غزوة بدر دروس وعبر - ملتقى الشفاء الإسلامي

 

اخر عشرة مواضيع :         إشــــــــــــراقة وإضــــــــــــاءة (متجدد باذن الله ) (اخر مشاركة : أبــو أحمد - عددالردود : 4518 - عددالزوار : 1311353 )           »          حدث في مثل هذا اليوم ميلادي ... (اخر مشاركة : أبــو أحمد - عددالردود : 4943 - عددالزوار : 2041930 )           »          تفسير جامع البيان عن تأويل آي القرآن للإمام الطبري .....متجدد (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 1174 - عددالزوار : 132013 )           »          3 مراحل لانفصام الشخصية وأهم أعراضها (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 38 )           »          متلازمة الشاشات الإلكترونية: كل ما تود معرفته (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 25 )           »          ما هي أسباب التعرق الزائد؟ (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 29 )           »          أضرار الوجبات السريعة على الأطفال: عواقب يُمكنك تجنبها (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 29 )           »          الوقاية من القمل بالقرنفل: أهم الخطوات والنصائح (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 26 )           »          علاج جفاف المهبل: حلول طبيّة وطبيعية (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 31 )           »          الوقاية من القمل في المدارس: دليل شامل للأهل والمعلم! (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 27 )           »         

العودة   ملتقى الشفاء الإسلامي > قسم الصوتيات والمرئيات والبرامج > ملتقى الصوتيات والاناشيد الاسلامية > ملتقى الخطب والمحاضرات والكتب الاسلامية
التسجيل التعليمـــات التقويم

ملتقى الخطب والمحاضرات والكتب الاسلامية ملتقى يختص بعرض الخطب والمحاضرات الاسلامية والكتب الالكترونية المنوعة

 
 
أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
Prev المشاركة السابقة   المشاركة التالية Next
  #1  
قديم 15-12-2024, 04:34 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم غير متصل
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 157,857
الدولة : Egypt
افتراضي غزوة بدر دروس وعبر

غزوة بدر دروس وعبر

د. أمير بن محمد المدري

الحمد لله الحميد في وصفه وفعله، الحكيم في خلقه وأمره، الرحيم في عطائه ومنعه، المحمود في خفضه ورفعه، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له في كماله وعظمته ومجده، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، أفضل مرسل من عنده، اللهم صلّ وسلم على محمد وعلى آله وصحبه وجنده.
أما بعد:
عباد الله أوصيكم ونفسي بتقوى الله وطاعته، فاتقوا الله في السر والعلن، فبالتقوى تُستنزل البركات وتجلب الرحمات وتفرج الكربات وتُستجلى العقبات وتستدفع العقوبات، قال تعالى: (﴿ وَلَوْ أَنَّ أَهْلَ الْقُرَى آمَنُوا وَاتَّقَوْا لَفَتَحْنَا عَلَيْهِمْ بَرَكَاتٍ مِنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ وَلَكِنْ كَذَّبُوا فَأَخَذْنَاهُمْ بِمَا كَانُوا يَكْسِبُونَ ﴾ [الأعراف: 96]، ويقول سبحانه: ﴿ وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجًا * وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لَا يَحْتَسِبُ وَمَنْ يَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ فَهُوَ حَسْبُهُ إِنَّ اللَّهَ بَالِغُ أَمْرِهِ قَدْ جَعَلَ اللَّهُ لِكُلِّ شَيْءٍ قَدْرًا ﴾ [الطلاق: 2-3].

فاتقوا الله عباد الله، اجتنبوا ما نهى عنه الله ورسوله، واعتنوا بما أوجب عليكم الله ورسوله؛ تستحقوا ما وعدتم وتفوزوا بمطلبكم.

أيها المؤمنون: في ثنايا هذا الشهر المبارك وفي مثل هذا اليوم كانت ملحمة من ملاحم الإسلام ويوم من أيامه الجليلة العظام، إنه يوم الفرقان يوم التقى الجمعان، يومٌ أعز الله فيه جنده ونصر فيه عبده وأذل فيه من عاداه ورفع المنار لمن والاه.

إنها غزوة بدر الكبرى: ليست كتابًا يُقرأ ولا محاضرة تُقال، غزوة بدر ينبغي على المسلم أن يعيشها وهي حُجة على كل مسلم على ظهر الأرض، أنَّ النصرَ منه قريب لو آمن بالله حقًا، حين أقبل أهل بدر على المولى- تبارك وتعالى- وصدقوا وتجرَّدوا وأخلصوا وطرحوا الدنيا وراءهم، ووضعوا في أنفسهم أمرًا واحدًا؛ أن تكون كلمة الله هي العليا وما عداها السفلى عندها قال الله لهم: ﴿ فَلَمْ تَقْتُلُوهُمْ وَلَكِنَّ اللَّهَ قَتَلَهُمْ وَمَا رَمَيْتَ إِذْ رَمَيْتَ وَلَكِنَّ اللَّهَ رَمَى وَلِيُبْلِيَ الْمُؤْمِنِينَ مِنْهُ بَلَاءً حَسَنًا إِنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ عَلِيمٌ ﴾ [الأنفال: 17].

غزوة بدر الكبرى التي كانت بعد أن استقر رسول الله وأصحابه في المدينة ونعموا بطيب العيش فيها, وارتاحت نفوسهم, واطمأنت أرواحهم بعد العناء والآلام التي كانوا يلاقونها في مكة وما جاورها, زاد غيظ الكفرة الملحدين وأذنابهم من المنافقين، غاظهم أن للإسلام دولة ووطن وقائد.

وهكذا.. هي سُنَّة الحياة, يغيظ الكفار وأذنابهم أن ترتفع راية الإسلام, أو يهنئ أهله بطيب العيش أو رغد الحياة, بل يغيظ الكفار وأذنابهم أن يوجد حاكم مسلم يُطبق شرع الله ويرفع راية القران، فالصراع بين الحق والباطل قائم إلى قيام الساعة , فكفار اليوم هم أبناء الآباء بالأمس, ومنافقو اليوم ورثوا النفاق صاغرًا عن صاغر.

غزوة بدر الكبرى: إنها يومٌ خاضه رسول الله بالثبات واليقين والإيمان، خاضه مع الصحب الكرام -ي- وأرضاهم وبوأهم دار السلام، ثلاث مئة وأربعة عشر رجلاً ما على وجه الأرض يومها أحب إلى الله منهم، ثلاثة مئة وأربعة عشر رجلاً كُتبت لهم السعادة وهم في بطون أمهاتهم، ثلاث مئة وأربعة عشر رجلاً نادى عليهم منادي الله: يا أهل بدر اعملوا ما شئتم فقد غفرت لكم، ثلاث مئة وأربعة عشر رجلاً أقدامهم حافية وثيابهم مرقعة بالية، وأحشاؤهم ظامئة خاوية، ولكن قلوبهم نقية زاكية، وهممهم شريفة سامية عالية، الصحب الكرام عليهم من الله الرضوان والسلام.

تعلّمنا من هذه الغزوة المباركة والنصر العظيم، أن الإسلام كلمة الله الباقية ورسالته الخالدة منصورة بعز عزيز وذل ذليل، هذا الإسلام الذي كتب الله العزة لمن والاه، وكتب الذِّلة والصغار على من عاداه، كلمة باقية ورسالة خالدة زاكية.

تعلّمنا من غزوة بدر أن مع العُسر يسرًا، وأن عاقبة الصبر خير واصبر وما صبرك إلا بالله.

صبر حبيب الله ورسول الله فأقر الله عينه ونصر الله حزبه: ﴿ بَلَى إِنْ تَصْبِرُوا وَتَتَّقُوا وَيَأْتُوكُمْ مِنْ فَوْرِهِمْ هَذَا يُمْدِدْكُمْ رَبُّكُمْ بِخَمْسَةِ آلَافٍ مِنَ الْمَلَائِكَةِ مُسَوِّمِينَ ﴾ [آل عمران: 125]. فإن وجدت عبدًا من عباد الله قد صُبّت عليه المحن والبلايا من الله ونصب وجهه صابرًا لله، فبشره بحسن العاقبة ولقد صدق رسول الهدى -صلى الله عليه وسلم- إذ يقول: «ما أُعطي عبد عطاء أفضل من الصبر» [رواه البخاري في كتاب الرقاق، باب الصبر عن محارم الله (11/ 309) فتح، ومسلم في كتاب الزكاة، باب فضل التعفف والصبر (7/ 144) بشرح النووي، عن ابن مسعود].

بالصبر يتوسّع ضيق الدنيا، وبالصبر تتبدد همومها وغمومها وأحزانها، يطيب العيش وترتاح النفوس وتطمئن القلوب، وصدق عمر وأرضاه إذ قال: «وجدنا ألذ عيشنا بالصبر» [ذكره البخاري معلقًا في صحيحه، كتاب الرقاق، باب الصبر].

تعلّمنا من غزوة بدر أن التقوى سبيل النصر للمؤمنين وطريق الفلاح للمفلحين بالصبر والتقوى تنزلت ملائكة الرحمن؛ نصرة لجند الإيمان، فمن صبر واتقى جعلَ له ربه من كل همٍّ فرجًا ومن كل ضيق مخرجًا.. اسمع إلى يوسف الكريم بن الكريم حين جاءه إخوته متعجبين مستغربين كيف أعزه الله ورفعه ﴿ قَالُوا أَإِنَّكَ لَأَنْتَ يُوسُفُ قَالَ أَنَا يُوسُفُ وَهَذَا أَخِي قَدْ مَنَّ اللَّهُ عَلَيْنَا إِنَّهُ مَنْ يَتَّقِ وَيَصْبِرْ فَإِنَّ اللَّهَ لَا يُضِيعُ أَجْرَ الْمُحْسِنِينَ ﴾ [يوسف: 90].

صبراً يا أهل الإسلام.

صبراً يا أهل الإسلام لئن ضاقت الأرض عليكم فلم تضيق بالصبر والتقوى، إن وراء الليل فجرًا، إن تحت الرماد نارًا، صبرٌ جميل لعل الله أن يأتي بالفرج الجليل.

تعلّمنا من غزوة بدر الكبرى، أن من أسباب النصر العظيمة تآلف القلوب وتراحمها، كان أصحاب النبي -صلى الله عليه وسلم- في قلة من العدد والعدة، ولكن كانت بينهم المحبة والصفاء والمودة والإخاء، كانوا متراحمين متعاطفين متآلفين متكاتفين متناصرين متآزرين، شعارهم: لا إله إلا الله، فسبحان من أعزهم وهم أذلاء، سبحان من أغناهم وهم فقراء، سبحان من رفعهم وهم وضعاء.

انظر وتأمل إن وجدت أهل الإسلام متعاطفين متراحمين فاعلم أن النصر حليفهم، وإن وجدتهم متقاطعين متباعدين متناحرين، مزقتهم الجماعات والحزبيات والرايات والشعارات فادمع على الإسلام بين أهله.

عباد الله: دعونا نعيش غزوة بدر وها هو رسول -صلى الله عليه وسلم- يسوّي الصفوف بقدَحٍ في يده فضرب بطن سواد بن غزية وقال: «استو يا سواد» فقال سواد: يا رسول الله, أوجعتني, فأقدني, ما تريد يا سواد؟ القصاص مِن مَن؟ مِن رسول الله.

وافق رسول الله لأنه لا يريد أن يلقى الله بمظلمة. لكن سواد قال يا رسول الله كان بطني مكشوفاً فكشف رسول الله عن بطنه وقال: «استقد» فاعتنقه سواد, وقبّل بطنه, فقال: «ما حملك على هذا يا سواد؟ » قال: يا رسول الله, قد حضر ما ترى, فأردت أن يكون آخر العهد بك، أن يمس جلدي جلدك, فدعا له رسول الله بخير. إنه الحب العظيم للحبيب محمد -صلى الله عليه وسلم- اللهم أحينا على سنته واحشرنا في زمرته.

تعالوا بنا إلى مشهد آخر يقصه علينا عبد الرحمن بن عوف فيقول: «إني لفي الصف يوم بدر إذ التفت, فإذا عن يميني وعن يساري فتيان حديثا السن إذ قال لي أحدهما سرًا عن صاحبه: يا عم أرني أبا جهل, فقلت: يا ابن أخي, فما تصنع به؟ قال أُخبرت أنه يسب رسول الله , والذي نفسي بيده لئن رأيته لا يفارق سوادي سواده حتى يموت الأعجل منا, فتعجبت لذلك, قال: وغمزني الآخر, فقال لي مثلها, فلم أنشب أن نظرت إلى أبي جهل يجول في الناس فقلت: ألا تريان؟ هذا صاحبكما الذي تسألاني عنه.

قال: فابتدراه بسيفيهما فضرباه حتى قتلاه, ثم انصرفا إلى رسول الله فقال: «أيكما قتله؟ » فقال كل واحد منهما: أنا قتلته, قال: «هل مسحتما سيفيكما؟ »فقالا: لا, فنظر رسول الله إلى السيفين فقال: »كلاكما قتله« [رواه البخاري ح(3141)، ومسلم ح(1752). ] وهما معاذ بن عمرو بن الجموح, ومعوذ بن عفراء. وكان النصر بعد ذلك.

الله أكبر... ألا فليُصرخ بمثل هذه المواقف في المجالس والدور, ولتُسقى هذه البطولة وتلك الغيرة مع ألبان الأمهات, وليُعلّم الصغار والكبار كيف تكون العزة والدفاع عن الدين ونصرة الحق, والغيرة على الإسلام من أبنائنا الصغار.

تعلّمنا من دروس هذه الغزوة أن قوة الإيمان هي السلاحالبتار:
إنه الإيمان بالله الذي يضع أمر الله ورسوله في جانب، والدنيا كلها في جانب آخر، وعدونا لا يخشى في ميدان المعركة الأسلحة التي بأيدينا، ولكنه يخشى من سلاح الإيمان الذي يستمد قوته من الله؛ لأنه السلاح الذي لا يقهر واليقين الذي لا يغلب،... فالمصلحون المخلصون والدعاة الصادقون يحملون بين جنباتهم مصانع إيمان تبث إنتاجها في قلوب من حولهم، ويمدون به كل جبان رعديد، فإذا به في الميدان أسدٌ هصورٌ، كما يبعث الإيمان بالأمل في قلوب اليائسين القانطين، فيتوجهون لملاقاة العدو، وكلهم يقين أن نصر الله آتٍ، وأن التمكين لهم قريب: ﴿ إِنْ يَنْصُرْكُمُ اللَّهُ فَلَا غَالِبَ لَكُمْ وَإِنْ يَخْذُلْكُمْ فَمَنْ ذَا الَّذِي يَنْصُرُكُمْ مِنْ بَعْدِهِ وَعَلَى اللَّهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُؤْمِنُونَ ﴾ [آل عمران: 160].

بارك الله لي ولكم في القرآن العظيم ونفعنا بما فيه من الآيات والذكر الحكيم أقول ما تسمعون وأستغفر الله لي ولكم فاستغفروه إنه هو الغفور الرحيم.

الخطبة الثانية
الحمد لله رب العالمين والعاقبة للمتقين ولا عدوان إلا على الظالمين. وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أن محمداً عبده ورسوله صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه وسلم تسليما.

أما بعد: أيها المسلمون:
تعلمنا من غزوة بدر أهمية الدعاء والاستغاثة بالمغيث ومقاطعة العدو:
قال تعالى: ﴿ إِذْ تَسْتَغِيثُونَ رَبَّكُمْ فَاسْتَجَابَ لَكُمْ أَنِّي مُمِدُّكُمْ بِأَلْفٍ مِنَ الْمَلَائِكَةِ مُرْدِفِينَ ﴾ [الأنفال: 9]، لما نظم -صلى الله عليه وسلم- صفوف جيشه، وأصدر أوامره لهم وحرّضهم على القتال، رجع إلى العريش الذي بُني له ومعه صاحبه أبو بكر -رضي الله عنه-, وسعد بن معاذ على باب العريش لحراسته وهو شاهرٌ سيفه، واتجه رسول الله- صلى الله عليه وسلم- إلى ربه يدعوه ويناشده النصر الذي وعده ويقول في دعائه: «اللهم أنجز لي ما وعدتني، اللهم إن تهلك هذه العصابة من أهل الإسلام فلا تُعبد في الأرض أبدًا»، وما زال- صلى الله عليه وسلم- يدعو ويستغيث حتى سقط رداؤه، فأخذه أبو بكر ورده على منكبيه وهو يقول: يا رسول الله كفاك مناشدتك ربك فإنه منجز لك ما وعدك , فأنزل الله عز وجل: (إِذْ تَسْتَغِيثُونَ رَبَّكُمْ فَاسْتَجَابَ لَكُمْ) وفي رواية ابن عباس -رضي الله عنهما- قال: قال النبي -صلى الله عليه وسلم- يوم بدر: «اللهم أنشدك عهدك ووعدك، اللهم إن شئت لم تعبد» فأخذ أبو بكر بيده فقال: حسبك الله، فخرج -صلى الله عليه وسلم- وهو يقول: ﴿ سَيُهْزَمُ الْجَمْعُ وَيُوَلُّونَ الدُّبُرَ ﴾ [القمر: 45].

وهذا درسٌ رباني مهم لكل قائد أو حاكم أو زعيم أو فرد في أهمية اللجوء إلى الله، والسجود والجثي بين يدي الله عند التجرد من النفس وحظها، والخلوص واللجوء لله وحده، والسجود والجثي بين يدي الله سبحانه عند الملمات والشدائد فهو وحده الناصر والمعين والمؤيد(=﴿ إِنْ يَنْصُرْكُمُ اللَّهُ فَلَا غَالِبَ لَكُمْ وَإِنْ يَخْذُلْكُمْ فَمَنْ ذَا الَّذِي يَنْصُرُكُمْ مِنْ بَعْدِهِ وَعَلَى اللَّهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُؤْمِنُونَ ﴾ [آل عمران: 160].

عباد الله: وها هي أيام الشهر قد تتابعت ولياليه الغُر قد تلاحقت، هذه أيام رمضان قد أوشكت بالرحيل، وها نحن بعد أيام سنستقبل العشر الأواخر، ختام شهر رمضان ووداعه.

أيها الإخوة، إن كان في النفوس زاجر، وإن كان في القلوب واعظ، فقد بقيت من أيامه بقيةٌ. بقية وأي بقية، إنها عشره الأخيرة.

بقية كان يحتفي بها نبيكم محمد -صلى الله عليه وسلم- أيما احتفاء.

في العشرين قبلها كان يخلطها بصلاة ونوم، فإذا دخلت العشر شمر وجد وشد المئزر هجر فراشه، أيقظ أهله، يطرق الباب على فاطمة وعلي -ب- قائلاً: »ألا تقومان فتصليان« يطرق الباب وهو يتلو: ﴿ وَأْمُرْ أَهْلَكَ بِالصَّلَاةِ وَاصْطَبِرْ عَلَيْهَا لَا نَسْأَلُكَ رِزْقًا نَحْنُ نَرْزُقُكَ وَالْعَاقِبَةُ لِلتَّقْوَى ﴾ [طه: 132]، ويتجه إلى حجرات نسائه آمرا: «أيقظوا صواحب الحجر فرب كاسية في الدنيا عارية يوم القيامة» [رواه البخاري].

إنها عشْر مباركات إذا دخلت على الأخيار والصالحين فروا إلى بيوت الله معتكفين ركعًا سجدًا يبتغون فضلاً من الله ورضوانًا، سيماهم في وجوههم من أثر السجود قد فارقوا النوم والكرى والهجود، يرجون رحمة الله الحليم الودود ويسألونه مقامًا مع الركع السجود في نعيم الجنات جنات الخلود مع المقربين الشهود، قد سمت أرواحهم إلى الخيرات وتنافست أجسادهم في فعل الباقيات الصالحات.

يا عباد الله، أنتم مقبلون على عشر هي أعظم أيام شهركم فضلاً وأرفعها قدرًا وأكثرها أجرًا، تصفو الأوقات للذيذ المناجاة، وتسكب العبرات بكاءً على السيئات، فكم لربّ العزة من عتيق من النار، وكم من أسير للذنوب وصله الله بعد القطع، وكتب له السعادة من بعد طول شقاء، إنها الفرصة إذا أفلتت فلن تنفع بعدها الحسرات، والأعمار بيد الله، ﴿ وَمَا تَدْرِي نَفْسٌ مَاذَا تَكْسِبُ غَدًا وَمَا تَدْرِي نَفْسٌ بِأَيِّ أَرْضٍ تَمُوتُ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ ﴾ [لقمان: 34].

فلا ينبغي للمؤمن العاقل أن يفوّت هذه الفرصة الثمينة على نفسه وأهله، فما هي إلا ليالٍ معدودة ربما يدرك الإنسان فيها نفحة من نفحات المولى، فتكون سعادة له في الدنيا والآخرة.

هذا وصلوا - عباد الله: - على رسول الهدى فقد أمركم الله بذلك في كتابه فقال: ﴿ إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا ﴾ [الأحزاب: 56].

اللهم صلِّ وسلّم على عبدك ورسولك محمد، وارض اللهم عن الخلفاء الأربعة الراشدين...

__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
 


الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1)
 

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع


 


الاحد 20 من مارس 2011 , الساعة الان 01:21:21 صباحاً.

Powered by vBulletin V3.8.5. Copyright © 2005 - 2013, By Ali Madkour

[حجم الصفحة الأصلي: 80.64 كيلو بايت... الحجم بعد الضغط 78.92 كيلو بايت... تم توفير 1.72 كيلو بايت...بمعدل (2.13%)]