|
الملتقى الاسلامي العام مواضيع تهتم بالقضايا الاسلامية على مذهب اهل السنة والجماعة |
![]() |
|
أدوات الموضوع | انواع عرض الموضوع |
#1
|
||||
|
||||
![]() مغسول بحُبٍّ سمر سمير غالبًا لا أفتح اللاب أو الإنترنت إلا إذا انتهيت من أعمال البيت؛ حتى أجلس مطمئنة. لكن جاءتني هذه الخاطرة الطازجة من بين أكوام الغسيل التي أختبئ فيها، فقلت: سأدخل أكتبها؛ حتى لا أؤجلها كأخواتها التي كان مصيرها النسيان. أحدثكم الآن أثناء حملة غسيل موسَّعة، تشمل ملابس الأولاد، ومفارش الأسرة والفوط، وربما الستائر تأتي تحت يدي، لا أعرف حقيقةً، وغيرها، وغيرها. وكأني لم أغسل منذ زمن بعيد، ولكني أتذكر أن آخر عهدي بالغسيل كان منذ يومين فحسب، فهل هذا زمن بعيد يا بنات؟ المهم أنني لمدة تزيد عن ساعتين بين طي كومة من الملابس، وغسل كوم آخر، والآن حان وقت نشرها. لا لا، نسيت أن هناك غسيلًا منشورًا بالفعل لا بد أن أجمعه أولًا من حبل الغسيل؛ حتى أنشر الجديد. ومن المؤكد أن حضرة هذا الكوم يناديني أن أطويَهُ أيضًا. ووسط هذه الأطلال تأتيني بعض الأسئلة الوجودية، مثل: متى ينتهي هذا الغسيل وأرتاح؟ لماذا هو كثير بهذا الشكل؟ وغيرها من الأسئلة المتراكمة. ولكنني - بفضل الله - استفقت على أن هذا الغسيل نعمة، نعم، كما أحدثكم. نعمة أن يكون أولادي بصحة وعافية، يَجْرُون ويخرجون لدراستهم، فتتسخ ملابسهم فأغسلها لهم. نعمة أن يكون أولادي معي غير مسافرين ولا بعيدين عني؛ قال تعالى: ﴿ وَبَنِينَ شُهُودًا ﴾ [المدثر: 13]. نعمة أن الله أعطاني صحةً لأخدُم أولادي، فلست طريحة الفراش أحتاج لمن يساعدني، أو من أثقل عليه. نعمة أن عندي المال لأشتري هذه الملابس، وغيري ليس معه، أتذكر في إحدى قصص الصحابة أنه لم يخرج للصلاة يومًا في الشهر؛ إذ ليس عنده إلا ثوب واحد، إذا اتَّسخ ينتظر حتى يغسله ويرتديه، ليخرج به، ونحن بفضل الله عندنا الكثير والكثير. سعيد بن عامر كان واليًا على حِمص، فاشتكى أهلها لسيدنا عمر قائلين عن سعيد: إن له يومًا في الشهر لا يخرج إلينا فيه، قال: ما تقول؟ قال: ليس لي خادم يغسل ثيابي، وليس لي ثياب أبدلها، فأجلس حتى تجف، ثم أدلكها، ثم أخرج إليهم آخر النهار. الملابس نعمة امتنَّ الله بها علينا؛ كما قال تعالى: ﴿ يَا بَنِي آدَمَ قَدْ أَنْزَلْنَا عَلَيْكُمْ لِبَاسًا يُوَارِي سَوْآتِكُمْ وَرِيشًا ﴾ [الأعراف: 26]. نعمة أن عندي غسالة، وغيري تغسل على يديها، أو تغسل في مياه النهر، كما كانت تفعل جَدَّاتنا منذ أقل من خمسين سنة فقط؛ حيث لم تكن الغسالات منتشرة بعد، وإلى الآن هناك الكثيرون ممن لا يستطيعون شراء غسالة عادية فضلًا عن غسالة حديثة. نعمة أن عندي الماء والكهرباء تساعدني على إنجاز أعمالي. نعمة أن يلبس أولادي ملابس نظيفة مريحة لنفسيتهم. نعمة أني ما زلت حية، وامتن الله عليَّ بيوم جديد، كانت صديقة لي تقول: "سننام كثيرًا في القبر"، كانت تهزني عندما تقول هذه الكلمة، وتحفزني كثيرًا. نعمة أني أحتسب عملي في البيت لله: ﴿ قُلْ إِنَّ صَلَاتِي وَنُسُكِي وَمَحْيَايَ وَمَمَاتِي لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ ﴾ [الأنعام: 162]. ولكن متى يقِلُّ هذا الغسيل؟ ومتى ينتهي؟ سيقل الغسيل عندما يكبر أولادكِ، ويتزوجون ويرحلون عنكِ، فلن تحتاجي لكل هذه الدورات من الغسيل. سيقل إذا انقطع عنا الماء والكهرباء كأهل غزة الصامدين. وسينتهي تمامًا عندما ننزل قبورنا. فغيِّري نظرتكِ عن الغسيل من الآن، وارعي جوار نِعَمِ الله عليكِ، فإنها قلما ذهبت عن قوم، ورجعت لهم مرة أخرى، وارفعي معي شعار "مغسول بحبٍّ". أنا أعيش، إذًا أنا أغسل. ملحوظة صغيرة: تنطبق كلمة "غسيل" على كل غسيل، فيشمل ذلك غسيل الأطباق أيضًا، وعلى كل أعمال البيت. غسيل أطباق بحبٍّ، مطبوخ بحب، تنظيف بحب، والقائمة تطول.
__________________
|
![]() |
الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1) | |
|
|
|
Powered by vBulletin V3.8.5. Copyright © 2005 - 2013, By Ali Madkour |