صيغة أفعل - ملتقى الشفاء الإسلامي

 

اخر عشرة مواضيع :         تفسير جامع البيان عن تأويل آي القرآن للإمام الطبري .....متجدد (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 1329 - عددالزوار : 138215 )           »          شرح كتاب الحج من صحيح مسلم (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 57 - عددالزوار : 42220 )           »          حكم من تأخر في إخراج الزكاة (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 20 )           »          حكم من اكتشف أنه على غير وضوء في الصلاة (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 18 )           »          المسيح ابن مريم عليه السلام (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 20 - عددالزوار : 5466 )           »          يا ربيعة ألا تتزوج؟! وأنتم أيها الشباب ألا تتزوجون؟! (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 14 )           »          فضائل الحسين بن علي عليهما السلام (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 28 )           »          سودة بنت زمعة - رضي الله عنها - (صانعة البهجة في بيت النبوة) (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 20 )           »          حجة الوداع (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 20 )           »          التشريع للحياة وتنظيمها (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 20 )           »         

العودة   ملتقى الشفاء الإسلامي > القسم العلمي والثقافي واللغات > ملتقى الشعر والخواطر
التسجيل التعليمـــات التقويم

ملتقى الشعر والخواطر كل ما يخص الشعر والشعراء والابداع واحساس الكلمة

 
 
أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
Prev المشاركة السابقة   المشاركة التالية Next
  #1  
قديم 12-08-2022, 04:22 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم غير متصل
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 158,090
الدولة : Egypt
افتراضي صيغة أفعل

صيغة أفعل
د. سيد مصطفى أبو طالب


الأفعال المزيدة هي التي أخذت من مجرداتها ووضعت في صيغة مزيدة؛ لتعبر عن معنى هذه الصيغة مع المعنى الحرفي.[1] أي: لتعبر عن المعنى الذي اكتسبته الصيغة من حروف الزيادة إلى جانب المعنى الوضعي المعجمي الذي تدل عليه الحروف الأصلية.
ومعلوم أن هذه الصيغ كثيرة منها: "أفعل" ولها معانٍ، وكذلك "فعّل"، و"استفعل" وغيرها. والغرض هنا: هو بيان أن الفعل في صيغته الجديدة ينصب على المعنى الحرفي لصيغته الثلاثية، ولا يخالف ذلك المعنى ولا يغيره.[2]
وذلك مثل: صلى بمعنى: شوى، فإن قلت: أصلى (بوزن) أفعل، فإنها تعني: عرضته للنار، ويقال: مَصْلِيّ.[3] فالصيغة ها هنا تفيد التعريض.
وكذلك: عَرِق، يقال منها عَرَّق (بوزن) فّعَّل، والصيغة هاهنا تفيد التعدية.
يقول ابن قتيبة: عَرِقَ يَعْرَقُ عَرَقاً وَعَرَّقَ فَرَسَهُ تَعْرِيقًا، أْجْرَاهُ حَتَّى عَرِقَ.[4]


وسأشرع الآن في تناول هذه الصيغ ومعانيها من خلال شرح العلماء لغريب الحديث، وذلك على النحو التالي:
صيغة أفعل:
تقرر أن لكل صيغة من الصيغ الزوائد معنى جاءت لأجله هذه الصيغة، فتكون الزيادة فيه لها معنى فوق ما تعنيه الصيغة المجردة.
يقول أحد المحدثين في دراسة لظاهرة التحول في الصيغ الصرفية فيما يتعلق منها بالجانب الدلالي: "فإن الزيادة لها علاقتها المباشرة بالمعنى حقيقة أو مجازًا، وكذلك ما في الصيغ من الصيرورة والسلب والإزالة والاستحقاق وسواهما".[5]


من هذه الصيغ صيغة (أفعل)، ولها معانٍ منها:
1) التعدية: وهي تصيير الفاعل بالهمزة مفعولاً؛ كأقمت زيدًا، وأقعدته، وأقرأته. والأصل: قام زيد، وقعد، وقرأ، فلما دخلت عليه الهمزة صار زيد مُقَامًا مُقْعَدًا مُقْرَءًا، فإذا كان الفعل لازمًا؛ صار بها متعديًا لواحد، وإذا كان متعديًا لواحد؛ صار بها متعدياً لاثنين، وإذا كان متعديًا لاثنين؛ صار بها متعديًا لثلاثة.[6]
يقول سيبويه في باب افتراق فعلت وأفعلت للمعنى: " تقول: دخل وخرج وجلس. فإذا أخبرت أن غيره صيره إلى شيء من هذا؛ قلت: أخرجه، وأدخله، وأجلسه، وتقول: فزع وأفزعته، وخاف وأخفته، وجال وأجلته".[7]
يقول الرضى:.... المعنى الغالب في التعدية ما كان ثلاثيًا، وهي أن يجعل ما كان فاعلًا للازم مفعولًا لمعنى الجعل فاعلًا لأصل الحدث على ما كان، فمعنى: أذهبت زيدًا: جَعَلْتُ زيدًا ذاهبًا[8]


2) التعريض: وهو جعل المفعول معرضًا لأنه يقع عليه الحدث، سواء أوقع فعلًا أم لا، نحو: أقتلت زيدًا. أي: عرضته للقتل، وأبعت الدار، أي: عرضتها للبيع[9].
يقول سيبويه: وتجيء أفعلته على أن تعرضه لأمر، وذلك قولك: أقتلته أي عرضته للقتل.[10]
يقول الرضى: قوله: "للتعريض"، أي: تفيد الهمزة أنك جعلت ما كان مفعولًا للثلاثي معرضًا لأصل الحدث، سواء صار مفعولًا له أو لا، نحو: أقتلته، أي: عرضته لأن يكون مقتولاً، قتل أو لا...[11]


3) الدلالة على السلب والإزالة، أي: أن يزيل الفاعل عن المفعول معنى الفعل، نحو: أقذيت عين زيد، وأعجمت الكتاب، أي: أزلت القذى عن عين زيد، وأزلت عجمة الكتاب بنقطه.[12]
يقول الرضى: قوله: "للسلب" أي: لسلبك عن مفعول أفعل ما اشتق منه، نحو: أشكيته، أي: أزلت شكواه..[13]


4) الصيرورة: وهي: صيرورة فاعل (أفعل) صاحب ما اشتق منه (أفعل)، نحو: أورق الشجر، أي: صار ذا ورق، وأثمر البستان، أي: صار ذا ثمر.[14]
يقول سيبويه: وتقول: أجرب الرجل وأحال، أي صار صاحب جربٍ وحيالٍ.[15]


5) الدخول في الشيء: زمانًا كان أو مكانًا، فتأتي هذه الصيغة للدلالة على دخول الفاعل في زمان ما اشتق منه الفعل[16]، كأشأم وأعرق وأصبح وأمسى، أي: دخل في الشام والعراق والصباح والمساء.[17]


6) التمكين: وتزاد الهمزة للدلالة على تمكين المفعول من القيام بالحدث، كقولهم: أحلبت الرجل، أي: أعنته على الحلب، وأحفرته البئر: أعنته على الحفر، وأظهر الله المسلمين على الكافرين وأظفرهم عليهم: أعانهم ومكنهم من الظفر بهم.[18]


التركيب الصوتي لصيغة (أفعل)
تتركب هذه الصيغة من الهمز + فَعل،" فهي مكونة من أربع مقاطع صحاح، أي بزيادة مقطع، ويلاحظ أن هذه الزيادة قد حدثت خارج نطاق الجزر الثلاثي (ف ع ل)، فهذه الصيغة تكونت بواسطة الإلصاق في أولها".[19]
وقد أشار إلى ذلك سيبويه حيث قال: فأما الهمزة فتلحق أولاً ويكون الحرف على أفعل.[20]
ويترتب على هذه السابقة زيادة مقطع في أول الصيغة لتصبح عدد مقاطع الصيغة ثلاثة وهي
(أ ـــَــ ف / ع ـــَــ / ل ـــَــ)
أي: (ص ح ص – ص ح – ص ح) مقطع طويل مغلق + مقطعان قصيران مفتوحان.
ويقع النبر على أول الكلمة؛ لأن "المقاطع البنائية التي تزاد في أول الكلمة تجذب النبر إليها.[21]
وسأقف الآن مع معالجة علماء الغريب لهذه الصيغة وتطبيقاتهم على معانيها الواردة في غريب الحديث من خلال المدوّنات التي كتبت في القرنين الثالث والربع الهجريين.

قال أبو عبيد في حديث النبي صلى الله عليه وسلم: " أن رجلا أتاه فشكى إليه الجوع فأتى النبي صلى الله عليه وسلم بشاة مَصْلِيَّةٍ فأطعمه منها."[22]
قال الكسائي وغير واحد: قوله: مَصْلِيّة يعني المَشْوِيَّة; يقال منه: صَلَيْتُ اللحمَ وغيره، إذا شويته فأنا أصْلِيه صَلْيًا، مثال رميته أرميه رَمْيًا، إذا فعلت كذا وأنت تريد أن تشويه، فإن ألقيته فيها إلقاءً كأنك تريد الإحراق، قلت: أصْلَيْتُه إصلاء بالألف. قال الله تعالى: ﴿ وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ عُدْوَانًا وَظُلْمًا فَسَوْفَ نُصْلِيهِ نَارًا وَكَانَ ذَلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيرًا ﴾ [النساء: 30] وروي عن علي رضي الله عنه أنه كان يقرأ: ﴿ وَيُصَلًّى سَعِيْراً ﴾[23] (الانشقاق: 12) وكان الكسائي يقرأ به. فهذا ليس من الشيء، إنما هو من إلقائك إياه فيها.[24]
ذكر أبو عبيد معنى قوله (مصليّة) وأنها بمعنى: مشوية على وزن (مفعولة) من (صَلَى) على وزن (فَعَل) الثلاثي، ثم ذكر اشتقاقًا آخر على وزن (أفعل) الذي وردت به القراءات وهو (أصلى)، وذلك إذا أردت أنك ألقيت المصْليَّ في النار إلقاء.
يقول ابن عباد: إذا شويت؛ قلت: صليته صليًا، وإذا ألقيته في النار؛ قلت: صلّيته أصلّيه تصلية، وأصليته إصلاءً.[25]
ويقول الزمخشري: يقال: صليته إذا شويته، وأصليته وصلّيته، إذا ألقيته في النار تريد إحراقه.[26]
وفي النهاية: (مُصْلِيَّة) أي مَشْوِيّة. يقال: صَلَيْتُ اللحم -بالتخفيف- أي: شَوَيْته، فهو مَصْلِيٌّ، فأما إذا أحْرقْته وألقيتَه في النَّار؛ قلت: صَلَّيته بالتشديد، وأصْلَيته.[27]
وهذه الأقوال التي قال بها العلماء تؤكد ما ذكره أبو عبيد من أن أصلى غير صَلَى.
وعليه: فأصلى (بوزن) أفعل تفيد الإدخال، أي: أدخلت اللحم في النار بقصد الإحراق.

قال أبو عبيد: في حديثه صلى الله عليه وسلم: "ما من أمير عشرة إلا وهو يجيء يوم القيامة مغلولة يداه إلى عنقه حتى يكون عمله هو الذي يطلقه أو يوتِغُه."[28]
... وقوله: (يوتغه) يعني يهلكه، يقال: وتِغَ الرجل يَوْتَغ وَتْغا، إذا هلك، وأوتغه غيره.[29]
يتبين من خلال ما ذكره أبو عبيد أن (وتغ) (بوزن) (فَعِلَ)، و (أَوْتَغَ) (بوزن) (أَفْعَل) كل منهما له معنى غير معنى الآخر.
يقول الخليل: وتغ يَوْتَغ: هلك، وأوتغه غيره.[30]، وفي اللسان: وَتِغَ: فسد وهلك، وأوتغه هو.[31]
وفي المعجم الوسيط: وتغ فلان وتغًا: هلك وأثم وفسد...، وأوتغ الله فلانًا: أهلكه، وفلان فلانًا: جعله يأثم، وأفسده.[32]
فعلى ما سبق يمكن القول: أن وتغ بمعنى: هلك، وأوتغ بمعنى: أهلك، فيكون فيها معنى التعدية.


قال أبو عبيد: في حديث عمر ط: ما بال رجال لا يزال أحدهم كاسرًا وِسَادَه عند امرأة مُغزِية[33] يتحدث إليها، وتتحدث إليه، عليكم بالجَنْبَة[34] فإنها عَفاف، إنما النساء لحم على وَضَم إلا ما ذُبّ عنه.[35]
...وأما قوله: إنما النساء لحم على وضم، قال الأصمعي: الوضم: الخشبة أو البارية التي يوضع عليها اللحم،...ويقال: وضمت اللحم أضمه وضمًا، إذا وضعته على الوضم، فإذا أردت أنك جعلت له وضمًا؛ قلت: أوضمته إيضامًا، وقال أبو زيد: وضمت اللحم، وأوضمت له.[36].
يتضح مما ذكره أبو عبيد من تفسير كلمة (وضم) أن وضم بمعنى: وضع اللحم على الوضم، وأوضم: جعل له وضمَا. فلكل صيغة معناها.
يقول الخليل: وضمت اللحم: وقيته من التراب، وأوضمت له: اتخذت له وضمًا.[37]
وفي الأساس: أوضمت اللحم وأوضمت له: جعلت له وضمًا، وهو كل ما وُقي به من الأرض من خشبة أو خصفة أو غيرهما، ووضمته أضمه وضمًا، إذا وضعته على الوضم.[38]
يقول ابن منظور: قال الكسائي: إذا عملت له وضمًا؛ قلت: وضمته أضمه، فإذا وضعت اللحم عليه؛ قلت: أوضمته.[39]
وهو عكس ما نقله أبو عبيد، وما جاء في العين والأساس وهذا الذي أثبتوه هو الموافق لمعنى الصيغة.
وعلى ذلك: ففي أوضم (بوزن) أفعل معنى غير معنى وضم (بوزن) فعل، ويكون في أوضم معنى الجعل والتصيير.

قال أبو عبيد في حديث عمر ط: إنه استشارهم في إملاص المرأة.[40]
قوله: إملاص المرأة هو أن تلقي جنينها ميتا، يقال منه: قد أمصلت المرأة إملاصا، وإنما سمي بذلك؛ لأنها تزلقه، ولهذا قالوا: أملصت الناقة وغيرها؛ وكذلك كل شيء زَلِق من يدك فقد مَلِص يملَص مَلَصا،... فإذا فعلت أنت ذلك، قلت: أملصتُه إملاصا.[41]
فرق أبو عبيد بين صيغتي (ملص) و(أملص) وكل منهما يرجع إلى الجذر (م ل ص) وأملص مشتق منه، وفيه معنى غير معنى (ملص).
يقول ابن الأثير: كل ما زلق من اليد فقد ملص، وأملصته أنا.[42]
وفي اللسان: وكل ما زلق من اليد أو غيرها، فقد ملص ملصًا، فإذا فعلت أنت ذلك؛ قلت: أملصته إملاصًا، وأملصته أنا.[43]
وفي الوسيط: ملص الشيء من يدي مَلَصًا: سَقَطَ. وأملصت المرأة: أسقطت ولدها.[44]
وعليه: فإن في أملص معنى غير الذي في ملص، ففيه معنى التعدية.
وقد أُفِيد هذا المعنى من الصيغة نفسها (أفعل).

قال أبو عبيد في حديث ابن عباس ط: أن رجلا أتاه فقال: إني أرمي الصيدَ فأصْمِي وأنْمِي ; فقال: ما أصْمَيْتَ فَكُلْ وما أنْمَيْتَ فلا تأكل.[45]
قوله:..... والإنماء: أن يغيب عنه فيموت فيجده ميتًا، يقال منه: قد أنميتُ الرَّميّة أنميهَا إنماء، فإذا أردت أن تجعل الفعل للرميّة نفسها؛ قلت: قد نَمَتْ تنمى أي غابت ثم ماتت.[46]
يتبين من الشرح أن هناك معنى في (أنمى) غير موجود في (نمى)، (فنمى) ينسب إلى الصيد يغيب ثم يموت بنفسه، (وأنمى) أن يرمي الصيد، فيغيب ثم يجده الصائد ميتًا.
يقول ابن فارس: النون والميم والحرف المعتلّ أصلٌ واحدٌ يدلُّ على ارتفاع وزِيادة، ويقال: نَمَتِ الرّمِيّةُ، إذا ارتفعَتْ وغابت ثم ماتت، وأنْماها صاحِبُها.[47]
يقول ابن منظور: أَنْمَيْتُ الرَّمِيَّةَ، فإِن أَردت أَن تجعل الفعل للرمِيَّةِ نَفْسها؛ قلت: قد نَمَتْ تَنْمي، أَي: غابت وارتفعت إلى حيث لا يراها الرامي، فماتت. وتُعَدِّيه بالهمزة لا غير، فتقول: أَنْمَيْتُها منقول من نَمَت.[48]
وبناء على ذلك: فإن في أنمى معنى التعدية، والذي دلنا على هذا المعنى هو الصيغة نفسها.

قال أبو عبيد في حديث ابن عمر ط: أنه قال لرجل: إذا أتيت مِنىً وانتهيت إلى موضع كذا وكذا فإن هناك سَرْحَة لم تُجْرَد ولم تُعْبَل ولم تُسْرَف سُرَّ تحتها سبعون نبيا فانْزِلْ تحتها.[49]
وقوله: "لم تُعْبَل" يقول: لم يَسْقُطْ ورقها يقال: عَبَلْتُ الشَجَرَ عَبْلا، إذا حَتَتَّ عنه ورقَه، وقد أعبلَ الشجرُ إذا طلع ورقه.[50]
من خلال شرح أبي عبيد، يعلم أن عَبَلَ: سقوط ورق الشجر، وأَعْبَلَ: طلوعه، فمعنى صيغة (أفعل) مضاد لمعنى صيغة (فَعَل).
وقال الأصمعي: والإعبال: وقوع الورق، يقال: قد أعبلت الأشجار، إذا سقط ورقها، واسم الورق العَبَل. وقال أبو عمرو: العَبَل مثل الورق وليس بورق، قال أبو عبيدة: والعبل كل ورق مفتول كورق الأرطي والأثل والطرفاء وأشباه ذلك.[51]
يقول ابن الأثير: "لم تُعْبَل" أي لم يَسْقُط ورَقُها. يقال: عَبَلتُ الشجَرَة عَبْلاً، إذا أخَذْتَ وَرقَها وأعْبَلَتِ الشجرَةُ، إذا طَلَع ورَقُها وإذا رَمَت به أيضًا.[52]
يقول الفيروزآبادي: والعَبَلُ: كلُّ وَرَقٍ مَفْتولٍ غيرِ مُنْبَسِطٍ، أو الوَرَقُ الدَّقيقُ أو الساقِطُ منه، والطالِعُ ضِدٌّ، وقد أعْبَلَ الشَّجَرُ فيهما.[53]
وعبارة القاموس صريحة في أن العَبلَ اسم الورق في حالاته المتعددة:
المفتول غير المنبسط. الورق الدقيق. الورق الساقط. الورق الطالع.
وصيغة فَعَلَ المتعدية لا تصلح إلا للساقط؛ لأن إسقاطه هو الذي في مقدور الإنسان (عَبَلْتُ الشجرةَ).
أما صيغة أفعل اللازمة (أعْبَلَ الشجرُ) فتصلح لمعنى الساقط، أي: سقط ورقه، فتكون الهمزة للمطاوعة، أي: مطاوعة الفعل الثلاثي عبَلتُ الشجرَ: أسقطت ورقه فأعْبَلَ الشجر، أي: سقط ورقه، كما تقول: أسقطه فسقط.
وتصلح أفعل اللازمة أيضًا لمعنى الطالع، نقول: عَبْلتُ الشجرَ: أسقط ورقه، فأعْبَلَ الشجر، أي: طلع له ورق دقيق، وهذا ما يحدث بالفعل في واقع الأمر، والهمزة في المعنى الثاني تفيد الصيرورة، أي: أسقطت الورق فصار الشجر ذا عبل (ورق دقيق).
والذي أرجحه هو ما ذكره أبو عبيد من أنه طلوع الورق.
ويؤكد ذلك الزبيدي في التاج، إذ يقول: قالَ الأزهري: سَمِعْتُ غيرَ واحدٍ مِنَ العَرَبِ يقولُ: غَضَىً مُعْبِلٌ وَأَرْطىً مُعْبِلٌ إِذا طَلَعَ وَرَقُهُ، قال: وهذا هو الصَّحِيحُ ومنهُ قَوْلُ ذِي الرُّمَّةِ[54] (الطويل):
إِذا ذَابَتِ الشَّمْسُ اتَّقَى صَقَراتِها ♦♦♦ بِأَفْنانِ مَرْبُوعِ الصَّرِيمَةِ مُعْبِلِ
وإنما يتقي الوحشي حر الشمس بأفنان الأرطاة التي طلع ورقها، وذلك حين يمشى في حَمْرَاءِ القَيْظِ وإِنَّما يَسْقُطُ وَرَقُها إِذا بَرَدَ الزَّمانُ ولا يَكْنِسُ الوَحْشُ حِينَئِذٍ ولا يَتَّقِي حَرَّ الشَّمْسِ.[55]
وهذا ما ذهب إليه مؤلفو المعجم الوسيط، وفيه: عبل به عبلاً: ذهب، والشجر: حَتَ ورقه، وأعبل الشجر: كان ذا عبل[56] أي: ورق.
وبعد: فقد تبين أن في (أعبل) معنى الصيرورة، إذ يعقُبُ الورق المتحاتَّ الساقِطَ الورق الدقيق الطالعُ.

قال ابن قتيبة في حديث النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: " ليس في الإِكْسال إلا الطُّهر ". [57]
.... وأَحْسَب أصله من الكسَل يقال: كَسِلَ الرجل إذا فَتَر، وأكسل صار في الكَسَل، أو دَخَل في الكسَل. كما يقال: يبس الشيء وأيبس إذا صار في اليبَس، وقحِطَ إذا أردت َأنه صار في القحط؛ قلت: أقحط.[58]
بين ابن قتيبة أن (أكسل) صار في الكسل ودخل فيه، والذي دلنا على ذلك: الصيغة التي جاءت بها الكلمة وهي صيغة (أفعل)، وساق ابن قتيبة نظيرين لذلك، وهما: أيبس، أي: صار في اليبس، وأقحط: صار في القحط.
يقول ابن الأثير: أكْسل الرجُل، إذا جامَع ثم أدْرَكه فُتُور فلم يُنْزل. ومعناه صارَ ذا كَسل.[59]
وقال الفيروزآبادي: الكَسَلُ محرَّكةً: التَّثاقُلُ عن الشيءِ والفُتورُ فيه. كَسِلَ كفرِحَ فهو كَسِلٌ وكَسْلانٌ.... وأكْسَلَ في الجِماعِ: خالَطَها ولم يُنْزِلْ، أو عَزَلَ ولم يُرِدْ وَلَدًا ككَسِلَ كفرِحَ.[60]
وعبارة القاموس صريحة في أن المجرد والمزيد بمعنى واحد دونما أية زيادة في المعنى لهمزة أفعل، فكلاهما يدل على وقوع الكسل من الفاعل.
لكن العبارة الأخيرة تفيد أن الإكسال قد يكون عن قصد (عزل ولم يرد ولدًا) بخلاف الكَسَل فهو خارج عن الإرادة.
ويقول الزبيدي: وأكسل الرجل في الجماع: خالطها ولم ينزل، وذلك إذا لحقه فتور ومعناه: صار ذا كسل.(
وعلى ذلك يمكن أن تدل صيغة (أكسل) بوزن (أفعل) على الدخول والصيرورة، وإن لم يكن مقهورًا عليه.
وعلى هذا المعنى جاء قول طرفة[62] (الطويل):
إذا القومُ قالوا مَن فتىً؟ خِلْتُ أننى ♦♦♦ عُنِيتُ فلم أَكْسَل ولم أَتَبَلَّدِ

قال ابن قتيبة في حديث النبي صلى الله عليه وسلم: إنَّ عُمَر رضي الله عنه قال: إنَّ المشركين كانوا يقولون: "أشْرِق ثَبير كيْما نُغير " وكانوا لا يُفِيضُون حتى تطلع الشمس، فخالفهم رسول الله صلى الله عليه وسلم ".[63]
قولهم: أشْرِق ثَبير[64]، هو من شُروق الشمس، وشُروقُها: طُلوعُها، يقال: شَرَقت الشمس شُروقًا، إذا هي طلعَتْ، وأشْرقت: إذا أضاءَت، وإنَّما يريدون: ادخل أيّها الجبَل في الشُروق، كما تقول: أشْمل القوم، إذا دَخَلوا في ريح الشمال، وأجْنَبُوا، إذا دخَلوا في الجنوب، وأراحُوا إذا دخلوا في الريح، وأربَعوا، إذا دخَلوا في الربيع...[65]
يفرق ابن قتيبة بين (شرق) وبين (أشرق)، ويوضح أن (شرق) بمعنى: طلع، وأن (أشرق) (بوزن) أفعل، بمعنى: أضاء.
يقول ابن فارس: الشين والراء والقاف أصلٌ واحدٌ يدلُّ على إضاءةٍ وفتحٍ. من ذلك شَرَقَت الشّمسُ، إذا طلعت. وأشرقت، إذا أضاءت.[66]
يقول الزمخشري: أشرق: أي: ادخُل في الشروق يا جَبل كي ندفع للنحر.[67]
وفي النهاية: أشرِق: أي: ادْخُل أيها الجَبَل في الشروق وهو ضوءُ الشمس.[68]
ومن هنا: يمكن القول بأن شرق بمعنى (طلع)، وأن أشرق بمعنى(أضاء)، والإضاءة تكون بعد دخولها في الشروق. فأشرق فيها معنى الدخول في (الشَّرَق) وهو إسفار الشمس وإضاءتها، ولا يكون إلا بعد الطلوع.

قال ابن قتيبة في حديث أم معبد: " وكان القوم مُرْملين مُشْتين".[69]
وقولُه: مُشْتين، يريد: داخلين في الشِّتاء، يقال: شَتَا القوم بالمكان، إذا أقاموا به، وصافُوا كذلك. ويقال: أشْتَوا وأصافوا، إذا دَخَلوا في الشتاء والصيف، ويقال: أشْمل القوم وأجْنبوا، إذا دَخَلُوا في ريح الشمال والجنوب.[70]
ذكر ابن قتيبة تفسير قوله: (مشتين)، أي: داخلين في الشتاء، وهو من أشتا، إذا دخل في الشتاء، ومثله: أصاف، وأشمل، وأجنب، إذا دخل في الصيف، والشمال، والجنوب.
والذي دلنا على هذا المعنى (الدخول في كذا...)هو صيغة أفعل.
يقول ابن فارس: الشين والتاء والحرف المعتل أصلٌ واحدٌ لزمانٍ من الأزمنة، وهو الشِّتاء: خلافُ الصَّيف... ويقال أشتى القوم، إِذا دخَلوا في الشتاء.[71]
يقول ابن الأثير: والأصلُ في المُشْتِى: الداخلُ في الشِتاءِ، كالمُرْبِع والمُصِيف للداخل في الرَّبيع والصَّيف.[72] وفي المعجم الوسيط: أشتى فلان: دخل في الشتاء.[73]
وعلى ذلك: ففي (أشتى) معنى الدخول في الشتاء.

قال ابن قتيبة في حديث أَبي بكر رضي الله عنه أنّه ذكَر المُسْلمين فقال: " فمَنْ ظلَم منهم أَحدًا فقد أَخْفر ذِمَّة الله"[74]
قولُه: أخْفَر ذِمّة الله، أَي: نَقض ذِمّة الله وعَهْده، يقال: أخفرت فلانًا إذا كان بينك وبينه عَهْدا أَوْ حِلْف فنَقضَه..... ويقال: خَفَرْت الرجل بغير أَلِف، إذا حَفِظْته فأَنا خَفِيرُ.[75]
ذكر ابن قتيبة صيغة أخفر (بوزن) (أفعل) ومعناها: نقضت العهد، وذكر معنى (خفر) (بوزن) (فعل) وهو: حفظ العهد. ففي أخفر معنى السلب.
يقول الخليل: الخُفْرة الضمان وخَفَرْتُ الرجل أي: أجرتُه، وأخْفَرَ الذمة أي: لم يَف لمن يُجيرُ.[76]
يقول الزمخشري: خفرتُ الرجل: أجَرْتُه وحفِظْت عهْده، وأخفرته: نَقَضْتُ عهده، الهمزة فيه مثلها في أشكَيْتُه كأن المعنى: أزلت خُفْرته.[77]
وعبارة الزمخشري صريحة في كون الهمزة ها هنا للسلب والإزالة.
وعلى ذلك: فخفر بمعنى: أجار وحفظ العهد، وأخفر بمعنى نقض العهد. ففيه معنى السلب والإزالة.

قال الحربي في حديث النَّبِىّ صلى الله عليه وسلم: "إن اللّهِ لاَ يَمَلُّ حَتَّى تَمَلُّوا".[78]
قَوْلُهُ: لا يمل، يُقَالُ: مللت أملُّ: ضَجِرتُ، وَقَالَ أبو زَيْد: مَلَّ يِمِلُّ مَلاَلةً وَأَمْلَلْتُه إمْلالاً[79].
نقل الحربي عن أبي زَيْد قوله: (... وَأَمْلَلْتُه إمْلالاً) ويفهم منه أن (أمَلَّ) فيه معنى التعريض.
يقول ابن فارس: الميم واللام أصلان صحيحان، يدل أحدهما على تقليب شىء، والآخر على غرض من الشيء... والباب الآخر: مللته أمله مللاً ملالة: سئمته، وأمللت القوم: شققت عليهم حتى مَلُّوا، وكذا: أمللت عليهم.[80]
ويقول الجوهري: مللت الشيء، إذا سئمته، وأمله وأمل عليه، أي: أسأمه.[81]
ويتضح من السياق أن الهمزة تفيد التعريض، فمعنى أمللت القوم: عرَّضتهم للملل (السأم) أي: جعلتهم يَمَلُّون.

قال الحربي في حديث النَّبي صلى الله عليه وسلم: "الرِّجْلُ جُبَارٌ وَالمَعْدِنُ جُبَارٌ وَالبِئْرُ السَّائِمَةُ جُبَارٌ"[82]
أَخْبَرَنَا سَلَمَةُ عَنِ الفَرَّاءِ يُقَالُ: رَجَلْتُ البَهْمَ إِذَا رَبَطْتَهُ مَعَ أُمَّهَاتِهِ وَأَرْجَلْتُهُ: أَرْسَلْتُهُ مَعْ أُمَّهَاتِهِ يَرْعَى.[83]
ذكر الشارح أن هناك فرقًا في المعنى بين (رجل) و (أرجل)؛ فرجل بمعنى ربط، وأرجل بمعنى: أرسل. ضد الربط.
يقول ابن فارس: رَجَلْتُ الشَّاةَ: عَلَّقْتُها برجلها، وأرْجَلْتُ الفصيلَ: تركْتُه يمشِي مع أمِّه، يرضَع متى شاء.[84]
وفي الصحاح: وأرجلتُ الفصيل مع أمه، تركته يرضع متى شاء.[85]
وفي المعجم الوسيط: رجله رجلاً: أصاب رجله، والشاة: عقلها برجليه. ووعلَّقَها برجليها، وأرجلت المرأة: ولدت ذكرًا، فهي مُرْجِل، وفلانًا: جعله راجلاً، وأمهله.[86]
وعلى ذلك فرجَلْته أدخلت رجله في القيد، وأرجلته أزلت رجله من القيد، ففي أرجل معنى السلب والإزالة.

قال الحربي: عَنْ أسَامَةَ بنِ زَيْدٍ: أَنَّهُ كَانَ رِدْفَ النَّبِي صلى الله عليه وسلم حَيْثُ أَفَاض مِنْ عَرَفَةَ قَالَ: "عَلَيْكُمُ السَّكِينَةَ فَإِنَّ البِرَّ لِيْسَ في إِيضَاعِ الإِبِلِ"[87]
قوله: لَيْسَ في إِيضَاع الإِبِلِ، يُقَالُ: وَضَعَ البَعِيرُ يَضَعُ وَضْعًا إِذَا مَا عَدَا. وَأَوْضَعَهُ الرَّجُلُ إِيضَاعًا، وَهُوَ فَوْقَ الخَبَبِ.[88]
يبين الحربي معنى (وضع) وأنها: عدا، ثم بين أن (أوضع) فيها معنى غير معنى وضع، فوضع من الإبل نفسها، وأوضع من فاعل حملها على هذا الضرب من السير.
يقول ابن دريد: وضع البعير وضعًا، وهو ضرب من السير، وأوضعته أنا إيضاعًا، إذا حملته على الوضع.[89]
وفي اللسان: وضَعَتِ الناقةُ، وهو نحو الرَّقَصانِ، وأَوْضَعْتُها أَنا قال ابن شميل عن أَبي زيد: وَضَعَ البعير، إِذا عَدا، وأَوْضَعْتُه أنا، إِذا حملته على السير.[90]
وفي المعجم الوسيط: وضع يضع وضعا وموضوعا: أسرع في سيره، وأوضع الراكب الدابة: حملها على السير السريع.[91]
فمن هذه النقول يتضح أن في أوضع معنى غير الذي في وضع وهو التعدية.


قال السرقسطي في حديث النبي صلى الله عليه وسلم: (أن رجلا أعتم عنده فسأل صبيتُه أمَّهم الطعام، فقالت: حتى يجيء أبوكم، فنام الصبية، فجاء أبوهم، فقال: أأشهيت الصبية؟..}.[92]
قولهأأشهيت الصبية) أي: أطعمتهم شهوتهم من الطعام، يقال: تشهت المرأة على زوجها فأشهاها، أي: أطلبها ما تشهت، يريد: طلب لها...[93]
ذكر الشارح معنى قوله (أشهيت)، أي: أعطيتهم ما يشتهون، ومثل لذلك بقوله: تشهت المرأة فأشهاها...إلخ، أي: طلب لها ما تشتهى.
قال ابن منظور: أشهاه: أعطاه ما يشتهى، وتشهت المرأة على زوجها فأشهاها، أى أطلبها شهواتها...[94]
وقال ابن القطاع: وأشهيت الرجل: أعطيته شهوته.[95]
ويستفاد من هذه النصوص: أن (أشهى) بوزن (أفعل) بمعنى طلب له ما يشتهى، وإذا فعل ذلك؛ فقد أزال عنه شهوته، ففى (أفعل) معنى السلب والإزالة.
يتبع
__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
 


الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1)
 

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع


 


الاحد 20 من مارس 2011 , الساعة الان 01:21:21 صباحاً.

Powered by vBulletin V3.8.5. Copyright © 2005 - 2013, By Ali Madkour

[حجم الصفحة الأصلي: 146.92 كيلو بايت... الحجم بعد الضغط 145.21 كيلو بايت... تم توفير 1.72 كيلو بايت...بمعدل (1.17%)]