|
الملتقى الاسلامي العام مواضيع تهتم بالقضايا الاسلامية على مذهب اهل السنة والجماعة |
![]() |
|
أدوات الموضوع | انواع عرض الموضوع |
#1
|
||||
|
||||
![]() شَرْحُ مُخْتصر شُعَب الإيمان معرفة شعب الإيمان وفقهها (الحلقة الأولى)
إن معرفة شُعَب الإيمان وفقهها مطلب لكل مؤمن عاقل عالي الهمة، يبتغي الوصول إلى الرشد والهداية والعلو في درجات الدنيا والآخرة، وقد جاء النص عليها في الحديث المشهور المعروف؛ حيث ذُكر فيه الأفضل منها والأدنى، وشعبة جليلة وهي الحياء، وحرصًا على معرفة تفاصيلها وأفرادها فقد صنف العلماء قديما مصنفات في تعدادها وإحصائها، كالحليمي والبيهقي، ولكن لما كانت مصنفاتهم طويلة موسعة، عزف كثير من المسلمين عن قراءتها، ومن هنا جاءت فكرة الاختصار والتجريد، وهذا ما قام به القزويني في اختصار شُعب الإيمان للحافظ البيهقي؛ لذلك قمت بشرحها بأسلوب سهل مختصر مدعّم بالنصوص والنقول التي تزيد الأصل زينة وبهجة وجمالا. معنى «شُعَبُ» لغة: شعب جمع شعبة، والشُّعْبَةُ بالضَّمِّ: الفِرْقَةُ والطَّائِفَةُ من الشَّيْءِ. وفي يَدِه شُعْبَةُ خَيْرٍ مَثَلٌ بِذلِكَ. ويقال: اشْعَبْ لِي شُعْبَةً مِنَ الْمَالِ، أَي أَعْطِنِي قِطْعَةً مِنْ مَالِك. وفي الحديث: «الحَيَاءُ شُعْبَةٌ مِن الإِيمان» أَي: طَائِفَةٌ مِنْه وقِطْعَة. معنى «الإيمان»: الإيمانُ: مصدر آمَنَ يُؤْمِنُ إيمانًا فهو مُؤْمِنٌ، واتَّفق أَهلُ العلم من اللُّغَويّين وغيرهم: أَن الإيمانَ معناه التصديق، قال الله -تعالى-: {قَالَتِ الْأَعْرَابُ آمَنَّا قُل لَّمْ تُؤْمِنُوا وَلَكِن قُولُوا أَسْلَمْنَا وَلَمَّا يَدْخُلِ الْإِيمَانُ فِي قُلُوبِكُمْ وَإِن تُطِيعُوا اللَّهَ وَرَسُولَهُ لَا يَلِتْكُم مِّنْ أَعْمَالِكُمْ شَيْئًا إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ} (الحجرات: 14). ومعنى شعب الإيمان: أي أجزاء وطوائف وفرق الإيمان؛ ولهذا نجد الإمام البيهقي جمع هذه الأجزاء والشعب وهي متنوعة ما بين التصديق بالقلب، والإقرار باللسان، والإذعان والانقياد بعمل الجوارح، من هنا نعرف أن الإيمان عند أهل السنة والجماعة له شعب متعددة، وليس كُلًّا لا يتجزأ، ومعلوم أيضًا أنَّ الناس ليسوا في درجة إيمانهم سواء، فإيمان أبي بكر الصديق ليس كإيمان آحاد الناس، وليس كإيمان الأعراب. حديث شعب الإيمان عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ - رضي الله عنه - عَن النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ: «الْإِيمَانُ بِضْعٌ وَسَبْعُونَ شُعْبَةً، وَالْحَيَاءُ شُعْبَةٌ مِنَ الْإِيمَانِ»، والرواية الأتم: «الإيمان بضع وسبعون شعبة، أو بضع وستون شعبة، فأفضلها قول: لا إله إلا الله، وأدناها إماطة الأذى عن الطريق، والحياء شعبة من الإيمان». المعنى الإجمالي للحديث في هذا الحديث بيان أن الإيمان الشرعي اسم لمعنى ذي شعبٍ وأجزاء، له أدنى وأعلى، والاسم يتعلق ببعضها كما يتعلق بكلّها والحقيقة تقتضي جميع شعبه وتستوفي جملة أجزائه، كالصلاة الشرعية لها شعب وأجزاء والاسم يتعلق ببعضها والحقيقة تقتضي جميع أجزائها وتستوفيها، ويدل عليه قوله - صلى الله عليه وسلم -: «الحياء شعبة من الإيمان»، وفيه إثبات التفاضل في الإيمان وتباين المؤمنين في درجاته. ويدل الحديث على أن التزام الطاعات وضم هذه الشعب، هو من جملة التصديق والدلائل على الإيمان، وأنها خُلق أهل التصديق، فليست خارجة عن اسم الإيمان الشرعي، ولا عن معناه اللغوي، وقد نبه النبيُّ -[- على أن أفضلها: التوحيد المتعين على كل أحد، الذي لا يصح شيء من الشُّعب إلا بعد صحته، وأدناها: ما يتوقع ضرره بالمسلمين من إماطة الأذى عن طريقهم، يبقى بين هذين الطرفين أعداد لو تكلَّف المجتهد تحصيلها بغلبة الظن، وشدة التتبع لأمكنه، وقد فعل ذلك بعض من تقدم، ويصعب الحكم بأن ذلك مراد النبي - صلى الله عليه وسلم -، ثم إنه لا يلزم معرفة أعيانها، ولا يقدح جهل ذلك في الإيمان؛ إذ أصول الإيمان وفروعه معلومةٌ محققةٌ، والإيمان بأنها بهذا العدد واجب في الجملة، هذا كلام القاضي عياض. حرص العلماء على تتبع شعب الإيمان أمثلة على حرص العلماء على تتبع شعب الإيمان في مصنفاتهم:
ذكر من أحصى خصال الإيمان «وقد انتدب لعدِّ شعب الإيمان طائفة من العلماء كالحليمي، والبيهقي، وابن شاهين وغيرهم، فذكروا أن كل ما ورد تسميته إيمانًا في الكتاب والسنة من الأقوال، والأعمال، وبلغ بها بعضهم سبعًا وسبعين، وبعضهم تسعًا وسبعين، وفي القطع على أن ذلك هو مراد الرسول - صلى الله عليه وسلم - من هذه الخصال عسر، كذا قاله ابن الصلاح -وهو كما قال-»، وقد تكلم الراغب في كتاب: «الذريعة» له على حصرها في هذا العدد، ذكره ابن عبدالبر. مسألة مهمة مسألة: إذا كانت خصال الإيمان تزيد على البضع والسبعين، فلماذا جاء الحَصْر بهذا العدد؟ ويمكن أن يُجاب عن هذا بأجوبة:
تعريف الإيمان قبل الشروع في شرح شعب الإيمان شعبةً شعبةً أحببت أن أقدم بمقدمة عن تعريف الإيمان عند أهل السُنَّة والجماعة والفرق المخالفة مع تنبيهات لطيفة أضفتها.
(2) مذهب المعتزلة: ذهبت المعتزلة إلى أن الإيمان يتركب من ثلاثة: إقرار باللسان، وتصديق بالجنان، وعمل بالأركان، وهو كل عمل خير فرضًا كان أو نافلة، مع ترك المقبحات، فهم يعدون الطاعات بجميع أنواعها إيمانًا، فالمعتزلة يوافقون السلف في تعريف الإيمان من هذه الجهة، وإنما الخلاف بينهم وبين السلف، هو أنهم يجعلون الإيمان كلًّا لا يتجزأ، فإذا ذهب البعض ذهب الكل، فالإيمان عندهم لا يزيد ولا ينقص أبدًا، وهم متفقون في ذلك مع الخوارج؛ ولذا، فقد حكموا بخلود مرتكب الكبيرة في النار، وإن لم يكفروه، وإنما أخرجوه من الإيمان وجعلوه بمنزلةٍ بين المنزلتين، فهو عندهم في الدنيا لا مؤمن ولا كافر، وبهذا فإنهم يوافقون الخوارج في الحكم الأخروي دون الدنيوي؛ إذ الخوارج ينبني على تكفيرهم لمرتكب الكبيرة في الدنيا استحلال دمه وماله وعرضه كما الكافر الأصلي. (3) مذهب المرجئة: ذهب المرجئة إلى أن الإيمان هو التصديق بالقلب، والقول باللسان، وأنَّه لا يزيد ولا ينقص؛ فمن صدق بالقلب ونطق بالشهادتين فقد استكمل الإيمان، وإن لم يعمل بجوارحه؛ إذ العمل خرج عن مسمى الإيمان عندهم. (4) مذهب الجهمية: ذهب الجهمية إلى أن الإيمان هو مجرد معرفة الله لا غير، والإيمان عندهم واحد لا يتجزأ، وأهله فيه سواء، فهو لا يزيد، ولا ينقص، وعلى هذا الأساس يكون الشيطان مؤمنًا؛ لأن عنده معرفة بالله، وهذا ضلال كبير لا يقوله عاقل. (5) مذهب الكَرَّامية: وأما الكَرَّامية فإن الإيمان عندهم هو مجرد الإقرار باللسان، ولو من غير تصديق، فإن أقر بأمور الإيمان ظاهرًا فهو مؤمن بإقراره، ولا يلزمه غير ذلك، وهذا قول مردود؛ لأن المنافقين على هذا القول مؤمنون كاملو الإيمان. (6) مذهب الأشاعرة: اختلفت أقوال الأشاعرة في حقيقة الإيمان: فجمهورهم على أن الإيمان شيء واحد لا يتركب، وهو التصديق بالقلب دون غيره. وإليه ذهب أبو الحسن الأشعري في قوله القديم، وابن الراوندي، والحسين بن الفضل البجلي، قال الباقلاني: «واعلم أن حقيقة الإيمان هو: التصديق». (7) مذهب الفلاسفة: واشتَهر منهم عند المسلمين إخوان الصفا، وكذا ابن عربي، وابن رشد، وابن سينا، وهم طائفة نظرت في كتب فلاسفة اليونان؛ كأرسطو، وأفلاطون الإسكندري، فآمنوا بما فيها من خزعبلات، ظنا منهم أن الفلاسفة لا يخطئون؛ لأنهم يجرون في بحثهم على مقتضى البرهان، ثم حاولوا -عبثًا وتملقًا إلى المسلمين، وسترًا لزندقتهم- أن يوفقوا بين الفلسفة وعقائد الدين، فأخذوا يتلاعبون بالنصوص بما يوافق فلسفتهم، فضلوا وأضلوا، وقد انبرى كثير من العلماء للرد عليهم والكشف عن تلبساتهم، ولاسيما شيخ الإسلام ابن تيمية، وقد خالفوا الجميع في حقيقة الإيمان وفي أصول الإيمان: فإيمانهم بالله: يقولون هو موجود لا حقيقة له، ولا ماهية، ولا هو يعلم الجزئيات بأعيانها، ولا يفعل بقدرته ومشيئته، والعالم لازم له أزلًا وأبدًا، وليس مفعولًا، ولا مخلوقًا، ولا مقدورًا عليه. وأما إيمانهم بالكتاب: فالقرآن عندهم فيض فاض من العقل الفعال، على قلب بشر زاكي النفس، طاهر متميز عن النوع الإنساني بثلاث خصائص: (قوة الإدراك وسرعته، وقوة النفس، وقوة التخييل)، وهم بذلك ينفون الرسالات، ويبطلون النبوات، ويزعمون أن الإنسان يمكن أن يصل إلى مرتبة الرسالة بهذه الثلاث صفات. وإيمانهم بالملائكة: قالوا: إن الرسول تخيل القوى الفعلية في أشكال محسوسة، فهي أمور ذهنية لا وجود لها في الخارج. وإيمانهم باليوم الآخر: فهم أشد الناس تكذيبًا له في الأعيان، وعندهم أن كل ما ذكر عن يوم القيامة أمثال مضروبة لتفهم العوام، لا حقيقة لها في الخارج، كما يفهم منها أتباع الرسل. اعداد: د. عبدالرحمن الجيران
__________________
التعديل الأخير تم بواسطة ابوالوليد المسلم ; 14-08-2025 الساعة 04:39 PM. |
#2
|
||||
|
||||
![]() شَرْحُ مُخْتصر شُعَب الإيمان .. أسباب زيادة الإيمان وضعفه
إن معرفة شعب الإيمان وفقهها مطلب لكل مؤمن عاقل عالي الهمة، يبتغي الوصول إلى الرشد والهداية والعلو في درجات الدنيا والآخرة، وقد جاء النص عليها في الحديث المشهور المعروف؛ حيث ذُكر فيه الأفضل منها والأدنى، وشعبة جليلة وهي الحياء، وحرصًا على معرفة تفاصيلها وأفرادها فقد صنف العلماء قديما مصنفات في تعدادها وإحصائها، كالحليمي والبيهقي، ولكن لما كانت مصنفاتهم طويلة موسعة، عزف الكثير من المسلمين عن قراءتها، ومن هنا جاءت فكرة الاختصار والتجريد، وهذا ما قام به القزويني في اختصار شعب الإيمان للحافظ البيهقي، لذلك قمت بشرحها بأسلوب سهل مختصر مدعم بالنصوص والنقول التي تزيد الأصل زينة وبهجة وجمالا. مسألة: هل يتفاوت الإيمان؟ قال الطحاوي: «والإيمان هو: (الإقرار باللسان، والتصديق بالجنان، وجميع ما صح عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - من الشرع والبيان كله حقٌّ، والإيمان واحد، وأهله في أصله سواء، والتفاضل بينهم بالخشية، والتقى، ومخالفة الهوى، وملازمة الأولى)»، وهذا التعريف استدرك عليه أهل العلم؛ حيث قال الشيخ محمد بن مانع في تعليقه على متن الطحاوية: «والحق الذي لا إشكال فيه، أن الإيمان متفاوت في أصله، فإيمان آحاد الناس ليس كإيمان جبريل، ولا إيمان رسول الله -صلى الله عليه وسلم -، والقول بأن الناس في أصل الإيمان سواء، ليس من عقائد أهل السُنَّة». وقال الشيخ صالح الفوزان -حفظه الله- في تعليقه على متن الطحاوية: «هذا غلط؛ لأن الإيمان ليس واحدًا، وليس أهله سواء، بل الإيمان يتفاضل، ويزيد وينقص، إلا عند المرجئة، والتصديق بالقلب ليس الناس فيه سواء، فليس إيمان أبي بكر الصديق كإيمان الفاسق من المسلمين؛ لأن الفاسق من المسلمين إيمانه ضعيف جدا، وإيمان أبي بكر الصديق يعدل إيمان الأمة كلها؛ فليس الناس في أصله سواء، هذا من ناحية أصله، كذلك من ناحية العمل، الناس يتفاضلون في العمل». الفرق بين الإيمان والتصديق لاحظ العلماء الفرق بين مدلول الإيمان الشرعي، ومدلوله اللغوي، وهذا ملحظ دقيق لهم، يقول العلامة ابن عثيمين: «وأما قولهم: الإيمان في اللغة التصديق ففيه نظر؛ لأنه يقال: آمنت بكذا، وصدقت فلانًا، ولا يقال: آمنت فلانًا، بل يقال: صدَّقه، فصدَّق فعل متعدٍّ، وآمن فعل لازم، وقد ذكر ذلك شيخ الإسلام ابن تيمية -رحمه الله -تعالى-- باستفاضة في كتابه: كتاب الإيمان. وقولنا: الإيمان المستلزم للقبول والإذعان، احترازًا مما لو أقر لكن لم يقبل، كأبي طالب عم النبي - صلى الله عليه وسلم -؛ حيث أقر بالنبي -صلى الله عليه وسلم - وأنه صادق، لكن لم يقبل ما جاء به -نسأل الله العافية- ولم يُذعن ولم يتابع، فلم ينفعه الإقرار، فلابد من القبول والإذعان. ولذلك يخطئ خطأ كبيرًا من يقول: إن أهل الكتاب مؤمنون بالله، وكيف يكون ذلك وهم لم يقبلوا شرع الله، ولم يذعنوا له؟ فاليهود والنصارى حين بعث رسول الله كفروا به، وليسوا بمسلمين، ودينهم دين باطل، ومن اعتقد أن دينهم صحيح مساوٍ لدين الإسلام، فهو كافر خارج عن الإسلام، فالإيمان قبولٌ وإذعانٌ». قلت: هذا الفرق بين المفهوم اللغوي للإيمان، والمفهوم الشرعي، الذي ينبني عليه آثار كثيرة، جدير بطالب العلم الاهتمام بها. ![]() الأدلة على زيادة الإيمان قرر علماء السلف أن الإيمان يزيد وينقص، يزيد بالطاعة، وينقص بالمعصية، وكان من هديهم تعاهد الإيمان بين فترة وأخرى، حتى إن أحدهم ليقول لصاحبه: «تعال بنا نؤمن ساعة»، وهذا دليل على فقههم وحرصهم على ما ينفعهم، فعن الأسود بن هلال قال: قال لي معاذ بن جبل: «اِجْلِسْ بِنَا نُؤْمِن سَاعَة» وفي رواية: «كَانَ مُعَاذ بْن جَبَل يَقُول لِلرَّجُلِ مِنْ إِخْوَانه: اِجْلِسْ بِنَا نُؤْمِن سَاعَة، فَيَجْلِسَانِ فَيَذْكُرَانِ اللَّه -تعالى- وَيَحْمَدَانِه»، وقال - صلى الله عليه وسلم -: «إنَّ الإيمانَ لَيَخْلَقُ في جوف أحدكم كما يَخْلَق الثوب، فاسألوا الله أن يُجَدِّدَهُ». ومن المعلوم أن الفتن تزداد في آخر الزمان، وهذا يستلزم تعاهد المرء لإيمانه، وتفقده له، هل هو في زيادةٍ وثَبَاتٍ، أم هو في نقص وتضعضع؟ وهذه بعض أسباب زيادة الإيمان: أولًا: العلم بالله -تعالى- العلم بالله -تعالى-، وتأمل أسمائه، وصفاته، وأفعاله، وملاحظة أثر معانيها العظيمة على سلوك الفرد وتصرفاته، قال - صلى الله عليه وسلم -: «إِنَّ لِلَّهِ تِسْعَةً وَتِسْعِينَ اسْمًا مَنْ أَحْصَاهَا كُلَّهَا دَخَلَ الْجَنَّةَ» وقال -سبحانه-: {وَلِلَّهِ الْأَسْمَاءُ الْحُسْنَى فَادْعُوهُ بِهَا وَذَرُوا الَّذِينَ يُلْحِدُونَ فِي أَسْمَائِهِ سَيُجْزَوْنَ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ} (الأعراف:180)، فإذا نظر العبد مثلًا إلى صفة العلم لله -تعالى-، وأن علمه وسع كل شيء، ثم ملأ بها قلبه، ثم أدام استحضارها طوال اليوم، أورثه ذلك الترقي في مدارج الكمال، ويكون حقق معنى قوله -صلى الله عليه وسلم -: «من أحصاها دخل الجنة». وهكذا، فإذا أخذ العبد من أسماء الله -تعالى- وصفاته، أخذ منها معانيها وآثارها، وانعكست على سلوكه وقلبه وروحه، فيكون بحق قد أتى بمعاني العبودية لله -تعالى-. ثانيًا: تعلم العلم الشرعي وتدبر القرآن قال -تعالى-: {وَإِذَا مَا أُنزِلَتْ سُورَةٌ فَمِنْهُم مَّن يَقُولُ أَيُّكُمْ زَادَتْهُ هَذِهِ إِيمَانًا فَأَمَّا الَّذِينَ آمَنُوا فَزَادَتْهُمْ إِيمَانًا وَهُمْ يَسْتَبْشِرُونَ} (التوبة: 124) وفي هذه الآية دليل على أن زيادة العلم الشرعي تستلزم زيادة الإيمان بالله -تعالى-، وجاء في السنة المطهرة من حديث أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم -: «الْمُؤْمِنُ الْقَوِيُّ خَيْرٌ وَأَحَبُّ إِلَى اللَّهِ مِنَ الْمُؤْمِنِ الضَّعِيفِ، وَفِي كُلٍّ خَيْرٌ، احْرِصْ عَلَى مَا يَنْفَعُكَ، وَاسْتَعِنْ بِاللَّهِ، وَلَا تَعْجِزْ، وَإِنْ أَصَابَكَ شَيْءٌ فَلَا تَقُلْ: لَوْ أَنِّي فَعَلْتُ، كَانَ كَذَا وَكَذَا، وَلَكِنْ قُلْ: قَدَّرَ اللَّهُ وَمَا شَاءَ فَعَلَ، فَإِنَّ لَوْ تَفْتَحُ عَمَلَ الشَّيْطَانِ». ومعنى القوة هنا قوة الإيمان، وقال -صلى الله عليه وسلم -: «مَنْ يُرِدِ اللَّهُ بِهِ خَيْرًا يُفَقِّهْهُ فِي الدِّينِ»، فالفقه في الدين علامة خير، ودليل على اصطفاء الله -تعالى- لعبده بهذا العلم. ثالثًا: دراسة سيرة النبي -صلى الله عليه وسلم - بدراسة سيرة النبي - صلى الله عليه وسلم -، يقف المسلم على هَدْي النبي -صلى الله عليه وسلم -، في عبادته، وسلوكه، ودعوته، وصبره، وجهاده، وكيف واجه الفتن المختلفة؟ وكيف ثبت أمامها؟ حتى كان بحق كما قال ربنا -تعالى-: {لَّقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِّمَن كَانَ يَرْجُو اللَّهَ وَالْيَوْمَ الْآخِرَ وَذَكَرَ اللَّهَ كَثِيرًا} (الأحزاب: 21)؛ فواجب على كل من أراد -النجاة والسلامة-، التأسي بالنبي -صلى الله عليه وسلم - وتعلم سيرته وهديه. رابعًا: دراسة سيرة الخلفاء الراشدين بدراسة سير الصحابة -ولا سيما الخلفاء الراشدون وكبار المهاجرين والأنصار- يعرف المسلم مقدار ما بذلوه من جهد في وقت الشدائد والفتن المدلهمة، وكيف صبروا على ما كُذِّبوا وأُوذوا حتى جاءهم نصر الله، وبذلك يقوى إيمان العبد، وتعلو همته للمطالب العالية، وترك السفاسف والدنايا. خامسًا: العمل الصالح وهذا يشمل عمل القلب، وهو إيمانه، وتصديقه، وخشيته، وتوكله، وإنابته لله -تعالى-، كما يشمل عمل اللسان، وهو نطقه وإقراره، كما يشمل عمل الجوارح، كالصلاة، والصيام، والزكاة، والحج، وبهذا يكمل إيمان العبد. سادسًا: التأمل في آيات الله الكونية لقوله -تعالى-: {وَكَأَيِّن مِّنْ آيَةٍ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ يَمُرُّونَ عَلَيْهَا وَهُمْ عَنْهَا مُعْرِضُونَ} (يوسف: 105)، وقال -سبحانه-: {وَفِي أَنفُسِكُمْ أَفَلَا تُبْصِرُونَ} (الذاريات: 21)، وكلما أكثر الْمَرْءُ من التأمل في الآيات الكونية والإنسانية، وكان لديه العلم الشرعي والبصيرة في الدين، أورثه هذا زيادة في الإيمان قال -تعالى-: {وَمِنَ النَّاسِ وَالدَّوَابِّ وَالْأَنْعَامِ مُخْتَلِفٌ أَلْوَانُهُ كَذَلِكَ إِنَّمَا يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَمَاءُ إِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ غَفُورٌ} (فاطر: 28)، وهناك أسباب أخرى لزيادة الإيمان ولكننا نكتفي بهذه اختصارًا. أسباب ضعف الإيمان الأسباب التي تؤدي إلى ضعف الإيمان وربما إلى زواله بالكلية كثيرة جدا، وهي مبسوطة في مواضعها، وأذكرها هنا اختصارًا وأشير لأهمها، وإن كانت هي في الجملة تعود إلى التهاون في أداء الواجبات، والإفراط في المحرمات، ويمكن إرجاعها إلى أسباب ظاهرة، وأسباب خفية. ![]() أولًا: الأسباب الظاهرة لضعف الإيمان 1 - الشيطان: وهو أصل مادة الشر، وهو عدو للخليقة، كما أخبر -سبحانه-، قال -تعالى-: {إِنَّ الشَّيْطَانَ لَكُمْ عَدُوٌّ فَاتَّخِذُوهُ عَدُوًّا إِنَّمَا يَدْعُو حِزْبَهُ لِيَكُونُوا مِنْ أَصْحَابِ السَّعِيرِ} (فاطر: 6)، كما أمرنا -سبحانه- أن نعاديه، ونخالفه، ونحاربه، ونستعيذ بالله منه؛ فالشيطان يحرص على كل المداخل التي ينفذ من خلالها لابن آدم، ليدعوه إلى عذاب السعير، فيغتنمها ليختلس منه شيئًا، قال -تعالى- حكاية عن الشيطان: {ثُمَّ لَآتِيَنَّهُم مِّن بَيْنِ أَيْدِيهِمْ وَمِنْ خَلْفِهِمْ وَعَنْ أَيْمَانِهِمْ وَعَن شَمَائِلِهِمْ وَلَا تَجِدُ أَكْثَرَهُمْ شَاكِرِينَ} (الأعراف: 17). والطريق للنجاة من كيده، الاستعاذة بالله، واللجوء إلى الله، قال -تعالى-: {إِنَّ الَّذِينَ اتَّقَوْا إِذَا مَسَّهُمْ طَائِفٌ مِّنَ الشَّيْطَانِ تَذَكَّرُوا فَإِذَا هُم مُّبْصِرُونَ} (الأعراف: 201).2 - الجليس السوء: الجليس السوء من أسباب ضعف الإيمان؛ لأن المرءَ على دين صاحبه، قال - صلى الله عليه وسلم -: «المَرءُ على دين خَليله فلينظرْ أحدُكم من يُخاللْ»، وكم من امرئ سَوْءٍ أثَّر في جلسائه حتى أوردهم المهالك! والعكس صحيح، فكم من إنسان صالح أثَّر في جُلسائه حتى أدركوا المعالي، وسبقوا إلى المكارم! وللنجاة من الجليس السوء أسباب من أهمها: اختيار الجليس الصالح، والبعد عن جليس السوء، وتعلم العلم النافع. 3 - فتنة الدنيا: وهذه تنقسم إلى شهوات وشبهات، أما في الشهوات فقال -سبحانه-: {فَخَلَفَ مِن بَعْدِهِمْ خَلْفٌ أَضَاعُوا الصَّلَاةَ وَاتَّبَعُوا الشَّهَوَاتِ فَسَوْفَ يَلْقَوْنَ غَيًّا} (مريم: 59)، وهذه الآية تدل على التلازم بين تضييع الواجبات، واتباع الشهوات، ذلك أن النفس البشرية لا يمكن أن تعيش بفراغ، فإذا تركت الواجب انشغلت بالمحرم، أما في الشبهات فقال -تعالى-: {هُوَ الَّذِي أَنزَلَ عَلَيْكَ الْكِتَابَ مِنْهُ آيَاتٌ مُّحْكَمَاتٌ هُنَّ أُمُّ الْكِتَابِ وَأُخَرُ مُتَشَابِهَاتٌ فَأَمَّا الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ زَيْغٌ فَيَتَّبِعُونَ مَا تَشَابَهَ مِنْهُ ابْتِغَاءَ الْفِتْنَةِ وَابْتِغَاءَ تَأْوِيلِهِ وَمَا يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ إِلَّا اللَّهُ وَالرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ يَقُولُونَ آمَنَّا بِهِ كُلٌّ مِّنْ عِندِ رَبِّنَا وَمَا يَذَّكَّرُ إِلَّا أُولُو الْأَلْبَابِ} (آل عمران: 7)، وهؤلاء أهل الزيغ يتركون المُحْكم الواضح، ويعمدون للمتشابه لمرض في قلوبهم، ولأنهم أرادوا الفتنة والتحريف، وما أرادوا الخير والالتزام، ولا يسلم في الغالب أحدٌ من فِتنة الشَّهوة، أو الشُّبْهَة إلا من رحم الله؛ ولهذا كان النبي - صلى الله عليه وسلم - يَدْعُو فِي الصَّلَاةِ قبل السلام ويقول: «اللَّهُمَّ إِنِّي أَعُوذُ بِكَ مِنْ عَذَابِ جَهَنَّمَ، وَأَعُوْذُ بِكَ مِنْ عَذَابِ الْقَبْرِ، وَأَعُوذُ بِكَ مِنْ فِتْنَةِ الْمَسِيحِ الدَّجَّالِ، وَأَعُوذُ بِكَ مِنْ فِتْنَةِ الْمَحْيَا وَالْمَمَاتِ»، فجمع في دعائه - صلى الله عليه وسلم - بين الاستعاذة من فتنة الشبهة والشهوة. اعداد: د. عبدالرحمن الجيران
__________________
التعديل الأخير تم بواسطة ابوالوليد المسلم ; 14-08-2025 الساعة 04:40 PM. |
#3
|
||||
|
||||
![]() ![]() شَرْحُ مُخْتصر شُعَب الإيمان .. الأسباب الخفية لضعف الإيمان
إن معرفة شعب الإيمان وفقهها مطلب لكل مؤمن عاقل عالي الهمة، يبتغي الوصول إلى الرشد والهداية والعلو في درجات الدنيا والآخرة، وقد جاء النص عليها في الحديث المشهور المعروف؛ حيث ذُكر فيه الأفضل منها والأدنى، وشعبة جليلة وهي الحياء، وحرصًا على معرفة تفاصيلها وأفرادها؛ فقد صنف العلماء قديما مصنفات في تعدادها وإحصائها، كالحليمي والبيهقي، ولكن لما كانت مصنفاتهم طويلة موسعة، عزف الكثير من المسلمين عن قراءتها، ومن هنا جاءت فكرة الاختصار والتجريد، وهذا ما قام به القزويني في اختصار شعب الإيمان للحافظ البيهقي؛ لذلك شرحتها بأسلوب سهل مختصر مدعم بالنصوص والنقول التي تزيد الأصل زينة وبهجة وجمالا. وكنا قد تحدثنا في الحلقة الماضية عن تفاوت الإيمان وأسباب زيادته والأسباب المؤدية لضعفه واليوم نكمل هذا الموضوع بالحديث عن الأسباب الخفية لضعف الإيمان. ثانيًا: الأسباب الخفية لضعف الإيمان 1 - الجهل وهذا يشمل الجهل بالله، والجهل بدينه، والجهل بشؤم المعاصي، وآثارها النفسية، والسلوكية، والمادية وغيرها، قال -تعالى-: {إِنَّمَا التَّوْبَةُ عَلَى اللَّهِ لِلَّذِينَ يَعْمَلُونَ السُّوءَ بِجَهَالَةٍ ثُمَّ يَتُوبُونَ مِن قَرِيبٍ فَأُولَئِكَ يَتُوبُ اللَّهُ عَلَيْهِمْ وَكَانَ اللَّهُ عَلِيمًا حَكِيمًا} (النساء: 17)، فكل من عصى الله فهو جاهل بالله. ![]() 2 - المعاصي والذنوب المعاصي والذنوب من أسباب ضعف الإيمان ونقصه، والمعاصي منها الكبائر، ومنها أكبر الكبائر، ومنها الصغائر، ومنها اللمم، أما الكبائر فهي: الزنى، وشرب الخمر، والسحر، والتولي يوم الزحف، وأما أكبر الكبائر؛ فعنِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ: «أَكْبَرُ الْكَبَائِرِ الْإِشْرَاكُ بِاللَّهِ، وَقَتْلُ النَّفْسِ، وَعُقُوقُ الْوَالِدَيْنِ، وَقَوْلُ الزُّورِ»، «أما اللمم: وهي الذنوب الصغار، التي لا يصر صاحبها عليها، أو التي يلم بها العبد، المرة بعد المرة، على وجه الندرة والقلة، فهذه ليس مجرد الإقدام عليها مخرجًا للعبد من أن يكون من المحسنين، فإن هذه مع الإتيان بالواجبات وترك المحرمات، تدخل تحت مغفرة الله التي وسعت كل شيء»، قال -تعالى-: {الَّذِينَ يَجْتَنِبُونَ كَبَائِرَ الْإِثْمِ وَالْفَوَاحِشَ إِلَّا اللَّمَمَ إِنَّ رَبَّكَ وَاسِعُ الْمَغْفِرَةِ} (النجم: 32)، عن ابن عباس - رضي الله عنه - قال: ما رأيتُ شيئًا أشبه باللمَم مما قال أبو هريرة عن النبي - صلى الله عليه وسلم -، قال: «إن الله -تعالى- كتب على ابن آدم حظه من الزنى، أدرك ذلك لامحالة، فَزِنَى العين النظر، وزنى اللسان النطق، والنفس تَمنَّى وتَشْتَهِي، والفرج يُصدِّق ذلك أو يُكَذِّبه». 3 - النفس البشرية من طبيعة النفس البشرية سلوك دروب الشر، والميل إلى مسالك الشيطان، والشيطان يجري من ابن آدم مجرى الدم، قال -تعالى-: {وَمَا أُبَرِّئُ نَفْسِي إِنَّ النَّفْسَ لَأَمَّارَةٌ بِالسُّوءِ إِلَّا مَا رَحِمَ رَبِّي إِنَّ رَبِّي غَفُورٌ رَّحِيمٌ} (يوسف: 53)، يقول العلامة السعدي في تفسير هذه الآية -رحمه الله تعالى- أي: لكثيرة الأمر لصاحبها بالسوء، أي: الفاحشة، وسائر الذنوب، فإنها مَرْكَب الشيطان، ومنها يدخل على الإنسان، وكان النبي - صلى الله عليه وسلم - يستعيذ بالله من شرور النفس: «أشهد أن لا إله إلا أنت، أعوذ بك من شر نفسي وشر الشيطان وشركه». 4 - الغفلة والإعراض الغفلة من طبيعة النفس البشرية، ولا يكاد يسلم منها إنسان، قال - صلى الله عليه وسلم -: «إنه ليغان على قلبي؛ فأستغفر الله في اليوم مائة مرة»، وَالْمُرَاد هُنَا مَا يَتَغَشَّى الْقَلْب، قَالَ الْقَاضِي: قِيلَ: الْمُرَاد الْفَتَرَات وَالْغَفَلات عَن الذِّكْر الَّذِي كَانَ شَأْنه الدَّوَام عَلَيْهِ، فَإِذَا أَفْتَرَ عَنْهُ أَوْ غَفَلَ عَدَّ ذَلِكَ ذَنْبًا، فإذا كان هذا حال النبي - صلى الله عليه وسلم -؛ فكيف بحال من دونه من الناس؟! قال -تعالى- عن الغفلة: {وَإِنَّ كَثِيرًا مِّنَ النَّاسِ عَنْ آيَاتِنَا لَغَافِلُونَ} (يونس: 92)، أما الإعراض فقال -تعالى-: {وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّن ذُكِّرَ بِآيَاتِ رَبِّهِ ثُمَّ أَعْرَضَ عَنْهَا إِنَّا مِنَ الْمُجْرِمِينَ مُنتَقِمُونَ} (السجدة: 22)، يقول ابن كثير في تفسير هذه الآية: أي: لا أظلم ممن ذَكَّرَه الله بآياته، وبيّنها له ووضحها، ثم بعد ذلك تركها وجحدها وأعرض عنها وتناساها، كأنه لا يعرفها». 5 - النسيان النسيان إذا كان المقصود به إهمال الأوامر الشرعية فهو فتنة لصاحبه، قال -تعالى-: {وَلَا تَكُونُوا كَالَّذِينَ نَسُوا اللَّهَ فَأَنسَاهُمْ أَنفُسَهُمْ أُولَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ} (الحشر: 19)، قال الإمام الطبري في تفسيره: «فأنساهم الله حظوظ أنفسهم من الخيرات»، ومعنى هذا؛ أن الإنسان لا يعتني بما ينفعه في الدار الآخرة ويكون همّه الدنيا فقط فلا يعمل لآخرته. 6 - طول الأمل طول الأمل والأماني مع تحقق الإلف والعادة، يورث قسوة القلب ويعد من غرور الشيطان، ولاسيما مع الغفلة، وإلف العادة، وهي من أسباب ضعف الإيمان، وقسوة القلب، قال -تعالى-: {أَلَمْ يَأْنِ لِلَّذِينَ آمَنُوا أَن تَخْشَعَ قُلُوبُهُمْ لِذِكْرِ اللَّهِ وَمَا نَزَلَ مِنَ الْحَقِّ وَلَا يَكُونُوا كَالَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِن قَبْلُ فَطَالَ عَلَيْهِمُ الْأَمَدُ فَقَسَتْ قُلُوبُهُمْ وَكَثِيرٌ مِّنْهُمْ فَاسِقُونَ} (الحديد: 16)، قال الإمام الطبري في تفسيره: ويعني بقوله: {فَطَالَ عَلَيْهِمُ الْأَمَدُ}: ما بينهم وبين موسى -عليه السلام-، وذلك الأمد الزمان، وهذا مشاهد؛ أنه كلما بعُد الناس عن مشكاة النبوة والرسالة، قلّ العلم، وضعف الدين، وظهرت الأقاويل والشبهات، وكلما اقترب الناس من عصر النبوة والرسالة، ظهر العلم، وظهر الدين، وهذا ملموس في الإسلام؛ حيث يلحظ الفرق بين الصدر الأول للإسلام، وبين حال المسلمين في آخر الزمان، قال العلامة السعدي في تفسير قوله -تعالى-: {وَلَا يَكُونُوا كَالَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِن قَبْلُ} أي: ولا يكونوا كالذين أنزل الله عليهم الكتاب الموجب لخشوع القلب والانقياد التام، ثم لم يدوموا عليه، ولم يثبتوا، بل طال عليهم الزمان، واستمرت بهم الغفلة، فاضمحل إيمانهم وزال إيقانهم، وهذا المعنى موافق لما جاء في الحديث الذي يرويه الزُّبَيْرُ بْنُ عَدِيٍّ قَالَ: أَتَيْنَا أَنَسَ بْنَ مَالِكٍ فَشَكَوْنَا إِلَيْهِ مَا نَلْقَى مِنَ الْحَجَّاجِ، فَقَالَ: اصْبِرُوا؛ فَإِنَّهُ لَا يَأْتِي عَلَيْكُمْ زَمَانٌ إِلَّا الَّذِي بَعْدَهُ شَرٌّ مِنْهُ، حَتَّى تَلْقَوْا رَبَّكُمْ، سَمِعْتُهُ مِنْ نَبِيِّكُمْ - صلى الله عليه وسلم -». ![]() علامة قوة الإيمان علامة قوة الإيمان سرعة الامتثال لأمر الله ورسوله وتصديق الوحي: إن للإيمان علامة يُعرف بها إن كان قويًا أو ضعيفًا، وهي ترجع إجمالًا إلى سرعة الامتثال لكلام الله -تعالى-، وكلام رسوله - صلى الله عليه وسلم -، قال -تعالى-: {وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ وَلَا مُؤْمِنَةٍ إِذَا قَضَى اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَمْرًا أَن يَكُونَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ وَمَن يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ ضَلَّ ضَلَالًا مُّبِينًا} (الأحزاب:36)، كما أن الرغبة في الصالحات، وإيثار الآخرة على الدنيا، والإيمان بالغيب؛ كلها علامات يُعرف بها قوة إيمان العبد. أمثلة من السنة المطهرة وهذه بعض الأمثلة من السنة المطهرة التي تبيّن سرعة الاستجابة، وعدم التردد في الامتثال لأوامر الله -تعالى-. 1 - تصديق أبي بكر الصديق - رضي الله عنه - للنبي - صلى الله عليه وسلم - تصديق أبي بكر الصديق - رضي الله عنه - للنبي - صلى الله عليه وسلم - في حادثة الإسراء: عن عائشة -رضي الله عنها- قالت: «لما أسْرِيَ بالنبي - صلى الله عليه وسلم - إلى المسجد الأقصى، أصبح يتحدث الناس بذلك، فارتد ناس ممن كان آمنوا به وصدقوه، وسعى رجال من المشركين إلى أبي بكر رضي الله عنه ، فقالوا: هل لك إلى صاحبك, يزعم أنه أُسري به الليلة إلى بيت المقدس، قال: أو قال ذلك؟ قالوا: نعم، قال: لئن كان قال ذلك لقد صدق، قالوا: أوَتصدقه أنه ذهب الليلة إلى بيت المقدس وجاء قبل أن يصبح؟ قال: نعم، إني لأصدقه فيما هو أبعد من ذلك، أصدقه بخبر السماء في غدوة أو روحة، فلذلك سمي أبو بكر الصديق». 2 - ترك متاع الدنيا والإقبال على الآخرة كما حدث في غزوة أحد لما أخذ الصحابي عُمَيْرُ بْنُ الْحُمَامِ الْأَنْصَارِيُّ تمرات ثم سمع رَسُولَ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - يقول: «قُومُوا إِلَى جَنَّةٍ عَرْضُهَا السَّمَوَاتُ وَالْأَرْضُ قَالَ: يَقُولُ عُمَيْرُ بْنُ الْحُمَامِ الْأَنْصَارِيُّ: يَا رَسُولَ اللَّهِ: جَنَّةٌ عَرْضُهَا السَّمَوَاتُ وَالْأَرْضُ؟ قَالَ: نَعَمْ، قَالَ: بَخٍ بَخٍ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم -: مَا يَحْمِلُكَ عَلَى قَوْلِكَ بَخٍ بَخٍ؟ قَالَ: لَا وَاللَّهِ يَا رَسُولَ اللَّهِ إِلَّا رَجَاءَةَ أَنْ أَكُونَ مِنْ أَهْلِهَا، قَالَ: فَإِنَّكَ مِنْ أَهْلِهَا. فَأَخْرَجَ تَمَرَاتٍ مِنْ قَرَنِهِ فَجَعَلَ يَأْكُلُ مِنْهُنَّ، ثُمَّ قَالَ: لَئِنْ أَنَا حَيِيتُ حَتَّى آكُلَ تَمَرَاتِي هَذِهِ إِنَّهَا لَحَيَاةٌ طَوِيلَةٌ، قَالَ: فَرَمَى بِمَا كَانَ مَعَهُ مِنْ التَّمْرِ ثُمَّ قَاتَلَهُمْ حَتَّى قُتِلَ». 3 - امتثال النساء لأمر النبي - صلى الله عليه وسلم - لهن بالصدقة في خطبته - صلى الله عليه وسلم - عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْداللَّهِ - رضي الله عنه - قَالَ: «شَهِدْتُ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - الصَّلَاةَ يَوْمَ الْعِيدِ، فَبَدَأَ بِالصَّلَاةِ قَبْلَ الْخُطْبَةِ بِغَيْرِ أَذَانٍ وَلَا إِقَامَةٍ، ثُمَّ قَامَ مُتَوَكِّئًا عَلَى بِلَالٍ، فَأَمَرَ بِتَقْوَى اللَّه، وَحَثَّ عَلَى طَاعَتِهِ، وَوَعَظَ النَّاسَ وَذَكَّرَهُمْ، ثُمَّ مَضَى حَتَّى أَتَى النِّسَاءَ فَوَعَظَهُنَّ وَذَكَّرَهُنَّ، فَقَالَ: تَصَدَّقْنَ فَإِنَّ أَكْثَرَكُنَّ حَطَبُ جَهَنَّمَ، فَقَامَتْ امْرَأَةٌ مِنْ سِطَةِ النِّسَاءِ سَفْعَاءُ الْخَدَّيْنِ فَقَالَتْ: لِمَ يَا رَسُولَ اللَّهِ؟ قَال:َ لِأَنَّكُنَّ تُكْثِرْنَ الشَّكَاةَ، وَتَكْفُرْنَ الْعَشِيرَ، قَالَ: فَجَعَلْنَ يَتَصَدَّقْنَ مِنْ حُلِيِّهِنَّ يُلْقِينَ فِي ثَوْبِ بِلَالٍ مِنْ أَقْرِطَتِهِنَّ وَخَوَاتِمِهِنَّ»، وحينما أتت امرأة النبي - صلى الله عليه وسلم - ومعها ابنة لها مَسَكَتان غليظتان من ذهب فقال لها: «أتعطين زكاة هذا»؟ قالت لا: قال: «أيسرك أن يسوّركِ الله بهما يوم القيامة سوارين من نار»؟ فقالت: هما لله ولرسوله. 4 - المسارعة في الصدقات إيثارًا للآخرة على الدنيا عن أنس بن مالك - رضي الله عنه - أن رجلًا قال: يا رسول الله، إن لفلان نخلة، وأنا أقيم حائطي بها، فَمُرْهُ أن يعطيني أقيم حائطي بها. فقال له النبي - صلى الله عليه وسلم -: «أعطها إياه بنخلة في الجنة» فأبى. وأتاه أبو الدحداح فقال: بعني نخلتك بحائطي، قال: ففعل، قال: فأتى النبي - صلى الله عليه وسلم - فقال: يا رسول الله إني قد ابتعت النخلة بحائطي فجعلها له. فقال النبي - صلى الله عليه وسلم -: «كم من عذق رداح لأبي الدحداح في الجنة» مرارًا، فأتى امرأته، فقال: يا أم الدحداح اخرجي من الحائط، فإني بعته بنخلة في الجنة، فقالت: قد ربحت البيع أو كلمة نحوها. علامة ضعف الإيمان ومرضه
اعداد: د. عبدالرحمن الجيران
__________________
|
![]() |
الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1) | |
|
|
|
Powered by vBulletin V3.8.5. Copyright © 2005 - 2013, By Ali Madkour |