|
ملتقى السيرة النبوية وعلوم الحديث ملتقى يختص في سيرة الرسول صلى الله عليه وسلم وعلوم الحديث وفقهه |
|
أدوات الموضوع | انواع عرض الموضوع |
#1
|
||||
|
||||
![]() الحديث العالي والنازل إبراهيم مزوز مقدمة: الحمد لله ربِّ العالمين، والصلاة والسلام على أشرف المرسلين، سيدنا محمد وعلى آله وأصحابه أجمعين، ومَن تَبِعهم بإحسانٍ إلى يوم الدين. أما بعد، فإن علمَ مصطلح الحديث من أهمِّ العلوم الشرعية؛ إذ به يُعرَف صحيح الحديث من سقيمه، وبه يُعصم المصدر الثاني من مصادر التشريع من الشوائبِ والمختلقات، وهو الحبل المتين المُوصل إلى الفقه الإسلامي، الذي يسير على ضوئه الإنسان فردًا وجماعات في هذه الحياة؛ لينال الثواب الجزيل في الدار الآخرة. وهذا بحث وجيزٌ في لقب من ألقاب هذا العلم الشريف؛ وهو: الحديث العالي والنازل من حيث إسنادُه، ولِمَا بين هذين القسمين من الترابط المتين جعلهما أكثر علماءِ هذا الفن قسمًا واحدًا. وقد تناولت هذا العرض من خلال المطالب التالية: • المقدمة. • التمهيد. • التعريف. • أهمية العلو. • هل العلو أفضل أم النزول؟ • أقسام الحديث العالي. • أقسام الحديث النازل. • أشهر المصنفات فيهما. • الخاتمة. • المصادر. ♦ تمهيد: لما كان الإسنادُ من خصائص هذه الأمَّة - لأنه ليست هناك أمة من الأمم يمكنها أن تسندَ عن نبيِّها إسنادًا متصلًا غير هذه الأمة - جاء الترغيب في طلب الإسناد العالي، قال الإمام أحمد بن حنبل: "الإسناد سُنة عمن سلف"، وقيل ليحيى بن معين في مرض موته: ما تشتهي؟ قال: "بيت خالٍ، وإسناد عالٍ". ولهذا تداعت رغبات كثير من الأئمة النقَّاد، والجهابذة الحفاظ، إلى الرحلة إلى أقطاب البلاد؛ طلبًا لعلو الإسناد، وإن كان قد منع من جواز الرحلة بعض الجهلة من العباد[1]. ولما كان الحديث يتركَّب من السند والمتن، صحَّ أن يوصف في بعض الأحيان بوصفٍ يتعلق بالسند، وفي بعضها بوصفٍ يتعلق بالمتن، والحديث العالي والنازل من الأول، وفي هذا العرض سنتعرض لدراسة الحديث العالي والنازل من جوانب عديدة في المطالب الآتية: ♦ التعريف: لكلٍّ من العالي والنازل تعريف لغويٌّ واصطلاحي، نذكرهما فيما يلي: • العالي لغة: الشيء المرتفع على غيره. • واصطلاحًا: هو الحديث الذي قلَّ عددُ رواته، مع سلامته من الضعف، فيقرب رجال سنده من الرسول، أو من إمام من أئمة الحديث. • النازل لغة: الشيء السَّافل الذي تحت غيره. • واصطلاحًا: هو الحديث الذي كثُر رجال إسناده بالنسبة إلى غيره. ومنهم من عرَّف العالي بأنه: الحديث الذي قلَّت الوسائط في سنده، أو قدُم سماع روايته وزمانه[2]. ♦ أهمية العلو: لعلو السند عند علماء الحديث أهمية بالغةٌ، فقد رُوي عن أحمد بن حنبل كما تقدم أنه قال: "طلب الإسناد العالي سنةٌ عمن سلف"، وروي عن محمد بن أسلم الطوسي قال: قرب الإسناد قُربٌ، أو قربةٌ إلى الله عز وجل[3]. وقال الحاكم: وفي طلب الإسناد العالي سُنَّة صحيحة، وهو حديث أنس في مجيء الأعرابي، وقوله: يا محمد، أتانا رسولُك، فزعم أنك تزعم أن الله أرسلَك؟ قال: ((صدق))، قال: فمن خلق السماء؟ قال: ((الله))، قال: فمن جعل فيها هذه المنافعَ؟ قال: ((الله))، قال: فبالذي خلق السماءَ والأرض، ونصب الجبال، وجعل فيها هذه المنافع، آللهُ أرسلك؟ قال: ((نعم))، قال: وزعم رسولُك أن علينا خمسَ صلوات في يومنا وليلتنا؟ قال: ((صدق))، قال: فبالذي أرسلك آللهُ أمرك بهذا؟ قال: ((نعم))، قال: وزعم رسولُك أن علينا صدقةً في أموالنا؟ قال: ((صدق))، قال: فبالذي أرسلك آللهُ أمرك بهذا؟ قال: ((نعم))، قال: وزعم رسولك أن علينا صومَ شهر في سنتنا؟ قال: ((صدق))، قال: فبالذي أرسلك آللهُ أمرك بهذا؟ قال: ((نعم))، قال: وزعم رسولك أن علينا حجَّ البيت من استطاع إليه سبيلًا؟ قال: ((صدق))، قال: فبالذي أرسلك آلله أمرك بهذا؟ قال: ((نعم))، قال: والذي بعثك بالحق، لا أزيد عليهنَّ ولا أنقص منهن، فلما مضى قال: ((لئن صدق ليدخلَنَّ الجنة))[4]، والأعرابي هو: ضمام بن ثعلبة. قال الحاكم: ولو كان طلبُ العلو في الإسناد غير مستحب، لأنكر عليه سؤالَه عما أخبره رسوله عنه، ولأمره بالاقتصار على ما أخبره الرسول عنه[5]. ♦ هل العلو أفضلُ أم النزول؟ لم يحكِ الحاكم خلافًا في تفضيل العلو، وحكاه ابن خلَّاد، ثم الخطيب، وتفصيل المسألة كالتالي: • العلو أفضلُ من النزول على الصحيح الذي قاله الجمهور؛ لأنه يُبعدُ كثرةَ احتمال الخَلَل في الحديث، والنزول مرغوبٌ عنه، قال ابن المديني: النزول شؤم، وهذا إذا تساوى الإسناد في القوة[6]. • النزول في الإسناد أفضلُ، وحُكِي هذا عن بعض أهل النظر؛ لأنه يوجب على الراوي أن يجتهد في متن الحديث، وتأويله، وفي الناقل وتعديلِه، وكلما زاد الاجتهاد زاد صاحبه ثوابًا، وهذا مذهب مَن يزعم أن الخبر أقوى من القياس، وهو مذهب ضعيف الحجة؛ لأن كثرة المشقة ليست مطلوبة لنفسها[7]. • تفضيل ما صحَّ منهما، قال ابن المبارك: ليست جودة الحديث قربَ الإسناد، بل جودة الحديث صحةُ الرجال، فالأصل: الأخذ عن العلماء، فنزولهم أولى من العلو عن الجهلة، على مذهب المحقِّقين من النَّقلَة، والنازل حينئذٍ هو العالي في المعنى عند النظر والتحقيق. فالحديث العالي عند المحققين: ما صحَّ عن رسول الله، وإن بلغت رواته مائة[8]. ولله در من قال: ليس حسنُ الحديث قربَ رجالٍ ![]() عند أربابِ علمه النُّقَّادِ ![]() بل علوُّ الحديث بين أولي الحف ![]() ظِ والإتقان صحةُ الإسنادِ ![]() وإذا ما تجمَّعا في حديث ![]() فاغتنمه فذاك أقصى المرادِ[9] ![]() قال العراقي: وطلبُ العلو سنةٌ وقدْ ♦♦♦ فضَّل بعضٌ النزولَ وهْو رَدّْ إلى أن قال: وحيث ذُمَّ فهْو ما لم يُجبَرِ ♦♦♦ والصحةُ العلوُّ عند النظرِ[10] ♦ أقسام الحديث العالي: قسَّم علماء الحديث العلو في الإسناد إلى خمسة أقسام، ومنهم: أبو الفضل محمد بن طاهر في جزء له، أفرده لذلك، وتبعه ابن الصلاح على كونها خمسة أقسام، وإن اختلف كلامهما في ماهيَّة بعض الأقسام، كما سيأتي، وفيما يلي بيان هذه الأقسام: • القسم الأول: القربُ من رسول الله صلى الله عليه وسلم، من حيث العدد بإسناد نظيف غير ضعيف. فأما إذا كان قربُ الإسناد مع ضعف بعض الرواة، فلا التفاتَ إلى هذا العلوِّ، لا سيما إن كان فيه بعضُ الكذَّابين المتأخِّرين ممن ادَّعى سماعًا من الصحابة؛ كإبراهيم بن هدبة، ودينار بن عبدالله، وخِراش، ونعيم بن سالم، ويعلى بن الأشدق، وأبي الدنيا الأشج، ونحوهم[11]. قال العراقي في الألفية: وقسَّموه خمسةً فالأولُ ![]() قربٌ من الرسول وهْو الأفضلُ ![]() إن صح الاسناد... ![]() ........................[12] ![]() وهذا القسم الأول هو أفضلُ أنواع العلوِّ وأجلُّها، بشرط أن يكون صحيحًا، ويُسمَّى بالعلو المطلق، والعلو في الأقسام الباقية نسبيٌّ. • مثاله: أحمد عن إسماعيل عن عبدالعزيز عن أنس رضي الله عنه مرفوعًا، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((إذا دعا أحدُكم فليعزم الدعاءَ، ولا يقل: اللهم إن شئت فأعطني؛ فإن الله لا مستكرهَ له))؛ متفق عليه. • القسم الثاني من أقسام العلو: القربُ إلى إمام من أئمة الحديث ذي صفة عالية؛ كالحفظ والضبط؛ كالأعمش، وهشيم، وابن جريج، والأوزاعي، ومالك، وسفيان، وشعبة، وزهير، وحماد بن زيد، وإسماعيل بن عُليَّة، وغيرهم من أئمة الحديث. وكلام الحاكم يشير إلى ترجيح هذا القسم على غيره، وأنه المقصودُ من العلو، وإنما يوصف بالعلو إذا صحَّ الإسناد إلى ذلك الإمام بالعدد اليسير، كما صرَّح به الحاكم، وهو كذلك، كما مرَّ في القسم الأول. • مثالُه: قال البخاريُّ: ثنا إسماعيل، قال: حدثني مالك عن ابن شهاب عن حميد بن عبدالرحمن عن أبي هريرة مرفوعًا: ((مَن قام رمضان إيمانًا واحتسابًا، غُفِر له ما تقدَّم من ذنبه))[13]. قال العراقي في الألفية: ............ وقسمُ القرب ♦♦♦ إلى إمام...........[14] • القسم الثالث: العلوُّ بالقرب إلى كتاب من كتب الحديث المعتمدة؛ كالصحيحين، والسنن، ومسند أحمد، ونحوها، وسمَّى ابن دقيق العيد هذا القسم بـ"علو تنزيل"، وهو على أربعة أنواع: • الموافقة: وهي الوصولُ إلى شيخ أحدِ المصنفين؛ كالبخاري ومسلم مثلًا، عبر طريقه بعددٍ أقلَّ مما لو روى من طريق عنه[15]. • مثاله: 1- حديث رواه البخاري عن محمد بن عبدالله الأنصاري عن حميد عن أنس مرفوعًا: ((كتاب الله القصاص))، قال العراقي: فإذا رواه الراوي من جزء الأنصاري، تقع موافقة البخاري في شيخه. 2- قال الحافظ ابن حجر في "نزهة النظر": روى البخاري عن قتيبة عن مالك حديثًا، فلو رويناه من طريقه كان بيننا وبين قتيبة ثمانية، ولو روينا ذلك الحديثَ بعينه من طريق أبي العباس السراج عن قتيبة - مثلًا - لكان بيننا وبين قتيبة سبعةٌ، فقد حصلت لنا الموافقة في البخاري في شيخه بعينه مع علو الإسنادِ على الإسناد إليه. • البدل: هو الوصولُ إلى شيخِ شيخِ أحد المصنفين مثل شيخه بعدد أقلَّ مما لو روى عن طريقه؛ أي: مع علوٍّ بدرجة فأكثر. • مثاله: قال الحافظ ابن حجر: كأن يقعَ لنا ذلك الإسناد - (يقصد المثال الثاني للموافقة) - بعينه من طريق أخرى إلى القَعْنبي عن مالك؛ فيكون القعنبي بدلًا فيه من قتيبة. يتبع
__________________
|
الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1) | |
|
|
|
Powered by vBulletin V3.8.5. Copyright © 2005 - 2013, By Ali Madkour |