|
|||||||
| ملتقى القرآن الكريم والتفسير قسم يختص في تفسير وإعجاز القرآن الكريم وعلومه , بالإضافة الى قسم خاص لتحفيظ القرآن الكريم |
|
|
أدوات الموضوع | انواع عرض الموضوع |
|
#1
|
||||
|
||||
|
حرص الصحابة رضي الله عنهم على اقتران العلم بالقرآن بالعمل به الشيخ أ. د. عرفة بن طنطاوي لَما تلقَّى الصحابة رضوان الله عليهم الإيمان قبل القرآن، أثَّر ذلك في صلاح قلوبهم، وحرَصوا على اقتران العلم بالقرآن بالعمل به، ولم يَفصِلوا بينهما بفاصلٍ، وفي نحو ذلك يقول ابن عمر (ت: 73هـ) - رضي الله عنهما-: كان الفاضِلُ من أصحابِ النبيِّ في صَدْرِ هذه الأُمَّةِ لا يحفظُ من القرآنِ إلا السورة أو نحوها، ورُزِقوا العملَ بالقرآن، وإنَّ آخرَ هذه الأُمَّةِ يُرْزَقُون القرآنَ منهم الصبي والأعمى، ولا يرزقون العملَ به"[1]. ومما يصوِّر تلك المعاني العظيمة في نفوس الصحابة - رضي الله عنهم - وحرصهم على اقتران العلم بالعمل قصة بَيْرُحَاءَ - حديقة - أبي طلحة الأنصاري - رضي الله عنه - فقد ثبت في الصحيحين واللفظ للبخاري منْ حديث أنس - رضي الله عنه - من طريق إِسْحَاقَ بْنِ عَبْد ِاللَّهِ بْنِ أَبِي طَلْحَةَ أَنَّهُ سَمِعَ أَنَسَ بْنَ مَالِكٍ - رَضِي اللَّه عنه - يَقُولُ كَانَ أَبُو طَلْحَةَ أَكْثَرَ الْأَنْصَارِ بِالْمَدِينَةِ مَالًا مِنْ نَخْلٍ وَكَانَ أَحَبُّ أَمْوَالِهِ إِلَيْهِ بَيْرُحَاءَ وَكَانَتْ مُسْتَقْبِلَةَ الْمَسْجِدِ وَكَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَدْخُلُهَا وَيَشْرَبُ مِنْ مَاءٍ فِيهَا طَيِّبٍ قَالَ أَنَسٌ: فَلَمَّا أُنْزِلَتْ هَذِهِ الْآيَةُ ﴿ لَنْ تَنَالُوا الْبِرَّ حَتَّى تُنْفِقُوا مِمَّا تُحِبُّونَ ﴾ [آل عمران: 92]، قَامَ أَبُو طَلْحَةَ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، إِنَّ اللَّهَ تَبَارَكَ وَتَعَالَى يَقُولُ: ﴿ لَنْ تَنَالُوا الْبِرَّ حَتَّى تُنْفِقُوا مِمَّا تُحِبُّونَ ﴾، وَإِنَّ أَحَبَّ أَمْوَالِي إِلَيَّ بَيْرُحَاءَ، وَإِنَّهَا صَدَقَةٌ لِلَّهِ أَرْجُو بِرَّهَا وَذُخْرَهَا عِنْدَ اللَّهِ، فَضَعْهَا يَا رَسُولَ اللَّهِ حَيْثُ أَرَاكَ اللَّهُ، قَالَ: فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم -: بَخٍ ذَلِكَ مَالٌ رَابِحٌ، ذَلِكَ مَالٌ رَابِحٌ، وَقَدْ سَمِعْتُ مَا قُلْتَ، وَإِنِّي أَرَى أَنْ تَجْعَلَهَا فِي الْأَقْرَبِينَ، فَقَالَ أَبُو طَلْحَةَ: أَفْعَلُ يَا رَسُولَ اللَّهِ، فَقَسَمَهَا أَبُو طَلْحَةَ فِي أَقَارِبِهِ وَبَنِي عَمِّهِ"[2]. وكان حرصهم الشديد - رضي الله عنهم- على أن ينتقل علمهم بالقرآن إلى حيِّز وواقع العمل به، وعلى أن يعيش حامل القرآن ويحيى به، وأن تظهر وتتجلى أخلاق القرآن في فعاله كلها، وهم كما كانوا كذلك قولًا وعملًا، فقد كانت وصيتهم لأهل القرآن كذلك، وفي نحو هذا المعنى يوصي علمٌ من أعلام الصحابة من السابقين الأولين، يوصي أهلَ القرآن بتلك الوصايا الجامعة المانعة، ألا وهو ابن مسعود (ت: 32هـ) - رضي الله عنه - حيث يقول: "ينبغي لحاملِ القرآنِ أَنْ يُعرفَ بليلِه إذا الناسُ ينامون، وبنهارِه إذا الناسُ يُفطرون، وبحزنِهِ إذا الناس يَفرَحون، وببكائِه إذا الناسُ يَضحكون، وبِصَمتِه إذا الناسُ يَخُوضُون، وبخشوعِه إذا الناس يختالون، وينبغي لحاملِ القرآن أَنْ يكونَ مُستكينًا لَيِّنًا، ولا ينبغي له أن يكونَ جَافيًا ولا مماريًا ولا صَيَّاحًا ولا صَخَّابًا ولا حديدًا"[3]. ويقول - رضي الله عنه - أيضًا: "لا تَهُذُّوا القرآنَ هذ الشِّعْر، وتَنثروه نَثْرَ الدَّقَل، وقِفُوا عند عجائبِه، وحَرِّكوا به القلوب، ولا يكن هَمُّ أحدِكم مِن السورة آخرَها" [4]. لذا كان تأثير الصحابة -رضي الله عنهم - في جيل التابعين - رحمهم الله - تأثيرًا عظيمًا، فقد غرزوا في نفوسهم ما تلقَّوْه من نبيهم - صلى الله عليه وسلم - من حب القرآن وحب العمل به، وامتثال ما ورد فيه، وتدبُّر آياته وإجلاله، ولننظر بعين الاعتبار والاتعاظ لكلماتِ سطَّرها يراع رجل هو واحد من طليعة جيل التابعين، إنه الحسنُ بن يسار البصري - رحمه الله - (ت: 110هـ)؛ حيث يقول في ذلك المعنى: "إنَّ هذا القرآنَ قَرَأَه عبيدٌ وصبيانٌ لم يأخذوه مِن أوَّله، ولا عِلْمَ لهم بتأويلِه، إنَّ أَحقَّ الناسِ بهذا القرآنِ مَن رُئِي في عملِه، قال اللهُ عز وجل في كتابه: ﴿ كِتَابٌ أَنزَلْنَاهُ إِلَيْكَ مُبَارَكٌ لِّيَدَّبَّرُوا آيَاتِهِ وَلِيَتَذَكَّرَ أُولُو الْأَلْبَابِ ﴾ [ص: 29]، وإنَّما تَدبُّرُ آياتِه اتّباعُه بعملِه، أَمَا واللهِ ما هو بحفظِ حروفِهِ وإِضاعةِ حدودِهِ! حتى إنَّ أحدهم لَيقول: قد قَرَأْتُ القرآنَ كلَّه فما أَسْقَطتُ منه حرفًا، وقد واللهِ أَسقَطَه كلَّه! ما يُرَى له القرآنُ في خُلُقٍ ولا عمل! حتى إنَّ أحدَهم لَيقول: إني لأقرأُ السورةَ في نَفَسٍ واحدٍ، واللهِ ما هؤلاءِ بالقُرَّاءِ ولا العلماءِ ولا الحكماءِ ولا الوَرَعةِ! متى كانت القُرَّاءُ تقولُ مثل هذا؟ لا أَكْثَرَ اللهُ في الناسِ مثلَ هؤلاء"[5]. وهذا المنهجُ الرباني هو الذي خَرَّجَ تلك الأجيال وصَنَعَها، ولو عاد الخَلَفُ لما كان عليه السلف من تَلَقي القرآنَ على نفس منهْجم في تلقِّيه، لسادوا الدنيا وفتحوا البلاد، وما قَصرت بهم هِممُهم عن إزلال القياصرة، ولنهَضت بهم قوتُهم فكسَّروا وحطَّموا ظهور الأكاسرة. ومن أبين مظاهر حرصهم - رضي الله عنهم - على اقتران العلم بالقرآن بالعمل به: ما ثبت في الصحيحين من موقف ثابت بن قيس بن شمَّاس (ت: 12هـ) - خطيب الأنصار - والذي كان من عادته أنه يرفَع صوته أثناء الكلام، فلما نزلت هذه الآية: ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَرْفَعُوا أَصْوَاتَكُمْ فَوْقَ صَوْتِ النَّبِيِّ وَلا تَجْهَرُوا لَهُ بِالْقَوْلِ كَجَهْرِ بَعْضِكُمْ لِبَعْضٍ أَنْ تَحْبَطَ أَعْمَالُكُمْ وَأَنْتُمْ لا تَشْعُرُونَ﴾[الحجرات: 2] - جلس ثابت بن قيس في بيته وقال: "أنا من أهل النار". واحْتَبَس عن النبي - صلى اللهم عليه وسلم - فسأل النبي - صلى اللهم عليه وسلم - سعدَ بن معاذ فقال: ((يا أبا عمرو، ما شأن ثابت، أَشتكى؟!))، قال سعد: إنه لَجاري، وما علمت له بشكوى، قال: فأتاه سعدٌ، فذكر له قول رسول الله - صلى اللهم عليه وسلم - فقال ثابت: أُنْزِلَتْ هذه الآية، ولقد علمتم أنِّي من أرفعكم صوتًا على رسول الله - صلى اللهم عليه وسلم - فأنا من أهل النار، فذَكَرَ ذلك سعدٌ للنبيِّ - صلى اللهم عليه وسلم - فقال رسول الله - صلى اللهم عليه وسلم -: ((بل هو من أهل الجنة)) [6]. [1] الجامع لأحكام القرآن: (1 /30). [2] أخرجه البخاري: (1461) واللفظ له، ومسلم: (998). [3] أخرجه ابن أبي شيبة في المصنف 8 /305. [4] مختصر قيام الليل للمروزي: (ص:132). [5] الزهد والرقائق لابن المبارك ت: أحمد فريد ج6/ 610 رقم 742 ط دار المعراج. [6] رواه البخاري (4846)، ومسلم: (119).
__________________
|
| الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1) | |
| أدوات الموضوع | |
| انواع عرض الموضوع | |
|
|
|
|
|
Powered by vBulletin V3.8.5. Copyright © 2005 - 2013, By Ali Madkour |