|
الملتقى العلمي والثقافي قسم يختص بكل النظريات والدراسات الاعجازية والثقافية والعلمية |
![]() |
|
أدوات الموضوع | انواع عرض الموضوع |
#1
|
||||
|
||||
![]() العلم والتقنية؛ أية علاقة؟ لوكيلي عبدالحليم يتميز الإنسان عن سائر الكائنات الحية بالقدرة على الفهم أو التعقل، ولئن كان كذلك، فإن هذه السمة الفريدة التي حصلها نتيجة تكيفه مع التغيرات الطبيعية التي صاحبته في عيشه وترحاله منذ أزمنة غابرة، تجعل منه كائنًا متفردًا بكونه مبدعًا وفاعلًا، فمعنى أنه مبدع؛ أي إن لديه القدرة العقلية والبدنية على خلق جملة من الأدوات والأشياء، التي تساعده في تخفيف العبء عن ذاته، ولأن الإنسان يتميز بالنقص والمحدودية، الأمر الذي يفيد أنه لا يقدر على صنع شيء من لا شيء، أو خلق شيء كامل، بقدر ما أن الذي يقدر على صنعه، سيكون لا محالة ناقصًا (النقص لا ينتج إلا النقص)، الشيء الذي يدفعه إلى إبداء فاعليته فيه، عبر تطويره نحو الأفضل، وهذا ما يبرز كونه كائنًا فاعلًا. ولعل أبرز ما أبدعه الإنسان وأصبح فاعلًا فيه؛ أي مطورًا له بكيفية دائمة، نجد مجالي التقنية والعلم، وإذن، ما دلالة مفهومي التقنية والعلم؟ وهل هناك من علاقة بين هذين المفهومين؟ تعود كلمة التقنية (La technique) في دلالتها الاشتقاقية إلى المصطلح اليوناني (techne) التي تُرجمت عند المترجمين العرب الأوائل بالصنعة أو الحرفة، وإذا كان الأمر كذلك، فإنه يمكن استنباط دلالة فلسفية خاصة لمفهوم التقنية، انطلاقًا من هذه الدلالة الاشتقاقية، ذلك أن اعتبار شخص ما يملك صنعة أو حرفة تمكنه من صنع شيء يبتغي من ورائه فائدة ومنفعة، يفيد أن الصانع أو الحرفيَّ يقوم بعملٍ مبتدؤه الانطلاق من مادة أولية (كالخشب بالنسبة لحرفة النجارة)، ليقوم بتحويلها إلى أداة أو آلة تفيد الإنسان في حياته وتخفف عنه وطأتها، وبهذا المعنى، فالتقنية في أبسط تحديد فلسفي لها: "عملية تحويل للمواد والطاقات الطبيعية إلى أدوات وآلات لتخفيف العبء عن ذاتية الإنسان". أما العلم، فيقصد به عامة أنه مجموع الأفكار والتصورات التي يتم من خلالها تفسير مسألة من المسائل التي تقتضي البحث والتفكير، بيد أن للعلم دلالة خاصة ترتبط بمجال العلوم الطبيعية، ذلك أن العالم في سيرورة عمله وبنائه النظري لتفسير ظاهرة من ظواهر هذا الوجود، ينطلق من شيء مألوف لدى الجميع (القذف بالحجرة إلى السماء وعودتها إلى الأرض)، فيعمل على تجريده ذهنيًّا للكشف عن القوانين المتحكمة فيه. انطلاقًا من هذه المعاني التي تم تحديدها، يتبين أن هناك اختلافًا مبدئيًّا بين مفهومي التقنية والعلم، سواء تعلق الأمر من حيث المنهج والموضوع أو من حيث الغاية، وإذا كان الأمر كذلك، فهل يمكن نفي أية علاقة تنطوي على نوع من التداخل بين هذين المفهومين، رغم هذا التمايز المبدئي من حيث التحديد الاشتقاقي والمفهومي لكل مفهوم على حِدة؟ للإجابة عن هذا التساؤل، يمكن أن نستدعي تصورين فلسفيين مختلفين في تصورهما لطبيعة العلاقة بين التقنية والعلم، أعني بذلك كلًّا منأرسطو وفرنسيس بيكون؛ ينطلق أرسطو في كتابه «الأخلاق إلى نيقوماخوس» من قول مشهور مفاده أن «كل ما يقوم به الإنسان يبتغي من ورائه خيرًا ما»، وكل خير نحصل عليه يكون وسيلة لبلوغ خير آخر أهم منه، وهكذا نستمر في تسلسل الخيرات إلى أسمى الخيرات؛ السعادة، وتفيد السعادة عند أرسطو أنها العيش بمقتضى الفضيلة التي تقسم إلى فضائل فكرية وخُلقية، لكن، ما يهمنا هو الفضائل العقلية التي تتضمن مفهومي التقنية والعلم إلى جانب فضائل أخرى. في هذا الصدد، يعتبر أرسطو أن اهتمام العلم ينصب على كائنات توجد بالشكل نفسه أو تحدث بالشكل نفسه، الشيء الذي يبرز مبدئيًّا أن العلم يتميز بالضرورة والأبدية؛ ذلك أن ما يحدث بالشكل نفسه باستمرار، لا يمكن اعتباره متغيرًا، إذ ما يتغير في هذا الحال هو طريقة فهمنا لما يحدث، وبهذا المعنى، فرجل العلم لا ينبغي عليه التدخل في الطبيعة، من حيث إن مبتغاه هو وصف ما يحدث، لا تغييره، أما التقنية فهي قائمة على الإنتاج؛ أي إنتاج أدوات وآلات لتخفيف العبء عن الإنسان، وإذا كانت الظواهر الطبيعية ثابتة وأبدية، فإن ما يوجد بفعل الإنتاج البشري، لا يمكن إلا أن يكون متغيرًا وخاضعًا للسيرورة، أما من حيث تدخل رجل التقنية في الطبيعة، فإن شرط إنتاجه يتوقف على تحويل ما هو طبيعي إلى ما هو مفيد لذاتية الإنسان، وبناء على ما سبق، يبدو من وجهة نظر أرسطو أن هناك اختلافًا من حيث الموضوع والمنهج والغاية بين التقنية والعلم. على نقيض هذا التصور، نجد الفيلسوف الإنجليزي فرنسيس بيكون ينطلق من القول بأن «المجتمع الجديد في حاجة إلى علم جديد، وإلى معرفة جديدة»، مما يعني أن كل مجتمع يريد أن يكون متقدمًا، ومتطورًا، لا بد له من علمٍ يواكب تقدمه، ومن معرفة تواكب تحولاته، إن العلم والمعرفة يسهمان في تقدم المجتمعات البشرية؛ حيث لا يمكن لأي مجتمع، أن يحرز تقدمًا، دون أن تكون له معرفة جديدة، ومعاصرة له، كما لا يمكن أن يتقدم دون أن يكون له علم يواكب عصره، وبهذا المعنى، يعتبر فرنسيس بيكون أن العلم الذي يستطيع أن يجعل المجتمع متقدمًا، هو العلم القائم على عنصرين أساسيين؛ أولًا: يقوم العلم على وصف الظواهر، بغرض الوصول إلى معرفة حقيقتها، ثانيًا: العلم لا ينبغي له أن يقف عند حدود وصف الظواهر، وإنما ينبغي أن يتجاوز ذلك نحو استثمار نتائجه فيما يفيد البشرية؛ وعليه فالعلم يصبح من وجهة نظر فرنسيس بيكون غايته ليس معرفة الحقيقة فقط، وإنما إنتاج ما يفيد البشرية، ويخفف العبء عنها، وبهذا المعنى، يصبح العلم تقنيًّا؛ إذ الذي يكون في استطاعته استثمار نتائج العلم، هو رجل التقنية، ولهذا السبب، ينظر فرنسيس بيكون إلى طبيعة العلاقة بين التقنية والعلم في كونها علاقة اتصال، وباختصار: فالعلم يحتاج إلى التقنية، والتقنية تحتاج إلى العلم.
__________________
|
![]() |
الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1) | |
|
|
|
Powered by vBulletin V3.8.5. Copyright © 2005 - 2013, By Ali Madkour |