نعم المال الصالح للرجل الصالح - ملتقى الشفاء الإسلامي

 

اخر عشرة مواضيع :         تفسير جامع البيان عن تأويل آي القرآن للإمام الطبري .....متجدد (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 1304 - عددالزوار : 137549 )           »          شرح كتاب الحج من صحيح مسلم (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 57 - عددالزوار : 42177 )           »          حكم من تأخر في إخراج الزكاة (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 6 )           »          حكم من اكتشف أنه على غير وضوء في الصلاة (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 6 )           »          المسيح ابن مريم عليه السلام (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 20 - عددالزوار : 5434 )           »          يا ربيعة ألا تتزوج؟! وأنتم أيها الشباب ألا تتزوجون؟! (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 7 )           »          فضائل الحسين بن علي عليهما السلام (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 11 )           »          سودة بنت زمعة - رضي الله عنها - (صانعة البهجة في بيت النبوة) (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 7 )           »          حجة الوداع (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 12 )           »          التشريع للحياة وتنظيمها (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 10 )           »         

العودة   ملتقى الشفاء الإسلامي > قسم الصوتيات والمرئيات والبرامج > ملتقى الصوتيات والاناشيد الاسلامية > ملتقى الخطب والمحاضرات والكتب الاسلامية
التسجيل التعليمـــات التقويم

ملتقى الخطب والمحاضرات والكتب الاسلامية ملتقى يختص بعرض الخطب والمحاضرات الاسلامية والكتب الالكترونية المنوعة

إضافة رد
 
أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
  #1  
قديم 16-10-2020, 04:46 AM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم متصل الآن
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 158,065
الدولة : Egypt
افتراضي نعم المال الصالح للرجل الصالح

نعم المال الصالح للرجل الصالح


الشيخ فؤاد بن يوسف أبو سعيد







إن الحمد لله؛ نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا، ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله.

﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلا تَمُوتُنَّ إِلاَّ وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ ﴾ [آل عمران:102].
﴿ يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالاً كَثِيراً وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيباً ﴾ [النساء: 1].

﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلاً سَدِيداً * يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزاً عَظِيماً ﴾. [الأحزاب:70، 71]

أما بعد؛ فإن أصدق الحديث كتابُ الله، وخيرَ الهديِ هديُ محمد صلى الله عليه وسلم، وشرَّ الأمورِ محدثاتُها، وكلَّ محدثةٍ بدعة، وكلَّ بدعة ضلالة، وكلَّ ضلالةٍ في النار.

أعاذني الله وإياكم من النار، ومن كل عمل يقرب إلى النار، اللهم آمين.

عباد الله؛ المال والنفس، والدم والعرض أهم حاجة وضرورة للإنسان، والله سبحانه وتعالى حرمها على الناس، حرم الدماء وحرم الأموال وحرم الأعراض، إلا ما أباح الشرع كلٌّ بحسبه، وحديثنا اليوم عن قسم من هذه الأقسام، الذي أَهَمَّ الناسَ ليلا ونهارا يفكرون فيه، وهو المال كيف يجمعونه؟ وكيف يتصرفون فيه؟ ولا أريد أن أخوض فيما بيننا هنا، لكن نأخذ منهم العبرة من هناك، من النبي محمد صلى الله عليه وسلم وأصحابه الكرام رضي الله تعالى عنهم، فـحديثنا اليوم عن صحابي جليل وسيد قدير، وثري صاحب مال، وعاقل حكيم، هو قَيْسُ بْنُ عَاصِمٍ بْنِ سِنَانٍ التَّمِيمِيُّ السَّعْدِيُّ الْمِنْقَرِيُّ. أَبُو عَلِيٍّ، توفي بين (41- 50ه)، رضي الله عنه.
[قَدِمَ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في وَفْدِ بَنِي تَمِيمٍ، فَأَسْلَمَ، وَكَانَ عَاقِلًا حَلِيمًا، كَرِيمًا جوادا شريفا، قَالَ النَّبِيّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "هَذَا سَيِّدُ أَهْلِ الوبر".

-أهل الوبر؛ أصحاب الأغنياء من أصحاب الإبل، أغلى شيء عند الناس في ذلك الزمان الإبل، وكم تساوي الناقة في هذا الزمان؟ ألف دينار أو تزيد أو تنقص، وقديما هي أفضل وأغلا ما يملكه هذا العربي-.

يروَى أَنَّ الْأَحْنَفَ بْنَ قَيْسٍ قِيلَ لَهُ: (مِمَّنْ تَعَلَّمْتَ الْحِلْمَ؟) قَالَ: (مِنْ قَيْسِ بْنِ عَاصِمٍ). وَيُقَالُ: (إِنَّ قَيْسًا كَانَ مِمَّنْ حَرَّمَ عَلَى نَفْسِهِ فِي الْجَاهِلِيَّةِ شُرْبَ الْخَمْرِ)... نَزَلَ الْبَصْرَةَ، وَتُوُفِّيَ عَنِ اثْنَيْنِ وَثَلَاثِينَ ذَكَرًا مِنْ أَوْلَادِهِ وَأَوْلَادِهِمْ]. بتصرف من (تاريخ الإسلام) للذهبي، ت بشار (2/ 434) رقم (54).

ذريته في حياته أكثر من ثلاثين نفرا، هذا له قصة مع النبي صلى الله عليه وسلم في إسلامه، فـعَنْ قَيْسِ بْنِ عَاصِمٍ السَّعْدِيِّ قَالَ: (أَتَيْتُ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم فَقَالَ: "هَذَا سَيِّدُ أَهْلِ الْوَبَرِ"، فَقُلْتُ: (يَا رَسُولَ اللهِ! مَا الْمَالُ الَّذِي لَيْسَ عَلَيَّ فِيهِ تَبِعَةٌ مِنْ طَالِبٍ وَلَا مِنْ ضَيْفٍ؟) -يعني ليس المال المقدار الذي أنا أقتنيه ولا تكون علي فيه تبعة، يعني أتحمل المشاق الكثيرة فيه إذا جاء طالب أو جاء ضيف- فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: "نِعْمَ الْمَالُ أَرْبَعُونَ"، -أي أربعون من الإبل، أربعون ألف دينار- "وَالْأَكْثَرُ سِتُّونَ، وَوَيْلٌ لِأَصْحَابِ الْمِئِينَ"، -المئات من الإبل، الذي عنده المئات هذا صعب عليه أن يخرِج منها، وصعب عليه التفريط في شيء منها، فكلما كثر المال زاد حرص الإنسان عليه إلا من رحم الله، ويستثني النبي صلى الله عليه وسلم من أصحاب المئين، وويل لأصحاب المئين، والويل معناها الهلاك والعذاب، وويل لأصحاب المئين- "إِلَّا مَنْ أَعْطَى الْكَرِيمَةَ، وَمَنَحَ الْغَزِيرَةَ، وَنَحَرَ السَّمِينَةَ، فَأَكَلَ وَأَطْعَمَ الْقَانِعَ وَالْمُعْتَرَّ". -الأربعون من الإبل، والستون من الإبل، لكن لا تصل إل المئين فإن وصلت هناك استثناءات؛ أن نؤدي مثل هذه الحقوق على هذه الأموال، فكلما كثرت الأموال كثرت الحقوق، لذلك- و(أعطى الكريمة)؛ -يعني إذا أعطى ووهب أعطى ومنح النجيبة؛ أي النجيبة من الإبل، وليست الذليلة والحقيرة والهزيلة والضعيفة.-

(وَمَنَحَ الْغَزِيرَةَ) ... -[أَيِ الْكَثِيرَةَ اللَّبَنِ، وَالْمَنِيحَةُ الشَّاةُ اللَّبُونُ، أَوِ النَّاقَةُ ذَاتُ الدَّرِّ، تُعَارُ لِدَرِّهَا، فَإِذَا حُلِبَتْ رُدَّتْ إِلَى أَهْلِهَا]. عون المعبود (5/ 54)، وهذه عند العرب عادة، كانوا يمنحون العنز والشاة والناقة التي يكون ضرعها مليئا بالحليب واللبن، يعطونها للجار الذي يحتاج، أو للفقير فيحلبها ويردها، هذه المنيحة، يرد الأصل ويأخذ الثمرة، وهي اللبن، وأعطى الغزيرة ما يمنح ضئيلة اللبن، لكن يمنح الغزيرة، وكذلك ينحر السمينة لا ينحر الضعيفة، ينحر ما فيه فائدة له، فيأكل منها.
(القانع): -وهو- السائل، -الذي يتعرض للناس ببدنه فيذل نفسه بالسؤال، يعطي ويطعم الجميع.
و(المُعْتَرّ): -الذي يعتر بالبدن، يطيف بها معترضا لها من غني أو فقير.

قُلْتُ: (يَا رَسُولَ اللهِ! مَا أَكْرَمُ هَذِهِ الأَخْلاقِ؟! لَا يُحَلُّ -أي يُقر - بِوَادٍ أَنَا فِيهِ مِنْ كَثْرَةِ نَعَمِي)، -يعني إذا جئت أنا في وادٍ معشب فيه الأنعام كم عددها؟ لا يأتي فيها أحد من كثرتها، ليست مائة ولا مائتين ولا ألف، هو لا يعرف عددها، لا يأتي أحد يشاركه في المكان الذي فيه العشب من كثرة ماله، ومن كثرة إبله- فَقَالَ: "كَيْفَ تَصْنَعُ بِالْعَطِيَّةِ؟" -عندما تعطي، أو تمنح- قُلْتُ: (أُعْطِي الْبَكْرَ، وَأُعْطِي النَّابَ) -[البكر من الإبل -وهو الفتي من الإبل- بمنزلة الفتى من الناس، -أي الشاب من الإنسان-]، والناب: الناقة المسنة،- أي أعطي الكبير في السن من النوق، يعني يعطي هذا ويعطي هذا ولا يبخل.

قَالَ: " كَيْفَ تَصْنَعُ فِي الْمَنِيحَةِ؟" -هل تمنح أحدا من نوقك شيئا؟ يستفيد من حلبه ويرجعه إليك- -(المنيحة): أن يعطيه ناقة أو شاة ينتفع بلبنها ويعيدها، وكذلك إذا أعطاه لينتفع بِوَبَرِها وصوفها زماناً ثم يردُّها.

قَالَ: (إِنِّي لأَمْنَحُ النَّاقَةَ)، قَالَ: "كَيْفَ تَصْنَعُ فِي الطَّرُوقَةِ؟" (الطَّروقة): الناقة التي بلغت أن يضربها الفحل -لتحمل، فيأتيه الناس يطلبون منه الجمل، لناقتهم التي تحتاج إلى الجمل، كيف تفعل بهذا؟ فماذا قال؟- قَالَ: (يَغْدُو النَّاسُ بِحِبَالِهِمْ)، الغدو: السير والذهاب أول النهار، -وهو أن يأتي في الصباح الباكر بحبالهم، كل واحد معه حبل.

(وَلَا يُوزَعُ): أي: لَا يُمنع. (رَجُلٌ مِنْ جَمَلٍ يَخْتَطِمُهُ)؛ -يختار الجمل الذي يريده فيأخذه ولا يمنع منه- أي: يجعل على أنفه خطاماً، و (الخطام): ما يوضع على أنف الجمل من الزمام ليُقاد به.

(فَيُمْسِكُهُ مَا بَدَا لَهُ)، -لناقته- (حَتَّى يَكُونَ هُوَ يَرُدَّهُ)، -انظر إلى هذه الأخلاق التي نفتقدها في هذه الزمان- فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: "فَمَالُكَ أَحَبُّ إِلَيْكَ أَمْ مَالُ مَوَالِيكَ؟" -الخدم ومن هم تحت رعايتك- قَالَ: (مَالِي!) -مال الإنسان أحب إليه من مال غيره- قَالَ: "فَإِنَّمَا لَكَ مِنْ مَالِكَ مَا أَكَلْتَ فَأَفْنَيْتَ، أَوْ أَعْطَيْتَ فَأَمْضَيْتَ، وَسَائِرُهُ لِمَوَالِيكَ".

-"ما أكلت" ويدخل في الأكل اللباس، ويدخل فيه المسكن الذي اقتنيته، هذا الذي تستفيده من المال وغيره، كم امتلأت جيوبنا من أموال طائلة، فأين هي؟ إما ذهبت للملابس التي اهترأت وخلقت، وإما ذهبت في المجاري أو ما شابه ذلك أكرمكم الله، وإما ذهبت في حال سبيلها في مسكن اقتنيناه.

كذلك "أعطيت فأمضيت" العطاء المنحة والهبة والعطية والصدقة والزكاة، هذا أمضاه هذا يكون له يلقاه عند الله يوم القيامة، من قليل سيكثره الله، إذا كانت النية صادقة، أو كثير يضاعفه الله يوم القيامة بالنوايا الحسنة، حتى يقول الإنسان يوم القيامة من أين لي هذا؟ من أين لي هذه الصدقات الكثيرة وأنا ما تصدقت إلا بتمرة، بشيكل، بشيء بسيط: لأن الصدقة تقع في يد الله قبل أن تقع في يد المسكين والفقير، فيربيها كما يربي أحدكم فلوَّه كما ورد في الحديث، أو مهره.

"وسائره لمواليك" يعني باقي المال إما أن نموت عنه فيأخذه الورثة، وإما يقيض الله له حكومة تأخذ الجمارك والضرائب وتأخذ منه كذا، أو مرض معين تأخذه المستشفيات أو الأطباء أو ما شابه ذلك، هذا كله ليس لنا مع أننا اقتنيناه، وجنيناه بعرق جبيننا فما لنا إلا ما أكلنا وما حوله، أو تصدقنا وباقي المال ليس لنا، فماذا قال هذا الرجل؟ قال:- فَقُلْتُ: (لَا جَرَمَ) –أي (لا بُدَّ). النهاية)- -أو حقا- (لَئِنْ رَجَعْتُ لأُقِلَّنَّ عَدَدَهَا)، -أخذ النصيحة من النبي صلى الله عليه وسلم فهو يريد أن يقل عددها.

فَلَمَّا حَضَرَهُ الْمَوْتُ جَمَعَ بَنِيهِ، -فكم كان بنوه؟ كانوا يزيدون عن الثلاثين نفرا، أولاد، وأولاد أولاد- فَقَالَ: (يَا بَنِيَّ خُذُوا عَنِّي، فَإِنَّكُمْ لَنْ تَأخُذُوا عَنْ أَحَدٍ هُوَ أَنْصَحُ لَكُمْ مِنِّي؛ لَا تَنُوحُوا عَلَيَّ، فَإِنَّ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم لَمْ يُنَحْ عَلَيْهِ، وَقَدْ سَمِعْتُ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم يَنْهَى عَنِ النِّيَاحَةِ، وَكَفِّنُونِي فِي ثِيَابِي الَّتِي كُنْتُ أُصَلِّي فِيهَا). (خد) (953)، انظر صَحْيح الْأَدَبِ الْمُفْرَد (734). -مع أنه غني وثري، ويستطيع أن يشتري أفخم الثياب، وأفخم الكفن، لكن يريد أن يلقى ربه برائحة العبادة.

(وَسَوِّدُوا أَكْبَرَكُمْ)، -أي اجعلوا أكبركم سيدا عليكم، أكبر واحد من إخوانكم هو الذي له الكلمة بعد أن يستشيركم خذوا برأيه- (فَإِنَّ الْقَوْمَ إِذَا سَوَّدُوا أَكْبَرَهُمْ خَلَفُوا أَبَاهُمْ)، -وهذا المقطع من هذه الوصية يفتقده كثير من الأسر الذين لا يحترمون كبيرهم، ولا يوقرون كبيرهم، ويقابلون أخاهم الأكبر دون وجه حق، (فَإِنَّ الْقَوْمَ إِذَا سَوَّدُوا أَكْبَرَهُمْ خَلَفُوا أَبَاهُمْ) -يعني كأن الأب لم يمت- (وإِذا سَودُوا أَصَغَرهُم، أَزرَى بِهم ذَلك فِي أَكفائِهِم). (خد) (361)، (حم) (20631)، انظر صَحْيح الْأَدَبِ الْمُفْرَد (277)، -أزرى من الازدراء والاحتقار عند الناس الآخرين، وانظر إلى هذه العائلة جعلت هذا الصغير هو كبيرهم، وأزرى بهم ذلك في أكفائهم.

(وَأَصْلِحُوا عَيْشَكُمْ). (خد) (953)، -يعني جمعك للمال، لابد أن تجمع المال لكن من صالح المال، من خير المال، اتخذ حرفة اتخذ مهنة، اتخذ وظيفة بالحلال، أصلحوا عيشكم، ما الفائدة من إصلاح العيش.

(فَإِنَّهُ مَنْبَهَةٌ لِلْكَرَمِ)، -يدعوك لأن تتكرم وتصبح كريما، والكرم صفة يحبها الله عز وجل- (وَيُسْتَغْنَى بِهِ عَنِ اللَّئِيمِ)، -أن تمد يدك إلى إنسان بِدَينٍ أو تسوُّل أو ما شابه ذلك، مالُك عندك، أغناك عن مد اليد.

(وَإِيَّاكُمْ ومَسأَلةَ النَّاسِ). (خد) (361)، -نسميها الشحدة، أعطني يا فلان، أعطني يا فلان، إياكم ومسألة الناس- (فَإِنَّهَا آخِرُ كَسْبِ الْمَرْءِ)، -يعني يلتجئ إليها التجاء ويضطر إليها اضطرارا، لا تحل المسألة إلا لمحتاج، أو مضطر لأمور عيشه وحياته في هذه الحياة الدنيا، أما يسأل تكسبا أو تكثرا، ويسأل ليستغني فهذا يأتي يوم القيامة وليس على وجهه مزعة لحم كما ورد في الحديث.

(وَإِذَا دَفَنْتُمُونِي فَسَوُّوا عَلَيَّ قَبْرِي)، -يعني أحفروا وأعمقوا ثم ادفنوا وسووا قبري حتى لا يأتي أحد فينبشه أو يحفره، لأن عنده تحسبات رحمه الله ورضي عنه، قال:- (فَإِنَّهُ كَانَ شَيْءٌ بَيْنِي وَبَيْنَ هَذَا الْحَيِّ مِنْ بَكْرِ بْنِ وَائِلٍ –خُمَاشَاتٌ-)، -(الخُماشات) واحدها خُماشة أي: جراحات وجنايات، وهي كل ما كان دون القتل والدية؛ من قطع -اليد-، أو جدع -الأنف-، أو جرح، أو ضرب، أو نهب، ونحو ذلك من أنواع الأذى، (النهاية)-. -لكنها لا تصل إلى القتل، والظاهر أن بينه وبين هذه القبيلة كانت خصومات أدت إلى هذه الخماشات، فيخشى من إنسان يأتي منهم فينبش قبره فيكون معرة على أبنائه الذين قد تأخذهم الحمية، فيفعلون ما لا يليق بالكرماء والشرفاء والأمجاد، قال:
(فلَا آمَنُ سَفِيهًا أَنْ يَأتِيَ أَمْرًا يُدْخِلُ عَلَيْكُمْ عَيْبًا فِي دِينِكُمْ). (خد) (953). -(السَّفَه): الخفّة والطيشُ، وسَفِه رأيُه إذا كان مَضْطربا لَا اسِتقامَةَ له، والسفيه: الجاهلُ-، -أي يأتي منهم سفيه بأن يأتي أمرا يدخل عليكم عيبا في دينكم، تأخذ الإنسان حمية غيرة على الوالد المدفون الميت، وتحدث منهم أشياء تصل إلى القتل أو ما شابه ذلك، فيكون هناك ما يدخل عليكم أمرا أو عيبا في دينكم.

وفي رواية: [ثم دعا بكنانته] -والكنانة هي مستودع لما يوضع فيه السهام، والسهام يستخدمها العرب للقتال، وهي مصنوعة من الأخشاب، عيدان قوية وفي رأسها حديد مدبب، حتى إذا أطلقه أصاب الصيد، أو أصاب العدو- [فأمر ابنه الأكبر، وكان يسمى عليّا]، -فهو أبو علي- [فقال: (أَخرِج سهما من كنانتي)، فأخرجه، فقال: (اكسره)، فكسره، ثم قال: (أخرج سهمين)، فأخرجهما، فقال: (اكسرهما)، فكسرهما، ثم قال: (أخرج ثلاثة أسهم)، فأخرجها، فقال: (اكسرها)، فكسرها، ثم قال: (أخرج ثلاثين سهما)، فأخرجها، فقال: (اعصِبْها بوَتَر)]، -اجعلها ضمة واحدة- [فعصبها، ثم قال: (اكسرها)، فلم يستطع كسرها، فقال: (يا بَنِيّ)] -يعني يا أولاد-- [(هكذا أنتم بالاجتماع، وكذلك أنتم بالفرقة)]، -إذا اجتمعتم لن تنكسروا، والعرب إن اجتمعوا لن ينكسروا وإن كان ما حولهم من قوى، وإن تفرقت كما هو حالنا اليوم ترون ما بنا من هزائم تترى، نرجع إليه رضي الله عنه عندما أنشد- [ثم أنشا يقول:
إِنمَا المَجدُ مَا بَنَى وَالِدُ الصِّدْ
قِ وَأَحْيَى فِعَالَهُ الْمَوْلُودُ

وَكَفَى الْمَجْدُ وَالشَّجَاعَةُ وَالحِلِ
مُ إِذَا زَانَهَا عَفَافٌ وَجُودُ

وَثَلَاُثونَ يَا بَنِيَّ إِذَا مَا
عَقَدَتهُمْ لِلنَّائِبَاتِ الْعُهُودُ

كَثَلَاِثينَ مِن قِدَاحٍ يعني من الأسهم إِذَا مَا
شَدَّهَا لِلمُرَادِ عَقْدٌ شَدِيدُ

لَمْ تُكَسَّرْ وَإِن تَبَدَّدَتْ الأَسْهُمُ
هُمُ أَودَى بِجَمْعِهَا التَّبْدِيدُ

وَذَوُو السِّنِّ كبار السن وَالمُرُوءَةِ أَوْلَى
أَنْ يَكُونَ مِنْكُمْ لَهُمُ تَسْوِيدُ

وَعَلَيْهِمْ حِفْظُ الأَصَاغِرِ حَتَّى
يَبْلُغَ الحِنْثَ الأَصْغَرُ المَجْهُودُ


انتهى (المعجم الكبير) (ج 18/ ص 339– 342)]. قال الحسن رَحِمَهُ اللَّهُ: نصح لهم في الحياة، ونصح لهم في الممات. ذخيرة العقبى في شرح المجتبى (18/ 300)
أقول قولي هذا وأستغفر الله لي ولكم.

الخطبة الآخرة
الحمد لله حمد الشاكرين والصابرين ولا عدوان على الظالمين، اللهم صل وسلم وبارك على نبينا محمد، وعلى آله وصحبه ومن اهتدى بهديه إلى يوم الدين، أما بعد:
عَنْ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ رضي الله - تعالى - عنه قَالَ: (بَعَثَ إِلَيَّ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم). (حم) (17789)، (خد) (299)، (عَامَ ذَاتِ السَّلَاسِلِ) (حم) (17845)، (خ) (3662)، (م) 8- (2384)، -وهي موقعة كانت بين المسلمين والكفار سميت بذات السلاسل- (فَقَالَ: "خُذْ عَلَيْكَ ثِيَابَكَ وَسِلَاحَكَ ثُمَّ ائْتِنِي"، فَأَتَيْتُهُ وَهُوَ يَتَوَضَّأُ، فَصَعَّدَ فِيَّ النَّظَرَ)، -يعني ركز في النظر من رأسي إلى أسفل قدمي- (ثُمَّ طَأطَأَهُ). (حم) (17789)، (خد) (299) (ثُمَّ قَالَ: "يَا عَمْرُو! إِنِّي أُرِيدُ أَنْ أَبْعَثَكَ عَلَى جَيْشٍ"). (خد) (299)، (حب) (3211)، انظر صَحْيح الْأَدَبِ الْمُفْرَد (229) -أن يكون أميرا ومسئولا على جيش- ("فَيُسَلِّمَكَ اللهُ وَيُغْنِمَكَ")، -ستسلم ولن تكون هزيمة وستنتصر وتأتيك غنيمة- ("وَأَرْغَبُ لَكَ مِنْ الْمَالِ") -المال الذي تأتي به من الغنائم مال عظيم- ("رَغْبَةً صَالِحَةً") -أَيْ: أعطيك من المال شيئا لا بأس به.

فَقُلْتُ: (يَا رَسُولَ اللهِ! إِنِّي مَا أَسْلَمْتُ مِنْ أَجْلِ الْمَالِ)، -أسلم من أجل ماذا؟ أسلم من أجل الله والصحبة رسول الله صلى الله عليه وسلم، هكذا كانوا رضي الله عنهم- (إِنِّي مَا أَسْلَمْتُ مِنْ أَجْلِ الْمَالِ، وَلَكِنِّي أَسْلَمْتُ رَغْبَةً فِي الْإِسْلَامِ، وَأَنْ أَكُونَ مَعَ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم). فَقَالَ: "يَا عَمْرُو! نِعْمَ الْمَالُ الصَّالِحُ لِلْمَرْءِ الصَّالِحِ"). (حم) (17789)، (خد) (299)، -(نِعْمَ) هذا يدل على المدح، المال الصالح للرجل الصالح، لا نتكلم عن المال السيء، خطبتنا عن المال الطيب الحلال الصالح للرجل الصالح؛ لأنه لن ينفقه إلا في ما يرضي الله سبحانه وتعالى.

وبعض الناس في هذا الزمان يسب المال، مع أنه ترك حقَّ المال هنا، وهو شكر الله، بعض الناس يسب الفلوس ويسب الشواكل ويسب كذا، وهذا خطأ، فالأصل عندما تمتلك شيئا من هذا أن تقول الحمد لله، لأنه بتوفيق الله هو الذي يسره بين يديك، عَنْ مَالِكِ بْنِ نَضْلَةَ رضي الله -تعالى- عنه قَالَ: (كُنْتُ جَالِسًا عِنْدَ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم، فَرَآنِي رَثَّ الثِّيَابِ)، -يلبس ثيابا قديمة- (فَقَالَ: "أَلَكَ مَالٌ؟!" قُلْتُ: (نَعَمْ يَا رَسُولَ اللهِ! مِنْ كُلِّ الْمَالِ). (س) (5223) -ليس كالصحابي الأول عنده من الإبل فقط، لا! هذا عنده من كل المال- (قَدْ أَعْطَانِيَ اللهُ مِنْ الْإِبِلِ وَالْغَنَمِ). (ت) 2006) (وَالْخَيْلِ، وَالرَّقِيقِ)، -العبيد- قَالَ: "إِذَا آتَاكَ اللهُ مَالًا فَلْيُرَ عَلَيْكَ أَثَرُ نِعْمَةِ اللهِ وَكَرَامَتِهِ")، (س) (5224)، (د) (4063 )، (ت) (2006). -يعني كأنك إذا كنت غنيا وتلبس الملابس الطيبة الحسنة التي تليق بدخلك الشهري، أو ما شابه ذلك هذا يدل على أنك تحمد الله، وإن لم تتكلم بلسانك؛ لأنه يرى عليك أثر نعمة الله سبحانه وتعالى- ("فَإِنَّ اللهَ عز وجل يُحِبُّ أَنْ يَرَى أَثَرَهُ عَلَى عَبْدِهِ حَسَنًا، وَلَا يُحِبُّ الْبُؤْسَ وَالتَّبَاؤُسَ"). (طب) (5/ 273) ح (5308)، صَحِيح الْجَامِع (255)، الصَّحِيحَة تحت حديث (1320)، -بعض الناس غني لكن هيئته تدل على الفقر، فبعض الناس يتصدق عليه فهو لا يريد الصدقة لأنه غني، لكن حاله تدل على أنه يريد، لذلك بقية الحديث - (قَالَ: فَغَدَوْتُ إِلَيْهِ فِي حُلَّةٍ حَمْرَاءَ). (حم) (17269)، -يلبس بدلة جديدة- -و(الْحُلَّة): إِزَار وَرِدَاء مِنْ جِنْس وَاحِد. (فتح) - يلبسها الأغنياء، جاء وجلس عند النبي صلى الله عليه وسلم، هذا هو المال الذي هو صالح، نعم المال الصالح للرجل والمرء والعبد الصالح.

فنسأل الله عز وجل أن يغفر لنا ذنوبنا، وإسرافنا في أمرنا، وأن يثبت أقدامنا، وأن ينصرنا على القوم الكافرين.
اللهم وحد صفوفنا، وألِّف بين قلوبنا، وأزل الغل والحقد والحسد والبغضاء من صدورنا، وانصرنا على عدوك وعدونا برحمتك يا أرحم الراحمين.


وأقم الصلاة؛ ﴿ ... إِنَّ الصَّلاةَ تَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ وَلَذِكْرُ اللَّهِ أَكْبَرُ وَاللَّهُ يَعْلَمُ مَا تَصْنَعُونَ ﴾. [العنكبوت:45].


__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
إضافة رد


الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1)
 

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع


 


الاحد 20 من مارس 2011 , الساعة الان 01:21:21 صباحاً.

Powered by vBulletin V3.8.5. Copyright © 2005 - 2013, By Ali Madkour

[حجم الصفحة الأصلي: 68.75 كيلو بايت... الحجم بعد الضغط 67.04 كيلو بايت... تم توفير 1.71 كيلو بايت...بمعدل (2.49%)]