في بدء العام الدراسي - ملتقى الشفاء الإسلامي

 

اخر عشرة مواضيع :         الشرح الممتع للشيخ ابن عثيمين -رحمه الله-(سؤال وجواب) (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 65 - عددالزوار : 52047 )           »          الحرص على الائتلاف والجماعة (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 18 )           »          شرح كتاب الصلاة من مختصر صحيح مسلم للإمام المنذري (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 80 - عددالزوار : 45837 )           »          الدِّين الإبراهيمي بين الحقيقة والضلال (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 196 - عددالزوار : 64228 )           »          فتح العليم العلام الجامع لتفسير ابن تيمية الإمام علم الأعلام وشيخ الإسلام (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 374 - عددالزوار : 155272 )           »          6 مميزات جديدة فى تطبيق الهاتف الخاص بنظام iOS 18 (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 25 )           »          إيه الفرق؟.. تعرف على أبرز الاختلافات بين هاتف iPhone 12 و Google Pixel 9 (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 10 )           »          برنامج الدردشة Gemini متاح الآن على Gmail لمستخدمى أندرويد (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 29 )           »          كيفية حذف صفحة Word فى 3 خطوات (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 18 )           »          خطوات.. كيفية إعادة ترتيب الأزرار وتغيير حجمها في مركز التحكم بـiOS 18 (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 18 )           »         

العودة   ملتقى الشفاء الإسلامي > قسم الصوتيات والمرئيات والبرامج > ملتقى الصوتيات والاناشيد الاسلامية > ملتقى الخطب والمحاضرات والكتب الاسلامية
التسجيل التعليمـــات التقويم

ملتقى الخطب والمحاضرات والكتب الاسلامية ملتقى يختص بعرض الخطب والمحاضرات الاسلامية والكتب الالكترونية المنوعة

إضافة رد
 
أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
  #1  
قديم 05-11-2019, 04:47 AM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم غير متصل
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 158,565
الدولة : Egypt
افتراضي في بدء العام الدراسي

في بدء العام الدراسي













الشيخ عبدالله بن محمد البصري





أَمَّا بَعدُ، فَأُوصيكُم - أَيُّها النَّاسُ - وَنَفسِي بِتقوى اللهِ - عَزَّ وَجَلَّ -، فَاتَّقُوا رَبَّكُم وَأَطِيعُوهُ وَلا تَعصُوهُ، وَارجُوهُ وَخَافُوهُ ﴿ وَاتَّقُوا اللَّهَ وَاعْلَمُوا أَنَّكُمْ مُلَاقُوهُ وَبَشِّرِ الْمُؤْمِنِينَ ﴾ [البقرة: 223].

أَيُّها المُسلِمُونَ، لِعُلُوِّ الأُمَمِ وَتَقَدُّمِ المُجتَمَعَاتِ، أَسبَابٌ وَأُسُسٌ وَمُقَوِّمَاتٌ، وَطُرُقٌ تُسلَكُ وَمُهِمَّاتٌ يُؤخَذُ بها، وَإِنَّ في مُقَدِّمَةِ ذَلِكَ العِلمَ، إِذْ بِهِ تَرتَفِعُ لِلدُّوَلِ مَنَارَاتٌ، وَتَقُومُ لِلبُلدَانِ حَضَارَاتٌ، وَيَتَبَوَّأُ أَهلُهَا أَعلَى مَكَانَةٍ وَيَنظُرُ النَّاسُ إِليهِم بِإِجلالٍ وَإِعزَازٍ، وَبِضِدِّ العِلمِ يَنتَكِسُ النَّاسُ وَيَرتَكِسُونَ، وَيَبقَونَ في مُؤَخِّرَةِ الرَّكبِ وَلا يَسبَقِونُ، بَل يَظَلُّونَ يَستَورِدُونَ وَلا يُصَدِّرُونَ، وَيَستَهلِكُونَ وَلا يُنتِجُونَ، وَيَتَأَثَّرُونَ بِغَيرِهِم وَلا يُؤَثِّرُونَ.

العِلمُ ذُو شَأنٍ وَفَضلٍ، وَلأَصحَابِهِ عُلُوٌّ وَرِفعَةٌ وَصَدَارَةٌ، قَلِيلُهُ يَنفَعُ، وَكَثِيرُهُ يَرفَعُ، وَصَاحِبُهُ يَخشَى وَيَخشَعُ ﴿ يَرْفَعِ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَالَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ دَرَجَاتٍ ﴾ [المجادلة: 11] ﴿ إِنَّمَا يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَمَاءُ إِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ غَفُورٌ ﴾ [فاطر: 28] صَاحِبُ العِلمِ يَكتَسِبُ الشَّرَفَ وَإِن كَانَ دَنِيًّا، وَيَنَالُ العِزَّ وَإِن كَانَ ذَلِيلاً، وَيَلبَسُ المَهَابَةَ وَإِن كَانَ وَضِيعًا، وَ"إِنَّ الدُّنيَا مَلعُونَةٌ مَلعُونٌ مَا فِيهَا، إِلاَّ ذِكرَ اللهِ وَمَا وَالاهُ، وَعَالِمًا أَو مُتَعَلِّمًا" رَوَاهُ التِّرمِذِيُّ وَابنُ مَاجَه وَحَسَّنَهُ الأَلبَانيُّ. وَأَمَّا المُعَلِّمُ لِلخَيرِ مِن أَبٍ أَو خَطِيبٍ أَو مُدَرِّسٍ أَو دَاعِيَةٍ، فَيَكفِيهِ فَخرًا وَأَجرًا، أَن يَتَذَكَّرَ قَولَ المُصطَفَى - صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ - فِيمَا رَوَاهُ التِّرمِذِيُّ وَصَحَّحَهُ الأَلبَانيُّ: " إِنَّ اللهَ - عَزَّ وَجَلَّ - وَمَلائِكَتَهُ وَأَهلَ السَّمَاوَاتِ وَالأَرضِ حَتى النَّملَةَ في جُحرِهَا وَحَتى الحُوتَ، لِيُصَلُّونَ عَلَى مُعَلِّمِ النَّاسِ الخَيرَ " وَقَولَهُ - عَلَيهِ الصَّلاةُ وَالسَّلامُ -: "إِذَا مَاتَ ابنُ آدَمَ انقَطَعَ عَمَلُهُ إِلاَّ مِن ثَلاثٍ: صَدَقَةٌ جَارِيَةٌ، أَو عِلمٌ يُنتَفَعُ بِهِ، أَو وَلَدٌ صَالحٌ يَدعُو لَهُ" رَوَاهُ مُسلِمٌ وَغَيرُهُ.

وَإِنَّهُ وَإِن كَانَ الأَبوَانِ مَسؤُولَينِ عَن تَوجِيهِ أَبنَائِهِمَا في أَوَّلِ حَيَاتِهِم، وَمَطلُوبًا مِنهُمَا تَفقِيهُهُم في أُصُولِ دِينِهِم، وَوَاجِبًا عَلَيهِمَا غَرسُ العَقِيدَةِ الصَّحِيحَةِ في قُلُوبِهِم، وَيَلزَمُهُم تَعلِيمُهُم مِن مَبَادِئِ الأَخلاقِ مَا يُقَوِّمُ سُلُوكَهُم وَيُصَحِّحُ مَسَارَهُم، فَإِنَّ لِلمَدَارِسِ بَعدَ ذَلِكَ نَصِيبَ الأَسَدِ في التَّربِيَةِ وَالتَّعلِيمِ وَالتَّوجِيهِ، وَعَلَى المُعَلِّمِينَ فِيهَا أَعظَمُ المَسؤُولِيَّةِ وَأَثقَلُ الأَمَانَةِ، إِذِ المَدَارِسُ هِيَ المَحَاضِنُ التَّربَوِيَّةُ المُهَيَّأَةُ، وَالمُعَلِّمُونَ هُمُ التَّربَوِيُّونَ المُدَرَّبُونَ وَالمُوَجِّهُونَ المُقتَدِرُونَ، وَإِنَّمَا الأَجيَالُ في الغَالِبِ نِتَاجٌ لِمَا يُزرَعُ في تِلكَ البَسَاتِينِ، فَإِن أَحسَنَ المُعَلِّمُونَ الزَّرعَ فَلأَنفُسِهِم وَلأُمَّتِهِم، وَلَهُم مِنَ اللهِ الفَضلُ الجَزِيلُ وَمِنَ التَّأرِيخِ الثَّنَاءُ الجَمِيلُ، وَإِن أَسَاؤُوا وَقَصَّرُوا، فَقَد مَالُوا بِمَن تَحتَ أَيدِيهِم عَن سَوَاءِ الصِّرَاطِ، وَبَاؤُوا بِإِثمِهِم وَتَحَمَّلُوا أَوزَارَهُم، وَسَاهَمُوا في تَخَلُّفِ مُجتَمَعَاتِهِم. وَمَعَ كَونِ تَعلِيمِ الأَبنَاءِ في سِنِّ الصِّبَا وَعَهدِ الشَّبَابِ مِن مَهَامِّ المَدَارِسِ وَوَاجِبِ المُدَرِّسِينَ، فَإِنَّ البُيُوتَ يَجِبُ أَن تَعِيَ دَورَهَا وَتُؤَدِّيَ مَا عَلَيهَا، وَأَن يَضَعَ الآبَاءُ أَيدِيَهُم بِأَيدِي مُعَلِّمِي أَبنَائِهِم، وَأَن يَتَعَاوَنَ الجَمِيعُ عَلَى سَدِّ الثَّغَرَاتِ وَرَدمِ الفَجَوَاتِ وَإِقَالَةِ العَثَرَاتِ، وَكَفَى الأُمَّةَ آبَاءً وَمُعَلِّمِينَ وَمَسؤُولِينَ، كَفَاهُم أَن يَرمِيَ كُلٌّ مِنهُم بِالمَسؤُولِيَّةِ عَلَى الآخَرِ، وَأَن يَتَبَادَلُوا التُّهَمَ بَينَهُم في التَّقصِيرِ وَالإِخلالِ، أَو يُلقِيَ بَعضُهُم عَلَى بَعضٍ بِأَسبَابِ الضَّعفِ العِلمِيِّ وَالتَّرَاجُعِ التَّربَوِيِّ، فَإِنَّ لِكُلٍّ مِنهُم مُهِمَّةً كَبِيرَةً وَدَورًا عَظِيمًا، وَبَعضُهُم مُكَمِّلٌ لِبَعضٍ وَرَافِدٌ لَهُ وَمُسَاعِدٌ، وَالتَّعَاوُنُ عَلَى البِرِّ وَالتَّقوَى وَاجِبٌ، وَيَدُ اللهِ عَلَى الجَمَاعَةِ، وَالأَبنَاءُ مَسؤُولِيَّةٌ أَيُّ مَسؤُولِيَّةٍ، وَأَمَانَةٌ أَيُّ أَمَانَةٍ، وَهُم رَعِيَّةٌ تَرعَاهَا المَدَارِسُ في الصَّبَاحِ وَأَوَّلِ النَّهَارِ إِلى وَسَطِهِ في الغَالِبِ، ثم تَقضِي آخِرَ النَّهَارِ وَزُلَفًا مِنَ اللَّيلِ في البُيُوتِ، وَمَا لم يَكُنِ الأَسَاسُ قَوِيًّا مَتِينًا مُتَمَكِّنًا رَكِينًا، فَلَن يَعلُوَ لِلجِيلِ بِنَاءٌ، وَمَا لم تَتَمَاسَكِ الأَجزَاءُ، فَسَيَخِرُّ السَّقفُ عَلَى مَن تَحتَهُ يَومًا مَا، وَ"كُلُّكُم رَاعٍ وَكُلُّكُم مَسؤُولٌ عَن رَعِيَّتِهِ" إِنَّهُ لَعَيبٌ كَبِيرٌ وَنَقصٌ في حَقِّ المُعَلِّمِ وَاضِحٌ، أَن يَتَنَصَّلَ عَن مَسؤُولِيَّتِهِ وَيَتَسَاهَلَ في أَدَاءِ أَمَانَتِهِ، وَتَظهَرَ الثَّغَرَاتُ وَاضِحَةً في عَمَلِهِ وَيَبدُوَ الضَّعفُ عَامًّا عَلَى طُلاَّبِهِ، ثم يَرفَعَ صَوتَهُ بِالشَّكَاوَى، مُلقِيًا بِالتَّبِعَاتِ عَلَى غَيرِهِ، رَامِيًا بها كُلِّهَا عَلَى مَن سِوَاهُ، مُشتَكِيًا فَسَادَ المُجتَمَعِ وَقِلَّةَ المُعِينِ وَغَفلَةَ البُيُوتِ عَنِ المُتَابَعَةِ، وَإِنَّهُ لَعَارٌ في الجَانِبِ الآخَرِ، أَن تَترُكَ البُيُوتُ مَا يَلزَمُهَا مِن تَهيِئَةِ أَبنَائِهَا لِلتَّعلِيمِ، وَالحِفَاظِ عَلَى صِحَّتِهِم وَعُقُولِهِم، وَتَوفِيرِ كُلِّ مَا يَحتَاجُونَ، ثم تَطُولَ شَكوَاهَا مِنَ المَدَارِسِ، أَو تَعِيبَ عَلَى المُعَلِّمِينَ عَدَمَ القُدرَةِ عَلَى رَفعِ مُستَوَى الأبنَاءِ عِلمِيًّا، أَو تَعدِيلِ سُلُوكِهِم عَمَلِيًّا. وَأَمرٌ آخَرُ يَعتَقِدُهُ بَعضُ النَّاسِ تَنَصُّلاً مِن وَاجِبِهِم، وَهُوَ أَنَّ مَسؤُولِيَّةَ التَّربِيَةِ عَلَى الأَخلاقِ الكَرِيمَةِ وَغَرسِ القِيَمِ السَّامِيَةِ وَتَثبِيتِ المَبَادِئِ الأَصِيلَةِ، مُقتَصِرةٌ عَلَى مُعَلِّمِي الشَّرِيعَةِ أَوِ التَّربِيَةِ الإِسلامِيَّةِ، وَتِلكَ نَظرَةٌ قَاصِرَةٌ وَتَفكِيرٌ ضَيِّقٌ، إِذِ التَّربِيَةُ مَنُوطَةٌ بِكُلِّ مُرَبٍّ وَمُعَلِّمٍ، وَإِنَّمَا العِلمُ النَّافِعُ في الحَقِيقَةِ، مَا أَثمَرَ عَمَلاً جَادًّا وَزَكَّى النُّفُوسَ وَرَقَّى الأَروَاحَ، وَهَدَى حَامِلِيهِ إِلى سَوَاءِ السَّبِيلِ وَجَمِيلِ الخُلُقِ، وَلا فَرقَ في ذَلِكَ بَينَ عِلمٍ يَتَعَلَّقُ بِالدُّنيَا أَو بِالآخِرَةِ، وَالشَّرِيعَةُ بِكَمَالِهَا وَشُمُولِهَا، قَد أَمَرَت بِتَعَلُّمِ جَمِيعِ العُلُومِ النَّافِعَةِ، مِن العِلمِ بِالتَّوحِيدِ وَأُصُولِ الدِّينِ، وَالتَّفَقُّهِ في الأَحكَامِ الفَرعِيَّةِ، وَالتَّزَوُّدِ مِنَ العُلُومِ العَربِيَّةِ وَالاجتِمَاعِيَّةِ وَالاقتِصَادِيَّةِ، وَالسِّيَاسِيَّةِ وَالحَربِيَّةِ وَالطِّبِّيَّةِ، إِلى غَيرِ ذَلِكَ مِمَّا لا يَكُونُ لِلأُمَّةِ قِوَامٌ إِلاَّ بِهِ، وَلا يَتِمُّ لِلأَفرَادِ وَالمُجتَمَعَاتِ صَلاحٌ دُونَهُ، وَمِن ثَمَّ فَإِنَّ لُزُومَ المُرَبِّينَ مِن آبَاءٍ وَمُعَلِّمِينَ لِتَقوَى اللهِ في كُلِّ حَالٍ مِن أَحوَالِهِم، وَالتِزَامِ مَخَافَتِهِ في كُلِّ شَأنٍ مِن شُؤُونِ حَيَاتِهِم، إِنَّهُ لَخَيرُ مُرَبٍّ لِلأَجيَالِ وَمُصلِحٍ لِقُلُوبِهَا، وَمَتى مَا كَانَ المُرَبُّونَ مُرَاقِبِينَ لِرَبِّهِم في سِرِّهِم وَعَلانِيَتِهِم، مُستَحضِرِينَ اطِّلاعَهُ عَلَيهِم في كُلِّ قَولٍ وَعَمَلٍ، حَرِيصِينَ عَلَى طَهَارَةِ القُلُوبِ وَنَقَاءِ البَوَاطِنِ مِنَ الأَخلاقِ الرَّدِيئَةِ، مُتَمَسِّكِينَ في الظَّاهِرِ بِشَعَائِرِ الإِسلامِ مُحَافِظِينَ عَلَيهَا، مُقِيمِينَ لِلصَّلاةِ في المَسَاجِدِ مُفشِينَ لِلسَّلامِ، مُحِبِّينَ لِغَيرِهِم مِنَ الخَيرِ كَمَا يُحِبُّونَ لأَنفُسِهِم، صَادِقِينَ في تَعَامُلِهِم وَأَخذِهِم وَعَطَائِهِم، فَإِنَّ ذَلِكَ هُوَ التَّعلِيمُ الصَّامِتُ الَّذِي تَحتَاجُهُ الأَجيَالُ وَتَفتَقِرُ إِلى مِثلِهِ الأُمَمُ، وَالَّذِي لا يُمكِنُ لِلعِلمِ وَالتَّعلِيمِ أَن يُؤَثِّرَ وَيَنفَعَ إِلاَّ بِهِ، وَأَمَّا إِذَا كَانَ الآبَاءُ وَالمُعَلِّمُونَ نَاكِصِينَ عَنِ العَمَلِ بِمَا يَعلَمُونَ، غَيرَ مُتَّصِفِينَ بِمَا يَقُولُونَ، وَلا مُطَبِّقِينَ لِمَا يُعَلِّمُونَ، فَأَنَّى لِلجِيلِ أَن يَصلُحَ وَيُفلِحَ؟! وَإِنَّهُ لَبَعِيدٌ عَنِ الأَبِ أَوِ المُعَلِّمِ أَن يُرَبِّيَ أَبنَاءَهُ أَو تَلامِيذَهُ عَلَى الفَضَائِلِ وَهُوَ لَيسَ بِفَاضِلٍ، وَصَعبٌ عَلَيهِ الوُصُولُ إِلى إِصلاحِهِم وَهُوَ بِنَفسِهِ غَيرُ صَالِحٍ، فَاتَّقُوا اللهَ - عِبَادَ اللهِ آبَاءً وَمُرَبِّينَ - وَاعلَمُوا أَنَّ الصِّغَارَ يَأخُذُونَ عَنِ الكِبَارِ بِالقُدوَةِ أَكثَرَ مِمَّا يَأخُذُونَ بِالتَّلقِينَ، وَأَنَّ رَأسَ المَالِ وَأَسَاسَ التَّربِيَةِ وَعِمَادَهَا، وَالعُمدَةَ الحَقِيقِيَّةَ في الوُصُولِ إِلى الغَايَةِ مِنَ التَّربِيَةِ، هِيَ مَا يَفِيضُ مِن نُفُوسِ الآبَاءِ وَالمُعَلِّمِينَ عَلَى نُفُوسِ النَّاشِئِينَ، مِن أَخلاقٍ طَاهِرَةٍ يَقتَبِسُونَهَا مِنهُم، وَسُلُوكٍ قَوِيمٍ يَحتَذُونَهُم فِيهِ، وَلا وَاللهِ، لا يُمكِنُ أَن يُحسِنَ المَرءُ العَمَلَ مَا دَامَ مَستَوحِشًا مِنَ العِلمِ، وَلا أَن يَأنَسَ بِالعِلمِ مَا كَانَ مُقَصِّرًا في العَمَلِ، وَالمُوَفَّقُ مَن جَمَعَ بَينَهُمَا وَإِن قَلَّ نَصِيبُهُ مِنهُمَا، فَتَعَلَّمَ مَا لم يَكُنْ يَعلَمُ وَعَمِلَ بما قَد تَعَلَّمَ، وَتَزَوَّدَ بِمَا يُزَكِّي نَفسَهُ وَأَخَذَ بِمَا يُصلِحُ قَلبَهُ، وَجَعَلَ مِن نَفسِهِ قُدوَةً صَالِحَةً لِمَن حَولَهُ، وَصَدَقَ القَائِلُ:


فَرَأسُ العِلمِ تَقوى اللَهِ حَقّاً
وَلَيسَ بِأَن يُقال لَقَد رَأَستا

إِذا ما لَم يُفِدكَ العِلمُ خَيراً
فَخَيرٌ مِنهُ أَن لَو قَد جَهِلتا

وَإِن أَلقاكَ فَهمُكَ في مَهاوٍ
فَلَيتَكَ ثُمَّ لَيتَكَ ما فَهِمتا


اللَّهُمَّ عَلِّمْنَا مَا يَنفَعُنَا وَانفَعْنَا بِمَا عَلَّمتَنَا، وَزِدْنَا عِلمًا وَارزُقنَا فَهَمًا. وَأَقُولُ هَذَا القَولَ وَأَستَغفِرُ اللهَ.


أَمَّا بَعدُ، فَاتَّقُوا اللهَ - تَعَالى - حَقَّ التَّقوَى، وَتَمَسَّكُوا مِنَ الإِسلامِ بِالعُروَةِ الوُثقَى، وَاحذَرُوا مَا يُسخِطُ رَبَّكُم فَإِنَّ أَجسَامَكُم عَلَى النَّارِ لا تَقوَى، وَاعلَمُوا أَنَّ الرَّاحَةَ الكُبرَى وَالسَّعَادَةَ العُظمَى لا تَكُونُ إِلاَّ بِالجِدِّ وَالاجتِهَادِ، وَمَا دَامَ مُعَلِّمُونَا وَأَبنَاؤُنَا في أَوَّلِ العَامِ الدِّرَاسِيِّ، وَالطَّرِيقُ مَا زَالَ أَمَامَهُم مَفتُوحًا وَالفُرَصُ سَانِحَةٌ، فَإِنَّ مِن خَيرِ مَا يُوصَى بِهِ الجَمِيعُ، أَن يَجِدُّوا وَيَجتَهِدُوا، وَيُعطُوا مِن أَنفُسِهِم وَيَبذُلُوا، وَأَن يَحذَرُوا الكَسَلَ وَالبَطَالَةَ وَتَبَادُلَ الشَّكوَى مِن بَعضِهِم، فَالمُعَلِّمُ يَجِبُ أَن يَكُونَ المَثَلَ الأَعلَى وَالقُدوَةَ الحَسَنَةَ في عِلمِهِ وَخُلُقِهِ، وَأَن يَرَى فِيهِ تِلمِيذُهُ النَّمُوذَجَ الحَيَّ لِحَامِلِ العِلمِ المُتَحَلِّي بِالعَمَلِ، وَعَلَى الطَّالِبِ أَن يَكُونَ أَمَامَ مُعَلِّمِهِ وَفي دَاخِلِ مَدرَسَتِهِ مُتَوَاضِعًا مُتَأَدِّبًا، رَاغِبًا في التَّحصِيلِ غَيرَ مُلتَفِتٍ إِلى التَّفَاهَاتِ، وَلا شَاغِلٍ وَقتَهُ وَوَقتَ زُمَلائِهِ بِمَا لا يَنفَعُهُ وَلا يَنفَعُهُم، وِلْيَنتَبِهْ طُلاَّبُ اليَومِ إِلى أَنَّهُم رِجَالُ الغَدِ، وَمَا لم يَستَنِيرُوا بِالعِلمِ وَيَأخُذُوا مِنهُ بِأَوفَرِ حَظٍّ وَأَعلَى نَصِيبٍ، فَسَيَندَمُوا غَدًا وَلا مَحَالَةَ، وَإِنَّ غَدًا لِنَاظِرِهِ قَرِيبٌ، إِنَّ عَلَى طُلاَّبِ اليَومِ أَن يَعلَمُوا أَنَّ مَن يَرونَهُم مِن مَسؤُولِينَ كِبَارٍ وَصُنَّاعٍ وَتُجَّارٍ، كَانُوا يَومًا مَا عَلَى مَقَاعِدِ الدِّرَاسَةِ، وَحَمَلُوا الكُتُبَ وَالأَقلامَ وَالدَّفَاتِرَ، وَتَابَعُوا الأَيَّامَ في الدِّرَاسَةِ، وَسَهِرُوا اللَّيَاليَ لِلاستِذكَارِ وَالمُرَاجَعَةِ، وَغَدَوا وَرَاحُوا وَتَعِبُوا قَبلَ أَن يَتَخَرَّجُوا في الجَامِعَاتِ وَيَنَالُوا أَعلَى الشَّهَادَاتِ، ثُم يُمسِكُوا بِزِمَامِ الأُمُورِ وَيَتَوَلَّوُا الأَعمَالَ، فَاللهَ اللهَ - أَيُّهَا الأَبنَاءُ - وَالجِدَّ الجِدَّ تَجِدُوا، وَالصَّبرَ الصَّبرَ تَبلُغُوا، وَالهِمَّةَ الهِمَّةَ تَرتَفِعُوا، فَإِنَّمَا:

عَلَى قَدرِ أَهلِ العَزمِ تَأتي العَزَائِمُ
وَتَأتي عَلَى قَدرِ الكِرَامِ المَكَارِمُ

وَتَكبُرُ في عَينِ الصَّغِيرِ صِغَارُهَا
وَتَصغُرُ في عَينِ العَظِيمِ العَظَائِمُ


وَلْنَحذَرْ جُمِيعًا مِنَ اليَأسِ، فَإِنَّهُ مِن أَكبَرِ المُعَوِّقَاتِ وَأَشَدِّ المُثَبِّطَاتِ، وَلْنَرتَقِب حُصُولَ الآمَالِ بِصَحِيحِ الأَعمَالِ، وَلْنَتَّقِ اللهَ يَجعَلْ لَنَا مَخرَجًا، وَيُعَلِّمْنَا مَا جَهِلنَا ﴿ إِنَّهُ مَنْ يَتَّقِ وَيَصْبِرْ فَإِنَّ اللَّهَ لَا يُضِيعُ أَجْرَ الْمُحْسِنِينَ ﴾ [يوسف: 90].

__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
إضافة رد


الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1)
 

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع


 


الاحد 20 من مارس 2011 , الساعة الان 01:21:21 صباحاً.

Powered by vBulletin V3.8.5. Copyright © 2005 - 2013, By Ali Madkour

[حجم الصفحة الأصلي: 57.95 كيلو بايت... الحجم بعد الضغط 56.28 كيلو بايت... تم توفير 1.67 كيلو بايت...بمعدل (2.89%)]