|
ملتقى السيرة النبوية وعلوم الحديث ملتقى يختص في سيرة الرسول صلى الله عليه وسلم وعلوم الحديث وفقهه |
|
أدوات الموضوع | انواع عرض الموضوع |
#1
|
||||
|
||||
![]() جهود الصحابة رضوان الله عليهم في خدمة السنة (1) د. أيمن محمود مهدي أدرك الصحابةُ الكرام رضوان الله عليهممكانةَ السُّنة النبوية المطهَّرة، وعرَفوا قدرها، واستوعبوا النصوص الآمرةَ بتبليغ العلم، وأحَبُّوا رسول الله صلى الله عليه وسلم حبًّا شديدًا، فازدادوا قربًا من النبي صلى الله عليه وسلم واستماعًا لأحاديثه، وتطبيقًا لها، ونقلوها إلى مَن بعدهم على أحسن ما يكون النقل. والناظر في كُتُبِ العِلم يدرك بوضوح أن للصحابة رضوان الله عليهم جهودًا جبَّارة في خدمة الحديث النبوي، استطاعوا عن طريقها أن يحفظوا سُنَّةَ رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأن ينقُلُوها إلى الأجيال التالية غضَّةً طرية، كما أرادها الله عز وجل ورسوله صلى الله عليه وسلم، واستطاعوا أن يصلوا إلى هذه النتيجة عن طريق جهودٍ ضخمة، ولقد أثمرت هذه الجهودُ حفظَ السنة في الصدور، وفَهمها بالعقول، وتدوينَها في الكتب، ونشرها وإذاعتها بين الناس، وتطبيقَها في كل مجالات الحياة. وسأذكر أبرز هذه الجهود، التي يتبيَّن من خلالها الجُهدُ الذي بذلوه من أجل خدمة السنة، والطَّريقة التي اتبعوها من أجل صيانتها والحفاظ عليها. أولًا: الحرص على حضور مجالس النبيصلى الله عليه وسلم، مع الإنصات التام وحسن الاستيعاب: لم يكن الصحابةُ رضوان الله عليهم متفرِّغين لحملِ السنة وحفظها تفرُّغًا تامًّا؛ بل كانت لهم وظائفهم وأشغالهم الخاصة، وكانت لهم بيوتٌ وأولاد، وكانوا يسعَون لطلب الأرزاق؛ فكان منهم التجار والصُّناع والزُّرَّاع، وقد أشار إلى هذا الأمر راوِيَةُ السُّنة أبو هريرة رضي الله عنه في مَعرِض تعليله لكثرة حديثه: قال أبو هريرة رضي الله عنه: "يقولون: إن أبا هريرة يُكثِر الحديث، والله المَوعِد، ويقولون: ما للمهاجرين والأنصار لا يُحدِّثون مثلَ أحاديثه؟ وإن إخوتي من المهاجرين كان يشغَلُهم الصَّفْقُ بالأسواق، وإن إخوتي من الأنصار كان يشغلهم عملُ أموالهم، وكنتُ امرَأً مسكينًا ألزم رسول الله صلى الله عليه وسلمعلى مِلءِ بطني، فأحضُر حين يغيبون، وأعي حين ينسَون، وقال النبي صلى الله عليه وسلم يومًا: ((لن يبسُطَ أحدٌ منكم ثوبَه حتى أقضيَ مقالتي هذه، ثم يجمعه إلى صدره، فينسى من مقالتي شيئًا أبدًا))، فبسطتُ نَمِرةً ليس عليَّ ثوبٌ غيرها حتى قضى النبي صلى الله عليه وسلممقالته، ثم جمعتُها إلى صدري، فوالذي بعثه بالحق ما نسيتُ من مقالته تلك إلى يومي هذا"[1]. ولم يكن الصحابة رضوان الله عليهم كلهم من سكان المدينة المنورة، والذين كانوا منها لم يكونوا متفرِّغين لسماع الحديث؛ بل كانت لهم أشغالهم الخاصة: 1- ففريقٌ منهم - وهم قليل - تفرَّغ لحمل العلم وحفظ الحديث، ولم يكن لهم دُورٌ يأوونَ إليها، ولا أهلٌ يشغلونهم؛ وإنما كانوا يقيمون في المسجد، وهم أهل الصُّفَّة[2]. يقول أبو هريرة رضي الله عنه: "وأهل الصفـة أضيـافُ الإسلام، لا يأوون على أهلٍ ولا مالٍ، ولا على أحدٍ"[3]. ولذلك حينما سأل أبو هريرة رضي الله عنه رسولَ الله صلى الله عليه وسلم قائلًا: "مَن أسعد الناس بشفاعتك يوم القيامة؟"، فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((لقد ظننتُ يا أبا هريرة أنْ لا يسألَني عن هذا الحديث أحدٌ أولُ منك؛ لِما رأيتُ من حرصك على الحديث، أسعدُ الناس بشفاعتي يوم القيامة مَن قال: لا إله إلا الله، خالصًا من قلبه، أو نفسه))[4]. وقد سبق قول أبي هريرة رضي الله عنه: "إني كنتُ امرأً مسكينًا أصحب رسول الله صلى الله عليه وسلم على مِلءِ بطني". وقال ابن عمر رضي الله عنه لأبي هريرة رضي الله عنه: "يا أبا هريرة، أنتَ كنتَ ألْزمَنا لرسول الله صلى الله عليه وسلم، وأحفَظَنا لحديثه"[5]. وقال عبدالله بن الزبير رضي الله عنه لأبيه الزبير بن العوام رضي الله عنه: إني لا أسمعك تُحدِّث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم كما يحدث فلان وفلان؟ قال: أَمَا إني لم أفارقْه؛ ولكني سمعتُه يقول صلى الله عليه وسلم: ((مَن كذب عليَّ، فليتبوَّأْ مَقعدَه من النَّار))[6]. 2- وفريقٌ منهم كان يأتيه صلى الله عليه وسلم من مكانٍ بعيد، فيعيش معه فترةً من الزمن، يتعلَّم فيها أحكامَ الدين، ثم يعود إلى أهله فيُعلِّمهم ويُفقِّههم. عن مالك بن الحويرث رضي عنه اللهقال: أتينا النبي صلى الله عليه وسلمونحن شَبَبَةٌ متقاربون، فأقمنا عنده عشرين ليلةً، فظنَّ أنَّا اشتقنا أهلَنا، وسَأَلَنا عمَّن تركنا في أهلِنا، فأخبَرْناه، وكان رفيقًا رحيمًا، فقال صلى الله عليه وسلم: ((ارجعوا إلى أهليكم، فعلِّموهم، ومُرُوهم، وصلُّوا كما رأيتموني أُصلِّي، وإذا حضرت الصلاةُ فليؤذِّنْ لكم أحدُكم، ثم ليؤمَّكم أكبرُكم))[7]. 3- فكان الواحد منهم إذا لم يستطع أن يُرافقَ النبي صلى الله عليه وسلم ليلًا ونهارًا لانشغاله بعمله، بحث عمَّن يتناوب معه في حضور مجالس النبي صلى الله عليه وسلم: يقول عمر بن الخطاب رضي الله عنه: "كنتُ أنا وجارٌ لي من الأنصار في بني أمية بن زيد - وهي من عوالي المدينة - وكنا نتناوب النُّزولَ على رسول الله صلى الله عليه وسلم؛ ينزل يومًا، وأنزل يومًا، فإذا نزلتُ جِئتُه بخبر ذلك اليوم من الوحي وغيره، وإذا نزلَ فعل مثل ذلك..."؛ الحديث[8]. وفي رواية: "كان لي صاحبٌ من الأنصار إذا غِبْتُ عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، أتاني بالخبر، وإذا غاب كنتُ أنا آتيه بالخبر"[9]. ولقد بلغ من حرص الصحابة رضوان الله عليهمعلى حضور مجلس النبي صلى الله عليه وسلموسؤاله والتعلُّم منه - أن النساء جِئْنَ إلى رسول الله صلى الله عليه وسلموقلن له: "يا رسول الله، ذهب الرجالُ بحديثك؛ فاجعل لنا من نفسك يومًا نأتيك فيه تُعلِّمنا ممَّا علَّمك الله عز وجل"،فقال صلى الله عليه وسلم: ((اجتَمِعْنَ في يوم كذا وكذا، في مكان كذا وكذا))، فاجْتَمَعْنَ، فأتاهن رسولُ الله صلى الله عليه وسلم، فعلَّمهنَّ رسول الله صلى الله عليه وسلممما علَّمه الله[10]. ولم يكن حضورُ الصحابة رضوان الله عليهممجلسَ النبي صلى الله عليه وسلممن أجل رؤيته، والتلذُّذ بحديثه فقط؛ وإنما كانوا يسمعون حديثه، ويحفظون كلامه، ويعملون به، ويُبلِّغونه مَن وراءهم من النساء والأولاد، وكانوا إذا حضروا مجلسه يعلوهم الوقارُ، وتغشاهم السَّكينة، ويُنصِتون إنصاتًا كاملًا؛ حتى لا يفوتَهم من كلامه شيء. وصف عليُّ بن أبي طالب رضي الله عنه مجلسَه صلى الله عليه وسلم فقال: "إذا تكلَّم، أطرق جلساؤه صلى الله عليه وسلم كأنما على رؤوسهم الطير، فإذا سكت تكلَّموا، لا يتنازعون عنده الحديث، ومَن تكلَّم عنده أنصتوا له حتى يفرُغ"[11]. وقال بريدة بن الحصيب رضي الله عنه: "كنَّا إذا قعدنا عند رسول الله صلى الله عليه وسلم، لم نرفع رؤوسَنا إليه إعظامًا له"[12]. وقال أسامة بن شريك رضي الله عنه: "أتيتُ رسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابُه عنده كأنَّما على رؤوسهم الطير، فسلَّمتُ وقعدت"[13]. فكانوا يحرصون على حضور مجلسهصلى الله عليه وسلم، ويُنصِتون لسماع كلامه، مع الوعي التام، ويحفظون حديثه، ويعملون به، وينقلونه لغيرهم كلامًا محفوظًا، وسلوكًا مُطبَّقًا. [1] أخرجه البخاري في صحيحه بلفظه، كتاب الحرث والمزارعة، باب ما جاء في الغرس 5/ 34، رقم: 2350 - ومسلم في صحيحه بألفاظ متقاربة، كتاب فضائل الصحابة، باب من فضائل أبي هريرة رضي الله عنه 4/ 1939، رقم: 2492. [2] الصفة: مكان مُظلَّلٌ في آخر المسجد النبوي، أُعِدَّ لنزول الغرباء من المهاجرين فيه، ممَّن لا مأوى لهم، ولا أهل؛ راجع: النهاية في غريب الحديث 3/ 35. [3] أخرجه البخاري في صحيحه، كتاب الرقاق، باب كيف كان عيش النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه وتخلِّيهم عن الدنيا 11/ 286، رقم: 6452. [4] أخرجه البخاري في صحيحه، كتاب العلم، باب الحرص على الحديث 1/ 233، رقم: 99. [5] أخرجه الترمذي في سننه بلفظه، كتاب المناقب، باب مناقب أبي هريرة رضي الله عنه 5/ 452، رقم: 3862، وقال الترمذي: هذا حديث حسن، وقال الألباني: صحيح الإسناد؛ انظر: صحيح سنن الترمذي 3/ 235، رقم: 4107، وأحمد في مسنده بنحوه 4/ 266، رقم: 4453، وقال الشيخ أحمد شاكر: إسناده صحيح، قلت: إسناده صحيح ورجاله ثقات. [6] أخرجه البخاري في صحيحه، كتاب العلم، باب إثم مَن كذب على النبي صلى الله عليه وسلم 1/ 242، رقم: 107. [7] أخرجه البخاري في صحيحه بلفظه، كتاب الأدب، باب رحمة الناس والبهائم 10/ 452، رقم: 6008 - ومسلم في صحيحه بألفاظ متقاربة، كتاب المساجد ومواضع الصلاة، باب مَن أحق بالإمامة؟ 1/ 465، رقم: 674. [8] أخرجه البخاري في صحيحه بلفظه، كتاب العلم، باب التناوب في العلم 1/ 223، رقم: 89 - ومسلم في صحيحه بألفاظ متقاربة، كتاب العلم، باب في الإيلاء واعتزال النساء وتخييرهن 2/ 1112، رقم: 1479. [9] أخرجه البخاري في صحيحه، كتاب التفسير، باب ﴿ تَبْتَغِي مَرْضَاتَ أَزْوَاجِكَ ﴾ [التحريم: 1] ﴿ قَدْ فَرَضَ اللَّهُ لَكُمْ تَحِلَّةَ أَيْمَانِكُمْ ﴾ [التحريم: 2]، 8/ 525، رقم: 4913 - ومسلم في صحيحه، كتاب العلم، باب في الإيلاء واعتزال النساء وتخييرهن 2/ 1108، رقم: 1479؛ كلاهما بلفظه. [10] أخرجه البخاري في صحيحه، كتاب الاعتصام بالكتاب والسنة، باب تعليم النبي صلى الله عليه وسلم أمَّتَه من الرجال والنساء مما علَّمه الله ليس برأي ولا تمثيل 13/ 305، رقم: 7310. [11] أخرجه الترمذي في الشمائل المحمدية والخصائل المصطفوية، المطبوع في نهاية سننه 5/ 569، رقم: 350، قلت: إسناده ضعيف فيه جميع بن عمير العجلي ضعيف، تقريب التهذيب 1/ 92، رقم: 1009، وفيه أيضًا أبو عبدالله التميمي من ولد أبي هالة، وهو مجهول 2/ 740، رقم: 8487. [12] أخرجه الحاكم في المستدرك، كتاب العلم 1/ 121، وقال: صحيح على شرط الشيخين ولا أحفظ له علة ولم يُخرجاه، ووافقه الذهبي، قلت: إسناده صحيح ورجاله ثقات. [13] أخرجه الحاكم في المستدرك، كتاب العلم 1/ 121 وقال: صحيح ولم يخرجاه، وقال الذهبي: صحيح، قلت: إسناده صحيح ورجاله ثقات.
__________________
|
الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1) | |
|
|
|
Powered by vBulletin V3.8.5. Copyright © 2005 - 2013, By Ali Madkour |