|
ملتقى الخطب والمحاضرات والكتب الاسلامية ملتقى يختص بعرض الخطب والمحاضرات الاسلامية والكتب الالكترونية المنوعة |
|
أدوات الموضوع | انواع عرض الموضوع |
#1
|
||||
|
||||
![]() عالم السحر (2) أحمد الجوهري عبد الجواد إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله. أما بعد فيا أيها الإخوة، تحدثنا في اللقاء السابق عن السحر وخطره وحكم الشرع فيه وعن إتيان السحرة وحرمته سواء كان ذلك تصديقاً لهم أو حب استطلاع وقد طرحنا في اللقاء الماضي سؤالاً ضاق الوقت عن الجواب عنه ألا وهو: كيف نحمي أنفسنا من السحر قبل وقوعه؟ وكيف نعالجه لو وقع؟ واليوم بمشيئة الله تعالى نجيب عن هذا السؤال، فأعيروني القلوب والأسماع - أيها الإخوة -، والله أسأل أن يجعلنا ممن يستمعون القول فيتبعون أحسنه. أيها الإخوة! إن الذي يقدر الخير والشر هو الله والذي ينزل الإيمان والكفر والطاعة والمعصية وكل شيء هو الله -سبحانه وتعالى- كما قال تعالى: ﴿ إِنَّا كُلَّ شَيْءٍ خَلَقْنَاهُ بِقَدَرٍ ﴾ [القمر: 49]. وفي الحديث الذي أخرجه البخاري من حديث أُمِّ سَلَمَةَ أن النبي صلى الله عليه وسلم استيقظ ذات ليلة فقال: "سبحان الله! ماذا فتح الليلة من الخزائن؟ وماذا أنزل الله تعالى من الفتن؟ أيقظوا صواحب الحجر فرب كاسية في الدنيا عارية يوم القيامة"[1] فأخبر صلى الله عليه وسلم أن الله تعالى هو الذي أنزل الفتن على الخلق. لكن من حسن الأدب في الحديث عن الله - عز وجل - أن لا ينسب الشر إليه كما حكى القرآن ذلك في أكثر من موضع عن خيرة الخلق من الأنبياء والصالحين قال الله - عز وجل - عن نبيه الخضر عليه السلام في تفسير الثلاث التي حدثت في رحلته مع موسى عليه السلام: ﴿ أَمَّا السَّفِينَةُ فَكَانَتْ لِمَسَاكِينَ يَعْمَلُونَ فِي الْبَحْرِ فَأَرَدْتُ أَنْ أَعِيبَهَا وَكَانَ وَرَاءَهُمْ مَلِكٌ يَأْخُذُ كُلَّ سَفِينَةٍ غَصْبًا * وَأَمَّا الْغُلَامُ فَكَانَ أَبَوَاهُ مُؤْمِنَيْنِ فَخَشِينَا أَنْ يُرْهِقَهُمَا طُغْيَانًا وَكُفْرًا * فَأَرَدْنَا أَنْ يُبْدِلَهُمَا رَبُّهُمَا خَيْرًا مِنْهُ زَكَاةً وَأَقْرَبَ رُحْمًا * وَأَمَّا الْجِدَارُ فَكَانَ لِغُلَامَيْنِ يَتِيمَيْنِ فِي الْمَدِينَةِ وَكَانَ تَحْتَهُ كَنْزٌ لَهُمَا وَكَانَ أَبُوهُمَا صَالِحًا فَأَرَادَ رَبُّكَ أَنْ يَبْلُغَا أَشُدَّهُمَا وَيَسْتَخْرِجَا كَنْزَهُمَا رَحْمَةً مِنْ رَبِّكَ وَمَا فَعَلْتُهُ عَنْ أَمْرِي ذَلِكَ تَأْوِيلُ مَا لَمْ تَسْطِعْ عَلَيْهِ صَبْرًا ﴾ [الكهف: 79 - 82]. فهذه ثلاث، قال الخضر في الأولى وهو خرق السفينة فأردت أن أعيبها فلما كان ظاهره الشر نسب الفعل إلى نفسه فقال فاردت لكنه لما تكلم عن الخير لليتيمين في هدم الجدار وبنائه قال فأراد ربك أن يبلغا. وهكذا نسب الشر إلى نفسه ونسب الخير إلى ربه كما حكى القرآن ذلك أيضاً على ألسنة الجن الذين أنصتوا للقرآن فأسلموا وآمنوا فتساءلوا: ﴿ وَأَنَّا لَا نَدْرِي أَشَرٌّ أُرِيدَ بِمَنْ فِي الْأَرْضِ أَمْ أَرَادَ بِهِمْ رَبُّهُمْ رَشَدًا ﴾ [الجن: 10]. ولذلك كان من دعاء النبي صلى الله عليه وسلم في ثنائه على ربه: "والشر ليس إليك"[2] وهكذا - أيها الإخوة - فالله - عز وجل - هو خالق الخير والشر على الحقيقة وهو منزلهما ومن هذا الباب أنزل الله - عز وجل - السحر إلى الأرض كما أنزل المعاصي والشرور والكفر والفجور وله في خلقه - عز وجل - الحكمة وله في خلقه شئون وأمور. قال عز من قائل: ﴿ وَاتَّبَعُوا مَا تَتْلُو الشَّيَاطِينُ عَلَى مُلْكِ سُلَيْمَانَ وَمَا كَفَرَ سُلَيْمَانُ وَلَكِنَّ الشَّيَاطِينَ كَفَرُوا يُعَلِّمُونَ النَّاسَ السِّحْرَ وَمَا أُنْزِلَ عَلَى الْمَلَكَيْنِ بِبَابِلَ ﴾ [البقرة: 102] "فالنص القرآني هنا صريح في أن الله - عز وجل - أنزل السحر على الملكين ببابل فتنة واختباراً وابتلاءً ولله أن يختبر عباده بما شاء وقد خلق الحق جل جلاله إبليس الذي هو أصل كل الشرور، ونهى العباد عن متابعته وحذر منه، واختبر الحق جيش طالوت بعدم الشرب من النهر. فإذا سأل سائل ما هي الحكمة التي في تعليم الملكين السحر للناس فنقول: كفى أولاً بورود النص على أنه فعله سبحانه فثم كل حكمة، لأنه من الحكيم جل جلاله الذي شأن عمله كله الحكمة. ونقول ثانياً: لعل الحكمة من وراء هذا الاختبار والله أعلم تنبيه الناس في ذلك الزمان إلى أن السحر ليس بالشيء العظيم الذي لا يناله إلا الخاصة وأصحاب العقول كما كان كثير من الناس يظن ذلك فأقام الله - عز وجل - الملكين يعلمان الناس السحر ويقولان لهم كل واحد يستطيع أن يكون ساحراً ولكننا نحذركم من السحر، فإن السحر كفر يجلب غضب الله، وهذا أخف حالا بلاشك من أن يعتقد الناس في هؤلاء أنهم آلهة أو أرباب جهلًا منهم بحالهم وحقيقتهم، فجاءت الحكمة في أن يعرفوا الناس حقيقة أمرهم وأنهم ليسوا كذلك وإنما هم يقومون بهذه الأشياء عن طريق السحر والاتفاق مع الشياطين، وليعلم - أيها الإخوة - مع ذلك أن الملكين ليسا بعاصيين في حال تعليمهما الناس السحر بل هما مطيعان لله، لأنهما مكلفان بهذا من الله تعالى ابتلاءً واختباراً من الله لعباده[3]. قال العلامة الألوسي: وهذان الملكان أنزلا لتعليم السحر ابتلاء من الله تعالى للناس فمن تعلم وعمل به كفر، ومن تعلم وتوقى عمله ثبت على الإيمان ولله تعالى أن يمتحن عباده بما شاء كما امتحن قوم طالوت بالنهر[4]. وأنبه - أيها الإخوة - إلى أمر خطير وهو أن الأخبار التي وردت في هذا السياق من قصص وحكايات والتى تفيد عصيان الملكين، أو أنهما افتتنا بامرأة جميلة، أو أن نزولهما أصلاً إلى الأرض كان بسبب الاعتراض على خلق آدم فهذا كله من كذب اليهود على ملائكة الله ورسله وقد نقل ذلك العلماء وسطروه في كتبهم وعرفوا بكذبه وحذروا منه أيضاً، لكن كثيراً ممن في قلوبهم مرض يحكون هذه الروايات على الرغم من علمهم بكذبها لهوى في نفوسهم أو جهلًا منهم وأحلاهما مر علقم، فلم يذكر من ذلك حرف عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أبداً وإنما هو كله افتراء وهراء. وأيضاً - أيها الإخوة - لا يتفلسف متفلسف ويقول: أنا أتعلم السحر اقتداء بالملكين فإنه لا يجوز لك ذلك بل هو حرام عليك، نعم كان حلالاً للملكين لأنهما كان لهما فيه إذن من الله تعالى، وأما بقية العباد فأدلة القرآن والسنة قائمة ودالة على نهي الله ورسوله عن تعلم السحر وتعليمه والعمل به كما أوضحت ذلك لحضراتكم في اللقاء السابق بحمد الله تعالى وفضله العظيم. ويبقى بعد هذا التأصيل المهم - أيها الإخوة - أن أجيب عن السؤال الذي طرحناه في اللقاء السابق ألا وهو: كيف نحمي أنفسنا من السحر والسحرة وشرورهم قبل وقوعها بنا وكيف نعالجها بعد وقوعها؟ وهل سحر النبي صلى الله عليه وسلم؟ وكيف وهو رسول الله؟ وكيف انجلى عنه صلى الله عليه وسلم هذا السحر؟ وأرى الآذان والعيون تتلهف لسماع الجواب عن السؤال الثاني قبل الأول وأنا أوافق على هذا الشوق وأؤيده فإن هذا الموضوع مما خاضت فيه ألسنة كثيرة بالباطل وأقلام أكثر بالزيف والهراء، فما حقيقة هذا الأمر، فلنبدأ به، خاصة أنه يأخذ بنا إلى وسيلة الحماية من السحر ويدلنا على طريقة العلاج منه إن وقع بنا. فأعيروني القلوب والأسماع - أيها الإخوة -، وأنا أعاهد الله أمام حضراتكم ألا أتكلم الآن إلا بآية من القرآن أو حديث من السنة أو قول لواحد من سلف الأمة. - أيها الإخوة - هل سحر النبي صلى الله عليه وسلم فعلاً وحقاً؟ والجواب بآية من كتاب الله وبحديث صحيح عن الصادق صلى الله عليه وسلم قال الله تعالى: ﴿ قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ الْفَلَقِ * مِنْ شَرِّ مَا خَلَقَ * وَمِنْ شَرِّ غَاسِقٍ إِذَا وَقَبَ * وَمِنْ شَرِّ النَّفَّاثَاتِ فِي الْعُقَدِ * وَمِنْ شَرِّ حَاسِدٍ إِذَا حَسَدَ ﴾. وقال تعالى: ﴿ قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ النَّاسِ * مَلِكِ النَّاسِ * إِلَهِ النَّاسِ * مِنْ شَرِّ الْوَسْوَاسِ الْخَنَّاسِ * الَّذِي يُوَسْوِسُ فِي صُدُورِ النَّاسِ * مِنَ الْجِنَّةِ وَالنَّاسِ ﴾ أيها الإخوة هاتان السورتان هما اللتان قال فيهما النبي صلى الله عليه وسلم كما في مسلم عن عقبة بن عامر قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "ألم تر آيات أنزلت هذه الليلة لم يُر مثلهن قط: "قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ الْفَلَقِ" و" قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ النَّاسِ". وقد أجمع العلماء على أن هاتين السورتين نزلتا لما سحر النبي صلى الله عليه وسلم، نزل بهما جبريل فرقاه، والحديث رواه البيهقي في الدلائل وفيه: "فلما أصبح رسول الله صلى الله عليه وسلم بعث عمار بن ياسر في نفر فأتوا الركية فإذا ماؤها مثل ماء الحناء فنزحوا الماء ثم رفعوا الصخرة وأخرجوا الكرية وأحرقوها فإذا فيها وتر فيه إحدى عشرة عقدة وأنزلت عليه هاتان السورتان فجعل كلما قرأ آية انحلت عقدة" قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ الْفَلَقِ "، " قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ النَّاسِ "[5] وأخرج أبو نعيم في الدلائل من طريق أبي جعفر الرازي عن الربيع بن أنس عن أنس بن مالك قال: صنعت اليهود لرسول الله صلى الله عليه وسلم شيئًا فأصابه من ذلك وجع شديد فدخل عليه أصحابه فظنوا أنه لما به فأتاه جبريل بالمعوذتين فعوذه بهما فخرج إلى أصحابه صحيحًا.[6] وفي الحديث الذي أخرجه البخاري ومسلم وأحمد وابن ماجه والنسائي والبيهقي وغيرهم من عدة طرق عن عدد من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم وأنا أسوق لفظ أقرب وأحب الناس إلى قلب المصطفى وأعرف الناس به وبما يحدث له إنها الصديقة بنت الصديق عائشة رضي الله عنها وقد ذكر هذه الرواية البخاري في كتاب الطب عَنْ عَائِشَةَ - رضى الله عنها - قَالَتْ سَحَرَ رَسُولَ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - رَجُلٌ مِنْ بَنِى زُرَيْقٍ يُقَالُ لَهُ لَبِيدُ بْنُ الأَعْصَمِ، حَتَّى كَانَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - يُخَيَّلُ إِلَيْهِ أَنَّهُ يَفْعَلُ الشَّىْءَ وَمَا فَعَلَهُ، حَتَّى إِذَا كَانَ ذَاتَ يَوْمٍ أَوْ ذَاتَ لَيْلَةٍ وَهْوَ عِنْدِى لَكِنَّهُ دَعَا وَدَعَا ثُمَّ قَالَ "يَا عَائِشَةُ، أَشَعَرْتِ أَنَّ اللَّهَ أَفْتَانِى فِيمَا اسْتَفْتَيْتُهُ فِيهِ، أَتَانِى رَجُلاَنِ فَقَعَدَ أَحَدُهُمَا عِنْدَ رَأْسِى، وَالآخَرُ عِنْدَ رِجْلَىَّ، فَقَالَ أَحَدُهُمَا لِصَاحِبِهِ مَا وَجَعُ الرَّجُلِ فَقَالَ مَطْبُوبٌ. قَالَ مَنْ طَبَّهُ قَالَ لَبِيدُ بْنُ الأَعْصَمِ. قَالَ في أَىِّ شَىْءٍ قَالَ في مُشْطٍ وَمُشَاطَةٍ، وَجُفِّ طَلْعِ نَخْلَةٍ ذَكَرٍ. قَالَ وَأَيْنَ هُوَ قَالَ في بِئْرِ ذَرْوَانَ". فَأَتَاهَا رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - في نَاسٍ مِنْ أَصْحَابِهِ فَجَاءَ فَقَالَ "يَا عَائِشَةُ كَأَنَّ مَاءَهَا نُقَاعَةُ الْحِنَّاءِ، أَوْ كَأَنَّ رُءُوسَ نَخْلِهَا رُءُوسُ الشَّيَاطِينِ". قُلْتُ يَا رَسُولَ اللَّهِ أَفَلاَ أَسْتَخْرِجُهُ قَالَ "قَدْ عَافَانِى اللَّهُ، فَكَرِهْتُ أَنْ أُثَوِّرَ عَلَى النَّاسِ فِيهِ شَرًّا". فَأَمَرَ بِهَا فَدُفِنَتْ.[7] وعن زيد بن أرقم رضي الله عنه قال: سحر النبي صلى الله عليه وسلم رجل من اليهود فاشتكى لذلك أياماً فأتاه جبريل فقال: إن رجلاً من اليهود سحرك عقد لك عقداً في بئر كذا وكذا فأرسل رسول الله صلى الله عليه وسلم فاستخرجها فحلّها فقام رسول الله صلى الله عليه وسلم كأنما أنشط من عقال فما ذكر ذلك لذلك اليهودي ولا رآه في وجهه قط. [8] والحديث أخرجه النسائي بسند صحيح. وللأسف - أيها الإخوة - فقد رد كثير ممن ينسبون إلى العلم هذا الحديث الصحيح وتبعهم في ذلك من يقدمون عقولهم على صحيح السنة ويردون النصوص لأنها لا توافق عقولهم ولعمر الله أي عقل ذلك الذي يرد كلام ووحي من خلق الخلق فإن السنة وحى وليست العقول وحدها الميزان لمعرفة الصحيح من السقيم فإن العقول تستحسن القبيح وتستقبح الحسن بمجرد الهوى ورضي الله عن علي بن أبي طالب الذي قال: لو كان الدين بالرأي لكان المسح على باطن الخف أولى من المسح على أعلاه، ولكني رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يمسح على أعلى الخف. [9] ولكن كيف انجلى السحرعن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أيها الإخوة؟ رأينا كيف كان النبي صلى الله عليه وسلم حينما شعر بالأعراض في جسمه كان صلى الله عليه وسلم يكثر من الدعاء وهذه هي أولى خطوات العلاج لمن ابتلى بالسحر وهو اللجوء إلى الله - عز وجل - ثم بعد ذلك أطلع الله نبيه على السحر وأرسل النبي صلى الله عليه وسلم من يستخرج السحر من مكانه وحله. وهذا أوان الإجابة على السؤال الخطير في هذه النقطة ألا وهو كيف سحر النبي صلى الله عليه وسلم وهو رسول الله؟ فالجواب - أيها الإخوة - أنه صلى الله عليه وسلم بشر كبقية البشر تعتريه الأمراض وهذا منها والسحر ما أثر على رسالته ولا على تبليغها بل أثَّر علي حياته الزوجية نوعًا ما فكان يخيل إليه أنه أتى الشئ ولم يأته، وما علم به إلا أقرب الناس إليه وأخصهم عائشة زوجته - رضي الله عنها- كما هو في الصحيحين. قال القاضي عياض: "السحر مرض من الأمراض وعارض من العلل يجوز عليه كأنواع الأمراض مما لا ينكر ولا يقدح في نبوته صلى الله عليه وسلم ".[10] وقال القرطبي: الأنبياء من البشر فيجوز عليهم من الأمراض والآلام والغضب والضجر والسحر والعين وغير ذلك ما يجوز على البشر لكنهم معصومون عما يناقض دلالة المعجزة من معرفة الله تعالى والصدق والعصمة عن الغلط في التبليغ".[11] والخلاصة مما مر كله أن السحر ابتلاء من الله لعباده ليبلو الله المؤمن الصادق من الكاذب ويختبر عباده به فمن ثبت فله الرضا من الله تعالى والثبات وحسن العاقبة ورفع الدرجات وزيادة الحسنات، ومن هذا الباب ابتلى المصطفى صلى الله عليه وسلم لرفعة درجته مع أن الله تعالى صان نبيه في جانب الوحي والرسالة. والآن - أيها الإخوة - نأتي إلى السؤال الثاني والعملي في الموضوع كله ألا وهو كيف نتقي السحر وشره قبل وقوعه؟ و ما هو علاج السحر. والجواب - أيها الإخوة - في نقاط: فأول الطريق بل وأوسطه وآخره: هو الاستعانة بالله تعالى: فنحن ولله الحمد موحدون نعلم أن التوكل على الله تعالى أعظم الأسباب للنجاة من كل شيء فأول خطوة على طريق العلاج هي تحقيق التوحيد نعم. أولاً: تحقيق التوحيد لله العزيز الحميد وإخلاص العبودية لله -جل وعلا- والتوكل عليه - تبارك وتعالى - فقلب الموحد قد أشرق فيه مصباح التوحيد وأزهر فيه نور الإيمان ومن ثم خرج منه الخوف من كل أحد إلا من الله - جل وعلا - بل لا يفرد بالمحبة والخوف إلا الله صاحب هذا القلب كما يقول ابن تيمية في جنة وهو في الدنيا قبل الآخرة. إن قوة الإيمان في القلب تضعف الشيطان وكلما زاد إيمان العبد وأخلص العبادة لله ضعف تسلط الشيطان عليه فها هو فاروق الأمة عمر - رضي الله عنه كان الشيطان يهرب منه كما جاء في البخاري ومسلم من حديث سعد ابن أبي وقاص رضي الله عنه قال استأذن عمر على النبي صلى الله عليه وسلم وعنده نسوة من قريش يكلمنه – وفي رواية: يسألنه ويستكثرنه – عالية أصواتهن على صوته فلما استأذن عمر قمن يبتدرن الحجاب، فأذن له النبي صلى الله عليه وسلم، فدخل عمر والنبي صلى الله عليه وسلم يضحك.. فقال عمر: أضحك الله سنك، بأبي أنت وأمي يعنى ما أضحكك؟ قال: عجبت من هؤلاء اللاتي كن عندي، فلما سمعن صوتك ابتدرن الحجاب. قال عمر: فأنت يا رسول الله الأحق أن يهبن، ثم قال عمر: أي عدوات أنفسهن أتهبنني ولا تهبن النبي صلى الله عليه وسلم؟ قلن: نعم، أنت أفظ وأغلظ من النبي صلى الله عليه وسلم. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم "إيه يا ابن الخطاب، والذي نفسي بيده ما لقيك الشيطان سالكاً فجّاً إلا سلك فجّاً غير فجك".[12] والفج: المسلك والطريق، فالشيطان يهرب ويفر حتى من الطريق الذي يسير فيه عمر هرباً من قوة إيمانه رضي الله عنه. وساق ابن الجوزي في كتابه القيم تلبيس إبليس قصة تبين ما نقول بوضوح. قال: كانت شجرة تعبد من دون الله فجاء إليها رجل فقال: لأقطعن هذه الشجرة فجاء ليقطعها غضباً لله فلقيه إبليس في صورة إنسان.. فقال: ما تريد؟ قال: أريد أن أقطع هذه الشجرة التي تعبد من دون الله. قال: ما ضرك إذا أنت لم تعبدها فما يضرك من عبدها؟ قال: لأقطعنها، فقال له الشيطان: هل لك فيما هو خير لك!! لا تقطعها ولك ديناران كل يوم إذا أصبحت عند وسادتك. قال: فمن أين لي ذلك؟ قال أنا لك. فرجع فأصبح فوجد دينارين عند وسادته، ثم أصبح بعد ذلك فلم يجد شيئاً، فقام غضباً ليقطعها، فتمثل له الشيطان في صورته وقال: ما تريد؟ قال: أريد قطع هذه الشجرة التي تعبد من دون الله تعالى.. قال: كذبت ما لك إلى ذلك سبيل. فذهب ليقطعها فضرب به الأرض وخنقه حتى كاد أن يقتله.. قال: أتدري من أنا؟ أنا الشيطان جئت أول مرة غضباً لله فلم يكن لي عليك سبيل، فخدعتك بالدينارين فتركتها، فلما جئت غضباً للدينارين سلطت عليك!! فتدبر يا عبد الله!! قال تعالى: ﴿ إِنَّهُ لَيْسَ لَهُ سُلْطَانٌ عَلَى الَّذِينَ آمَنُوا وَعَلَى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ * إِنَّمَا سُلْطَانُهُ عَلَى الَّذِينَ يَتَوَلَّوْنَهُ وَالَّذِينَ هُمْ بِهِ مُشْرِكُونَ ﴾ [النحل: 99، 100]. فإن الشيطان لا سلطان له عليهم قال سبحانه: ﴿ إِنَّ عِبَادِي لَيْسَ لَكَ عَلَيْهِمْ سُلْطَانٌ ﴾ [الحجر: 42]. ولله در ابن القيم اذ يقول: والله ما عدا عليك العدو الا لما تخلى عنك المولى فلا تحسبن العدو غلب ولكن المولى تخلى ونحن نعلم - أيها الإخوة - أن الأمر كله لله وأن الملك كله لله وأنه لا يقع شيء في هذا الكون إلا بعلمه جل في علاه. قال تعالى: ﴿ وَعِنْدَهُ مَفَاتِحُ الْغَيْبِ لَا يَعْلَمُهَا إِلَّا هُوَ وَيَعْلَمُ مَا فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَمَا تَسْقُطُ مِنْ وَرَقَةٍ إِلَّا يَعْلَمُهَا وَلَا حَبَّةٍ فِي ظُلُمَاتِ الْأَرْضِ وَلَا رَطْبٍ وَلَا يَابِسٍ إِلَّا فِي كِتَابٍ مُبِينٍ ﴾ [الأنعام: 59]. لا تستطيع قوة على ظهر هذه الأرض أن تضر ولا تنفع إلا بإذن الله -جل وعلا- والأصل في كل هذا قول الله تعالى والنص يزيد في يقين القلوب المطمئنة، ويطمئن النفوس الحائرة القلقة. قال الله تعالى: "وما هم بضارين به من أحد إلا بإذن الله". الله أكبر.. ما شاء الله كان وما لم يشأ لم يكن ولو اجتمع سحرة أهل الأرض لا يستطيعون أن يؤثروا بسحرهم في مخلوق إلا بإذن الله. فوجه أخي الحبيب قلبك إلى ملك الملوك وجبار السموات والأرض وتوكل عليه وثق به فهو المرتجى وهو الملجأ والملاذ ولا حول ولا قوة إلا به.. من توكل عليه كفاه ومن اعتصم به نجاه ومن فوض إليه الأمر هداه. قال تعالى: "أليس الله بكاف عبده". وقال تعالى: "ومن يتوكل على الله فهو حسبه". يا صاحب الهم إن الهم منفرجٌ ![]() أبشر بخير فإن الفارج الله ![]() اليأس يقطع أحيانًا بصاحبه ![]() لا تيأسن فإن الفارج الله ![]() الله يحدث بعد العسر ميسرة ![]() لا تجزعن فإن الفارج الله ![]() إذا بليت فثق بالله وارض به ![]() إن الذي يكشف البلوى هو الله ![]() والله مالك غير الله من أحد ![]() فحسبك الله في كلٍّ، لك الله ![]()
__________________
|
الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1) | |
|
|
|
Powered by vBulletin V3.8.5. Copyright © 2005 - 2013, By Ali Madkour |