|
ملتقى الشباب المسلم ملتقى يهتم بقضايا الشباب اليومية ومشاكلهم الحياتية والاجتماعية |
|
أدوات الموضوع | انواع عرض الموضوع |
#1
|
||||
|
||||
![]() ركائز العمل المؤسساتي في الإسلام: التجرد عبدالستار المرسومي سلسلة ركائز العمل المؤسساتي في الإسلام سابعًا: التجرد نتيجة للصِّراع المادِّي الكبير في هذا الزمان، أصبح من الصعب على معظم الناس التجرُّد عن متطلبات الدنيا والزُّهد فيها، وأحد أهمِّ أسباب ذلك هو أنَّ كماليات الدنيا وبهرجتها وماديَّاتها أصبحَت معيارًا لتقويم الناس وتسكينهم في مقاماتهم الاجتماعية؛ فصاحِبُ المال محترَم وإن كان جاهلاً فظًّا غليظًا، وقليلُ المال منبوذٌ محتقر مدفوع بالأبواب وإن كان عالمًا فاضلاً، ومن هنا أصبح مؤشر البوصلة يشير إلى الاتجاه الخطأ؛ لأنَّ القيم الحقيقيَّة فُقدَت، وصار التقويم عكسيًّا. والصحيح الذي يَجب أن يسود هو أنَّ المعيار الحقيقي ذلك الذي ينوء بالبشر عن ملذَّات الدنيا والمبالَغة فيها، وهو ما أثبته نبيُّ الرحمة والخير رسولُ الله محمد صلى الله عليه وسلم، فعن سهل بن سعد الساعدي رضي الله عنه، قال: أتى النبيَّ صلى الله عليه وسلم رجلٌ، فقال: يا رسول الله، دلَّني على عمل إذا أنا عملتُه أحَبَّني الله وأحبني الناس؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((ازهد في الدنيا يحبك الله، وازهد فيما في أيدي الناس يحبك الناس))[1]، يقول أبو تمام: يَصُدُّ عن الدنيا إذا عَنَّ سُؤدُدٌ ![]() ولو بَرَزَتْ في زِيِّ عَذراءَ ناهِدِ ![]() إذا المَرءُ لم يزهَد وقَد صُبِغَت له ![]() بعُصفُرِها الدنيا فَلَيسَ بزاهِدِ ![]() والزُّهد الحقيقيُّ ليس زهد المظاهر؛ إنَّما هو زهد الأفعال، وإخراج أمور الدُّنيا الماديَّة من القلب وليس من اليد فحَسب، وعلى هذا الأساس تكون العلاقة (متجردة)؛ ولهذا يقول عبدالله بن عمر رضي الله عنهما: "لقد أتى علينا زمانٌ - أو قال: حينٌ - وما أحد أحق بديناره ودرهمه من أخيه المسلِم"، ثمَّ الآن الدينار والدرهم أحبُّ إلى أحدنا من أخيه المسلم، سمعتُ النبيَّ صلى الله عليه وسلم يقول: ((كم من جارٍ متعلِّق بجاره يوم القيامة يقول: يا رب، هذا أغلَق بابَه دوني فمنَع معروفَه))[2]. فإذا هذا قد حدَث في زمان الصَّحابة، فكيف بنا نحن اليوم؟! وبهذا الفهم الدَّقيق في معنى (الزهد في العلاقة) جاءَت تصرُّفات الصحابة رضي الله عنهم، فقد تصرَّف سعد بن الرَّبيع رضي الله عنه تصرُّفًا يدلُّ على وعيٍ تام تجاه أخيه المسلم، وجاءَت الشَّهادة من أخٍ له في الله جلَّ جلاله، هو عبدالرحمن بن عوف رضي الله عنه؛ قال عبدالرحمن بن عوف رضي الله عنه: "لمَّا قدِمنا المدينة آخَى رسولُ الله صلى الله عليه وسلم بيني وبين سعد بن الرَّبيع، فقال سعد بن الربيع: إنِّي أكثر الأنصار مالاً، فأقسم لك نصفَ مالي، وانظر أي زوجَتَيَّ هَوِيتَ نزلت لك عنها، فإذا حلَّت، تزوجتَها، قال: فقال له عبدالرحمن: لا حاجة لي في ذلك، هل من سوقٍ فيه تجارة؟"[3]. وحتى يُفهم الزُّهد في الدنيا على نحوٍ صحيح؛ يَنبغي أن نثبت الحقائق الآتية: الإعلان وبوضوح على أنَّ الهدف من العلاقة (ليس ماديًّا)، وقد لا يترتَّب عن العلاقة مكاسبُ ماديَّة، ولكنَّها قد تأتي بمكاسب معنويَّة، وهو أمر يَشوب العلاقةَ كما يشوبها التكسُّب المادِّي وبنفس القدر، وهو ما كان يعلن عنه رسولُ الله محمد صلى الله عليه وسلم بنفسه، فيقول أنس بن مالك رضي الله عنه: أتَت امرأةٌ النبي صلى الله عليه وسلم تَشكو إليه الحاجة، أو بعض الحاجة، فقال: ((ألا أدلك على خيرٍ من ذلك؟ تهلِّلين الله ثلاثًا وثلاثين عند منامك، وتسبِّحين ثلاثًا وثلاثين، وتحمدين أربعًا وثلاثين، فتِلك مائة، خيرٌ من الدنيا وما فيها))[4]، فالنبيُّ يوجِّه بوصلة المرأة لأن تكون العلاقة سواء مع الله جلَّ جلاله أو مع رسول الله محمد صلى الله عليه وسلم، علاقة روحيَّة غير ماديَّة، ربَّما تأتي المكافأة فيما بعد، ولكن الأصل أن تكون العلاقةُ في الله جلَّ جلاله، ومن هذا الفهم الرَّاقي كان دأب الصالحين، وشعار المتَّقين، فمِن زهد الإمام العز بن عبدالسلام[5] وورعِه رحمه الله أنَّه حين دخل على الملك الأشرف وهو في مرضه الذي مات فيه، نصحَه نصيحةَ مؤتمَن، وقد امتثل الملكُ لأمر سلطان العلماء العز بن عبدالسلام رحمه الله، فقبل النُّصحَ وعمل به، فأمر الملِك له بألف دينار مصريَّة، فردها الشيخ عليه ولم يقبلها وقال: "هذه اجتماعة لله، لا أكدِّرها بشيء من الدنيا، وودَّع الشيخ السلطان ومضى"[6]. وقصة العز بن عبدالسلام معروفة يوم خرج من مصر وكان شيخًا قد عتا، كان كل متاعه حمل حمار لا غير، وهو سلطان العلماء وقتها، يقول الشاعر: وَرُبَّ أَخٍ أصفى لك الدَهرَ ودَّه ![]() ولا أمُّهُ أَدلَتْ إِلَيك ولا الأَبُ ![]() فَعاشِرْ ذَوي الأَلباب واهجُرْ سِواهمُ ![]() فَلَيس بأرباب الجَهالةِ مجنبُ ![]() الاستعداد للبذل: لا يكون الزهد حقيقيًّا حتى يكون معه البَذل ومن غير تردُّد؛ فالبذل هو الفاصل والحكم بين البخل والزُّهد، فيحدِّث أحد أصحاب الإمام الليث بن سعد رحمه الله، فيقول: "كنتُ عند الليث بن سعد يومًا جالسًا فأتَته امرأة ومعها قدح فقالت: يا أبا الحارث، إنَّ زوجي يَشتكي وقد نُعت له العسل، فقال: اذهبي إلى أبي قسيمة، فقولي له يعطيك مطرًا من عسل، فذهبَت فلم ألبث أن جاء أبو قسيمة فسارَّه بشيء لا أدري ما قال له، فرفع رأسَه إليه فقال: اذهب فأعطها مطرًا، إنَّها سألت بقدرها، وأعطيناها بقدرنا"[7]، (والمطر: الفرق، والفرق عشرون ومائة رطل)، يقول أبو العتاهية: إذا المرء لم يعتق من المال نفسَهُ ![]() تملَّكه المالُ الذي هو مالكُهْ ![]() ألَا إنَّما مالي الذي أنا منفقٌ ![]() وليس ليَ المالُ الذي أنا تاركُه ![]() إذا كنتَ ذا مالٍ فبادرْ به الذي ![]() يحق وإلاَّ استهلكَتْه مهالكُه ![]() ومِن بَذل اللَّيث بن سعد رحمه الله أنه "كان يَصلُ مالكًا بمائة دينارٍ في السَّنة، فكتب مالكٌ إليه: عليَّ دَينٌ، فبعث إليه بخمسمائة دينارٍ، وكان ابن وهبٍ يقولُ: كتب مالكٌ إلى اللَّيث: إنِّي أريدُ أن أُدخل بنتي على زوجها، فأُحبُّ أن تَبعث لي بشيءٍ من عُصفُرٍ، فبعث إليه بثلاثين حملاً عُصفُرًا، فباع منه بخمسمائة دينارٍ، وبقي عنده فضلةٌ، قال أبو داود: قال قُتيبةُ: كان اللَّيثُ يستغلُّ عشرين ألف دينارٍ في كُلِّ سنةٍ، وقال: ما وجبَت عليَّ زكاةٌ قطُّ"[8]. تسمية الاحتياجات الماديَّة للحياة: وحين نتكلَّم عن الزُّهد، فلا يعني أنَّنا نتكلَّم عن تجريد الإنسان من كلِّ متطلبات الحياة الأساسيَّة للعيش الكريم، بل لا بدَّ من توفيرها؛ فهي التي تجعل منه إنسانًا (منتجًا)، لا عالَة على غيره. لقد حرَصَت الشريعةُ الإسلاميَّة على توفير مستلزمات أساسيَّة يحتاجها الفرد في حياته، فقد قال رسولُ الله محمد صلى الله عليه وسلم: ((من كان لنا عاملاً، فليكتسب زَوجة، فإن لم يكن له خادم، فليكتسِب خادمًا، ومن لم يكن له مَسكن، فليكتسب مسكنًا))، قال أبو بكر - يعني المعافى -: أُخبرتُ أنَّ النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((من اتَّخذ غير ذلك، فهو غالٌّ أو سارق))[9]. فنجد في هذا الحديث واجبات واضِحة على من يتبنَّى أيَّ نوع من العلاقات، فعليه أن يَسعى جادًّا لتوفير هذه المستلزمات لنفسه ثمَّ للآخرين، كحاجة حقيقية من احتياجات الحياة، ويَدخل في هذا الموضوع من يشغِّل النَّاس في مشاريع أو مؤسسات تعود إليه، فليس القصد من عمل الناس أن يُذَلُّوا أو أن يكونوا في حالة فقر وحاجة لضمان ولائهم، إنَّ من يعمل بهذا المبدأ فكأنَّه يطبِّق القاعدة البشعة في التعامل مع الآخرين بقولهم: (جوِّع كلبَك يتبعك)، وهي قاعدة الظالمين والفاسقين. النَّظرة الصحيحة للحياة؛ فإنَّ الحياة ليسَت حلبَة للتقاتل بين الناس من أجل مصالح ماديَّة فانية، ولا هي ساحَة للحرب بينهم، فيَقتل أحدُهم الآخر، ولا هي مسرحًا كبيرًا للتهريج والتمثيل والتزوير كما وصفها أحدُ دعاتها؛ وإنَّما هي فرصة للعبور لِما هو أعظم منها، وهي فسحة زمنيَّة لتقديم ما يمكن من الخير ليوم الامتحان الحقيقي، يقول ابن القيم رحمه الله: (ولا يستقيم الزُّهد في الدنيا إلا بعد نظرين صحيحين؛ نظر في الدنيا وسرعة زوالها وفنائها واضمحلالها ونقصِها وخسَّتها، وألَم المزاحمة عليها والحرص عليها، وما في ذلك من الغصص والنغص والإنكاد، وآخر ذلك الزَّوال والانقطاع، مع ما يعقب من الحسرة والأسف، فطالِبُها لا ينفكُّ من همٍّ قبل حصولها، وهمٍّ حال الظَّفر بها، وغمٍّ وحزن بعد فواتها؛ فهذا أحد النَّظرين. يتبع
__________________
|
الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1) | |
|
|
|
Powered by vBulletin V3.8.5. Copyright © 2005 - 2013, By Ali Madkour |