|
ملتقى الخطب والمحاضرات والكتب الاسلامية ملتقى يختص بعرض الخطب والمحاضرات الاسلامية والكتب الالكترونية المنوعة |
|
أدوات الموضوع | انواع عرض الموضوع |
#1
|
||||
|
||||
![]() خطبة عن ارتفاع الأسعار أ. عبدالعزيز بن أحمد الغامدي الخطبة الأولى أما بعد: فأوصيكم - عباد الله - ونفسي بتقوى الله، فاتقوه حق التقوى، وراقبوه في السر والنجوى، واحذروا الدنيا فالعمر فيها قصير؛ سرورها إلى حزن، واجتماعها إلى فرقة، وصحتها إلى سُقْم، ﴿ يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّ وَعْدَ اللَّهِ حَقٌّ فَلا تَغُرَّنَّكُمْ الْحَيَاةُ الدُّنْيَا وَلا يَغُرَّنَّكُمْ بِاللَّهِ الْغَرُورُ ﴾ [فاطر: 5]. عباد الله، إن ربكم سبحانه قدر المقادير، وقسم الأرزاق، وكتب الآجال، وجعل عباده متفاوتين في ذلك، ﴿ وَرَفَعَ بَعْضَكُمْ فَوْقَ بَعْضٍ دَرَجَاتٍ لِيَبْلُوَكُمْ فِي مَا آتَاكُمْ ﴾[الأنعام: 165]، وكل ما في الكون من حركة ولا سكون إلا بمشيئته وإرادته، وهذه الدنيا هي دار الابتلاء والامتحان، والله يبتلي عباده بالسراء؛ ويبتليهم بالضراء؛ ﴿ وَنَبْلُوكُمْ بِالشَّرِّ وَالْخَيْرِ فِتْنَةً وَإِلَيْنَا تُرْجَعُونَ ﴾ [الأنبياء: 35]. وإن من الابتلاء ظهور الغلاء وارتفاع الأسعار؛ لما له من آثار سيئة تلحق الفرد والمجتمع، ونعلم أن هذا الغلاء ليس عندنا فقط بل هو عام في الدول وخاصة الدول المعتمدة على غيرها في المنتجات، ولهذا الغلاء أسبابه العالمية والمحلية، ولسنا في مقام تحليل لهذه الأسباب؛ وإنما نريد الحديث حول التوجيهات الشرعية في مثل هذه الغلاء. عباد الله، إن الشريعة الإسلامية أولت التجارة والتُجار عناية كبيرة، فبينت ضوابط وأحكام البيع والشراء، وأباحت الربح الحلال، وجعلت السعي في الأرض وطلب المال الحلال مع النية الصالحة عملا صالحا، وحذرت من التعسف والجور والظلم والجشع والأنانية واستغلال حاجات الناس، قال صلى الله عليه وسلم: ((يا معشر التجار، إنكم تبعثون يوم القيامة فجارا إلا من اتقى الله وبرَّ وصدق)). وقال صلى الله عليه وسلم: (( البيعان بالخيار ما لم يتفرقا؛ فإن صدقا وبينا بورك لهما؛ وإن كذبا وكتما محقت بركة بيعهما )) أخرجه مسلم. وأمرت الشريعة بالتيسير والتسهيل وطلب الربح اليسير دون العنت والمشقة على الناس، بل جعلت هذا بابًا عظيمًا من أبواب الرحمة والإحسان، قال صلى الله عليه وسلم: ((رحم الله رجلاً سمحًا إذا باع، وإذا اشترى، وإذا اقتضى)) أخرجه البخاري. عباد الله، إن الشريعة الإسلامية لم تسع لتحدد الأسعار إذا لم يكن سبَبَها جشعُ التجار؛ وإنما كان ارتفاعها بسبب تقلبات العرض والطلب وقلة السلعة وشحها؛ ولذلك لما غلت الأسعار على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم قالوا: يا رسول الله؛ سعر لنا، قال: ((إن الله هو المسعر القابض الباسط الرازق، وإني لأرجو الله أن ألقى الله وليس أحد منكم يطالبني بمظلمة في دم ولا مال)) أخرجه أبو داود. وأما إذا وُجد ضرر على الناس بسبب جشع التجار فقال أهل العلم لا بأس بالتسعير. وقد حذر الرسول صلى الله عليه وسلم التجار من غلاء الأسعار لمجرد جشعٍ منهم، فعن معقل بن يسار رضي الله عنه قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: ((من دخل في شيء من أسعار المسلمين ليُغْلِيَه عليهم فإن حقًا على الله أن يقذفه في جهنم )) أخرجه البيهقي. وحذر الرسول صلى الله عليه وسلم من أكل الحرام؛ وقد يأتي المالُ الحرام بسبب المغالاة التي منطلقها الجشع قال صلى الله عليه وسلم: ((كل لحم نبت على سحت فالنار أولى به)). ومما حرمته الشريعة مما يكون حماية للمستهلك النجش وهو الزيادة في قيمة السلعة ممن لا يريد شراءها؛ وكذلك حرمت الشريعة تلقي الركبان خارج الأسواق؛ لأن ذلك مآله إلى غلاء الأسعار، ومما حرمته الشريعة إنفاق السلعة بالحلف الكاذب؛ وأخبر النبي صلى الله عليه وسلم أنه ممحقة للبركة. ومما حرمته الشريعة الإسلامية مما قد يكون سببًا في رفع الأسعار الاحتكار، وهو حبس السلع عند حاجة الناس إليها لتشحَّ من الأسواق فيغلو ثمنُها، يقول عليه الصلاة والسلام: ((لا يحتكر إلا خاطئ)) يعني آثم. أخرجه مسلم. فاتقوا الله أيها المسلمون، وراقبوه سبحانه فيما تأتون وتذرون، وتراحموا فيما بينكم؛ فالرحماء يرحمهم الرحمن. اللهم اجعلنا من الرحماء، وارحمنا برحمتك؛ ولا نهلك وأنت رجاؤنا، أقول ما سمعتم، وأستغفر الله لي ولكم... الخطبة الثانية عباد الله، يتحدث الناس عن ظاهرة غلاء الأسعار، ويُلْقُون التُّهَم يمنةً ويسرة، ويضعون الحلول والآراء، ويناقشون الأسباب والمسببات، وثمة سبب نتغافل عنه، ألا وهو فُشُوُّ الذنوبِ والسيئات والتهاون في الفرائض والواجبات، أما علمنا أنه ما نزل بلاء إلا بذنب ولا رفع إلا بتوبة؟!﴿ وَمَا أَصَابَكُمْ مِنْ مُصِيبَةٍ فَبِمَا كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ وَيَعْفُو عَنْ كَثِيرٍ ﴾ [الشورى: 30]؟! أما نذكر قول الله تعالى: ﴿ ظَهَرَ الْفَسَادُ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ بِمَا كَسَبَتْ أَيْدِي النَّاسِ لِيُذِيقَهُمْ بَعْضَ الَّذِي عَمِلُوا لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ ﴾ [الروم: 41]؟! فالذنوب والمعاصي ومخالفة أوامر الله والتعدي على حدوده سبب في ضيق المعايش ونقص الأرزاق؟! قال صلى الله عليه وسلم: ((إن الرجل ليحرم الرزق بسبب الذنب يصيبه)). فيجب علينا أن نحاسب أنفسنا؛ ونعود إلى ربنا؛ بالتوبة والاستغفار؛ والإنابة والاستقامة؛ والتضرع والدعاء، فنؤدي فرائضه؛ ونترك ما حرمه؛ ونقف مع حدوده؛ ونسأله أن يعيننا على أمور ديننا ودنيانا؛ وأن يكشف عنا هذا الغلاء؛ وأن يبارك لنا فيما رزقنا. ومما يُوصَى به في كل وقت؛ وخاصة مع غلاء الأسعار الاقتصادُ في المعيشة والتوسط في النفقة، قال تعالى: ﴿ وَكُلُوا وَاشْرَبُوا وَلا تُسْرِفُوا إِنَّهُ لا يُحِبُّ الْمُسْرِفِينَ ﴾ [الأعراف: 31]. ومن القصص في ذلك والتي فيها عبرة ما حصل في خلافة عمر رضي الله عنه حيث جاء إليه جمْعٌ من الناس وقالوا: نشتكي إليك غلاء اللحم فسعره لنا، فقال: أرخصوه أنتم؟ فقالوا: نحن نشتكي غلاء السعر؛ واللحم عند الجزارين؛ ونحن أصحاب الحاجة؛ فتقول: أرخصوه أنتم؟ وقالوا: وهل نملكه حتى نرخصه؟ وكيف نرخصه وهو ليس في أيدينا؟ فقال قولته الرائعة: اتركوه لهم. ومن القصص أيضًا في خلافة علي رضي الله عنه طرح نظرية أخرى في مكافحة الغلاء؛ وهي إرخاص السلعة عبر إبدالها بسلعة أخرى؛ فحينما غلا الزبيب بمكة؛ فكتب البعض إليه وهو في الكوفة بالأمر, فكتب أن أرخصوه بالتمر) أي استبدلوه بشراء التمر الذي كان متوفرا في الحجاز وأسعاره رخيصة فيقل الطلب على الزبيب فيرخص. وإن لم يرخص فالتمر خير بديل. والقاصي والداني يعرف ما حصل لبعض البضائع الدنمركية عندما قاطعها الناس؛ واستبدلوها بسلع أخرى؛ كيف تهاوت أسعارها. عباد الله، علينا بالقناعة، وأن ندعوَ الله أن يبارك لنا فيما آتانا، فإن البركة إذا نزلت صار القليل كثيرا، وإذا نُزعت صار الكثير قليلا. عن عبدالله بن عمرو رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (( قد أفلح من أسلم؛ ورزق كفافا؛ وقنعه الله بما آتاه )). ومن أسباب القناعة أن ينظر العبد لمن هو أسفل منه ولا ينظر إلى من هو فوقه، فعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((انظروا إلى مَن أسفل منكم؛ ولا تنظروا إلى من هو فوقكم؛ فهو أجدر أن لا تزدروا نعمة الله)). عباد الله، علينا أن نشكر الله على نعمه علينا؛ والتي لا تُعد ولا تُحصى، فشكر النعم سبب في بقائها ودوامها، ﴿ لَئِنْ شَكَرْتُمْ لأَزِيدَنَّكُمْ وَلَئِنْ كَفَرْتُمْ إِنَّ عَذَابِي لَشَدِيدٌ ﴾ [إبراهيم: 7]. والشكر ليس باللسان فقط؛ بل بالتزام أوامر الله؛ وأداء فرائضه كما أمر؛ والوقوف عند حدوده. ومما يجب على المسلم في أي بلاء ينزل به، الرجوع إلى الله؛ ودعاء الله وسؤاله المعونة وكشف البلاء. اللهم ارفع عنا الغلاء، اللهم ارزقنا القناعة بما رزقتنا، اللهم بارك لنا فيما رزقتنا، اللهم اغننا بحلالك عن حرامك؛ وبفضلك عمَّن سواك.
__________________
|
الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1) | |
|
|
|
Powered by vBulletin V3.8.5. Copyright © 2005 - 2013, By Ali Madkour |