|
ملتقى القصة والعبرة قصص واقعية هادفة ومؤثرة |
![]() |
|
أدوات الموضوع | انواع عرض الموضوع |
#1
|
||||
|
||||
![]() العلاقات بين الابتلاء والصبر د. عبدالرحمن بن سعيد الحازمي قال الله تعالى: ﴿ وَجَعَلْنَا بَعْضَكُمْ لِبَعْضٍ فِتْنَةً أَتَصْبِرُونَ وَكَانَ رَبُّكَ بَصِيرًا﴾[1]. تمهيد: تَعُج الحياة كلها بالتحديات والمنغصات، وخصوصًا في باب العلاقات الاجتماعية، وهذا كله من الابتلاء الذي لا يسلم منه الإنسان في الحياة الدنيا، قال تعالى: ﴿ الَّذِي خَلَقَ الْمَوْتَ وَالْحَيَاةَ لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلًا وَهُوَ الْعَزِيزُ الْغَفُورُ﴾[2]. ولا شك أن لذلك أجرًا كبيراً، وفضلًا عظيمًا من الله تعالى عند مواجهته بالصبر والحكمة، وقد جاءت الآية موضوع المقال مؤكدةً على قيمة الصبر كحل أمثل، وعلاج ناجع للمحافظة على العلاقات الاجتماعية؛ وخصوصًا بين الأقارب، والأرحام، والجيران، والأصدقاء. أقوال العلماء في تفسير الآية موضوع المقال: قال القرطبي رحمه الله: "إن الدنيا دار بلاء وامتحان، فأراد سبحانه أن يجعل بعض العبيد فتنة لبعض على العموم في جميع الناس مؤمن وكافر، فالصحيح فتنة للمريض، والغني فتنة للفقير، والفقير الصابر فتنة للغني، ومعنى هذا أن كل واحد مختبر بصاحبه"[3]. إن المتأملَ للآية الكريمة يجدها تركز على جوانب أربعة: 1. حتمية تكوين العلاقات البشرية. 2. الفتنة: الاختبار والابتلاء. 3. الصبر على أقوال الناس وأفاعلهم. 4. إحاطة علم الله تعالى بحركات الناس وسَكناتهم. الملامح التربوية المستنبطة من الآية موضوع المقال: أولاً: أن الطبيعةَ البشرية لا تنفك عن الحاجة إلى تكوين علاقات اجتماعية، بل هي من ضروريات الحياة، وهي ذات مستويات وأبعاد مختلفة ومتنوعة، قال تعالى: ﴿ وَرَفَعْنَا بَعْضَهُمْ فَوْقَ بَعْضٍ دَرَجَاتٍ لِيَتَّخِذَ بَعْضُهُمْ بَعْضًا سُخْرِيًّا﴾[4]. قال ابن كثير رحمه الله: "ليسخر بعضهم بعضًا في الأعمال، لاحتياج هذا إلى هذا، وهذا إلى هذا"[5]. ثانياً: أكدتِ السنة النبوية المطهرة على حقيقة المضايقات والصعوبات التي تحدث من مخالطة الناس بعضهم لبعض وأهمية الصبر عليها. وجاء هذا التوجيه النبوي موجهًا للمؤمنين، والإيمان من أعلى مراتب الدين، والمؤمن في الغالب الأكثر استجابة وتحملًا للمسؤوليات والصبر عليها ابتغاء ما عند الله من الأجر والمثوبة، قال صلى الله عليه وسلم: "المؤمِنُ الذي يُخالِطُ الناسِ ويَصبِرُ على أذاهُمْ، أفضلُ من المؤمِنِ الَّذي لا يُخالِطُ النَّاسَ ولا يَصبرُ على أذاهُمْ"[6]. ثالثاً: أن الله سبحانه خالق الإنسان، العليم بحاله وشؤونه كلها؛ ﴿ أَلَا يَعْلَمُ مَنْ خَلَقَ وَهُوَ اللَّطِيفُ الْخَبِيرُ ﴾[7]. أنه طالما هناك علاقات بشرية قائمة، فإنها لا تخلو غالبًا من مد وجزر، واختلاف في وجهات النظر، مما قد ينتج معه ردود أفعال ربما تصل إلى إلحاق الضرر بأحد الأطراف، وهذه حقيقة مهمة للغاية يجب ألا تغيب عن الأذهان؛ ولذلك لابد من الحكمة في التعامل مع الآخرين، وأخذ الحيطة والحذر في كافة التعاملات والعلاقات البشرية لتكون أكثر استقرار، ويحوطها الرفق واللين. رابعاً: لما كان تكوين العلاقات البشرية مظنة الفتنة، فليس من الحكمة التوسع فيها دون حاجة ماسة، فالأولى أن تكون علاقاتنا محدودة، وإن وُجدت تكون منضبطة بأدبيات وأخلاقيات التعامل البشري الراقي. خامساً: من المنطلقات الأساسية في الحياة التي يجب أن تكون واضحة في عقل ووجدان كل مسلم أن الحياة ليست دار بقاء وسعادة لا منغصات فيها، بل هي دار فناء وعناء وكبد، وهذا يقع تحت دائرة الابتلاء، التي أوضحها القرآن الكريم غاية الايضاح في غير ما آية، ومنها قوله تعالى: ﴿ الَّذِي خَلَقَ الْمَوْتَ وَالْحَيَاةَ لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلًا وَهُوَ الْعَزِيزُ الْغَفُورُ﴾[8]. قال ابن عباس رضي الله عنهما: "أي: جعلت بعضكم بلاء لبعض لتصبروا على ما تسمعون منهم"[9]. سادساً: لما كانت العلاقات الاجتماعية حتميةَ الوجود لكون الإنسان كائن اجتماعي بطبعه وتكوينه، والاختلاف والتآلف بين البشر قد تحكمها أمور قدرية خارج عن قدرة الإنسان وسيطرته، قال صلى الله عليه وسلم: "الأرواح جنودٌ مُجنَّدةٌ، فما تعارف منها ائتلف، وما تناكر منها اختلف"[10]. قال النووي رحمه الله: "قيل: لأنها خلقت مجتمعة، ثم فرقت في أجسادها، فمن وافق بشيمه ألفه، ومن باعده نافره وخالفه"[11]. سابعاً: من الأهمية أن يستقرَّ في وجدان المسلم أن العلاقات مهما طالت لابد من الفراق، وهذا مصداق حديث رسولنا صلى الله عليه وسلم: "أتاني جبريلُ عليه السَّلامُ؛ فقال: يا محمَّدُ عِشْ ما شئتَ فإنَّك ميِّتٌ، وأحبِبْ من شئتَ فإنَّك مفارقُه"[12]. هذا التوجيه النبوي يجعل الإنسان المسلم في حالة من الهدوء والاستقرار النفسي عند حدوث أي داعٍ للفراق وتشتت للعلاقات مهما كان بينها من أواصر الحب والقرابة. ثامناً: من لوازم استمرار العلاقات ونجاحها عدم التدقيق على كل صغيرة وكبيرة؛ بمعنى أوضح: إجادة فن التغافل، فهو من الحكمة ومن كمال العقل. تاسعاً: قال تعالى: ﴿ وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى وَلَا تَعَاوَنُوا عَلَى الْإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ ﴾[13]. قال القرطبي رحمه الله: "هو أمر لجميع الخلق بالتعاون على البرِّ والتقوى؛ أي: لِيُعِنْ بعضُكم بعضًا، وتحَاثُّوا على أمر الله تعالى واعمَلوا به، وانتهوا عما نهى الله عنه، وامتنعوا منه"[14]. فالواجب على منظومة العلاقات البشرية العناية بالتعاون فيما بينهم بما يحقق الخير والنفع للناس، وتجنب التعاون على إلحاق الضرر بهم. والتعاون المثمر يعزز الروابط الإنسانية ويحقق التقدم والرخاء للمجتمع وللبشرية عامة. [1] الفرقان:20. [2] الملك: 2. [3] تفسير القرطبي (13/ 18). [4] الزخرف: 32. [5] تفسير ابن كثير (7/ 208). [6] الألباني، صحيح الجامع، (6651). [7] الملك:14. [8] الملك: 2. [9] تفسر البغوي (6/ 77). [10] صحيح مسلم، رقم: (2638). [11] شرح النووي على صحيح مسلم، (16/ 185). [12] الطبراني، المعجم الأوسط، (4278). [13] المائدة: 2. [14] تفسير القرطبي (6/ 46).
__________________
|
![]() |
الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1) | |
|
|
|
Powered by vBulletin V3.8.5. Copyright © 2005 - 2013, By Ali Madkour |