هيا للعمل الصالح - ملتقى الشفاء الإسلامي

 

اخر عشرة مواضيع :         فتح العليم العلام الجامع لتفسير ابن تيمية الإمام علم الأعلام وشيخ الإسلام (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 371 - عددالزوار : 155213 )           »          6 مميزات جديدة فى تطبيق الهاتف الخاص بنظام iOS 18 (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 9 )           »          إيه الفرق؟.. تعرف على أبرز الاختلافات بين هاتف iPhone 12 و Google Pixel 9 (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 4 )           »          برنامج الدردشة Gemini متاح الآن على Gmail لمستخدمى أندرويد (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 11 )           »          كيفية حذف صفحة Word فى 3 خطوات (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 16 )           »          خطوات.. كيفية إعادة ترتيب الأزرار وتغيير حجمها في مركز التحكم بـiOS 18 (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 5 )           »          يوتيوب يقدم الآن رموز qr لمشاركة القنوات.. كيف تحصل عليه (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 8 )           »          تعملها إزاى؟.. كيفية إضافة صفحات متعددة إلى مركز التحكم بأيفون (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 14 )           »          كيف تضاعف المسافة فى صفحة Word فى 4 خطوات (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 8 )           »          اختصار جديد بواتساب يضع علامة على الكل كـ"مقروء" لمستخدمى أندرويد (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 11 )           »         

العودة   ملتقى الشفاء الإسلامي > قسم الصوتيات والمرئيات والبرامج > ملتقى الصوتيات والاناشيد الاسلامية > ملتقى الخطب والمحاضرات والكتب الاسلامية
التسجيل التعليمـــات التقويم

ملتقى الخطب والمحاضرات والكتب الاسلامية ملتقى يختص بعرض الخطب والمحاضرات الاسلامية والكتب الالكترونية المنوعة

إضافة رد
 
أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
  #1  
قديم 30-10-2020, 10:25 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم متصل الآن
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 158,549
الدولة : Egypt
افتراضي هيا للعمل الصالح

هيا للعمل الصالح


أحمد بن عبد الله الحزيمي






إِنَّ الْحَمْدَ للهِ نَحْمَدُهُ وَنَسْتَعِينُهُ ونَسْتَغْفِرُهُ، وَنَعُوذُ بِاللهِ مِنْ شُرُورِ أَنْفُسِنَا وَمِنْ سَيِّئَاتِ أَعْمَالِنَا، مَنْ يَهْدِهِ اللهُ فَلَا مُضِلَّ لَهُ، وَمَنْ يُضْلِلْ فَلَا هَادِيَ لَهُ، وَأَشْهَدُ أَنْ لَا إلَهَ إلَّا اللهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ، وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ، صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَأَصْحَابِهِ وَسَلَّمَ تَسْلِيمًا كَثِيرًا.

أَمَّا بَعْدُ:
فَأُوصِيكُمْ - أَيُّهَا النَّاسُ- بِتَقْوَى اللهِ سُبْحَانَهُ وَالاسْتِمْسَاكِ بِعُرْوَتِهِ الْوُثْقَى، وَالاعْتِصَامِ بِحَبْلِهِ الْمَتِينِ، وَلُزُومِ جَمَاعَةِ الْمُسْلِمِينَ: ﴿ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَيَخْشَ اللَّهَ وَيَتَّقْهِ فَأُولَئِكَ هُمُ الْفَائِزُونَ ﴾.

عِبَادَ اللهِ... يُرْوَى أَنَّ نَبِيَّ اللهِ يَعْقُوبَ لَمَّا جَاءَهُ الْبَشِيرُ يُبَشِّرْهُ بِسَلاَمَةِ يُوسُفَ، وَأَلْقَى عَلَيْهِ الْقَمِيصَ فَارْتَدَّ يَعْقُوبُ بَصِيرًا، قَالُوا: إِنَّ يَعْقُوبَ قَالَ لِلْبَشِيرِ الَّذِي بَشَّرَهُ: كَيْفَ تَرَكْتَ يُوسُفَ؟ قَالَ: تَرَكْتُهُ يَمْلِكُ مِصْرَ، قَالَ: وَيْحَكَ مَاذَا أَفْعَلُ بِمُلْكِ مِصْرَ؟! عَلَى أَيِّ دِينٍ تَرَكْتَهُ؟ قَالَ: تَرَكْتُهُ عَلَى الإِسْلامِ، قَالَ يَعْقُوبُ: الْآنَ تَمَّتِ النِّعْمَةُ.

أَيُّهَا الْمُؤْمِنُونَ... إِنَّ اللهَ تَعَالَى يُقَسِّمُ عَلَى عِبَادِهِ الأَرْزَاقَ وَالْخَيْرَاتِ. فَمِنْهُمْ مَنْ كَانَ حَظُّهُ مِنْهَا الْمَالَ والثَّرَاءَ، وَمِنْهُمُ الْجَاهَ والسُّلْطَانَ، وَمِنْهُمْ مَنْ وُفِّقَ لِعِبَادَةِ رَبِّهِ وَطَاعَةِ مَوْلَاهُ وَهَذَا هُوَ الْمُوَفَّقُ والْمُسَدَّدُ؛ قَالَ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «إِذَا أَرَادَ اللَّهُ بِعَبْدٍ خَيْرًا اسْتَعْمَلَهُ» فَقِيلَ: كَيْفَ يَسْتَعْمِلُهُ يَا رَسُولَ اللَّهِ؟ قَالَ: «يُوَفِّقُهُ لِعَمَلٍ صَالِحٍ قَبْلَ المَوْتِ» رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ وَغَيْرُهُ وَصَحَّحَهُ الأَلْبَانِيُّ.

إِنَّ بَعْضَ النَّاسِ خَطَا خُطُوَاتٍ مُبَارَكَاتٍ فِي طَاعَةِ رَبِّهِ والتَّقَدُّمِ بَيْنَ يَدَيْهِ، فَأَصْبَحَتِ الطَّاعَةُ أُنْسَهُ وَمُتْعَتَهُ، لَا يَحْزَنُ إِنْ فَاتَهُ شَيْءٌ مِنْ حُطَامِ الدُّنْيَا وَلَا يُكْثِرُ التَّفْكِيرَ فِي ذَلِكَ. يَقُولُ إِبْرَاهِيمُ الْحَرْبِيُّ عنِ الإمَامِ أَحَمْدَ - رَحِمَهُ اللهُ-: "لَقَدْ صَحِبْتُهُ عِشْرِينَ سَنَةً صَيْفًا وَشِتَاءً، حَرًّا وَبَرْدًا، لَيْلًا وَنَهَارًا، فَمَا لَقِيتُهُ فِي يَوْمٍ إلَّا هُوَ زَائِدٌ مَا هُوَ عَلَيْهِ".

إِنَّ أَثَرَ هَذِهِ الْأَعْمَالِ الصَّالِحَةِ سَيَرْتَدُّ عَلَى أهْلِهَا سَرِيعًا، فَالسَّكِينَةُ والرَّاحَةُ والْطُمَأْنِينَةُ وَالرِّضَى، هَذِهِ بَعْضٌ مِنْ عَطَاءِ الرَّبِّ وَهِبَاتِ الْكَرِيمِ سُبْحَانَهُ لِأُولَئِكَ الْخُلَّصِ مِنْ خَلْقِهِ. أَمَّا فِي الْآخِرَةِ فَشَيْءٌ يَعْجَزُ الْوَاصِفُونَ عَنْ وَصْفِهِ؛ قَالَ سُبْحَانَهُ: ﴿ إِنَّ الْمُتَّقِينَ فِي جَنَّاتٍ وَنَهَرٍ * فِي مَقْعَدِ صِدْقٍ عِنْدَ مَلِيكٍ مُقْتَدِرٍ ﴾ [القمر: 54-55]، وَعَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «أَتَانِي رَبِّي فِي أَحْسَنِ صُورَةٍ، فَقَالَ: يَا مُحَمَّدُ، قُلْتُ: لَبَّيْكَ رَبِّي وَسَعْدَيْكَ، قَالَ: فِيمَ يَخْتَصِمُ المَلَأُ الأَعْلَى؟ قُلْتُ: رَبِّ لَا أَدْرِي، فَوَضَعَ يَدَهُ بَيْنَ كَتِفَيَّ فَوَجَدْتُ بَرْدَهَا بَيْنَ ثَدْيَيَّ فَعَلِمْتُ مَا بَيْنَ المَشْرِقِ وَالمَغْرِبِ، فَقَالَ: يَا مُحَمَّدُ، فَقُلْتُ: لَبَّيْكَ وَسَعْدَيْكَ، قَالَ: فِيمَ يَخْتَصِمُ المَلَأُ الأَعْلَى؟ قُلْتُ: فِي الدَّرَجَاتِ وَالكَفَّارَاتِ، وَفِي نَقْلِ الأَقْدَامِ إِلَى الجَمَاعَاتِ، وَإِسْبَاغِ الوُضُوءِ فِي المَكْرُوهَاتِ، وَانْتِظَارِ الصَّلَاةِ بَعْدَ الصَّلَاةِ، وَمَنْ يُحَافِظْ عَلَيْهِنَّ عَاشَ بِخَيْرٍ وَمَاتَ بِخَيْرٍ، وَكَانَ مِنْ ذُنُوبِهِ كَيَوْمِ وَلَدَتْهُ أُمُّهُ» رَوَاهُ الْإمَامُ أَحْمَدُ والتَّرْمِذِيُّ وَصَحَّحَهُ الأَلْبَانِيُّ.

بَلْ إِنَّ الْعَمَلَ الصَّالِحَ مِنْ أَهَمِّ أَسْبَابِ كَسْبِ الرِّزْقِ وَكَثْرَتِهِ وَنَمَائِهِ؛ فَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَالَ: «قَالَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ: ابْنَ آدَمَ، تَفَرَّغْ لِعِبَادَتِي: أَمْلَأْ صَدْرَكَ غِنًى، وَأَسُدَّ فَقْرَكَ، وَإِلَّا تَفْعَلْ مَلَأْتُ صَدْرَكَ شُغْلًا، وَلَمْ أَسُدَّ فَقْرَكَ» رَوَاهُ الْإمَامَ أَحْمَدُ وَالتِّرْمِذِيُّ وَصَحَّحَهُ الأَلْبَانِيُّ. أَرَأَيْتُمْ ذَلِكَ الرَّجُلَ الَّذِي خَطَا لِأَمْرِ الدُّنْيَا خُطُوَاتٍ وَاثِقَةٍ جَعَلَتْهُ يَتْرُكُ مَا اعْتَادَ النَّاسُ عَلَيْهِ مِنَ النَّوْمِ أَوِ الْجَلَسَاتِ أوِ الْغَرَقِ فِي الْمَلَذَّاتِ، تَرَكَ الْمُتْعَةَ، تَرَكَ اللَّذَّةَ، تَرَكَ جَلَسَاتِ الصُّحْبَةِ والرُّفْقَةِ، وَفِي سَنَوَاتٍ حَصَّلَ مِنَ الثَّرَاءِ مَا جَعَلَ الْمَالَ يَفِيضُ بَيْنَ يَدَيْهِ. أَوْ ذَلِكَ الرَّجُلَ الَّذِي تَرَكَ أَهْلَهُ وَأَوْلاَدَهُ وَجَاءَ إِلَى بَلَدٍ غَرِيبٍ عَنْهُ، وَاضْطرَّ أَنْ يَعْمَلَ فِي بَلَدٍ يَخْتَلِفُ عَنْ أَجْوَاءِ بَلَدِهِ، وَأهْلٍ غَيْرَ أَهْلِهِ، فَجَلَسَ السَّنَوَاتِ يَكِدُّ وَيَتْعَبُ؛ لأَجْلِ أَنْ يَعِيشَ بَقِيَّةَ عُمُرِهِ بِكَرَامَةٍ وَعِزَّةِ نَفْسٍ. هَؤُلاءِ خَطَوُ خُطُوَاتِ الدُّنْيَا - وَلَا تَثْرِيبَ عَلَيْهِمْ فِي ذَلِكَ مَا دَامَ أَنَّهُمْ لَمْ يُضَيِّعُوا حَقًّا مِنْ حُقُوقِ اللهِ تَعَالَى- فَلِمَاذَا لَا يَكُونُ السِّبَاقُ لِلْجَنَّةِ أَعْظَمُ وَأَشَدُّ؟

أَيُّهَا الْأَخُ الْمُبَارَكُ... أَنْتَ قَادِرٌ عَلَى أَنْ تُغَيِّرَ مِنْ حَالِكَ؟ قَادِرٌ عَلَى أَنْ تَتَقَرَّبَ إِلَى رَبِّكَ أَكْثَرَ وَأَكْثَرَ؟ قَادِرٌ عَلَى أَنْ تَحْجِزَ مَكَانًا عَالِيًا فِي الْجَنَّةِ؟ قَادِرٌ -بِإِذْنِ اللهِ تَعَالَى- أَنْ تَكُونَ وَلِيًّا مِنْ أَوْلِيَائِهِ؟ قَادِرٌ أَنْ تَكُونَ مِنَ الَّذِينَ يُحِبُّهُمُ اللهُ؟ مِنَ الَّذِينَ يَرْضَى عَنْهُمْ؟ مِنَ الَّذِينَ تُصَلِّي عَلَيْهِمُ الْمَلاَئِكَةُ؟ مِنَ الَّذِينَ يُشْرِكُهُمُ اللهُ فِي دُعَاءِ الْمُسْلِمِينَ؟


عِبَادَ اللهِ... إِنَّ فُرَصَ التَّقَرُّبِ إِلَى اللهِ حَقٌّ مَشَاعٌ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنَّا لَيْسَتْ حِكْرًا عَلَى فِئَةٍ دُونَ أُخْرَى، أَوْ مُجْتَمَعٍ دُونَ آخَرَ، أَوْ بِمَنْ يَمْلِكُ الْمَالَ أَوْ لِمَنْ يَمْلِكُ الْجَاهَ والسُّلْطَانَ، نَعَمْ هِيَ لِمَنْ بَادَرَ وَبَكَّرَ وَابْتَكَرَ لِنَيْلِ مَا عِنْدَ الْكَرِيمِ سُبْحَانَهُ.

أَخِي الْكَرِيمُ... اُنْظُرْ إِلَى الدُّنْيَا كَمْ هِيَ قَصِيرَةٌ.. أَيَّامٌ وَسَنَوَاتٌ ثُمَّ تَلْقَى اللهَ جَلَّ وَعَلا، إِذَنْ كُنْ مُسْتَعِدًّا لِهَذَا اللِّقَاءِ. يَا تُرَى، كَمْ يَعِيشُ الإِنْسَانُ فِي هَذِهِ الدُّنْيَا خَمْسِينَ سَنَةً؟! سَبْعِينَ سَنَةً؟! تِسْعِينَ سَنَةً؟! وَقَلِيلٌ مَنْ يُجَاوِزُ ذَلِكَ. تَأَمَّلْ كَمْ مَرَّ عَلَى الأَرْضِ مِنْ أُنَاسٍ؟! كَمْ وَطِئَتْ قَدَمٌ عَلَى هَذِهِ الأَرْضِ؟! نَعَمْ، أَرْحَامٌ تَدْفَعُ، وَأَرْضٌ تَبْلَعُ، لَكِنْ مَا الْحَالُ عِنْدَ لِقَاءِ اللهِ يَوْمَ الْمَصْرَعِ؟ أَعُوذُ بِاللهِ مِنَ الشَّيْطَانِ الرَّجِيمِ: ﴿ مَنْ عَمِلَ صَالِحًا مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ أَجْرَهُمْ بِأَحْسَنِ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ ﴾ [النحل: 97] بَارَكَ اللهُ لِي وَلَكُمْ فِي الْكِتَابِ والسُّنَّةِ، وَبِمَا فِيهِمَا مِنَ الآيَاتِ وَالْحِكْمَةِ. أَقُولُ مَا تَسْمَعُونَ وأَسْتَغْفِرُ اللهَ لِي وَلَكُمْ.


الخطبة الثانية
الْحَمْدُ لِلَّهِ الْعَزِيزِ الْوَهَّابِ، غَافِرِ الذَّنْبِ، وقَابِلِ التَّوْبِ، شَدِيدِ الْعِقَابِ، بِفَضْلِهِ يَفْتَحُ لِلْمُسْتَغْفِرِينَ الْأَبْوَابَ، وَبِرَحْمَتِهِ يُيَسِّرُ لِلتَّائِبِينَ الْأَسْبَابَ، وَالصَّلاَةُ وَالسَّلامُ عَلَى الْمَبْعُوثِ رَحْمَةً لِلْعَالَمِينَ، سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ أَجْمَعِينَ..
وَبَعْدُ:
عِبَادَ اللهِ... نِعْمَةُ التَّوْفِيقِ لِلْعَمَلِ الصَّالِحِ لَا تُجَارِيهَا نِعْمَةٌ وَلَا يُمَاثِلُهَا فَضْلٌ، وَإِنَّ الْمُوَفَّقِينَ حَقًّا مَنْ أَنْعَمَ عَلَيْهِمُ الْبَارِي بِطَاعَتِهِ وَسُلُوكِ سَبِيلِ اسْتِقَامَتِهِ، وَحَيْثُ أَنَّ التَّذْكِيرَ بِجَلِيلِ قَدْرِ هَذِهِ النِّعْمَةِ لِلْجَمِيعِ خُصُوصًا لِمَنْ مَدَّ اللهُ فِي أَعْمَارِهِمْ وَنَسَأَ فِي آجَالِهِمْ فإِنَّنَا جَمِيعًا مُحْتَاجُونَ لِأَنْ يَكُونَ لَنَا حَظٌ مِنْ عِبَادَاتٍ فِي اللَّيْلِ وَأُخْرَى فِي النَّهَارِ، إِنَّكَ لَوْ دَقَّقْتَ فِي أَحْوَالِ الْبَعْضِ لَتَجِدُ أَنَّهُ وَمُنْذُ سِتِّينَ أَوْ سَبْعِينَ أَوْ رُبَّمَا ثَمَانِينً سَنَةً أَوْ تَزِيدُ وَهُوَ فِي عَلاَقَةٍ فَاتِرَةٍ مَعَ رَبِّهِ؛ لَا تَرَاهُ فِي إِقْبَالٍ إِلَى مَوْلَاهُ.. قِيَامُ اللَّيْلِ، صِيَامُ النَّوَافِلِ، الْحَجُّ، وَالْعُمْرَةُ، خَتْمُ الْقُرْآنِ شَهْرِيًّا، صَدَقَاتٌ، وَأَوْقَافٌ، تَبْكِيرٌ للصَّلَوَاتِ وَجُلُوسٌ بَعْدَهَا، السُّنَنُ الرَّوَاتِبُ. أَقُولُ: لَوْ سَأَلْتَهُ عَنْ حَظِّهِ مِنْهَا لَحَارَ جَوَابًا وَسَكَتَ، إِنَّ حَقَّ اللهِ عَلَيْكَ عَظِيمٌ - أَيُّهَا الْكَرِيمُ- وَفَضْلُهُ عَلَيْكَ كَبِيرٌ.

تَأَمَّلْ فِيمَا بَلَغْتَهُ مِنْ عُمُرٍ.. أَلَمْ يُحْرَمْ غَيْرُكَ مِنْهُ، تَذَكَّرْ مَنْ هُمْ فِي سِنِّكَ أَيَّامَ دِرَاسَتِكَ أَوْ فِي وَظِيفَتِكَ، تَذَكَّرْ أَحْبابَكَ وَأَقَارِبَكَ، وَجِيرَانَكَ وَمَعَارِفَكَ مِمَّنْ مَاتُوا وَهُمْ فِي سِنِّ الشَّبَابِ، وَأَنْتَ أَبْقَاكَ اللهُ تَتَنَفَّسُ الْحَيَاةَ، فَلْنَتَدَارَكْ إِذَنْ مَا بَقِيَ، وَلْنَعْزِمْ عَلَى التَّصْحِيحِ، وَلْتَكُنْ هِمَّتُنَا الْفِرْدَوْسُ الأَعْلَى مِنَ الْجَنَّةِ.

عِبَادَ اللَّهِ... إِنَّ الْمُطَّلِعَ عَلَى كِتَابِ اللهِ تَعَالَى يُدْرِكُ سَرِيعًا كَثْرَةَ الآيَاتِ الَّتِي تَحُثُّ عَلَى الْمُسَارَعَةِ إِلَى الْأَعْمَالِ الصَّالِحَةِ وَعَدَمِ تَأْجِيلِهَا أَوْ تَسْوِيفِهَا، قَالَ تَعَالَى: ﴿ وَسَارِعُوا إِلَى مَغْفِرَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا السَّمَاوَاتُ وَالْأَرْضُ أُعِدَّتْ لِلْمُتَّقِينَ ﴾ [آل عمران: 133]، وَقَالُ تُعَالَى: {سَابِقُوا إِلَى مَغْفِرَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا كَعَرْضِ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ أُعِدَّتْ لِلَّذِينَ آمَنُوا بِاللَّهِ وَرُسُلِهِ} [الحديد: 21] وَفِي آيَاتٍ أُخْرَى حَذَّرَ سُبْحَانَهُ مِنْ عَاقِبَةِ التَّسْوِيفِ وَالتَّأْجِيلِ فِي وَقْتٍ لَا يَنْفَعُ فِيه النَّدَمُ فَقَالَ تَعَالَى: ﴿ حَتَّى إِذَا جَاءَ أَحَدَهُمُ الْمَوْتُ قَالَ رَبِّ ارْجِعُونِ * لَعَلِّي أَعْمَلُ صَالِحًا فِيمَا تَرَكْتُ كَلَّا إِنَّهَا كَلِمَةٌ هُوَ قَائِلُهَا وَمِنْ وَرَائِهِمْ بَرْزَخٌ إِلَى يَوْمِ يُبْعَثُونَ ﴾ [المؤمنون: 99-100]، وَقَالَ تَعَالَى: ﴿ وَأَنْفِقُوا مِنْ مَا رَزَقْنَاكُمْ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَأْتِيَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ فَيَقُولَ رَبِّ لَوْلَا أَخَّرْتَنِي إِلَى أَجَلٍ قَرِيبٍ فَأَصَّدَّقَ وَأَكُنْ مِنَ الصَّالِحِينَ ﴾ [المنافقون: 10].

أَمَّا السُّنَّةُ النَّبَوِيَّةُ فَهِي ذَاخِرَةٌ بِالتَّحْذِيرِ مِنَ التَّسْوِيفِ والْحَضِّ عَلَى الْمُبَادَرَةِ إِلَى الْخَيْرَاتِ وَالْمُسَارَعَةِ إِلَى الطَّاعَاتِ وَالْأَعْمَالِ الصَّالِحَاتِ قَبْلَ تَعَذُّرِهَا وَالاِشْتِغَالِ عَنْهَا؛ قَالَ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «بَادِرُوا بِالْأَعْمَالِ سِتًّا: طُلُوعَ الشَّمْسِ مِنْ مَغْرِبِهَا، أَوِ الدُّخَانَ، أَوِ الدَّجَّالَ، أَوِ الدَّابَّةَ، أَوْ خَاصَّةَ أَحَدِكُمْ أَوْ أَمْرَ الْعَامَّةِ» رَوَاهُ مُسْلِمٌ.

كَمَا أَنَّ حَدِيثَ حَضِّ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى اغْتِنَامِ أَوْقَاتِ الْحَيَاةِ وَانْتِهَازِ فُرْصَةِ وَفْرَةِ الْمَالِ وَصِحَّةِ الْجَسَدِ وَقُوَّةِ الشَّبَابِ فِي طَاعَةِ اللَّهِ وَرِضْوَانِهِ مَشْهُورٌ وَمَحْفُوظٌ، فَقَدْ رَوَى الْحَاكِمُ مِنْ حَدِيثِ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِرَجُلٍ وَهُوَ يَعِظُهُ: «اغْتَنِمْ خَمْسًا قَبْلَ خَمْسٍ: شَبَابَكَ قَبْلَ هَرَمِكَ، وَصِحَّتَكَ قَبْلَ سَقَمِكَ، وَغِنَاءَكَ قَبْلَ فَقْرِكَ، وَفَرَاغَكَ قَبْلَ شُغُلِكَ، وَحَيَاتَكَ قَبْلَ مَوْتِكَ».

نَعَمْ اغْتَنِمْ حَيَاتَكَ قَبْلَ أَنْ يَتَقَدَّمَ بِكَ الْعُمُرُ فَتَكُونَ عَاجِزًا عَنِ الْقِيَامِ بِكَثِيرٍ مِنَ الْأَعْمَالِ، وَتَأْسَفَ عَلَى مَا فَاتَ مِنْ تِلْكَ السِّنِين. وَعِنْدَئِذٍ لَا يَنْفَعُ النَّدَمُ.

خَتَمَ اللهُ لِي وَلَكُمْ بِالْحُسْنَى، وَرَضِيَ اللَّهُ عَنِّي وَعَنْكُمْ فِي الْآخِرَةِ وَالْأُولَى.
ثُمَّ صَلُّوا وَسَلِّمُوا....


__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
إضافة رد


الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1)
 

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع


 


الاحد 20 من مارس 2011 , الساعة الان 01:21:21 صباحاً.

Powered by vBulletin V3.8.5. Copyright © 2005 - 2013, By Ali Madkour

[حجم الصفحة الأصلي: 58.77 كيلو بايت... الحجم بعد الضغط 57.10 كيلو بايت... تم توفير 1.67 كيلو بايت...بمعدل (2.85%)]