|
الحدث واخبار المسلمين في العالم قسم يعرض آخر الاخبار المحلية والعالمية |
|
أدوات الموضوع | انواع عرض الموضوع |
#1
|
|||
|
|||
![]() الجزائر يوم الجمعة 21 صفر 1431 هـ ![]() الشيخ علي بن حاج يطالب بوتفليقة تأسيس لجنة للاعتراف ومعرفة الحقيقة ومساءلة قادة انقلاب 92 على غرار لجنة بلير في بريطانيا اثر وفاة اللواء العربي بلخير وظهور ردود أفعال متباينة اثر وفاته وعملا بحق التعبير وإبداء الرأي في الشخصيات العامة وحتى لا تتم عملية تزوير الحقائق وتزيف التاريخ أصدر نائب رئيس الجبهة الإسلامية للإنقاذ بيانا تطرق فيه إلى جملة من القضايا الشرعية والسياسية وعلى رأس تلك القضايا بين أن العربي بلخير مسؤول عن جريمة مصادرة اختيار الشعب بحكم أنه كان وزيرا للداخلية وقتها ومن كبار المهندسين للانقلاب على الإرادة الشعبية ورد على السلطات الرسمية التي أرادت أن تجعل منه بطلا من أبطال الجزائر وتزور الحقائق التاريخية فتجعل من الانقلاب بطلا من أبطالها كما طالب رئيس الجمهورية المسارعة إلى تأسيس لجنة للاعتراف ومعرفة الحقيقة ومساءلة جميع أطراف الأزمة وعلى رأسهم القادة العسكريون والسياسيون الذين كانوا وراء الانقلاب المشؤوم الذي دمر للبلاد والعباد وبين أن من يفلت من المحكمة الدنيوية سيجد مصيره أمام المحكمة الربانية يوم القيامة واليكم نص البيان كامل { بيان للشيخ علي بن حاج } {واجب التذكير بجريمة العربي بلخير} * الحمد لله الذي تفرد بالبقاء وكتب على سائر خلقه الفناء، فقال جل جلاله "كل من عليها فان، ويبقى وجه ربك ذو الجلال والإكرام"الرحمن27 والقائل "كل شيء هالك إلا وجهه"القصص88 وبين الغاية من البعث، فقال "ليجزي الذي أساؤوا بما عملوا ويجزي الذين أحسنوا بالحسنى"النجم31 والصلاة والسلام على أشرف المرسلين، القائل "....إن الرائد لا يكذب أهله والله لتموتُنّ كما تنامون ولتبعثن كما تستيقظون ولتجزون بالإحسان إحسانا وبالسوء سوءا، وإنها لجنّة أبدا أو لنار أبدا..." وعلى آله وصحبه الذين كانوا من عذاب ربهم مشفقون على عظيم فضلهم وجميل طاعتهم وجلائل أعمالهم في خدمة الإسلام والمسلمين. * جرت عادة العائلات المالكة والأنظمة الاستبدادية الطاغية والعصابات الانقلابية الحاكمة في البلاد العربية أن تقيم لملوكها وأمرائها وحكامها أو بعض جنرالاتها الانقلابيين مراسيم جنائزية في غاية الفخامة والمهابة وبتكاليف باهظة فتسد الطرقات وتمنع الحركة وتنشر قوات الأمن العلني والسري في الشوارع والطرقات وتزين تلك المقبرة على آخر طراز مما لا يعود على ذلك العبد الهالك بالخير أو النفع ثم تتم عملية الدفن وسط مراسيم خاصة، ولو أن السلطة القامة اقتصرت على مجرد المراسيم ثم فوضت أمر ذلك الميت إلى الله تعالى والتزمت الصمت لهان الخطب، أما أن تفسح المجال واسعا لشهود الزور لتزوير الأحداث وتحريف التاريخ والقيام بعملية التزكية على الله تعالى والمدح والثناء الكاذب والإطراء الزائف فيصبح المجرم بطلا من أبطال الأمة فهذا ما لا يجوز السكوت عليه. * بتاريخ 29-01-2010 أدرج أطباق الثرى الجنرال الانقلابي العربي بلخير وسط تقاليد عسكرية لافتة وحضر الجنازة أغلب كبار رجال السلطة بجناحيها العسكري والسياسي، وشخصيات سياسية واقتصادية ومدنية واجتماعية ورياضية ودينية وحزبية، وقام بتأبين الجنرال الانقلابي العميد نذير متيجي مدير الإعلام والاتصال بوزارة الدفاع الذي توفي يوم الجمعة بتاريخ 05/02/2010 وجعل منه "بطلا من أبطال الوطن" وفي الأخير قال له "نم قرير العين يا ابن الجزائر البار" فهل صدق في قوله هذا؟!!! وكل من طالع مضمون رسائل التعزية الصادرة عن رئيس الجمهورية ورئيس مجلس الأمة ورئيس المجلس الوطني الشعبي والوزير المنتدب لدى وزير الدفاع يدرك حجم الإطراء الكاذب الصادر عن هؤلاء الشخصيات السياسية الرسمية ونحن نقول من حق هؤلاء الشخصيات أن يقولوا فيه ما قالوا صدقا أو كذبا أو مجاراة لمراسيم واعتبارات سياسية ولكن من حقنا ومن حق غيرنا أن يقولوا فيه ما يعتقدون، فالشخصية العامة -لاسيما من تولت مناصب حساسة- تعتبر جزءا من التاريخ ولا يجوز لأية جهة أن تمنعنا من الحديث وحق التعبير وإبداء الرأي في الشخصيات العامة أحياء وأمواتا، بحكم آثارهم التي خلفوها من بعدهم ولم تنقطع بموتهم فقد نص علماء الإسلام أن إمام الجمعة إذا مدح من لا يستحق المدح أو ذم من لا يستحق الذم جاز للمصلين أن يتكلموا أثناء الخطبة ولا إثم عليه، بحكم أن كلام الإمام أصبح لغوا لا ذكرا يجب الإنصات إليه، فرسائل التعزية السابقة الذكر وخطبة التأبين باسم وزارة الدفاع زيفت الحقائق ومدحت جنرالا انقلابيا من الطراز الأول، وسوف نقول رأينا في الجنرال الانقلابي من باب الحق في إبداء الرأي والتعبير وحتى لا يزيف التاريخ ولكن قبل ذلك لا بد من التذكير بجملة من الحقائق الشرعية التي غفل عنها الكثير من إخواننا المسلمين من باب النصح والتذكير "فإن الذكرى تنفع المؤمنين"الذاريات55. أولا: الموت حق لا مرية فيه: * أطبقت جميع الأديان السماوية أن الموت حق لا مرية فيه وأن الموت ضربة لازب على كل مخلوق كما أن الموت ليس نهاية أبدية كما يزعم الدهريون أو الملاحدة، بل أن الله يبعث من في القبور يوم الحشر والنشور فهو مجرد نقلة من دار الفناء إلى دار الخلود والبقاء فإما إلى جنة يدوم نعيمها أو إلى نار لا ينفذ عذابها وأن المنقلب والرجعى لله تعالى طال العمر أم قصر، قال تعالى "وإليه تقلبون"العنكبوت21، "وإنا إلى ربنا لمنقلبون"الزخرف14، "إن إلى ربك الرجعى"إقرأ8، "إنا لله وإنا إليه راجعون"البقرة156، والنصوص في هذا المعنى كثيرة أما الدنيا في حقيقة أمرها دار فناء وعبور وامتحان وابتلاء والأكياس فيها يعملون لما بعدها وهم من خشية ربهم مشفقون، قال عليه الصلاة والسلام "كن في الدنيا كأنك غريب أو عابر سبيل وعد نفسك من أهل القبور" وقال عيسى عليه السلام "الدنيا قنطرة، أعبروها ولا تعمروها" وقديما قال الشاعر: هو الموت لا منجى من الموت والذي * نحاذر بعد الموت أدهى وأفظع ومهما ملك الإنسان في الدنيا من مال أو عقار أو....أو.... فلن يخرج منها إلا بالقطن والكفن ولن يقبر إلا في حفرة ضيقة وحيدا فريدا لا يصاحبه إلا عمله صالحا كان أو طالحا، قال تعالى "ولقد جئتمونا فرادى كما خلقناكم أو مرة وتركتم ما خولناكم وراء ظهوركم..."الأنعام93. وقال جل جلاله "وعرضوا على ربك صفا لقد جئتمونا كما خلقناكم أول مرة بل زعمتم ألن نجعل لكم موعدا"الكهف48. ثانيا: الموتى مستريح ومستراح منه: * إن الميت لا يعدوا أن يكون واحد من اثنين إما مستريح أو مستراح منه، وكل منهما يجوز أن يشدد عليه عند الموت أو يخفف، فقد مر على رسول الله صلى الله عليه وسلم بجنازة، فقال مستريح أو مستراح منه، فقالوا ما المستريح وما المستراح منه؟ فقال، العبد المؤمن مستريح من نصب الدنيا وأذاها إلى رحمة الله تعالى، والمستراح منه العبد الفاجر يستريح منه العباد والبلاد والشجر والدواب"، قال الإمام علي رضي الله عنه "إن المؤمن إذا مات بكى عليه مصلاه من الأرض ومصعد عمله من السماء ثم تلا قوله تعالى "فما بكت عليهم السماء والأرض وما كانوا منظرين"الدخان29، وقال ابن عباس رضي الله عنه: تبكي الأرض على المؤمنين أربعين يوما" وقال مسروق رحمه الله "ما غبطت شيئا لشيء كمؤمن في لحده أمين من عذاب الله واستراح من الدنيا". قال ابن التين رحمه الله في شرحه للحديث "يحتمل أن يريد بالمؤمن التقي خاصة ويحتمل كل مؤمن، والفاجر يحتمل أن يريد به الكافر ويحتمل أن يدخل فيه العاصي" وقال الداودي رحمه الله "أما استراحة العباد فلما يأتي به من المنكر فإن أنكروا عليه أذاهم وإن تركوه أثموا واستراحة البلاد مما يأتي به من المعاصي فإن ذلك مما يحصل به الجدب فيقتضي هلاك الحرث والنسل" ثالثا: حياة الروح (منعّمة أو معذّبة): * من عقائد المسلمين أن الروح باقية لا تهلك وإنما يهلك من الإنسان الميت بدنه ولا يبقى منه إلا عجب الذنب، كما جاء في الحديث منه خلق ومنه يركب، والله تبارك وتعالى لم يقل كل نفس ميتة، وإنما قال جل جلاله "كل نفس ذائقة الموت" وذوق الموت إنما هو مفارقة الروح للجسد لتنتقل الروح إلى عالم الأرواح في البرزخ "ومن وراء برزخ إلى يوم يبعثون"المؤمنون100 وعالم الأرواح من عجائب خلق الله تبارك وتعالى مما يدل على جلالة قدرة الله تعالى وعظيم سلطانه وعالم الأرواح يدرك بالبصيرة المؤمنة وليس بمجرد الأبصار والله يقول "فلا أقسم بما تبصرون وما لا يبصرون"الحاقة38-39 ولا شك أن عالم ما لا يبصره الإنسان أوسع وأعظم مما يبصره الإنسان بحواسه المحدودة الإدراك، ومن الأدلة على بقاء الروح بعد فراق الجسد وإنها تكون منعمة أو معذبة إلى يوم البعث، قوله تعالى "النار يعرضون عليها غدوا وعشيا ويوم تقوم الساعة أدخلوا آل فرعون أشد العذاب"غافر46، ففرعون وآله ومن كان على شاكلته هم في عذاب منذ أن فارقت أرواحهم أجسادهم إلى اليوم وإلى يوم تقوم الساعة وهذا هو عذاب القبر، وقال تعالى "ومن أعرض عن ذكري فإن له معيشة ضنكا ونحشره يوم القيامة أعمى" طه124، ومن المعيشة الضنك عذاب القبر وجاء في الحديث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم والنصوص على عذاب القبر ونعيمه كثيرة منها، قوله عليه الصلاة والسلام "إن الميت ليعذب ببكاء أهله عليه" وقوله صلى الله عليه وسلم "إن هذه الأمة تبتلى في قبورها فولا أن لا تدافنوا لدعوت الله أن يسمعكم من عذاب القبر الذي أسمع منه" وعذاب القبر تسمعه حتى الحيوانات والدواب كما جاء في الأحاديث الصحيحة. والحاصل أن الروح باقية لا تفنى وأهل السعادة أرواحهم منعمة وقبورهم روضة من رياض الجنة إلى يوم البعث وأهل الشقاوة أرواحهم معذبة وقبورهم حفرة من حفر النار إلى يوم يبعثون، نسأل الله حسن الخاتمة والسلامة. رابعا: حكم الثناء بالشر أو بالخير على الموتى: * مما لا شك فيه أن الأمة الإسلامية هي أمة الشهادة على الناس وعلى الأمم وعلى الأحياء والأموات ونحن لسنا ضد الثناء على موتى المسلمين بالخير إن كانوا كذلك ولذلك عقد الإمام البخاري رحمه الله في صحيحه بابا عنوانه باب ثناء الناس على الميت وإنما نحن ضد شهادة الزور على بعض الموتى من ملك أو حاكم أو أمير أو زعيم أو جنرال والشعوب العربية والإسلامية تنظر إلى شهادة الأنظمة لبعض رجالها ورموزها بعين الريبة والشك ولو صدرت من بعض علماء السلطان وشواهد التاريخ القديم والحديث على ذلك فوق الحصر، أما النصوص الشرعية على جواز الثناء على الموتى بالخير أو بالشر فكثيرة منها: -عن أنس بن مالك رضي الله عنه "مروا بجنازة فأثنوا عليها خيرا، فقال النبي صلى الله عليه وسلم وجبت، ثم مروا بأخرى فأثنوا عليها شرا فقال وجبت، فقال عمر بن الخطاب رضي الله عنه، ما وجبت؟! قال هذا أثنيتم عليها خيرا فوجبت له الجنة، وهذا أثنيتم عليه شرا فوجبت له النار، أنتم شهداء الله في الأرض" وفي رواية "الملائكة شهود الله في السماء وأنتم شهداء الله في الأرض" وفي رواية "والمؤمنون شهداء الله في الأرض إن ملائكة تنطق على ألسنة بني آدم بما في المرء من الخير والشر". -قال عليه الصلاة والسلام "ما من مؤمن يموت فيقوم على جنازته أربعون رجلا لا يشركون بالله شيئا إلا شفعهم الله فيه" -قال عليه الصلاة والسلام "أيما مسلم شهد له أربعة بخير أدخله الله الجنة، قلنا ثلاثة قال ثلاثة واثنان قال اثنان ثم لم نسأله عن الواحد". -عن أبي هريرة رضي الله عنه قال مروا على النبي صلى بجنازة فأثنوا عليها خيرا فقال وجبت ثم مروا بأخرى فأثنوا شرا فقال وجبت إن بعضكم على بعض شهداء" -عن يزيد بن شجرة قال خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم في جنازة فقال الناس خيرا وأثنوا عليه خيرا فجاء جبرائيل فقال :إن الرجل ليس كما ذكروا ولكن أنتم شهداء الله في الأرض وقد غفر له ما لا يعلمون" والحاصل أن من إكرام الله لهذه الأمة أن جعلهم الله شهداء على الناس وأقام شهادتهم مقام شهادة الرسول صلى الله عليه وسلم. خامسا: ضوابط الشهادة على الموتى: * من المعلوم شرعا أن للشهادة المقبولة عند الله تعالى جملة من الضوابط والشروط وليست شهادة كل من هب ودب كما يظن الكثير من الناس، ولتجلية هذه الحقيقة الشرعية التي غفل عنها الكثير من إخواننا المسلمين حتى أصبح بعضهم عن جهل يترحم على بعض أعداء الإسلام من المنافقين أو من من صدرت منهم أقوالا وأفعالا كفرية، أو كانوا من العصاة العتاة، فوجب علينا بيان ما يشترط في الشاهد والمشهود له أو عليه. أ-ما يشترط في الشاهد: 1-أن يعلم علم اليقين أن ما من شهادة يدلي بها المسلم بحق أو بباطل إلا شهد عليها في الآخرة وستعرض عليه يوم القيامة لقوله تعالى "ستكتب شهادتهم ويسألون"الزخرف19، وعن سليمان بن راشد رضي الله عنه أنه بلغه "أن أمرأ لا يشهد على شهادة في الدنيا إلا شهد بها يوم القيامة على رؤوس الأشهاد، ولايمتدح عبدا في الدنيا إلا امتدحه يوم القيامة على رؤوس الأشهاد" فليحذر كل مسلم أن يدلي بشهادة بغير معرفة أو علم لقوله تعالى "إلا من شهد بالحق وهم يعلمون"الزخرف86. 2-اجتناب شهادة الزور طمعا في دنيا أو منصب أو جاه أو نكاية في خصم من الخصوم وقد حذرالله تعالى من شهادة الزور فقال جل جلاله "فاجتنبوا الرجس من الأوثان واجتنبوا قول الزور"الحج30، وقال في شأن عباد الرحمن "والذين لا يشهدون الزور وإذا مروا باللغو مروا كراما"الفرقان، وسئل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الكبائر فقال الإشراك بالله وعقوق الوالدين وقتل النفس وشهادة الزور" وفي حديث آخر قال عليه الصلاة والسلام "عدلت شهادة الزور الإشراك بالله" ولما فسدت طبائع الناس وكثر فيهم الكذب وشهادة الزور أخذ القضاة التشدد في قبول الشهادة، فهذا شريح القاضي رحمه الله كان يدقق في الشهود ويتحرى في شأنهم بما لم يكن من قبل فقيل له أحدثت، فقال رحمه الله "إن الناس أحدثوا فأحدثت" لاسيما بعد أن نفق سوق الكذب والثناء الكاذب. 3-لا تجوز الشهادة بغير علم أو معرفة صادقة، فالشهادة النافعة المقبولة هي التي توافق الواقع في نفس المشهود، وأما معنى أنتم شهداء الله في الأرض أو قول الرسول صلى الله عليه وسلم "إن ملائكة تنطق على ألسنة بني آدم بما في المرء من الخير والشر"، جاء في تحفة الأحوذي في شرح الحديث أي المخاطبون بذلك من الصحابة ومن كان على صفتهم من الإيمان..." قال ابن التين "إن ذلك مخصوص بالصحابة لأنهم كانوا ينطقون بالحكمة بخلاف من بعدهم، والصواب أن ذلك يختص بالمتقيات والمتقين" وقال الداودي "المعتبر في ذلك شهادة أهل الفضل والصدق لا الفسقة لأنهم قد يثنون على من يكون مثلهم ولا من بينه وبين الميت عداوة لأن شهادة العدو لا تقبل" وذكر الإمام النووي رحمه الله في معنى ذلك قولين قيل "معنى الحديث أن الثناء بالخير لمن أثنى عليه أهل الفضل والصدق وكان ذلك مطابقا للواقع، فهو من أهل الجنة وإن كان غير مطابق فلا وكذا عكسه" ثم قال "الصحيح أنه على عمومه، وإن من مات منهم فألهم الله -تعالى- الثناء عليه بخير كان دليلا على أنه من أهل الجنة سواء كانت أفعاله تقتضي ذلك أم لا، فإن الأعمال داخلة تحت المشيئة وهذا إلهام يستدل به على تعيينها وبهذا تظهر فائدة الثناء.." وقال ابن العربي المالكي رحمه الله "والحكم بالظاهر في الثناء بالخير على الخير البادي والحكم بالظاهر في الثناء بالشر على الشر البادي والسرائر إلى الله" والحاصل: أن الشهادة بالخير أو الشر تكون بحسب الظاهر فقط، وإنها لا تشمل شهادة الكذبة والفسقة وأصحاب الأغراض وأن الشهادة ليست مخصوصة بالصحابة كما ذهب إليه لفيف من العلماء وإنما هي عامة في كل أهل الفضل والصدق الإخلاص والتجرد لله تعالى. 4-على الشاهد أن يفرق بين أمرين اثنين هما الثناء بالخير والتزكية فالثناء جائز بضوابطه أما تزكية الميت على الله تعالى فلا تجوز، فقد ورد أن أم العلاء امرأة من الأنصار بايعت النبي صلى الله عليه وسلم، أخبرته أنه اقتسم المهاجرون قرعة فطار لها عثمان بن مظعون، فأنزلناه في أبياتنا فوجع وجعه الذي يوفي فيه، فلما توفي وغسل وكفن في أثوابه دخل رسول الله، فقلت "رحمة الله عليك أبا السائب فشهادتي عليك لقد أكرمك الله"، فقال البني صلى الله عليه وسلم "وما يدريك أن الله أكرمه؟!" فقلت "بأبي أنت يا رسول الله، فمن يكرمه الله؟" فقال "أما وقد جاءه اليقين والله إني لأرجو له الخير والله ما أدري وأنا رسول الله ما يفعل بي"، وفي رواية "ما يفعل به" قالت "فوالله لا أزكي بعده أحدا" فأين هؤلاء الذين يشهدون بالزور فيخاطبون الميت بقوله تعالى "يا أيتها النفس المطمئنة ارجعي إلى ربك راضية مرضية" نعوذ بالله من الخذلان، قال ابن حزم رحمه الله في شأن الرثاء المحرم "يذكرونه برياسته التي جار فيها وشجاعته التي صرفها في غير طاعة الله تعالى وبجوده الذي ما جاء به من غير حله ووضعه في غير حقه" وهذا شأن أغلب الملوك والأمراء والحكام والجنرالات جور في الحكم وقوة في غير طاعة وأخذ أموال الأمة وصرفها في غير وجه شرعي فبعض الملوك والحكام يسرق أموال الأمة وعائدات النفط والغاز ثم يتظاهر في المواسم والأعياد بالتطوع ببعض الفتات!!! 5-أما الشفاعة في الميت فليست لمن هبّ ودبّ، لأن الشفاعة من حيث الأصل هي ملك لله تعالى "قل لله الشفاعة جميعا" الزمر44، ولا تكون إلا بإذن من الله تعالى لقوله تعالى "قل من ذا الذي يشفع عنده إلا بإذنه"البقرة255، والله سبحانه وتعالى لا يقبل شفاعة المجرمين لأمثالهم من المجرمين فهي مقصورة على الصالحين من عباده من أهل صواب القول لقوله تعالى "إلا من أذن له الرحمن وقال صوابا"النبأ38، وقوله تعالى "يومئذ لا تنفع الشفاعة إلا من أذن له الرحمن ورضي له قولا"طه109، أما الظالمين فقد قال الله فيهم "ما للظالمين من حميم ولا شفيع يطاع"غافر18. ب-ما يشترط في المشهود له أو عليه: إذا كان المشهود له صالحا في ظاهر أمره فالأمر فيه واضح كما سبق ذكره، إما إن كان المشهود عليه ظالما أو فاسقا أو واقع في الكفر الإعتقادي أو العملي فلا يجوز الثناء عليه قولا واحدا، فكيف إذا كان مجاهرا بذلك كان المشهود عليه مجاهرا بظلمه أو فسقه أو كان انقلابيا جلادا؟!!! والحالة الوحيدة التي يجوز فيها الثناء على مثل هؤلاء تتمثل فيما يلي: 1-الاعتراف بالذنب علانية والتوبة منه لقوله تعالى "وآخرون اعترفوا بذنبهم خلطوا عملا صالحا وآخر سيئا، عسى الله أن يتوب عليهم إن الله غفور رحيم" التوبة102، وقال تعالى "إلا الذين تابوا وأصلحوا وبينوا" البقرة160. 2- طلب العفو والصفح من أصحاب المظالم ويجب أن يرد إليهم حقوقهم ويستحلهم، ويخرج من زمرة الطغاة الظالمين، وبغير رد المظالم لا تصح التوبة والنصوص في هذا المعنى كثيرة قال عليه الصلاة والسلام "لتؤدّن الحقوق إلى أهلها يوم القيامة حتى يقاد للشاة الجلحاء من الشاة القرناء" وقال عليه الصلاة والسلام "أول ما يقضى بين الناس يوم القيامة في الدماء" وهذا يشترك فيه القاتل والآمر بالقتل والراضي بالقتل بغير وجه حق شرعي، وقال عليه الصلاة والسلام "لاينبغي لأحد من أهل الجنة أن يدخل الجنة وواحد من أهل النار يظلمه بمظلمة حتى اللطمة" فكيف بمن عذب الناس من رجال الشرطة والدرك والجيش ورجال المخابرات، وقام بقتل الناس خارج إطار القضاء الشرعي أو ألحق بهم عاهات دائمة؟!!! أما قادة الأجهزة الأمنية المختلفة الذين أمروا وقننوا التعذيب فحسابهم عسير يوم لا ينفع مال ولا بنون إلا من أتى الله بقلب سليم ولذلك حذر الرسول صلى الله عليه وسلم من الظلم، فقال عليه الصلاة والسلام "من ضرب مملوكه سوطا ظلما اقتص منه يوم القيامة" وقال أيضا "لا ينبغي لأحد من أخل الجنة أن يدخل الجنة وواحد من أهل النار يظلمه بمظلمة حتى اللّطمة" ولخطورة المظالم بحق العامة قال عليه الصلاة والسلام "صنفان من أمتي لن تنالهما شفاعتي، إمام ظلوم غشوم وكل غال مارق" وأغلب الملوك والأمراء والحكام الطغاة والجنرالات الدمويون يموتون ويدفنون في أبهة دون أن يتوبوا من ظلم شعوبهم أو يردوا الحقوق إلى أهلها، بل يتطوع بعض شهود الزور ليقولوا منكرا من القول و زورا ولا حول ولا قوة إلا بالله من انطماس البصيرة. سادسا: الموتى تلاحقهم آثارهم (خيرا أو شرا): * دلّت نصوص الكتاب والسنة أن الإنسان بعد موته إما أن يترك أثارا حسنة له أجرها إلى يوم القيامة أو أن يخلف وراءه آثارا سيئة عليه وزرها إلى يوم القيامة، ومن ذلك قوله تعالى "علمت نفس ما قدمت وأخرت"الإنفطار5، وقوله تعالى "ينبؤ الإنسان يومئذ بما قدم وأخر"القيامة13، وقال جل جلاله "إنا نحن نحي الموتى ونكتب ما قدموا وآثارهم، وكل شيء أحصيناه في إمام مبين"يس12، (فآثارهم) أي أعمالهم الصالحة المتجددة تسجل في صحائف حسناتهم وأعمالهم السيئة المتجددة تسجل في صحائف سيئاتهم ولو بعد موتهم، فقوله تعالى "ماقدموا" أي ما باشروا فعله في حياتهم الدنيا، "وآثارهم" هو ما سنوه في الإسلام من سنة حسنة أو سيئة فهو من آثارهم التي يعمل بها بعدهم، قال أنس رضي الله عنه "هذا في الحظر يوم الجمعة" وقال مجاهد رحمه الله "ويكتب ما قدموا أعمالهم وآثارهم خطاهم بأرجلهم" وقال أيضا "نكتب ما قدموا من خير وأثارهم قال أورثوا من ضلالة" قال قتادة رحمه الله "لو كان الله مغفلا شيئا من أثر ابن آدم لأغفل من هذا الآثار التي تعفيها الرياح ولكن أحصى على ابن آدم أثره وعمله كله حتى أحصى هذا الأثر فيما هو في طاعة الله أو في معصية فمن استطاع منكم أن يكتب أثره في طاعة الله فليفعل" قال سعيد بن جبير رحمه الله "ونكتب ما قدموا وأثارهم، قال ما سنوا من سنة فعمل بها من بعد موتهم" وقال المفسر الشهير جمال الدين القاسمي رحمه الله "نكتب ما قدموا" أي نحفظ عليهم ما أسلفوا من الخير والشر" وآثارهم" أي ما تركوه من سنة صالحة فعمل بها بعد موتهم أو سنة سيئة فعمل بها بعدهم" وأما الأحاديث في تقرير هذه الحقيقة فكثيرة في الخير أو الشر. أ-ففي الخير، قال عليه الصلاة والسلام "إذا مات ابن آدم انقطع عمله لا من ثلاث، صدقة جارية أو علم ينتفع به أو ولد صالح يدعو له" فهذه أعمال ينتفع بها المسلم بعد موته ويجرى عليها ثوابها بعد موته. مضافا إلى ما كان منه في حياته ومنها قوله عليه الصلاة والسلام:"من مات مرابطا جرى عليه عمل المرابط حتى يبعث يوم القيامة". فالعمل الخيري المتعدي يجري ثوابه على صاحبه ولو بعد موته بعشرات القرون وإلى يوم البعث "ذلك فضل الله يؤتيه من يشاء والله ذو الفضل العظيم". وقال عليه الصلاة والسلام:"من سن سنة حسنة فله أجرها وأجر من عمل بها من بعده من غير أن ينقص من أجورهم ...." وفي رواية:"من دعا إلى هدى كان له من الأجر مثل أجور من يتبعه لا ينقص ذلك من أجورهم شيئا ....." وفي رواية:"من سن خيرا فاستن به كان له أجره ومثل أجور من تبعه غير متنقص من أجورهم شيئا ......" وفي رواية:"من أحيا سنة من سنتي قد أميتت بعدي كان له من الأجر ....." فالعالم العامل الذي يقصد الإصلاح العام أجره عند الله عظيم حتى أن الحوت يستغفر له في البحر قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:"الدال على الخير كفاعله" وفي رواية:"الدال على الخير له مثل أجر فاعله" قال الإمام الطحاوي رحمه الله في شرح مشكل الآثار:"وإذا كان الدال يستحق بدلالته على الخير ما يستحقه العامل بذلك الخير كان من سن سنة حسنة دلّ بعمله بها الناس فعملوها بعده يكون في سنته إياها لهم من الأجر كَهُمْ فيه عملهم إياها وكذلك في الوزر يكون سَنّه إياه لهم في عملهم بعده به في الوزر كَهُمْ فيه". ب- الإنسان مؤاخذ بعد موته عما عُمِلَ به بعده من ضلالة وما سن من فساد وشرور قال عليه الصلاة والسلام:".... ومن سن سنة سيئة كان عليه وزرها ووز من عمل بها من بعده لا ينقص من أوزارهم شيئا ثم تلا الآية:"ونكتب ما قدموا وآثارهم"" وفي رواية:".... ومن دعا إلى ضلالة كان عليه من الإثم مثل آثام من يتبعه لا ينقص ذلك من آثامهم شيئا" وفي رواية:".... ومن ابتدع بدعة ضلالة لا يرضاها الله ورسوله كان عليه مثل آثام من عمل بها لا ينقص ذلك من أوزار الناس شيئا" وفي رواية:".... ومن سن شرا فاستن به كان عليه وزره ومثل من تبعه غير متنقص من أوزارهم شيئا". ومما يدل على أن من سن سنة شر لحقه شرها في قبره قوله عليه الصلاة والسلام:"لا تقتل نفس ظلما إلا كان على ابن آدم الأول كفلٌ من دمها لأنه أول من سنّ القتل" قال ابن مسعود رضي الله عنه: أي نصيب من الإثم. ولذلك كان الرسول صلى الله عليه وسلم يخاف على الأمة من أعمال الشر المتعدية حيث قال:"لعن الله من أحدث حدثا" قال ابن القيم رحمه الله:"وهي تختلف باختلاف الحدث نفسه فكلما كان أكبر كانت الكبيرة أعظم" وقال أيضا:"إن أخوف ما أخاف على أمتي الأئمة المضلين" والأئمة يشمل الحكام والعلماء ومن هنا نقول أن الملوك والأمراء والحكام والجنرالات والزعماء والكبراء يلحقهم إثم ما سنوا وما شرعوا وما نشروا من فساد في الأمة وهم في قبورهم لأن من نشر الفساد العام يعظم وزره بخلاف العاصي العادي الذي لا تتعدى معصيته نفسه فهذا لا يأثم بأفعال الآخرين قال الإمام الشاطبي رحمه الله: "كل من عمل عملا فاقتدي به إن صالحا فصالح وإن طالحا فطالح وفيه جاء:"من سن سنة حسنة أو سيئة"و"إن نفسا تقتل ظلما إلا كان على ابن آدم الأول كفل منها لأنه أول من سن القتل" وقد عُدت سيئة العالم كبيرة لهذا السبب وإن كانت في نفسها صغيرة والأدلة على هذا الأصل تبلغ القطع على كثرتها وهي توضح ما دللنا عليه من كون الأفعال تعتبر بحسب الكلية الجزئية وهو المطلوب ....".وذلك لأن الأئمة محل الاقتداء والإتباع عند العامة. والحاصل أن الإنسان مؤاخذ شرعاً عما عُمِل به بعده مما سنّه للناس من هدى أو ضلالة ما لم يتب إلى الله توبة نصوحاً وأن كتابة الأجر والإثم تلحقه بما خلفه من وراءه من آثار فعله. |
#2
|
|||
|
|||
![]() سابعا: اعتراضات وجوابها: * قد ترد بعض الاعتراضات على ما سبق ذكره ويمكن إجمالها والرد عليها فيما يلي: الاعتراض الأول: قد يقول قائل أليس رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول "من شهد أن لا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله حرمه على النار" فلماذا التضييق على رحمة الله الواسعة ؟!!! والجواب أن كلمة الشهادة ليست مجرد كلمة بل هي عنوان الإسلام كله ومعناها لا معبود بحق إلا الله ولا مطاع بحق إلا الله تعالى وجاءت نصوص الكتاب والسنة في مكانتها وفضلها وعظيم نفعها ولذلك قال أهل العلم أن هذه الكلمة العظيمة لا تنفع صاحبها إلا بشروط ذكرها العلم منها العلم المنافي للجهل، اليقين المنافي للشك، الانقياد المنافي للترك، القبول المنافي للرفض، والصدق المنافي للكذب، المحبة المنافية لضدها، ولولا خوف الإطالة لذكرنا أدلة كل شرط من الكتاب والسنة ولا تنفع كلمة الشهادة صاحبها إذا أتى بناقض من نواقضها وما أكثرها حتى أن بعض أهل العلم أوصلها إلى أكثر من أربعمائة ناقض ولخصها بعضهم في عشر نواقض والحاصل أن كلمة التوحيد لها شروطها ونواقضها وليست مجرد كلمة دون التزام بكليات الشريعة. قال بن رجب الحنبلي في كتابه كلمة الإخلاص وتحقيق معناها: "وقالت طائفة من العلماء : المراد من هذه الأحاديث "أن لا إله إلا الله" سبب لدخول الجنة والنجاة من النار ومقتض لذلك ولكن المقتضي لا يعمل عمله إلا باستجماع شروطه وانتفاء موانعه فقد يتخلف عنه مقتضاه لفوات شرط من شروطه أو لوجود مانع..."، ثم ذكر ما يدل على ذلك. قال الحسن للفرزدق وهو يدفن امرأته –ولم تكن حاكما أو زعيما أو جنرالا- ما أعددتَ لهذا اليوم؟ قال شهادة أن لا إله إلا الله منذ سبعين سنة قال الحسن نِعمَ العدّة لكن لـ "لا إله إلا الله" شروطا فإياك وقذف المحصنة! وقيل للحسن أن ناسا يقولون: من قال: لا إله إلا الله دخل الجنة؟ فقال من قال: لا إله إلا الله فأدى حقها وفرضها دخل الجنة." وقال وهب بن منبه لمن سأله أليس لا إله إلا الله مفتاح الجنة؟ قال: بلى ولكن ما من مفتاح إلا له أسنان، فإن جئت بمفتاح له أسنان فُتح لك وإلا لم يفتح لك." وقال ابن رجب رحمه الله "أن النبي صلى الله عليه وسلم رتّب دخول الجنة على الأعمال الصالحة في كثير من النصوص...". ومعلوما شرعا أن كلمة الشهادة لا ترفع العقوبة في الدنيا لمن يستحقها فأبو بكر الصديق رضي الله عنه قاتل مانعي الزكاة رغم أن فيهم من كان يتلفظ بالشهادة ويقيم الصلاة وقال للذين توقفوا في قتال مانعي الزكاة أنه لا يمتنع من قتالهم إلا بتأدية حقوقها لقوله صلى الله عليه وسلم "ماذا فعلوا ذلك منعوا مني دماءهم إلا بحقها وحسابهم على الله" وقال الزكاة حق المال. وعندها رجعوا إلى قوله قال ابن رجب "فإذا علم أن عقوبة الدنيا لا ترفع عمن أدى الشهادتين مطلقا بل يعاقب بإخلاله بحق من حقوق فكذلك عقوبة الآخرة". الاعتراض الثاني: قد يقول قائل أن بعض الملوك والأمراء والحكام والجنرالات يصلي ويصوم ويحج ويعتمر ويتصدق على الفقراء والمساكين أفلا يشفع لهم ذلك عند الله أن صدرت منهم مظالم بحق الرعية؟!!! والجواب أن مسؤولية الحاكم من أعظم المسؤوليات عند الله وعقابه من أشد ألوان العقوبات وما يقومون به من عبادات أو بعض أعمال الخير لا يمنحهم حصانة من العقاب والقصاص العادل من الله تعالى جرّاء قتل الأبرياء وسجن الخصوم بغير وجه شرعي وممارسة أبشع أنواع التعذيب على أبناء الشعب فضلا عن مصادرة حقوق الشعب المشروعة ونصوص الكتاب والسنة تنص على أن الحاكم الجائر الظالم لا يغفر الله مظالمه المتنوعة إلا بالتوبة النصوح والاعتراف بالحقيقة وطلب العفو ممن ظلمهم وتعدى على شرفهم ومنعهم حقهم المشروع بالكتاب والسنة وحتى بمقتضى الدستور والمواثيق الدولية. فيجب على عموم الشعوب عدم الاغترار بعبادة هؤلاء الحكام الظلمة ألم يقل رسول الله صلى الله عليه وسلم "أتدرون من المفلس؟ قالوا المفلس منا من لا درهم له ولا متاع فقال "إن المفلس من أمتي ما يأتي يوم القيامة بصلاة وصيام وزكاة ويأتي وقد شتم هذا وقذف هذا وأكل مال هذا وسفك دم هذا وضرب هذا فيُعطى هذا من حسناته وهذا من حسناته فإن فنيت حسناته قبل أن يقضي ما عليه أخذ من خطاياه فطرحت عليه ثم طرح في النار" فكل حاكم أو ملك أو جنرال أو أمير أمر بقتل وتعذيب أبناء الشعب حسابه عند الله بالغ الخطورة والسوء ولو لم يمارس ذلك بيده بحكم المسؤولية التي يتولاها والأوامر التي يصدرها سواء أكانت شفوية وهذا هو الغالب فيهم أو بغض الطرف عما تمارسه الأجهزة الدنيا من شرطي ودركي ومخبر ومن البلاهة أن يظن المسلم أن الصلاة والصيام أو الحج يمحي مظالم الطغاة دون إعلان التوبة ورد الحقوق والاعتراف بالحقيقة، ألم يقل رسول الله صلى الله عليه وسلم "من قال في مؤمن ما ليس فيه أسكنه الله ردغة الخبال حتى يخرج مما قال" أي عصارة أهل النار، وما فائدة عبادة مع الظلم والطغيان؟ ألم يقل رسول الله صلى الله عليه وسلم "من ظلم قيد شبر من الأرض طوقه الله من سبع أراضين" وقال أيضا "يخلص المؤمن يوم القيامة من النار فيحبسون على قنطرة بين الجنة والنار فيقتص لبعضهم من بعض مظالم كانت بينهم في الدنيا حتى إذا هذبوا ونقوا أذن لهم في دخول الجنة" هذا في ظلم العباد فكيف بالظلم الأكبر كالإشراك بالله تعالى أو تعطيل الشريعة واستبدالها بغيرها؟!!! وما فائدة العبادة مع مساوئ الأخلاق، ألم يقل رسول الله صلى الله عليه وسلم "آية المنافق ثلاث، إذا حدث كذب وإذا وعد أخلف وإذا اؤتمن خان"رواه مسلم "وإن صام وصلى وزعن أنه مسلم" وما فائدة عبادة حاكم وهو يغدر بالشعب ألم يقل رسول الله صلى الله عليه وسلم "لكل غادر لواء عند إليته -أي دبره- يوم القيامة يرفع له بقدر غدره ألا ولا غادر أعظم غدرا من أمير عامة" وما فائدة عبادة حاكم وهو خائن لأمانة الأمة، ألم يقل الرسول صلى الله عليه وسلم "من شاء صلى ومن شاء صام والله لا دين لمن لا أمانة له" والنصوص في نواقض العبادة ومحبطاتها كثيرة على مستوى الفرد العادي فكيف بالملوك والأمراء والحكام والجنرالات وكبار الزعماء في الأمة، والحاصل أن الحكام الطغاة لا تنفعهم عبادتهم وأعمالهم الخيرية إذا ظلموا الشعوب وأوردوها المهالك والمعاطب حفاظا على كراسيهم ولا حصانة لهم عند الله يوم يقوم الناس لرب العالمين وليس أمامهم إلا التوبة والاعتراف بالحقيقة ورد الحقوق إلى أصحابها في الدنيا والله غفور رحيم وإلا فهو القصاص العادل أمام محكمة ربانية نسأل الله تعالى السلامة. الاعتراض الثالث: قد يقول قائل: لماذا يتحمل ابن آدم مسؤولية وآثام القتلة منذ فجر الإنسانية إلى يوم البعث كما جاء في الحديث الصحيح السابق الذكر لاسيما وقد أعلن ندمه والندم توبة كما جاء في الحديث الصحيح والجواب: إن ابن آدم الذي يقال له قابيل لم يندم ندم توبة قال تعالى:"أعجزت أن أكون مثل هذا الغراب فأواري سوءة أخي فأصبح من النادمين" 31 المائدة قال ابن عباس رضي الله عنه:"لو كانت الندامة على قتله لكانت الندامة توبة منه" قال الرازي:"إن الندم إذا لم يكن لقبح المعصية لم يكن توبة". فهو ندم على قساوة قلبه وكونه دون الغراب في الرحمة فكان ندمه لذلك لا لأجل الخوف من الله تعالى فلا جَرَمَ لم ينفعه ذلك الندم. والله تبارك وتعالى تاب على آدم عليه السلام وزوجه حواء لأنهما ندما فعلا عما وقعا فيه من مخالفة أمر الله تعالى قال جلّ جلاله:"قالا ربنا ظلمنا أنفسنا وإن لم تغفر لنا وترحمنا لنكونن من الخاسرين" الأعراف 23.وقال تعالى:"فتلقى آدم من ربه كلمات فتاب عليه إنه هو التواب الرحيم" البقرة 37. الاعتراض الرابع: قد يقول قائل: لماذا نحمِّل هؤلاء الذين فارقوا الحياة الدنيا وأفضوا إلى ربهم أوزار غيرهم ونصوص القرآن الكريم تنص على أنه لا تزر وازرة وزر أخرى ألم يقل الله تعالى:"ولا تكسب كل نفس إلا عليها" الأنعام 164 وقال:"وإن تدع مثقلة إلى حملها لا يحمل منه شيء ولو كان ذا قربى" فاطر 18 وقال:"ولا تزر وازرة وزر أخرى" فاطر 18 وقال:"تلك أمة قد خلت لها ما كسبت ولكم ما كسبتم ولا تسألون عما كانوا يعملون"البقرة 134 والجواب: بعضه تقدم في قوله تعالى:"وآثارهم" وقوله عليه الصلاة والسلام:"من سنة سيئة ....." وأما معنى الآيات السالفة الذكر يجب أن تفهم في ظل آيات أخرى لفك التعارض الظاهري فالإنسان الذي يقتدى في الشر والفساد والضلالة يحمل وزر نفسه بما اكتسبت من إثم ويعاقب عقوبة فردية على ما فعل ويتحمل مسؤولية إجرامه وفساده وضلاله وهذا معنى قوله تعالى:"وقال الذين كفروا للذين آمنوا اتبعوا سبيلنا ولنحمل خطاياكم وما هم بحاملين من خطاياهم من شيئ" العنكبوت 12. أما الذين ضلوا وأضلوا وفسدوا وأفسدوا وفسقوا ونشروا الفسق وأجرموا وحملوا الآخرين على الإجرام وكفروا ونشروا الكفر إلخ ..... فهؤلاء لا تشملهم الآيات السابقة الذكر وإنما تشملهم آيات قرآنية أخرى من مثل قوله تعالى: "ليحملوا أوزارهم كاملة يوم القيامة ومن أوزار الذين يضلونهم بغير علم ألا ساء ما يزرون" النحل 25 وقوله تعالى:"وليحملن أثقالهم وأثقالا مع أثقالهم" العنكبوت 13. وفي هذه النصوص وغيرها بيانا أن هؤلاء الصنف يحملون أوزارهم كاملة ويحملون أيضا من أوزار الأتباع الذين أضلوهم فضال له عقوبة أما المُضِلّ فله عقوبتان عقوبة الضلال وعقوبة الإضلال أي جمعوا من أوزار أنفسهم وأوزار إضلال غيرهم ولا ينقص ذلك شيئا من أوزار أتباعهم الضالين والحاصل أنه لا تعارض بين النصوص فالضال يتحمل وزر نفسه والمضل يتحمل وزر نفسه ووزر غيره وكلاهما من وزره فرؤساء الفساد والإفساد والضلال والإضلال لا ينقطع عنهم إثم الإفساد والإضلال إلى يوم يبعثون نسأل الله العفو والعافية. الاعتراض الخامس قد يقول قائل: ألم يقل رسول الله صلى الله عليه وسلم:"اذكروا محاسن موتاكم وكفوا عن مساوئهم"؟!! والجواب: يمكن إجماله قيما يلي: - الحديث ضعيف الإسناد. وعلى فرض صحته فإن الكف عن ذكر مساوئ الموتى إنما يشمل غير المجاهر المعلن بالمعصية فمثل هذا الميت يندب ذكر محاسنه وحرمة ذكر مساويه أما الظالم ظلما متعديا أو المعلن بفسقه أو الداعية إلى بدعة ضلالة فهذا لا يشمله الحديث على فرض صحته قال الإمام المناوي رحمه الله:"فإن سب المسلم غير المعلن بفسقه حرام شديد التحريم .... يعني لا تذكروهم إلا بخير فذكر محاسنهم مندوب وذكر مساويهم حرام ...." ثم بين موطن الاستثناء فقال:".. إلا لضرورة أو مصلحة كتحذير من بدعة أو ضلالة كما يؤشير إليه إخبار المصطفى صلى الله عليه وسلم بأن الشملة التي غلها .. تلتهب عليه نارا فإنه بيان لحكم الله والتحذير من الغلول" وقال صاحب عون المعبود شرح سنن أبي داود:"إن أموات الكفار والفساق يجوز ذكر مساويهم للتحير منهم ..." ومن هنا نقول إن الملوك والأمراء والحكام والزعماء والجنرالات الذين عاثوا في الأرض فساداً فأبطلوا أحكام الشريعة أو جعلوها أبعاضا فآمنوا ببعض وكفروا ببعض وقتلوا الذين يأمرون بالقسط من الناس وفعلوا وفعلوا فهؤلاء الواجب محاكمتهم في الدنيا على جرائمهم وإن ماتوا دون توبة ورد للحقوق فلا حرمة لهم شرعا ولولا خوف الإطالة سردتُ عشرات الأمثلة عبر التاريخ القديم والحديث كيف تتعامل الناس مع الطغاة بعد موتهم حتى أن بعضهم أقيمت له محاكمة رمزية بعد موته. الاعتراض السادس: قد يقول قائل: ألم يرد في السنة النهي عن سب الأموات كقوله عليه الصلاة والسلام:"لا تسبوا الأموات فتؤذوا الأحياء" وقوله في حديث آخر:"لا تسبوا الأموات فإنهم قد أفضوا إلى ما قدموا" والجواب: - لابد من التفريق بين ذكر المساوئ والإخبار عما كان من حال الميت في حال الحياة بعد أن أفضى إلى ربه وبين السب الذي هو الشتم في معرض التعيير وليس هذا منه فالثناء بالشر ليس سبا وقد جاء في الحديث:"فأثنوا عليه شرا فقال: وجبت أي النار" كما مرّ قريبا وكلنا يعلم حال ذلك الرجل الذي قاتل مع رسول الله صلى الله عليه وسلم قتال الأبطال المغاوير ثم قُتل فقال الرسول صلى الله عليه وسلم للصحابة:"والذي نفسي بيده إن الشملة التي أخذها يوم خيبر من المغانم لم تصبها المقاسم لتشتعل عليه في قبره نارا" فهذا حال من أخذ شملة فكيف بحال من سرق أموال الأمة وهرّبها إلى البنوك الخارجية ليتقوى بها الكفار على المسلمين ؟!! كما يفعل ملوك وأمراء وحكام وجنرالات وزعماء الدول العربية التعيسة بحكامها ؟!!! - هناك من العلماء من استدل بالنصوص السابقة بمنع سب الأموات مطلقا. - قال ابن المنير رحمه الله أثناء شرح باب ما يُنهى من سب الأموات عند أبي داود: "لفظ الترجمة يُشعر بانقسام السب إلى منهي وغير منهي ولفظ الخبر مضمونه النهي عن السب مطلقا والجواب أن عمومه مخصوص انس السابق حيث قال صلى الله عليه وسلم عند ثنائهم بالخير وبالشر"وجبت وأنتم شهداء الله في الأرض" ولم ينكر عليهم ويحتمل أن اللام في الأموات عهدية والمراد به المسلمون لأن الكفار مما يتقرب إلى الله بسبهم" وقال الإمام القرطبي رحمه الله في الكلام على حديث وجبت:"يحتمل أجوبة: 1- أن الذي كان يحدث عنه بالشر كان مستظهرا به فيكون من باب لا غيبة لفاسق أو كان منافقا 2- يحتمل النهي على ما بعد الدفن والجواز على ما قبله ليتعظ به من يسمعه 3- يحتمل أن يكون النهي العام متأخرا فيكون ناسخا وهو ضعيف" وقال الحافظ ابن حجر رحمه الله: "وأصح ما قيل أن أموات الكفار والفساق يجوز ذكر مساويهم للتحذير منهم والتنفير عنهم وقد أجمع العلماء على جواز جرح المجروحين من الرواة أحياء وأمواتا" قال العلامة ابن بطال المالكي رحمه الله:"سب الأموات يجري مجرى الغيبة فإن كان أغلب أحوال المرء الخير وقد الخير وقد تكون منه الفلتة فالاغتياب له ممنوع وإن كان فاسقا معلنا فلا غيبة له فكذلك الميت" وقال الإمام النووي رحمه الله:"فإن قيل كيف مكنوا بالثناء بالشر مع الحديث الصحيح في البخاري وغيره في النهي عن سب الأموات؟ فالجواب أن النهي عن سب الأموات هو في غير المنافق وسائر الكفار وفي غير المتظاهر بفسق أو بدعة فأما هؤلاء فلا يحرم ذكرهم بشر للتحذير من طريقتهم ومن الاقتداء بآثارهم والتخلق بأخلاقهم وهذا الحديث محمول على أن الذي أثنوا عليه شرا كان مشهورا بنفاق أو نحوه مما ذكرنا" والحاصل أن الثناء بالشر وذكر الفاجر المهاجر بما فيه لاسيما إن كان رأسا من الرؤوس الكبيرة مع الإخلاص والبعد عن التشفي ليس سبا لأن ذلك يعتبر من الإخبار عن واقع حال ذلك الميت بعد أن أفضى إلى ربه وما زال علماء الجرح والتعديل يتكلمون في الرجال وقد أفضوا إلى ربهم وقصدهم تمييز الصحيح عن الضعيف وما زال علماء التاريخ يتناولون الأحداث التاريخية وصُناعها وقصدهم أخذ العبرة وتمحيص الروايات التاريخية وإنصاف الحقيقة التي عبث بها الكذبة والفسقة من مؤرخي الحكام والسلاطين وما زال علماء السياسة يخوضون فيما وراء الأحداث السياسية الكبرى التي جرت الويلات على الأمم والشعوب وقصدهم أخذ الدروس ورسم معالم السياسة الراشدة التي تعود على البلاد والعباد بالخير وكل هؤلاء يتحدثون عن الأموات قدحا ومدحا والقرآن الكريم تحدث عن الطغاة وجرائم العصاة وذكرهم بأسمائهم وبعض أحوالهم وهم في قبورهم يعذبون أشد العذاب للاعتبار والاستذكار "فهل من مدكر". ثامنا: حكم شهود جنائز الطغاة: * الواجب على أهل العلم والفضل عدم حضور جنائز الطغاة أو القيام على قبورهم لقوله تعالى "ولا تصل على أحد منهم مات أبدا ولا تقم على قبره، إنهم كفروا بالله ورسوله وماتوا وهم فاسقون"التوبة84، ولسنا الآن بصدد ذكر ما قاله علماء التفسير في هذه الآية الكريمة وما فيها من حكم وأحكام وفوائد وفرائد ومن عاد إلى كتب التفاسير القديمة والحديثة يدرك سبب نزول هذه الآية، ذلك أنه عندما عزم الرسول صلى الله عليه وسلم الصلاة على عبد الله ابن أبي سلول، قال له عمر بن الخطاب، إنه منافق، أعلى عدو الله عبد الله ابن أبي سلول تصلي عليه؟ وهو القائل كذا يوم كذا وكذا، يعدد آثامه وجرائمه، والرسول صلى الله عليه وسلم لم ينهه عن ذكر آثامه وعيوبه، ورغم ذلك صلى عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم اجتهادا منه وجبرا لخاطر ولده الصالح، ثم انصرف رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى بيته فلم يمكث إلا يسيرا حتى نزلت الآيتان، معنى الآية باختصار لا تصل عليهم لأن الصلاة شفاعة ولا شفاعة في حقهم "ولا تقم على قبره" أي لا يقف عليه للدفن أو للزيارة والدعاء، وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم، إذا دعي إلى جنازة سأل عنها فإن أثني عليها خيرا قام فصلى عليها وإن كان غير ذلك قال لأهلها شأنكم بها ولم يصل عليها، قال الحافظ بن حجر رحمه الله "إنها نزلت في جميع المنافقين، كان عمر إذا أراد أن يصلي على أحد استتبع حذيفة فإن مشى معه وإلا لم يصل عليه" ولقد بلغت الشدة بأبي حنيفة وصاحبيه واختاره البخاري أنه لا يصلى على الميت الظالم لأن الصلاة تكريم وهذا يستحق الإهانة فالقاتل لنفسه لا يصلى عليه فكيف بالظالم الذي يتعدى ظلمه لغيره، فالظالم أولى لأن الظلم اعتداء على الغير، قال ابن العربي المالكي "فأخبر عنه بالكفر والموت على الفسق وهذا عموم في الذي نزلت الآية بسببه وفي كل منافق مثله" والحاصل أنه بعد أن نزلت تلك الآية الكريمة ما صلى رسول الله عليه الله عليه وسلم بعد على منافق ولا أقام على قبره –أي شهد جنازته ودفنه أو الدعاء له -حتى قبضه الله، وحيث توجد العلة يوجد الحكم كما يقول الأصوليون. تاسعا: العربي بلخير عند السلطات الرسمية وعند الجماهير الشعبية: * بتاريخ 10 سبتمبر 2007، تم إلقاء القبض علي من طرف القوات الخاصة وتم تفتيش منزلي وأخذ بعض أغراضي وبعضها لم يرجع إلي إلى يومنا هذا وهو تصرف غير قانوني ويدخل في باب السرقة وسبب إلقاء القبض علي أني أدليت برأيي في حق الجنرال الهالك إسماعيل العماري لقناة الحوار وهو تصرف يجعلني تحت طائلة المادة 46 من قانون السلم والمصالحة الجائر، الذي أعطى الحصانة للمجرمين الذين انقلبوا على الإرادة الشعبية 1992 وقاموا بممارسة إرهاب الدولة ومن هؤلاء الجنرال الهالك العربي بلخير ومنع قادة الحزب الفائز مرتين من ممارسة حقوقهم السياسية والمدنية والاجتماعية وتلك جريمة سنها بوتفليقة ومن جاؤوا به ونصبوه رئيسا للعهدات الثلاث، فعليه وزرها ووزر من عمل بها إلى يوم القيامة ما لم يتب إلى الله تعالى ويرد الحقوق إلى أهلها ويرفع المظالم النازلة على شرائح واسعة من الشعب الجزائري، وسارع إلى تأسيس لجنة وطنية للاعتراف ومعرفة الحقيقة والمصارحة والمصالحة الحقيقة وللجنة حق مسائلة جميع الأطراف جميع أطراف الأزمة، وعلى رأسهم القادة العسكريين والسياسيين الذين كانوا وراء اتخاذ قرار الانقلاب على الاختيار الشعبي التي ما زالت آثاره الوخيمة قائمة إلى يوم الناس هذا، أما فيما يخص الجنرال الإنقلابي العربي بلخير فنجمل كلامنا فيه فيما يلي: 1-العربي بلخير هو أحد رجال السلطة الفعلية وعنصرا من أهم عناصر النواة الصلبة في قيادة المؤسسة العسكرية، كان ضابطا في الجيش الفرنسي وفر منه في طليعة الستينات وكان وراء ترشيح الشاذلي بن جديد بعد وفاة الراحل بومدين وساهم مساهمة في إعادة الرئيس بوتفليقة إلى سدة الحكم على أساس أن المؤسسة العسكرية اختارت المرشح الأقل سوءا سنة 1999، ولذلك أعاده إلى نفس المنصب الذي تولاه بعد أيام رئاسة الشاذلي أي رئيس ديوان رئاسة الجمهورية، وقالوا عنه أنه صانع الرؤساء ورجل الظل والعلبة السوداء و.....و.... 2-بمجرد الإعلان على وفاة الجنرال العربي بلخير تهاطلت على وسائل الإعلام المختلفة رسائل التعزية من رئيس الجمهورية ورئيس المجلس الوطني الشعبي ووزارة الدفاع ومضمون هذه الرسائل جعلت من الجنرال الانقلابي بطلا من أبطال الجزائر وصاحب المهام السامية والمسؤولية الكبيرة الجسيمة ورجل الدولة من الطراز الأول..الخ..ما جاء في تلك الرسائل تلك نظرة السلطة الرسمية للجنرال العربي بلخير الذي وصف بصانع الرؤساء والشخصيات السياسية وبعض رؤساء الأحزاب والعمل على تنصيف بعض كبار الضباط في أماكن هامة في هرم المؤسسة العسكرية فضلا عنه الرجل الذي يحسن العمل خلف الستار وعقد الصفقات التجارية في الداخل والخارج وتسيير "الدولة" من الفيلات الخمة، والفنادق الراقية في الداخل والخارج ذلك أن الجزائر منذ الإستقلال لا تتمتع بمؤسسات حكم قوية لأن القرارات الكبرى تصنع وتطبخ خارج المؤسسات التي تعتبر مجرد هياكل عظيمة لا تسمن ولا تغني من جوع مما يدل دلالة قاطعة على أن الجزائر تسيرها عصابة من الأشرار توظف جميع مؤسسات الدولة للحفاظ على مصالحها غير المشروعة وتتخذ من الأجهزة الأمنية المختلفة من شرطة ودرك وجيش أداة قامعة للبقاء في السلطة وتتخذ من العدالة غير المستقلة أداة تصفية لخصومها السياسيين أو لتصفية الحسابات بين الأجنحة المتصارعة كما كان الشأن مع الجنرال بلوصيف الذي ورى الثرى يوم الجمعة 15-01-2010 والذي دفن بمربع الشهداء بمقبرة العالية بعد الحكم عليه بخمسة عشر (15) سنة ؟!!!!. 3-أما نحن فنراه – وهذا من حقنا- عكس ما وصفته رسائل التعزية الرسمية فهو أحد أهم الجنرالات الذين انقلبوا على الإرادة الشعبية في 1992 وكان يشغل وقتها وزيرا الداخلية وهو الذي أعلن بعظمة لسانه في 27 ديسمبر 1991 عن فوز الجبهة الإسلامية للإنقاذ بأغلبية المقاعد في الدور الأول وذلك بقاعة ابن خلدون وقد أقر المجلس الدستوري بتلك النتائج بطريقة رسمية، ولا شك أن النتائج المسجلة كانت صدمة للنظام ولم يكن يتوقعها حتى مركز الدراسات الجزائرية، وكان الجنرال الإنقلابي من ضمن مجموعة الجنرالات الذين خططوا للانقلاب على الاختيار الشعبي، ففي 09-02-1992 تقدمت وزارة الداخلية والجماعات المحلية والتي كان يترأسها الجنرال المجرم العربي بلخير بطلب موضوعه طلب توقيف وحل جمعية ذات طابع سياسي يقصد الجبهة الإسلامية للإنقاذ أكبر حزب سياسي معارض منذ الاستقلال فاز بالانتخابات مرتين لا بالانقلاب العسكري ولا بالثورة الشعبية ولا باسم الشرعية الثورية وإنما تم ذلك بالصندوق مما جعل تجربة الجبهة الإسلامية تجربة فريدة من نوعها وبما أن العدالة غير مستقلة لبت الغرفة الإدارية لمجلس قضاء الجزائر العاصمة طلب وزارة الداخلية وتم حل أكبر حزب سياسي معارض في 04 مارس 1992 وفي 29 مارس 1992 أكدت المحكمة "العليا" قرار الحل، وهكذا دخلت البلاد في المجهول إلى يومنا هذا ومارست الأجهزة الأمنية المختلفة إرهابا فريدا من نوعه في تاريخ البلاد مما نجم عليه ردود فعل بالغة العنف والقسوة وبقيت حالة الإرهاب الرسمي والعنف المضاد تتطور من سنة إلى أخرى إلى أن أعلن عن تنظيم القاعدة في المغرب الإسلامي وما زالت البلاد تعاني من حالة الطوارئ وتحولت البلاد إلى ثكنة عسكرية وأمنية وكثرت المتاريس والحواجز الأمنية في طول البلاد وعرضها، وأصبحت مراكز مؤسسات الدولة تحت حصار أمني رهيب ومحاطة بمتاريس إسمنتية لم تكن حتى أيام الإستعمار الفرنسي وأثناء معركة الجزائر الكبرى مما يدل دلالة قاطعة على الوضعية الأمنية المتدهورة، وليعلم الجميع لأنه لو لا الانقلاب المشؤوم الذي كان العربي بلخير أحد مهندسيه والذي جرّ على البلاد والعباد الويلات والتي لا مخرج لها إلا بحل سياسي شامل وعادل يطوي هذه الصفحة البيضاء من تاريخ البلاد. 4-ومن جرائمه التي كان من الواجب أن يحاكم عليها هو ومجموعة الجنرالات الذين انقلبوا على الاختيار الشعبي وخرقوا الدستور الذي يجعل الشعب مصدر كل سلطة كما هو منصوص عليه في المادة 6-7-10 و11 من دستور 1989 وكان من الواجب محاكمة كل من شارك من قريب أو بعيد في مصادرة الاختيار الشعبي من العسكريين والسياسيين الرسميين، وقد استنكر حل الجبهة الإسلامية للإنقاذ كبار الشخصيات التاريخية والوطنية والسياسية وبعض الضباط داخل المؤسسة العسكرية منهم من اغتيل في حوادث غامضة ومنهم من أحيل على التقاعد المبكر وهناك من استنكر حل الجبهة الإسلامية للإنقاذ من رجال الفكر والسياسة رغم خلافهم مع توجهاتها، احتراما لاختيار الشعب الذي له كامل الحق في اختيار من يحكمه والمشروع الذي يطمح إليه. 5-الذي تابع سير محاكمة الجنرال بلوصيف 06 فيفري 1993 يخلص بنتيجة أنه كان من الواجب التحقيق مع الرئيس الشاذلي بن جديد وكذا الجنرال العربي بلخير ومما لا شك فيه أن محاكمة بلوصيف تمت في المحكمة العسكرية بالبليدة التي تمت فيها محاكمة قادة الجبهة الإسلامية للإنقاذ من طرف نفس النائب العام وقاضي التحقيق وقاضي المحكمة وهم على اطلاع بسير المحاكمة من أول يوم ويكفي أن الجنرال نور الدين بن قرطبي اعتبر العربي بلخير المطلع الأول على الأمر بالصرف وبتحويل العملة الصعبة وصرح المقدم محمد فقير الهبري المدير السابق للتخطيط والميزانية بوزارة الدفاع "إن الأوامر العسكرية أقوى من القانون" أي أن المؤسسة العسكرية فوق القانون وأن الفساد المالي يتم في المكاتب العسكرية بالسفارات في الخارج ونحن نعرف لماذا يحاكم الشاذلي بن جديد في ذلك الوقت رغم الاستماع إلى إفادته من طرف قاضي التحقيق الذي كان يحقق معنا فالشاذلي يرمي المسؤولية على بلوصيف وبلوصيف يرمي المسؤولية على الشاذلي والعربي بلخير وعلاوة بوركبة شقيق زوجة الرئيس الشاذلي والذي نعته بلوصيف ببوق سيده يقصد الشاذلي وهو ينفذ تصريحات الشاذلي بن جديد وهذا ما دفع بلوصيف أن يقول أثناء المحاكمة لماذا أحاكم أنا دون الآخرين وعندما سئل عن بعض التصرفات المالية قال بكل وضوح "إن هذا التقليد كان موجودا في الجيش الوطني قبل أن يكون الأمين العام لوزارة الدفاع" أما الهبري فقد قال أنه غير مسؤول وإنما نفذ حرفيا أوامر اللواء، وإن الأوامر في الجيش تطغى على القانون ولا يمكن لأي ضابط مناقشتها، والحق أن محاكمة بلوصيف عبارة عن تصفية من طرف ضابط فرنسا لضابط جيش التحرير ولأنه رفض إخراج الجيش لقمع المظاهرات في قسنطينة 1986 وكنت يومها في سجن تازولت، ولقد صرح لي شخصيا بلوصيف بما كان يعانيه سنة 1990 وقد أشرت إلى ذلك في إحدى التجمعات يومها ولكن الصحافة لم تتابع الموضوع حتى سيق إلى السجن في 1993، وعندما قرروا محاكمته قلنا ونحن وراء القضبان لا للعدالة الانتقائية ولا ينبغي أن تكون العدالة أداة في يد المخابرات العسكرية لتصفية الخصوم السياسيين أو حسم صراع الأجنحة المتصارعة فإذا كان اللواء بلوصيف تمت محاكمته من أجل بناء بعض الفيلات وترميم أخرى وتحويل العملة الصعبة بدون أي سند أو إثبات إداري، واستعمال أموال عمومية لأغراض خاصة، فلماذا تتغافل العدالة عن محاكمة بعض الألوية الذين انقلبوا على اختيار الشعب وقتلوا وعذبوا واختطفوا وسجنوا ونفوا آلاف الشباب الجزائري إلى الصحراء وهم صنّاع الحكام وإنهاء مهامهم وفعلوا بالجزائر الأفاعيل المنكرة ...الخ، وإذا ما قارنّا ما فعله بلوصيف بما فعله جنرالات الانقلاب من جرائم في حق الشعب لكان أشرف منهم وأقل سوءا بمئات المرات، وها هو وزير الدفاع السابق خالد نزار يثير الموضوع من جديد على صفحات الجرائد وكلنا يعلم أن قاضي محكمة البليدة له عقد مع وزارة الدفاع ولم يقض بلوصيف من المدة التي حوكم بها -15سنة- إلا قرابة 04 سنوات، ثم أفرج عنه بعد وساطات من هنا وهناك، بينما قضى نائب رئيس الجبهة الإسلامية للإنقاذ المدة كاملة دون تخفيض للعقوبة كما ينص القانون العسكري والمواثيق الدولية رغم أنه مثل أمام نفس النائب العام العسكري وقاضي التحقيق وقاضي الحكم؟!!!. والحاصل أنه لا يمكن تصفية الحسابات السياسية عن طريق عدالة غير مستقلة فكيف إذا كانت عسكرية تمشي بالأوامر وفي ظل حكم متعفن يتنفس الفساد وما المرصد الذي أعلن عليه رئيس الحكومة مؤخرا لمحاربة الفساد إلا ذرّا للرماد في العيون وجولة أخرى لتصفية الحسابات السياسية بين الأجنحة المتصارعة، يوظف فيها القضاء غير المستقل والذي ينخره الفساد على جميع الأصعدة. ولذلك نقول، إن العربي بلخير مجرد جنرال انقلابي كان من الواجب أن يحال هو والعصابة الحاكمة إلى المحكمة لينالوا العقوبة الرادعة جراء ما أحدثوا في البلاد من مآسي وفضائع في طول البلاد وعرضها، ولماذا لا يمثل هؤلاء الألوية أمام لجنة مسائلة وطنية كالتي مثل أمامها أعضاء من حكومة طوني بلير، وهو على رأسهم فكانت اللجنة تحقق معه في الداخل والمظاهرات الصاخبة في الخارج تطالب بمحاكمة طوني بلير كمجرم حرب دون أن يتعرض أي فرد من المتظاهرين إلى القمع أو السجن أو الرقابة القضائية كما هو الشأن في البلاد العربية التعيسة التي اعتادت أن تواجه المظاهرات السلمية بالقمع الشديد كما جرى مؤخرا لسلك الأطباء والممرضين بمستشفى مصطفى باشا. عاشرا: الطغاة الذين أفلتوا من المحاكم الدنيوية مصيرهم إلى المحكمة الربانية. * أغلب المظلومين المقهورين يتحرقون للقصاص من الطغاة الظلمة الذي عاثوا في الأرض فسادا وإفسادا قبل الآخرة ولكن الله تعالى –لحكمة يعلمها- شاءت قدرته أن يفلت الظالم من القصاص العادل في الحياة الدنيا لامتحان إيمان الناس ولو لا حكمة الله البالغة لعجل لهم العذاب، قال تعالى "ولو لا كلمة سبقت من ربك لكان لزاما وأجل مسمى، فاصبر على ما يقولون"طه129، وإن إفلات بعض الطغاة الظلمة في محكمة الدنيا إنما هو من باب الاستدراج لهم ومكر الله تعالى بهم، قال تعالى "سنستدرجهم من حيث لا يعلمون وأملي لهم إن كيدي متين"الأعراف183 وقوله تعالى "ولا تحسبن الله غافلا عما يعمل الظالمون، إنما يؤخرهم ليوم تشخص فيه الأبصار ابراهيم42، وقال عليه الصلاة والسلام "إن الله ليملي للظالم، حتى إذا أخذه لم يفلته"، فلا بد للظالم من محكمة ربانية يوم يقوم الناس لرب العالمين، عن جابر بن عبد الله رضي الله عنه، قال رجعت إلى رسول الله مهاجرة البحر، قال ألا تحدثني بأعاجيب ما رأيتم بأرض الحبشة؟ فقال فتية منهم بلى يا رسول الله، ينما نحن جلوس مرت بنا عجوز من عجائزها تحمل على رأسها قُلة من ماء، فمرت بفتى منهم بجعل يديه بين كتفيها ثم دفعها فخرت على ركبتيها، فانكسرت قُلتها، فلما ارتفعت التفتت إليه فقالت، سوف تعلم يا غدر إذا وضع الله الكرسي وجمع الأولين والآخرين وتكلمت الأيدي والأرجل بما كانوا يكسبون فسوف تعلم كيف أمري وأمرك عنده إذا، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم "صدقت، صدقت كيف يقدس الله أمة لا يؤخذ لضعيفهم من شديدهم" فهذه العجوز العاجز على القصاص في الدنيا أشارت إلى المحكمة الربانية يوم القيامة لأنها محكمة تحفظ الملفات المكتوبة وغير المكتوبة الظاهرة على الجوارح والباطنة في سويداء القلب، قال تعالى "إنا كنا نستنسخ ما كنتم تعملون" الجاثية29، وقوله تعالى "ورسلنا لديهم يكتبون"الزخرف80، وقال تعالى "ونخرج له يوم القيامة كتابا يلقاه منشورا"الإسراء، وعندها يتعجب الطاغية الظالم من الطريقة المثلى التي حفظ بها ملفه فيقول "ما لهذا الكتاب لا يغادر صغيرة ولا كبيرة إلا أحصاها"الكهف49، ذلك لأن الملفات في محكمة الدنيا قد تتلف وقد يتلاعب بها وقد يخرج منها جزءا ويخفي بقية الملف للإدانة، فمحكمة الدنيا يمكن فيها رشوة القاضي وشراء شهود الزور ويمكن للمجرم أن يطعن في الحكم ويمكن أن يهرب من السجن فرارا من تنفيذ العقوبة وأما المحكمة الربانية العادلة فلا رشوة فيها ولا ظلم ولا وساطة ولا طعن في الحكم ولا تبديل للأحكام الصادرة ولا مجال لشراء الشهود لأن الشهود هي أعضاء الإنسان ذاته فعلى كل مظلوم ومغبون أن يسعى في الحياة الدنيا للانتصاف من ظالمه فكل الطرق المشروعة، فإن عجز ولم يقدر، فعليه أن يفوض أمره إلى الله تعالى ليقتص له من ظالمه يوم يقوم الناس لرب العالمين حفاة عراة "وسيعلم الذين ظلموا أي منقلب ينقلبون"، اللهم اجعلنا مظلومين ننتظر النصر ولا تجعلنا ظالمين ننتظر العقوبة والهوان على رؤوس الخلائق كما نسألك حسن الخاتمة، آمين. نائب رئيس الجبهة الإسلامية للإنقاذ بن حاج علي (( الهيئة الإعلامية للشيخ علي بن حاج )) |
#3
|
|||
|
|||
![]() سابعا: اعتراضات وجوابها: * قد ترد بعض الاعتراضات على ما سبق ذكره ويمكن إجمالها والرد عليها فيما يلي: الاعتراض الأول: قد يقول قائل أليس رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول "من شهد أن لا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله حرمه على النار" فلماذا التضييق على رحمة الله الواسعة ؟!!! والجواب أن كلمة الشهادة ليست مجرد كلمة بل هي عنوان الإسلام كله ومعناها لا معبود بحق إلا الله ولا مطاع بحق إلا الله تعالى وجاءت نصوص الكتاب والسنة في مكانتها وفضلها وعظيم نفعها ولذلك قال أهل العلم أن هذه الكلمة العظيمة لا تنفع صاحبها إلا بشروط ذكرها العلم منها العلم المنافي للجهل، اليقين المنافي للشك، الانقياد المنافي للترك، القبول المنافي للرفض، والصدق المنافي للكذب، المحبة المنافية لضدها، ولولا خوف الإطالة لذكرنا أدلة كل شرط من الكتاب والسنة ولا تنفع كلمة الشهادة صاحبها إذا أتى بناقض من نواقضها وما أكثرها حتى أن بعض أهل العلم أوصلها إلى أكثر من أربعمائة ناقض ولخصها بعضهم في عشر نواقض والحاصل أن كلمة التوحيد لها شروطها ونواقضها وليست مجرد كلمة دون التزام بكليات الشريعة. قال بن رجب الحنبلي في كتابه كلمة الإخلاص وتحقيق معناها: "وقالت طائفة من العلماء : المراد من هذه الأحاديث "أن لا إله إلا الله" سبب لدخول الجنة والنجاة من النار ومقتض لذلك ولكن المقتضي لا يعمل عمله إلا باستجماع شروطه وانتفاء موانعه فقد يتخلف عنه مقتضاه لفوات شرط من شروطه أو لوجود مانع..."، ثم ذكر ما يدل على ذلك. قال الحسن للفرزدق وهو يدفن امرأته –ولم تكن حاكما أو زعيما أو جنرالا- ما أعددتَ لهذا اليوم؟ قال شهادة أن لا إله إلا الله منذ سبعين سنة قال الحسن نِعمَ العدّة لكن لـ "لا إله إلا الله" شروطا فإياك وقذف المحصنة! وقيل للحسن أن ناسا يقولون: من قال: لا إله إلا الله دخل الجنة؟ فقال من قال: لا إله إلا الله فأدى حقها وفرضها دخل الجنة." وقال وهب بن منبه لمن سأله أليس لا إله إلا الله مفتاح الجنة؟ قال: بلى ولكن ما من مفتاح إلا له أسنان، فإن جئت بمفتاح له أسنان فُتح لك وإلا لم يفتح لك." وقال ابن رجب رحمه الله "أن النبي صلى الله عليه وسلم رتّب دخول الجنة على الأعمال الصالحة في كثير من النصوص...". ومعلوما شرعا أن كلمة الشهادة لا ترفع العقوبة في الدنيا لمن يستحقها فأبو بكر الصديق رضي الله عنه قاتل مانعي الزكاة رغم أن فيهم من كان يتلفظ بالشهادة ويقيم الصلاة وقال للذين توقفوا في قتال مانعي الزكاة أنه لا يمتنع من قتالهم إلا بتأدية حقوقها لقوله صلى الله عليه وسلم "ماذا فعلوا ذلك منعوا مني دماءهم إلا بحقها وحسابهم على الله" وقال الزكاة حق المال. وعندها رجعوا إلى قوله قال ابن رجب "فإذا علم أن عقوبة الدنيا لا ترفع عمن أدى الشهادتين مطلقا بل يعاقب بإخلاله بحق من حقوق فكذلك عقوبة الآخرة". الاعتراض الثاني: قد يقول قائل أن بعض الملوك والأمراء والحكام والجنرالات يصلي ويصوم ويحج ويعتمر ويتصدق على الفقراء والمساكين أفلا يشفع لهم ذلك عند الله أن صدرت منهم مظالم بحق الرعية؟!!! والجواب أن مسؤولية الحاكم من أعظم المسؤوليات عند الله وعقابه من أشد ألوان العقوبات وما يقومون به من عبادات أو بعض أعمال الخير لا يمنحهم حصانة من العقاب والقصاص العادل من الله تعالى جرّاء قتل الأبرياء وسجن الخصوم بغير وجه شرعي وممارسة أبشع أنواع التعذيب على أبناء الشعب فضلا عن مصادرة حقوق الشعب المشروعة ونصوص الكتاب والسنة تنص على أن الحاكم الجائر الظالم لا يغفر الله مظالمه المتنوعة إلا بالتوبة النصوح والاعتراف بالحقيقة وطلب العفو ممن ظلمهم وتعدى على شرفهم ومنعهم حقهم المشروع بالكتاب والسنة وحتى بمقتضى الدستور والمواثيق الدولية. فيجب على عموم الشعوب عدم الاغترار بعبادة هؤلاء الحكام الظلمة ألم يقل رسول الله صلى الله عليه وسلم "أتدرون من المفلس؟ قالوا المفلس منا من لا درهم له ولا متاع فقال "إن المفلس من أمتي ما يأتي يوم القيامة بصلاة وصيام وزكاة ويأتي وقد شتم هذا وقذف هذا وأكل مال هذا وسفك دم هذا وضرب هذا فيُعطى هذا من حسناته وهذا من حسناته فإن فنيت حسناته قبل أن يقضي ما عليه أخذ من خطاياه فطرحت عليه ثم طرح في النار" فكل حاكم أو ملك أو جنرال أو أمير أمر بقتل وتعذيب أبناء الشعب حسابه عند الله بالغ الخطورة والسوء ولو لم يمارس ذلك بيده بحكم المسؤولية التي يتولاها والأوامر التي يصدرها سواء أكانت شفوية وهذا هو الغالب فيهم أو بغض الطرف عما تمارسه الأجهزة الدنيا من شرطي ودركي ومخبر ومن البلاهة أن يظن المسلم أن الصلاة والصيام أو الحج يمحي مظالم الطغاة دون إعلان التوبة ورد الحقوق والاعتراف بالحقيقة، ألم يقل رسول الله صلى الله عليه وسلم "من قال في مؤمن ما ليس فيه أسكنه الله ردغة الخبال حتى يخرج مما قال" أي عصارة أهل النار، وما فائدة عبادة مع الظلم والطغيان؟ ألم يقل رسول الله صلى الله عليه وسلم "من ظلم قيد شبر من الأرض طوقه الله من سبع أراضين" وقال أيضا "يخلص المؤمن يوم القيامة من النار فيحبسون على قنطرة بين الجنة والنار فيقتص لبعضهم من بعض مظالم كانت بينهم في الدنيا حتى إذا هذبوا ونقوا أذن لهم في دخول الجنة" هذا في ظلم العباد فكيف بالظلم الأكبر كالإشراك بالله تعالى أو تعطيل الشريعة واستبدالها بغيرها؟!!! وما فائدة العبادة مع مساوئ الأخلاق، ألم يقل رسول الله صلى الله عليه وسلم "آية المنافق ثلاث، إذا حدث كذب وإذا وعد أخلف وإذا اؤتمن خان"رواه مسلم "وإن صام وصلى وزعن أنه مسلم" وما فائدة عبادة حاكم وهو يغدر بالشعب ألم يقل رسول الله صلى الله عليه وسلم "لكل غادر لواء عند إليته -أي دبره- يوم القيامة يرفع له بقدر غدره ألا ولا غادر أعظم غدرا من أمير عامة" وما فائدة عبادة حاكم وهو خائن لأمانة الأمة، ألم يقل الرسول صلى الله عليه وسلم "من شاء صلى ومن شاء صام والله لا دين لمن لا أمانة له" والنصوص في نواقض العبادة ومحبطاتها كثيرة على مستوى الفرد العادي فكيف بالملوك والأمراء والحكام والجنرالات وكبار الزعماء في الأمة، والحاصل أن الحكام الطغاة لا تنفعهم عبادتهم وأعمالهم الخيرية إذا ظلموا الشعوب وأوردوها المهالك والمعاطب حفاظا على كراسيهم ولا حصانة لهم عند الله يوم يقوم الناس لرب العالمين وليس أمامهم إلا التوبة والاعتراف بالحقيقة ورد الحقوق إلى أصحابها في الدنيا والله غفور رحيم وإلا فهو القصاص العادل أمام محكمة ربانية نسأل الله تعالى السلامة. الاعتراض الثالث: قد يقول قائل: لماذا يتحمل ابن آدم مسؤولية وآثام القتلة منذ فجر الإنسانية إلى يوم البعث كما جاء في الحديث الصحيح السابق الذكر لاسيما وقد أعلن ندمه والندم توبة كما جاء في الحديث الصحيح والجواب: إن ابن آدم الذي يقال له قابيل لم يندم ندم توبة قال تعالى:"أعجزت أن أكون مثل هذا الغراب فأواري سوءة أخي فأصبح من النادمين" 31 المائدة قال ابن عباس رضي الله عنه:"لو كانت الندامة على قتله لكانت الندامة توبة منه" قال الرازي:"إن الندم إذا لم يكن لقبح المعصية لم يكن توبة". فهو ندم على قساوة قلبه وكونه دون الغراب في الرحمة فكان ندمه لذلك لا لأجل الخوف من الله تعالى فلا جَرَمَ لم ينفعه ذلك الندم. والله تبارك وتعالى تاب على آدم عليه السلام وزوجه حواء لأنهما ندما فعلا عما وقعا فيه من مخالفة أمر الله تعالى قال جلّ جلاله:"قالا ربنا ظلمنا أنفسنا وإن لم تغفر لنا وترحمنا لنكونن من الخاسرين" الأعراف 23.وقال تعالى:"فتلقى آدم من ربه كلمات فتاب عليه إنه هو التواب الرحيم" البقرة 37. الاعتراض الرابع: قد يقول قائل: لماذا نحمِّل هؤلاء الذين فارقوا الحياة الدنيا وأفضوا إلى ربهم أوزار غيرهم ونصوص القرآن الكريم تنص على أنه لا تزر وازرة وزر أخرى ألم يقل الله تعالى:"ولا تكسب كل نفس إلا عليها" الأنعام 164 وقال:"وإن تدع مثقلة إلى حملها لا يحمل منه شيء ولو كان ذا قربى" فاطر 18 وقال:"ولا تزر وازرة وزر أخرى" فاطر 18 وقال:"تلك أمة قد خلت لها ما كسبت ولكم ما كسبتم ولا تسألون عما كانوا يعملون"البقرة 134 والجواب: بعضه تقدم في قوله تعالى:"وآثارهم" وقوله عليه الصلاة والسلام:"من سنة سيئة ....." وأما معنى الآيات السالفة الذكر يجب أن تفهم في ظل آيات أخرى لفك التعارض الظاهري فالإنسان الذي يقتدى في الشر والفساد والضلالة يحمل وزر نفسه بما اكتسبت من إثم ويعاقب عقوبة فردية على ما فعل ويتحمل مسؤولية إجرامه وفساده وضلاله وهذا معنى قوله تعالى:"وقال الذين كفروا للذين آمنوا اتبعوا سبيلنا ولنحمل خطاياكم وما هم بحاملين من خطاياهم من شيئ" العنكبوت 12. أما الذين ضلوا وأضلوا وفسدوا وأفسدوا وفسقوا ونشروا الفسق وأجرموا وحملوا الآخرين على الإجرام وكفروا ونشروا الكفر إلخ ..... فهؤلاء لا تشملهم الآيات السابقة الذكر وإنما تشملهم آيات قرآنية أخرى من مثل قوله تعالى: "ليحملوا أوزارهم كاملة يوم القيامة ومن أوزار الذين يضلونهم بغير علم ألا ساء ما يزرون" النحل 25 وقوله تعالى:"وليحملن أثقالهم وأثقالا مع أثقالهم" العنكبوت 13. وفي هذه النصوص وغيرها بيانا أن هؤلاء الصنف يحملون أوزارهم كاملة ويحملون أيضا من أوزار الأتباع الذين أضلوهم فضال له عقوبة أما المُضِلّ فله عقوبتان عقوبة الضلال وعقوبة الإضلال أي جمعوا من أوزار أنفسهم وأوزار إضلال غيرهم ولا ينقص ذلك شيئا من أوزار أتباعهم الضالين والحاصل أنه لا تعارض بين النصوص فالضال يتحمل وزر نفسه والمضل يتحمل وزر نفسه ووزر غيره وكلاهما من وزره فرؤساء الفساد والإفساد والضلال والإضلال لا ينقطع عنهم إثم الإفساد والإضلال إلى يوم يبعثون نسأل الله العفو والعافية. الاعتراض الخامس قد يقول قائل: ألم يقل رسول الله صلى الله عليه وسلم:"اذكروا محاسن موتاكم وكفوا عن مساوئهم"؟!! والجواب: يمكن إجماله قيما يلي: - الحديث ضعيف الإسناد. وعلى فرض صحته فإن الكف عن ذكر مساوئ الموتى إنما يشمل غير المجاهر المعلن بالمعصية فمثل هذا الميت يندب ذكر محاسنه وحرمة ذكر مساويه أما الظالم ظلما متعديا أو المعلن بفسقه أو الداعية إلى بدعة ضلالة فهذا لا يشمله الحديث على فرض صحته قال الإمام المناوي رحمه الله:"فإن سب المسلم غير المعلن بفسقه حرام شديد التحريم .... يعني لا تذكروهم إلا بخير فذكر محاسنهم مندوب وذكر مساويهم حرام ...." ثم بين موطن الاستثناء فقال:".. إلا لضرورة أو مصلحة كتحذير من بدعة أو ضلالة كما يؤشير إليه إخبار المصطفى صلى الله عليه وسلم بأن الشملة التي غلها .. تلتهب عليه نارا فإنه بيان لحكم الله والتحذير من الغلول" وقال صاحب عون المعبود شرح سنن أبي داود:"إن أموات الكفار والفساق يجوز ذكر مساويهم للتحير منهم ..." ومن هنا نقول إن الملوك والأمراء والحكام والزعماء والجنرالات الذين عاثوا في الأرض فساداً فأبطلوا أحكام الشريعة أو جعلوها أبعاضا فآمنوا ببعض وكفروا ببعض وقتلوا الذين يأمرون بالقسط من الناس وفعلوا وفعلوا فهؤلاء الواجب محاكمتهم في الدنيا على جرائمهم وإن ماتوا دون توبة ورد للحقوق فلا حرمة لهم شرعا ولولا خوف الإطالة سردتُ عشرات الأمثلة عبر التاريخ القديم والحديث كيف تتعامل الناس مع الطغاة بعد موتهم حتى أن بعضهم أقيمت له محاكمة رمزية بعد موته. الاعتراض السادس: قد يقول قائل: ألم يرد في السنة النهي عن سب الأموات كقوله عليه الصلاة والسلام:"لا تسبوا الأموات فتؤذوا الأحياء" وقوله في حديث آخر:"لا تسبوا الأموات فإنهم قد أفضوا إلى ما قدموا" والجواب: - لابد من التفريق بين ذكر المساوئ والإخبار عما كان من حال الميت في حال الحياة بعد أن أفضى إلى ربه وبين السب الذي هو الشتم في معرض التعيير وليس هذا منه فالثناء بالشر ليس سبا وقد جاء في الحديث:"فأثنوا عليه شرا فقال: وجبت أي النار" كما مرّ قريبا وكلنا يعلم حال ذلك الرجل الذي قاتل مع رسول الله صلى الله عليه وسلم قتال الأبطال المغاوير ثم قُتل فقال الرسول صلى الله عليه وسلم للصحابة:"والذي نفسي بيده إن الشملة التي أخذها يوم خيبر من المغانم لم تصبها المقاسم لتشتعل عليه في قبره نارا" فهذا حال من أخذ شملة فكيف بحال من سرق أموال الأمة وهرّبها إلى البنوك الخارجية ليتقوى بها الكفار على المسلمين ؟!! كما يفعل ملوك وأمراء وحكام وجنرالات وزعماء الدول العربية التعيسة بحكامها ؟!!! - هناك من العلماء من استدل بالنصوص السابقة بمنع سب الأموات مطلقا. - قال ابن المنير رحمه الله أثناء شرح باب ما يُنهى من سب الأموات عند أبي داود: "لفظ الترجمة يُشعر بانقسام السب إلى منهي وغير منهي ولفظ الخبر مضمونه النهي عن السب مطلقا والجواب أن عمومه مخصوص انس السابق حيث قال صلى الله عليه وسلم عند ثنائهم بالخير وبالشر"وجبت وأنتم شهداء الله في الأرض" ولم ينكر عليهم ويحتمل أن اللام في الأموات عهدية والمراد به المسلمون لأن الكفار مما يتقرب إلى الله بسبهم" وقال الإمام القرطبي رحمه الله في الكلام على حديث وجبت:"يحتمل أجوبة: 1- أن الذي كان يحدث عنه بالشر كان مستظهرا به فيكون من باب لا غيبة لفاسق أو كان منافقا 2- يحتمل النهي على ما بعد الدفن والجواز على ما قبله ليتعظ به من يسمعه 3- يحتمل أن يكون النهي العام متأخرا فيكون ناسخا وهو ضعيف" وقال الحافظ ابن حجر رحمه الله: "وأصح ما قيل أن أموات الكفار والفساق يجوز ذكر مساويهم للتحذير منهم والتنفير عنهم وقد أجمع العلماء على جواز جرح المجروحين من الرواة أحياء وأمواتا" قال العلامة ابن بطال المالكي رحمه الله:"سب الأموات يجري مجرى الغيبة فإن كان أغلب أحوال المرء الخير وقد الخير وقد تكون منه الفلتة فالاغتياب له ممنوع وإن كان فاسقا معلنا فلا غيبة له فكذلك الميت" وقال الإمام النووي رحمه الله:"فإن قيل كيف مكنوا بالثناء بالشر مع الحديث الصحيح في البخاري وغيره في النهي عن سب الأموات؟ فالجواب أن النهي عن سب الأموات هو في غير المنافق وسائر الكفار وفي غير المتظاهر بفسق أو بدعة فأما هؤلاء فلا يحرم ذكرهم بشر للتحذير من طريقتهم ومن الاقتداء بآثارهم والتخلق بأخلاقهم وهذا الحديث محمول على أن الذي أثنوا عليه شرا كان مشهورا بنفاق أو نحوه مما ذكرنا" والحاصل أن الثناء بالشر وذكر الفاجر المهاجر بما فيه لاسيما إن كان رأسا من الرؤوس الكبيرة مع الإخلاص والبعد عن التشفي ليس سبا لأن ذلك يعتبر من الإخبار عن واقع حال ذلك الميت بعد أن أفضى إلى ربه وما زال علماء الجرح والتعديل يتكلمون في الرجال وقد أفضوا إلى ربهم وقصدهم تمييز الصحيح عن الضعيف وما زال علماء التاريخ يتناولون الأحداث التاريخية وصُناعها وقصدهم أخذ العبرة وتمحيص الروايات التاريخية وإنصاف الحقيقة التي عبث بها الكذبة والفسقة من مؤرخي الحكام والسلاطين وما زال علماء السياسة يخوضون فيما وراء الأحداث السياسية الكبرى التي جرت الويلات على الأمم والشعوب وقصدهم أخذ الدروس ورسم معالم السياسة الراشدة التي تعود على البلاد والعباد بالخير وكل هؤلاء يتحدثون عن الأموات قدحا ومدحا والقرآن الكريم تحدث عن الطغاة وجرائم العصاة وذكرهم بأسمائهم وبعض أحوالهم وهم في قبورهم يعذبون أشد العذاب للاعتبار والاستذكار "فهل من مدكر". ثامنا: حكم شهود جنائز الطغاة: * الواجب على أهل العلم والفضل عدم حضور جنائز الطغاة أو القيام على قبورهم لقوله تعالى "ولا تصل على أحد منهم مات أبدا ولا تقم على قبره، إنهم كفروا بالله ورسوله وماتوا وهم فاسقون"التوبة84، ولسنا الآن بصدد ذكر ما قاله علماء التفسير في هذه الآية الكريمة وما فيها من حكم وأحكام وفوائد وفرائد ومن عاد إلى كتب التفاسير القديمة والحديثة يدرك سبب نزول هذه الآية، ذلك أنه عندما عزم الرسول صلى الله عليه وسلم الصلاة على عبد الله ابن أبي سلول، قال له عمر بن الخطاب، إنه منافق، أعلى عدو الله عبد الله ابن أبي سلول تصلي عليه؟ وهو القائل كذا يوم كذا وكذا، يعدد آثامه وجرائمه، والرسول صلى الله عليه وسلم لم ينهه عن ذكر آثامه وعيوبه، ورغم ذلك صلى عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم اجتهادا منه وجبرا لخاطر ولده الصالح، ثم انصرف رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى بيته فلم يمكث إلا يسيرا حتى نزلت الآيتان، معنى الآية باختصار لا تصل عليهم لأن الصلاة شفاعة ولا شفاعة في حقهم "ولا تقم على قبره" أي لا يقف عليه للدفن أو للزيارة والدعاء، وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم، إذا دعي إلى جنازة سأل عنها فإن أثني عليها خيرا قام فصلى عليها وإن كان غير ذلك قال لأهلها شأنكم بها ولم يصل عليها، قال الحافظ بن حجر رحمه الله "إنها نزلت في جميع المنافقين، كان عمر إذا أراد أن يصلي على أحد استتبع حذيفة فإن مشى معه وإلا لم يصل عليه" ولقد بلغت الشدة بأبي حنيفة وصاحبيه واختاره البخاري أنه لا يصلى على الميت الظالم لأن الصلاة تكريم وهذا يستحق الإهانة فالقاتل لنفسه لا يصلى عليه فكيف بالظالم الذي يتعدى ظلمه لغيره، فالظالم أولى لأن الظلم اعتداء على الغير، قال ابن العربي المالكي "فأخبر عنه بالكفر والموت على الفسق وهذا عموم في الذي نزلت الآية بسببه وفي كل منافق مثله" والحاصل أنه بعد أن نزلت تلك الآية الكريمة ما صلى رسول الله عليه الله عليه وسلم بعد على منافق ولا أقام على قبره –أي شهد جنازته ودفنه أو الدعاء له -حتى قبضه الله، وحيث توجد العلة يوجد الحكم كما يقول الأصوليون. تاسعا: العربي بلخير عند السلطات الرسمية وعند الجماهير الشعبية: * بتاريخ 10 سبتمبر 2007، تم إلقاء القبض علي من طرف القوات الخاصة وتم تفتيش منزلي وأخذ بعض أغراضي وبعضها لم يرجع إلي إلى يومنا هذا وهو تصرف غير قانوني ويدخل في باب السرقة وسبب إلقاء القبض علي أني أدليت برأيي في حق الجنرال الهالك إسماعيل العماري لقناة الحوار وهو تصرف يجعلني تحت طائلة المادة 46 من قانون السلم والمصالحة الجائر، الذي أعطى الحصانة للمجرمين الذين انقلبوا على الإرادة الشعبية 1992 وقاموا بممارسة إرهاب الدولة ومن هؤلاء الجنرال الهالك العربي بلخير ومنع قادة الحزب الفائز مرتين من ممارسة حقوقهم السياسية والمدنية والاجتماعية وتلك جريمة سنها بوتفليقة ومن جاؤوا به ونصبوه رئيسا للعهدات الثلاث، فعليه وزرها ووزر من عمل بها إلى يوم القيامة ما لم يتب إلى الله تعالى ويرد الحقوق إلى أهلها ويرفع المظالم النازلة على شرائح واسعة من الشعب الجزائري، وسارع إلى تأسيس لجنة وطنية للاعتراف ومعرفة الحقيقة والمصارحة والمصالحة الحقيقة وللجنة حق مسائلة جميع الأطراف جميع أطراف الأزمة، وعلى رأسهم القادة العسكريين والسياسيين الذين كانوا وراء اتخاذ قرار الانقلاب على الاختيار الشعبي التي ما زالت آثاره الوخيمة قائمة إلى يوم الناس هذا، أما فيما يخص الجنرال الإنقلابي العربي بلخير فنجمل كلامنا فيه فيما يلي: 1-العربي بلخير هو أحد رجال السلطة الفعلية وعنصرا من أهم عناصر النواة الصلبة في قيادة المؤسسة العسكرية، كان ضابطا في الجيش الفرنسي وفر منه في طليعة الستينات وكان وراء ترشيح الشاذلي بن جديد بعد وفاة الراحل بومدين وساهم مساهمة في إعادة الرئيس بوتفليقة إلى سدة الحكم على أساس أن المؤسسة العسكرية اختارت المرشح الأقل سوءا سنة 1999، ولذلك أعاده إلى نفس المنصب الذي تولاه بعد أيام رئاسة الشاذلي أي رئيس ديوان رئاسة الجمهورية، وقالوا عنه أنه صانع الرؤساء ورجل الظل والعلبة السوداء و.....و.... 2-بمجرد الإعلان على وفاة الجنرال العربي بلخير تهاطلت على وسائل الإعلام المختلفة رسائل التعزية من رئيس الجمهورية ورئيس المجلس الوطني الشعبي ووزارة الدفاع ومضمون هذه الرسائل جعلت من الجنرال الانقلابي بطلا من أبطال الجزائر وصاحب المهام السامية والمسؤولية الكبيرة الجسيمة ورجل الدولة من الطراز الأول..الخ..ما جاء في تلك الرسائل تلك نظرة السلطة الرسمية للجنرال العربي بلخير الذي وصف بصانع الرؤساء والشخصيات السياسية وبعض رؤساء الأحزاب والعمل على تنصيف بعض كبار الضباط في أماكن هامة في هرم المؤسسة العسكرية فضلا عنه الرجل الذي يحسن العمل خلف الستار وعقد الصفقات التجارية في الداخل والخارج وتسيير "الدولة" من الفيلات الخمة، والفنادق الراقية في الداخل والخارج ذلك أن الجزائر منذ الإستقلال لا تتمتع بمؤسسات حكم قوية لأن القرارات الكبرى تصنع وتطبخ خارج المؤسسات التي تعتبر مجرد هياكل عظيمة لا تسمن ولا تغني من جوع مما يدل دلالة قاطعة على أن الجزائر تسيرها عصابة من الأشرار توظف جميع مؤسسات الدولة للحفاظ على مصالحها غير المشروعة وتتخذ من الأجهزة الأمنية المختلفة من شرطة ودرك وجيش أداة قامعة للبقاء في السلطة وتتخذ من العدالة غير المستقلة أداة تصفية لخصومها السياسيين أو لتصفية الحسابات بين الأجنحة المتصارعة كما كان الشأن مع الجنرال بلوصيف الذي ورى الثرى يوم الجمعة 15-01-2010 والذي دفن بمربع الشهداء بمقبرة العالية بعد الحكم عليه بخمسة عشر (15) سنة ؟!!!!. 3-أما نحن فنراه – وهذا من حقنا- عكس ما وصفته رسائل التعزية الرسمية فهو أحد أهم الجنرالات الذين انقلبوا على الإرادة الشعبية في 1992 وكان يشغل وقتها وزيرا الداخلية وهو الذي أعلن بعظمة لسانه في 27 ديسمبر 1991 عن فوز الجبهة الإسلامية للإنقاذ بأغلبية المقاعد في الدور الأول وذلك بقاعة ابن خلدون وقد أقر المجلس الدستوري بتلك النتائج بطريقة رسمية، ولا شك أن النتائج المسجلة كانت صدمة للنظام ولم يكن يتوقعها حتى مركز الدراسات الجزائرية، وكان الجنرال الإنقلابي من ضمن مجموعة الجنرالات الذين خططوا للانقلاب على الاختيار الشعبي، ففي 09-02-1992 تقدمت وزارة الداخلية والجماعات المحلية والتي كان يترأسها الجنرال المجرم العربي بلخير بطلب موضوعه طلب توقيف وحل جمعية ذات طابع سياسي يقصد الجبهة الإسلامية للإنقاذ أكبر حزب سياسي معارض منذ الاستقلال فاز بالانتخابات مرتين لا بالانقلاب العسكري ولا بالثورة الشعبية ولا باسم الشرعية الثورية وإنما تم ذلك بالصندوق مما جعل تجربة الجبهة الإسلامية تجربة فريدة من نوعها وبما أن العدالة غير مستقلة لبت الغرفة الإدارية لمجلس قضاء الجزائر العاصمة طلب وزارة الداخلية وتم حل أكبر حزب سياسي معارض في 04 مارس 1992 وفي 29 مارس 1992 أكدت المحكمة "العليا" قرار الحل، وهكذا دخلت البلاد في المجهول إلى يومنا هذا ومارست الأجهزة الأمنية المختلفة إرهابا فريدا من نوعه في تاريخ البلاد مما نجم عليه ردود فعل بالغة العنف والقسوة وبقيت حالة الإرهاب الرسمي والعنف المضاد تتطور من سنة إلى أخرى إلى أن أعلن عن تنظيم القاعدة في المغرب الإسلامي وما زالت البلاد تعاني من حالة الطوارئ وتحولت البلاد إلى ثكنة عسكرية وأمنية وكثرت المتاريس والحواجز الأمنية في طول البلاد وعرضها، وأصبحت مراكز مؤسسات الدولة تحت حصار أمني رهيب ومحاطة بمتاريس إسمنتية لم تكن حتى أيام الإستعمار الفرنسي وأثناء معركة الجزائر الكبرى مما يدل دلالة قاطعة على الوضعية الأمنية المتدهورة، وليعلم الجميع لأنه لو لا الانقلاب المشؤوم الذي كان العربي بلخير أحد مهندسيه والذي جرّ على البلاد والعباد الويلات والتي لا مخرج لها إلا بحل سياسي شامل وعادل يطوي هذه الصفحة البيضاء من تاريخ البلاد. 4-ومن جرائمه التي كان من الواجب أن يحاكم عليها هو ومجموعة الجنرالات الذين انقلبوا على الاختيار الشعبي وخرقوا الدستور الذي يجعل الشعب مصدر كل سلطة كما هو منصوص عليه في المادة 6-7-10 و11 من دستور 1989 وكان من الواجب محاكمة كل من شارك من قريب أو بعيد في مصادرة الاختيار الشعبي من العسكريين والسياسيين الرسميين، وقد استنكر حل الجبهة الإسلامية للإنقاذ كبار الشخصيات التاريخية والوطنية والسياسية وبعض الضباط داخل المؤسسة العسكرية منهم من اغتيل في حوادث غامضة ومنهم من أحيل على التقاعد المبكر وهناك من استنكر حل الجبهة الإسلامية للإنقاذ من رجال الفكر والسياسة رغم خلافهم مع توجهاتها، احتراما لاختيار الشعب الذي له كامل الحق في اختيار من يحكمه والمشروع الذي يطمح إليه. 5-الذي تابع سير محاكمة الجنرال بلوصيف 06 فيفري 1993 يخلص بنتيجة أنه كان من الواجب التحقيق مع الرئيس الشاذلي بن جديد وكذا الجنرال العربي بلخير ومما لا شك فيه أن محاكمة بلوصيف تمت في المحكمة العسكرية بالبليدة التي تمت فيها محاكمة قادة الجبهة الإسلامية للإنقاذ من طرف نفس النائب العام وقاضي التحقيق وقاضي المحكمة وهم على اطلاع بسير المحاكمة من أول يوم ويكفي أن الجنرال نور الدين بن قرطبي اعتبر العربي بلخير المطلع الأول على الأمر بالصرف وبتحويل العملة الصعبة وصرح المقدم محمد فقير الهبري المدير السابق للتخطيط والميزانية بوزارة الدفاع "إن الأوامر العسكرية أقوى من القانون" أي أن المؤسسة العسكرية فوق القانون وأن الفساد المالي يتم في المكاتب العسكرية بالسفارات في الخارج ونحن نعرف لماذا يحاكم الشاذلي بن جديد في ذلك الوقت رغم الاستماع إلى إفادته من طرف قاضي التحقيق الذي كان يحقق معنا فالشاذلي يرمي المسؤولية على بلوصيف وبلوصيف يرمي المسؤولية على الشاذلي والعربي بلخير وعلاوة بوركبة شقيق زوجة الرئيس الشاذلي والذي نعته بلوصيف ببوق سيده يقصد الشاذلي وهو ينفذ تصريحات الشاذلي بن جديد وهذا ما دفع بلوصيف أن يقول أثناء المحاكمة لماذا أحاكم أنا دون الآخرين وعندما سئل عن بعض التصرفات المالية قال بكل وضوح "إن هذا التقليد كان موجودا في الجيش الوطني قبل أن يكون الأمين العام لوزارة الدفاع" أما الهبري فقد قال أنه غير مسؤول وإنما نفذ حرفيا أوامر اللواء، وإن الأوامر في الجيش تطغى على القانون ولا يمكن لأي ضابط مناقشتها، والحق أن محاكمة بلوصيف عبارة عن تصفية من طرف ضابط فرنسا لضابط جيش التحرير ولأنه رفض إخراج الجيش لقمع المظاهرات في قسنطينة 1986 وكنت يومها في سجن تازولت، ولقد صرح لي شخصيا بلوصيف بما كان يعانيه سنة 1990 وقد أشرت إلى ذلك في إحدى التجمعات يومها ولكن الصحافة لم تتابع الموضوع حتى سيق إلى السجن في 1993، وعندما قرروا محاكمته قلنا ونحن وراء القضبان لا للعدالة الانتقائية ولا ينبغي أن تكون العدالة أداة في يد المخابرات العسكرية لتصفية الخصوم السياسيين أو حسم صراع الأجنحة المتصارعة فإذا كان اللواء بلوصيف تمت محاكمته من أجل بناء بعض الفيلات وترميم أخرى وتحويل العملة الصعبة بدون أي سند أو إثبات إداري، واستعمال أموال عمومية لأغراض خاصة، فلماذا تتغافل العدالة عن محاكمة بعض الألوية الذين انقلبوا على اختيار الشعب وقتلوا وعذبوا واختطفوا وسجنوا ونفوا آلاف الشباب الجزائري إلى الصحراء وهم صنّاع الحكام وإنهاء مهامهم وفعلوا بالجزائر الأفاعيل المنكرة ...الخ، وإذا ما قارنّا ما فعله بلوصيف بما فعله جنرالات الانقلاب من جرائم في حق الشعب لكان أشرف منهم وأقل سوءا بمئات المرات، وها هو وزير الدفاع السابق خالد نزار يثير الموضوع من جديد على صفحات الجرائد وكلنا يعلم أن قاضي محكمة البليدة له عقد مع وزارة الدفاع ولم يقض بلوصيف من المدة التي حوكم بها -15سنة- إلا قرابة 04 سنوات، ثم أفرج عنه بعد وساطات من هنا وهناك، بينما قضى نائب رئيس الجبهة الإسلامية للإنقاذ المدة كاملة دون تخفيض للعقوبة كما ينص القانون العسكري والمواثيق الدولية رغم أنه مثل أمام نفس النائب العام العسكري وقاضي التحقيق وقاضي الحكم؟!!!. والحاصل أنه لا يمكن تصفية الحسابات السياسية عن طريق عدالة غير مستقلة فكيف إذا كانت عسكرية تمشي بالأوامر وفي ظل حكم متعفن يتنفس الفساد وما المرصد الذي أعلن عليه رئيس الحكومة مؤخرا لمحاربة الفساد إلا ذرّا للرماد في العيون وجولة أخرى لتصفية الحسابات السياسية بين الأجنحة المتصارعة، يوظف فيها القضاء غير المستقل والذي ينخره الفساد على جميع الأصعدة. ولذلك نقول، إن العربي بلخير مجرد جنرال انقلابي كان من الواجب أن يحال هو والعصابة الحاكمة إلى المحكمة لينالوا العقوبة الرادعة جراء ما أحدثوا في البلاد من مآسي وفضائع في طول البلاد وعرضها، ولماذا لا يمثل هؤلاء الألوية أمام لجنة مسائلة وطنية كالتي مثل أمامها أعضاء من حكومة طوني بلير، وهو على رأسهم فكانت اللجنة تحقق معه في الداخل والمظاهرات الصاخبة في الخارج تطالب بمحاكمة طوني بلير كمجرم حرب دون أن يتعرض أي فرد من المتظاهرين إلى القمع أو السجن أو الرقابة القضائية كما هو الشأن في البلاد العربية التعيسة التي اعتادت أن تواجه المظاهرات السلمية بالقمع الشديد كما جرى مؤخرا لسلك الأطباء والممرضين بمستشفى مصطفى باشا. عاشرا: الطغاة الذين أفلتوا من المحاكم الدنيوية مصيرهم إلى المحكمة الربانية. * أغلب المظلومين المقهورين يتحرقون للقصاص من الطغاة الظلمة الذي عاثوا في الأرض فسادا وإفسادا قبل الآخرة ولكن الله تعالى –لحكمة يعلمها- شاءت قدرته أن يفلت الظالم من القصاص العادل في الحياة الدنيا لامتحان إيمان الناس ولو لا حكمة الله البالغة لعجل لهم العذاب، قال تعالى "ولو لا كلمة سبقت من ربك لكان لزاما وأجل مسمى، فاصبر على ما يقولون"طه129، وإن إفلات بعض الطغاة الظلمة في محكمة الدنيا إنما هو من باب الاستدراج لهم ومكر الله تعالى بهم، قال تعالى "سنستدرجهم من حيث لا يعلمون وأملي لهم إن كيدي متين"الأعراف183 وقوله تعالى "ولا تحسبن الله غافلا عما يعمل الظالمون، إنما يؤخرهم ليوم تشخص فيه الأبصار ابراهيم42، وقال عليه الصلاة والسلام "إن الله ليملي للظالم، حتى إذا أخذه لم يفلته"، فلا بد للظالم من محكمة ربانية يوم يقوم الناس لرب العالمين، عن جابر بن عبد الله رضي الله عنه، قال رجعت إلى رسول الله مهاجرة البحر، قال ألا تحدثني بأعاجيب ما رأيتم بأرض الحبشة؟ فقال فتية منهم بلى يا رسول الله، ينما نحن جلوس مرت بنا عجوز من عجائزها تحمل على رأسها قُلة من ماء، فمرت بفتى منهم بجعل يديه بين كتفيها ثم دفعها فخرت على ركبتيها، فانكسرت قُلتها، فلما ارتفعت التفتت إليه فقالت، سوف تعلم يا غدر إذا وضع الله الكرسي وجمع الأولين والآخرين وتكلمت الأيدي والأرجل بما كانوا يكسبون فسوف تعلم كيف أمري وأمرك عنده إذا، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم "صدقت، صدقت كيف يقدس الله أمة لا يؤخذ لضعيفهم من شديدهم" فهذه العجوز العاجز على القصاص في الدنيا أشارت إلى المحكمة الربانية يوم القيامة لأنها محكمة تحفظ الملفات المكتوبة وغير المكتوبة الظاهرة على الجوارح والباطنة في سويداء القلب، قال تعالى "إنا كنا نستنسخ ما كنتم تعملون" الجاثية29، وقوله تعالى "ورسلنا لديهم يكتبون"الزخرف80، وقال تعالى "ونخرج له يوم القيامة كتابا يلقاه منشورا"الإسراء، وعندها يتعجب الطاغية الظالم من الطريقة المثلى التي حفظ بها ملفه فيقول "ما لهذا الكتاب لا يغادر صغيرة ولا كبيرة إلا أحصاها"الكهف49، ذلك لأن الملفات في محكمة الدنيا قد تتلف وقد يتلاعب بها وقد يخرج منها جزءا ويخفي بقية الملف للإدانة، فمحكمة الدنيا يمكن فيها رشوة القاضي وشراء شهود الزور ويمكن للمجرم أن يطعن في الحكم ويمكن أن يهرب من السجن فرارا من تنفيذ العقوبة وأما المحكمة الربانية العادلة فلا رشوة فيها ولا ظلم ولا وساطة ولا طعن في الحكم ولا تبديل للأحكام الصادرة ولا مجال لشراء الشهود لأن الشهود هي أعضاء الإنسان ذاته فعلى كل مظلوم ومغبون أن يسعى في الحياة الدنيا للانتصاف من ظالمه فكل الطرق المشروعة، فإن عجز ولم يقدر، فعليه أن يفوض أمره إلى الله تعالى ليقتص له من ظالمه يوم يقوم الناس لرب العالمين حفاة عراة "وسيعلم الذين ظلموا أي منقلب ينقلبون"، اللهم اجعلنا مظلومين ننتظر النصر ولا تجعلنا ظالمين ننتظر العقوبة والهوان على رؤوس الخلائق كما نسألك حسن الخاتمة، آمين. نائب رئيس الجبهة الإسلامية للإنقاذ بن حاج علي (( الهيئة الإعلامية للشيخ علي بن حاج )) |
#4
|
||||
|
||||
![]() إلى جهنم وبئس المصير . بارك الله فيك أخي الكريم وحفظ الله شيخنا الشيخ علي بن حاج. |
#5
|
|||
|
|||
![]() وفيك بارك اخي
|
الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1) | |
|
|
|
Powered by vBulletin V3.8.5. Copyright © 2005 - 2013, By Ali Madkour |