استفزازات المجالس - ملتقى الشفاء الإسلامي

 

اخر عشرة مواضيع :         تفسير جامع البيان عن تأويل آي القرآن للإمام الطبري .....متجدد (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 1174 - عددالزوار : 131063 )           »          3 مراحل لانفصام الشخصية وأهم أعراضها (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 24 )           »          متلازمة الشاشات الإلكترونية: كل ما تود معرفته (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 16 )           »          ما هي أسباب التعرق الزائد؟ (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 15 )           »          أضرار الوجبات السريعة على الأطفال: عواقب يُمكنك تجنبها (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 17 )           »          الوقاية من القمل بالقرنفل: أهم الخطوات والنصائح (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 17 )           »          علاج جفاف المهبل: حلول طبيّة وطبيعية (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 25 )           »          الوقاية من القمل في المدارس: دليل شامل للأهل والمعلم! (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 18 )           »          الوقاية من التهاب الكبد: 9 خطوات بسيطة لصحة أفضل! (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 13 )           »          الوقاية من الجلطات: دليلك الشامل لصحة أفضل! (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 17 )           »         

العودة   ملتقى الشفاء الإسلامي > قسم الصوتيات والمرئيات والبرامج > ملتقى الصوتيات والاناشيد الاسلامية > ملتقى الخطب والمحاضرات والكتب الاسلامية
التسجيل التعليمـــات التقويم

ملتقى الخطب والمحاضرات والكتب الاسلامية ملتقى يختص بعرض الخطب والمحاضرات الاسلامية والكتب الالكترونية المنوعة

إضافة رد
 
أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
  #1  
قديم 07-09-2021, 02:17 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم غير متصل
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 157,857
الدولة : Egypt
افتراضي استفزازات المجالس

استفزازات المجالس
الشيخ الدكتور صالح بن مقبل العصيمي التميمي



الْخُطْبَةُ الْأُولَى
إِنَّ الْحَمْدَ لِلَّهِ، نَحْمَدُهُ، وَنَسْتَعِينُهُ، وَنَسْتَغْفِرُهُ، وَنَعُوذُ بِاللهِ مِنْ شُرُورِ أَنْفُسِنَا وَسَيِّئَاتِ أَعْمَالِنَا، مَنْ يَهْدِ اللهُ فَلاَ مُضِلَّ لَهُ، وَمَنْ يُضْلِلْ فَلاَ هَادِيَ لَهُ، وَأَشْهَدُ أنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ، تَعْظِيمًا لِشَأْنِهِ، وَأَشْهَدُ أنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ، وَخَلِيلُهُ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ، وَمَنْ تَبِعَهُمْ بِإِحْسَانٍ إِلَى يَوْمِ الدِّينِ، وَسَلِّمَ تَسْلِيمًا كثيرًا.

أمَّا بَعْدُ:
عِبَادَ اللَّهِ، إِنَّ مِنْ الْمَظَاهِرِ الَّتِي ينبغي الْحَذِرُ مِنْهَا: مَا يَفْعَلُهُ بَعْضُ الْـجُلَسَاءِ مَعَ جُلسائِهِمْ مِنْ اِسْتِفْزَازِ بَعْضِهِمْ لِبَعْضٍ، بأشياءَ قَدْ تـُخْرِجُ الْعَاقِلَ مِنْهُمْ عَنْ طَوْرِه؛ِ فَيُوقِعُونَ بَعْضَ جُلَسَائِهِمْ بِبَعْضٍ، مِنْ أَجَلِ أَنْ يَسْعَدُوا هُمْ؛ فَيَسْتَفِزُّ أحَدُهُمْ هَذَا بِفِعْلٍ، وَذَاكَ بِقَولٍ، وَلَا يَتَلَذَّذُ الْـبَعْضُ فِي الْمَجْلِسِ إلّا بِقَذَفِ الْكَلِمَاتِ الْقَاسِيَةِ، والتعليقاتِ الْمَمْجُوجَةِ، وَالسَّخَافَاتِ الْمَرْفُوضَةِ عَلَى جُلَسَائِهِ، كَأَنَّـهَا جَـمَرَاتٍ يُلْقِيهَا عَلَيْهِمْ؛ لِيَسْعَدَ هُوَ بِشَقَاءِ غَيــْــرِهِ، وَيَفْرَحَ بـِحـُــزْنِ غَيْـرِهِ. فَتَخْتَلِفُ - بِسَبَبِ اسْتِفْزَازِهِ لِـجُلَسَائِهِ- الْقُلُوبُ، وَتَتَعَارَكُ الألسنُ، وَيُنَكَّدُ عَلَى الْجلساءِ مَجْلِسُهُمْ، وَيَتَفَرَّقُ الشِّمْلُ بَعْدَ جَـمْعِهِمْ، وَتُزْرَعُ الْعَدَاوَاتُ بَيْنَ الأهلِ والأصحابِ. فَعَجَبًا واللهِ مِـمَّنْ يُعَذِّبُونَ أَصحابَـهُمْ مِنْ أَجْلِ أَنْ يَسْعَدُوا هُمْ! أَيُرْضِي صَنِيعُهُمْ هَذَا رَبَّ الْعِزَّةِ وَالْجَلاَلِ؟ لَا وَرَبِّي، لَا يُرْضِيهِ أَبَدًا.

وَبَعْضُهُمْ يُشْعِلُ الْفَتِيلَ بَيْنَ جُلَسَائِهِ وَأَصْحَابِهِ، فَيُثِيرُ بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ؛ بِتَذْكيرِهِمْ بِـمَوَاقِفَ قَدِيـمَةٍ حَدَثَ فِيهَا خِلاَفٌ بَيْنَهُمْ؛ فَيَتَعَمَّدُ إِذْكَاءَ جَذْوَتِهِ، وَإِشْعَالَـهَا مِنْ جَديدٍ، مُسَعِّــرُ حَرْبٍ بَيْنَهُمْ، كَأَنَّهُ شَيْطَانٌ، حَتَّى إذَا دَبَّ بَيْنَهُمُ الشِّقَاقُ، وَتَـجَدَّدَ الْخِلاَفُ الْقَدِيمُ ؛ لَبِسَ هُوَ ثَوْبَ الْعَاقِلِ وَالْحَكِيمِ وَالْمُصْلِحِ، مُدَّعِيًا أَنُّهُ يَسْعَى لِتَهْدِئَةِ الأَنْفُسِ، وَيُذَكِّرُهُمْ بِالْعَقْلِ، وَهُوَ أَوَّلُ مَنْ تَخَلَّى عَنْهُ؛ لِيَظَلَّ هُوَ حَلَقَةَ الْوُصَلِ بَيْنَهُمْ، مَعَ أَنَّه هُوَ أَسُّ الشَّرِّ وَأَسَاسُهُ، وَرَأّْسُ الْفِتْنَةِ، فَمَنْ اُبْتُلِيَ بِـهَذَا الْـخُلُقِ الْمُشِينِ ؛ فَعَلَيهِ اِجْتِنَابُهُ، فَهُنَاكَ رَبٌّ يُرَاقِبُهُ، وَلْيَتَذَكَّرْ قَولَ الْقَهَّارِ جَلَّ فِي عُلَاهُ: ﴿ إِنَّ رَبَّكَ لَبِالْمِرْصَادِ ﴾ [الفجر: 14].

ومَهْمَا قَالَ أَصْحَابُ هَذِهِ التَّصَرُّفَاتِ الْـمُشِينَةِ مِنْ حُجَجٍ بَارِدَةٍ، لإِجَازَةِ أَفْعَالِـهِمْ. فَمَا هِيَ إِلَّا شُبُهَاتٌ مَدْحُوضَةٌ لَا تُغْنِـي مِنَ الْـحَقِّ شَيئًا؛ فَالْمِعْيَارُ فِي الْـحُكْمِ هُوَ الشَّرْعُ؛ لَيْسَ للأَمْزِجَةِ، وَلَا للأَهْوَاءِ، وَرَغَبَاتِ الأَنْفُسِ، وَلْيَتَذَكَّرْ قَوْلَهُ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في الحديثِ الَّذِي حَسَّنَهُ النَّوَوِيُّ: «لَا يُؤْمِنُ أَحَدُكُمْ حَتَّى يَكُونَ هَوَاهُ تَبَعًا لِمَا جِئْتُ بِهِ». وَهَلْ يَرْضَى أَنْ يُصْنَعَ بِهِ هَذَا؟ قَالَ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «لاَ يُؤْمِنُ أَحَدُكُمْ، حَتَّى يُحِبَّ لِأَخِيهِ مَا يُحِبُّ لِنَفْسِهِ»؛ رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ.

عِبَادَ اللَّهِ، وَيَشْمَلُ الْـحُكْمُ عَلَى هَذَا الْـخُلُقِ الْمَعِيبِ، مَا يَـحْدُثُ أَيْضًا مِنْ اِسْتِفْزَازَاتٍ، عَبْـرَ الْمَجْمُوعَاتِ فِي وَسَائِلِ التَّوَاصُلِ الْاِجْتِمَاعِيِّ، بَيـْنَ بَعْضِ أَعْضَاءِ الْمَجْمُوعَاتِ مِنْ شِقَاقٍ وَخِصَامٍ وَسُخْرِيَةٍ وَاِسْتِفْزَازٍ مِنْ بَعْضِهِمْ لِبَعْضٍ، فَلَا فَرْقَ فِي الْحُكْمِ بَيْنَ مَنْ يُثِيرُ الْفِتْنَةَ بِـحُضورِهِ بِشَخْصِهِ، أَوْ عَبْـرَ مُشَارَكَاتِهِ بِصَفحَاتِ التَّوَاصُلِ الْاِجْتِمَاعِيِّ بِكِتَابَاتِهِ؛ فَتَجِدُ بَعْضَهُمْ يَـخْرُجُ مِنْ هَذِهِ الْمَجْمُوعَاتِ بِسَبَبِ التَّصَرُّفَاتِ الْمُشِينَةِ مِنْ بَعْضِ أَفْرَادِهَا، مِنْ سُخْرِيَةٍ وَاِحْتِقَارٍ وَاِسْتِفْزَازٍ لَهُ. وَالْمُسْلِمَ مُطَالَبَ بِإِكْرَامِ أَخِيهِ الْمُسْلِمِ، قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: « لَا تَحَاسَدُوا، وَلَا تَنَاجَشُوا، وَلَا تَبَاغَضُوا، وَلَا تَدَابَرُوا، وَلَا يَبِعْ بَعْضُكُمْ عَلَى بَيْعِ بَعْضٍ، وَكُونُوا عِبَادَ اللهِ إِخْوَانًا، الْمُسْلِمُ أَخُو الْمُسْلِمِ، لَا يَظْلِمُهُ، وَلَا يَخْذُلُهُ، وَلَا يَحْقِرُهُ، التَّقْوَى هَاهُنَا، وَيُشِيرُ إِلَى صَدْرِهِ ثَلَاثَ مَرَّاتٍ، بِحَسْبِ امْرِئٍ مِنَ الشَّرِّ أَنْ يَحْقِرَ أَخَاهُ الْمُسْلِمَ، كُلُّ الْمُسْلِمِ عَلَى الْمُسْلِمِ حَرَامٌ، دَمُهُ، وَمَالُهُ، وَعِرْضُهُ»؛ رَوَاهُ مُسْلِمٌ.

عِبَادَ اللَّهِ، هُنَاكَ مَنْ لَا يَطِيبُ لَهُ الْمَجْلِسُ إلَّا بِإثارَةِ أَصْحَابِهِ، فَيَعْرِفُ كَيْفَ يُثِيرُ فُلاَنًا عَلَى فُلَانٍ، وَيُغْضِبُ فُلاَنًا، وَيَسْعَى جَاهَدَا لِيُخْرِجُ فُلاَنًا عَنْ عَقْلِهِ وَحِكْمَتِهِ، فَيَبْحَثُ عَنْ مَوَاطِنِ الضِّعْفِ فِيهِمْ؛ حَتَّى يُثِيرَهُمْ وَيُحْرِجَهُمْ أَمَامَ بَعْضِهُمْ، وَكَأَنَّ سَعَادَتَهُ لَا تَكُونُ إِلَّا بِشَقَاءِ غَيْـرِهِ وَإِيلَامِهِ، وَلَا حَوْلَ وَلَا قُوَّةَ إلّا بِاللهِ الْعَلِيِّ الْعَظِيمِ! وأصحَابُ هَذِهِ التَّصَرُّفَاتِ الْمُشِينَةِ لَا يَخْشَوْنَ اللهَ، وَلَا يَسْتَحُونَ مِنَ النَّاسِ، وَيَصْدُقُ عَلَيهِمْ قولُ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «إِنَّ مِمَّا أَدْرَكَ النَّاسُ مِنْ كَلاَمِ النُّبُوَّةِ، إِذَا لَمْ تَسْتَحْيِ فَافْعَلْ مَا شِئْتَ»؛ رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ.

عِبَادَ اللَّهِ، كَمْ مِنْ شَابٍّ صَالِحٍ تَرْكَ جَلَسَاتِ الصَّالِـحِيـْنَ بِسَبَبِ إيقَاعِ بَعْضِهِمْ لِبَعْضٍ فِي مِثْلِ هَذَا الاستفْزَازِ الْمَذْمُومِ الْمَمْقُوتِ! وَكَمْ تــَهَاجَرَ أَقَارِبُ، وَتَرَكَ جِيرَانٌ أَحَيَاءَهُمْ مَأْسُوفًا عَلَيهِمْ! بَلْ وَوَقَعَتْ بِسَبَبِهَا جَرَائِمُ قَتْلٍ وَطَعْنٍ! فَقُدْرَةُ النَّاسِ عَلَى تَحَمُّلِ هَذِهِ الاستِفْزَازَاتِ، وَالصّبْـرَ عَلَيهَا لَيْسَتْ وَاحِدَةً، مَعَ الْعِلْمِ أَنَّ الْبَعْضَ قَدْ يَتَقَبَّلُ هَذِهِ السُّخْرِيَةَ الْبَغيضَةَ، وَذَلِكَ الْمِزَاحَ الْمَمْقُوتَ ظَاهِرِيًّا إِمَّا: مُكْرَهًا، أَوْ ضَعْـفًا، أَوْ حَاجَةً، أَوْ مُجَامَلَةً، أَوْ خَجَلًا وَحَيَاءً، أَوْ خَوْفًا مِـمَّا هُوَ أَشَدُّ مِنْهَا، أَوْ دَفْعًا لِلْمَفْسَدَتَيـْنِ بِأَخَفِّهِمَا؛ فَإذَا خَلَا بِرَبِّهِ دَعَا عَلَى مَنِ اِسْتَفَزَّهُ وَأَخْرَجَهُ عَنْ طَوْرِهِ، وَأَفْقَدَهُ عَقْلَهُ وَصَوَابَهُ. اللَّهُمُّ رُدَّنَا إِلَيْكَ رَدَّا جَـمِيلًا.

اللَّهُمَّ رُدَّنَا إِلَيْكَ رَدًّا جَمِيلًا، وَاخْتِمْ بِالصَّالِحَاتِ آجَالَنَا.

أَقُولُ مَا تَسْمَعُونَ، وَأَسْتَغْفِرُ اللَّهَ الْعَظِيمَ لِي وَلَكُمْ مِنْ كُلِّ ذَنْبٍ، فَاسْتَغْفِرُوهُ إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ.


الْخُطْبَةُ الثَّانِيَةُ
الْحَمْدُ لِلَّهِ عَلَى إِحْسَانِهِ، وَالشُّكْرُ لَهُ عَلَى عِظَمِ نِعَمِهِ وَامْتِنَانِهِ، وَأَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ، وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ، تَعْظِيمًا لِشَأْنِهِ، وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًَا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ، وَخَلِيلُهُ، صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ، وَمَنْ تَبِعَهُمْ بِإِحْسَانٍ إِلَى يَوْمِ الدِّينِ، وَسَلِّمَ تَسْلِيمًَا كَثِيرًا.

أمَّا بَعْدُ:
فَاتَّقُوا اللهَ - عِبَادَ اللهِ- حَقَّ التَّقْوَى، وَاسْتَمْسِكُوا مِنَ الْإِسْلَامِ بِالْعُرْوَةِ الْوُثْقَى، وَاعْلَمُوا أَنَّ أَجْسَادَكُمْ عَلَى النَّارِ لَا تَقْوَى.

عبادَ اللهِ، عَلَينَا أَنْ نَتَـرَفَّعَ فِي مَـجَالِسِنَا عَنْ سَفَاسِفِ الأُمُورِ، وَأَنْ نَسْمُوَ فِي جَلَسَاتِنَا، وَأَنْ نَعْرِضَ أَفْعَالَنَا وَأَقْوَالَـنَا عَلَى كِتَابِ رَبِّنَا، وَسُنَّةِ نَبِيِّنَا مُـحَمَّدٍ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. وَأَنْ نُـحْسِنَ لِـجُلَسَائِنَا، قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «الْبِرُّ حُسْنُ الْخُلُقِ» رَوَاهُ مُسْلِمٌ، فَلْنَتَّقِ اللهَ عَزَّ وَجَلَّ، وَلْنَتَأَمَّلْ قَوْلَ النَّبِـيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِمُعَاذٍ: «اتَّقِ اللَّهِ حَيْثُمَا كُنْتَ، وَأَتْبِعِ السَّيِّئَةَ الحَسَنَةَ تَمْحُهَا، وَخَالِقِ النَّاسَ بِخُلُقٍ حَسَنٍ»، رَوَاهُ التَّـرْمِذِيُّ وَغَيْـرُهُ بِسَنَدٍ حَسَنٍ، وَأَنْ تَكُونَ هَذِهِ الْـجَلَسَاتِ مُنْضَبِطَة بِضَوَابِطِ الشَّرْعِ، لَا سُخْرِيَةَ، وَلَا إِذْلَالَ، وَلَا اِسْتِفْزَازَ، وَأَنْ نَنْتَقِيَ كَلِمَاتِنَا مَعَ جُلَسَائِنَا، كَمَا نَنْتَقِي أَطَايِبَ الثِّمَارِ، وَالْمُسْلِمُ الْـحَقُّ هُوَ مَنْ سَلِمَ الْمُسْلِمُونَ مِنْ لِسَانِهِ وَيَدِهِ؛ مِصْدَاقًا لِقَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿ وَقُلْ لِعِبَادِي يَقُولُوا الَّتِي هِيَ أَحْسَنُ إِنَّ الشَّيْطَانَ يَنْزَغُ بَيْنَهُمْ إِنَّ الشَّيْطَانَ كَانَ لِلْإِنْسَانِ عَدُوًّا مُبِينًا ﴾ [الإسراء: 53].

وَعَلَينَا أَنْ نُذَكِّرَ الْـجُلَسَاءَ الَّذِينَ اُبْتُلوا بِإثَارَةِ هَذِهِ الاِسْتِفْزَازَاتِ بِاللهِ جَلَّ وَعَلَا، وَلْيَتَأَمَّلُوا قَوْلَ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «مَنْ كَانَ يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَاليَوْمِ الآخِرِ فَلْيَقُلْ خَيْرًا أَوْ لِيَصْمُتْ»؛ رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ.
فَهْمْ لَـمْ يَقُولُوا خَيْـرًا وَلَـمْ يَصْمُتُوا.

وَعَلَيْهِمْ أَنْ يَعْلَمُوا أَنَّ مَا يَفْعَلُونَهُ لَا يَدْخُلُ فِي بَابِ الْمِزَاحِ فِي شَيْءٍ؛ حَيْثُ يَـخْلِطُ كَثِيـرٌ مِنَ النَّاسِ بَيْـنَ الْمِزَاحِ وَالاِسْتِهْزَاءِ وَالسُّخْرِيَةِ وَالتَّهَكُّمِ؛ فَأَفْعَالُـهُمُ الاِسْتِفْزَازِيَّةُ وَالْعُدْوَانِيَةُ، لَا تَدْخُلُ فِي بَابِ الْمِزَاحِ فِي شَيْءٍ؛ لأَنَّ الْمِزَاحَ الْمَشْرُوعَ هُوَ الْمُطَايَبَةُ فِي الْكَلَامِ، والاِنْبِسَاطُ مَعَ الْـخِلَّانِ مِنْ غَيْـرِ أَذًى؛ لأَنَّ مَقْصُودَهُ زَرْعُ الأُلْفَةِ بَيْـنَ الصُّحْبَةِ، وَتَرْوِيحُ الْقُلُوبِ مِنْ عَنَاءِ الْـجِدِّ، وَوَعْثَاءِ الْعَمَلِ، والاِسْتِئْنَاسُ بِالأَصْحَابِ، وَخلُوِهِ مِنَ الضَّرَرِ، أَمَّا مَا يَفْعَلُونَهُ فَبَيْنَهُ وَبَيـْنَ الْمِزَاحِ خَرْطُ الْقَتَادِ؛ فَفِيهِ مَا يَشِيـنُ فِي الْعِرْضِ وَالدِّينِ، والاِسْتِخْفَافِ بِالْمُسْلِمِ، فَأَفْعَالُـهُمْ تَدْخُلُ فِي بَابِ السُّخْرِيَةِ الَّتِي تُورِثُ الضَّغِينَةَ، وَتُـحَرُّكُ الْـحُقُودَ الْكَمِينَةَ، وَتُقَطِّعُ الْعِلَاقَاتِ الْمَتِينَةَ كَمَا أَنْصَحُ مَنْ اِبْتُلُوا بـِمِثْلِ هَذِهِ الْجلسَاتِ، وَبـِمِثْلِ هَذِهِ النَّوْعِيَّةِ مِنَ الأَصْحَابِ أَنْ يَـجْتَنِبُوهَا؛ فَلَا خَـيْـرَ فِيهَا، وَلَا نَفْعَ. فَمَا أَلْزَمَهُمُ اللهُ بـِحُضُورِ جَلَسَاتٍ تُـمْرِضُ قُلُوبَـهُمْ، وَتُنْقِصُ قَدْرَهُمْ، وَتُكَدِّرُ صَفْوَ حَيَاتِـهِمْ، وَتُنَكُّدُ مَعَاشَهُمْ، فَإِذَا تَفَرَّقُوا مِنْ هَذِهِ الْـجلَسَاتِ؛ تَـجِدُ كُلَّ فَرِيقٍ يَسْلُقُ الْفَرِيقَ الْآخَرَ بِأَلْسِنَةٍ حِدَادٍ؛ فَحَصَدَ الْـجَمِيعُ سَيِّئَاتٍ فِي الْـحُضُورِ وَالْغِـيَابِ، وَلْيَكُنْ شِعَارُنَا كَمَا أَرْشَدَ اللهُ عَــزَّ وَجَلَّ: ﴿ وَإِذَا مَرُّوا بِاللَّغْوِ مَرُّوا كِرَامًا ﴾ [الفرقان: 72]، وَأَنْصَحُهُمْ بِـمُجَالَسَةِ خِيَارِ الصَّالِـحِيـنَ؛ اِسْتِجَابَةً لِقَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿ وَاصْبِرْ نَفْسَكَ مَعَ الَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ بِالْغَدَاةِ وَالْعَشِيِّ يُرِيدُونَ وَجْهَهُ وَلَا تَعْدُ عَيْنَاكَ عَنْهُمْ تُرِيدُ زِينَةَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَلَا تُطِعْ مَنْ أَغْفَلْنَا قَلْبَهُ عَنْ ذِكْرِنَا وَاتَّبَعَ هَوَاهُ وَكَانَ أَمْرُهُ فُرُطًا ﴾ [الكهف: 28].

اللَّهُمَّ ارزُقْنَا خِيـرَةَ الأَصْحَابِ، اللَّهُمَّ إِنَّا نَعُوذُ بِكَ أَنْ نَضِلَّ أَوْ نُضَلَّ، أَوْ نَظْلِمَ، أَوْ نُظْلَمَ، أَوْ نَـجْهَلَ، أَوْ يُـجْهَلَ عَلَيْنَا.

اللَّهُمَّ احْفَظْنَا بِحِفْظِكَ، وَوَفِّقْ وَلِيَّ أَمْرِنَا، وَوَلِيَّ عَهْدِهِ لِمَا تُحِبُّ وَتَرْضَى؛ وَاحْفَظْ لِبِلَادِنَا الْأَمْنَ وَالْأَمَانَ، وَالسَّلَامَةَ وَالْإِسْلَامَ، وَانْصُرِ الْمُجَاهِدِينَ عَلَى حُدُودِ بِلَادِنَا؛ وَانْشُرِ الرُّعْبَ فِي قُلُوبِ أَعْدَائِنَا؛ وَاجْعَلْنَا هُدَاةً مَهْدِيِّينَ غَيْرَ ضَالِّينَ وَلَا مُضِلِّينَ؛ وَنَسْأَلُهُ الْعَفْوَ وَالْعَافِيَةَ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ؛ رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الْآخِرَةِ حَسَنَةً، وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ.

سُبْحَانَ رَبِّكَ رَبِّ الْعِزَّةِ عَمَّا يَصِفُونَ، وَسَلَامٌ عَلَى الْـمُرْسَلِينَ، وَالْحَمْدُ لِلهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ.

وَقُومُوا إِلَى صَلَاتِكمْ يَرْحَـمـْكُمُ اللهُ.

__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
إضافة رد


الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1)
 

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع


 


الاحد 20 من مارس 2011 , الساعة الان 01:21:21 صباحاً.

Powered by vBulletin V3.8.5. Copyright © 2005 - 2013, By Ali Madkour

[حجم الصفحة الأصلي: 56.89 كيلو بايت... الحجم بعد الضغط 55.22 كيلو بايت... تم توفير 1.67 كيلو بايت...بمعدل (2.94%)]