التعريف بالإسلام - ملتقى الشفاء الإسلامي

 

اخر عشرة مواضيع :         تفسير جامع البيان عن تأويل آي القرآن للإمام الطبري .....متجدد (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 810 - عددالزوار : 118166 )           »          شرح كتاب الحج من صحيح مسلم (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 56 - عددالزوار : 40012 )           »          التكبير لسجود التلاوة (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 8 )           »          زكاة التمر (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 11 )           »          صيام التطوع (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 11 )           »          كيف تترك التدخين؟ (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 8 )           »          حين تربت الآيات على القلوب (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 5 )           »          تفسير القرآن الكريم ***متجدد إن شاء الله (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 3096 - عددالزوار : 366509 )           »          تحريم الاستعانة بغير الله تعالى فيما لا يقدر عليه إلا الله جل وعلا (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 11 )           »          فوائد ترك التنشيف بعد الغسل والوضوء (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 8 )           »         

العودة   ملتقى الشفاء الإسلامي > قسم العلوم الاسلامية > الملتقى الاسلامي العام
التسجيل التعليمـــات التقويم

الملتقى الاسلامي العام مواضيع تهتم بالقضايا الاسلامية على مذهب اهل السنة والجماعة

 
 
أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
Prev المشاركة السابقة   المشاركة التالية Next
  #1  
قديم 04-12-2020, 10:28 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم متصل الآن
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 157,186
الدولة : Egypt
افتراضي التعريف بالإسلام

التعريف بالإسلام

د. أحمد مصطفى نصير
الإسلامُ لغة: اسم مشتَقٌّ من الفِعل الماضي (أسْلم)، مادة (سلم) من السَّلام والسَّلامَة، والسَّلامَةُ: البَرَاءةُ من العُيوبِ[1]؛ أي: العافية، والسَّلامُ: من أسماء الله تعالى، ومنه قوله عزَّ وجلَّ: ﴿ ادْخُلُوا فِي السِّلْمِ كَافَّةً ﴾ [البقرة: 208]; قال العلماء: عَنى به الإِسلامَ وشرائعَه كلَّها، وقال الخطَّابي: إِنه (السَّلَمُ) يُريد الاسْتسْلامَ والإِذْعانَ كقوله تعالى: ﴿ وَأَلْقَوا إِلَيْكُمُ السَّلَمَ ﴾ [النساء: 90]؛ (أَي: الانقياد)[2]، فلفظ (الإسلام) وما اشتقَّ منه له دَلالاتٌ عديدة في اللُّغة العربية يَجمعُها كلَّها الإشارةُ إلى الانقياد والطاعة والإذعان، يقول سبحانه: ﴿ فَلَمَّا أَسْلَمَا وَتَلَّهُ لِلْجَبِينِ ﴾ [الصافات: 103]؛ أي: انقادَا لأمر الله تعالى بتنفيذه بالرِّضا عندَ أمر الله سبحانه بذبْح نبيِّ الله إبراهيم ابنَه إسماعيل، فأقعده ووضَع جبينَه على الأرض على هيئة الذبْح؛ ليقومَ بما أمر الله به، فلم يمنعْه حبُّه لابنه إسماعيل أن يتأخَّرَ عن تنفيذ أمر ربه، كما لم يمنعْ صِغَرُ سِنِّ إسماعيل أن يُسلِم نفسه للذبْح على يدِ أبيه إبراهيم - عليهما السلام - تنفيذًا لأمر الله تعالى، فالتسليمُ والانقياد لأمْرِ الله لا يَقِفُ العقلُ حائلاً أمامَه، إنما يجِب أن يستجيبَ العقلُ والجَسَد والقلْب لأمرِ الله تعالى، كما استجاب عقلُهما وقلبُهما وجسدُهما لتنفيذِ أمره سبحانه.
ولفظ (أسلم) لا بدَّ وأن يُضاف إليه اسم، فلا يقول: أسلم، فحسبُ، فذلك يُثير التساؤل عن المسلَّم له والمسلَّم إليه والمسَلِّم، فاللفظ لا بدَّ له من ثلاثة أرْكان؛ حتى يستقيمَ المعنى، وتخصيص هذا اللفظ عندَ أهل الشريعة يَعني أنَّ المسلَّم له هو الله تعالى، والمسلَّم إليه تنفيذُ أوامره باستسلام الإنسان المكلَّف لها، وأمَّا المسَلِّم فهو المخاطَب بتكاليف الشَّرْع حتى ينتهيَ به الأجَل، ويُحاسب على ذلك، يقول سبحانه: ﴿ وَمَنْ يَرْغَبُ عَنْ مِلَّةِ إِبْرَاهِيمَ إِلاَّ مَنْ سَفِهَ نَفْسَهُ وَلَقَدِ اصْطَفَيْنَاهُ فِي الدُّنْيَا وَإِنَّهُ فِي الْآخِرَةِ لَمِنَ الصَّالِحِينَ * إِذْ قَالَ لَهُ رَبُّهُ أَسْلِمْ قَالَ أَسْلَمْتُ لِرَبِّ الْعَالَمِينَ * وَوَصَّى بِهَا إِبْرَاهِيمُ بَنِيهِ وَيَعْقُوبُ يَا بَنِيَّ إِنَّ اللَّهَ اصْطَفَى لَكُمُ الدِّينَ فَلَا تَمُوتُنَّ إِلاَّ وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ ﴾ [البقرة: 130 - 132].
وقد أمَرَ الله تعالى مَن في السموات ومَن في الأرض بطاعتِه، وهو قادرٌ على إنفاذ حُكْمه في خلْقه طوعًا أو كرهًا؛ إذ قال سبحانه: ﴿ أَفَغَيْرَ دِينِ اللَّهِ يَبْغُونَ وَلَهُ أَسْلَمَ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ طَوْعًا وَكَرْهًا وَإِلَيْهِ يُرْجَعُونَ ﴾ [آل عمران: 83]؛ لذا فعندما يقوم المرءُ بتنفيذ أمر ربِّه طوعًا فإنَّه مأجور على ذلك، أمَّا مَن عصَى أمر ربه فإنَّه ليس بعيدًا عن الله، وإنما يُؤخِّره الله تعالى ليومِ الحساب؛ إذ يقول: ﴿ لَا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا مُعْجِزِينَ فِي الْأَرْضِ وَمَأْوَاهُمُ النَّارُ وَلَبِئْسَ الْمَصِيرُ ﴾ [النور: 57].
من التعريف السابق لمصطَلح (الإسلام) وما انطَوى عليه مِن دَلالات تدور حولَ معاني العبودية لله وحْدَه سبحانه، والتي يجمَعُها أنَّ الإسلام يتضمَّن شِقَّيْن: الأول المعرِفة بالآمِر، وهو الله تعالى، وذلك أمرٌ يكمُن في اعتقادِ قلْب المسلِم، والشِّق الثاني تنفيذُ أوامره برضا تامّ، وهذا الأمر يُحقِّق الترجمةَ العملية لما استقرَّ في معتقده من كون الأوامرِ الصادرة إليه صادرةً عن الله تعالى، ومِن ثَمَّ يكون الإسلامُ بهذين الاعتبارين عقيدةً ومنهجًا، ولا يُمكن بأيِّ حال من الأحوال الفصْلُ بيْن العقيدة ومنهجها.
لذا؛ يثور التساؤل حولَ أمور خمسة تتبادر لذِهنِ الكثير منا، تلك التساؤلات تتمثَّل فيما يلي: ما الفَرْق بيْن الإسلام كعقيدة، والإسلام كمنهج؟ ولماذا وَضَع الله تعالى منهجًا للبشر، ولم يقتصر الأمرُ على مجرَّدِ الاعتقاد فحسبُ؟ وهل يُمكن للبشَرِ أن يضعوا مناهجَ لإسعادهم كما وضَع الله تعالى هذا المنهجَ ليَحكُم واقع حياتهم؟ وما تأثيرُ الإسلام على البشَر، وكيف يَتحقَّق ذلك؟ وإذا كان الأمرُ كذلك، فلِماذا نَسَخ الله تعالى المناهجَ السابقة كالمسيحية واليهودية، واستبدل الإسلام بها؟
التساؤل الأول: ما الفرْق بيْن الإسلام كدِين، والإسلام كشريعة؟
بند1: الإسلام كمُعتَقد ثابت لا يتغيَّر، فالإسلام هو دِين الله تعالى قبل أن يُرسِل الأنبياء وتنزل الكُتب؛ إذ هو يعني أنَّ الله تعالى الإله المتفرِّد وحده بهذا الحق، يقصد بذلك حقّه في العبادة؛ يقول سبحانه: ﴿ إِنَّ الدِّينَ عِنْدَ اللَّهِ الْإِسْلَامُ وَمَا اخْتَلَفَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ إِلاَّ مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَهُمُ الْعِلْمُ بَغْيًا بَيْنَهُمْ وَمَنْ يَكْفُرْ بِآيَاتِ اللَّهِ فَإِنَّ اللَّهَ سَرِيعُ الْحِسَابِ * فَإِنْ حَاجُّوكَ فَقُلْ أَسْلَمْتُ وَجْهِيَ لِلَّهِ وَمَنِ اتَّبَعَنِ وَقُلْ لِلَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ وَالْأُمِّيِّينَ أَأَسْلَمْتُمْ فَإِنْ أَسْلَمُوا فَقَدِ اهْتَدَوا وَإِنْ تَوَلَّوا فَإِنَّمَا عَلَيْكَ الْبَلَاغُ وَاللَّهُ بَصِيرٌ بِالْعِبَادِ ﴾ [آل عمران: 19 - 20]، فالله تعالى لم يَرضَ لخلْقِه دينًا غيْر دين الإسلام، فهو القائِل في كتابه: ﴿ وَمَنْ يَبْتَغِ غَيْرَ الْإِسْلَامِ دِينًا فَلَنْ يُقْبَلَ مِنْهُ وَهُوَ فِي الْآخِرَةِ مِنَ الْخَاسِرِينَ ﴾ [آل عمران: 85].
يقول النبي صلَّى الله عليه وسلَّم: ((والذي نفْس محمَّد بيده لا يَسمع بي أحدٌ مِن هذه الأمَّة: يهوديٌّ ولا نصراني، ثم يموت ولم يؤمِنْ بالذي أُرسلتُ به إلاَّ كان مِن أصحاب النار))[3].
فالإسلام كعقيدةٍ دعَتْ إليه الرُّسُل جميعًا، إذ دَعَوا جميعًا إلى التوحيدِ الخالِص لله، والذي هو بمعنى صِدْق لجوء وتوجُّه القلْب لله تعالى، فيكون الخوفُ والرَّجاءُ والحبُّ لله تعالى، فدعوةُ الأنبياء جميعًا واحدة؛ يقول الله عزَّ وجلَّ: ﴿ وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ مِنْ رَسُولٍ إِلاَّ نُوحِي إِلَيْهِ أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلاَّ أَنَا فَاعْبُدُونِ ﴾ [الأنبياء: 25].
بند2: وكان مِن مقتضيات هذه الحقيقة المسلمة، وأنَّ الكون كلَّه يَدين لله تعالى بالإسلام: أنْ يكون اللهُ وحْدَه هو الحاكِمَ الآمر، فكان مِن مستلزمات ذلك أنْ يأمر فيُطاع، ويَنهى فلا يُعصى؛ إذ يقول في كتابه: ﴿ ثُمَّ جَعَلْنَاكَ عَلَى شَرِيعَةٍ مِنَ الْأَمْرِ فَاتَّبِعْهَا وَلَا تَتَّبِعْ أَهْوَاءَ الَّذِينَ لَا يَعْلَمُونَ ﴾ [الجاثية: 18]، فنحن مأمورون بالْتِزام هذا المنهَج الإلهي الذي أنزَله الله تعالى على نبيِّه، والذي يتضمَّنه دِينُ الإسلام، يقول صاحِب "الظلال": "الإسلام ليس مجرَّدَ معتقدات وجدانية منعزِلة عن واقِع الحياة البشريَّة، فهناك جهودٌ جبَّارة تُبذَل - منذ قرون - لحصْر الإسلام في دائرة الاعتقاد الوجداني، والشعائر التعبدية، وكَفِّه عن التدخُّلِ في نظام الحياة الواقعية؛ ومنْعِه من الهيمنة الكامِلة على كلِّ نشاط واقعي للحياة البشرية - كما هي طبيعتُه، وكما هي حقيقتُه، وكما هي وظيفتُه[4].
وهنا ظهرتِ الحاجةُ لأنْ يُنزل الله للبشر كتابًا يتضمن أحكام هذا المنهج، فأنزل على موسَى التوراة، وأنزل على عيسى الإنجيل، وأنزل على محمَّد القرآن، ومِن ثَمَّ تعدَّدتِ الشرائع المنزلة من عند الله، ودِين الله واحدٌ وهو الإسلام، أمَّا تعدُّد تلك الشرائع، فكان بسبب اختلافِ طبائع البشَرِ، واختلاف صِفاتهم وظروفهم وأحوالهم، فالأحكامُ العمليَّة التي أمَر الله بها أُمَّة بني إسرائيل ليستْ هي التي أمَرَ بها غيرهم، ورسولُ الله صلَّى الله عليه وسلَّم يبسُط لنا المسألة فيُوضِّح أنَّ تعدُّد هذه الشرائع تمامًا مثل اكتمال الصُّورة، وإتمام النِّعمة فيقول: ((مَثَلي ومَثَل الأنبياء كرجلٍ بنَى دارًا فأكمَلَها وأحْسَنها إلا موضِعَ لَبِنة فجَعَل الناس يَدخلونها، ويَتعجَّبون ويقولون: لولا موضِع اللبِنة))[5]، إذ كان لا بدَّ مِن إكْمال البناء، مع مراعاةِ أنَّ هذا البناءَ قد يحتاج لاستبدالِ بعض أجزائه، وترميمِ بعضه؛ لذا كانتْ شريعة الإسلام ناسخةً لكافَّة الشرائع التي سبقتْها ومهيمنة عليها، يقول الحق سبحانه: ﴿ وَأَنْزَلْنَا إِلَيْكَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ مُصَدِّقًا لِمَا بَيْنَ يَدَيْهِ مِنَ الْكِتَابِ وَمُهَيْمِنًا عَلَيْهِ فَاحْكُمْ بَيْنَهُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ وَلَا تَتَّبِعْ أَهْوَاءَهُمْ عَمَّا جَاءَكَ مِنَ الْحَقِّ لِكُلٍّ جَعَلْنَا مِنْكُمْ شِرْعَةً وَمِنْهَاجًا وَلَوْ شَاءَ اللَّهُ لَجَعَلَكُمْ أُمَّةً وَاحِدَةً وَلَكِنْ لِيَبْلُوَكُمْ فِي مَا آتَاكُمْ فَاسْتَبِقُوا الْخَيْرَاتِ إِلَى اللَّهِ مَرْجِعُكُمْ جَمِيعًا فَيُنَبِّئُكُمْ بِمَا كُنْتُمْ فِيهِ تَخْتَلِفُونَ ﴾[المائدة: 48]، إذًا فالإسلامُ أساسٌ وبِناء، فأساسُه العقيدة، وبناؤه الشريعة[6].
بند3: إذًا فالتلازمُ بيْن الإنسان والشريعة ليس كالتلازمِ بيْنه وبيْن الدِّين، فثمَّة فارقٌ بيْن الشريعة والدِّين؛ إذ الشرائِعُ قد تعدَّدت لكن الدِّين واحِد، يقول تعالى: ﴿ إِنَّ الدِّينَ عِنْدَ اللَّهِ الْإِسْلاَمُ ﴾ [آل عمران: 19]، فمعني الدِّين كما ورَد في الآية "الاعتقاد بالتوحيد والتسليم لله تعالى"؛ أي: بمعنى الملَّة، والإيمان[7].
أمَّا الشريعة فقد صرَّح القرآنُ الكريم باختلافِ الشرائع السماوية، فقال الحقُّ - تبارك وتعالى -: ﴿ لِكُلٍّ جَعَلْنَا مِنْكُمْ شِرْعَةً وَمِنْهَاجًا ﴾ [المائدة: 48]، ومعنى "الشرعة" الطريق الموصل إلى الماء[8]، والمراد بها: "التعاليم العَملية والأخلاقية التي تنظِّم علاقاتِ الإنسان الفرديَّة والاجتماعية، وتحدِّد مسؤوليتَه أمامَ الله والناس"، قال المولى تبارَك وتعالى: ﴿ وَلَقَدْ بَعَثْنَا فِي كُلِّ أُمَّةٍ رَسُولاً أَنِ اعْبُدُوا اللَّهَ وَاجْتَنِبُوا الطَّاغُوتَ فَمِنْهُمْ مَنْ هَدَى اللَّهُ وَمِنْهُمْ مَنْ حَقَّتْ عَلَيْهِ الضَّلَالَةُ فَسِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَانْظُرُوا كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الْمُكَذِّبِينَ ﴾ [النحل: 36]، فالقرآن الكريم بعدَما أكَّدَ وَحْدة الدِّين أشار إلى تعدُّد الشرائع والمناهِج - فضلاً عن تعدُّد الرسل - ويُعزَى اختلاف الشرائع السماوية مع وَحْدة الدين إلى الاختلافِ في الاستعدادات والقُدرات، والظروف المختلِفة الحاكِمة في البشَر، لهذا نجد الشيءَ حرامًا في هذه الشريعة، وحلالاً في الشريعة الأُخْرى، وعلى هذا الأساس تُنسَخ الشرائع، لكن النَّسْخ لا يطول جميعَ التعاليم العملية والأخلاقية للشريعة، وإنَّما ينسخ القسم الملازم لتطوُّر الزمان والإمكانيات، واختلاف الظروف[9].
التساؤل الثاني: ما الفرْق بين الإسلام والنصرانية واليهودية؟
بند1: يَنقُل لنا القرآن زعْمَ أهل الكتاب أنَّهم الذين سوف يدخلون الجنة دون غيرِهم، فيقول - تبارك وتعالى -: ﴿ وَقَالُوا لَنْ يَدْخُلَ الْجَنَّةَ إِلاَّ مَنْ كَانَ هُودًا أَوْ نَصَارَى تِلْكَ أَمَانِيُّهُمْ قُلْ هَاتُوا بُرْهَانَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ ﴾ [البقرة: 111]، وقد ردَّ عليهم القرآن هذا الزعمَ، فقال سبحانه: ﴿ بَلَى مَنْ أَسْلَمَ وَجْهَهُ لِلَّهِ وَهُوَ مُحْسِنٌ فَلَهُ أَجْرُهُ عِنْدَ رَبِّهِ وَلَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ ﴾ [البقرة: 112].
والقرآن لم يجعلْ أمرَ هذا الاختلاف في المعتقَد أمرَ تسلُّطٍ وصِراع بيْن عقيدة وأخرى، وإنَّما أمَرَ بالبلاغِ والوقوف عندَ حدِّ الدعوة إلى الله تعالى؛ إذ يقول سبحانه: ﴿ فَإِنْ حَاجُّوكَ فَقُلْ أَسْلَمْتُ وَجْهِيَ لِلَّهِ وَمَنِ اتَّبَعَنِ وَقُلْ لِلَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ وَالْأُمِّيِّينَ أَأَسْلَمْتُمْ فَإِنْ أَسْلَمُوا فَقَدِ اهْتَدَوا وَإِنْ تَوَلَّوا فَإِنَّمَا عَلَيْكَ الْبَلَاغُ وَاللَّهُ بَصِيرٌ بِالْعِبَادِ ﴾ [آل عمران: 20]، ومِن باب الدعوة كذلك معرفةُ لماذا جاءَ الإسلام بعدَ تلك الشرائع؟ والفرق بينها؟
بند2: نزلتْ شريعةُ موسى عليه السلام على قوْم يُماطِلون ويُجادِلون، كما هو مذكورٌ في القرآن، إذ حَكَى القرآن عنهم قصَّةَ مماطلتهم في ذبْح البقرة، وقصَّة تَحايلِهم على الصيد في يوم السبت، فقال الحق سبحانه وتعالى: ﴿ وَلَقَدْ عَلِمْتُمُ الَّذِينَ اعْتَدَوا مِنْكُمْ فِي السَّبْتِ فَقُلْنَا لَهُمْ كُونُوا قِرَدَةً خَاسِئِينَ ﴾ [البقرة: 65].
كذلك فإنَّهم بعدَ أن رأوا المعجزاتِ مع نبيِّ الله موسى عليه السلام كفَروا بالله وعبَدوا العِجْل، بل إنَّهم بعدَما تاب الله عليهم تجرَّؤوا عليه وطلبوا رؤيتَه؛ لذا فهم قوْمٌ ماديُّون لا يؤمنون بالغيب، فكانتْ شريعتهم قاسيةً تُوازي ما بقُلوبهم من قَسْوة؛ قال سبحانه: ﴿ فَبِظُلْمٍ مِنَ الَّذِينَ هَادُوا حَرَّمْنَا عَلَيْهِمْ طَيِّبَاتٍ أُحِلَّتْ لَهُمْ وَبِصَدِّهِمْ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ كَثِيرًا * وَأَخْذِهِمُ الرِّبَا وَقَدْ نُهُوا عَنْهُ وَأَكْلِهِمْ أَمْوَالَ النَّاسِ بِالْبَاطِلِ وَأَعْتَدْنَا لِلْكَافِرِينَ مِنْهُمْ عَذَابًا أَلِيمًا ﴾ [النساء: 160 - 161].
بند3: أما شريعة عيسى عليه السلام فقد جاءتْ لتخفِّفَ من الأحكام التي جاءتْ بها شريعةُ موسى؛ وذلك نظرًا لتغيير القوم والزمان؛ ﴿ وَمُصَدِّقًا لِمَا بَيْنَ يَدَيَّ مِنَ التَّوْرَاةِ وَلِأُحِلَّ لَكُمْ بَعْضَ الَّذِي حُرِّمَ عَلَيْكُمْ وَجِئْتُكُمْ بِآيَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ فَاتَّقُوا اللَّهَ وَأَطِيعُونِ ﴾ [آل عمران: 50]، لكنَّهم - بالرغمِ مِن هذا التخفيف - قد شدَّدوا على أنفسهم، فابتدعوا في دِينهم ما لم يأمرْهم الله به، وليس ذلك فحسبُ بل إنَّهم قصَّروا فيما أُمِروا أن يلتزموا به، قال العليُّ القدير: ﴿ ثُمَّ قَفَّيْنَا عَلَى آثَارِهِمْ بِرُسُلِنَا وَقَفَّيْنَا بِعِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ وَآتَيْنَاهُ الْإِنْجِيلَ وَجَعَلْنَا فِي قُلُوبِ الَّذِينَ اتَّبَعُوهُ رَأْفَةً وَرَحْمَةً وَرَهْبَانِيَّةً ابْتَدَعُوهَا مَا كَتَبْنَاهَا عَلَيْهِمْ إِلاَّ ابْتِغَاءَ رِضْوَانِ اللَّهِ فَمَا رَعَوْهَا حَقَّ رِعَايَتِهَا فَآتَيْنَا الَّذِينَ آمَنُوا مِنْهُمْ أَجْرَهُمْ وَكَثِيرٌ مِنْهُمْ فَاسِقُون ﴾ [الحديد: 27]، فكان من المنطقي أن ينزل الله تعالى شرعًا جديدًا، يُحِلُّ لهم بعضَ الذي حرّم عليهم، إذ شدَّدوا على أنفسهم أكثرَ ممَّا كُتب عليهم.
بند4: أمَّا شريعة محمَّد صلَّى الله عليه وسلَّم فقد جاءتْ وسطًا بيْن شدَّة التوراة، وعفو الإنجيل، وكلاهما قد كفَل الله للناس حفظَهما، فما قاموا بهذا الواجِب، بل بدَّلوا وحرَّفوا فتكفَّل الله بحِفْظ كتابه القرآن الكريم وجعَل رسالةَ محمَّد صلَّى الله عليه وسلَّم ختام الرِّسالات إلى يوْم القيامة؛ يقول سبحانه: ﴿ وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطًا لِتَكُونُوا شُهَدَاءَ عَلَى النَّاسِ وَيَكُونَ الرَّسُولُ عَلَيْكُمْ شَهِيدًا وَمَا جَعَلْنَا الْقِبْلَةَ الَّتِي كُنْتَ عَلَيْهَا إِلاَّ لِنَعْلَمَ مَنْ يَتَّبِعُ الرَّسُولَ مِمَّنْ يَنْقَلِبُ عَلَى عَقِبَيْهِ وَإِنْ كَانَتْ لَكَبِيرَةً إِلاَّ عَلَى الَّذِينَ هَدَى اللَّهُ وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُضِيعَ إِيمَانَكُمْ إِنَّ اللَّهَ بِالنَّاسِ لَرَؤُوفٌ رَحِيمٌ ﴾ [البقرة: 143].
وممَّا تقدَّم نخلُص إلى أنَّ الإسلام كعقيدةٍ مرتبطٌ بما يعتقده المسلِمُ في ربِّه؛ أسمائه وصفاته، وقضائه وقدَره، وذلك لا يَقْبَل الاختلافَ أو التبديل، وقد أرْسلَ الله جميعَ الأنبياء؛ لتبليغِه للبشَر، بينما جاءَ تعدُّد الشرائع الربَّانية - التي هي تعاليمُ الإسلام العملية - لحِكْمة، وهي "تبدُّل الأحكام بتبدُّل الزمان"، حتى يكونَ شرْع الله متَّسِقًا مع نفسيَّة المخاطَبين به، ولم ينلْ هذا التبديل كافَّةَ الأحكام التي شرَعَها الله تعالى؛ إذ ثَمَّة قواسمُ اشتراك بيْن الشرائع جميعها، فلا يطول النَّسْخ جميع أحكامها، وإنما يُنسَخ القسم الملازم لمقتضياتِ الزمان، وتفاوت القُدرات الفِكريَّة والعقليَّة والرُّوحيَّة للأُمم؛ لذا نجِد أنَّ الصلاة والزكاة - مع الاختلاف في العَدَد والمقدار والكيفية - وتحريم الزِّنا والفَحْشاء، كل ذلك لم يُنسَخ، ولم يتغيَّرْ بالرغم مِن تعدُّد الشرائع المنزلة مِن عندَ الله تعالى.
يتبع


__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
 


الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1)
 

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع


 


الاحد 20 من مارس 2011 , الساعة الان 01:21:21 صباحاً.

Powered by vBulletin V3.8.5. Copyright © 2005 - 2013, By Ali Madkour

[حجم الصفحة الأصلي: 116.40 كيلو بايت... الحجم بعد الضغط 114.68 كيلو بايت... تم توفير 1.72 كيلو بايت...بمعدل (1.47%)]