أحكام الجمعة وآدابها - ملتقى الشفاء الإسلامي

 

اخر عشرة مواضيع :         تفسير جامع البيان عن تأويل آي القرآن للإمام الطبري .....متجدد (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 1197 - عددالزوار : 133605 )           »          سبل تقوية الإيمان (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 11 )           »          إقراض الذهب (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 14 )           »          حكم المصلي إذا عطس (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 13 )           »          فقه الاحتراز (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 15 )           »          سُنّة: عدم التجسس وتتبع عثرات الناس (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 11 )           »          القراءة في فجر الجمعة (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 10 )           »          الصلاة قرة عيون المؤمنين (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 15 )           »          إلى القابضين على جمر الأخلاق في زمن الشح (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 11 )           »          الأخوة في الدين (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 8 )           »         

العودة   ملتقى الشفاء الإسلامي > قسم الصوتيات والمرئيات والبرامج > ملتقى الصوتيات والاناشيد الاسلامية > ملتقى الخطب والمحاضرات والكتب الاسلامية
التسجيل التعليمـــات التقويم

ملتقى الخطب والمحاضرات والكتب الاسلامية ملتقى يختص بعرض الخطب والمحاضرات الاسلامية والكتب الالكترونية المنوعة

إضافة رد
 
أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
  #1  
قديم 04-08-2024, 12:47 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم متصل الآن
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 157,900
الدولة : Egypt
افتراضي أحكام الجمعة وآدابها

أحكام الجمعة وآدابها

الشيخ الدكتور صالح بن مقبل العصيمي التميمي


الخطبة الأولى
إنَّ الحمدَ للهِ، نَحْمَدُهُ، ونستعينُهُ، ونستغفِرُهُ، ونعوذُ باللهِ مِنْ شرورِ أنفسِنَا وسيئاتِ أعمالِنَا، مَنْ يهدِ اللهُ فلاَ مُضِلَّ لَهُ، وَمَنْ يُضْلِلْ فَلاَ هَادِيَ لَهُ، وأشهدُ أنْ لا إلهَ إِلَّا اللهُ وَحْدَهُ لَا شريكَ لَهُ، تَعْظِيمًا لِشَأْنِهِ، وأشهدُ أنَّ مُحَمَّدًا عبدُهُ ورسُولُهُ، وَخَلِيلُهُ - صَلَّى اللهُ عليهِ وعَلَى آلِهِ وصَحْبِهِ، وَمَنْ تَبِعَهُمْ بِإِحْسَانٍ إِلَى يَوْمِ الدِّينِ، وَسَلَّمَ تَسْلِيمًا كثيرًا. أمَّا بَعْدُ...
فَاتَّقُوا اللهَ- عِبَادَ اللهِ- حقَّ التَّقْوَى؛ واعلَمُوا أنَّ أَجْسَادَكُمْ عَلَى النَّارِ لَا تَقْوَى. وَاِعْلَمُوا بِأَنَّ خَيْرَ الْهَدْيِّ هَدْيُ مُحَمَّدٍ صَلَّى اللهُ عليهِ وَسَلَّمَ، وَأَنَّ شَرَّ الْأُمُورِ مُحْدَثَاتُهَا، وَكُلَّ مُحْدَثَةٍ بِدْعَةٌ، وَكُلَّ بِدْعَةٍ ضَلَالَةٌ، وَكُلَّ ضَلَالَةٍ فِي النَّارِ.

عباد الله: إِنَّ لِلْجُمْعَةِ أَحْكَامًا وَآدَابًا؛ منها:
أَوَّلًا: الاِغْتِسَالُ لَـهَا؛ لِقَوْلِهِ -صَلَّى اللهُ عليهِ وَسَلَّمَ-: «إِذَا جَاءَ أَحَدُكُمُ الجُمُعَةَ، فَلْيَغْتَسِلْ» (أَخْرَجَهُ الشَّيْخَانِ). وَالْغُسْلُ سُنَّةٌ مُؤَكَّدَةٌ عِنْدَ جَـمَاهِيـرِ أَهْلِ الْعِلْمِ، وَأَوْجَبَهُ الْبَعْضُ؛ لِقَوْلِهِ -صَلَّى اللهُ عليهِ وَسَلَّمَ-: «الْغُسْلُ يَوْمَ الْجُمُعَةِ وَاجِبٌ عَلَى كُلِّ مُحْتَلِمٍ» (رَوَاهُ مُسْلِمٌ).

وَفَضْلُ غُسْلِ يَوْمِ الْـجُمْعَةِ عَظِيمٌ؛ لِقَوْلِهِ -صَلَّى اللهُ عليهِ وَسَلَّمَ-: «مَنِ اغْتَسَلَ؟ ثُمَّ أَتَى الْجُمُعَةَ"، إِلَى أَنْ قَالَ: "غُفِرَ لَهُ مَا بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْجُمُعَةِ الْأُخْرَى، وَفَضْلُ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ" (رَوَاهُ مُسْلِمٌ).

ثَانِيًا: أَنْ يَتَسَوَّكَ وَيَتَطَيَّبَ لَـهَا؛ لِقَوْلِهِ -صَلَّى اللهُ عليهِ وَسَلَّمَ-: "حَقٌّ عَلَى كُلِّ مُسْلِمٍ يَغْتَسِلُ يَوْمَ الْجُمُعَةِ وَيَتَسَوَّكُ، وَيَمَسُّ مِنْ طِيبٍ" رَوَاهُ أَحْـمَدُ بِسَنَدٍ صَحِيحٍ. وَلِقَوْلِهِ -صَلَّى اللهُ عليهِ وَسَلَّمَ-: «ثُمَّ ادَّهَنَ أَوْ مَسَّ مِنْ طِيبٍ" إِلَى أَنْ قَالَ: "غُفِرَ لَهُ مَا بَيْنَهُ وَبَيْنَ الجُمُعَةِ الأُخْرَى» (رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ).

- فَعَلَى الْمُسْلِمِيـنَ أَنْ يَتَآمَرُوا بِالْمَعْرُوفِ، وَيَتَنَاهَوا عَنِ الْمُنْكَرِ، وَمَنْ يَرَوْنَهُ يَـحْمِلُ رَائِحَةً كَرِيهَةً؛ فَلْيُنَاصِحُوهُ بِلُطْفٍ وَأَدَبٍ، وَيُـحْذُوهُ مِنْ طِيبِهِمْ إِنْ كَانَ مَعَهُمْ؛ حَتَّـى تَنْقَطِعَ رَوَائِحُهُ الْكَرِيهَةُ عَنْ بُيُوتِ اللهِ.

ثالثًا: أَنْ يَتَـزَيَّنَ لِـحُضُورِهَا، بِلِبْسِ أَجْـمَلِ مَا عِنْدَهُ مِنْ ثِيَابٍ؛ لِقَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿ يَا بَنِي آدَمَ خُذُوا زِينَتَكُمْ عِنْدَ كُلِّ مَسْجِدٍ ﴾ [الأعراف: 31].

- وَقَالَ -صَلَّى اللهُ عليهِ وَسَلَّمَ-: "وَلَبِسَ مِنْ أَحْسَنِ ثِيَابِهِ، ثُمَّ أَتَى الْجُمُعَةَ.... غُفِرَ لَهُ مَا بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْجُمُعَةِ الْأُخْرَى" رَوَاهُ أَبُو دَاودَ بِسَنَدٍ صَحِيحٍ. وَلِلأَسَفِ هُنَاكَ مَنْ لَا يَعْتَنِـي بِالتَّجَمُّلِ لِيَوْمِ الْـجُمْعَةِ، بَلْ وَيَأْتِي بِلِبَاسِ نَوْمٍ أَوْ غَيْـرِهِ.

رَابِعًا: أَنْ يُبَكِّرَ بِالْـحُضُورِ إِلَيْهَا؛ لِقَوْلِهِ -صَلَّى اللهُ عليهِ وَسَلَّمَ-: «مَنِ اغْتَسَلَ يَوْمَ الجُمُعَةِ غُسْلَ الجَنَابَةِ ثُمَّ رَاحَ، فَكَأَنَّمَا قَرَّبَ بَدَنَةً، وَمَنْ رَاحَ فِي السَّاعَةِ الثَّانِيَةِ، فَكَأَنَّمَا قَرَّبَ بَقَرَةً، وَمَنْ رَاحَ فِي السَّاعَةِ الثَّالِثَةِ، فَكَأَنَّمَا قَرَّبَ كَبْشًا أَقْرَنَ، وَمَنْ رَاحَ فِي السَّاعَةِ الرَّابِعَةِ، فَكَأَنَّمَا قَرَّبَ دَجَاجَةً، وَمَنْ رَاحَ فِي السَّاعَةِ الخَامِسَةِ، فَكَأَنَّمَا قَرَّبَ بَيْضَةً، فَإِذَا خَرَجَ الإِمَامُ حَضَرَتِ المَلاَئِكَةُ يَسْتَمِعُونَ الذِّكْرَ» (مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ).

خَامِسًا: أَنْ يَـمْشِيَ إِلَيْهَا بِسَكِينَةٍ؛ وَوَقَارٍ؛ لِمَا رَوَاهُ الإِمَامُ أَحْـمَدُ بِسَنَدٍ حَسَنٍ أَنَّ النَّبِـيَّ -صَلَّى اللهُ عليهِ وَسَلَّمَ- قَالَ: "ثُمَّ خَرَجَ وَعَلَيْهِ السَّكِينَةُ حَتَّى يَأْتِيَ الْمَسْجِدَ".

سادسًا: يُسْتَـحَبُّ الإِتْيَانُ إِلَيْهَا مَاشِيًا، وَخَاصَّةً مَنْ قَرُبَ بَيْتُهُ مِنَ الْمَسْجِدِ؛ لِقَوْلِهِ -صَلَّى اللهُ عليهِ وَسَلَّمَ-: «وَمَشَى وَلَمْ يَرْكَبْ.... كَانَ لَهُ بِكُلِّ خَطْوَةٍ عَمَلُ سَنَةٍ، أَجْرُ صِيَامِهَا وَقِيَامِهَا» (رَوَاهُ أَبُو دَاودَ وَغَيْـرُهُ بِسَنَدٍ صَحِيحٍ).

سابعًا: أَنْ يَدْنُوَ مِنَ الإِمَامِ؛ لِقَوْلِهِ -صَلَّى اللهُ عليهِ وَسَلَّمَ-: "وَدَنَا مِنَ الْإِمَامِ"، وفيه: "كَانَ لَهُ بِكُلِّ خَطْوَةٍ عَمَلُ سَنَةٍ، أَجْرُ صِيَامِهَا وَقِيَامِهَا" (رَوَاهُ أَبُو دَاودَ وَغَيْـرُهُ بِسَنَدٍ صَحِيحٍ).

ثامنًا: أَلَّا يَتَخَطَّى الرِّقَابَ: فَقَدْ جَاءَ رَجُلٌ يَتَخَطَّى رِقَابَ النَّاسِ يَوْمَ الْجُمُعَةِ، وَالنَّبِيُّ -صَلَّى اللهُ عليهِ وَسَلَّمَ- يَخْطُبُ، فَقَالَ لَهُ النَّبِيُّ -صَلَّى اللهُ عليهِ وَسَلَّمَ-: «اجْلِسْ فَقَدْ آذَيْتَ» (رَوَاهُ أَبُو دَاودَ بِسَنَدٍ صَحِيحٍ).

- مَعَ التَّنْبِيهِ عَلَى أَنَّ هُنَاكَ مَنْ يَضْطَرُّ الْمُصَلِّيـنَ لِتَخَطِّي رِقَابِـهِمْ؛ حَيْثُ يَـجْلِسُ فِي الصُّفُوفِ الْـمُتَأَخِّرَةِ؛ تَارِكًا أَمَامَهُ فَرَاغَاتٍ؛ فَيَضْطَرُّ الْمُتَأَخِّرُونَ إِلَى أَنْ يَتَخَطَّوْا الرِّقَابَ كَي يَصِلُوا إِلَيْهَا.

- وَإِنَّكَ لَتَعْجَبُ –وَاللهِ- مِنْ تَصَرُّفَاتِ بَعْضِ الْمَأْمُومِيـنَ الَّذِينَ يَرَوْنَ أَمَامَهُمْ فَرَاغَاتٍ فِي الصُّفُوفِ الأُولَى؛ فَيَزْهَدُونَ بِـهَا، وَيَـحْرِمُونَ أَنْفُسَهُمْ مِنْ فَضِيلَةِ الدُّنُوِ مِنَ الإِمَامِ، وَيَـحْرِمُونَ غَيْـرَهُمْ مِنَ الْوُصُولِ إِلَيْهَا.

- وَلَنَا فِي رَسُولِ اللهِ، -صَلَّى اللهُ عليهِ وَسَلَّمَ-، أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ؛ فَقَدْ رَأَى فِي أَصْحَابِهِ تَأَخُّرًا فَقَالَ لَهُمْ: «تَقَدَّمُوا فَأْتَمُّوا بِي، وَلْيَأْتَمَّ بِكُمْ مَنْ بَعْدَكُمْ، لَا يَزَالُ قَوْمٌ يَتَأَخَّرُونَ حَتَّى يُؤَخِّرَهُمُ اللهُ» (رَوَاهُ مُسْلِمٌ).

- وَفِي رِوَايَةٍ لِأَبِي دَاودَ بِسَنَدٍ صَحِيحٍ: «لَا يَزَالُ قَوْمٌ يَتَأَخَّرُونَ عَنِ الصَّفِّ الْأَوَّلِ حَتَّى يُؤَخِّرَهُمُ اللَّهُ فِي النَّارِ».

تاسعًا: أَلَّا يُفَرِّقَ بَيْـنَ اِثْنَيْـنِ؛ لِقَوْلِهِ -صَلَّى اللهُ عليهِ وَسَلَّمَ-: «ثُمَّ يَخْرُجُ فَلاَ يُفَرِّقُ بَيْنَ اثْنَيْنِ... إِلَّا غُفِرَ لَهُ مَا بَيْنَهُ وَبَيْنَ الجُمُعَةِ الأُخْرَى» (رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ).

عاشرًا: أَنْ يَنْشَغِلَ إِذَا دَخَلَ الْمَسْجِدَ بِذِكْرِ اللهِ؛ خَاصَّةً صَلَاةَ النَّفْلِ؛ لِقَوْلِهِ -صَلَّى اللهُ عليهِ وَسَلَّمَ-: "لاَ يَغْتَسِلُ رَجُلٌ يَوْمَ الجُمُعَةِ ثُمَّ يُصَلِّي مَا كُتِبَ لَهُ" وفيه: "إِلَّا غُفِرَ لَهُ مَا بَيْنَهُ وَبَيْنَ الجُمُعَةِ الأُخْرَى» (رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ).

- وَكَذِلِكَ عَلَيْهِ أَنْ يَنْشَغِلَ بِتِلَاوَةِ الْقُرْآنِ، وَالذِّكْرِ، وَالدُّعَاءِ.

الحادي عشر: أَلَّا يُؤْذِيَ غَيْـرَهُ بِرَفْعِ صَوْتِهِ عِنْدَ تِلَاوَةِ الْقُرْآنِ، حَيْثُ يَنْتُجُ عَنْ رَفْعِ الصَّوْتِ التَّشْوِيشُ عَلَى الْمُصَلِّيـنَ، وَعَلَى التَّالِيـنَ لِلْقُرْآنِ وَالدَّاعِيـنَ، وَيَـجُرُّ إِلَى الْـخُصُومَةَ وَالشِّقَاقِ.

رَوَى أَحْـمَدُ بِسَنَدٍ صَحِيحٍ أَنَّ رَسُولَ اللهِ -صَلَّى اللهُ عليهِ وَسَلَّمَ- خَرَجَ عَلَى النَّاسِ وَهُمْ يُصَلُّونَ، وَقَدْ عَلَتْ أَصْوَاتُهُمْ بِالْقِرَاءَةِ، فَقَالَ: "إِنَّ الْمُصَلِّي يُنَاجِي رَبَّهُ -عَزَّ وَجَلَّ-، فَلْيَنْظُرْ مَا يُنَاجِيهِ، وَلَا يَجْهَرْ بَعْضُكُمْ عَلَى بَعْضٍ بِالْقُرْآنِ"، وَلَقَدْ رَأَيْنَا فِي بُيُوتِ اللهِ بَعْضَ الْـخُصُومَاتِ الَّتِـي تًـحْدُثُ فِي الْمَسَاجِدِ بِسَبَبِ رَفْعِ الصَّوْتِ بِتِلَاوَةِ الْقُرْآنِ.

عباد الله: أَمَّا إِذَا دَخَلَ الإِمَامُ فَيَنْبَغِي لِلْمَأْمُومِيـنَ مَا يَلِي:
أَوَّلًا: الاِسْتِمَاعُ وَالإِنْصَاتُ لِـخُطْبَــةِ الْـجُمْعَةِ؛ فَلَا يَنْشَغِلْ عَنْهَا بِقِرَاءَةِ قُرْآنٍ، وَلَا بِذِكْرٍ، وَلَا دُعَاءٍ؛ حَتَّـى لَوْ كَانَ بَيْنَهُ وَبَيْـنَ نَفْسِهِ، وَاِسْتَثْنَـى الْعُلَمَاءُ لِلدَّاخِلِ أَنْ يُصَلِّيَ رَكْعَتَـيِّ تَـحِيَّةِ الْمَسْجِدِ مَعَ التَّخْفِيفِ فِيهِمَا؛ لِقَوْلِهِ -صَلَّى اللهُ عليهِ وَسَلَّمَ-: «إِذَا جَاءَ أَحَدُكُمْ يَوْمَ الْجُمُعَةِ، وَالْإِمَامُ يَخْطُبُ، فَلْيَرْكَعْ رَكْعَتَيْنِ، وَلْيَتَجَوَّزْ فِيهِمَا» (رَوَاهُ مُسْلِمٌ).

ثَانِيًا: أَلَّا يَتَحَدَّثَ مَعَ غَيْـرِهِ وَقْتَ الْـخُطْبَةِ؛ حَتَّـى لَوْ كَانَ مِنْ بَابِ النَّهْيِ عَنِ الْمُنْكَرِ؛ لِقَوْلِ رَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى اللهُ عليهِ وَسَلَّمَ-: "إِذَا قُلْتَ لِصَاحِبِكَ يَوْمَ الجُمُعَةِ: أَنْصِتْ، وَالإِمَامُ يَخْطُبُ، فَقَدْ لَغَوْتَ" (رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ).

وَالْمُرَادُ بِاللَّغْوِ هُنَا الْبَاطِلُ الْمَذْمُومِ الْمَرْدُودِ.

ثَالِثًا: عَدَمُ الْعَــبَثِ بِأَيِّ شَيْءٍ وَقْتَ الْـخُطْبَةِ، كَالْعَبَثِ بِالْمِسْبَحَةِ، أَوِ السَّاعَةِ، أَوْ أَجْهِزَةِ الْـَهَاتِفِ، أَوْ غَيْـرِهَا؛ لِقَوْلِهِ -صَلَّى اللهُ عليهِ وَسَلَّمَ-: «وَمَنْ مَسَّ الْحَصَى فَقَدْ لَغَا» (رَوَاهُ مُسْلِمٌ).

وَمَعْنَـى مَسَّ الْـحَصَا أَيْ: وَضَعَ يَدَهُ عَلَى الأَرْضِ مُتَلَاعِبًا أَثْنَاءَ الْـخُطْبَةِ، حَتَّـى قَالَ الْعُلَمَاءُ: إِنَّ مَنْ لَغَا خَابَ مِنَ الأَجْرِ، وَصَارَتْ جُـمْعَتُهُ ظُهْرًا، مَعَ التَّنْبِيهِ عَلَى خُطَبَاءِ الْمَسَاجِدِ أَلَّا يُطِيلُوا فِي الْـخُطَبِ مُـخَالِفِيـنَ بِذَلِكَ السُّنَّةَ؛ فَيَكُونُ ذَلِكَ مَدْعَاةٌ لاِنْشِغَالِ الْمَأْمُومِيـنَ، وَشُرُودِ أَذْهَانِـهِمِ.

عباد الله: وَتُدْرَكُ صَلَاةُ الْـجُمْعَةِ بِإِدْرَاكِ رَكْعَةٍ مِنْهَا، وَيُضِيفُ إِلَيْهَا الرَّكْعَةَ الَّتِـي فَاتَتْهُ، وَعَلَى هَذَا جَـمَاهِيـرُ أَهْلِ الْعِلْمِ.

- وَيَشْهَدُ لَهُ قَوْلُهُ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم: «مَنْ أَدْرَكَ مِنَ الْجُمُعَةِ رَكْعَةً فَلْيَصِلْ إِلَيْهَا أُخْرَى» (رَوَاهُ اِبْنُ مَاجَه وَغَيْـرُهُ بِسَنَدٍ صَحِيحٍ).

- وعملًا بقوله -صَلَّى اللهُ عليهِ وَسَلَّمَ- قَالَ: «مَنْ أَدْرَكَ رَكْعَةً مِنَ الصَّلاَةِ، فَقَدْ أَدْرَكَ الصَّلاَةَ» (رَوَاهُ الْبُخُارِيُّ)، وَهُوَ عَامٌّ فِي جَـمِيعَ الصَّلَوَاتِ. بَارَكَ اللهُ لِي وَلَكُمْ فِي الْقُرْآنِ الْعَظِيمِ، وَنَفَعَنِي وَإِيَّاكُمْ بِمَا فِيهِ مِنَ الآيَاتِ وَالذِّكْرِ الْحَكِيمِ، أَقُولُ قَوْلِي هَذَا وَأَسْتَغْفِرُ اللهَ العَظِيمَ لِي وَلَكُمْ مِنْ كُلِّ ذَنْبٍ فَاسْتَغْفِرُوهُ؛ إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ.

الْخُطْبَةُ الثَّانِيَةُ
عباد الله: مِنَ الأُمُورِ الَّتِـي يَـجْدُرُ التَّحْذِيرُ مِنْهَا: حَجْزُ الأَمَاكِنِ لِصَلَاِة الْـجُمْعَةِ وَالتَّـرَاوِيحِ وَغَيْـرِهِـمَا؛ فَبَعْضُ الْمُصَلِّيـنَ يَـحْجِزُ أَمَاكِنَ بِالصُّفُوفِ الأُولَى بِوَضْعِ سِجَّادَةٍ أَوْ كُرْسِيٍّ فِي وَقْتٍ مُبَكِّرٍ، ثُـمَّ يَذْهَبُ إِلَى بَيْتِهِ، وَلَا يَأْتِي إِلَّا مَعَ قُرْبِ دُخُولِ الإِمَامِ، وَهُنَاكَ مَنْ يَسْتَأْجِرُ مَنْ يَـحْجِزُ لَهُ مَكَانًا، وَهُنَاكَ مَنْ يَطْلُبُ مِنْ أَصْحَابِهِ الْمُتَقَدِّمِيـنَ أَنْ يَـحْجِزُوا لَهُ؛ فَيَأْثَـمُ بِذِلِكَ الْـحَاجِزُ وَالْمَحْجُوزُ لَهُ؛ لِاعْتِدَائِهِمَا عَلَى حُقُوقِ غَيْـرِهِـمَا.

وَعَلَى هَؤُلَاءِ أَنْ يَعْلَمُوا أَنَّ الْـحَثَّ جَاءَ بالتَّبْكِيـرِ لِلْحُضُورِ بِالْبَدَنِ، وَلَيْسَ بِتَقْدِيـمِ الَـحَاجَاتِ، فَهَذَا الْعَمَلُ مُـحَرَّمٌ شَرْعًا، وَقَدْ حَذَّرَ مِنْهُ أَهْلُ الْعِلْمِ.

- قَالَ شَيْخُ الإِسْلَامِ -رَحِـمَهُ اللهُ-: "وَأَمَّا مَا يَفْعَلُهُ كَثِيرٌ مِنْ النَّاسِ مِنْ تَقْدِيمِ مَفَارِشَ إلَى الْمَسْجِدِ يَوْمَ الْجُمُعَةِ، أَوْ غَيْرِهَا، قَبْلَ ذَهَابِهِمْ إلَى الْمَسْجِدِ، فَهَذَا مَنْهِيٌّ عَنْهُ بِاتِّفَاقِ الْمُسْلِمِينَ؛ بَلْ مُحَرَّمٌ. وَهَلْ تَصِحُّ صَلَاتُهُ عَلَى ذَلِكَ الْمَفْرُوشِ؟ فِيهِ قَوْلَانِ لِلْعُلَمَاءِ؛ لِأَنَّهُ غَصْبُ بُقْعَةٍ فِي الْمَسْجِدِ، وَمَنْعُ غَيْرِهِ أَنْ يُصَلِّيَ فِي ذَلِكَ الْمَكَانِ، وَيَصِحُّ لِـمَنْ سَبَقَهُ أَنْ يَرْفَعَ ذَلِكَ الْـمَفْرُوشِ وَيُصَلِّيَ مَوْضِعَهُ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ مُنْكَرٌ" اِنْتهَى كَلامُهُ -رَحِـمَهُ اللهُ- (الفتاوى الكبرى لابن تيمية 2/ 77).

وَقَالَ شيخنا اِبْنُ عُثَيْمِينَ -رَحِـمَنا اللهُ وإياه-: "إِنَّ حَجْزَ الأَمَاكِنِ فِي الْمَسْجِدِ حَرَامٌ، وَلَا يَـجُوزُ، وَمَنْ حَجَزَ فَلَيْسَ لَهُ حَقٌّ فِي هَذَا الْمَكَانِ؛ وَالْمَكَانُ إِنَّـمَا يَكُونُ لِلأَوَّلِ فَالأَوَّلِ، ثُـمَّ ذَكَرَ رَحِـمَهُ اللهُ أَنَّ بَعْضَ الْـحَنَابِلِةِ قَالَ: إِنَّ مَنْ صَلَّى فِي الْمَكَانِ الْمَحْجُوزِ فَصَلَاتُهُ بَاطِلَةٌ". اِنْتَهَى كَلَامُهُ -رَحِـمَهُ اللهُ-.

كَمَا يَـحْسُنُ التَّنْبِيهُ عَلَى أَنَّهُ هُنَاكَ حَجْزٌ لِلأَمَاكِنِ بِدُونَ وَضْعِ شَيْءٍ؛ وَإِنَّـمَا اِعْتَادَ بَعْضُ الْـمًصَلِّـيـنَ فِي مَسَاجِدِ حَيِّهِمْ عَلَى مَكَانٍ مُعَيَّـنٍ؛ فَأَصْبَحَ أَهْلُ الْـحَيِّ يَتَهَـيَّـبُونَ مِنَ الصَّلَاةِ فِي هَذَا الْمَكَانِ؛ تَقْدِيرًا لِمَنْ اِعْتَادَهُ وَمُـجَامَلَةً لَهُ، أَوْ خَوْفًا مِنْهُ. بَلْ تَـجِـدُ بَعْضَهُمْ إِذَا أَرَادَ أَحَدٌ أَنْ يُصَلِّيَ بِـهَذَا الْمَكَانِ يَنْهَوْنَهُ وَيُـخْبِـرُونَهُ أَنَّ هَذَا مَكَانُ فُلَانٍ؛ وَكَأَنَّهُ أَصْبَحَ مِلْكًا لَهُ، يَـحْرُمُ عَلَى غَـيْـرِهِ أَنْ يُصَلِّيَ بِهِ، وَنَسَوا أَوْ تَنَاسُوا أَنَّ هَذَا بَيْتُ للهِ، لَيْسَ لأَحَدٍ فِيهِ شِرْكٌ وَلَا نَصِيبٌ، كَمَا يَنْبَغِي أَلَّا يَعْتَادَ الإِنْسَانُ مَكَانًا مُعَيَّنًا فِي الْمَسْجِدِ، لَا يُصَلِّي إِلَّا فِيهِ.

- فَقَدْ «نَهَى رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللهُ عليهِ وَسَلَّمَ- أَنْ يُوَطِّنَ الرَّجُلُ الْمَكَانَ فِي الْمَسْجِدِ كَمَا يُوَطِّنُ الْبَعِيرُ» (رَوَاهُ أَبُو دَاودَ وَغَيْـرُهُ بِسَنَدٍ حَسَنٍ).

وَمَعْنَاهُ أَنْ يَأْلَفَ الرَّجُلُ مَكَانًا مَعْلُومًا مِنَ الْمَسْجِدِ مَخْصُوصًا بِهِ يُصَلِّي فِيهِ. قَالَ الْعُلَمَاءُ: وَالْـحِكْمَةُ مِنَ النَّهْيِ أَنَّ هَذَا الاِسْتِيطَانَ يُؤَدِّي إِلَى الشُّهْرَةِ وَالرِّيَاءِ وَالسَّمْعَةِ وَالْـحُظُوظِ وَالشَّهَوَاتِ، وَكُلُّ هَذِهِ آفَاتٌ فَيَتَعَيَّـنُ الْبُعْدُ عَنْهَا، وَلِذَا يَنْبَغِي لِـمَنِ اِعْتَادَ مَكَانًا أَلَّا يَـحِدَ فِي نَفْسِهِ شَيْئًا عَلَى مَنْ صَلَّى فِي الْـمَكَانِ الَّذِي اِعْتَادَهُ، وَأَنْ يُوَطِّنَ نَفْسَهُ عَلَى ذَلِكَ.

عِبَادَ اللهِ: وَمِنْ نَافِلَةَ الْقَوْلِ أَنْ نُنَبِّهَ الأُخْوَةَ الْمُصَلِّيـنَ أَلَّا ُيؤْذُوا حَتَّـى مَنْ هُمْ خَارِجُ الْمَسْجِدِ؛ فَإِنَّ بَعْضَ الْمُصَلِّيـنَ خَاصَّةً مَنْ يَأْتُونَ مُتَأَخِّرِينَ يَقُومُونَ بِإِيقَافِ سَيَّارَاتِـهِمْ فِي أَمَاكِنَ مَـمْنُوعَةٍ فَيُعِيقُونَ السَّيْـرَ، وَيُعَرْقِلُونَ حَرَكَتَهُ، وَخَاصَّةً الْمَسَاجِدَ الَّتِـي عَلَى الطُّرُقِ؛ مِـمَّا يَضْطَّرُّ الْمَارَّةَ، وَالَّذِينَ صَلَّوْا بِـمَسَاجِدَ أُخْرَى أَنْ يَقِفُوا بِسَيَّارَاتِـهِمْ وَقْتًا طَوِيلًا مُنْتَظِرِينَ خُرُوجَهُ؛ لِيَفْتَحَ لَـهُمُ الطَّرِيقَ، وَهُمْ ضَجِرِينَ مِنْ فِعْلِهِ، وَقَدْ يَدْعُونَ عَلَيْهِ وَيُـحَسْبِلُونَ، فَهَذَا خُلُقٌ ذَمِيمٌ لَا يَلِيقُ بِالْـمُسْلِمِيـنَ.

اللَّهُمَّ احْفَظْنَا بِحِفْظِكَ، وَوَفِّقْ وَلِيَّ أَمْرِنَا، وَوَلِيَّ عَهْدِهِ لِمَا تُحِبُّ وَتَرْضَى؛ وَاحْفَظْ لِبِلَادِنَا الْأَمْنَ وَالْأَمَانَ، وَالسَّلَامَةَ وَالْإِسْلَامَ، وَانْصُرِ الْمُجَاهِدِينَ عَلَى حُدُودِ بِلَادِنَا؛ وَانْشُرِ الرُّعْبَ فِي قُلُوبِ أَعْدَائِنَا، اللَّهُمَّ إِنَّا نَسْأَلُكَ مِنْ خَيْرِ مَا سَأَلَكَ مِنْهُ عَبْدُكَ وَنَبِيُّكَ مُحَمَّدٌ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَنَعُوذُ بِكَ مِنْ شَرِّ مَا اسْتَعَاذَ مِنْهُ عَبْدُكَ وَنَبِيُّكَ مُحَمَّدٌ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، اللَّهُمَّ إِنَّكَ عَفُوٌّ تُحِبُّ الْعَفْوَ فَاعْفُ عَنَّا، اللَّهُمَّ إِنِّا نَسْأَلُكَ الْعَافِيَةَ فِي الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ، اللَّهُمَّ امْدُدْ عَلَيْنَا سِتْرَكَ فِي الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ، اللَّهُمَّ أَصْلِحْ لَنَا النِّيَّةَ وَالذُرِّيَّةَ وَالْأَزْوَاجَ وَالْأَوْلَادَ، اللَّهُمَّ اجْعَلْنَا هُدَاةً مَهْدِيِّينَ، رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الْآخِرَةِ حَسَنَةً، وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ. سُبْحَانَ رَبِّكَ رَبِّ الْعِزَّةِ عَمَّا يَصِفُونَ، وَسَلَامٌ عَلَى الْـمُرْسَلِينَ، وَالْحَمْدُ لِلهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ. وَقُومُوا إِلَى صَلَاتِكمْ يَرْحَـمـْكُمُ اللهُ.
__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
إضافة رد


الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1)
 

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع


 


الاحد 20 من مارس 2011 , الساعة الان 01:21:21 صباحاً.

Powered by vBulletin V3.8.5. Copyright © 2005 - 2013, By Ali Madkour

[حجم الصفحة الأصلي: 60.80 كيلو بايت... الحجم بعد الضغط 59.13 كيلو بايت... تم توفير 1.67 كيلو بايت...بمعدل (2.75%)]