|
الملتقى العلمي والثقافي قسم يختص بكل النظريات والدراسات الاعجازية والثقافية والعلمية |
![]() |
|
أدوات الموضوع | انواع عرض الموضوع |
#1
|
||||
|
||||
![]() بين الثقة المرضية والغرور المرضي هنادي الشيخ نجيب استُدعِيَ (سليم) ليُشارك في اجتماع يضمُّ زملاء قُدامى، وآخرين جددًا، دخل غرفة الاجتماع فاسترعى انتباه الجالسين؛ أناقة واضحة، مشية ناعمة، كتفان مشدودان، ابتسامة لطيفةٌ، يُسمِّيها البعض: (ابتسامة صفراء). بعد التحيَّة والسلام دار نقاش حول مستلزمات نشاط تريد الشركة أن تقومَ به، أَدْلَى الجميع بآرائهم - بمن فيهم سليم - كان يؤيِّدُ بعضَ الأفكار، ويرفض بعضَها، ويستشهد بسابق خبرته في هذا المجال، بدا صاحبَ قدرةٍ على التمييز بين ما يجده صوابًا، وما يراه خطأ. انتهى الاجتماع باعتباره جلسةَ عصفٍ ذهني، وخرج المشاركون بعد أن انقسموا قسمين: القسم الأول: المعجبون بشخصية سليم؛ فهو واثقٌ بنفسه، راجح الرأي، بعيد النظر، واسع الخبرة، بادي الجرأة والثبات. القسم الثاني: (وأكثرهم من الزملاء الجُدُد) الذين استفزَّتهم هذه الشخصية، فوصفوا سليمًا بالغرور والتكبُّر والتعالي، وأبدوا عدمَ ارتياحهم للتعامل معه. قرَّاءنا الأكارم، هذا (سليم) قد سمعتم عنه، كيف وجدتموه؟ وبماذا وصفتموه؟ وهل استطعتم أن تُقيِّموه؟ أهو شخص واثق بنفسه، عالم بقدراته، مطمئن لخبرته؟ أم هو رجل مغرور، متعاظم، متوهِّمٌ؟ مواقف كثيرة تواجهُنا في أعمالنا ومؤسساتنا وشركاتنا، تضعُنا وجهًا إلى وجه مع شخصيات ذات سلوكيات مُتشابهة. فقد يستفزُّنا هدوء البعض؛ فنَصِفُه بالبرودة والبلادة! وقد يستفزُّنا ذكاءُ البعض؛ فنَصِفُه بالاحتيال والقدرة على التغرير! وقد تستفزُّنا قوة شخصية البعض؛ فنصفه بالتعالي والاستكبار! فما الذي يُعينُنا على رؤية الخط الفاصل بين مفاهيم تقاربتْ ظاهريًّا في طريقة التعبير عنها؟ وكيف نستطيع أن نميِّز بين المضمون والفكرة والدوافع لكل مفهومين متشابهين؟! كثيرون يختلط عليهم مفهوم الثقة بالنفس والاعتداد بها، ويسيئون تقدير بعض نتائجها؛ فينعتون صاحبَها بالعجب والغرور. وآخرون يجدون أن الثقة بالنفس والغرور هما وجهان لعملة واحدة، فقد يَدَّعي أحدهم أنه واثق من نفسه يمشي ملكًا، بينما هو في الحقيقة مُتعجرِفٌ مُتوهِّمٌ مُتعالٍ! فما هي الأدوات التي تُعينُنا على رؤية الشَّعْرة التي تفرِّقُ بين الثقة والغرور؟ ربما يفيدنا في بحثنا اليوم أن نطرح عدة أسئلة؛ لنصل إلى تعريف واضحٍ وصريح لكلا المفهومين. • هل يعتبر عيبًا في الشخص أنه يدرك مؤهلاته وقدراته، ويتكلَّمُ بناءً على خبرته؟! • هل هو قدح في الإنسان أن يرى موقعَه بين الناس، ويسعى ليكون الأفضل؟! • هل هو مرضٌ نفسي أن يعرف الواحد منا نقاطَ قوته وحسناته؟! • وهل هو طعن في الشخصية أن يكونَ أحدنا ثابتًا على رأيه، متمسِّكًا به، مبديًا عدم قناعته بالرأي الآخر؟! لا يجوز لنا أن نترك تلك الأسئلة دون أن نستكمل طرحَها بما يضمن ألا نذهبَ حدَّ التطرف في مفهوم الثقة بالنفس. نعم، هناك فعلاً مَن يُسمِّي "الغرور" بـ: الوجه المرضي للثقة بالنفس إذا زادت عن حدِّها، وبلغت المستوى الذي سأذكره لكم، وسأضمِّن هذه الحالات الإجابة عما سبق من تساؤلات: ليس عيبًا أن يُدرِكَ الشخص مؤهلاتِه وقدراته، (ويبني رأيه بحسب خبرته)، إنما العيب أن يعتقد (بوحدانيَّتِه وأفضليَّتِه)؛ فيظن نفسه أنه الوحيد المُؤهَّل، والوحيد القادر، والوحيد الخبير! وليس قدحًا في الإنسان أن يرى موقعَه بين الناس، ويسعى ليكون من بين الأحسنِ، بشرط ألا يُقلِّل من جهود مَن حوله، ويعترف بوجودهم وإنجازاتهم، ويعتقد بالتكامل معهم جميعًا، حتى وإن كانوا من المنافسين. ولا يُعدُّ مرضًا نفسيًّا أن يعرفَ الواحد منا نقاطَ قوته، وحسناته، وصفاته الجميلة، على أن يمتلك الجرأة النفسية ليعترفَ بعيوبه أيضًا، وينتقد نفسه ويُقيِّمُها وَفْقَ رؤية واضحة، ومعايير منطقية، وأن يسمح للآخرين بانتقاده بتجرُّد لا يُقصَدُ منه التجريد من الخِلال الحسنة، وأن يقتنع بأنه بحاجة إلى الانتقاد للتسديد والتطوير. كما أنه ليس طعنًا في الشخصية أن يَثبُتَ أحدُنا على رأيه، ويتمسَّك به، إن كان مَبنيًّا على رجاحة عقل، وقدرة على التمييز بين الخطأ والصواب، وحسن اختيار القرار المناسب، وحكمة وخبرة. لماذا لا ننظرَ إلى ثبات الإمام أحمد بن حنبل رحمه الله في محنة خلق القرآن، ونفهم حقيقةَ صبره على الحبس والجلد، أَتُراه في موقفه وثباته كان متكبِّرًا مغرورًا أم عالمًا واثقًا بنفسه؟! الثقة بالنفس هي القيام بالعمل والوثوق بنجاحه، بعد أن يُفكِّر هذا الواثق منطقيًّا بما يستطيعه، وما لا يستطيعه، على عكس المغرور الذي يَنظرُ إلى كلِّ شيء على أنه تافهٌ وهيِّنٌ، وأنه مهما قدَّم من آراء فهو المصيب دائمًا، والحق إلى جانبه دومًا! الثقةُ بالنفس هي المعرفة بالعلم، والمعرفة بالجهل، وهي الاعتداد بالذات مع الاعتراف بذوات الآخرين، وعدم انتقاصهم، وعدم التقليل من شأنهم. الثقة بالنفس هي تقدير الإمكانات الموجودة حقيقةً بعدَ التوكُّل على الله، وردِّ الفضل إليه؛ إنها ثقة مطلوبة شرعًا، بخلاف الغرور المذموم شرعًا وخلقًا؛ لأنه شعور بالعظمة، وتوهُّمٌ للكمال، وتخبُّطٌ في تقدير الإمكانات الموجودة. الكبرُ والغرور مفهومُه واضح في حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((هو بَطَرُ الحق، وغَمْطُ الناس))؛ أي: إنكار الحق ورده، وازدراء الناس واحتقارهم. على أنه ليس من الغرور أن يسعى كلٌّ منا أن يكون ثوبه حسنًا، ونعله حسنًا، ومظهره حسنًا، ويجمع بين الحسنتَيْنِ؛ حسنة المظهر، وحسنة الجوهر. وليس من الغرور أيضًا أن نفرح بالطاعة والإنجاز، بل إن ذلك من علامات الإيمان لحديث نبينا رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((مَن سرَّتْه حسنته، وساءتْه سيِّئتُه فهو مؤمن)). يقول الشيخ مصطفى السباعي رحمه الله: "لا تأتي الثقة بالنفس من خلال كونك دائمًا على حق، بل من خلال كونك غيرَ خائف من أن تكون على خطأ". إن هذا الخُلُق المطلوب يَتأتَّى من تَكرار النجاح، والقدرة على تجاوز الصعوبات والمواقف المحرجة، والحكمة في التعامل، والأخلاق، وتوطين النفس على تقبُّل النتائج مهما كانت. خلاصة الأمر: الثقة بالنفس لازمة لبناء شخصية المسلم، لا سيما بين العاملين في مجال الدعوة إلى الله، فكيف يمكن لغير الواثق من نفسه أن يدعو غيره إلى الخير، دون أن يخشى في الله لومة لائم؟! أبيات أهديها لكل المغرورين ليَتفكَّروا فيها، ثم يقيسوا عليها: يقول الشاعر: تَوَاضَعْ تَكُنْ كالنجم لاح لِناظِرٍ ![]() على صفحات الماءِ وهْوَ رفيعُ ![]() ولا تَكُ كالدُّخَان يَعْلو بنفسه ![]() إلى طبقات الجوِّ وهْو وضيعُ ![]()
__________________
|
![]() |
الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1) | |
|
|
|
Powered by vBulletin V3.8.5. Copyright © 2005 - 2013, By Ali Madkour |