مرض السكري والصوم - ملتقى الشفاء الإسلامي

 

اخر عشرة مواضيع :         شرح سنن أبي داود للعباد (عبد المحسن العباد) متجدد إن شاء الله (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 730 - عددالزوار : 201970 )           »          تحت العشرين (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 112 - عددالزوار : 53014 )           »          فضل الصلاة على النبي – صلى الله عليه وسلم – (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 16 )           »          تمكين الصغار من مس المصحف والقراءة منه (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 12 )           »          فضل صلاة الضحى (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 13 )           »          «عون الرحمن في تفسير القرآن» ------متجدد إن شاء الله (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 468 - عددالزوار : 147717 )           »          وما خرفة الجنة؟ (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 14 )           »          تحريم صرف الخشية لغير الله تعالى (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 12 )           »          أوقات إجابة الدعاء والذين يستجاب دعاؤهم (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 9 )           »          وما المفردون؟ (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 10 )           »         

العودة   ملتقى الشفاء الإسلامي > ملتقى اخبار الشفاء والحدث والموضوعات المميزة > رمضانيات
التسجيل التعليمـــات التقويم

رمضانيات ملف خاص بشهر رمضان المبارك / كيف نستعد / احكام / مسابقات

 
 
أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
Prev المشاركة السابقة   المشاركة التالية Next
  #1  
قديم 30-01-2020, 02:19 AM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم غير متصل
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 155,741
الدولة : Egypt
افتراضي مرض السكري والصوم

مرض السكري والصوم
الشيخ محمد المختار السلامي



بسم الله الرحمن الرحيم اللهم صل أفضل صلاة وأزكاها وأتمها وأرقاها على إمامنا وشفيعنا وقائدنا ونبينا سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم تسليما مباركا فيه كما يرضيك ويرضيه وترضى به عنا يا رب العالمين.
مرض السكري والصوم
عرض علي سعادة الأمين العام للمجمع الدولي للفقه الإسلامي أن أدرس هذا الموضوع. وقد حدد كتاب الدعوة المحاور فيما يلي:
المحور الأول: بيان الحالات المختلفة للمرض، وأثر الصوم في زيادة المضاعفات أو الخطر على المريض. مع بيان حكم الصوم في تلك الحالات في إطار الآيات القرآنية والأحاديث النبوية الواردة في هذا الشأن,
ومدى اختلاف هذا الحكم حسب نوع الصوم، والحالة العمرية للمريض ( كبار السن ) وحال الحمل بالنسبة للمرأة.
المحور الثاني: الشروط الواجب توفرها في الطبيب المعالج في هذه الحالة, ومتى يكون قراره معتبرا من الناحية الطبية والشرعية، مع بيان الحكم الشرعي في حالة عدم التزام الطبيب بحكم الشرع، وحالة عدم التزام المريض بقرار الطبيب بالترخيص الشرعي. أو عكسه.
المحور الثالث:حكم إعادة الصوم بالنسبة للمريض من خلال تغير حالة المريض من الخطورة وعدمها.
___
أقول مستعينا بالله سائلا من كريم فضله أن يلهمني الصواب ويحمي مسيرتي من الخطأ والزلل إنه سميع مجيب.
هل السكري مرض ؟
اتفق الأطباء على أن السكري مرض ذو أطوار تختلف مستوياته اختلافا بينا وكذلك مضاعفاته التي تؤثر على كثير من الأجهزة تأثيرا ربما يصل إلى تخريبها، وقد تُعرِض المصاب إلى أخطار متنوعة قد تهدد بقاءه.
ولذا فإنا نتعامل مع السكري باعتباره مرضا لصاحبه أحكام المريض.
ما حكم صوم المريض ؟
الآيات التي فرضت على المؤمنين صيام شهر رمضان قارنة ذلك بتفصيل بعض أحكامه هي قوله تعالى: }يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِن قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ _ أَيَّامًا مَّعْدُودَاتٍ فَمَن كَانَ مِنكُم مَّرِيضًا أَوْ عَلَى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِّنْ أَيَّامٍ أُخَرَ وَعَلَى الَّذِينَ يُطِيقُونَهُ فِدْيَةٌ طَعَامُ مِسْكِينٍ فَمَن تَطَوَّعَ خَيْرًا فَهُوَ خَيْرٌ لَّهُ وَأَن تَصُومُواْ خَيْرٌ لَّكُمْ إِن كُنتُمْ تَعْلَمُونَ _ شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِيَ أُنزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ هُدًى لِّلنَّاسِ وَبَيِّنَاتٍ مِّنَ الْهُدَى وَالْفُرْقَانِ فَمَن شَهِدَ مِنكُمُ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ وَمَن كَانَ مَرِيضًا أَوْ عَلَى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِّنْ أَيَّامٍ أُخَرَ يُرِيدُ اللّهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَلاَ يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ وَلِتُكْمِلُواْ الْعِدَّةَ وَلِتُكَبِّرُواْ اللّهَ عَلَى مَا هَدَاكُمْ وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ {[1].
افتتحت الآية بفرض الصيام على جميع المؤمنين. وثنت بأن من كان مريضا أو مسافرا أفطر وقضى الأيام التي أفطر فيها.
والمرض ليس على مرتبة سواء: فحده الأدنى أن لا يتأثر الصائم به إذا قام بأداء الواجب معه. وحده الأعلى أن يعرض الصائم نفسه إلى الخطر إن هو صام. وبينهما مراتب. ولفظ المرض يقال بالتشكيك على جميعها.
وقد اختلف السلف في المرض المبيح للفطر، فنقل الطبري بسنده عن طريف ابن تمام العطاردي أنه دخل على ابن سيرين في رمضان وهو يأكل فلم يسأله، فلما فرغ قال:إنه وجعت إصبعي هذه.
ونقل عن آخرين: أنه المرض الذي ينهك الصائم ويضعف قواه.وقد جعل الحسن البصري أمارة ذلك، أنه لا يستطيع أن يصلي قائما.فإذا بلغ المرض بالصائم هذا المستوى من التأثير فإنه يباح له الفطر. ومثله عن إبراهيم النخعي. وجعل بعضهم أمارة المرض المبيح للفطر أن يكون الأغلب من أمر صاحبه أن تزداد علته زيادة غير محتملة، وهو ما رواه الربيع عن الشافعي.
يعلق الطبري على ذلك بقوله: والصواب من القول في ذلك عندنا: أن المرض الذي أذن الله تعالى ذِكرُهُ بالإفطار معه في شهر رمضان، من كان الصوم جاهدَه جهدا غير محتمل. فكل من كان كذلك فله الإفطار وقضاء عدة من أيام أخر. وذلك أنه إذا بلغ ذلك الأمر، فإن لم يكن مأذونا له في الإفطار فقد كلف عسرا، ومنع يسرا. وذلك غير الذي أخبر الله أنه أراده بخلقه {يريد الله بكم اليسر ولا يريد بكم العسر}
وأما من كان الصوم غير جاهدِه، فهو بمعنى الصحيح الذي يطيق الصوم، فعليه أداء فرضه[2].
واستمر الخلاف بين المفسرين إلى عصرنا هذا.
ذهب القرطبي في تفسيره إلى ترجيح الإذن في الفطر بأقل ما ينطلق عليه اسم المرض. يقول: قول ابن سيرين أعدل شيء في هذا الباب إن شاء الله تعالى.قال البخاري: اعتللت بنيسابور علة خفيفة وذلك في شهر رمضان، فعادني إسحاق بن راهويه في نفر من أصحابه فقال لي: أفطرت يا أبا عبد الله ؟ فقلت: نعم.فقال: خشيت أن تضعف عن قبول الرخصة. قال:حدثنا عبدان عن ابن المبارك عن ابن جريج، قال قلت لعطاء: من أي المرض أفطر ؟ قال: من أي مرض كان، كما قال الله تعالى {فمن كان منكم مريضا} قال البخاري: وهذا الحديث لم يكن عند إسحاق[3].
واعتمد قول ابن سيرين سيد قطب إذ يقول: وظاهر النص في المرض والسفر يطلق ولا يحدد. فأي مرض وأي سفر يسوغ الفطر على أن يقضي المريض حين يصح والمسافر حين يقيم. وهذا هو الأولى في فهم هذا النص القرآني المطلق، والأقرب إلى المفهوم الإسلامي في رفع الحرج ومنع الضرر. فليست شدة المرض ولا مشقة السفر هي التي يتعلق بها الحكم، إنما هي المرض والسفر إطلاقا لإرادة اليسر بالناس لا العسر.ونحن لا ندري حكمة الله كلها في تعليقه بمطلق المرض ومطلق السفر.... وما دام الله لم يكشف عن علة الحكم فنحن لا نتأولها، ولكن نطيع النصوص ولو خفيت علينا حكمتها، فوراءها قطعا حكمة، وليس من الضروري أن نكون نحن ندركها..... وقد يكون وراء الرخصة في موضع من المصلحة ما لا يتحقق بدونها. بل لابد أن يكون الأمر كذلك. ومن ثم أمر رسول الله - صلى الله عليه وسلم – أن يأخذ المسلمون برخص الله التي رخصها لهم[4].
وكما ذكر الإمام الطبري هناك اتجاهان: الاتجاه السيريني الذي يرجح الأخذ بالرخصة إذا وجد ما يطلق عليه مرض أثر في الصائم أو لم يؤثر.
وملحظ هؤلاء أن الله أمر بالصوم فعلى المؤمن أن يذعن لأمر ربه ويقوم بالواجب، ورخص للمريض أن يفطر رحمة منه وتوسعة، فمن سوء الأدب مع الله أن يعرض المؤمن عما تفضل به عليه ربه من التيسير, ليظهر بمظهر القوي المستغني عن الألطاف الإلهية.
كما يبدو لي من ناحية ثانية: أن الله جمع بين السفر والمرض، والمسافر أذن له في الفطر بإجماع العلماء سواء أصحب سفره مشقة أم لا. وشأن المتناسقين في الذكر أن يستويا في الحكم. وقد قال الفقهاء: إن السفر من باب التعليل بالمظنة، مؤكدين أن حصول انتفاء المشقة لا يرفع حكم الترخص.فملاحظة هذا الجانب تُرجح عندهم أيضا الفطر بأدنى مرض.
الاتجاه الثاني: هو أنه ينظر في مناسبة المشقة للتخفيف. وأن المرض يبيح الفطر إذا كان الصوم معه يجعل الصائم في حرج زائد عن أصل المشقة الحاصلة مع العبادة. وهذا هو اتجاه الطبري كما قدمناه عنه وهو ما يرجحه معظم المفسرين. يقول ابن كثير: معناه ومن كان به مرض في بدنه يشق عليه الصيام معه أو يؤذيه..... فله أن يفطر فإذا أفطر فعليه عدة ما أفطره من الأيام، ولهذا قال (يريد الله بكم اليسر ولا يريد بكم العسر )أي إنما رخص لكم في الفطر في حال المرض وفي السفر مع تحتمه في حق المقيم والصحيح تيسيرا عليكم ورحمة([5]).
ويقول الشيخ محمد الطاهر ابن عاشور: وقد اختلف الفقهاء في تحديد المرض الموجب للفطر, فأما المرض الغالي الذي لا يستطيع المريض معه الصوم بحال بحيث يخشى الهلاك فلا خلاف بينهم في أنه مبيح للفطر، بل يوجب الفطر. وأما المرض الذي دون ذلك فقد اختلفوا في مقداره، فذهب محققو الفقهاء إلى أنه المرض الذي تحصل به مع الصيام مشقة زائدة على مشقة الصوم للصحيح من الجوع والعطش المعتادين، بحيث يسبب أوجاعا أو ضعفا منهكا أو تعاوده به أمراض ساكنة، أو يزيد في انحرافه إلى حد المرض أو يخاف تمادي المرض بسببه. وهذا قول مالك وأبي حنيفة والشافعي على تفاوت بينهم في التعبير. وأعدل العبارات ما نقل عن مالك لأن الله أطلق المرض ولم يقيده، وقد علمنا أنه ما أباح للمريض الفطر إلا لأن لذلك المرض تأثيرا في الصائم[6].
وقد عقد شهاب الدين القرافي فرقا بين المشقة التي تربو عن المعتاد في التكليف فيتبعها التيسير، والمشقة التي هي من طبيعة العبادة المكلف بها وهي لازمة للتكليف فلا يشرع الإذن في التخفيف من أجلها. يقول: المشاق قسمان: أحدهما لا تنفك عنه العبادة كالوضوء والغسل في البرد والصوم في النهار الطويل والمخاطرة بالنفس في الجهاد، فهذا قسم لا يوجب تخفيفا في العبادة لأنه قرر معها.
وثانيها المشاق التي تنفك عن العبادة وهي ثلاثة أنواع:ما كان منها في الرتبة العليا كالخوف على النفس أو العضو، فهذا يوجب التخفيف. لأن حفظ هذه الأمور هو سبب مصالح الدنيا والآخرة، ولو حصلنا هذه العبادة لثوابها لذهب أمثال هذه العبادة، ونوع في المرتبة الدنيا كأدنى وجع في إصبع فتحصيل هذه العبادة أولى من درء هذه المشقة لشرف العبادة وخفة هذه المشقة. النوع الثالث مشقة بين هذين النوعين فما قرب من العليا أوجب التخفيف، وما قرب من الدنيا لم يوجبه، وما توسط بينهما يختلف فيه لتجاذب الطرفين.
ثم يتابع قائلا: ما وقع مسقطا للعبادات من المشاق لم يكتف الشرع في إسقاطها بمسمى تلك المشاق بل لكل عبادة مرتبة معينة من مشاقها المؤثرة في إسقاطها.... العبادات مشتملة على مصالح العباد ومواهب ذي الجلال وسعادة الأبد فلا يليق تفويتها بمسمى المشقة مع يسارة احتمالها، ولذلك كان ترك الترخص في كثير من العبادات أولى، ولأن تعاطي العبادة مع المشقة أبلغ في إظهار الطواعية، وأبلغ في التقرب، ولذلك قال عليه السلام أفضل العبادات أحمزها، أي أشقها. وقال: أجرك على قدر نصبك[7]، .ثم واصل القرافي كلامه مفرقا بين العبادات والمعاملات([8]).
وبهذا التحقيق أخذ الأئمة الأربعة. فمذاهبهم أن المريض لا يفطر إلا من المرض الذي يضاعف علته أو يضعفه عن الصوم.
1- ففي المذهب الحنفي يقول في الدر: لمريض خاف الزيادة لمرضه وصحيح خاف المرض بغلبة الظن، أو بتجربة، أو بإخبار طبيب حاذق مسلم مستور[9].
2- وفي المذهب المالكي قال ابن يونس ناقلا عن المجموعة عن أشهب: في مريض لو تكلف الصوم لقدر عليه، أو الصلاة قائما لقدر، إلا أنه بمشقة وتعب، فليفطر ويصلي جالسا ودين الله يسر.قال مالك: رأيت ربيعة أفطر في مرض لو كان غيره لقلت: يقوى على الصوم.إنما ذلك بقدر طاقة الناس. قال أبو محمد:من قول أصحابنا: إن المريض إذا خاف إن صام يوما أحدث عليه زيادة في علته أو ضررا في بصره، أو غيره من أعضائه, فله أن يفطر.والذي حققه ابن العربي أن مالكا لا يشترط خوف زيادة المرض وإنما يربط ذلك بالمشقة الحاصلة إذ يقول:تفطن مالك -رحمه الله ـ في المرض لنكتة. وهي أن المريض يفطر بمجرد المشقة وإن لم يخف زيادة المرض. وقال غيره من العلماء لا يفطر إلا إذا خاف زيادة المرض[10].
و نقل البرزلي عن ابن أبي زيد إذا كان الصوم يضر به ويزيده ضعفا أفطر... ويفطر الزمن إذا أضر به الصوم، وكذا كل صوم مضر يبيح الفطر[11].
وذكر أبو عمر بن عبد البر: ولا يفطر المريض حتى تصيبه مشقة غير محتملة، وليس لذلك حد, والله أعلم، ويعذر بالعذر، ولو تحامل المريض فصام في الحال التي له أن يفطر فيها أجزأه[12] .
3- وفي المذهب الشافعي يقول النووي: المريض العاجز عن الصوم لمرض يرجى زواله لا يلزمه الصوم في الحال ويلزمه القضاء، هذا إذا لحقه مشقة ظاهرة بالصوم. ولا يشترط أن ينتهي إلى حالة لا يمكنه فيها الصوم، بل قال أصحابنا: شرط إباحة الفطر أن يلحقه بالصوم مشقة يشق احتمالها، ونظروه بالتيمم. وأما المرض اليسير الذي لا يلحق به مشقة ظاهرة لم يجز له الفطر[13]، بلا خلاف عندنا[14].
4- وفي المذهب الحنبلي: وسن فطر وكره صوم لمريض يشق عليه بزيادة مرضه أو طوله، ولو بقول مسلم ثقة، وكذا إن خاف مرضا بعطش أو غيره، أو كان صحيحا فمرض في يومه فيسن فطره، ويكره صومه[15] .
يقول ابن قدامة: أجمع أهل العلم على إباحة الفطر للمريض في الجملة. والمرض المبيح للفطر هو الشديد الذي يزيد بالصوم أو يخشى تباطؤ برئه....فإن تحمل المريض وصام، فقد فعل مكروها لما يتضمنه من الإضرار بنفسه، وتركه تخفيف الله تعالى، وقبول رخصته، ويصح صومه ويجزئه، لأنه عزيمة تركها رخصة، فإذا تحمله أجزأه.فهو كالذي يباح له الصلاة من جلوس فتحمل القيام، ومن يباح له ترك الجمعة فصلاها[16] .
5- وأما الظاهرية فإن ابن حزم ذكر المرض عرضا في تعداد المطالبين بالقضاء[17]. ثم تعرض إليه ثانية في خلال بيانه لحكم من جهده الجوع أو العطش فقال فرض عليه أن يفطر، وأنه إذا خرج بذلك إلى حد المرض فصومه صحيح، ولا قضاء عليه، لأنه مكره مضطر[18] . وثالثة لما بين حكم صوم الحامل والمرضع والشيخ الكبير أنهم إن أفطروا لمرض بهم عارض فعليهم القضاء[19] .
و لعل ابن حزم شعر بالتناقض في موقفه لما أوجب الفطر على المسافر دون المريض مع أنهما قد اقترنا في الآية، فلذلك لم يتبسط في أمر المريض.
ولخص ابن جزي أحكام المريض في الفطر تبعا لشدة مرضه وتأثير الصوم عليه فقال: للمريض أحوال:
الأولى: أن لا يقدر على الصوم أو يخاف الهلاك من المرض أو الضعف إن صام، فالفطر عليه واجب. "ومؤداه أن الصوم حرام"
الثانية : أن يقدر على الصوم بمشقة فالفطر له جائز ،وقال ابن العربي : هو مستحب .
الثالثة: أن يقدر على الصوم بمشقة ويخاف زيادة المرض، ففي وجوب فطره قولان.
الرابعة: أن لا يشق عليه الصوم ولا يخاف زيادة المرض بالصوم، فالفطر عليه حرام عند الجمهور خلافا لابن سيرين[20] .
ويقول الأبي:المذهب أنه يجوز الفطر بالمرض إذا خيف تماديه أو زيادته أو حدوث مرض آخر. قال الباجي: لا أعلم من خص الفطر بخوف الهلاك. وقال أبو عمر بن عبد البر: وقيل لا يفطر من خاف زيادته لأنها غير متيقنة. وقال اللخمي صوم المريض إن لم يشق عليه وجب، وإن شق خير، وإن خيف طوله أو حدوث مرض آخر منع، فإن صامه أجزأه.علق عليه الأبي بأن البغداديين من أصحاب مالك أنه يجوز الفطر والصوم إن خيف طول المرض أو حدوث مرض آخر.والوجوب إذا خيف التلف أو الأذى الشديد[21].
ولكن ما الحكم إذا كان المرض ملازما والعجز عن الصوم مصاحبا للمكلف كالهرم، ومن كان داؤه من الأمراض التي لم يصل العلماء لطريقة علاجها ؟
قضاء المفطر بعذر المرض في رمضان:
أجمع الفقهاء على أن الأصل أنه يجب على المفطر في شهر رمضان بعذر المرض أن يقضي ما فاته من الأيام التي أفطر فيها عندما تعود له استقامة بدنه، ويصبح قادرا على الصوم لقوله تعالى: ومن كان مريضا أو على سفر فعدة من أيام أخر.
ويتعلق بالقضاء أحكام كثيرة اختلف فيها الفقهاء. هل إن القضاء على الفور أو على التراخي؟ وهل يجب على الترتيب والتوالي؟ وما الحكم إذا أخر القضاء حتى لحقه شهر رمضان من العام القادم ؟ ومن كان عذره غير منفك كالهرم فهل يجب عليه بدلٌ عن الصوم ؟
وأقول باختصار: إن الراجح من أنظار الفقهاء في وجوب القضاء أنه ليس على الفور بمجرد ما يزول العذر المستند إليه في الفطر بعد شهر رمضان، بل للمعذور بعد زوال عذره أن يعجل القضاء وهو أفضل وبين أن يؤخره إلى أن لا يبقى من تلك السنة إلا مقدار ما يقضي فيه ما فاته.
وكذلك لا يجب على القاضي أن يوالي الأيام التي أفطر فيها ,بل هو مخير بين أن يفرق بينها، وبين أن يسرد الصوم بمقدار ما فاته.
وإذا اختار تأخير القضاء حتى دخل شهر رمضان من العام التالي وهو قادر على قضاء ما فاته ولم يقضه، فالواجب عليه إطعام مد عن كل يوم فاته قضاؤه. وهذا ما تفق عليه الأئمة الثلاثة مالك والشافعي وأحمد، ولم يوجب أبو حنيفة عليه إطعاما.
أما إذا لازمه المرض ولم يرج له شفاء منه، بمعنى أن مشقة الصوم لا تنفك عنه في المستقبل وصاحبه العجز أو الإجهاد، فقد اختلف الفقهاء في إلزامه فدية عن الصوم ؟
رأى أبو حنيفة وأحمد أن عليه فدية إطعام مسكين عن كل يوم أفطر فيه. وذهب مالك إلى أن الفدية غير واجبة واختلف النقل عنه في استحبابها, وكذلك اختلف قول الشافعي والأصح وجوبها[22] .
يتبع
__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
 


الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1)
 

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع


 


الاحد 20 من مارس 2011 , الساعة الان 01:21:21 صباحاً.

Powered by vBulletin V3.8.5. Copyright © 2005 - 2013, By Ali Madkour

[حجم الصفحة الأصلي: 110.56 كيلو بايت... الحجم بعد الضغط 108.84 كيلو بايت... تم توفير 1.72 كيلو بايت...بمعدل (1.55%)]