خطبة عن الصحابية أم سليم - ملتقى الشفاء الإسلامي

 

اخر عشرة مواضيع :         لو مدمنة شوكولاتة ومش عارفة تخسى.. نظام غذائى هيساعدك تخسرى وزنك (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 8 )           »          6 طرق لشحن الطاقة واستعادة النشاط فى الويك إند.. الأولولية لنفسك (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 9 )           »          إزاى ترد بشياكة على شخص بيتعالى عليك؟ 3 حيل نفسية مهمة (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 14 )           »          أزمة الهوية في عصر العولمة (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 15 )           »          الإمام الشعبي (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 20 )           »          سلسلة أفقاه لا يستغني عنها الداعية (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 3 - عددالزوار : 504 )           »          أبو القاسم بن عساكر (الحافظ الكبير) (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 31 )           »          أبو فرج بن الجوزي (شيخ الواعظين) (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 24 )           »          ندبة الودّ (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 17 )           »          اجمع بين أصالتك وجمالك (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 7 )           »         

العودة   ملتقى الشفاء الإسلامي > قسم الصوتيات والمرئيات والبرامج > ملتقى الصوتيات والاناشيد الاسلامية > ملتقى الخطب والمحاضرات والكتب الاسلامية
التسجيل التعليمـــات التقويم

ملتقى الخطب والمحاضرات والكتب الاسلامية ملتقى يختص بعرض الخطب والمحاضرات الاسلامية والكتب الالكترونية المنوعة

إضافة رد
 
أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
  #1  
قديم 23-11-2020, 05:55 AM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم غير متصل
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 158,638
الدولة : Egypt
افتراضي خطبة عن الصحابية أم سليم

خطبة عن الصحابية أم سليم


د. سعود بن غندور الميموني




الخطبة الأولى
إِنَّ الْحَمْدَ لِلَّهِ، نَحْمَدُهُ وَنَسْتَعِينُهُ، مَنْ يَهْدِهِ اللَّهُ فَلَا مُضِلَّ لَهُ، وَمَنْ يُضْلِلْ فَلَا هَادِيَ لَهُ، وَأَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ، وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ...
﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ ﴾ [آل عمران: 102].. ﴿ يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالًا كَثِيرًا وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا ﴾ [النساء: 1].. ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا * يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا ﴾ [الأحزاب: 70، 71]...

أمَّا بَعدُ:
فَاتَّقُوا اللهَ -عِبَادَ اللَّهِ- فإنَّ تَقْوَاهُ أَنْفَعُ الْوَسَائِلِ والذَّخَائِرِ، ولا تَكُونُوا كالَّذِينَ بَدَّلُوا نِعْمَةِ اللهِ كُفْرًا...
﴿ يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمْ إِنَّ زَلْزَلَةَ السَّاعَةِ شَيْءٌ عَظِيمٌ * يَوْمَ تَرَوْنَهَا تَذْهَلُ كُلُّ مُرْضِعَةٍ عَمَّا أَرْضَعَتْ وَتَضَعُ كُلُّ ذَاتِ حَمْلٍ حَمْلَهَا وَتَرَى النَّاسَ سُكَارَى وَمَا هُمْ بِسُكَارَى وَلَكِنَّ عَذَابَ اللَّهِ شَدِيدٌ ﴾ [الحج: 1، 2].

أيُّهَا المسلِمُونَ... لَا يَخْفَاكُمْ مَا لِلْمَرْأَةِ مِنْ مَكَانَةٍ فِي الْإِسْلامِ وَمَنْزِلَةٍ رَفِيعَةٍ، جَعَلَتْ مِنْهَا الْفَقِيهَةَ وَالشَّاعِرَةَ وَالْمُرَبِّيَةَ وَالْمُجَاهِدَةَ، فَهِي فِي الْحَقِيقَةِ مَدْرَسَةٌ تُرَبِّي الْأَجْيَالَ وَالْأُمَمَ، نَجَاحُهَا نَجَاحٌ لِلْأُمَّةِ، وَإِخْفَاقُهَا هَلَاكٌ وَضَيَاعٌ لِلْجَمِيعِ؛ وَلِذَا رَأَيْنَا مِنْ نِسَاءِ فَجْرِ الْإِسْلامِ وَمَا بَعْدَهُ نِسَاءً يَضْحَكُ لَهُنَّ التَّارِيخُ، وَيَسْتَبْشِرُ بِهِنَّ الزَّمَانُ، مِنْ حُسْنِ صُنْعِهِنَّ، ونَصَاعَةِ أَفْعَالِهِنَّ، نِسَاءٌ تَعْدِلُ أُمَمًا، وَتُحَاكِي مِنَ الرِّجَالِ عَدَدًا.

وَمِنْ تِلْكَ النِّسَاءِ سَيِّدَةٌ فَاضِلَةٌ، وَامْرَأَةٌ مُرَبِّيَةٌ مُضَحِّيَةٌ، هِي صَحَابِيَّةٌ جَلِيلَةٌ، جَاهَدَتْ بِنَفْسِهَا، وَقَدَّمَتْ وَلَدَهَا لِرَسُولِ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ خَادِمًا.

هِيَ أُمُّ سُلَيْمٍ، الغُمَيْصَاءُ بِنْتُ مِلْحَانَ الأَنْصَارِيَّةُ الخَزْرَجِيَّةُ، أُمُّ خَادِمِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، أَنَسِ بنِ مَالِكٍ، مِنْ أَفَاضِلِ النِّسَاءِ.

مَاتَ زَوْجُهَا مَالِكُ بنُ النَّضْرِ، ثُمَّ تَزَوَّجَهَا أَبُو طَلْحَةَ زَيْدُ بنُ سَهْلٍ الأَنْصَارِيُّ، فَوَلَدَتْ لَهُ أَبَا عُمَيْرٍ، وَعَبْدَاللهِ، وَكَانَتْ أَغْلَى النِّسَاءِ فِي زَوَاجِهَا مَهْرًا.

فعَنْ إِسْحَاقَ بنِ عَبْدِ اللهِ، عَنْ جَدَّتِهِ أُمِّ سُلَيْمٍ: أَنَّهَا آمَنَتْ بِرَسُوْلِ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. قَالَتْ: فَجَاءَ أَبُو أَنَسٍ وَكَانَ غَائِباً، فَقَالَ: أَصَبَوْتِ؟ فَقَالَتْ: مَا صَبَوْتُ، وَلَكِنِّي آمَنْتُ، وَجَعَلَتْ تُلَقِّنُ أَنَساً: قُلْ: لاَ إِلَهَ إِلاَّ اللهُ، قُلْ: أَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّداً رَسُولُ اللهِ، فَفَعَلَ، فَيَقُوْلُ لَهَا أَبُوْهُ: لاَ تُفْسِدِي عَلَيَّ ابْنِي. فَتَقُوْلُ: إِنِّي لاَ أُفْسِدُهُ، فَخَرَجَ مَالِكٌ، فَلَقِيَهُ عَدُوٌّ لَهُ، فَقَتَلَهُ، فَقَالَتْ: لاَ جَرَمَ، لاَ أَفْطِمُ أَنَساً حَتَّى يَدَعَ الثَّدْيَ، وَلاَ أَتَزَوَّجُ حَتَّى يَأْمُرُنِي أَنَسٌ.

فَخَطَبَهَا أَبُو طَلْحَةَ، وَهُوَ يَوْمَئِذٍ مُشْرِكٌ، فَأَبَتْ، لَكِنَّ أبَا طَلْحَةَ عَاوَدَ وَطَلَبَهَا للزَّوَاجِ فَطَلَبَتْ مِنْهُ مَهْرًا غَالِيًا رَفِيعًا، يَقُولُ ابْنُهَا أَنَسٌ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ: "خَطَبَ أَبُو طَلْحَةَ أُمَّ سُلَيْمٍ.

فَقَالَتْ: إِنَّهُ لاَ يَنْبَغِي أَنْ أَتَزَوَّجَ مُشْرِكاً، أَمَا تَعْلَمُ يَا أَبَا طَلْحَةَ أَنَّ آلِهَتَكُمْ يَنْحَتُهَا عَبْدُ آلِ فُلاَنٍ، وَأَنَّكُمْ لَو أَشْعَلْتُم فِيْهَا نَاراً لاحْتَرَقَتْ. قَالَ: فَانْصَرَفَ وَفِي قَلْبِهِ ذَلِكَ، ثُمَّ أَتَاهَا، وَقَالَ: الَّذِي عَرَضْتِ عَلَيَّ قَدْ قَبِلْتُ. قَالَ: فَمَا كَانَ لَهَا مَهْرٌ إِلاَّ الإِسْلاَمُ".. فمَا سُمِع بِامْرَأَةٍ قَطُّ كَانَتْ أَكْرَمَ مَهْرًا مِنْ أُمٍّ سُلَيْمٍ.

عِبَادَ اللهِ... إِنَّ أُمَّ سُلَيْمٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهَا كَانَتْ تَخْرُجُ فِي الْجِهَادِ مَعَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَتُطَبِّبُ الْجَرْحَى وَتُعَالِجُ الْمَرْضَى، وَتَحْمِلُ الْمَاءَ، بَلْ وَكَانَتْ تَحْمِلُ سِلاَحَهَا؛ فَقَدْ حَفِظَ التَّارِيخُ أَنَّهَا شَهِدَتْ غَزْوَةَ أُحُدٍ وحُنَيْنٍ مَعَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.

فَقَدْ رَوَى الإِمَامُ مُسْلِمٌ مِنْ حَدِيثِ أَنَسٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ أَنَّ أُمَّ سُلَيْمٍ اتَّخَذَتْ يَوْمَ حُنَيْنٍ خِنْجَرًا فَكَانَ مَعَهَا، فَرَآهَا أَبُو طَلْحَةَ فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللهِ، هَذِهِ أُمُّ سُلَيْمٍ مَعَهَا خِنْجَرٌ، فَقَالَ لَهَا رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "مَا هَذَا الْخِنْجَرُ؟" قَالَتْ: اتَّخَذْتُهُ إِنْ دَنَا مِنِّي أَحَدٌ مِنَ الْمُشْرِكِينَ بَقَرْتُ بِهِ بَطْنَهُ، فَجَعَلَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَضْحَكُ.

وَلَقَدْ كَانَتْ أَمُّ سُلَيْمٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهَا تَأْخُذُ مِنْ عَرَقِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِتَخْلِطَهُ عَلَى الطِّيبِ، فعَنْ أَنَسٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ: أَنَّ النَّبيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَمّا أَرادَ أَن يَحلِقَ رَأسَهُ بِمِنىً أَخَذَ أَبو طَلحَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ شِقَّ شَعْرِهِ فَحَلَقَ الْحَجَّامُ فَجاءَ بِهِ إِلَى أُمِّ سُلَيمٍ فَكانَتْ أُمُّ سُلَيمٍ تَجْعَلُهُ في سُكِّهَا، قالَتْ أُمُّ سُلَيمٍ: وكانَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَجيءُ يَقيلُ عِنْدِي عَلَى نِطْعٍ، وكانَ مِعْرَاقًا، قالَتْ: فَجاءَ ذَاتَ يَومٍ فَجَعَلتُ أَسْلُتُ العَرَقَ فَأَجْعَلُهُ في قَارُورَةٍ لي..

فَاسْتَيقَظَ النَّبيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقَالَ: مَا تَجْعَلِينَ يَا أُمَّ سُلَيمٍ؟ فَقالَتْ: بَاقِي عَرَقِكَ أُرِيدُ أَن أَدُوْفَ بِه طِيبِي. أَخْرَجَهُ ابْنُ سَعْدٍ.

وَمِنْ شَوَاهِدِ حُبِّهَا لِرَسُولِ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -وَهِيَ كَثِيرَةٌ وَفِيرَةٌ- أَنَّ ابْنَهَا أَنَسًا كَانَتْ لَهُ ذُؤَابَةٌ تَتَمَايَلُ علَى جِبِينِهِ، فَرَغِبَ إِليهَا زَوْجُهَا أَنْ تَقُصَّهَا لَهُ بَعْدَ أَنْ طَالَتْ فَأَبَتْ ذَلِكَ؛ لأنَّ النَّبيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ كُلَّمَا أَقْبَلَ عَلَيْهِ أَنَسٌ مَسَحَ رَأْسَهُ بِيَدِهِ وَمَسَّ ذُؤَابَتَهُ الْمُدَلاَّةَ عَلَى جَبِينِهِ.

وَمِنْ تِلكَ الشَّوَاهِدِ مَا حَدَثَ فِي بَعْضِ مَغَازِي النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فعَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ أَنَّ أَبَا طَلْحَةَ قَالَ لِأُمِّ سُلَيْمٍ: لَقَدْ سَمِعْتُ صَوْتَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ضَعِيفًا، أَعْرِفُ فِيهِ الجُوعَ، فَهَلْ عِنْدَكِ مِنْ شَيْءٍ؟ فَأَخْرَجَتْ أَقْرَاصًا مِنْ شَعِيرٍ، ثُمَّ أَخْرَجَتْ خِمَارًا لَهَا، فَلَفَّتِ الخُبْزَ بِبَعْضِهِ، ثُمَّ دَسَّتْهُ تَحْتَ ثَوْبِي، وَرَدَّتْنِي بِبَعْضِهِ ......

ثُمَّ أَرْسَلَتْنِي إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: فَذَهَبْتُ بِهِ، فَوَجَدْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي المَسْجِدِ وَمَعَهُ النَّاسُ، فَقُمْتُ عَلَيْهِمْ.

فَقَالَ لِي رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "أَرْسَلَكَ أَبُو طَلْحَةَ؟" فَقُلْتُ: نَعَمْ، قَالَ: "بِطَعَامٍ؟" قَالَ: فَقُلْتُ: نَعَمْ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِمَنْ مَعَهُ: "قُومُوا" فَانْطَلَقَ وَانْطَلَقْتُ بَيْنَ أَيْدِيهِمْ، حَتَّى جِئْتُ أَبَا طَلْحَةَ، فَقَالَ أَبُو طَلْحَةَ: يَا أُمَّ سُلَيْمٍ، قَدْ جَاءَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِالنَّاسِ، وَلَيْسَ عِنْدَنَا مِنَ الطَّعَامِ مَا نُطْعِمُهُمْ، فَقَالَتْ: اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَعْلَمُ، فَأَقْبَلَ أَبُو طَلْحَةَ وَرَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حَتَّى دَخَلاَ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "هَلُمِّي يَا أُمَّ سُلَيْمٍ، مَا عِنْدَكِ" فَأَتَتْ بِذَلِكَ الخُبْزِ، فَأَمَرَ بِهِ فَفُتَّ، وَعَصَرَتْ أُمُّ سُلَيْمٍ عُكَّةً لَهَا فَأَدَمَتْهُ، ثُمَّ قَالَ فِيهِ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَا شَاءَ اللَّهُ أَنْ يَقُولَ، ثُمَّ قَالَ: "ائْذَنْ لِعَشَرَةٍ" فَأَذِنَ لَهُمْ، فَأَكَلُوا حَتَّى شَبِعُوا.

ثُمَّ خَرَجُوا، ثُمَّ قَالَ: "ائْذَنْ لِعَشَرَةٍ" فَأَذِنَ لَهُمْ فَأَكَلُوا، ثُمَّ أَذِنَ لِعَشَرَةٍ فَأَكَلَ القَوْمُ كُلُّهُمْ وَشَبِعُوا، وَالقَوْمُ ثَمَانُونَ رَجُلًا. مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ.

ايها الاخوة.. لقد كَانَتْ أُمُّ سُلَيْمٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهَا نِعْمَ الْمَرْأَةُ، مَا أَعْقَلَهَا وَأَشَدَّ فِطْنَتَهَا، لَمْ تَنْسَ وَلَدَهَا مِنَ التَّرْبِيَةِ الصَّالِحَةِ، فَفَعَلَتْ فِعْلاً يَدُلُّ عَلَى رَجَاحَةِ عَقْلِهَا، فعَنْ أَنَسٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ: دَخَلَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى أُمِّ سُلَيْمٍ، فَأَتَتْهُ بِتَمْرٍ وَسَمْنٍ، قَالَ: "أَعِيدُوا سَمْنَكُمْ فِي سِقَائِهِ، وَتَمْرَكُمْ فِي وِعَائِهِ، فَإِنِّي صَائِمٌ" ثُمَّ قَامَ إِلَى نَاحِيَةٍ مِنَ البَيْتِ، فَصَلَّى غَيْرَ المَكْتُوبَةِ، فَدَعَا لِأُمِّ سُلَيْمٍ وَأَهْلِ بَيْتِهَا، فَقَالَتْ أُمُّ سُلَيْمٍ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، إِنَّ لِي خُوَيْصَةً، قَالَ: "مَا هِيَ؟"، قَالَتْ: خَادِمُكَ أَنَسٌ. فَمَا تَرَكَ خَيْرَ آخِرَةٍ وَلاَ دُنْيَا إِلَّا دَعَا لِي بِهِ، قَالَ: "اللَّهُمَّ ارْزُقْهُ مَالًا وَوَلَدًا، وَبَارِكْ لَهُ فِيهِ".

أَيُّهَا الْمُسْلِمُونَ... وَإِنَّ مِمَّا يَدُلُّ علَى قُوَّةِ إِيمَانِ أُمِّ سُلَيْمٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهَا، وَشِدَّةِ صَبْرِهَا، مَا وَرَدَ فِي الصَّحِيحَيْنِ عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، قَالَ: كَانَ ابْنٌ لِأَبِي طَلْحَةَ يَشْتَكِي، فَخَرَجَ أَبُو طَلْحَةَ، فَقُبِضَ الصَّبِيُّ، فَلَمَّا رَجَعَ أَبُو طَلْحَةَ، قَالَ: مَا فَعَلَ ابْنِي، قَالَتْ أُمُّ سُلَيْمٍ: هُوَ أَسْكَنُ مَا كَانَ، فَقَرَّبَتْ إِلَيْهِ العَشَاءَ فَتَعَشَّى، ثُمَّ أَصَابَ مِنْهَا، فَلَمَّا فَرَغَ قَالَتْ: وَارُوا الصَّبِيَّ، فَلَمَّا أَصْبَحَ أَبُو طَلْحَةَ أَتَى رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَأَخْبَرَهُ، فَقَالَ: "أَعْرَسْتُمُ اللَّيْلَةَ؟" قَالَ: نَعَمْ، قَالَ: "اللَّهُمَّ بَارِكْ لَهُمَا" فَوَلَدَتْ غُلاَمًا، فَأَتَى بِهِ أَبُو طَلْحَةَ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَأَخَذَهُ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَحَنَّكَهُ بِتَمْرٍ كَانَ مَعَهُ، وَسَمَّاهُ عَبْدَاللَّهِ. يَقُولُ الرَّاوِي: فَلَقَدْ رَأَيْتُ لِذَلِكَ الغُلاَمِ سَبْعَ بَنِيْنَ، كُلُّهُمْ قَدْ خَتَمَ القُرْآنَ.
نَسْأَلُ اللهَ أَنْ يُصْلِحَ أَحْوَالَنَا وذريَّاتِنا وبناتِنا، أَقُولُ قَوْلِي هَذَا وأَسْتَغْفِرُ اللهَ لِي وَلَكُمْ فَاسْتَغْفِرُوهُ.
♦♦♦♦♦


الخطبة الثانية
الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ، وَأَشْهَدُ أَنْ لَا إلَهَ إلَّا اللهُ وَحْدَهُ، وَأُصَلِّي وَأُسَلِّمُ عَلَى مَنْ لَا نَبِيَّ بَعْدَهُ.. أَمَّا بَعْدُ:
فَاتَّقُوا اللهَ -عِبَادَ اللَّهِ- وَفِرُّوا مِنْهُ إِلَيْهِ، فَإِنَّهُ لَا مَلْجَأَ مِنْهُ إلَّا إِلَيْهِ؛ ﴿ فَفِرُّوا إِلَى اللَّهِ إِنِّي لَكُمْ مِنْهُ نَذِيرٌ مُبِينٌ ﴾ [الذاريات: 50].
عِبادَ اللهِ: إِنَّ أُمَّ سُلَيْمٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهَا لِهِيَ مِثَالٌ صَادِقٌ فِي الإِيمَانِ بِاللَّهِ وَحْدَهُ، وَنَمُوذَجٌ مُشَرِّفٌ فِي اتِّبَاعِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَمَحَبَّتِهِ الْمَحَبَّةَ الصَّادِقَةَ، هِيَ أُمٌّ فَاضِلَةٌ، وَمُرَبِّيَةٌ نَاصِحَةٌ، وَزَوْجَةٌ عَاقِلَةٌ، وَامْرَأَةٌ مُؤْمِنَةٌ وَهَبَتْ حَيَاتَهَا لِدِينِهَا؛ فَلَا عَجَبَ إِذَنْ أَنْ يُبَشِّرَهَا النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِالْجَنَّةِ وَهِيَ لاَ تَزَالَ تَتَنَفَّسُ وَتَمْشِي على الأَرْضِ؛ فعَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا، قَالَ: قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "رَأَيْتُنِي دَخَلْتُ الجَنَّةَ، فَإِذَا أَنَا بِالرُّمَيْصَاءِ، امْرَأَةِ أَبِي طَلْحَةَ".

إِنَّ هَذِهِ الْمَرْأَةَ وَمَنْ نَحَا نَحْوَهَا وَسَلَكَ طَرِيقَهَا لِحَرِيٌّ بِنِسَائِنَا وَبَنَاتِنَا أَنْ يَتَّخِذْنَهَا قُدْوَةً، وَأَنْ يَجْعَلْنَهَا نِبْرَاسًا.. يَنْبَغِي عَلَيْنَا أَنْ تَكُونَ تَرْبِيَتُنَا لنِسَائِنَا وَبَنَاتِنَا عَلَى مِثْلِ سِيَرِهِنَّ، وَأَنْ نُنْشِأَ جِيلًا مِنْهُنَّ عَلَى سِيرَةِ عَائِشَةَ وَخَدِيجَةَ وَفَاطِمَةَ وَأُمِّ سُلَيْمٍ، لَا أَنْ نَفْتَحَ لَهُنَّ الْقَنَوَاتِ الْهَابِطَاتِ؛ لِيَتَّخِذْنَ مِنَ السَّاقِطَاتِ لَهُنَّ قُدْوَاتٍ، فَنَعُوذُ بِاللهِ مِنَ الْحَوْرِ بَعْدَ الْكُوَرِ، وَمِنَ الضَّلاَلَةِ بَعْدَ الْهِدَايَةِ.

ثُمَّ صَلُّوا وَسَلِّمُوا عَلَى مَنْ أُمِرْتُمْ بِالصَّلَاةِ عَلَيْهِ فَقَالَ عَزَّ مَنْ قَالَ ﴿ إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا ﴾ [الأحزاب: 56] فَاللَّهُمَّ صَلِّ وَسَلِّمْ عَلَى عَبْدِكَ وَنَبِيِّكَ مُحَمَّدٍ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ أَجْمَعِينَ.

اللَّهُمَّ انْصُرِ الإِسْلامَ وأَعِزَّ الْمُسْلِمِينَ، وَأَعْلِ بِفَضْلِكَ كَلِمَةَ الْحَقِّ والدِّينِ، وَمَكِّنْ لِعِبَادِكَ الْمُوَحِّدِينَ، واغْفِرْ لَنَا وَلِجَمِيعِ الْمُسْلِمِينَ والْمُسْلِمَاتِ الأَحْيَاءِ مِنْهُمْ والأَمْوَاتِ.
اللَّهُمَّ اغْفِرْ وَارْحَمْ وَتَجَاوَزْ عَمَّا تَعْلَمْ إِنَّكَ أَنْتَ الْأعَزُّ الْأكْرَمُ... اللَّهُمَّ آتِ نُفُوسَنَا تَقْوَاهَا وَزَكِّهَا أَنْتَ خَيْرُ مَنْ زَكَّاهَا أَنْتَ وَلِيُّهَا وَمَوْلَاهَا.
اللَّهُمَّ إِنَّا نَسْأَلُكَ أَنْ تَجْزِيَ آبَاءَنَا وَأُمَّهَاتِنَا عَنَّا خَيْرَ الْجَزَاءِ.. اللَّهُمَّ اجْزِهِمْ عَنَّا رِضَاكَ وَالْجَنَّةَ.. اللَّهُمَّ اغْفِرْ لَهُمْ وَارْحَمْهُمْ وَعَافِهِمْ واعْفُ عَنْهُم.
اللهمَّ وَفِّقْ ولي أَمْرِنَا لِمَا تُحِبُّ وتَرْضَى، وخُذْ بِنَاصِيتهِ لِلبِرِّ وَالتَّقْوى، واجْعَلْ وِلايَتَنَا فِيمَنْ خَافَكَ واتَّقَاكَ.

اللهُمَّ انْصُرْ جُنودنَا فِي الحَدِّ الجّنُوبِيِّ وفي كلِّ مكانٍ، اللهُمَّ انْصُرْهُمْ علَى عَدُوِّكَ وَعَدُوِّهِمْ، وَرُدَّهُمْ سَالِمِينَ غَانِمِينَ، إِنَّكَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ، وبالإِجَابَةِ جَدِيرٌ، وأَنْتَ حَسْبُنَا وَنِعْمَ الْوَكِيلُ، وَآخِرُ دَعْوَانَا أَنِ الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ.



__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
إضافة رد


الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1)
 

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع


 


الاحد 20 من مارس 2011 , الساعة الان 01:21:21 صباحاً.

Powered by vBulletin V3.8.5. Copyright © 2005 - 2013, By Ali Madkour

[حجم الصفحة الأصلي: 62.18 كيلو بايت... الحجم بعد الضغط 60.51 كيلو بايت... تم توفير 1.67 كيلو بايت...بمعدل (2.69%)]