خطورة إهمال المراهقين وآثاره - ملتقى الشفاء الإسلامي

 

اخر عشرة مواضيع :         حدث في مثل هذا اليوم ميلادي ... (اخر مشاركة : أبــو أحمد - عددالردود : 4979 - عددالزوار : 2099119 )           »          إشــــــــــــراقة وإضــــــــــــاءة (متجدد باذن الله ) (اخر مشاركة : أبــو أحمد - عددالردود : 4558 - عددالزوار : 1375633 )           »          ألا إن سلعة الله غالية (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 27 )           »          المولد (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 22 )           »          النهي عن التشاؤم (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 22 )           »          التقوى خير زاد (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 24 )           »          الحمد لله (3) حمد الله تعالى نفسه (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 24 )           »          المؤمنون حقا (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 23 )           »          عام دراسي أطل (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 20 )           »          مواسمنا الإيمانية منهج استقامة (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 20 )           »         

العودة   ملتقى الشفاء الإسلامي > قسم الصوتيات والمرئيات والبرامج > ملتقى الصوتيات والاناشيد الاسلامية > ملتقى الخطب والمحاضرات والكتب الاسلامية
التسجيل التعليمـــات التقويم

ملتقى الخطب والمحاضرات والكتب الاسلامية ملتقى يختص بعرض الخطب والمحاضرات الاسلامية والكتب الالكترونية المنوعة

إضافة رد
 
أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
  #1  
قديم يوم أمس, 10:25 AM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم غير متصل
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 160,292
الدولة : Egypt
افتراضي خطورة إهمال المراهقين وآثاره

خطورة إهمال المراهقين وآثاره


أَيُّهَا الْمُسْلِمُونَ: لِلْعُمْرِ مَرَاحِلُ يَقْطَعُهَا الْإِنْسَانُ، وَلِكُلِّ مَرْحَلَةٍ مِنْهَا مِيزَاتُهَا، فَمِنْ تِلْكَ الْمَرَاحِلِ: مَرْحَلَةٌ ذَاتُ قَدْرٍ كَبِيرٍ، وَشَأْنٍ خَطِيرٍ؛ لِمَا يَحْدُثُ لِلْإِنْسَانِ فِيهَا مِنَ التَّغَيُّرَاتِ فِي جِسْمِهِ وَنَفْسِهِ وَعَقْلِهِ، وَقَدْ يَكُونُ لِهَذِهِ الْمَرْحَلَةِ أَثَرُهَا الْإِيجَابِيُّ أَوِ السَّلْبِيُّ عَلَى مَا بَعْدَهَا مِنَ الْمَرَاحِلِ، فَهَلْ عَرَفْتُمْ هَذَا الْمَرْحَلَةَ يَا عِبَادَ اللَّهِ؟
إِنَّهَا مَرْحَلَةُ الْمُرَاهَقَةِ، وَالْمُرَاهَقَةُ مَعْنَاهَا: الِاقْتِرَابُ مِنَ النُّضْجِ الْجِسْمِيِّ وَالْعَقْلِيِّ وَالنَّفْسِيِّ وَالِاجْتِمَاعِيِّ، وَيَكُونُ ذَلِكَ مِنْ سِنِّ الثَّانِيَةَ عَشْرَةَ مِنَ الْعُمْرِ إِلَى سِنِّ الثَّانِيَةِ وَالْعِشْرِينَ.
أَيُّهَا الْمُؤْمِنُونَ: وَهَؤُلَاءِ الْمُرَاهِقُونَ لَهُمْ حُقُوقٌ عَلَى آبَائِهِمْ وَمُرَبِّيهِمْ؛ مِنْ أَجْلِ أَنْ يَكُونُوا فِي الْمُجْتَمَعِ أَعْضَاءً نَافِعِينَ، وَفِي دِينِهِمْ وَدُنْيَاهُمْ عِبَادًا صَالِحِينَ، فَمِنَ الْوَاجِبِ نَحْوَهُمْ: إِحْسَانُ تَرْبِيَتِهِمْ، وَيُعِينُ عَلَى هَذَا الْوَاجِبِ: مَعْرِفَةُ فِقْهِ مَرْحَلَةِ الْمُرَاهَقَةِ، وَإِدْرَاكُ خُطُورَتِهَا، فَكَمْ يَفْشُو الْجَهْلُ بِشُؤُونِ هَذِهِ الْمَرْحَلَةِ الْعُمْرِيَّةِ بَيْنَ الْآبَاءِ وَالْأُمَّهَاتِ وَالْمُعَلِّمِينَ وَالْمُعَلِّمَاتِ، فَلَا يُدْرَى مَاذَا يَحْصُلُ لِلْمُرَاهِقِ مِنَ التَّغَيُّرَاتِ الَّتِي يُعَانِي مِنْهَا، وَبِنَاءً عَلَيْهَا تَتَغَيَّرُ أَخْلَاقُهُ وَمُعَامَلَاتُهُ.
فَإِذَا أَدْرَكْتُمْ -أَيُّهَا الْآبَاءُ الْكِرَامُ- فِقْهَ هَذِهِ الْمَرْحَلَةِ لَمْ تَسْتَغْرِبُوا مَا يَصْدُرُ مِنْ أَهْلِهَا مِنَ التَّصَرُّفَاتِ، وَاسْتَطَعْتُمْ أَنْ تَسْلُكُوا السُّبُلَ النَّاجِحَةَ فِي تَرْبِيَةِ الْمُرَاهِقِينَ مِنَ الْأَبْنَاءِ وَالْبَنَاتِ، وَلَيْسَ الْأَبُ الَّذِي وَعَى هَذِهِ الْمَرْحَلَةَ كَمَنْ جَهِلَهَا، كَمَا قَالَ الشَّاعِرُ:
فَلَيْسَ سَوَاءً عَالِمٌ وَجَهُولُ
وَمِنَ الْوَاجِبِ نَحْوَ الْمُرَاهِقِ: الْجُلُوسُ مَعَهُ وَمُحَاوَرَتُهُ فِيمَا يَصْدُرُ مِنْهُ مِنَ الْمُخَالَفَاتِ؛ فَلَيْسَ مِنَ التَّرْبِيَةِ الصَّحِيحَةِ: سُلُوكُ طَرِيقِ الْعِقَابِ لِلْمُرَاهِقِ فِي كُلِّ مُخَالَفَةٍ تَصْدُرُ عَنْهُ؛ وَلَوْ رَجَعْنَا إِلَى الْقُرْآنِ الْكَرِيمِ فَسَنَرَى آيَاتٍ كَثِيرَةً تَدْعُو إِلَى الْحِوَارِ مَعَ الْمُخَالِفِينَ، بَلْ وَتَأْمُرُ بِانْتِهَاجِ أَحْسَنِ الطُّرُقِ فِي الْحِوَارِ، وَمَعَ مَنْ؟ مَعَ أُنَاسٍ كُفَّارٍ وَأَعْدَاءٍ، وَلَيْسَ مَعَ طُلَّابٍ وَأَبْنَاءٍ، قَالَ اللَّهُ -تَعَالَى-: {قَالَ لَهُ صَاحِبُهُ وَهُوَ يُحَاوِرُهُ أَكَفَرْتَ بِالَّذِي خَلَقَكَ مِنْ تُرَابٍ ثُمَّ مِنْ نُطْفَةٍ ثُمَّ سَوَّاكَ رَجُلًا} [الْكَهْفِ:37]، وَقَالَ -تَعَالَى-: {ادْعُ إِلَى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ وَجَادِلْهُمْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ إِنَّ رَبَّكَ هُوَ أَعْلَمُ بِمَنْ ضَلَّ عَنْ سَبِيلِهِ وَهُوَ أَعْلَمُ بِالْمُهْتَدِينَ} [النَّحْلِ:125].
فَاجْلِسْ -أَيُّهَا الْأَبُ- مَعَ ابْنِكَ أَوِ ابْنَتِكَ، وَاسْمَعْ مِنْهُ وَرَاجِعْهُ الْكَلَامَ، وَاسْتَمِعْ إِلَى وُجْهَةِ نَظَرِهِ فِي مَوْقِفِهِ الَّذِي تَنْتَقِدُهُ عَلَيْهِ، وَإِيَّاكَ أَنْ تُحَاوِرَهُ حِوَارَ الْمُحَقِّقِ، أَوْ حِوَارَ الْمُسْتَبِدِّ بِرَأْيِهِ (مَا أُرِيكُمْ إِلَّا مَا أَرَى).
وَاعْلَمُوا -أَيُّهَا الْإِخْوَةُ- أَنَّ الْحِوَارَ مَعَ الْمُرَاهِقِينَ هُوَ الطَّرِيقُ الْأَمْثَلُ الْبَدِيلُ عَنِ التَّنَافُرِ وَالصِّرَاعِ، وَامْتِلَاءِ النُّفُوسِ بِالْغَضَبِ وَالْكَرَاهِيَةِ الْمُتَبَادَلَةِ؛ وَمِنَ الْوَاجِبِ نَحْوَ الْمُرَاهِقِ أَيْضًا: إِظْهَارُ حُبِّكَ لَهُ وَعِنَايَتِكَ بِهِ؛ فَإِنَّ إِشْعَارَ الْمُرَاهِقِ بِالْحُبِّ وَالْحَنَانِ وَالْأَمَانِ مِنْ أَقْوَى الْمَدَاخِلِ إِلَى نَفْسِهِ فِي هَذِهِ السِّنِّ، وَأَبْلَغِ فُرَصِ التَّفَاهُمِ مَعَهُ؛ فَأَخْبِرْهُ أَنَّ نُصْحَكَ لَهُ مِنْ بَابِ الْحُبِّ، وَانْتِقَادَكَ الرَّفِيقَ لِبَعْضِ أَخْطَائِهِ أَيْضًا مِنَ الْحُبِّ، وَعَدَمِ إِعْطَائِهِ كُلَّ مَا يَهْوَى هُوَ كَذَلِكَ مِنَ الْحُبِّ، وَأَعْلِمْهُ أَنَّ الْحُبَّ الْحَقِيقِيَّ لَيْسَ هُوَ إِعْطَاءَ الْمَحْبُوبِ كُلَّ مَا يُرِيدُ، وَقُلْ لَهُ: هَلْ تَعْلَمُ أَنَّ اللَّهَ -تَعَالَى- يُحِبُّ الْمُؤْمِنِينَ وَمَعَ ذَلِكَ يَبْتَلِيهِمْ بِالْمَكَارِهِ أَكْثَرَ مِنْ غَيْرِهِمْ! فَعَنْ سَعْدِ بْنِ أَبِي وَقَّاصٍ -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ- قَالَ: قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، أَيُّ النَّاسِ أَشَدُّ بَلَاءً؟ قَالَ: «الْأَنْبِيَاءُ، ثُمَّ الْأَمْثَلُ فَالْأَمْثَلُ، يُبْتَلَى الرَّجُلُ عَلَى حَسَبِ دِينِهِ، فَإِنْ كَانَ دِينُهُ صُلْبًا اشْتَدَّ بَلَاؤُهُ، وَإِنْ كَانَ فِي دِينِهِ رِقَّةٌ ابْتَلَاهُ اللَّهُ عَلَى حَسَبِ دِينِهِ، فَمَا يَبْرَحُ الْبَلَاءُ بِالْعَبْدِ حَتَّى يَمْشِيَ عَلَى الْأَرْضِ وَمَا عَلَيْهِ خَطِيئَةٌ» (رَوَاهُ ابْنُ مَاجَهْ وَالتِّرْمِذِيُّ).
إِخْوَةَ الْإِسْلَامِ: هَذَا وَاجِبُ الْآبَاءِ وَالْمُرَبِّينَ نَحْوَ مُرَاهِقِيهِمْ، لَكِنْ مَعَ الْأَسَفِ يَجِدُ الْمُتَأَمِّلُ التَّقْصِيرَ الْبَيِّنَ، وَالْإِهْمَالَ الْجَلِيَّ نَحْوَهُمْ، وَيَتَجَلَّى هَذَا الْإِهْمَالُ وَالتَّقْصِيرُ فِي مَظَاهِرَ عِدَّةٍ؛ فَمِنْ ذَلِكَ:
تَرْكُ تَرْبِيَتِهِمْ وَتَعْلِيمِهِمْ أَحْكَامَ الْإِسْلَامِ وَآدَابَهُ، وَمِنْ صُوَرِ هَذَا الْإِهْمَالِ: عَدَمُ تَعْلِيمِهِمُ الْعِلْمَ الْوَاجِبَ فِي الْعِبَادَاتِ الْوَاجِبَةِ؛ كَأَحْكَامِ الطَّهَارَةِ وَالصَّلَاةِ وَالصِّيَامِ، وَتَرْكُ تَرْبِيَتِهِمْ عَلَى الْأَخْلَاقِ الْحَسَنَةِ وَالْآدَابِ الْمُسْتَقِيمَةِ، مَعَ أَنَّ هَذِهِ الْأُمُورَ هِيَ مِنَ الْعِبَادَةِ الَّتِي خُلِقْنَا لِأَجْلِهَا؛ كَمَا قَالَ -تَعَالَى-: {وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ} [الذَّارِيَاتِ:56]
وَانْظُرُوا -رَحِمَكُمُ اللَّهُ- إِلَى تَرْبِيَةِ الصَّحَابَةِ وَتَعْلِيمِهِمْ أَوْلَادَهُمْ: عَنِ الرُّبَيِّعِ بِنْتِ مُعَوِّذٍ -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا- أَنَّهَا أَخْبَرَتْ عَنْ صَوْمِهِمْ يَوْمَ عَاشُورَاءَ فَكَانَ مِمَّا قَالَتْ: فَكُنَّا بَعْدَ ذَلِكَ نَصُومُهُ، وَنُصَوِّمُ صِبْيَانَنَا الصِّغَارَ مِنْهُمْ إِنْ شَاءَ اللَّهُ، وَنَذْهَبُ إِلَى الْمَسْجِدِ، فَنَجْعَلُ لَهُمُ اللُّعْبَةَ مِنَ الْعِهْنِ، فَإِذَا سَأَلُونَا الطَّعَامَ أَعْطَيْنَاهُمُ اللُّعْبَةَ تُلْهِيهِمْ حَتَّى يُتِمُّوا صَوْمَهُمْ(مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ).
وَمِنْ مَظَاهِرِ إِهْمَالِ الْمُرَاهِقِينَ: الْإِهْمَالُ الْجَسَدِيُّ، وَالْمُرَادُ بِهِ تَرْكُ الْعِنَايَةِ بِصِحَّةِ الطِّفْلِ وَغِذَائِهِ وَنَظَافَتِهِ؛ فَهُنَاكَ مِنَ الْآبَاءِ وَالْأُمَّهَاتِ مَنْ لَا يَعْتَنِي بِحُسْنِ غِذَاءِ طِفْلِهِ وَاخْتِيَارِ الْمُنَاسِبِ لَهُ مِنْهُ، وَهُنَاكَ مَنْ لَا يَهْتَمُّ بِصِحَّةِ وَلَدِهِ فَيُهْمِلُهُ فِي حَالِ مَرَضِهِ وَحَاجَتِهِ لِلدَّوَاءِ، وَهُنَاكَ مَنْ لَا يَعْنِيهِ أَنْ يَرَى مَظَاهِرَ غَيْرَ لَائِقَةٍ عَلَى أَبْدَانِ أَوْلَادِهِ الْمُرَاهِقِينَ كَالْأَوْسَاخِ وَالرَّوَائِحِ الْكَرِيهَةِ؛ فَلَا يَأْمُرُهُ بِالنَّظَافَةِ وَالِاغْتِسَالِ وَتَنْظِيفِ الْمَلَابِسِ وَتَغْيِيرِهَا، وَتَطْيِيبِ رَائِحَةِ الْجَسَدِ بِالطِّيبِ، وَلَاسِيَّمَا عِنْدَ الْبُلُوغِ.
أَلَيْسَتِ النَّظَافَةُ مِنَ الدِّينِ، وَالْحَضَارَةِ، وَاللِّيَاقَةِ، وَالْأَدَبِ؟! فَلِمَاذَا هَذَا الْإِهْمَالُ الْجَسَدِيُّ لِلْأَوْلَادِ، مَعَ أَنَّ اللَّهَ -تَعَالَى- يَقُولُ: {إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ التَّوَّابِينَ وَيُحِبُّ الْمُتَطَهِّرِينَ} [الْبَقَرَةِ:222]، وَرَسُولُ اللَّهِ -عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ- يَقُولُ: «الطُّهُورُ شَطْرُ الْإِيمَانِ» (رَوَاهُ مُسْلِمٌ).
وَمِنْ مَظَاهِرِ إِهْمَالِ الْمُرَاهِقِينَ مَعْشَرَ الْمُسْلِمِينَ: الْإِهْمَالُ الْعَاطِفِيُّ؛ فَالْمُرَاهِقُ فِي هَذِهِ الْمَرْحَلَةِ الْحَسَّاسَةِ أَحْوَجُ مَا يَكُونُ إِلَى الْعَاطِفَةِ الْجَيَّاشَةِ؛ لِمَا يَمُرُّ بِهِ مِنْ تَغَيُّرَاتٍ تُزْعِجُهُ، لَكِنَّ بَعْضَ الْآبَاءِ وَالْأُمَّهَاتِ لَا يَلْتَفِتُونَ لِذَلِكَ؛ وَلِهَذَا يَبْدُو الْإِهْمَالُ الْعَاطِفِيُّ فِي عَدَمِ الِاسْتِمَاعِ لِلْأَوْلَادِ وَإِمْلَاءِ الْأَوَامِرِ وَالنَّوَاهِي عَلَيْهِمْ فَقَطْ، وَيَظْهَرُ أَيْضًا فِي عَدَمِ التَّحَدُّثِ مَعَهُمْ بِحَنَانٍ وَالضَّحِكِ مَعَهُمْ، وَتَرْكِ تَقْبِيلِهِمْ وَهَذَا مِنَ الْجَفَاءِ وَالْغِلْظَةِ الَّتِي تُخَالِفُ هَدْيَ النَّبِيِّ -عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ-؛ فَعَنْ عَائِشَةَ -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا- قَالَتْ: قَدِمَ نَاسٌ مِنَ الْأَعْرَابِ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَقَالُوا: أَتُقَبِّلُونَ صِبْيَانَكُمْ؟ فَقَالُوا: نَعَمْ، فَقَالُوا: لَكِنَّا -وَاللَّهِ- مَا نُقَبِّلُ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: «وَأَمْلِكُ إِنْ كَانَ اللَّهُ نَزَعَ مِنْكُمُ الرَّحْمَةَ»، وَقَالَ ابْنُ نُمَيْرٍ: «مِنْ قَلْبِكَ الرَّحْمَةَ» (مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ).
وَأَرْسَلَ مُعَاوِيَةُ إِلَى الْأَحْنَفِ بْنِ قَيْسٍ، فَقَالَ: يَا أَبَا بَحْرٍ، مَا تَقُولُ فِي الْوَلَدِ؟ قَالَ: ثِمَارُ قُلُوبِنَا، وَعِمَادُ ظُهُورِنَا، وَنَحْنُ لَهُمْ أَرْضٌ ذَلِيلَةٌ، وَسَمَاءٌ ظَلِيلَةٌ، فَإِنْ طَلَبُوا فَأَعْطِهِمْ، وَإِنْ غَضِبُوا فَأَرْضِهُمْ، يَمْنَحُوكَ وُدَّهُمْ، وَيَحْبُوكَ جُهْدَهُمْ؛ وَلَا تَكُنْ عَلَيْهِمْ ثَقِيلًا فَيَمَلُّوا حَيَاتَكَ، وَيُحِبُّوا وَفَاتَكَ.
فَاعْرِفُوا -مَعْشَرَ الْآبَاءِ وَالْمُرَبِّينَ- وَاجِبَكُمْ نَحْوَ الْمُرَاهِقِينَ مِنْ أَبْنَائِكُمْ، وَإِيَّاكُمْ أَنْ تُهْمِلُوهُمْ فَيَضِيعُوا فِي دِينِهِمْ وَدُنْيَاهُمْ وَآخِرَتِهِمْ، بَعْدَ ذَلِكَ لَنْ تَنْفَعَكُمُ الْحَسْرَةُ، وَلَنْ تُغْنِيَكُمُ النَّدَامَةُ.

أَيُّهَا الْمُسْلِمُونَ: لِنَحْذَرْ مِنْ إِهْمَالِ أَبْنَائِنَا الْمُرَاهِقِينَ؛ فَإِنَّ لِإِهْمَالِهِمْ خُطُورَةً كَبِيرَةً عَلَيْهِمْ وَعَلَى الْأُسْرَةِ وَعَلَى الْمُجْتَمَعِ؛ وَلَوْ تَأَمَّلْتُمْ -رَعَاكُمُ اللَّهُ- فِي هَذِهِ الْقَضِيَّةِ لَوَجَدْتُمُ الْإِهْمَالَ لِلْمُرَاهِقِ يَقُودُهُ إِلَى الْخَلَلِ فِي شَخْصِيَّتِهِ؛ فَيُصْبِحُ شَخْصِيَّةً مُعَقَّدَةً مَرِيضَةً تَابِعَةً لَا تَقْدِرُ عَلَى اتِّخَاذِ الْقَرَارِ وَالِاسْتِقْلَالِ فِيهِ، وَيُؤَدِّي بِهِ إِلَى النُّفُورِ مِنْ وَالِدَيْهِ، وَالِانْضِمَامِ إِلَى رُفَقَاءِ السُّوءِ، وَإِهْمَالِ دِرَاسَتِهِ وَتَعَلُّمِهِ.
وَالْإِهْمَالُ أَيْضًا قَدْ يَجْعَلُ الْمُرَاهِقَ عَالَةً دَائِمَةً عَلَى أُسْرَتِهِ فِي دَوَائِهِ وَالنَّفَقَةِ عَلَيْهِ، فَأَيُّكُمْ يُرِيدُ أَنْ يَكُونَ وَلَدُهُ كَذَلِكَ؟
وَقَدْ أَثْبَتَتْ بَعْضُ الدِّرَاسَاتِ أَنَّ الْمُرَاهِقِينَ الَّذِينَ يُهْمَلُونَ يَتَعَرَّضُونَ لِأَمْرَاضٍ مُتَعَدِّدَةٍ؛ كَالِاكْتِئَابِ، وَالْقَلَقِ، وَالْفَشَلِ الدِّرَاسِيِّ، وَالْحَيَاتِيِّ؛ حَتَّى يَسُوقَهُمْ ذَلِكُمُ الْفَشَلُ إِلَى الِانْحِرَافِ الْأَخْلَاقِيِّ وَالسُّلُوكِيِّ، وَيُعْلِنُوا الْعَدَاءَ لِأُسَرِهِمْ وَمُجْتَمَعَاتِهِمْ فَيَجُرُّونَ عَلَيْهِمُ الْوَيْلَاتِ نَتِيجَةَ إِهْمَالِهِمْ وَمَا تَأَثَّرُوا بِهِ مِنْ رُفَقَاءِ السُّوءِ الَّذِينَ أَخَذُوا بِأَيْدِيهِمْ إِلَى فِعْلِ كُلِّ قَبِيحٍ وَتَرْكِ كُلِّ مَلِيحٍ، وَصَدَقَ الشَّاعِرُ:
عَنِ الْمَرْءِ لَا تَسْأَلْ وَسَلْ عَنْ قَرِينِهِ *** فَكُلُّ قَرِينٍ بِالْمُقَارِنِ يَقْتَدِي
عِبَادَ اللَّهِ: قَدْ يَجِدُ الْآبَاءُ وَالْمُرَبُّونَ فِي أَبْنَائِهِمْ وَشَبَابِهِمُ السَّلْبِيَّاتِ الْكَثِيرَةَ وَالْمُلَاحَظَاتِ الْكَبِيرَةَ؛ نَظَرًا لِطَبِيعَةِ الْمَرْحَلَةِ الَّتِي يَمُرُّونَ بِهَا وَالْبِيئَاتِ الَّتِي يُخَالِطُونَهَا؛ فَالْوَاجِبُ عَلَى مَنْ حُمِّلَ الْمَسْؤُولِيَّةَ أَلَّا يَتَضَجَّرَ وَأَنْ يَصْطَبِرَ وَيُجَاهِدَ نَفْسَهُ عَلَى تَرْبِيَتِهِمْ وَتَعْدِيلِ سُلُوكِيَّاتِهِمْ وَبَذْلِ الْوُسْعِ فِي تَنْشِئَتِهِمُ التَّنْشِئَةَ الصَّالِحَةَ، وَلْيَبْشُرُوا بِأَنَّ عَاقِبَةَ صَبْرِهِمُ النَّتَائِجُ الطَّيِّبَةُ، وَالثِّمَارُ الْيَانِعَةُ، وَالْأُجُورُ الْكَرِيمَةُ، وَهَذِهِ الْبِشَارَةُ وَعَدَكُمْ بِهَا رَبُّكُمْ -سُبْحَانَهُ- فَقَالَ: {وَبَشِّرِ الصَّابِرِينَ} [الْبَقَرَةِ:155]؛ فَاصْبِرُوا -أَيُّهَا الْمُرَبُّونَ- عَلَى أَبْنَائِكُمْ، وَأَحْسِنُوا مُعَامَلَتَهُمْ، وَقِفُوا بِجَانِبِهِمْ، وَأَشْعِرُوهُمْ دِفْءَ الْأُبُوَّةِ، وَانْشَغِلُوا بِهِمْ وَلَا تَنْشَغِلُوا عَنْهُمْ؛ حَتَّى لَا يَكُونُوا بِإِهْمَالِكُمْ كَأَيْتَامٍ فِي أَحْضَانِ آبَاءٍ! قَالَ الشَّاعِرُ:
لَيْسَ الْيَتِيمُ مَنِ انْتَهَى أَبَوَاهُ مِنْ ** هَمِّ الْحَيَاةِ وَخَلَّفَاهُ ذَلِيـلَا
إِنَّ الْيَتِيمَ هُوَ الَّذِي تَلَقَّى لَـــــــهُ ** أُمًّا تَخَلَّتْ أَوْ أَبًا مَشْغُــولَا
فَيَا أَيُّهَا الْآبَاءُ وَالْمُرَبُّونَ: اعْتَنُوا بِأَبْنَائِكُمْ دِينِيًّا، وَمَعْرِفِيًّا، وَفِكْرِيًّا، وَسُلُوكِيًّا، وَجَسَدِيًّا، وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ سَيُثِيبُكُمْ عَلَى جُهُودِكُمْ وَصَبْرِكُمْ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ، كَمَا أَنَّهُ -سُبْحَانَهُ- مُحَاسِبُكُمْ عَلَى هَذَا الْوَاجِبِ إِنْ قَصَّرْتُمْ فِيهِ، فَاللَّهَ اللَّهَ بِالصَّبْرِ عَلَى تَرْبِيَتِهِمْ وَمُعَالَجَةِ مُشْكِلَاتِهِمْ، وَشَاوِرُوا فِي تَرْبِيَتِهِمْ أَهْلَ الِاخْتِصَاصِ مِنَ الْمُرَبِّينَ النُّجَبَاءِ، وَالْمُعَلِّمِينَ الْفُضَلَاءِ، فَذَلِكَ يُعِينُ عَلَى فَهْمِ مَرْحَلَتِهِمُ الَّتِي يَعِيشُونَهَا، وَالْأَسَالِيبِ الَّتِي يَنْتَفِعُونَ بِهَا؛ حَتَّى يَتَرَبَّى عَلَى أَيْدِيكُمْ جِيلٌ صَالِحٌ، وَنَشْءٌ نَاجِحٌ.
جَعَلَنَا اللَّهُ وَإِيَّاكُمْ مِنَ الصَّالِحِينَ الْمُصْلِحِينَ.
منقول








__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
إضافة رد


الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1)
 

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع


 


الاحد 20 من مارس 2011 , الساعة الان 01:21:21 صباحاً.

Powered by vBulletin V3.8.5. Copyright © 2005 - 2013, By Ali Madkour

[حجم الصفحة الأصلي: 57.00 كيلو بايت... الحجم بعد الضغط 55.33 كيلو بايت... تم توفير 1.67 كيلو بايت...بمعدل (2.93%)]