|
ملتقى نصرة الرسول صلى الله عليه وسلم قسم يختص بالمقاطعة والرد على اى شبهة موجهة الى الاسلام والمسلمين |
![]() |
|
أدوات الموضوع | انواع عرض الموضوع |
#1
|
||||
|
||||
![]() الهجرة النبوية انطلاقة حضارية لبناء الإنسان والأُمَّة في زمن الأزمات د. ثامر عبدالمهدي محمود حتاملة الحمد لله الذي جعل في سيرة نبيه صلى الله عليه وسلم منارًا للسالكين، وعِبرةً للمُعتبرين، والصلاة والسلام على من كانت هجرته بدايةً لتحوُّل تاريخيٍّ حضاري عظيم، وعلى آله وصحبه ومن تبِعهم بإحسانٍ إلى يوم الدين. ليست الهجرة النبوية مجردَ حدث تاريخي عابر، ولا فرارًا من واقع مؤلم إلى واقع أيسر، بل هي في جوهرها فعل حضاري، وميلاد مشروع نهضوي، وتحوُّل نوعي في مسار الدعوة الإسلامية من التبليغ الفردي إلى بناء الدولة والمجتمع والإنسان. الهجرة: من الانطلاق إلى البناء: لقد كانت الهجرة إعلانًا لبداية مرحلة جديدة تتجاوز حدود الجغرافيا، لتنطلق نحو إعادة تشكيل الوعي والهوية، والنظام الاجتماعي والسياسي؛ فقد بدأ النبي صلى الله عليه وسلم بهجرة الروح قبل الجسد، حين ارتحل بقلبه إلى ربه في الليالي المكية الحالكة، ثم جاء التحول الماديُّ بهجرته إلى المدينة، وهي هجرة خَطَّط لها بإحكام، واتخذ فيها كل أسباب النجاح، مما يُرسخ في أذهاننا أن الإيمان لا يعارض التخطيط، وأن التوكل لا يُلغي العمل، بل يقتضيه. الهجرة وبناء الإنسان في زمن الأزمات: في بيئة مشبَّعة بالتحديات؛ حيث الاضطهادُ والحرمان، بدأت الهجرة بإعادة بناء الإنسان قبل العمران، كان المطلوب تكوين جيلٍ يحمل المشروع على عاتقه، ويصمد في وجه العواصف، ويملك من الوعي والصفاء الإيماني ما يجعله أهلًا لوراثة الرسالة؛ لذلك نجد أن الهجرة شكّّلت أولَ مدرسة في الصبر والتضحية والانتماء الصادق، ووضعت أساسًا نفسيًّا وروحيًّا قويًّا لمجتمع المدينة. الهجرة والهُوِيَّة في زمن الغربة: كانت الهجرة في جوهرها دفاعًا عن الهوية، وصونًا للدين، وبحثًا عن بيئةٍ يُعبد الله فيها بحرية، وفي زمننا، حيث تغزو العولمة العقول والقلوب، وتتشظى الهُويات، تصبح الهجرة رمزًا دائمًا لضرورة حفظ الدين، والثبات على المبادئ، مهما كانت التضحيات، إنها دعوة متجددة للشباب المسلم ليجدد انتماءه، ويُعيد تعريفَ ذاته من خلال قيم الإسلام الأصيلة. من الهجرة إلى التغيير: صناعة الأمة من جديد: لم يكنِ الانتقالُ من مكة إلى المدينة مجرد تحرك مكاني، بل كان فعلًا تغييريًّا بامتياز؛ فالمجتمع الجديد لم يتشكل فقط من المهاجرين، بل من التحامهم بالأنصار، في وحدة صفٍّ مدهشة، تجاوزت اعتبارات القبيلة والنسب والعِرق، لقد أعادت الهجرة رسمَ خارطة الانتماء: من العصبية إلى الأخوَّة، ومن الفردية إلى الشراكة المجتمعية، ومن العاطفة إلى التخطيط والبناء. الهجرة النبوية والشباب في زمن التشتت: لعل من أعظم ما تُعلِّمه الهجرة لشباب الأُمَّة في زمن التِّيه، أنها لا تترك الإنسان حبيسَ الألم، بل تحوِّل المحنة إلى منحة، الهجرة تعني النهوضَ من تحت الركام، والتحرك نحو المستقبل رغم الجراح، هي درس في التوازن بين الحُلم والواقع، وبين المبادئ والتكيُّف، وبين الثبات والتجدد، إنها نداء متجدد للشباب لينهضوا، وليكونوا جزءًا من مشروع بناء الأمة، لا من جمهور المتفرِّجين. الهجرة والإعلام: كيف نرويها اليوم؟ لو كانت الهجرة اليوم، لَربما رواها الإعلام المعاصر كخبر سياسي، أو مأساة لاجئين، أو صراع مصالح، لكنها في حقيقتها ملحمة قِيَمِيَّة وإنسانية وإيمانية، هنا يأتي دور الإعلام الإسلامي في إعادة سرد الهجرة بلغة العصر: لغة الصورة الصادقة، والقصة المؤثرة، والرسالة القيمية التي تخاطب القلوب قبل العقول، الهجرة اليوم تحتاج منابرَ تحكيها للأجيال الجديدة بلغتهم، دون أن تُفرِّغها من مضمونها. الهجرة والعدالة الاجتماعية: المهاجر والأنصاري نموذجًا: شكَّلت العلاقة بين المهاجرين والأنصار نموذجًا فريدًا في العدالة الاجتماعية، والمساواة، والإيثار، والتكافل؛ فقد تقاسموا المأوى، والرزق، بل حتى العواطف والهموم، وكان هذا النموذج حجرَ الأساس في بناء مجتمع متماسك، لا تحكمه المصالح الضيقة، بل القيم النبيلة، وهذا ما تحتاجه مجتمعاتنا اليوم في ظل النزاعات والفقر والانقسامات. أخيرًا: من مكة إلى المدينة ... قلبان ووطنان: الهجرة لم تكن رحلة جسدية فقط، بل مسيرةُ قلوب عامرة بالإيمان، انتقلت من واقع الألم إلى أفق الأمل، ومن مجتمع الاضطهاد إلى حضارة التعدد والعدل، وإذا كانت الهجرة قد تمت في ظرف خاص، فإن دروسها صالحة لكل زمان، ولا سيما في أزمنة الفُرقة والانكسار. فالهجرة - اليوم - ليست في ترك الأوطان، بل في ترك الذنوب، والهروب من الجاهلية إلى نور الإسلام، ومن السلبية إلى الإيجابية، ومن التواكل إلى العمل، ومن العشوائية إلى التخطيط، إننا بحاجة إلى استعادة روح الهجرة في مشاريعنا، في شبابنا، في خطابنا الإعلامي، وفي وعينا بهويتنا. • فالهجرة انطلاقة لا هروب، وبناء لا تشتت، ووحدة لا فرقة، وهي في النهاية: دعوة للحياة بالمعنى الحقيقي.
__________________
|
![]() |
الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1) | |
|
|
|
Powered by vBulletin V3.8.5. Copyright © 2005 - 2013, By Ali Madkour |