|
الحدث واخبار المسلمين في العالم قسم يعرض آخر الاخبار المحلية والعالمية |
|
أدوات الموضوع | انواع عرض الموضوع |
#1
|
||||
|
||||
![]() صدر مؤخرا كتاب باللغة الإنكليزية تحت عنوان (إتحاد ضد بابل) للكاتب والصحفي "جون كيلي ". الكتاب غير عادي من حيث أحداثه التاريخية التي ترجع الى آلاف السنين كما تم تدوينها في الإسرائيليات، ثم أعتمدت لاحقا، في وقتنا الحالي، كخطط سياسية إستراتيجية، وكآيديولوجية للتحالف الأمريكي ـ الإسرائيلي ضد العراق، والذي بني على منطلق عقائدي وديني بحت...! المقال الذي بين أيدينا يكشف الأسرار لأهم ما ورد في الكتاب.. أسرار مذهلة عن حجم المؤامرة الدولية ضد العراق، والتي كان الإحتلال الأمريكي له عام 2003 أحد أول خططها ونتائجها، وليس آخرها كما يتصور البعض.. ولا تزال هذه المرحلة في موضع التطبيق مع كل ما رافقها من تدمير متعمد للبنى التحتية وللإنسان ووصل الى حد لا يصدق ولا يمكن تصوره.. لكنها في واقع الأمر هي هدف أُحسنَ وضعه، وخطط له بعناية من أجل تحقيقه..! إنه ألإلتقاء العقائدي بين تلمود اليهودية.. وأهداف الصهيونية.. وإيمان محافظي أميركا الجدد بذلك إيماناً مطلقا... إنه الجواب على السؤال الكبير... لماذا العراق..؟! لمحات من التاريخ القديم: يحكي أحد الأناشيد الكنسية في الأربعينات، والذي إنتشر ترديده في الولايات المتحدة الأمريكية خلال الحرب العالمية الثانية وظهور الزعيم النازي أدولف هتلر في ألمانيا، وقيامه بإبتلاع جيرانه الدول الأوربية الواحدة بعد الأخرى.. وإظهار عداوته لليهود بوضعهم في معسكرات إعتقال ثم إرسالهم الى (المحرقة) أو ما أصبح يعرف (بالهولوكوست). يحكي النشيد الذي كان يردده الصبية والفتيات الصغار في مدارس الأحد والكنائس عن قصة قيل أنها قد وردت في كتاب "دانيال" من العهد القديم "التوراة". تقول القصة أن ثلاثة من الأطفال أتوا من (أرض إسرائيل) هم: شادراك وميشاك وأبيدنكو، كانوا من بين سبايا اليهود في (بابل) زمن الملك البابلي "نبوخذنصر".. وأن الملك أمرهم بأن يعبدوا الآلهة البابلية فرفضوا.. فأمر الملك بحرقهم (على غرار محرقة هتلر لليهود...!)، ولكن الرب (يهوا) قد أخرجهم من النار من دون حرق ولو بسيط.! إن العهد القديم وما ذكر فيه عن آشور وبابل.. وإعتقال اليهود من إسرائيل القديمة في (يهودا والسامرة).. هو تأريخ حي لكثير من المتطرفين من اليهود والمسيحيين ومثقفيهم وقياداتهم الدينية والسياسية، وقد لعب دوراً آيديولوجياً رئيسياً وحضي على تأييد مطلق داخل الولايات المتحدة على وجه الخصوص..! ولربما كان مقابل كل مائة مقاتل أمريكي على أرض العراق عام 2003 عدد مماثل إن لم يكن أكثر من المتحمسين لإحتلال العراق من المسيحيين الجدد المؤمنين بالصهيونية داخل الولايات المتحدة، ومنهم حاليا وبلا أدنى شك الرئيس الأمريكي جورج بوش، وأركان إدارته المهمين والفاعلين، والذين رأوا في فكرة (الحرب على الإرهاب) هي حرب صليبية جديدة قائمة بين (الخير والشر)..! على من يريد أن يتفهم وضع الشرق الأوسط اليوم، لابد له أن لا يهمل في دراسته للتاريخ القديم، والسبب هو إعتقاد مؤيدي إسرائيل اليوم ومن أصحاب النفوذ والقرار السياسي، أن إسرائيل ما هي إلا نتاج تاريخي قام على عقيدة الكتاب المقدس والشواهد التاريخية المؤيدة لذلك بدءاً من مملكة إسرائيل القديمة، ومروراً بالأباطرة الذين حكموا المنطقة من أمثال حمورابي ونبوخذنصر ثم الإسكندر المقدوني الذي يقولون أنه توفي في بابل ودفن فيها عام 323 قبل الميلاد. وأنه بعد قرنين من السبي البابلي وحسب المصادر الدينية الإسرائيلية عاد (أطفال) إسرائيل الى فلسطين تحت قيادة نبيين من أنبيائهم وهما عزرا وناحيميا. وحتى هذا اليوم، يعتقد المسيحيون الجدد من المؤمنين بالصهيونية، ومنهم الإدارة الأمريكية الحالية أن المسيح سوف لن ينزل الى الأرض في آخر الزمان، حتى يتم إعادة بناء هيكل سليمان في موقع المسجد الأقصى الحالي، وهذا ما يفسر إصرار إسرائيل على إجراء الحفريات تحت المسجد ولعدة سنوات بحثا عن الهيكل أو ما يقود اليه...! أما بعض اليهود العراقيين بالأصل ممن تركوا العراق الى إسرائيل بعد قيامها عام 1948، فإنهم يتحدثون عن أموال وممتلكات يهودية قديمة قدم التاريخ تعود الى اليهود أجدادهم قد تم تدميرها ومصادرتها خلال فترة حكم صدام حسين وما سبق ذلك في تاريخ الدولة العراقية الحديثة...! ولعل هذا يفسر لنا عملية السرقة المنظمة لآثار معينة قديمة من العهدين البابلي والآشوري من متحف بغداد من قبل منظمات يهودية وبحماية الجيش الأمريكي عند دخول الأمريكان الى بغداد في التاسع من نيسان / ابريل 2003! وكما أن التاريخ يشير الى أن (بلاد مابين النهرين) كانت مهد الحضارة الإنسانية، فإن الإسرائيليات، ومع إعترافها بتلك الحقيقة، تضيف الى ذلك العلاقة فيما بين العراق من جهة واليهود واليهودية من جهة أخرى.. ويرجعون في ذلك الى مصادرهم في أول كتب العهد القديم، وأن (جنة عدن) تقع في العراق وبالذات عند ملتقى نهري دجلة والفرات جنوب العراق...! |
#2
|
||||
|
||||
![]() بداية الصراع بين اليهود وأعدائهم، يبدأ مع تاريخ التوراة حسب المصادر الإسرائيلية، حين تحدى الأراميون الإمبراطورية الآشورية الذين بدأت جيوشهم تزحف غربا من بلاد مابين النهرين بإتجاه فلسطين. في نفس الفترة وبحدود 950 قبل الميلاد، كان السوريون قد بدأوا بالزحف شرقا بإتجاه حدود الإمبراطورية الآشورية، بينما كانوا يقاتلون في الجنوب والغرب اليهود فيما يسمونه (مملكة إسرائيل).. إلا أن اليهود بادروا وعقدوا صلحا مع السوريين لغرض الوقوف معاً لتحدي الإمبراطورية الآشورية.. وتقول مصادرهم أن ذلك قد تم فعلا (بحكمة اليهود)، حيث قام الطرفين بمواجهة الجيش الآشوري واضطروه الى التراجع في معركة (قرقر) في سوريا.. بعد هذا النصر عاد الإسرائيليون والسوريون الى القتال بينهما من جديد..! هكذا تذكر المصادر مما يدلل على تكتيك يهودي أو خيانة لمعاهدة الصلح، حيث أن عدويهما كانا كل من السوريين والآشوريين على حد سواء..!! في 841 قبل الميلاد، عاد الآشوريون الى الحرب مرة ثانية.. وهذه المرة، كما يذكر التاريخ التوراتي، قرر ملك إسرائيل (جيهو) أن يقاتل لوحده وينفرد بالنصر من دون السوريين، وفعلا صمد بوجه الهجوم العسكري الآشوري لمدة أربع سنوات، توفي خلالها (جيهو) وتسلم الحكم بعده الملك (مناحيم). في ذلك الوقت طلب الملك (آهاز) ملك يهوذا، المملكة الإسرائيلية الثانية الى جانب مملكة السامرة من مناحيم أن يعيدا تحالفهما مع السوريين، ولكن كان الوقت قد تأخر لذلك إذ هاجم الملك الآشوري السوريين، ربما بعد أن وصل الى علمه خبر الإعداد للتحالف الجديد مع الإسرائيليين ضده، وتمكن من إحتلالهم ودخل دمشق عام 732 قبل الميلاد.. ثم إستدار الى الإسرائيليين ودحرهم واقتاد معه الى (العراق) ثلاثة من قبائلهم كأسرى، وهم حسب ما يذكر التاريخ الإسرائيلي، قبائل (كادو) و(روبين) و(مانسايا) ـ هكذا ورد في كتاب "الملوك" من العهد القديم، أو التلمود الإسرائيلي.. ـ بعد موت الملك الآشوري، تمرد الإسرائيليون على الحكم الجديد وأوقفوا دفع (الجزية) الى الآشوريين، وعقدوا هذه المرة تحالفا مع مصر.. إلا أن الآشوريين ردوا على ذلك بحملة عسكرية كبيرة حاصرت ثم إحتلت (مملكة السامرة)، وأخذت بقية القبائل الإسرائيلية العشرة كسبايا وأسرى الى (العراق) وإنهارت على إثر ذلك مملكة إسرائيل..! إعتبر الأنبياء اليهود، أن ذلك هو عقوبة من الله لليهود بسبب الفساد الذي كان قد إستشرى بينهم، وإبتعادهم عن تعاليم التوراة (هذا النص ورد في كتاب "عاموس" من العهد القديم). أما القبائل العشرة الذين أُخذوا أسرى الى العراق، فلم يسجل تاريخ الإسرائيليات أنهم قد عادوا بعد ذلك الى موطنهم، أي أنهم قد بقوا في العراق مع القبائل التي سبقتهم، وبالذات في مملكة آشور شمال العراق وجباله، حيث يذكر التاريخ لاحقا عن إمتزاجهم بالدم وخلال قرون عديدة مع سكنة الجبال الشمالية للعراق، ويعزي بعض المؤرخين الأكراد الحاليين الى كونهم من سلالة تلك القبائل اليهودية المسبية..! في 701 قبل الميلاد، قام الملك الآشوري المشهور (سنحاريب) بهجوم جديد، حاصر به هذه المرة أورشليم (القدس).. ولكن الإمبراطورية الآشورية، كانت قد بلغت نقطة ضعفها وخصوصا بعد أن بدأت الإمبراطورية البابلية وسط بلاد مابين النهرين بالنهوض، ثم حصلت على إستقلالها من ألإمبراطورية الآشورية العجوز، وبدأت تظهر كإمبراطورية فتية منذ عام 626 قبل الميلاد عندما إنهارت الإمبراطورية الآشورية كلياً... في العام 597 قبل الميلاد، قام البابليون بإكتساح مملكة يهوذا في فلسطين وأخذوا معهم حسب مصادر التلمود 3023 يهودي الى العراق.. وهذه كانت الحملة الأولى من ثلاث حملات عسكرية الثانية وقعت عام 587 قبل الميلاد، وأُسر فيها 832 يهودي، والثالثة وقعت عام 581 قبل الميلاد وأُسر فيها 745 يهودياً، وهؤلاء جميعا تم أخذهم الى (العراق)، "وردت هذه الأرقام والتواريخ في كتاب هرميا من العهد القديم". واليوم، فإن كافة الباحثين والمؤرخين ومن مختاف الديانات والعقائد يتفقون على أن الملك البابلي الشهير نبوخذنصر (604 ـ 562) قبل الميلاد، قد أبقى على الأسرى اليهود واستخدمهم كعبيد لتوسيع بناء بابل... في عصرنا الحالي، وفي وقت مبكر من القرن الماضي، بدأت مع ظهور السينما الصامتة في هوليوود في اميركا، عدة أعمال سينمائية أبرزت معاناة اليهود لاسيما في تاريخ سبيهم الى العراق، ومن أشهر تلك الأعمال السينمائية التي تبنتها ماكنة الإعلام الصهيوني فيلما بعنوان (ميلاد شعب) مدته 178 دقيقة، قام بتمثيله أبطال السينما الصامتة المشهورين آنذاك مثل ليليان كيش وروبرت هارون وماي مارش وغيرهم.. وقد عرض في أميركا وأوربا، وترجم الى عدة لغات وسبقته حملة دعاية كبيرة.. كان ذلك قبل 80 عاما من قرار صدام حسين بإعادة بناء مدينة بابل القديمة وتمجيد الملك البابلي نبوخذنصر الذي يناصبه اليهود في العالم الحقد والضغينة...! |
#3
|
||||
|
||||
![]() في يوم من منتصف الثمانينات من القرن الماضي.. طُلبَ من دوني جورج خبير الآثار القديمة ومساعد مدير المتحف العراقي في بغداد، التوجه الى بابل بناء على أمر من رئيس الجمهورية.. وهناك وجد صدام حسين مع مجموعة من مساعديه ومرافقيه.. حيث طلب اليه صدام وضع الخطط لإعادة بناء بابل القديمة، وخصوصا قصر نبوخذنصر ومعبد (مردوخ) لكي تكون جاهزة في مهرجان بابل الذي سيقام عام 1987.. ثم إلتفت صدام وسأل دوني سؤالا محددا (كيف نعلم متى بني القصر على وجه التحديد..؟ وهل كان في زمن نبوخذنصر أم لا..؟)، فما كان من دوني إلا أن قدّم لصدام قطعة من اللبن (الطوب) القديم وعليها ختم نبوخذنصر والتاريخ وعبارة أنها بنيت لتمجيد الإله مردوخ...! عندها قال صدام لدوني (يجب أن يظهر إسم صدام حسين والتاريخ على قطع الطوب التي ستستخدم في إعادة البناء...) كان ذلك طلب لا يمكن ردّه، مع أن كثير من علماء الآثار في العالم قد إعترض على ذلك من الناحية الفنية والتاريخية.. ولكن الأكثر من ذلك أنه كان عمل يمثل صفعة للتاريخ التوراتي اليهودي الذي يأخذ موقفا عدائيا من نبوخذنصر بالذات ومن بابل بشكل خاص، ومن العراق بشكل عام..!!! وقد عبرت عنه وسائل الإعلام الصهيونية، وكتب في ذلك عدد من كتّابهم.. وبدأوا يذكّرون بسبي الآلاف من اليهود واستعبادهم وموتهم وهم يعملون عبيدا في بناء بابل القديمة...! سلسلة طويلة من الأحداث التاريخية تبناها تلمود اليهود ومعتقدهم الديني، وكان العراق القديم والعراقيون القدماء من آشوريين وبابليين محور وسبب المأساة اليهودية القديمة.. كما كان هتلر يشخّص هذه المأساة في الأربعينات من القرن الماضي وخلال فترة حكمه النازي والحرب العالمية الثانية...! ولعله لا نستغرب الآن عندما نقرأ الشعار الصهيوني الذي وُضع وأعتُمد في المؤتمر الصهيوني الأول في بازل في سويسرا والذي يقول: (دولة إسرائيل من الفرات الى النيل)...!! ننتقل في القسم الثاني لتناول لمحات من تاريخ الدولة العراقية الحديثة والتي لعبت الصهيونية العالمية دورا فيها، قبل أن نبدأ بإستعراض مأساة العراق اليوم والإصبع الصهيوني فيها..! لمحات من التاريخ الحديث: بعد أن إنتهينا في القسم الأول من إستعراض أحداث التاريخ القديمة والتي وردت في الإسرائيليات، وأحداث الصراع مع الإمبراطوريتين القديمتين الآشورية والبابلية وربط تلك الأحداث وتأثيراتها على عالم السياسة اليوم وخصوصا ما يجري في العراق. ننتقل في القسم الثاني الى التاريخ القريب والتي إبتدأت أحداثه مع بداية القرن الماضي وتفاعل تلك الأحداث لربط العقيدة الإسرائيلية والصهيونية العالمية بالمخططات التي تم تنفيذها في منطقة الشرق الأوسط ولايزال التنفيذ مستمرا ً....! يحكي جون كولي الصحفي ومؤلف كتاب (إتحاد ضد بابل) ما يلي: (في ربيع عام 1966 كان في رحلة جوية مع مراسل جريدة "لوس أنجليس تايمز" (جو أليكس موريس) حملتهما من بيروت الى بغداد.. كانت بغداد قد شهدت فترات عصيبة ومتوترة منذ عام 1958، حين قام إنقلاب عسكري ضد الحكم الملكي وقتل فيه الملك فيصل الثاني الذي كان لا يتجاوز عمره 23 عاما مع عدد من أفراد عائلته ومستشاريه ومنهم رئيس الوزراء نوري السعيد (70 عاما).. كان الإنقلاب دموياً بكل معنى الكلمة، حيث تم سحل جثة نوري السعيد في شوارع بغداد وعلّقت جثة الوصي على العرش وخال الملك الأمير عبد الإله على باب وزارة الدفاع. قام بذلك الإنقلاب عميد في الجيش العراقي هو عبد الكريم قاسم، الذي حكم لفترة قصيرة، ثم قتل هو الآخر عام 1963 على يد إنقلابيين آخرين من عسكريين ومدنيين من حزب البعث، حيث كان معظمهم يعيش في سوريا.. وكان ذلك الإنقلاب أول ظهور لإسم صدام حسين عضو الحزب الذي كان معروفا بالصلابة والعنف، ولكنه لم يكن آنذاك في موقع قيادي متقدم. لم تدم تلك الفترة الإ تسعة أشهر فقط، حين إنقلب على الحكم عبد السلام عارف، أحد رجالات إنقلاب تموز 1958.. وكان قد لقي حتفه لاحقا في حادث سقوط طائرته الهليوكوبتر بشكل مثير للشكوك بأنه كان حادث مدبر..! وقد خلفه في رئاسة الجمهورية شقيقه عبد الرحمن عارف وهو شخصية ضعيفة ومسالمة قياسا لمن سبقه.. في مطار بغداد القديم، كان بإستقبالنا دبلوماسي من السفارة الأمريكية بصحبة مترجم عراقي شاب ذكر إسمه الأول وهو (عدنان)، حيث أخذنا الى فندق بغداد في شارع السعدون وسط بغداد، وأخبرنا ان لقاءاً قد حدد لنا مع رئيس الوزراء عبد الرحمن البزاز.. في صالة الفندق، ونحن نرتشف القهوة العربية، إلتفت عدنان الينا قائلا: (إن العراق الجديد سوف يدهشكم.. وستعلمون أنّا لسنا جميعا من القتلة، كما حاولت أن تصور ذلك لكم بعض أجهزة إعلامكم..) |
#4
|
||||
|
||||
![]() الدكتور عبد الرحمن البزاز، كان شخصية هادئة وخجولة، وكان على علاقة صداقة بقيادات بعثية منها السوريان ميشيل عفلق وصلاح البيطار، والأخير كان رئيسا لوزراء سوريا إبان حكم حافظ الأسد لسوريا، وكنت شخصيا قد إلتقيته خلال زيارتي لدمشق في الخريف السابق. كان حديث البزاز عاما تناول فيه الموقف الإسرائيلي وعدائه للعرب، وكذلك عن حركة (التمرد) الكردية في شمال العراق.. هنا طلب (جو) أن نقوم بسفرة الى منطقة كردستان للإطلاع على الوضع هناك.. وافق البزاز ولكنه قال لنا إن ترتيب ذلك سوف يأخذ بعض الوقت..، وإنتبهت الى إشارة من عين عدنان تفيد بأن لا نتكلم في هذا الموضوع..! لاحقا وبعد خروجنا من مكتب البزاز، قال عدنان: إن الشخص الوحيد الذي يمكنه أن يرتب لكم رحلة الى الشمال وبسرعة هو رئيس الجمهورية نفسه، والذي سوف تقابلوه غدا على العشاء.. وفعلا أخبرنا الرئيس عارف أن طائرة هليوكوبتر ستقلنا صباح الغد الباكر من بغداد الى شمال العراق مع بعض المرافقين لنا... في اليوم الثاني، كنا مع الفجر على متن الطائرة التي أقلتنا أولا الى السليمانية، ثم كركوك، ثم دهوك، وأخيرا أربيل، حيث قضينا حوالي ساعتين في كل منطقة تخللتها بعض المحادثات مع مسؤوليين اكراد.. وقد أوضح الجانبين العراقي والكردي عن النية في وقف قريب لإطلاق النار، وإعطاء الكرد حقوقهم. كنا نعلم يقيناً، أن هناك في الشمال بعض الخبراء الإسرائيليين من عسكريين وأجهزة مخابرات قد أُرسلوا من تل أبيب مع أموال وأسلحة لإظهار نوع من التضامن والتعاطف مع الأكراد وكذلك إبقاء الضغط على حكومة بغداد وهو الأهم.. ولكن لم يتطرق أحد الى هذا الموضوع...! بعد عودتي الى بيروت.. بدأت أبحث في كتب التاريخ في مكتبة الجامعة الأمريكية، وكذلك التحدث مع خبراء في شؤون العالم العربي.. لقد كان هناك حذر وخوف من إحتمال نشوب حرب جديدة بين إسرائيل والعرب بدأت بوادرها تلوح في الأفق، وهي الأولى منذ عام 1956، حين تدخل الرئيس الأمريكي آيزنهاور لوقف الهجوم الإسرائيلي ـ البريطاني ـ الفرنسي على مصر بسبب أزمة تأميم قناة السويس من قبل الرئيس المصري آنذاك جمال عبد الناصر. لقد حدثت بعض المناوشات على الحدود الأردنية ـ الإسرائيلية، حين أغار الجيش الإسرائيلي على موقع لفدائيين فلسطينيين، تطلق عليهم إسرائيل (الإرهابيين) ويسميهم العرب (مقاتلون من أجل الحرية)، كذلك حدث نوع من التصادم بين الإسرائيليين والسوريين قرب مقر الأمم المتحدة في الجليل الأعلى ومرتفعات الجولان.. كما كانت هناك عمليات شد وتبادل للتهم بين عبد الناصر وليفي إشكول رئيس وزراء إسرائيل عن حزب العمل.. في ذلك الوقت، تولى موشي دايان وزارة الدفاع الإسرائيلية بما يوحي بقرب سخونة الأحداث...! أما العراق.. فقد كان بعيدا بعض الشيء من قلب الأحداث ومناطقها الجغرافية الساخنة.. ولكن، ولمعرفة كيف أصبح العراق جزءاً من الحرب التي شنتها إسرائيل صبيحة الخامس من حزيران 1967 على كل من مصر والأردن وسوريا لتتغير بعدها خريطة الشرق الأوسط حتى يومنا هذا، لابد من الرجوع الى الوراء وقراءة الأحداث في المنطقة العربية ومنذ مطلع القرن العشرين...!) عند حلول القرن العشرين، كان لبريطانيا مستعمرتين رئيسيتين.. الأولى تضمن تجهيز النفط الذي تحتاجه بريطانيا لأساطيلها البحرية، وإدارة عجلات الصناعة.. والثانية لحماية الطرق البحرية، ولاحقا الجوية الى الهند.. العراق كان المفتاح لكلا المستعمرتين (الهند والعراق) بسبب نفطه وموقعه الجغرافي...! في 1910 بدأ النفط يتدفق من حقل مسجد سليمان في جنوب إيران.. وكانت شركة النفط البريطانية ـ الفارسية، تمثل مورداً إستراتيجياً، بالإضافة الى شركة الهند الشرقية في البصرة ونفوذها ودورها السياسي الإمبريالي لبريطانيا في جيل ما قبل النفط.. البصرة نفسها، تحمل أهمية خاصة لبريطانيا من حيث موقعها الجغرافي، وربط الطرق البرية والبحرية لأوربا والشرق الأوسط بالهند وما وراءها..! يذكر أنه في عام 1903، كانت الحكومة الألمانية الحليفة لتركيا، قد وقّعت إتفاقا مع الإمبراطورية العثمانية لغرض بناء خط سكة حديد يربط بين برلين وبغداد عبر تركيا وسوريا، ولو قدّر لهذا المشروع، وبحسب النظرة البريطانية، من أن يكتمل، فإنه سيفتح أمام ألمانيا الطريق الى البصرة وبالتالي المحيط الهندي..! |
#5
|
||||
|
||||
![]() في أب / أغسطس من عام 1914، بدأ دوي المدافع يسمع في أوربا والشرق الأوسط.. لقد بدأت الحرب العالمية الأولى بين بريطانيا وفرنسا وروسيا من جهة ضد ألمانيا والنمسا والأمبراطورية العثمانية (تركيا) من جهة أخرى.. وفي نوفمبر 1914، نزلت القوات الهندية بقيادة بريطانيا في نفس الموقع تماما الذي نزلت فيه قوات التحالف الأمريكية ـ البريطانية بعد 89 سنة، أي في سنة 2003 في الحرب الأخيرة على العراق، وأعني به ميناء الفاو..! وبعد السيطرة على مدينة البصرة.. ومع بداية عام 1915، بدا الجيش البريطاني بقيادة الجنرال (جارلس تاونسند) بالزحف بإتجاه بغداد..! إلا أنه في منطقة الأهوار، وخصوصا هور الحمّار واجهت تلك القوات مقاومة ضارية من العرب سكان جنوب العراق ومن بقايا الجيش التركي.. مقاومة كانت ربما أكبر بكثير من تلك التي واجهتها قوات التحالف في تقدمها نحو بغداد عام 2003...! على الجبهة الثانية، وفي نفس السنة 1915، الى الغرب من إسطنبول، قاد الجنرال الألماني (كولمان فان دير) الجيش التركي ضد الجيش البريطاني والأسترالي في هجومهما على (غاليبولي) غرب إسطنبول ومضيق الدردنيل.. وأوقف هجومهما...! وبالعودة الى العراق.. فإن القوات التركية واجهت القوات البريطانية على مسافة قريبة من بغداد، وبالذات في منطقة (سلمان باك) أو المدائن، حيث تمكنت القوات التركية من دفع البريطانيين مسافة 100 ميل الى الجنوب، وأعادتها الى منطقة الكوت جنوب بغداد، حيث حاصرتها هناك لمدة 140 يوما ـ إستسلم بعدها الجنود البريطانيون وعددهم 13,000 جندي في حالة من التعب والجوع، وكان ذلك في 16 نيسان / ابريل عام 1916.. مما إعتبره البريطانيون أكبر نصر يحققه (المسلمين)..! على الغرب على مدى قرون...! في ديسمبر 1916، وبعد أن سمع وزير المستعمرات البريطاني ونستون تشرتشل، ووزير الخارجية ديفيد لويد جورج، ومن قبل جواسيسهم في المنطقة، أن المقاومة الشيعية من أهل مدينة النجف قاموا بإخراج الأتراك من مدينتهم.. توهم الإثنان أن إستراتيجية جديدة يمكن وضعها موضع التطبيق اساسها النفرة والصراع الطائفي بين السنة والشيعة، وتم إعتماد الجنرال (ستانلي مود) هذه المرة لقيادة الهجوم البريطاني لإحتلال بغداد.. ولكن الحقيقة أنه كان هناك قصور في الرؤيا البريطانية لفهم العقلية العراقية العشائرية على الأرض حين إعتمدوا على الجانب الطائفي كورقة رابحة..! تماما كما وقع في نفس الخطأ الأمريكان عام 2003 حين إعتقدوا أن وجود حكومة شيعية مرتبطة بهم في بغداد هو الضمان لكسبهم القاعدة الشعبية الشيعية.. ولا زالت أميركا تترنح بعد أربع سنوات من حملتها العسكرية...!! بقيت المقاومة في العراق ضد البريطانيين بكلي طرفيها الشيعي والسني على أوجها في منطقة الأهوار والفرات الأوسط وبغداد وما حولها.. ولكن مع قوة الماكنة العسكرية البريطانية، إستطاع الجنرال مود من دخول بغداد في 15 آذار / مارس 1917. كان مود وبقية قواته منهكين، كما كان داء الكوليرا قد تمكن من بعضهم.. مما أدى الى وفاة الجنرال مود، ودفن في بغداد...! أما على صعيد السياسة، فقد صرحت بريطانيا، انها جاءت لتحرر العراق، وتزرع الديمقراطية فيه..! (وما أشبه ما حدث بالأمس بما حدث لاحقا بعد ثمانية عقود ولا يزال يحدث...!!) في نفس الوقت، وضعت القيادة البريطانية في مصر، خطةُ لإعتماد المقدم لورنس، الذي عرف لاحقا (بلورنس العرب) ليقوم بقيادة حرب عصابات ضد الأتراك في الجزيرة العربية وبالتحالف مع العرب..! ولهذا الغرض، فقد إلتقى لورنس مع بعض المسؤوليين العرب في إجتماع في دمشق عام 1915 لتطمينهم ووعدهم بمنح الإستقلال لدولهم من الإمبراطورية العثمانية.. لقد أطلق على هذا اللقاء (بروتوكول دمشق) وتضمن نوع من الإستقلال للدول العربية، أو بالأحرى بعضها مثل الجزيرة العربية بضمنها اليمن، وسوريا، ولبنان، والعراق..! ولكن في واقع الأمر فإن البروتوكول لم يكن يمثل وجهة النظر السياسية البريطانية الحقيقية، التي أرادت إستخدام العرب لدحر الأتراك.. والتريث في موضوع منح الإستقلال...! |
#6
|
||||
|
||||
![]() كنا قد إنتهينا في القسم السابق الى ما يسمى "بروتوكول دمشق" الذي عقد بين لورنس ممثل بريطانيا في المنطقة العربية، وبعض الزعماء العرب، وتضمن في أحد بنوده على منح الإستقلال لبعض الدول العربية، ولكن في حقيقة الأمر فإن السياسة البريطانية كانت تسعى الى التريث في ذلك لوضع خطط التقسيم والخرائط السياسية المستقبلية موضع التطبيق.. وكان من أهم النقاط التي تحرص عليها الإدارة البريطانية هي الجزيرة العربية وإخراج الهاشميين منها لاسيما وأن الشريف حسين لم يكن موضع الثقة المطلقة من قبل البريطانيين، وأصبحوا اكثر ميلا الى آل سعود ذوي المنهج السياسي وحتى الديني المختلف.. أما النقطة الأخرى فهي فلسطين والوطن القومي لليهود..! في هذا القسم سنكمل سرد سريع للأحداث التاريخية التي تلت الحرب العالمية الأولى 1914ـ 1918 وذلك للوصول الى الأحداث التي تجري في العراق اليوم وإرتباطها بالتاريخ القديم الذي تعرضنا له، وبالتاريخ الحديث الذي مهّد للوضع العربي الحالي...!! كان بيرسي كوكس، المستشار السياسي البريطاني لدى الحلفاء والذي قام بدخول البصرة عند إحتلالها يعمل مع مستشارته الشهيرة (مس بيل) التي إشتهر إسمها بين العراقيين.. وكانت خططهما تقضي بالعمل على كسب إبن سعود، عدو الهاشميين والوهابي المنهج الديني، الى جانب الحلفاء. ومن أجل ذلك قاما بإرسال موفد من قبلهما هو النقيب (دبليو. إج. شكسبير) لكونه صديقا شخصيا لإبن سعود لغرض مفاوضته.. ولكن الذي حدث أن النقيب شكسبير قتل في الطريق عند مروره وسط إشتباك مسلح بين جماعة إبن سعود ومناوئيه.. فلم تكتمل المهمة وتوقفت في تلك المرحلة عند ذلك الحد.. تلى ذلك، قيام ما يسمى (المكتب البريطاني العربي) والذي كان مقره في القاهرة، وهو مكتب إستخبارات بريطاني، بالإتصال بالهاشميين الذين كانوا يحكمون منطقة الحجاز الغربية وإدارة الأماكن المقدسة في مكة والمدينة، وذلك لغرض شن هجوم ضد الأتراك.. وبدأوا بمفاوضاتهم مع الشريف حسين عبر رسائل متبادلة منذ تموز / يوليو 1916.. وكانت رسائل الشريف مع هنري مكماهون المندوب السامي البريطاني في مصر والذي تعهد بمنح الإستقلال للعرب...! كان طلب الإستقلال كما تقدم به الشريف حسين يتضمن كل المنطقة العربية التي كانت تحت الحكم العثماني من مرسين جنوب تركيا شمالا الى حدود إيران شرقا والبحر المتوسط غربا، والبحر الأحمر والمحيط الهندي جنوبا، بإستثناء عدن جنوب اليمن والتي كانت محمية بريطانية أصلا.. لكن ماحصل عليه الشريف، خصوصا في العراق، هو أقل بكثير مما تم الإتفاق عليه، حيث أعرب مكماهون على أن ولايتي البصرة وبغداد يجب أن تكون ـ في هذه المرحلة..! ـ تحت الحكم البريطاني المباشر.. والإبقاء على التطلع الفرنسي في إدارة سوريا ولبنان.. أما وضع فلسطين فقد أبقي غامضا حيث أن ثلثيها كان لايزال يخضع للولاية التركية بما فيها القدس..! على إثر ذلك، أعلن الشريف حسين ثورته على الأتراك من الحجاز في 16 حزيران / يونيو 1916 وإحتل مكة.. في وقت كانت بريطانيا ماضية في خططها الخاصة بتقسيم المنطقة، حيث إجتمع مارك سايكس وزير خارجية بريطانيا مع جورج بيكو وزير خارجية فرنسا لوضع الإتفاقية الشهيرة والمعروفة (بمعاهدة سايكس ـ بيكو)، والتي قسم بموجبها الوطن العربي من جنوب تركيا الى سوريا ولبنان والعراق.. فإخذت فرنسا سوريا ولبنان، فيما أخذت بريطانيا ولايتي بغداد والبصرة إضافة الى شرق الأردن وجزء من فلسطين، فيما ترك الجزء الآخر من فلسطين تحت الحماية الدولية...! أما ما يعرف بالسعودية اليوم، فقد أبقيت خارج هذا التقسيم، فيما إحتفظت بريطانيا على إدارتها للمشيخات العربية في الخليج وكذلك على عدن في جنوب اليمن...! لقد تم دفع الأتراك الذين أنهكتهم الحرب شمالا من قبل الأمير فيصل بن الشريف حسين وتم ذلك بمساعدة (المكتب البريطاني العربي) وبقيادة الضابط (لورنس العرب) وذلك في ربيع عام 1917 أما غزة فقد تمكن الأتراك وبمساعدة الألمان من إستعادتها في حزيران 1917 حيث كانت تحت حكم الجنرال (اللينبي)، والذي حوّل مقر قيادته الى فلسطين.. وتقدم بإتجاه القدس حيث تمكن من إحتلالها في 9 ديسمبر 1917...! في هذا الوقت كانت الثورة البلشفية في روسيا القيصرية قد إبتدأت.. وقد إكتشف قادة الثورة وهم لينين وتروتسكي في ملفات القيصر السرية، النص الكامل لإتفاقية (سايكس ـ بيكو)، وقاموا بدورهم بتسليمها الى الأتراك، الذين أحاطوا القادة العرب علما بها وببنودها السرية، لافتين نظرهم الى نقطة حساسة، وهي أن الغرب (المسيحي) هو في الحقيقة في حرب مع الأتراك والدول العربية لكونهم (مسلمين).. ومثل هذا الطرح، كان له في وقته أثر فاعل لطبيعة المرحلة.. بالرغم من أن ذلك لم يكن الحقيقة بأكملها، بل كانت هناك المصالح الإمبريالية المتطلعة الى موقع المنطقة الجغرافي ومواردها البترولية.. حين إستفسر الشريف حسين من البريطانيين عن هذا الموضوع طالبا بعض الإيضاحات عن البنود السرية للمعاهدة، أخبره البريطانيون أن معاهدة سايكس ـ بيكو ليست أكثر من إتفاق وبروتوكول دبلوماسي وليست معاهدة ملزمة للطرفين...!! |
#7
|
||||
|
||||
![]() ولكن سرعان ما سقطت الحجة البريطانية في 2 نوفمبر 1917، حين نشرت رسالة وزير الخارجية البريطاني (آرثر بلفور) المرسلة الى زعيم الحركة الصهيونية (اللورد روتشيلد) وبما عرف لاحقا (بوعد بلفور). تقول الرسالة (إن حكومة جلالة الملك "بريطانيا" تنظر في موضوع تأسيس وطن قومي لليهود في فلسطين) وتضيف الرسالة (ولكن لا يجوز القيام بأي تعد على الحقوق المدنية أو الديانات الأخرى غير اليهودية، أو أن تؤثر على حقوق اليهود الذين يعيشون في أي بلد آخر..) هذا الوعد هو الذي غيّر خريطة الشرق الأوسط بشكل جذري.. وكان السبب في إشعال الحروب في المنطقة، وعقد إتفاقيات السلام لاحقا، والتي لازالت بدورها تترنح حتى يومنا هذا.. إلا أن الأهم أن بعد هذا الوعد أن الطريق قد فتح أمام شريك جديد وهو الولايات المتحدة الأمريكية..! قام الرئيس الأمريكي آنذاك (وودرو ولسن) بإدخال الولايات المتحدة في الحرب الى جانب الحلفاء وتحت شعار (الحرب لإنقاذ الديمقراطية)...!! ووضع نقاطه الأربعة عشر التي عرفت بمشروع ولسن وذلك في مؤتمر باريس في يناير عام 1919.. لقد حاول ولسن طمأناة كل من بريطانيا وفرنسا الى موقفه الحيادي تجاه صراعهما الإمبريالي على إقتسام المنطقة وحاول التقريب بين وجهات نظرهما، وذلك بعد أن كانت فرنسا تشكو من أنها لم تأخذ ما فيه الكافية من دول المنطقة.. فتم إقناع الفرنسيين بالإبقاء على سوريا ولبنان، فيما أبقت بريطانيا على العراق وشرق الأردن وفلسطين ومصر والجزيرة العربية..! في مؤتمر باريس، وقف الأمير فيصل (الملك فيصل الأول لاحقا) ليلقي كلمته التي إستمرت 20 دقيقة، ويقف خلفه (لورنس العرب)...! حيث إعتبر الأمير فيصل أن نقاط ولسن هي بمثابة إعلان لدول مستقلة في المنطقة العربية...! هذا في الوقت الذي كان الدبلوماسيين الفرنسيين والبريطانيين يجلسون في غرفة مغلقة لوضع خرائط الحدود لتلك الدول، والتي رسمت خريطة الشرق الأوسط آنذاك....! هذا بالطبع فيما عدا فلسطين والتي كان البريطانيون قد طمأنوا زعماء الصهيونية بشأن مستقبلها...!! أما ما يخص العراق، فإن بريطانيا إستثنت الموصل تاركة إياها بشكل (مؤقت) لسوريا، أي للفرنسيين بما يمكن تشبيهه (بحقنة مخدرة)، وركزوا على السيطرة التامة على كل من ولايتي بغداد والبصرة...!! بدأت بريطانيا بحملة (تحرير) البصرة وبغداد عسكريا.. تماما كما قيل في عام 2003 من قبلهم ومن قبل الأمريكان...! واجهت بريطانيا مقاومة شرسة من الآف الجنود الأتراك الذين بقوا بعد إندحار الجيش التركي، وتماما أيضا كما أعاد التاريخ نفسه في 2003، حين واجهت بقايا الجيش العراقي كل من بريطانيا وأميركا. في 1920، وكما في 2003، قامت عشائر شيعية عربية في جنوب العراق بالتصدي للبريطانيين كما قام العرب السنّة في مناطق أخرى بتأسيس جمعيات سرية للمقاومة. إنضوى الشيعة تحت ما يسمى (جمعية النهضة الإسلامية) فيما إنضوى السنّة تحت ما سمي (جمعية حرس الإستقلال) كان لكلا الفريقين وجهات نظر مختلفة، ولكنهما من حيث المبدأ متفقين على ضرورة إخراج المحتل البريطاني..! لقد كانت ثورة العشرين، إنتفاضة عشائرية دينية ووطنية، أكثر منها سياسية أو طائفية.. وقد وضعت البريطانيين وقوتهم على محك الإختبار.. إلا أن البريطانيين ردّوا على ذلك بقسوة حيث إستخدموا طائراتهم الحربية، وضربوا القبائل بالقنابل، وحتى أنهم إستخدموا غاز الخردل، تماما كما فعلوا في الهند قبل سنة واحدة من ذلك التاريخ وفي منطقة (البنجاب) لقد قال وزير الحرب والطيران البريطاني آنذاك ونستون تشرتشل (لقد كان ضرب الحركة يشكل خسارة وكلفة أقل بالنسبة لنا وذلك بإستخدام الطائرات والغاز، ولم يتطلب منا الأمر على الأرض سوى 2000 جندي بريطاني، مضافا اليهم 10,000 جندي هندي!!) نفس الأسلوب تقريبا تم تطبيقه من قبل الجنرال (كولن باول) وزير الدفاع الأمريكي في إحتلال العراق عام 2003..! بإستخدام اليورانيوم المنضب، والقنابل العنقودية، والغازات السامة في جنوب العراق وفي بغداد...!! نعود الى بيرسي كوكس، الذي قام بموافقة الخارجية البريطانية، ووزيرها آنذاك لورد كيرزن بإعلان العراق دولة ملكية، وأختار البريطانيون الأمير فيصل الذي كان الفرنسيون قد عزلوه بعد تنصيبه ملكا على سوريا، ملكا على العراق تحت إسم (الملك فيصل الأول)، والذي وقع على الفور وثيقة تعاون مع البريطانيين ومنحهم سلطات واسعة لإدارة العراق...! |
#8
|
||||
|
||||
![]() ولكن سرعان ما سقطت الحجة البريطانية في 2 نوفمبر 1917، حين نشرت رسالة وزير الخارجية البريطاني (آرثر بلفور) المرسلة الى زعيم الحركة الصهيونية (اللورد روتشيلد) وبما عرف لاحقا (بوعد بلفور). تقول الرسالة (إن حكومة جلالة الملك "بريطانيا" تنظر في موضوع تأسيس وطن قومي لليهود في فلسطين) وتضيف الرسالة (ولكن لا يجوز القيام بأي تعد على الحقوق المدنية أو الديانات الأخرى غير اليهودية، أو أن تؤثر على حقوق اليهود الذين يعيشون في أي بلد آخر..) هذا الوعد هو الذي غيّر خريطة الشرق الأوسط بشكل جذري.. وكان السبب في إشعال الحروب في المنطقة، وعقد إتفاقيات السلام لاحقا، والتي لازالت بدورها تترنح حتى يومنا هذا.. إلا أن الأهم أن بعد هذا الوعد أن الطريق قد فتح أمام شريك جديد وهو الولايات المتحدة الأمريكية..! قام الرئيس الأمريكي آنذاك (وودرو ولسن) بإدخال الولايات المتحدة في الحرب الى جانب الحلفاء وتحت شعار (الحرب لإنقاذ الديمقراطية)...!! ووضع نقاطه الأربعة عشر التي عرفت بمشروع ولسن وذلك في مؤتمر باريس في يناير عام 1919.. لقد حاول ولسن طمأناة كل من بريطانيا وفرنسا الى موقفه الحيادي تجاه صراعهما الإمبريالي على إقتسام المنطقة وحاول التقريب بين وجهات نظرهما، وذلك بعد أن كانت فرنسا تشكو من أنها لم تأخذ ما فيه الكافية من دول المنطقة.. فتم إقناع الفرنسيين بالإبقاء على سوريا ولبنان، فيما أبقت بريطانيا على العراق وشرق الأردن وفلسطين ومصر والجزيرة العربية..! في مؤتمر باريس، وقف الأمير فيصل (الملك فيصل الأول لاحقا) ليلقي كلمته التي إستمرت 20 دقيقة، ويقف خلفه (لورنس العرب)...! حيث إعتبر الأمير فيصل أن نقاط ولسن هي بمثابة إعلان لدول مستقلة في المنطقة العربية...! هذا في الوقت الذي كان الدبلوماسيين الفرنسيين والبريطانيين يجلسون في غرفة مغلقة لوضع خرائط الحدود لتلك الدول، والتي رسمت خريطة الشرق الأوسط آنذاك....! هذا بالطبع فيما عدا فلسطين والتي كان البريطانيون قد طمأنوا زعماء الصهيونية بشأن مستقبلها...!! أما ما يخص العراق، فإن بريطانيا إستثنت الموصل تاركة إياها بشكل (مؤقت) لسوريا، أي للفرنسيين بما يمكن تشبيهه (بحقنة مخدرة)، وركزوا على السيطرة التامة على كل من ولايتي بغداد والبصرة...!! بدأت بريطانيا بحملة (تحرير) البصرة وبغداد عسكريا.. تماما كما قيل في عام 2003 من قبلهم ومن قبل الأمريكان...! واجهت بريطانيا مقاومة شرسة من الآف الجنود الأتراك الذين بقوا بعد إندحار الجيش التركي، وتماما أيضا كما أعاد التاريخ نفسه في 2003، حين واجهت بقايا الجيش العراقي كل من بريطانيا وأميركا. في 1920، وكما في 2003، قامت عشائر شيعية عربية في جنوب العراق بالتصدي للبريطانيين كما قام العرب السنّة في مناطق أخرى بتأسيس جمعيات سرية للمقاومة. إنضوى الشيعة تحت ما يسمى (جمعية النهضة الإسلامية) فيما إنضوى السنّة تحت ما سمي (جمعية حرس الإستقلال) كان لكلا الفريقين وجهات نظر مختلفة، ولكنهما من حيث المبدأ متفقين على ضرورة إخراج المحتل البريطاني..! لقد كانت ثورة العشرين، إنتفاضة عشائرية دينية ووطنية، أكثر منها سياسية أو طائفية.. وقد وضعت البريطانيين وقوتهم على محك الإختبار.. إلا أن البريطانيين ردّوا على ذلك بقسوة حيث إستخدموا طائراتهم الحربية، وضربوا القبائل بالقنابل، وحتى أنهم إستخدموا غاز الخردل، تماما كما فعلوا في الهند قبل سنة واحدة من ذلك التاريخ وفي منطقة (البنجاب) لقد قال وزير الحرب والطيران البريطاني آنذاك ونستون تشرتشل (لقد كان ضرب الحركة يشكل خسارة وكلفة أقل بالنسبة لنا وذلك بإستخدام الطائرات والغاز، ولم يتطلب منا الأمر على الأرض سوى 2000 جندي بريطاني، مضافا اليهم 10,000 جندي هندي!!) نفس الأسلوب تقريبا تم تطبيقه من قبل الجنرال (كولن باول) وزير الدفاع الأمريكي في إحتلال العراق عام 2003..! بإستخدام اليورانيوم المنضب، والقنابل العنقودية، والغازات السامة في جنوب العراق وفي بغداد...!! نعود الى بيرسي كوكس، الذي قام بموافقة الخارجية البريطانية، ووزيرها آنذاك لورد كيرزن بإعلان العراق دولة ملكية، وأختار البريطانيون الأمير فيصل الذي كان الفرنسيون قد عزلوه بعد تنصيبه ملكا على سوريا، ملكا على العراق تحت إسم (الملك فيصل الأول)، والذي وقع على الفور وثيقة تعاون مع البريطانيين ومنحهم سلطات واسعة لإدارة العراق...! |
#9
|
||||
|
||||
![]() بالعودة الى أميركا، وتطلعاتها، وكما أشرنا سابقا، فقد كان رئيسها ولسن، والذي هو أصلا بروفيسور في القانون، وحاكما لولاية نيوجيرسي قبل أن ينتخب رئيسا عام 1912 (جددت ولايته عام 1916) غير متحمس أول الأمر في دعم قوات الحلفاء والإشتراك في الحرب، بل حاول إيجاد وسائل لإيقافها.. ولكن قيام غواصة ألمانية بإغراق سفينة تجارية أمريكية في مياه المحيط الأطلسي، جعلته يتدخل في الحرب ضد ألمانيا وتركيا.. وبعد إنتهاء الحرب، كان لابد لأميركا من الحصول على (الغنائم)، وربما من أهم تلك الغنائم (نفط العراق)...!، لكن بريطانيا إستمرت بضغوطها وانتهت الى تقسيم نفط العراق بينها وبين أميركا وهولندا وفرنسا ذات الحصص الأقل، فيما أبقت شركة (نفط العراق ـ آي بي سي) سيطرتها على 23 % وخصوصا حقول نفط كركوك التي بدأ إنتاجها عام 1927 وحقول الموصل، إضافة الى حصصها في حقول الجنوب بما كان يعرف بشركة النفط البريطانية ـ الفارسية، والتي تحولت الى إسم (بريتش بتروليوم).. فيما أطلقت يد أميركا في نفط السعودية والكويت وبقية المشايخ العربية شرق الجزيرة...! على الصعيد السياسي، لعب رئيس الوزراء البريطاني ونستون تشرتشل، ومن خلال كافة المناصب التي شغلها ومنها وزير الحرب ووزير المستعمرات دوراً في وضع اللمسات الأخيرة في تقسيم المنطقة العربية، حيث أبقى فرنسا في كل من سوريا ولبنان وبعيداً عن فلسطين.. وكذلك منح شرق الأردن الى الملك عبد الله الأول وإبقائها تحت الإدارة البريطانية، ثم لعب الدور الكبير في تنفيذ وعد بلفور من خلال صلته الوثيقة بتيودور هيرتزل الأب الروحي للصهيونية العالمية، ومن المؤمنين بإحياء (مملكة إسرائيل) التوراتية..! مع كل ذلك.. بقيت العين الإسرائيلية على العراق كجزء من تاريخها (الديني والقومي).. وكانت بريطانيا، ثم اميركا بعد ذلك على إحاطة تامة بإبعاد المخطط، ومن أكبر حلفاء إسرائيل وأحلامها في العراق والمنطقة، والذي أُبتدأ بتنفيذها عام 2003، وبعد ألفي عام من سقوط مملكة إسرائيل...! يقول الكاتب والصحفي جون كولي: في يوم غائم من شهر كانون الثاني / يناير 1969، كنا حوالي 15 صحفيا في الباص الذي أقلنا الى فندق بغداد وسط العاصمة العراقية لقد جئنا لتغطية خبر الإعدام العلني في 27 من الشهر، والذي عرضه تلفزيون بغداد ويظهر 14 جثة معلقة في ساحة التحرير، مركز بغداد. من بين هؤلاء 9 من اليهود العراقيين.. وقد تم تنفيذ حكم الإعدام بهم لتجسسهم لصالح إسرائيل.. واضافت بعض وسائل الإعلام "ولصالح الولايات المتحدة".. وحين سألنا عن التفاصيل.. قام أحد الأشخاص بالإعلان عن طريق المايكروفون في الباص "أنه بإمكاننا الذهاب الى أي مكان نشاء.. والتكلم مع أي شخص نرغب بالكلام معه..!". عندها طلبنا أن نذهب الى منطقة يهودية في بغداد.. ومضى الباص بنا في شوارع فرعية ضيقة، وأخيرا توقف قرب كنيسة يهودية في إحدى المناطق، وسمح لنا بالدخول الى الكنيسة، حيث وجدنا في الداخل أحد الحاخامات اليهود وكان في الثمانينات أو ربما التسعينات من عمره ويقف الى جانبه شاب يرتدي على رأسه القلنسوة اليهودية، وقام بترجمة ما كان يقوله الحاخام الذي تكلم باللغة العربية، ومما قال: "أنظروا.. نحن أبقينا على الكنيسة.. ونمارس عبادتنا كبقية الأديان وبحرية". كان يقف خارج البناية أحد ألأفراد ويبدو أنه من جهاز المخابرات يرتدي بدلة سوداء انيقة، ويحمل بيده جهاز راديو للإتصالات.. ولاحظنا أنه يحمل تحت جاكيته مسدسا أو ربما رشاش صغير.. ولا نخفي، أننا كنا نتوقع في تلك الظروف أي شيء من الإعتقال الى ما هو أسوأ..!. وفجأة تكلم الينا ذلك الشخص قائلا: أننا هنا في دعوة رسمية.. كمن يحاول طمأنتنا.. ثم بدأ يتكلم بجهاز الراديو، ثم ناوله الى ضابط كان يقف قريبا منه، وكنا نسمع الضابط يردد عبارة "نعم سيدي.. نعم سيدي.."، ثم اشار الينا بيده أن نعود الى الباص، الذي تحرك بنا.. كنا على أحد الجسور التي فوق نهر دجلة حين أخذت الكاميرة التي كانت معي، ومن شباك الباص، إلتقطت صورة للنهر.. وكان ذلك كما يبدو خطأ كبير إرتكبته ولم أحسب حسابه.. إذ فجأة سارت بمحاذاة الباص سيارتين من نوع "بيجو"، يظهر أنهما كانتا مرافقتين لنا، ثم سبقتنا إحداهما ووقفت أمام الباص بشكل متقاطع، حيث وقف الباص في منتصف الجسر.. ثم قام مرافقنا بالتوجه نحوي قائلا "الكاميرة.. الكاميرة.." ماداً يده ليأخذها. هما إلتفت إلي زميل لي وهو "أريك بيس" من صحيفة نيويورك تايمز ليقول لي: "إعطه الكاميرة.. إنه يظن أننا جواسيس نلتقط بعض الصور الممنوعة.."، وقمت بتسليمه الكاميرة، ثم بدأ يتكلم بجهاز الراديو الذي معه.. وبعد دقائق، قام بفتح الكاميرة ليأخذ الفلم من داخلها، وأرجعها لي.. ثم قال لنا أننا سوف نذهب الى محطة التلفزيون.. بعد فترة وجيزة وصلنا الى المحطة، حيث تم جلوسنا في صالة، وكانوا يقدمون لنا الشاي، إلا أنه لم يكلمنا أحد.. ولاحظنا أن مرافقنا إختفى في إحدى الغرف الجانبية.. بقينا هناك لمدة ساعتين، ثم بدأ الظلام مع حلول المساء، عندها قدم أحد الأشخاص وأخبرنا أننا سنذهب الى وزارة الإعلام حيث سيتم فحص الصور والأفلام التلفزيونية التي إلتقطناها، وسيتم إرسالها عبر الوزارة كما تقتضي التعليمات.. وذاك ما حدث حيث رجعنا الى الفندق، لنغادر من مطار بغداد صباح اليوم التالي...! بعد 34 عاماً على هذه الرحلة، وكانت بغداد قد سقطت تحت الإحتلال الأمريكي.. كانت لا تزال هناك جالية يهودية بسيطة لا تتعدى 26 شخصا من بينهم أبن الحاخام الذي قابلناه عام 1969، وكان هو المسؤول عن الجالية...! ولكن أيضا، علمنا، أن اليهود، وفي فترة ما بعد الإحتلال الأمريكي... بدأوا بشراء الأراضي والأملاك من دور وعمارات في بعض مناطق بغداد، ومن خارج العراق وبترتيب ومساعدة أشخاص كانوا في السلطة الحكومية العراقية في بداية فترة الإحتلال...!!! لقد بدأ مجدداً الصراع التلمودي الإسرائيلي القديم مع العراق....!!! |
#10
|
||||
|
||||
![]() هنا لابد من الرجوع مجددا الى فترة العشرينات والثلاثينات من القرن العشرين، لنواصل الأحداث في محاولة لربط الماضي بما يحدث اليوم.. حيث كانت يومها فلسطين تحت الإدارة البريطانية المباشرة.. والعراق الملكي تحت الحماية البريطانية..! ولفهم ما حدث آنذاك وما حدث لاحقا، سنلقي أولا نظرة على حياة اليهود العراقيين. يؤكد بعض المؤرخين أن عدد اليهود في بغداد أو (ولاية بغداد) العثمانية في القرن التاسع عشر، كان يوازي عدد المسيحيين، ويقترب من عدد المسلمين. وكما كان حال جميع الأقليات العراقية مثل الكلدان والآشوريين واليزيديين، فإن اليهود أيضا عاشوا معهم وجنبا الى جنب مع المسلمين ومع العرب أو في مناطق الكرد، وكانوا عائلات معروفة، ويتمتعون بحرياتهم الدينية والإجتماعية والإقتصادية التجارية، ويطلق عليهم بالعربية (الملّة) كما هو الحال مع المسيحيين، وذلك للتعبير عن الديانة يعتبر اليهود العراقيين أنفسهم ورثاء طبيعيين لليهود البابليين القدامى، وخلفائهم في العادات والتقاليد.. وغالبا ما كانوا متقدمين في الأعمال التجارية والمصرفية، كما في المهن التخصصية والحرفية، وظهر منهم العديد من الأطباء والمحامين ورجال الأعمال الكبار. يقول الباحث (حنا بطاطو)، أنه في عام 1927 عندما أُسست غرفة تجارة بغداد، كان هناك من الأعضاء المؤسسين شركات بريطانية وفرنسية، إضافة الى التجار العراقيين.. وهؤلاء أُطلق عليهم "أعضاء الدرجة الأولى"، وذلك لكون رأس مال كل منهم لا يقل عن 27,500 دينار عراقي.. وكان هذا مبلغا كبيرا آنذاك...! وفي عام 1939، أي تاريخ الحرب العالمية الثانية، كان عدد أعضاء الغرفة 498 عضواً، منهم 215 يهوديا.. ويضيف بطاطو عن تقرير بريطاني، أن اليهود في البصرة كانوا يقودون العمل التجاري أكثر من المسلمين أو المسيحيين، ومع حلول عام 1920، بدأوا بتوسيع تجارتهم من العراق الى إيران، وكانوا منافسين حقيقيين للتجار والشركات البريطانية التي قدمت الى العراق بإستيرادهم البضائع البريطانية من بريطانيا ومن الهند، ثم بدأوا بإمتلاك شركاتهم الخاصة في كل من بريطانيا والهند ويسجل لنا أن أحدهم وهو (عزرا ساسون) كانت أملاكه تقدر في تلك الفترة بمليوني دولار.. كما كان هناك أيضا من التجار الكبار (زيون بخّور) و(عزرا صالح) اللذان يملكان شركات في بومبي في الهند وفي لندن.. لقد كانت عائلة ساسون من أغنى وأقوى العوائل اليهودية ماليا وتجاريا، وقد اطلق بعضهم عليها (روتشيلد العراق).. مؤسسها هو داود ساسون عام 1850 حيث كان منذ ذلك الوقت يتاجر مابين العراق والهند واليابان واوربا، وعندما توفي في 1864، تولى ورثته إدارة إمبراطوريته التجارية ووسعت لتغطي سنغافورة والشرق ألأقصى، ودخلت مجال الصيرفة والبنوك.. ولعل من بقايا هذه الشركات في وقتنا الحاضر الشركة البريطانية المعروفة لمستحضرات التجميل وصالوناته وهي شركة (فيديل ساسون).. أما سفير أسرائيل في اليونان وحتى عام 2005 فهو أحد الأحفاد ويدعى ديفيد (داود) ساسون.. في فترة الإحتلال البريطاني للعراق، عمل اليهود بالتنسيق مع المسلمين وغيرهم من التجار العراقيين وبقوا مبتعدين عن الأمور السياسية الخاصة بالبلد في ظاهر حالهم ولهذا فإنه عند نشوء المشكلة الإسرائيلية الفلسطينية، لم تتأثر هذه العوائل بإنعكاسات هذه المشكلة في بداياتها في الثلاثينات والأربعينات...! شهدت فترة الثلاثينات في العراق إضطرابات سياسية، وظهور تكتلات وطنية وقومية. من أبرز الأحداث آنذاك كان إنقلاب (بكر صدقي)، ثم موت الملك غازي في حادث إصطدام سيارته وبشكل غامض.. ثم وصول مفتي القدس أمين الحسيني الى العراق بعد أن كان قد نفاه البريطانيون من فلسطين الى سوريا.. ثم بدأت حركة رشيد عالي الكيلاني عام 1941، حيث قام بعزل عبد الإله الوصي على عرش العراق بعد موت الملك غازي، الذي ترك ورئيس وزرائه نوري السعيد الى خارج العراق.. حينها نزلت القوات البريطانية في البصرة مجدداً، وتحركت قوات أخرى من غرب العراق وتم القضاء على الحركة الإنقلابية وأعدم أبرز قادتها.. يقال أنه تم قتل 100 يهودي خلال الإضطرابات التي وقعت عند حدوث إنقلاب رشيد عالي.. وسرعان ما إلتقط ذلك (ديفيد بن غوريون) أحد زعماء الصهيونية العالمية وأول رئيس وزراء إسرائيلي ليطالب بإجلاء اليهود من العراق حفظاً على سلامتهم..! وهو ما كان قد تقرر سابقا في المؤتمر الصهيوني بالعمل على فتح الهجرة الى فلسطين وتشجيعها بالإغراءات أو بالقوة.. والى ذلك يشير (شلومو هليل) العراقي الأصل ومؤلف كتاب (عملية بابل) في مذكراته..! وفعلا، وبعد أن تم تأسيس ميليشيات (الهاغانا) الصهيونية في فلسطين عام 1942، بدأت الصهيونية العالمية تركز على يهود العراق والدول العربية الأخرى، والذين كانوا في الحقيقة غير متحمسين لتلك الهجرة..! وبدأت الهاغانا بتهريب وكلائها الى العراق خصوصا لتحقيق هذا الغرض، ومن أبرز أولئك الوكلاء ثلاثة هم: شاؤول أفيكار، أنزو سريني، سماريا كاتمان.. الذين وصلوا الى العراق من فلسطين، في مهمة وضع نواة للحركة الصهيونية خصوصا بين الشباب اليهودي...! ووضعوا خطة لتهريب الأسلحة اليهم عبر شرق الأردن وتركيا وإيران، كما بدأوا بوضع برامج تدريبية لهم.. وفي عام 1943، أدخلوا نظام الإتصالات بالراديو اللاسلكي وبرسائل سرية مشفرة مع تنظيم الموساد الأسرئيلي في تل أبيب الذي كان يتولى عمليات تهجير اليهود وتوطينهم في فلسطين...! بحلول عام 1951، كانت النواة التي بدأها الوكلاء الصهاينة الثلاثة في العراق عام 1942، قد وصلت الى 16 فرعاً وحوالي 2000 عضواً، منهم 300 مجند قد أكملوا تدريبهم العسكري..! لقد أوضح شلومو هليل دوره الرئيسي في هذه العملية والتي أطلق عليها (عملية عزرا ـ ناحيميا) وهو الإسم الرمزي المقتبس من التوراة، فيقول أنه كان يتحرك مابين فلسطين والعراق، وبالطائرة أحياناً، وأحياناً بإرتداء الزي العربي (العباءة والعقال) ليتنقل بالطرق البرية مابين فلسطين والعراق وتركيا وإيران، في حين كان قد تم إنشاء محطة مخابراتية للموساد في بغداد نفسها تحمل أسماء رمزية ثلاث هي (ديكيل) و(أورين) و(بيرمان).. أما في طهران فكانت المحطة الأكبر وتحمل أيضا أسماء رمزية ثلاثة هي (كولدمان) و(نوري) و(ألون).. هذه الأسماء كانت تستخدم في الشفرة اللاسلكية بين بغداد وطهران وتل أبيب..! كان الإسرائيليون يستخدمون جبال شمال العراق للتنقل الى إيران وبمساعدة من الأكراد الذين كانوا قد بدأوا علاقات حميمة مع الإسرائيليين...! قامت الخلايا الإسرائيلية بنقل اليهود من عبادان وخرمشهر وديسفول وكرمنشاه الى طهران أولاً، ثم عن طريق البر الى تركيا، ومنها الى فلسطين.. وأحيانا إستخدام الطريق الجوي المباشر من طهران الى فلسطين. عمل شلومو هليل في بغداد في 1947 و1948 و1950، وفي طهران 1949، وعمل على تنظيم ترحيل اليهود. وقد تمّ إختيار منطقة (بيت سين) في فلسطين لهبوط الطائرات القادمة من طهران او أماكن أخرى لكونها بعيدة عن مقرات وتواجد القوات البريطانية..! في 1950 منح الموساد شخصية جديدة لشلومو هليل وهي (تشارلس أرمسترونغ) من (مؤسسة الشرق الأدنى للنقل الجوي)...! في كتابه الموسوم (عملية بابل) وصف لنا شلومو هليل كيف أن (تشارلس أرمسترونغ)..!! قام في 1949 بعقد صفقات ناجحة مع نظام نوري السعيد على شكل إتفاق لمدة سنتين يقوم خلالها بنقل اليهود العراقيين جواً من بغداد الى إسرائيل.. وقد إستطاع نوري السعيد من تمرير قانون في البرلمان العراقي يسمح لليهود العراقيين بمغادرة العراق (إذا هم شاءوا ذلك..!)، وفي حالة سفرهم تسقط عنهم الجنسية العراقية، وتجمد أموالهم في العراق...!، وقد حدد شهر آذار 1951 موعداً لإنتهاء العمل بهذا القانون...! لقد كان القانون بالطبع يخدم الإسرائيليين الذين نجحوا من خلاله في ترحيل 100،000 يهودي عراقي الى فلسطين، ومعظمهم من المثقفين والمهنيين والحرفيين من الذين تحتاجهم فعلا (دولة) إسرائيل وهي في بداية تأسيسها.. كان هذا في الوقت الذي كانت فيه حكومة نوري السعيد قد قررت إرسال الجيش العراقي ليقاتل الإسرائيليين غرب نهر الأردن (الضفة الغربية حاليا) مع بقية الجيوش العربية....!! أما (نعيم غيلادي) اليهودي العراقي المولد، والذي إنتقل بعد ذلك للعيش في الولايات المتحدة، فيتحدث لنا في عام 1998 من أميركا حيث يقيم، عن عائلته (هارون) والتي تعتبر من العوائل المحافظة الدينية في العراق، وكيف أنهم أعادوا بناء قبر النبي (أزيكيل) او (ذي الكفل) قرب آثار بابل القديمة.. ويذكر أنه شخصيا عمل مع نواة الموساد في العراق عند تأسيسها وأنه قد قبض عليه في عام 1947 وهو في سن 18 من قبل الشرطة السرية في بغداد عندما كان يحاول أن يهرّب شاب يهودي في مثل عمره آنذاك. وعند التحقيق معه لمعرفة بقية أعضاء شبكته، تم نزع ملابسه وإيداعه غرفة باردة في السجن في شهر كانون الثاني / يناير، وكانوا يصبّون عليه الماء البارد، ثم تم تحويله الى سجن (أبو غريب) سيء الذكر وقت صدام وبعد الإحتلال الأمريكي. ويكمل أنه تمت محاكمته وحكم بالإعدام.. ولكن تم تهريبه من السجن بتزويده بملابس عسكرية، وتم إيصاله أخيراً الى إسرائيل في مارس 1950. في إسرائيل تم تغيير أسمه الى (هلاسكي) ليصبح إسمه مشابهاً لأسماء اليهود (الأشكيناز) أي اليهود الغربيين القادمين من أوربا، حيث كانت هناك تفرقة ولا زالت بين اليهود الشرقيين والغربيين داخل إسرائيل.. مما جعله يترك الى الولايات المتحدة.. إلا أنه يشير أيضا الى تبوأ الكثير من اليهود العراقيين لمناصب رفيعة منهم على سبيل المثال وزير الدفاع الإسرائيلي في حكومة أيريل شارون (شاؤول موفاز)، وهناك أيضا ديفيد ليفي، ويهودا شينهاف الذي ينحدر من عائلة (المعلم) اليهودية العراقية، ووالده صالح شينهاف كان من التجار العراقيين، وقد إستوطنوا في صحراء النقب مع 40 يهودي عراقي آخر، وأطلقوا على أنفسهم (فريق البابليون). يهودا هذا قتل عام 1991 وعمره 62 عاما في أحد الصواريخ التي أطلقها صدام حسين على تل أبيب. |
الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1) | |
|
|
|
Powered by vBulletin V3.8.5. Copyright © 2005 - 2013, By Ali Madkour |