ يَلِيهِ.. وَهَكَذَا.. وَخِلَالَ ذَلِكَ يُعْمِلُ فِكْرَهُ فِي أَسْمَاءِ اللَّهِ تَعَالَى وَصِفَاتِهِ وَأَفْعَالِهِ وَآيَاتِهِ وَمَخْلُوقَاتِهِ وَنِعَمِهِ وَآلَائِهِ، فَلَا يَنْقَطِعُ عَنْ عِبَادَتِهِ، وَلَا يَتَوَقَّفُ أَجْرُهُ، وَمَنْ جَاهَدَ نَفْسَهُ عَلَى التَّفَكُّرِ هُدِيَ إِلَى أَفْضَلِهِ، وَأَعْمَلَ عَقْلَهُ فِي أَعْلَى الْأُمُورِ وَأَنْفَعِهَا ﴿ وَالَّذِينَ جَاهَدُوا فِينَا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا وَإِنَّ اللَّهَ لَمَعَ الْمُحْسِنِينَ ﴾ [الْعَنْكَبُوتِ: 69].








وَصَلُّوا وَسَلِّمُوا عَلَى نَبِيِّكُمْ...






__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
إضافة رد


الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1)
 

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع


 


الاحد 20 من مارس 2011 , الساعة الان 01:21:21 صباحاً.

Powered by vBulletin V3.8.5. Copyright © 2005 - 2013, By Ali Madkour

[حجم الصفحة الأصلي: 61.92 كيلو بايت... الحجم بعد الضغط 60.21 كيلو بايت... تم توفير 1.71 كيلو بايت...بمعدل (2.76%)]