أهمية الإحسان والصدقة في شهر رمضان

[ابوالوليد المسلم]

أهمية الإحسان والصدقة في شهر رمضان

مضاعفة الأجر تجعل رمضانَ أفضلَ وقت للبذل والعطاء

محمد أبو عطية

شهر رمضان، شهر الخير والبركات، شهر المغفرة والرحمة، هو فرصة سنوية عظيمة للتقرب إلى الله سبحانه وتعالى، وفرصة ثمينة لغسل الذنوب وتطهير النفوس، ويتميز هذا الشهر الكريم بمضاعفة الحسنات والأعمال الصالحة، مما يجعله الوقت الأمثل للبذل والعطاء، وخاصةً فيما يتعلق بالإحسان والصدقة، فالإحسان والصدقة ركيزتان أساسيتان في الإسلام، ويتضاعف أجرها في هذا الشهر الفضيل بشكل خاص، مما يدفعنا إلى التحري عن أفضل السُّبُل لإقامة هذه الشعائر العظيمة.

الإحسان: جوهر التوحيد وسر السعادة:
الإحسان في اللغة العربية يعني الإتقان والإحكام، أما في الاصطلاح الشرعي، فهو عبارة عن الإخلاص في العمل لله تعالى، والقيام به على أكمل وجه، مع مراعاة جميع جوانبه، سواء كانت ظاهرة أو باطنة، فهو ليس مجرد إتمام العمل، بل هو إتقانه وتنفيذه بصدقٍ ونية صادقة، مخلصةً لله تعالى وحده؛ عن عائشة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((إن الله يحب إذا عمِل أحدكم عملًا أن يتقنه))[1]، فالإحسان جوهر التوحيد، وسر السعادة في الدنيا والآخرة؛ فهو يرتقي بالإنسان إلى أعلى مراتب الكمال، ويجعله قريبًا من ربه سبحانه وتعالى.

وفي شهر رمضان الكريم، تتضاعف أهمية الإحسان في جميع جوانب الحياة، من الصيام والقيام إلى التعامل مع الآخرين، فالصيام ليس مجرد امتناع عن الطعام والشراب، بل هو امتناع عن كل ما يُغضب الله تعالى؛ كالكذب والغِيبة والنميمة، والقيام ليس مجرد قيام الليل للصلاة، بل هو قيام القلب لله تعالى، والانشغال بذكره وتلاوة القرآن الكريم، والتعامل مع الآخرين ليس مجرد مجاملة، بل هو إحسان إليهم بالقول والفعل، والتعامل معهم بالرفق واللين، فالإحسان في رمضان يُضيف بعدًا روحيًّا عميقًا إلى العبادات والأعمال، مما يكسبها قيمةً معنويةً عالية.

الصدقة: باب من أبواب الخير ووسيلة للتكفير عن الذنوب:
الصدقة هي من أعظم القُرُبات إلى الله سبحانه وتعالى، وهي وسيلة للتقرب إليه، وتطهير النفس من الذنوب والمعاصي، فبها تُكفَّر الخطايا، وتُزال الشوائب، وتُفتح أبواب الرزق والبركة؛ يقول النبي صلى الله عليه وسلم: ((والصدقة تطفئ الخطيئة كما تطفئ الماء النار))[2]؛ فالصدقة ليست مجرد مال، بل تمثِّل عطاء من القلب، يتجاوز المال إلى المشاعر والأحاسيس النابعة من الإيمان والإحسان.

وفي شهر رمضان، تتضاعف أهمية الصدقة وأجرها، مما يجعل هذا الشهر فرصةً ثمينةً للبذل والعطاء، فالله تعالى يضاعف الأجر في هذا الشهر الفضيل، ويزيد ثواب كل عمل صالح، وتتنوع أشكال الصدقة في رمضان، من إطعام الطعام للصائمين، إلى إخراج الزكاة، إلى مساعدة الفقراء والمحتاجين، إلى العناية باليتامى والأرامل، إلى إصلاح المساجد، إلى بناء المستشفيات وغيرها، كل ذلك يعتبر صدقةً، ويضاعف أجرها في شهر رمضان.

الترابط بين الإحسان والصدقة في رمضان:
يترابط الإحسان والصدقة في شهر رمضان الكريم ارتباطًا وثيقًا؛ فالإحسان في إخراج الصدقة يضاعف أجرها، ويكسبها قبولًا خاصًّا عند الله تعالى، فإن أخرجت الصدقة بنية صادقة ونية خالصة لله تعالى، مع مراعاة حقوق الفقراء والمحتاجين، فإن ذلك يعتبر إحسانًا في الصدقة، ويضاعف أجرها عند الله سبحانه وتعالى، والإحسان في التعامل مع المستفيدين من الصدقة أيضًا يضاعف أجرها، فالتعامل معهم برحمة ولطف واحترام يُعَدُّ من أجمل مظاهر الإحسان.

أمثلة عمليَّة على الإحسان والصدقة في رمضان:
هناك العديد من الأمثلة العملية التي تجسِّد الإحسان والصدقة في شهر رمضان؛ منها:
• إطعام الصائمين: إطعام الطعام للصائمين من أعظم الأعمال الصالحة في رمضان، فإن إطعام صائمٍ يُكفِّر عن الذنوب، ويكسب أجرًا عظيمًا، ويمكن إطعام الصائمين بطرق متعددة؛ كالطبخ لأفراد العائلة والأصدقاء والجيران، أو التبرع للمطاعم الخيرية التي تقدم الوجبات للصائمين.

• إخراج الزكاة: إخراج الزكاة من أهم أركان الإسلام، وهي فرض على كل مسلم يملك نصابًا من المال، وفي شهر رمضان، تزداد أهمية إخراج الزكاة، ويزداد أجرها.

• مساعدة المحتاجين: مساعدة الفقراء والمحتاجين من أهم أوجه الصدقة، وخاصةً في شهر رمضان، ويمكن مساعدتهم بإعطائهم المالَ أو الطعام أو الملبس، أو مساعدتهم في أعمالهم الخاصة.

• التبرع للمشاريع الخيرية: التبرع للمشاريع الخيرية – مثل: بناء المساجد والمستشفيات والمدارس - يُعَدُّ من أفضل أعمال الصدقة؛ فهو يفيد الناس جميعًا وينال صاحبه أجرًا عظيمًا.

• القيام بالليل: القيام بالليل للصلاة وقراءة القرآن يعد من أفضل عبادات رمضان، وهو يقوِّي صلة المسلم بربه، وينال أجرًا عظيمًا، وهذا يعتبر إحسانًا في العبادة.

• إكرام الضيف: إكرام الضيف من أهم سنن الإسلام، وفي شهر رمضان يزداد أجر إكرام الضيف، وهذا يعتبر من مظاهر الإحسان.

• بر الوالدين: بر الوالدين من أعظم الأعمال الصالحة، والإحسان إليهم ينال أجرًا عظيمًا، وفي شهر رمضان تزداد أهمية بر الوالدين، وزيادة أجره.

خاتمة:
إن الإحسان والصدقة في شهر رمضان الكريم يمثِّلان فرصةً ثمينةً للتقرب إلى الله تعالى، وغسل الذنوب، والتكفير عن الخطايا، فمضاعفة الأجر في هذا الشهر تحفز المسلمين على البذل والعطاء، والسعي لإقامة هذه الشعائر العظيمة، ولعل أفضل طريق لإحياء روح الإحسان والصدقة في رمضان، هو الإخلاص في النية، والصدق في القول والفعل، ومراعاة حسن التعامل مع الآخرين، نسأل الله أن يتقبل منا صيامنا وقيامنا وصدقاتنا، ويجعلنا من عباده الصالحين.

[1] أخرجه البيهقي في شعب الإيمان (4 /334، رقم 5312)، وأخرجه أيضًا: أبو يعلى (7 /349، رقم 4386).

[2] صحيح الترغيب للألباني.