سورتا فجر الجمعة (2) سورة السجدة - ملتقى الشفاء الإسلامي

 

اخر عشرة مواضيع :         حدث في مثل هذا اليوم ميلادي ... (اخر مشاركة : أبــو أحمد - عددالردود : 4954 - عددالزوار : 2057040 )           »          إشــــــــــــراقة وإضــــــــــــاءة (متجدد باذن الله ) (اخر مشاركة : أبــو أحمد - عددالردود : 4529 - عددالزوار : 1325092 )           »          الشرح الممتع للشيخ ابن عثيمين -رحمه الله-(سؤال وجواب) (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 65 - عددالزوار : 52101 )           »          الحرص على الائتلاف والجماعة (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 28 )           »          شرح كتاب الصلاة من مختصر صحيح مسلم للإمام المنذري (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 80 - عددالزوار : 45885 )           »          الدِّين الإبراهيمي بين الحقيقة والضلال (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 196 - عددالزوار : 64241 )           »          فتح العليم العلام الجامع لتفسير ابن تيمية الإمام علم الأعلام وشيخ الإسلام (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 374 - عددالزوار : 155291 )           »          6 مميزات جديدة فى تطبيق الهاتف الخاص بنظام iOS 18 (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 37 )           »          إيه الفرق؟.. تعرف على أبرز الاختلافات بين هاتف iPhone 12 و Google Pixel 9 (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 16 )           »          برنامج الدردشة Gemini متاح الآن على Gmail لمستخدمى أندرويد (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 35 )           »         

العودة   ملتقى الشفاء الإسلامي > قسم الصوتيات والمرئيات والبرامج > ملتقى الصوتيات والاناشيد الاسلامية > ملتقى الخطب والمحاضرات والكتب الاسلامية
التسجيل التعليمـــات التقويم

ملتقى الخطب والمحاضرات والكتب الاسلامية ملتقى يختص بعرض الخطب والمحاضرات الاسلامية والكتب الالكترونية المنوعة

إضافة رد
 
أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
  #1  
قديم 29-03-2021, 11:33 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم غير متصل
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 158,565
الدولة : Egypt
افتراضي سورتا فجر الجمعة (2) سورة السجدة

سورتا فجر الجمعة (2) سورة السجدة
الشيخ د. إبراهيم بن محمد الحقيل







الْحَمْدُ لِلَّهِ الْخَلَّاقِ الْعَلِيمِ؛ عَلَّمَ الْإِنْسَانَ أَصْلَ نَشْأَتِهِ، وَعَرَّفَهُ كَيْفِيَّةَ خَلْقِهِ، وَهَدَاهُ لِدِينِهِ، وَأَعْلَمَهُ بِبَعْثِهِ وَجَزَائِهِ؛ فَأَقَامَ عَلَيْهِ حُجَّتَهُ، وَقَطَعَ عَنْهُ مَعْذِرَتَهُ، نَحْمَدُهُ إِذْ عَلَّمَنَا وَهَدَانَا، وَنَشْكُرُهُ عَلَى مَا كَفَانَا وَأَوْلَانَا، وَأَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ، وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ؛ كَانَ يَقْرَأُ فِي فَجْرِ الْجُمُعَةِ سُورَتَيِ السَّجْدَةِ وَالْإِنْسَانِ؛ تَذْكِيرًا لِلْعَبْدِ بِالْمَبْدَأِ وَالْمَعَادِ، فَصَارَتْ قِرَاءَتُهُمَا مِنَ السُّنَّةِ الْعَمَلِيَّةِ الثَّابِتَةِ، صَلَّى اللَّهُ وَسَلَّمَ وَبَارَكَ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَأَصْحَابِهِ وَأَتْبَاعِهِ بِإِحْسَانٍ إِلَى يَوْمِ الدِّينِ.

أَمَّا بَعْدُ:
فَاتَّقُوا اللَّهَ تَعَالَى وَأَطِيعُوهُ، وَاجْتَهِدُوا فِيمَا يُقَرِّبُكُمْ إِلَيْهِ مِنَ الْأَعْمَالِ الصَّالِحَةِ؛ فَإِنَّ الدُّنْيَا دَارُ الْغُرُورِ، وَإِنَّ الْآخِرَةَ دَارُ الْخُلُودِ، ﴿ كُلُّ نَفْسٍ ذَائِقَةُ الْمَوْتِ وَإِنَّمَا تُوَفَّوْنَ أُجُورَكُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فَمَنْ زُحْزِحَ عَنِ النَّارِ وَأُدْخِلَ الْجَنَّةَ فَقَدْ فَازَ وَمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا إِلَّا مَتَاعُ الْغُرُورِ ﴾ [آلِ عِمْرَانَ: 185].

أَيُّهَا النَّاسُ:
يَوْمُ الْجُمُعَةِ يَوْمٌ عَظِيمٌ، وَهُوَ عِيدٌ لِلْمُسْلِمِينَ، وَلَهُ خَصَائِصُ كَثِيرَةٌ، وَمِنْهَا فَضِيلَةُ قِرَاءَةِ سُورَةِ السَّجْدَةِ فِي الرَّكْعَةِ الْأُولَى مِنْ فَجْرِهِ. وَمَنْ تَأَمَّلَ مَعَانِيَ هَذِهِ السُّورَةِ عَلِمَ أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى أَرَادَ بِسَمَاعِ الْعِبَادِ لَهَا -فَجْرَ الْجُمْعَةِ- صَلَاحَ قُلُوبِهِمْ، وَمُرَاجَعَةَ أَنْفُسِهِمْ، وَتَذَكُّرَ آخِرَتِهِمْ. وَنَحْنُ أَحْوَجُ مَا نَكُونُ لِذَلِكَ فِي هَذَا الزَّمَنِ الَّذِي عُظِّمَتْ فِيهِ الدُّنْيَا، وَسَيْطَرَتِ الْمَادَّةُ عَلَى كَثِيرٍ مِنَ الْعُقُولِ، وَتَمَلَّكْتْ كَثِيرًا مِنَ الْقُلُوبِ، فَحَرَفَتْهَا عَمَّا يُصْلِحُ آخِرَتَهَا وَيُسْعِدُهَا فِي دُنْيَاهَا، وَهُوَ التَّعَلُّقُ بِاللَّهِ تَعَالَى، وَتَوْثِيقُ الصِّلَةِ بِهِ سُبْحَانَهُ، وَصِدْقُ التَّوَكُّلِ عَلَيْهِ عَزَّ وَجَلَّ.

وَهَذَا عَرْضٌ مُخْتَصَرٌ لِمَا تَضَمَّنَتْهُ سُورَةُ السَّجْدَةِ:
بُدِئَتِ السُّورَةُ بِذِكْرِ مِنَّةِ اللَّهِ تَعَالَى عَلَى عِبَادِهِ بِإِنْزَالِ الْقُرْآنِ، وَأَنَّ الْغَايَةَ مِنْهُ إِنْذَارُ النَّاسِ، وَقَدْ كَانُوا ضَالِّينَ قَبْلَ الْبِعْثَةِ النَّبَوِيَّةِ ﴿ الم * تَنْزِيلُ الْكِتَابِ لَا رَيْبَ فِيهِ مِنْ رَبِّ الْعَالَمِينَ * أَمْ يَقُولُونَ افْتَرَاهُ بَلْ هُوَ الْحَقُّ مِنْ رَبِّكَ لِتُنْذِرَ قَوْمًا مَا أَتَاهُمْ مِنْ نَذِيرٍ مِنْ قَبْلِكَ لَعَلَّهُمْ يَهْتَدُونَ ﴾ [السَّجْدَةِ: 1-3].

وَخَلْقُ السَّمَوَاتِ وَالْأَرْضِ مِنْ أَعْظَمِ آيَاتِ اللَّهِ تَعَالَى، كَمَا أَنَّ تَدْبِيرَهُ سُبْحَانَهُ لِخَلْقِهِ مِنْ دَلَائِلِ قُدْرَتِهِ، وَالْعِلْمُ بِذَلِكَ يَمْلَأُ قَلْبَ الْعَبْدِ تَعْظِيمًا لِلَّهِ تَعَالَى وَمَحَبَّةً وَرَجَاءً وَخَوْفًا، وَلَا سِيَّمَا إِذَا عَلِمَ أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى رَقِيبٌ عَلَيْهِ، فَهُوَ سُبْحَانُهُ يَعْلَمُ الشَّاهِدَ وَالْغَائِبَ، بَلْ لَا يَعْلَمُ الْغَيْبَ سِوَاهُ سُبْحَانَهُ، فَلَا تَخْفَى عَلَيْهِ خَافِيَةٌ مِنْ أَحْوَالِ عِبَادِهِ ﴿ اللَّهُ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ مَا لَكُمْ مِنْ دُونِهِ مِنْ وَلِيٍّ وَلَا شَفِيعٍ أَفَلَا تَتَذَكَّرُونَ * يُدَبِّرُ الْأَمْرَ مِنَ السَّمَاءِ إِلَى الْأَرْضِ ثُمَّ يَعْرُجُ إِلَيْهِ فِي يَوْمٍ كَانَ مِقْدَارُهُ أَلْفَ سَنَةٍ مِمَّا تَعُدُّونَ * ذَلِكَ عَالِمُ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ الْعَزِيزُ الرَّحِيمُ * الَّذِي أَحْسَنَ كُلَّ شَيْءٍ خَلَقَهُ ﴾ [السَّجْدَةِ: 4-7]. وَالْإِنْسَانُ -كُلُّ إِنْسَانٍ- مُتَشَوِّفٌ لِمَعْرِفَةِ أَصْلِهِ وَتَارِيخِهِ، وَهُوَ مَا عُولِجَ فِي الْآيَاتِ التَّالِيَةِ مِنْ هَذِهِ السُّورَةِ الْعَظِيمَةِ: ﴿ وَبَدَأَ خَلْقَ الْإِنْسَانِ مِنْ طِينٍ * ثُمَّ جَعَلَ نَسْلَهُ مِنْ سُلَالَةٍ مِنْ مَاءٍ مَهِينٍ * ثُمَّ سَوَّاهُ وَنَفَخَ فِيهِ مِنْ رُوحِهِ وَجَعَلَ لَكُمُ السَّمْعَ وَالْأَبْصَارَ وَالْأَفْئِدَةَ قَلِيلًا مَا تَشْكُرُونَ ﴾ [السَّجْدَةِ: 7-9].

وَالْمُشْرِكُونَ كَانُوا يُشَكِّكُونَ فِي الْبَعْثِ بَعْدَ الْمَوْتِ، وَفِي السُّورَةِ إِثْبَاتُهُ: ﴿ وَقَالُوا أَإِذَا ضَلَلْنَا فِي الْأَرْضِ أَإِنَّا لَفِي خَلْقٍ جَدِيدٍ بَلْ هُمْ بِلِقَاءِ رَبِّهِمْ كَافِرُونَ * قُلْ يَتَوَفَّاكُمْ مَلَكُ الْمَوْتِ الَّذِي وُكِّلَ بِكُمْ ثُمَّ إِلَى رَبِّكُمْ تُرْجَعُونَ ﴾ [السَّجْدَةِ: 10-11]، وَحِينَ يُبْعَثُونَ وَيُعْرَضُونَ لِلْحِسَابِ تُضْرَبُ عَلَيْهِمُ الذِّلَّةُ وَالْمَهَانَةُ، وَتُنَكَّسُ رُؤُوسُهُمْ؛ لِأَنَّهُمْ يَرَوْنَ بِأَعْيُنِهِمْ مَا كَانُوا يُكَذِّبُونَ بِهِ مِنْ قَبْلُ، فَيَطْلُبُونَ الْعَوْدَةَ إِلَى الدُّنْيَا لِلْإِيمَانِ وَالْعَمَلِ الصَّالِحِ، وَلَكِنْ هَيْهَاتَ هَيْهَاتَ، فَقَدْ فَاتَ الْأَوَانُ، وَحَقَّ عَلَيْهِمُ الشَّقَاءُ وَالْعَذَابُ، نَعُوذُ بِاللَّهِ تَعَالَى مِنْ حَالِهِمْ وَمَآلِهِمْ ﴿ وَلَوْ تَرَى إِذِ الْمُجْرِمُونَ نَاكِسُو رُءُوسِهِمْ عِنْدَ رَبِّهِمْ رَبَّنَا أَبْصَرْنَا وَسَمِعْنَا فَارْجِعْنَا نَعْمَلْ صَالِحًا إِنَّا مُوقِنُونَ * وَلَوْ شِئْنَا لَآتَيْنَا كُلَّ نَفْسٍ هُدَاهَا وَلَكِنْ حَقَّ الْقَوْلُ مِنِّي لَأَمْلَأَنَّ جَهَنَّمَ مِنَ الْجِنَّةِ وَالنَّاسِ أَجْمَعِينَ * فَذُوقُوا بِمَا نَسِيتُمْ لِقَاءَ يَوْمِكُمْ هَذَا إِنَّا نَسِينَاكُمْ وَذُوقُوا عَذَابَ الْخُلْدِ بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ ﴾ [السَّجْدَةِ: 12-16].

وَبَعْدَ أَنْ ذَكَرَ اللَّهُ تَعَالَى حَالَ أَهْلِ الشَّقَاءِ، الْمُكَذِّبِينَ بِالْبَعْثِ وَالْجَزَاءِ؛ ذَكَرَ سُبْحَانَهُ حَالَ أَهْلِ الْإِيمَانِ وَالْيَقِينِ، الْمُسَبِّحِينَ الْمُتَهَجِّدِينَ الْمُنْفِقِينَ، يَرْجُونَ مَا وَعَدَهُمُ اللَّهُ تَعَالَى مِنَ النَّعِيمِ الْمُقِيمِ ﴿ إِنَّمَا يُؤْمِنُ بِآيَاتِنَا الَّذِينَ إِذَا ذُكِّرُوا بِهَا خَرُّوا سُجَّدًا وَسَبَّحُوا بِحَمْدِ رَبِّهِمْ وَهُمْ لَا يَسْتَكْبِرُونَ * تَتَجَافَى جُنُوبُهُمْ عَنِ الْمَضَاجِعِ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ خَوْفًا وَطَمَعًا وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنْفِقُونَ ﴾ [السَّجْدَةِ: 15-16]. وَهَذَا فِيهِ فَضِيلَةُ قِيَامِ اللَّيْلِ.

ثُمَّ يُغْرِي اللَّهُ تَعَالَى عِبَادَهُ الْمُؤْمِنِينَ بِمَا أَعَدَّ لَهُمْ فِي جَنَّاتِ النَّعِيمِ ﴿ فَلَا تَعْلَمُ نَفْسٌ مَا أُخْفِيَ لَهُمْ مِنْ قُرَّةِ أَعْيُنٍ جَزَاءً بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ ﴾ [السَّجْدَةِ: 17]. وَهُوَ نَعِيمٌ لَا يُمْكِنُ لِأَحَدٍ أَنْ يَتَخَيَّلَهُ أَوْ يَتَصَوَّرَهُ؛ فَهُوَ أَعْظَمُ وَأَكْبَرُ وَأَجَلُّ مِنْ أَيِّ نَعِيمٍ يَتَخَيَّلُهُ الْإِنْسَانُ؛ كَمَا جَاءَ فِي حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «قَالَ اللَّهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى: أَعْدَدْتُ لِعِبَادِي الصَّالِحِينَ مَا لَا عَيْنٌ رَأَتْ، وَلَا أُذُنٌ سَمِعَتْ، وَلَا خَطَرَ عَلَى قَلْبِ بِشَرٍ، فَاقْرَءُوا إِنْ شِئْتُمْ: فَلَا تَعْلَمُ نَفْسٌ مَا أُخْفِيَ لَهُمْ مِنْ قُرَّةٍ أَعْيُنٍ» رَوَاهُ الشَّيْخَانِ.

ثُمَّ قَارَنَ اللَّهُ تَعَالَى بَينَ الْفَرِيقَيْنِ بِقَوْلِهِ سُبْحَانَهُ: ﴿ أَفَمَنْ كَانَ مُؤْمِنًا كَمَنْ كَانَ فَاسِقًا لَا يَسْتَوُونَ * أَمَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ فَلَهُمْ جَنَّاتُ الْمَأْوَى نُزُلًا بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ * وَأَمَّا الَّذِينَ فَسَقُوا فَمَأْوَاهُمُ النَّارُ كُلَّمَا أَرَادُوا أَنْ يَخْرُجُوا مِنْهَا أُعِيدُوا فِيهَا وَقِيلَ لَهُمْ ذُوقُوا عَذَابَ النَّارِ الَّذِي كُنْتُمْ بِهِ تُكَذِّبُونَ * وَلَنُذِيقَنَّهُمْ مِنَ الْعَذَابِ الْأَدْنَى دُونَ الْعَذَابِ الْأَكْبَرِ لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ ﴾ [السَّجْدَةِ: 18-21]، وَمِنَ الْعَذَابِ الْأَدْنَى الَّذِي يُصِيبُهُمْ هُمُومُ الدُّنْيَا وَمَصَائِبُهَا وَأَحْزَانُهَا؛ لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ إِلَى رَبِّهِمْ سُبْحَانَهُ. وَكُلُّ عَذَابٍ فِي الدُّنْيَا فَهُوَ قَلِيلٌ بِالنِّسْبَةِ لِعَذَابِ جَهَنَّمَ وَهُوَ الْعَذَابُ الْأَكْبَرُ، نَعُوذُ بِاللَّهِ تَعَالَى مِنْ ذَلِكَ.

وَلَا ذَنْبَ أَشْنَعُ مِنَ الْإِعْرَاضِ عَنِ الذِّكْرَى وَالْمَوْعِظَةِ؛ فَإِنَّ الْمُشْرِكِينَ مَا وَقَعُوا فِي الشِّرْكِ إِلَّا بِإِعْرَاضِهِمْ، وَكَذَا أَهْلُ الْفُجُورِ وَالْأَهْوَاءِ لَمَّا أَعْرَضُوا رَكِبُوا أَهْوَاءَهُمْ، وَأَتَوْا مَا حَرَّمَ اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْهِمْ: ﴿ وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنْ ذُكِّرَ بِآيَاتِ رَبِّهِ ثُمَّ أَعْرَضَ عَنْهَا إِنَّا مِنَ الْمُجْرِمِينَ مُنْتَقِمُونَ ﴾ [السَّجْدَةِ: 22].

ثُمَّ بَيَّنَ سُبْحَانَهُ حَالَ بَنِي إِسْرَائِيلَ مَعَ كِتَابِهِمُ الْمُنَزَّلِ عَلَى نَبِيِّهِمْ؛ لِنَعْتَبِرَ بِهِمْ، فَلَا نَسَلُكَ مَسْلَكَ مَنْ ضَلُّوا مِنْهُمْ، مَعَ التَّذْكِيرِ بِالْأُمَمِ السَّالِفَةِ الَّتِي كَذَّبَتْ فَأُهْلِكَتْ ﴿ وَلَقَدْ آتَيْنَا مُوسَى الْكِتَابَ فَلَا تَكُنْ فِي مِرْيَةٍ مِنْ لِقَائِهِ وَجَعَلْنَاهُ هُدًى لِبَنِي إِسْرَائِيلَ * وَجَعَلْنَا مِنْهُمْ أَئِمَّةً يَهْدُونَ بِأَمْرِنَا لَمَّا صَبَرُوا وَكَانُوا بِآيَاتِنَا يُوقِنُونَ * إِنَّ رَبَّكَ هُوَ يَفْصِلُ بَيْنَهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فِيمَا كَانُوا فِيهِ يَخْتَلِفُونَ * أَوَلَمْ يَهْدِ لَهُمْ كَمْ أَهْلَكْنَا مِنْ قَبْلِهِمْ مِنَ الْقُرُونِ يَمْشُونَ فِي مَسَاكِنِهِمْ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ أَفَلَا يَسْمَعُونَ ﴾ [السَّجْدَةِ: 23-26]. لِتُخْتَمَ السُّورَةُ بِبَيَانِ شَيْءٍ مِنْ آيَاتِ اللَّهِ الْكَوْنِيَّةِ الدَّالَّةِ عَلَى قُدْرَتِهِ سُبْحَانَهُ: ﴿ أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّا نَسُوقُ الْمَاءَ إِلَى الْأَرْضِ الْجُرُزِ فَنُخْرِجُ بِهِ زَرْعًا تَأْكُلُ مِنْهُ أَنْعَامُهُمْ وَأَنْفُسُهُمْ أَفَلَا يُبْصِرُونَ ﴾ [السَّجْدَةِ: 27]. وَتَعْرِضُ لِاسْتِعْجَالِ الْمُكَذِّبِينَ الْعَذَابَ؛ سُخْرِيَةً مِنْهُمْ وَاسْتِهْزَاءً. وَهُوَ آتِيهِمْ لَا مَحَالَةَ، فَيَتَمَنَّوْنَ حِينَهَا الْإِيمَانَ، وَيَطْلُبُونَ الْإِنْظَارَ وَالْإِمْهَالَ، فَلَا يَنْفَعُهُمْ تَمَنِّيهِمْ، وَلَا يُجَابُ طَلَبُهُمْ ﴿ وَيَقُولُونَ مَتَى هَذَا الْفَتْحُ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ * قُلْ يَوْمَ الْفَتْحِ لَا يَنْفَعُ الَّذِينَ كَفَرُوا إِيمَانُهُمْ وَلَا هُمْ يُنْظَرُونَ * فَأَعْرِضْ عَنْهُمْ وَانْتَظِرْ إِنَّهُمْ مُنْتَظِرُونَ ﴾ [السَّجْدَةِ: 28-30].
بَارَكَ اللَّهُ لِي وَلَكُمْ فِي الْقُرْآنِ...

الخطبة الثانية
الْحَمْدُ لِلَّهِ حَمْدًا طَيِّبًا كَثِيرًا مُبَارَكًا فِيهِ كَمَا يُحِبُّ رَبُّنَا وَيَرْضَى، وَأَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ، وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ، صَلَّى اللَّهُ وَسَلَّمَ وَبَارَكَ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَأَصْحَابِهِ وَمَنِ اهْتَدَى بِهُدَاهُمْ إِلَى يَوْمِ الدِّينِ.

أَمَّا بَعْدُ:
فَاتَّقُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوهُ ﴿ وَاتَّقُوا يَوْمًا تُرْجَعُونَ فِيهِ إِلَى اللَّهِ ثُمَّ تُوَفَّى كُلُّ نَفْسٍ مَا كَسَبَتْ وَهُمْ لَا يُظْلَمُونَ ﴾ [الْبَقَرَةِ: 281].

أَيُّهَا الْمُسْلِمُونَ:
بَانَ بِالْعَرْضِ السَّابِقِ الْمُخْتَصَرِ لِسُورَةِ السَّجْدَةِ مَا فِيهَا مِنْ عِلْمٍ غَزِيرٍ، وَنَفْعٍ عَظِيمٍ، فَلَا غَرْوَ أَنْ تَعِجَّ بِهَا مَسَاجِدُ الْمُسْلِمِينَ فِي فَجْرِ الْجُمْعَةِ؛ امْتِثَالًا لِلسُّنَّةِ، وَتَحْصِيلًا لِلْمَوْعِظَةِ وَالتَّذْكِرَةِ.

وَهِيَ سُورَةٌ تَدُلُّ عَلَى أَهَمِّيَّةِ الْقُرْآنِ فِي حَيَاةِ الْمُؤْمِنِ، بَلْ هُوَ حَيَاتُهُ الْحَقِيقِيَّةُ؛ لِأَنَّهُ يَدُلُّهُ عَلَى الْأُمُورِ الْيَقِينِيَّةِ؛ فَلَا غَرْوَ أَنْ سُمِّيَ الْقُرْآنُ رُوحًا، ﴿ وَكَذَلِكَ أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ رُوحًا مِنْ أَمْرِنَا ﴾ [الشُّورَى: 52].

وَفِي السُّورَةِ بَيَانُ أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى هُوَ مُدَبِّرُ الْأَمْرِ، وَمَا مِنْ أَحَدٍ مِنَ النَّاسِ إِلَّا وَلَهُ أُمُورٌ يَطْلُبُ حُسْنَ التَّدْبِيرِ فِيهَا، فِي نَفْسِهِ وَأَهْلِهِ وَبَيْتِهِ وَوَظِيفَتِهِ وَفِي كُلِّ شُئُونِهِ. فَمَنْ أَيْقَنَ أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى مُدَبِّرُ الْأَمْرِ رَكَنَ إِلَيْهِ، وَتَوَكَّلَ عَلَيْهِ، وَعَلَّقَ قَلْبَهُ بِهِ، وَأَكْثَرَ مِنْ رَجَائِهِ وَدُعَائِهِ بِالتَّوْفِيقِ وَالسَّدَادِ فِي الْأُمُورِ كُلِّهَا. وَلَا سِيَّمَا أَنَّ الْعَبْدَ يَكْدَحُ طِيلَةَ أَيَّامِ الْأُسْبُوعِ، وَلَهُ طُمُوحَاتٌ وَتَطَلُّعَاتٌ، حَتَّى إِذَا صَلَّى فَجْرَ الْجُمْعَةِ بِخُشُوعٍ، وَاسْتَمَعَ إِلَى قَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى: ﴿ يُدَبِّرُ الْأَمْرَ مِنَ السَّمَاءِ إِلَى الْأَرْضِ ﴾ [السَّجْدَةِ: 5]؛ اسْتَرْوَحَ لِذَلِكَ، وَسَلَّمَ الْأَمْرَ لِمُدَبِّرِ الْأَمْرِ، وَرَضِيَ بِمَا قَسَمَ لَهُ مِنْ رِزْقٍ، فَلَمْ يَأْسَ عَلَى مَا فَاتَهُ، وَلَمْ يَجْزَعْ مِمَّا أَصَابَهُ، وَلَمْ يَخْشَ أَحَدًا إِلَّا اللَّهَ تَعَالَى؛ لِيَقِينِهِ أَنَّ الْأَمْرَ كُلَّهُ لِلَّهِ تَعَالَى.

وَمَا تَضَمَّنَتْهُ السُّورَةُ مِنْ تَفْصِيلِ الْمَبْدَأِ وَالْمَعَادِ يُرِيحُ الْمُؤْمِنَ فِي حَيَاتِهِ، وَيُوَجِّهُهُ لِلْعَمَلِ الصَّالِحِ الَّذِي يَنْفَعُهُ فِي آخِرَتِهِ، وَقَدْ ضَاعَتْ أَعْمَارُ كَثِيرٍ مِنَ الْفَلَاسِفَةِ وَالنُّظَّارِ وَالْمُفَكِّرِينَ فِي بَحْثِ أَصْلِ الْإِنْسَانِ وَنِهَايَتِهِ، فَلَمْ يَحْصُدُوا سِوَى أَوْهَامٍ كَاسِدَةٍ، وَظُنُونٍ فَاسِدَةٍ.

وَقَدْ دَلَّتِ السُّورَةُ الْكَرِيمَةُ عَلَى أَهَمِّيَّةِ الصَّبْرِ وَالْيَقِينِ فِي حَيَاةِ الْمُؤْمِنِ، وَبِهِمَا تُنَالُ الْإِمَامَةُ فِي الدِّينِ، وَبِهِمَا يَكُونُ النَّصْرُ وَالتَّمْكِينُ؛ فَعَلَى الْمُؤْمِنِ أَنْ يَتَسَلَّحَ بِالصَّبْرِ وَالْيَقِينِ فِي مُوَاجَهَةِ أَعَاصِيرِ الْفِتَنِ الَّتِي تَفْتِكُ بِالْقُلُوبِ، وَتَحِيدُ بِرَاكِبِيهَا عَنِ الصِّرَاطِ الْمُسْتَقِيمِ. فَبِالصَّبْرِ تُوَاجَهُ فِتَنُ السَّرَّاءِ وَالضَّرَّاءِ، وَبِالْيَقِينِ تُقْطَعُ حِبَالُ الْقُنُوطِ وَالْيَأْسِ وَالْإِحْبَاطِ، فَيَكُونُ الْمُؤْمِنُ مُتَهَيِّئًا لِلنَّصْرِ وَالرِّفْعَةِ وَالتَّمْكِينِ ﴿ وَجَعَلْنَا مِنْهُمْ أَئِمَّةً يَهْدُونَ بِأَمْرِنَا لَمَّا صَبَرُوا وَكَانُوا بِآيَاتِنَا يُوقِنُونَ ﴾ [السَّجْدَةِ: 24].
وَصَلُّوا وَسَلِّمُوا عَلَى نَبِيِّكُمْ...


__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
إضافة رد


الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1)
 

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع


 


الاحد 20 من مارس 2011 , الساعة الان 01:21:21 صباحاً.

Powered by vBulletin V3.8.5. Copyright © 2005 - 2013, By Ali Madkour

[حجم الصفحة الأصلي: 61.74 كيلو بايت... الحجم بعد الضغط 60.07 كيلو بايت... تم توفير 1.67 كيلو بايت...بمعدل (2.71%)]