خطبة ماذا بعد الحج - ملتقى الشفاء الإسلامي

 

اخر عشرة مواضيع :         حدث في مثل هذا اليوم ميلادي ... (اخر مشاركة : أبــو أحمد - عددالردود : 4957 - عددالزوار : 2061703 )           »          إشــــــــــــراقة وإضــــــــــــاءة (متجدد باذن الله ) (اخر مشاركة : أبــو أحمد - عددالردود : 4533 - عددالزوار : 1330375 )           »          ابتسامة تدوم مدى الحياة: دليلك للعناية بالأسنان في كل مرحلة عمرية (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 47 )           »          كم يحتاج الجسم من البروتين يوميًا؟ (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 32 )           »          أطعمة ممنوعة للمرضع: قللي منها لصحة طفلك! (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 26 )           »          مكملات البروبيوتيك: كل ما تحتاج معرفته! (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 45 )           »          التخلص من التوتر: دليلك لحياة متوازنة! (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 53 )           »          أطعمة مفيدة لمرضى الربو: قائمة بأهمها! (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 34 )           »          كيفية التعامل مع الطفل العنيد: 9 نصائح ذكية! (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 36 )           »          كيف يؤثر التدخين على لياقتك البدنية وأدائك الرياضي؟ (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 39 )           »         

العودة   ملتقى الشفاء الإسلامي > قسم الصوتيات والمرئيات والبرامج > ملتقى الصوتيات والاناشيد الاسلامية > ملتقى الخطب والمحاضرات والكتب الاسلامية
التسجيل التعليمـــات التقويم اجعل كافة الأقسام مقروءة

ملتقى الخطب والمحاضرات والكتب الاسلامية ملتقى يختص بعرض الخطب والمحاضرات الاسلامية والكتب الالكترونية المنوعة

إضافة رد
 
أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
  #1  
قديم 02-12-2020, 06:43 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم غير متصل
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 158,695
الدولة : Egypt
افتراضي خطبة ماذا بعد الحج

خطبة ماذا بعد الحج
د. سعود بن غندور الميموني




إِنَّ الحَمدَ للهِ، نَحْمَدُهُ وَنَسْتَعِينُهُ وَنَسْتَغْفِرُهُ، وَنَعُوذُ بِاللهِ مِنْ شُرُورِ أَنْفُسِنَا وَسَيِّئَاتِ أَعْمَالِنَا، مَنْ يَهْدِهِ اللهُ فَلَا مُضِلَّ لَهُ، وَمَنْ يُضْلِلْ فَلَا هَادِيَ لَهُ، وَأَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ، وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ تَسْلِيمًا كَثِيرًا.. أمَّا بَعدُ:

فَأُوصِيكُم - أيُّها الإِخْوَةُ - ونَفْسِي بتقْوَى اللهِ عزَّ وجلَّ ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ تَتَّقُوا اللَّهَ يَجْعَلْ لَكُمْ فُرْقَانًا وَيُكَفِّرْ عَنْكُمْ سَيِّئَاتِكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ وَاللَّهُ ذُو الْفَضْلِ الْعَظِيمِ ﴾ [الأنفال: 29].

أَيُّهَا الْمُسْلِمُونَ... لَقَدِ انْقَضَتْ أيَّامُ الْحَجِّ، وَرَجَعَتْ وُفُودُ الْحُجَّاجِ مِنْ أُمِّ الْقُرَى، رَجَعُوا بَعْدَ أَنْ حَجُّوا الْبَيْتَ الْحَرامَ، وَعَادُوا بَعْدَ أَنْ وَقَفُوا بِتِلْكَ الْمَشَاعِرِ الْعِظَامِ، فَهَنِيئًا لَهُمْ هَذِهِ الرِّحْلَةُ الإيمَانيَّةُ الْعَظِيمَةُ، هَنِيئًا لَهُمْ مَا كَسَبُوهُ مِنَ الْحَسَنَاتِ، وَمَا مُحِيَ عَنْهُمْ مِنَ السَّيِّئَاتِ.

لِيَهْنَأَ مِنْهمْ مَنْ حَجَّ للهِ مُخْلِصًا، وَلِنَبِيِّهِ مُتَّبِعًا، وَابْتَعَدَ عنِ الرِّياءِ وَالسُّمْعَةِ وَالْفَخْرِ، وَسَلِمَ مِنَ الرَّفَثِ وَالْفُسُوقِ وَالْجِدالِ، فَلْيَطِبْ بِمَا أَسْلَفَ نَفْسًا، ولْيَهْنَأْ بِمَا قَدَّمَ قَلْبًا؛ فَقَدْ أَدَّى فَرْضًا، وَقَضَى تَفَثًا، وَرَجَعَ مِنْ ذُنُوبِهِ خَالِيًا، وَمِنْ خَطَايَاهُ خَاوِيًا، فَقدْ جاءَ في الصَّحِيحَيْنِ مِنْ حَديثِ أبي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، أنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قالَ: "مَنْ حَجَّ لِلَّهِ فَلَمْ يَرْفُثْ، وَلَمْ يَفْسُقْ، رَجَعَ كَيَوْمِ وَلَدَتْهُ أُمُّهُ"، وعَنِ ابْنِ عُمَرَ رضي الله عَنْهُمَا قَالَ: كُنْتُ قَاعِدًا مَعَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيه وَسَلَّم فِي مَسْجِدِ مِنًى فَأَتَاهُ رَجُلٌ مِنَ الأَنْصَارِ وَرَجُلٌ مِنْ ثَقِيفٍ فَسَلَّمَا، ثُمَّ قَالا: يَا رَسولَ اللهِ، جِئْنَا نَسْأَلُكَ فَقَالَ: "إِنْ شِئْتُمَا أَخْبَرْتُكُمَا بِمَا جِئْتُمَا تَسْأَلانِي عَنْهُ فَعَلْتُ، وَإن شِئْتُمَا أَنْ أُمْسِكَ وَتَسْأَلانِي فَعَلْتُ". فَقَالا: أَخْبِرْنَا يَا رَسولَ اللهِ.

فقَالَ لأحدهِمَا: "جِئْتَنِي تَسْأَلُنِي عَن مَخْرَجِكَ مِنْ بَيْتِكَ تَؤُمُّ الْبَيْتَ الْحَرَامَ ومَا لَكَ فِيهِ، وعَن رَكْعَتَيْكَ بَعْدَ الطَّوَافِ، ومَا لَكَ فِيهِمَا، وعَن طَوَافِكَ بَيْنَ الصَّفَا وَالْمَرْوَةِ ومَا لَكَ فِيهِ، وَوَقُوفِكَ عَشِيَّةَ عَرَفَةَ ومَا لَكَ فِيهِ، وعَن رَمْيِكَ الْجِمَارَ ومَا لَكَ فِيهِ، وعَن نَحْرِكَ ومَا لَكَ فِيهِ، وعَن حَلْقِكَ رَأْسَكَ ومَا لَكَ فِيهِ، وعَن طَوَافِكَ بِالْبَيْتِ بَعْدَ ذَلِكَ ومَا لَكَ فِيهِ مَعَ الإِفَاضَةِ"، فَقَالَ: وَالَّذِي بَعَثَكَ بِالْحَقِّ، عَن هَذَا جِئْتُ أَسْأَلُكَ. قَالَ: "فَإِنَّكَ إِذَا خَرَجْتَ مِنْ بَيْتِكَ تَؤُمُّ الْبَيْتَ الْحَرَامَ لا تَضَعْ نَاقَتُكَ خُفًّا ولاَ تَرْفَعُهُ إلاَّ كَتَبَ اللَّهُ لَكَ بِهِ حَسَنَةً وَمَحَا عَنْكَ خَطِيئَةً، وَأَمَّا رَكْعَتَاكَ بَعْدَ الطَّوَافِ كَعِتْقِ رَقَبَةٍ مِنْ بَنِي إِسْمَاعِيلَ، وَأَمَّا طَوَافُكَ بِالصَّفَا وَالْمَرْوَةِ بَعْدَ ذَلِكَ كَعِتْقِ سَبْعِينَ رَقَبَةً، وَأَمَّا وُقُوفُكَ عَشِيَّةَ عَرَفَةَ فَإِنَّ اللَّهَ تَبَارَكَ وَتَعَالَى يَهْبِطُ إِلَى سَمَاءِ الدُّنْيَا فَيُبَاهِي بِكُمُ الْمَلائِكَةَ يَقُولُ: عِبَادِي جَاءُونِي شُعْثًا مِنْ كِلِّ فَجٍّ عَمِيقٍ يَرْجُونَ رَحْمَتِي فَلَوْ كَانَتْ ذُنُوبُكُمْ كَعَدَدِ الرَّمْلِ، أَوْ كَقَطْرِ الْمَطَرِ، أَوْ كَزَبَدِ الْبَحْرِ لَغَفَرْتُهَا، أَفِيضُوا عِبَادِي مَغْفُورًا لَكُمْ وَلِمَنْ شَفَعْتُمْ لَهُ، وَأَمَّا رَمْيُكَ الْجِمَارَ فَلَكَ بِكُلِّ حَصَاةٍ رَمَيْتَهَا كَبِيرَةٌ مِنَ الْمُوبِقَاتِ، وَأَمَّا نَحْرُكَ فَمَذْخُورٌ لَكَ عِنْدَ رَبِّكَ، وَأَمَّا حِلاقُكَ رَأْسَكَ فَلَكَ بِكُلِّ شَعْرَةٍ حَلَقْتَهَا حَسَنَةٌ وَيُمْحَى عَنْكَ بِهَا خَطِيئَةٌ، وَأَمَّا طَوَافُكَ بِالْبَيْتِ بَعْدَ ذَلِكَ فَإِنَّكَ تَطُوفُ ولاَ ذَنْبَ لَكَ فيَأْتِي مَلَكٌ حَتَّى يَضَعَ يَدَيْهِ بَيْنَ كَتِفَيْكَ فَيَقُولُ: اعْمَلْ فِيمَا تَسْتَقْبِلُ فَقَدْ غُفِرَ لَكَ مَا مَضَى". رواه البَزَّارُ وَحَسَّنَهُ الأَلْبَانِيُّ.

أيُّها الْحَاجُّ الْكَرِيمُ.. يَا مَنْ بَذَلْتَ النَّفْسَ والنَّفِيسَ، وضَحَّيْتَ بَالْجَهْدِ والْوَقْتِ، واجْتَهَدْتَ حَتَّى أَتَيْتَ الْبَيْتَ الْعَتِيقَ، فَلَبَّيْتَ وطُفْتَ وَسَعَيْتَ، وَصَلَّيْتَ خَلْفَ الْمَقَامِ، وَشَرِبْتَ مِنْ زَمْزَمَ، ووقفت بِعَرَفَةَ، وَرَمَيْتَ الْجَمَرَاتِ، وَنَثَرْتَ الْعَبْرَاتِ، وَدَعَوْتَ وَسَأَلْتَ وَرَجَوْتَ الوَهَّابَ، وَتُبْتَ إِلَى اللهِ وَأَنَبْتَ، مَنْ أَسْعَدُ مِنْكَ وَأَحْظَى؟! مَنْ أَهْنَأُ مِنْكَ وَأَرْضَى؟! فَيا سَعْدَ مَنْ تَجَرَّدَ للهِ فِي وَحْدَانِيَّتِهِ، وتَوَجَّهَ لَهُ فِي عُبُودِيَّتِهِ!

لَقَدْ دَعَوْتَ ربًّا كَرِيمًا، وسَأَلْتَ مَلِكًا عَظِيمًا، ورَجَوْتَ بَرًّا رَحِيمًا، لا يَتَعَاظَمُهُ ذَنْبٌ أَنْ يَغْفِرَهُ، ولا فَضْلٌ أَنْ يُعْطِيهِ، لَقَدْ دَعَوْتَ رَبَّكَ الذِي إنْ تَقَرَّبْتَ إليهِ شِبرًا، تَقَرَّبَ إليكَ ذِرَاعًا، وإنْ تَقَرَّبتَ إليهِ ذِرَاعًا، تَقَرَّبَ إليكَ بَاعًا، وإِنْ أَتَيْتَه تَمْشِي، أتاكَ هَرْوَلَةً.

فَأَحْسِنْ ظنَّكَ بربِّكَ، فإنَّ رَبَّكَ عندَ ظَنِّكَ، وعَطَائَهُ أَعْظَمُ مِنْ أَمَلِكَ، وَجُودَهُ أَوْسَعُ مِنْ مَسْأَلَتِكَ، وَهُو أَعْلَمُ بِكَ مِنْكَ، وَهُوَ الْكَرِيمُ الذِي إذَا أعْطَى أَغْنَى، وإذَا وَهَبَ أَغْدَقَ –فَسُبْحَانَهُ سُبْحَانَهُ-، أَلَمْ يَنْظُرْ عَشِيَّةَ عَرَفَةَ إِلَى الْحَجِيجِ مُنْكَسِرِينَ خَاضِعِينَ فقالَ لَهُمْ: "أَفِيضُوا عِبَادِي مَغْفُورًا لَكُمْ وَلِمَنْ شَفَعْتُمْ لَهُ"، ورَوَى مُسلِمٌ مِنْ حَديثِ عَائِشَةَ رضيَ اللهُ عنها: أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: "مَا مِنْ يَوْمٍ أَكْثَرَ مِنْ أَنْ يُعْتِقَ اللهُ فِيهِ عَبْدًا مِنَ النَّارِ، مِنْ يَوْمِ عَرَفَةَ، وَإِنَّهُ لَيَدْنُو، ثُمَّ يُبَاهِي بِهِمِ الْمَلَائِكَةَ، فَيَقُولُ: مَا أَرَادَ هَؤُلَاءِ؟".

فَهَنِيئًا لَكَ وَبُشْرَى؛ فَقَدْ عُدْتَ كَيَوْمِ وَلَدَتْكَ أُمُّكَ، فَاجْعَلْ مِنْ حَجِّكَ بِدَايةً لِحَيَاةٍ جَدِيدَةٍ، وفُرْصَةً لِمُعَامَلَةٍ مَعَ اللهِ صَادِقَةٍ، لَقَدْ كُفِيتَ مَا سَلَفَ وَمَضَى، فَاسْتَأْنِفْ عَمَلَكَ وَأَحْسِنْ فِيمَا بَقِيَ، وأَرِ اللهَ مِنْ نَفْسِكَ خَيرًا، اُصْدُقِ التَّوْبَةَ وَأَخْلِصْ فِي الإِنَابَةِ، وَاعْزِمْ عَلَى الْمُحَافَظَةِ عَلَى الطَّاعَاتِ مَا بَقِيتَ، واتْرُكِ الْمَعَاصِي مَا حَيِيتَ؛ فَوَاللهِ إِنَّهَا لَفُرْصَةٌ عَظِيمَةٌ أَنْ نُقِّيتَ مِنَ الْخَطَايا، وَطُهِّرْتَ مِنَ الْأوْزَارِ، وَعُدْتَ خَفِيفًا مِمَّا أَثْقَلَكَ مِنَ الْأَغْلاَلِ والآصَارِ، فَاتَّقِ اللهَ حَقَّ التَّقْوَى وَحَافِظْ عَلَى مَا اكْتَسَبْتَ وَجَنَيْتَ، وَإِيَّاكَ أَنْ تَهْدِمَ مَا شَيَّدْتَ وَبَنَيْتَ، فَإِنَّ الشَّيْطَانَ إِذْ لَمْ يَسْتَطِعْ صَدَّكَ عَنِ الْحَجِّ فَهُوَ حَرِيصٌ كُلَّ الْحِرْصِ أَنْ يُفْسِدَ عَمَلَكَ وَيُذْهِبَ أَجْرَكَ، وَإِنَّ الرُّجُوعَ إِلَى الذَّنْبِ بَعْدَ التَّوْبَةِ لَخَطْبٌ جَلَلٌ يَجْدُرُ بِكَ أَنْ تَكُونَ أَبْعَدَ النَّاسِ عَنْهُ، وأَحْذَرَهُمْ مِنْهُ.

أخِي الكَرِيمُ.. لَقَدْ حَرَصْتَ فِي حَجِّكَ عَلَى السُّؤَالِ عَنْ كُلِّ صَغِيرَةٍ وَكَبِيرَةٍ، وَكُنْتَ جَادًّا فِي تَطْبِيقِ السُّنَّةِ قَبْلَ أَيِّ قَوْلٍ أوْ فِعْلٍ، أَلَا فَلْيَكُنْ هَذَا دَيْدَنُكَ طِوَالَ عُمُرِكَ، لَقَدْ حَرَصْتَ أيَّامَ حَجِّكَ عَلَى ألاَّ يَكُونَ مِنْكَ رَفَثٌ، وَلَا فَسُوقٌ، وَلَا جِدالٌ، فَلْتَكُنْ عَلَى ذَلِكَ بَقِيَّةَ عُمُرِكَ؟ ولْتَحْفَظْ سَمْعَكَ وَبَصَرَكَ؟ وَلْتَصُنْ لِسَانَكَ وَجوارِحَكَ؟ ولْتَحْرِصْ على وَقْتِكَ مِنَ الضَّيَاعِ فِيمَا لَا يُرْضِي رَبَّكَ.

عَبْدَ اللهِ.. اعْلَمْ أنَّ الحياةَ كُلَّهَا قَصِيرةٌ، وأنَّ العُمُرَ أيامٌ قَلِيلةٌ -كَأَيَّامِ الْحَجِّ مَعْدُودَة- قَالَ تعَالى ﴿ كَأَنَّهُمْ يَوْمَ يَرَوْنَهَا لَمْ يَلْبَثُوا إِلَّا عَشِيَّةً أَوْ ضُحَاهَا ﴾ [النازعات: 46] فاصْبِرْ وصَابِرْ، ورَابِطْ وسَارِعْ، واجْتَهِدْ وجَاهِدْ، فإنَّ المسلِمَ لا يَزْدَادُ بطُولِ الْعُمُرِ إلاَّ خَيرًا، ولا يَرْضَى لِنَفْسِهِ أَنْ يَعْقُبَ الطَّاعَةَ بالْمَعْصِيةِ، ولا أَنْ يُفْسِدَ التَّوْبَةَ بالانتِكَاسِ، كَيفَ وقَدْ قَالَ اللهُ تعَالى ﴿ وَلَا تَكُونُوا كَالَّتِي نَقَضَتْ غَزْلَهَا مِنْ بَعْدِ قُوَّةٍ أَنْكَاثًا ﴾ [النحل: 92] وقالَ تَعَالى لِنَبِيِّهِ صلَّى اللهُ عليهِ وسَلَّمَ ﴿ وَاعْبُدْ رَبَّكَ حَتَّى يَأْتِيَكَ الْيَقِينُ ﴾؟!

جَاءَ سُفْيَانُ بْنُ عَبْدِ اللهِ الثَّقَفِيُّ إلى رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فقَالَ لَهُ: قُلْ لِي فِي الْإِسْلَامِ قَوْلًا لَا أَسْأَلُ عَنْهُ أَحَدًا بَعْدَكَ، فقَالَ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "قُلْ: آمَنْتُ بِاللهِ، ثُمَّ اسْتَقِمْ".

أَقُولُ مَا تَسْمَعُونَ، وأسْتَغْفِرُ اللهُ لِي ولَكُمْ ولَجميعِ المسلمينَ مِن كلِّ ذَنْبٍ، فاسْتغفروه، إنَّه هُوَ الغفورُ الرحيمُ.

الخطبة الثانية
الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ، لَهُ الْحَمْدُ الْحَسَنُ وَالثَّناءُ الْجَمِيلُ، وَأَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ، وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ تَسْلِيمًا كَثِيرًا... أمَّا بَعْدُ:
فَاتَّقُوا اللهَ تعَالى وأَطِيعُوهُ، واسْتقِيمُوا علَى طَاعَتِهِ واتِّبَاعِ أَمْرِهِ، والسَّيْرِ علَى نَهْجِ نَبِيِّهِ صَلَّى اللهُ عليهِ وسَلَّمَ.
أَيُّهَا الْمُسْلِمُونَ... وَإِنَّهُ كَمَا أَكْرَمَ اللهُ الْحُجَّاجَ بِالْحَجِّ، فَقَدْ أَنْعَمَ عَلَى غَيْرِهِمْ بِنِعَمٍ عَظِيمَةٍ، وَيَسَّرَ لَهُمْ عِبَادَاتٍ جَلِيلَةً، فمَرَّتْ بِهِمْ عَشْرُ ذِي الْحِجَّةِ الَّتِي هِيَ أفْضَلُ أيَّامِ الدُّنْيا عِنْدَ اللهِ، وَمَرَّ بِهِمْ يَوْمُ عَرَفَةَ الَّذِي يُكَفِّرُ صِيَامُهُ سَنَتَيْنِ، وَمَرَّ بِهِمْ يَوْمُ النَّحْرِ وَفِيهِ الأُضْحِيَةُ...

ثُمَّ تَوَالَتْ عَلَيهِمْ أيَّامُ التَّشْرِيقِ فَأَكَلُوا وَشَرِبُوا وَذَكَرُوا اللهَ، وَحَمِدُوهُ وَشَكَرُوهُ عَلَى مَا رَزَقَهُمْ، فَمَا أَجَدْرَنَا أَنْ نَفْرَحَ بِذَلِكَ كُلِّهِ؛ ﴿ قُلْ بِفَضْلِ اللَّهِ وَبِرَحْمَتِهِ فَبِذَلِكَ فَلْيَفْرَحُوا هُوَ خَيْرٌ مِمَّا يَجْمَعُونَ ﴾ [يونس: 58] مَا أَجَدْرَنَا أَنْ نَزْدَادَ حَمْدًا للهِ وَشُكْرًا فَنُضَاعِفَ الْعَمَلَ؛ كَمَا قَالَ سُبْحَانَه ﴿ اعْمَلُوا آلَ دَاوُودَ شُكْرًا وَقَلِيلٌ مِنْ عِبَادِيَ الشَّكُورُ ﴾ [سبأ: 13]، مَا أَجَدْرَنَا أَنْ نَسْتَمِرَّ عَلَى الطَّاعَةِ، وأَنْ نَجْعَلَ الْحَيَاةَ كُلَّهَا للهِ كَمَا أَرَادَهَا سبحانَه؛ حَيْثُ قَالَ في مُحْكَمِ التَّنْزِيلِ ﴿ قُلْ إِنَّ صَلَاتِي وَنُسُكِي وَمَحْيَايَ وَمَمَاتِي لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ * لَا شَرِيكَ لَهُ وَبِذَلِكَ أُمِرْتُ وَأَنَا أَوَّلُ الْمُسْلِمِينَ ﴾ [الأنعام: 162، 163].

أَلَا فَلْيَسْتَقِمْ كُلٌّ مِنَّا عَلَى مَا بَدَأَهُ مِنْ عَمَلٍ صَالِحٍ؛ فَإِنَّ الاِسْتِقامَةَ عَلَى الصِّرَاطِ وَالثَّبَاتِ عَلَيهِ، مَدْعَاةٌ إِلَى أَنْ يُخْتَمَ لِلْمَرْءِ بِالْخَاتِمَةِ الْحَسَنَةِ، وَأَنْ يُبَشَّرَ عِنْدَ مَوْتِهِ بِرِضَا رَبِّهِ وَدُخُولِ جَنَّتِهِ، وَتِلْكَ -وَاللهِ- هِي أغْلَى مَطْلُوبٍ، وَأَسْنَى مَرْغُوبٍ؛ قَالَ سُبْحَانَه ﴿ إِنَّ الَّذِينَ قَالُوا رَبُّنَا اللَّهُ ثُمَّ اسْتَقَامُوا تَتَنَزَّلُ عَلَيْهِمُ الْمَلَائِكَةُ أَلَّا تَخَافُوا وَلَا تَحْزَنُوا وَأَبْشِرُوا بِالْجَنَّةِ الَّتِي كُنْتُمْ تُوعَدُونَ * نَحْنُ أَوْلِيَاؤُكُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَفِي الْآخِرَةِ وَلَكُمْ فِيهَا مَا تَشْتَهِي أَنْفُسُكُمْ وَلَكُمْ فِيهَا مَا تَدَّعُونَ * نُزُلًا مِنْ غَفُورٍ رَحِيمٍ ﴾ [فصلت: 30 - 32].

نَسْأَلُ اللهَ الاسْتِقَامَةَ والثَّبَاتَ علَى طَاعَتِهِ، اللهمَّ يَا مُقَلِّبَ الْقُلُوبِ، ثَبِّتْ قُلُوبَنَا عَلَى دِينِكَ، واصْرِفْهَا إِلى طَاعَتِكَ.


اللَّهُمَّ لَكَ أَسْلَمْنَا، وَبِكَ آمَنَّا، وَعَلَيكَ تَوَكَّلْنَا، وَإِلَيكَ أَنَبْنَا، وَبِكَ خَاصَمْنَا، وَإِلَيكَ حَاكَمْنَا، فَاغْفِرْ لَنَا مَا قَدَّمْنَا وَما أَخَّرْنَا وَما أَسْرَرْنَا وَما أَعْلَنَّا، أَنْتَ إلَهُنَا لَا إلَهَ إلَّا أَنْتَ.
اللَّهُمَّ اغْفِرْ لنَا ذُنُوبَنَا جَمِيعَهَا إِنَّه لَا يَغْفِرُ الذُّنُوبَ إلَّا أَنْتَ، وَاهْدِنَا لِأَحْسَنِ الْأخْلاقِ لَا يَهْدِي لِأَحْسَنِهَا إلَّا أَنْتَ، وَاصْرِفْ عَنَّا سَيِّئَ الْأخْلاقِ لَا يَصْرِفُ عَنَّا سَيِّئَهَا إلَّا أَنْتَ.
اللهُمَّ أَصْلِحْ لَنَا دِينَنَا الَّذِي هُوَ عِصْمَةُ أَمْرِنَا، وَأَصْلِحْ لَنَا دُنْيَانَا الَّتِي فِيهَا مَعَاشُنَا، وَأَصْلِحْ لَنَا آخِرَتَنَا الَّتِي فِيهَا مَعَادُنَا، وَاجْعَلِ الْحَيَاةَ زِيَادَةً لَنَا فِي كُلِّ خَيْرٍ، وَاجْعَلِ الْمَوْتَ رَاحَةً لَنَا مِنْ كُلِّ شَرٍّ.
اللهمَّ وَفِّقْ وَلِيَّ أَمْرِنَا لِمَا تُحِبُّ وتَرضَى، وانْصُرْ جُنُودَنَا فِي الحَدِّ الجَنُوبِيِّ يَا ربِّ العَالَمِينَ، وانْصُرِ المسلِمينَ المستضعفينَ في كلِّ مكَانٍ يَا ذَا الجَلالِ والإِكْرامِ..
سُبْحَانَ رَبِّكَ رَبِّ الْعِزَّةِ عَمَّا يَصِفُونَ، وَسَلَامٌ عَلَى الْمُرْسَلِينَ، وَالْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ.



__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
إضافة رد


الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1)
 
أدوات الموضوع
انواع عرض الموضوع

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع


 


الاحد 20 من مارس 2011 , الساعة الان 01:21:21 صباحاً.

Powered by vBulletin V3.8.5. Copyright © 2005 - 2013, By Ali Madkour

[حجم الصفحة الأصلي: 58.67 كيلو بايت... الحجم بعد الضغط 57.04 كيلو بايت... تم توفير 1.63 كيلو بايت...بمعدل (2.78%)]