|
ملتقى الخطب والمحاضرات والكتب الاسلامية ملتقى يختص بعرض الخطب والمحاضرات الاسلامية والكتب الالكترونية المنوعة |
![]() |
|
أدوات الموضوع | انواع عرض الموضوع |
#1
|
||||
|
||||
![]()
__________________
|
#2
|
||||
|
||||
![]() تكفير المسلمين (2) الشيخ د. إبراهيم بن محمد الحقيل موانع التكفير الحمد لله؛ خلق عباده فكلفهم، وأنعم عليهم فهداهم، ويوم القيامة يجزاهم، أحمده على تتابع نعمه، وأشكره على عظيم مننه، وأشهد ألا إله إلا الله وحده لا شريك له {أمر ألا تعبدوا إلا إياه ذلك الدين القيم ولكن أكثر الناس لا يعلمون}، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله؛ أقام الحجة، وأوضح المحجة، ونصح للأمة، وجاهد في الله تعالى حق جهاده حتى توفاه الله تعالى، لا خير إلا دلنا عليه، ولا شر إلا حذرنا منه؛ صلى الله وسلم وبارك عليه وعلى آله وأصحابه؛ وصفهم الله تعالى بأنهم {أشداء على الكفار رحماء بينهم تراهم ركعا سجدا يبتغون فضلا من الله ورضوانا سيماهم في وجوههم من أثر السجود} والتابعين لهم بإحسان إلى يوم الدين. أما بعد : فأوصيكم -أيها الناس- ونفسي بتقوى الله عز وجل؛ فإنها نعم العدة، ليوم تستحكم فيه الشدة، وتشتد المحنة، وتعظم الكربة، حين يلجم الناس عرقهم؛ فاتقوا ربكم للنجاة من ذلك اليوم العصيب {ويوم القيامة ترى الذين كذبوا على الله وجوههم مسودة أليس في جهنم مثوى للمتكبرين وينجي الله الذين اتقوا بمفازتهم لا يمسهم السوء ولا هم يحزنون}. أيها الناس: شريعة الله تعالى وسط بين إفراط المفرطين، وتفريط المفرطين..وسط بين غلو الغالين، وتخذيل المخذلين، وهي الدين الحق الذي هو دين الأنبياء كلهم، ولا يقبل يوم القيامة من الأديان سواه {إن الدين عند الله الإسلام}، {ومن يبتغ غير الإسلام دينا فلن يقبل منه وهو في الآخرة من الخاسرين}. ومن اختار الإسلام دينا له فإنه لا يجوز الحكم بكفره إلا بناقض ينقض إسلامه، بعد أن تبين له الحجة، وتزال عنه الشبهة، فإن أصر بعد ذلك على ما بسببه يكفر فلا يجوز الحكم بإسلامه، وإلا لكان دين الإسلام ألعوبة في أيدي السفهاء والمحرفين، كما هو حال الأديان المحرفة أو الموضوعة. إن المسلم لا يكفر إلا إذا أنكر معلوما من الدين بالضرورة، أو اعتقد اعتقادا، أو قال قولا، أو فعل فعلا، قد انعقد الإجماع، أو دل الدليل الصحيح الصريح على أنه كفر ناقل عن الملة، ولا يكفر بارتكاب الكبائر والموبقات، ولو جاءت النصوص بلعن صاحبها أو غضب الله تعالى عليه، أو جاء فيها وعيد شديد بالعذاب والنار، إلا أن يستحلها فيكفر بالاستحلال لا بمجرد الفعل. ولا يلزم من وقوع المسلم في مكفر من المكفرات الواضحة الحكم بكفره ابتداء حتى ينقطع عذره بتوافر الشروط، وارتفاع الموانع من الجهل والتأويل والإكراه، وعلى ذلك دلت نصوص الكتاب والسنة، وانعقد إجماع سلف الأمة،خلافا للفرق الضالة في هذا الباب. أما الإكراه فقد رخص الله تعالى لمن غلب على ظنه أنه يقتل أو يعذب أن يقول الكفر أو يفعله مع سلامة قلبه منه، وطمأنينته بالإيمان {من كفر بالله من بعد إيمانه إلا من أكره وقلبه مطمئن بالإيمان ولكن من شرح بالكفر صدرا فعليهم غضب من الله ولهم عذاب عظيم}. نزلت هذه الآية في عمار بن ياسر رضي الله عنهما حين عذبه المشركون، وما تركوه حتى سب النبي صلى الله عليه وسلم، وذكر آلهتهم بخير، فشكا ذلك إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال: يا رسول الله، ما تركت حتى سببتك وذكرت آلهتهم بخير، قال: كيف تجد قلبك؟ قال: مطمئنا بالإيمان، فقال: إن عادوا فعد). قال الحافظ ابن كثير رحمه الله تعالى:ولهذا اتفق العلماء على أن المكره على الكفر يجوز له أن يوالي إبقاء لمهجته. وهذه الرخصة رحمة من الله تعالى بعباده، فما كل الناس يطيق العذاب، ويواجه الموت في سبيل دينه، ومن ثبت على دينه ولو أفضى ذلك إلى تعذيبه وقتله فهو أفضل عند الله تعالى. كما ثبت بلال رضي الله عنه، وأغاظ المشركين وهم يفعلون به الأفاعيل؛ حتى كانوا يضعون الصخرة العظيمة على صدره في شدة الحر ويأمرونه بالشرك بالله فيأبى عليهم وهو يقول: أحد أحد، ويقول: والله لو أعلم كلمة هي أغيظ لكم منها لقلتها رضي الله عنه وأرضاه. وكذلك حبيب بن زيد الأنصاري لما قال له مسيلمة الكذاب: أتشهد أن محمدا رسول الله ؟ قال: نعم، فيقول مسيلمة: أتشهد أني رسول الله؟ فيقول: لا أسمع، فلم يزل يقطعه إربا إربا وهو ثابت على ذلك حتى لقي الله تعالى، فرضي الله عنه وأرضاه. وقد نهى الله تعالى عباده المؤمنين أن يتخذوا الكافرين أولياء إلا أن يخافوهم على أنفسهم، فيصانعوهم؛ درءا لشرهم، وردا لخطرهم، مع بغضهم لهم، ومعونة المؤمنين عليهم {لا يتخذ المؤمنون الكافرين أولياء من دون المؤمنين ومن يفعل ذلك فليس من الله في شيء إلا أن تتقوا منهم تقاة ويحذركم الله نفسه وإلى الله المصير}. أي: إلا أن تخافوا على أنفسكم في إبداء العداوة للكافرين، فلكم في هذه الحال الرخصة في المسالمة والمهادنة، لا في التولي الذي هو محبة القلب الذي تتبعه النصرة. قال ابن كثير رحمه الله تعالى وقوله تعالى {إلا أن تتقوا منهم تقاة} أي: إلا من خاف في بعض البلدان والأوقات من شرهم فله أن يتقيهم بظاهره لا بباطنه ونيته؛ كما قال البخاري: عن أبي الدرداء رضي الله عنه أنه قال: إنا لنكشر في وجوه أقوام وقلوبنا تلعنهم. اهـ. والجهل مانع من وصف المسلم بالكفر، إذا كان مثله يجهل الكفر الذي قاله أو فعله، ولو أتى ناقضا من نواقض الإسلام؛ حتى يرفع جهله بالعلم، وتقام عليه الحجة. عن أبي سعيد رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم أن رجلا كان قبلكم رغسه الله مالا- أي: كثر ماله أو جعل له أصلا من مال - فقال لبنيه لما حضر: أي أب كنت لكم قالوا: خير أب قال فإني لم أعمل خيرا قط فإذا مت فأحرقوني ثم اسحقوني ثم ذروني في يوم عاصف، ففعلوا فجمعه الله عز وجل فقال: ما حملك؟ قال مخافتك، فتلقاه برحمته). وفي رواية: (فجمعه الله فقال: لم فعلت؟ قال: من خشيتك، فغفر له) رواه البخاري. وفي رواية لمسلم من حديث أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: أسرف رجل على نفسه، فلما حضره الموت أوصى بنيه فقال: إذا أنا مت فأحرقوني ثم اسحقوني ثم أذروني في الريح في البحر فوالله لئن قدر علي ربي ليعذبني عذابا ما عذبه به أحدا، قال: ففعلوا ذلك به، فقال الله تعالى للأرض: أدي ما أخذت، فإذا هو قائم، فقال له: ما حملك على ما صنعت؟ فقال: خشيتك يا رب، أو قال: مخافتك فغفر له بذلك). قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله تعالى: فهذا الرجل اعتقد أن الله تعالى لا يقدر على جمعه إذا فعل ذلك أو شك، وأنه لا يبعثه، وكل من هذين الاعتقادين كفر يكفر من قامت عليه الحجة لكنه كان يجهل ذلك، ولم يبلغه العلم بما يرده عن جهله وكان عنده إيمان بالله وبأمره ونهيه ووعده ووعيده، فخاف من عقابه فغفر الله له بخشيته، فمن أخطأ في بعض مسائل الاعتقاد من أهل الإيمان بالله وبرسوله وباليوم الآخر والعمل الصالح لم يكن أسوأ حالا من هذا الرجل فيغفر الله تعالى خطأه أو يعذبه إن كان منه تفريط في اتباع الحق على قدر دينه، وأما تكفير شخص علم إيمانه بمجرد الغلط في ذلك فعظيم) اهـ. وقال ابن القيم رحمه الله تعالى: غفر الله تعالى له ورحمه لجهله؛ إذ كان ذلك الذي فعله مبلغ علمه، ولم يجحد قدرة الله تعالى على إعادته عنادا أو تكذيبا) اهـ. والمسلم قد تعرض له شبهة فتوقعه في الغلط، فيفهم النصوص على غير وجهها، فيقول كفرا أو يفعله، فليس لأحد أن يحكم عليه بالكفر حتى يزيل شبهته، ويصحح غلطه، فإن أصر بعد ذلك على ما به يكفر كفر ظاهرا وأقيم عليه حد الردة، وسريرته إلى الله تعالى، وقد وقع لبعض الصحابة شيء من ذلك؛ كما روى عبدالله بن عامر رضي الله عنهما: أن عمر رضي الله عنه استعمل قدامة بن مظعون رضي الله عنه على البحرين فقدم الجارود سيد عبد القيس على عمر رضي الله عنهما فقال: يا أمير المؤمنين إن قدامة شرب فسكر وإني رأيت حدا من حدود الله حقا علي أن أرفعه إليك فقال: عمر رضي الله عنه من شهد معك؟ قال: أبو هريرة، فدعا عمر أبا هريرة رضي الله عنهما فشهد عليه عند عمر، ثم كتب عمر إلى قدامة أن يقدم عليه من البحرين، واستشهد عمر زوجة قدامة فأقامت الشهادة على زوجها، فقال عمر لقدامة رضي الله عنهما: إني حادك، فقال: لو شربت كما يقولون ما كان لكم لتجلدوني، فقال عمر رضي الله عنه: لم؟ قال قدامة رضي الله عنه: قال الله عز وجل: {ليس على الذين آمنوا وعملوا الصالحات جناح فيما طعموا...الآية} قال عمر رضي الله عنه: أخطأت التأويل، إن اتقيت الله عز وجل اجتنبت ما حرم الله تعالى عليك، فجلده عمر حد الخمر). قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله تعالى: وقد كان بعض الصحابة ظن أن الخمر حرمت على العامة دون الذين آمنوا وعملوا الصالحات، فشربها متأولا، فأحضره عمر، واتفق هو وأئمة الصحابة كعلي وغيره على أنهم إن أصروا على استحلالها كفروا، وان اقروا بالتحريم جلدوا، فأقروا بالتحريم، ثم حصل لذلك نوع من اليأس والقنوط لما فعل، فكتب إليه عمر {حم تنزيل الكتاب من الله العزيز العليم غافر الذنب وقابل التوب شديد العقاب} [سورة غافر1 3]، وأظنه قال: ما أدري أي ذنبيك أعظم: استحلالك الرجس أم يأسك من رحمة الله تعالى، وهذا من علم أمير المؤمنين وعدله؛ فإن الفقيه كل الفقيه لا يؤيس الناس من رحمة الله تعالى، ولا يجرئهم على معاصي الله تعالى، واستحلال المحرمات كفر واليأس من رحمة الله عز وجل كفر؛ ولهذا كان دين الله تعالى بين الحرورية والمرجئة) اهـ. أسأل الله تعالى أن يرزقنا الفقه في الدين، وأن يثبتنا على الحق المبين، وأن يحفظنا وإخواننا المسلمين من مظلات الفتن والأهواء، إنه سميع قريب. أعوذ بالله من الشيطان الرجيم {يا داود إنا جعلناك خليفة في الأرض فاحكم بين الناس بالحق ولا تتبع الهوى فيضلك عن سبيل الله إن الذين يضلون عن سبيل الله لهم عذاب شديد بما نسوا يوم الحساب}. بارك الله لي ولكم في القرآن العظيم. الخطبة الثانية الحمد لله؛ قضى بالحق، وأمر بالعدل، وهو بكل شيء عليم، وعلى كل شيء شهيد، أحمده وأشكره، وأتوب إليه وأستغفره، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله صلى الله وسلم وبارك عليه وعلى آله وأصحابه ومن اهتدى بهداهم إلى يوم الدين. أما بعد : فاتقوا الله تعالى - أيها المسلمون - وأطيعوه {يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله وقولوا قولا سديدا * يصلح لكم أعمالكم ويغفر لكم ذنوبكم ومن يطع الله ورسوله فقد فاز فوزا عظيما}. أيها المسلمون:قضية الإيمان والكفر من أخطر القضايا في دين الله تعالى، وقد ضل فيها طوائف كثيرة في كثير من الأمصار والأزمان، واحتار كثير من الناس بسبب الاختلاف فيها بين المفرطين والمفرطين؛ فأقوام عرضت لهم بعض الشبهات في إخوانهم المسلمين فكفروهم ثم قاتلوهم بناء على تكفيرهم لهم، ونتج عن ذلك مفاسد عظيمة من إيقاع الكفر على من لا يستحقه، ثم الاعتداء عليه، واستباحة دمه وماله؛ وقد جاء عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال (لا يحل دم امريء مسلم إلا بإحدى ثلاث: رجل كفر بعد إسلامه، أو زنى بعد إحصانه، أو قتل نفسا بغير نفس). ومن الظلم العظيم في هذا الباب: القول بالإرجاء، ونفي الكفر عمن يستحقه من الكفار الأصليين كاليهود والنصارى والوثنيين، أو المرتدين الذين يعلنون رفضهم لشريعة الله تعالى مع قيام الحجة عليهم، واستبانة المحجة لهم، بحجة أن وصفهم بالكفر لا يتناسب مع ثقافة الحوار، وقبول الرأي الآخر، وغير ذلك من الحجج الواهية التي تلغى بها شريعة رب العالمين؛ إرضاء للكافرين والمنافقين، ومن وافقهم من الظالمين والجاهليين؛ بل إن بعض من ضلوا في هذا الباب يزعمون أن الحق خفي، أو أن الأديان كلها موصلة لرضى رب العالمين، فلا يجوز الاختلاف بسببها،وكل هذه الأقاويل ظلمات بعضها فوق بعض، وضلال كبير، من قال به فهو يلغي الإسلام جملة وتفصيلا، وقد كفر الله تعالى من استحق الكفر من عباده، فقال عز وجل: {لقد كفر الذين قالوا إن الله هو المسيح ابن مريم} وقال سبحانه {لقد كفر الذين قالوا إن الله ثالث ثلاثة} وكثر في سنة النبي صلى الله عليه وسلم لعن اليهود والنصارى، والحكم عليهم بالنار خالدين فيها أبدا ما داموا على عدم إيمانهم بالنبي صلى الله عليه وسلم كما روى مسلم من حديث أبي هريرة رضي الله عنه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال والذي نفس محمد بيده لا يسمع بي أحد من هذه الأمة يهودي ولا نصراني ثم يموت ولم يؤمن بالذي أرسلت به إلا كان من أصحاب النار). فالحق أحق أن يتبع، ودين الله تعالى وسط بين الغالين والجافين، ولن يضره ضلال الضالين، ولا تحريف المحرفين، ولا تخذيل المخذلين، الذين جعلوا من مهماتهم تحريف الكلم عن مواضعه، وتبديل كلام الله تعالى، وتصدير الفتاوى الشاذة التي ليس لهم فيها سلف، وهي مصادمة للنصوص القطعية من الكتاب والسنة؛ ليشتروا بها ثمنا قليلا، ولينالوا عرضا من عرض الدنيا، كما فعل أسلافهم من أحبار اليهود، ورهبان النصارى {فويل للذين يكتبون الكتاب بأيديهم ثم يقولون هذا من عند الله ليشتروا به ثمنا قليلا فويل لهم مما كتبت أيديهم وويل لهم مما يكسبون}. ألا فاتقوا الله ربكم، واستمسكوا بدينكم، وعضوا عليه بالنواجذ، ولا تغرنكم أقوال المخذلين، وتشكيك المشككين، وتلاعب المتلاعبين بدين الله تعالى؛ فإنهم يضرون أنفسهم،ولن يضروا الله تعالى ولا شريعته شيئا، وسيعلم الذين ظلموا أي منقلب ينقلبون. وصلوا وسلموا على نبيكم....
__________________
|
#3
|
||||
|
||||
![]() تكفير المسلمين (3) الشيخ د. إبراهيم بن محمد الحقيل تعميم التكفير سلاح المبتدعة الحمد لله الغفور الحليم؛ وفق من شاء من عباده للخير والهدى، وانحرف عن صراطه أهل الردى ï´؟ فَرِيقًا هَدَى وَفَرِيقًا حَقَّ عَلَيْهِمُ الضَّلَالَةُ إِنَّهُمُ اتَّخَذُوا الشَّيَاطِينَ أَوْلِيَاءَ مِنْ دُونِ الله وَيَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ مُهْتَدُونَ ï´¾ [الأعراف:30] نحمده على نعمه العظيمة، ونشكره على آلائه الجسيمة، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له؛ رحم عباده المؤمنين فكلفهم من العمل ما يستطيعون، ورفع عنهم ما لا يطيقون ï´؟ هُوَ اجْتَبَاكُمْ وَمَا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ ï´¾ [الحج: 78] وأشهد أن محمدا عبده ورسوله؛ بُعِث بالحنيفية السمحة التي لا غلو فيها ولا تقصير، ولا إفراط ولا تفريط صلى الله وسلم وبارك عليه وعلى آله وأصحابه وأتباعه إلى يوم الدين. أما بعد: فاتقوا الله عباد الله وأطيعوه، وأقيموا له دينكم، وأسلموا له قلوبكم، وأخلصوا له أعمالكم؛ فمن فعل ذلك فاز يوم العرض الأكبر ï´؟ بَلَى مَنْ أَسْلَمَ وَجْهَهُ لله وَهُوَ مُحْسِنٌ فَلَهُ أَجْرُهُ عِنْدَ رَبِّهِ وَلَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ ï´¾[البقرة: 112]. أيها الناس: الجهل والهوى داءان يفتكان بالناس، ويوردان المهالك في الدنيا والآخرة؛ فإن الجهل لا ينفع معه قليل العمل ولا كثيره، وكم من مقيم على ضريح يدعو صاحبه ويبكي بخشوع وخضوع قد أظمأ نهاره، وأسهر ليله، لا يزيده ذلك إلا بعدا من الله تعالى ومقتا ï´؟ ضَلَّ سَعْيُهُمْ فِي الحَيَاةِ الدُّنْيَا وَهُمْ يَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ يُحْسِنُونَ صُنْعًا ï´¾ [الكهف: 104]!! وأما اتباع الهوى فهو سببٌ للضلال، ورفضِ الحق، وإتيان الباطل، وقد قال الله تعالى لداود عليه السلام ï´؟ وَلَا تَتَّبِعِ الهَوَى فَيُضِلَّكَ عَنْ سَبِيلِ الله ï´¾ [ص: 26] وجاء عن علي رضي الله عنه أنه قال: ((إن اتباع الهوى يصد عن الحق)). وكل ضلال وقع في البشر فهو راجع إلى الجهل أو الهوى، وكان ضلال النصارى عن الحق سببه الجهل، كما كان سبب ضلال اليهود اتباع الهوى؛ ولذا أمر الله تعالى بالعلم لرفع الجهل ï´؟ فَاعْلَمْ أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ ï´¾ [محمد: 19] وأول الآيات القرآنية نزولا على النبي صلى الله عليه وسلم كانت تأمر بالقراءة، وما ذاك إلا لرفع الجهل، ونهى الله تعالى رسوله صلى الله عليه وسلم عن اتباع أهواء الناس ï´؟ وَلَا تَتَّبِعْ أَهْوَاءَهُمْ عَمَّا جَاءَكَ مِنَ الحَقِّ ï´¾ [المائدة: 48] وبيَّن سبحانه أن اتباع الهوى يقود إلى الضلال ï´؟ وَمَنْ أَضَلُّ مِمَّنَ اتَّبَعَ هَوَاهُ بِغَيْرِ هُدًى مِنَ الله ï´¾ [القصص: 50] والجنة موعد من أخضع هواه للحق، ولم يلو الحق لأجل هواه ï´؟ وَأَمَّا مَنْ خَافَ مَقَامَ رَبِّهِ وَنَهَى النَّفْسَ عَنِ الهَوَى * فَإِنَّ الجَنَّةَ هِيَ المَأْوَى ï´¾ [النَّازعات: 40-41]. وأمة محمد صلى الله عليه وسلم معصومة من إطباق الجهل على جميع أفرادها فيضلون عن دينهم، ويجهلون شريعتهم؛ لأن الله تعالى قد حفظ دينها ببقاء طائفة منها تتعلمه وتبلغه، كما عصمها الله تعالى من اجتماعها على ضلالة؛ فإن طائفة منها لا تزال على الحق إلى آخر الزمان، لكن لا يلزم من ذلك عدم تسرب انحرافات متنوعة إلى الأمة المسلمة سببها الجهل أو الهوى فيضل بها فئام من الأمة ضلالا متفاوتا بحسب ما فيهم من الجهل والهوى؛ ولذا أخبر النبي صلى الله عليه وسلم بافتراق هذه الأمة كما افترقت الأمم السالفة، ولا يبقى على الحق إلا من التزم الكتاب والسنة، ورفع جهله بالعلم، وأخضع هواه للحق. والافتراق في هذه الأمة بدت بوادره بوفاة النبي صلى الله عليه وسلم وصاحبيه أبي بكر وعمر رضي الله عنهما، واشتدَّ الافتراق وتنافرت القلوب بمقتل عثمان وعلي رضي الله عنها، فأشعل المنافقون والحاقدون على الإسلام فتيل الفتن والحروب والثارات التي مزقت المسلمين، وفرقت كلمتهم، وجعلتهم شيعا وأحزابا يلعن بعضها بعضا، وكل فرقة منهم تدعي أن الحق معها دون غيرها، مع أن النبي صلى الله عليه وسلم بيَّن في حديث الافتراق أن أهل الحق من أمته هم من تمسكوا بسنته، وساروا على منهج أصحابه رضي الله عنهم فقال صلى الله عليه وسلم: ((وَالَّذِي نَفْسُ مُحَمَّدٍ بيده لَتَفْتَرِقَنَّ أُمَّتِي على ثَلَاثٍ وَسَبْعِينَ فِرْقَةً وَاحِدَةٌ في الْجَنَّةِ وَثِنْتَانِ وَسَبْعُونَ في النَّارِ، قِيلَ: يا رَسُولَ الله من هُمْ؟ قال: الْجَمَاعَةُ)). وفي رواية قال: ((ما أنا عليه اليوم وأصحابي)). وكان من أكبر نتائج هذا الافتراق وآثاره السيئة على الأمة: تكفير بعضها بعضا، ونتج عنه رفع السلاح، واستحلال الدماء، منذ مقتل عثمان رضي الله عنه إلى يومنا هذا. وأكبر الفرق المنسوبة إلى أهل القبلة التي أصلَّت للتكفير، واستحلت به دماء المسلمين، ورفعت به السلاح على كل مخالف لها فرقتان: الخوارج والشيعة الإمامية. أما الخوارج فقد أُتُوا من قِبَلِ غلوهم في الدين، وجهلهم بشريعة رب العالمين، وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم ((هَلَكَ الْمُتَنَطِّعُونَ)). رواه مسلم. وقال في حديث آخر: ((وَإِيَّاكُمْ وَالْغُلُوَّ في الدِّينِ فَإِنَّمَا أَهْلَكَ من كان قَبْلَكُمْ الْغُلُوُّ في الدِّينِ)). رواه النسائي. وقال في حديث ثالث: ((إِنَّ الدِّينَ يُسْرٌ وَلَنْ يُشَادَّ الدِّينَ أَحَدٌ إلا غَلَبَهُ)). رواه البخاري. وقد بين النبي صلى الله عليه وسلم جهل الخوارج الفاضح بأوجز عبارة، وأبلغ وصف فقال صلى الله عليه وسلم ((يقرؤون الْقُرْآنَ لَا يُجَاوِزُ حَنَاجِرَهُمْ يَمْرُقُونَ من الدِّينِ مُرُوقَ السَّهْمِ من الرَّمِيَّةِ يَقْتُلُونَ أَهْلَ الْإِسْلَامِ وَيَدَعُونَ أَهْلَ الْأَوْثَانِ)). رواه الشيخان. وهذا الجهل فيهم قادهم إلى الطعن في كبار الصحابة رضي الله عنهم، وبغضهم وتكفيرهم واستحلال دمائهم وأموالهم، مع حرجهم الشديد من أموال أهل الذمة ودمائهم؛ ولذلك رفض الخوارج إمامة عثمان بعد الخلاف والفتنة، كما لم يُسلموا بإمامة علي رضي الله عنه، وكفَّروه مع جمع من الصحابة رضي الله عنهم منهم معاوية وأبو موسى وعمرو بن العاص رضي الله عنهم، بل استحلوا دماءهم، وقتلوا عليا رضي الله عنه. ومن شنيع جهلهم أنهم سألوا عبد الله بن خباب رضي الله عنه عن رأيه في عثمان وعلي رضي الله عنهما فأثنى عليهما خيرا، فقتلوه وبقروا بطن أم ولده وكانت حبلى، ثم مرَّ بهم خنزير لأهل الذمة فقتله أحدُهم فتحرجوا من ذلك، وبحثوا عن صاحب الخنزير فأرضوه بمال مقابل خنزيره، فأدى بهم جهلهم إلى التحرج من قتل خنزير لأهل الذمة، ولم يتحرجوا من قتل صحابي جليل، وبقر بطن أم ولده، نعوذ بالله تعالى من الجهل والهوى. وأما الرافضة الإمامية فشأنهم في تكفير المسلمين، واستحلال دمائهم أعظم وأخطر من الخوارج، فإنهم يكفرون جميع الصحابة رضي الله عنهم، ويرون أنهم مرتدون إلا ثلاثة هم: سلمان الفارسي، وأبو ذر الغفاري، والمقداد بن الأسود رضي الله عنهم وعن الصحابة أجمعين، وأسندوا كذبا إلى موسى ابن جعفر الإمام السابع عندهم أنه قال: (( إذا كان يوم القيامة نادى مناد: أين حواري محمد بن عبد الله رسول الله الذين لم ينقضوا عليه، فيقوم سلمان والمقداد وأبو ذر)). وفي نصوص أخرى أضافوا عليا رضي الله عنه مع هؤلاء الثلاثة، وهذا من حمقهم وخذلانهم؛ إذ لازم ذلك أنهم يُكفِّرون الصحابة من آل البيت كالحسن والحسين وخديجة وفاطمة وبقية آل علي وآل العباس وآل جعفر وآل عقيل، فإن هؤلاء لم يقع عليهم الاستثناء كما وقع على الأربعة المذكورين، وهذه نتيجة من نتائج الكذب واختلاق الآثار على آل البيت، فالكذاب لا بدَّ أن يقع في شر كذبه من حيث لا يدري. وأما تكفيرهم لعموم المسلمين واستحلال دمائهم فتنضح به كتبهم، وتتواتر فيه آثارهم المختلقة، كما في الأنوار النعمانية وهو من أشهر كتبهم قال فيه عن أهل السنة: ((إنهم كفار أنجاس بإجماع شيوخ الشيعة الإمامية، وإنهم شرٌ من اليهود والنصارى)). وقال المجلسي وهو من علمائهم: ((إنهم في الدنيا في حكم الكفار..وفي الآخرة يدخلون النار ماكثين فيها أبدا مع الكفار..)). وتكفيرهم للمسلمين مبنيٌ على عنصرية بغيضة، يغلب على الظن أنهم ورثوها من اليهود، كما ورثوا عنهم كثيرا من معتقداتهم، ففاحت عنصريتهم من كتبهم ورواياتهم، حتى أدى بهم الكذب إلى اختلاق روايات تزعم أنهم خلقوا من طينة غير الطينة التي خلق سائر الناس منها، ويكفي قبحا في تقرير عنصريتهم ما روى الكليني عن أبي جعفر قال: ((والله إن الناس كلهم أولاد بغايا ماخلا شيعتنا)). وروى أئمتهم في كتب تفسيرهم وحديثهم عن جعفر بن محمد قال: ((ما من مولود يولد إلا وإبليسٌ من الأبالسة بحضرته فإن علم أنه من شيعتنا حجبه عن ذلك الشيطان، وإن لم يكن من شيعتنا أثبت الشيطان إصبعه السبابة في دبره فكان مأبونا، فإن كانت امرأة أثبته في فرجها فكانت فاجرة)). وهذه العنصرية المذهبية تجعلهم يكفرون غيرهم ممن لا يوافقهم في ضلالاهم، ولو كانوا صحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم وأمناءه على دينه؛ نعوذ بالله تعالى من الجهل والهوى، ونسأله سبحانه أن يحفظنا والمسلمين من مضلات الفتن والأهواء، إنه سميع مجيب، وأقول ما تسمعون وأستغفر الله لي ولكم. الخطبة الثانية الحمد لله حمدا كثيرا طيبا مباركا فيه يليق بجلال ربنا وعظيم سلطانه، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله صلى الله وسلم وبارك عليه وعلى آله وأصحابه ومن اهتدى بهداهم إلى يوم الدين. أما بعد: فاتقوا الله تعالى أيها الناس وأطيعوه ï´؟ وَاتَّقُوا النَّارَ الَّتِي أُعِدَّتْ لِلْكَافِرِينَ * وَأَطِيعُوا اللهَ وَالرَّسُولَ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ ï´¾ [آل عمران: 131-132]. أيها المسلمون: مسألةُ تكفير المسلمين من المسائل الخطيرة التي ضلَّ فيها الجهلة وأهل الأهواء، فاستحلوا دماء المسلمين بجهلهم وهواهم، فقابل هؤلاء الغلاةُ المفْرِطُون جفاة مُفَرِّطون فنفوا التكفير عمن كفر الله تعالى ورسوله صلى الله عليه وسلم من اليهود والنصارى والمشركين والمرتدين، وزعم بعضهم أن الإيمان يكفي فيه مجرد الإقرار، أو قول اللسان، وحصروا الكفر في الاعتقاد فحسب، وكلا الطائفتين على خطر عظيم، ووقعوا في خطأ جسيم. وأما أهل الحق والعدل المتبعون للكتاب والسنة فيحكمون بالكفر على من كفره الله تعالى أو رسوله صلى الله عليه وسلم ويرون أن الكفر يكون بالقول وبالفعل وبالاعتقاد كما دلت على ذلك النصوص، ويبرءون إلى الله تعالى من تكفير المسلمين، ويرون أن من وقع في الكفر فلا يُحكم بكفره حتى تقام عليه الحجة، ويُزال عنه العذر، فقد يقع المسلم في الكفر ولا يحكم بكفره؛ لجهله، أو خطئه، أو تأوله، أو إكراهه. ولَأَنْ يُخطئ العبد في نفي الكفر عمن يستحقه من المرتدين خير من أن يحكم بكفر من لا يستحق الكفر فيبوء بإثمه، كما أن الخطأ في العفو أهون من الخطأ في العقوبة، وقد روى ابن عمر رضي الله عنهما أَنَّ رَسُولَ الله صلى الله عليه وسلم قال: ((أَيُّمَا رَجُلٍ قال لِأَخِيهِ يا كَافِرُ فَقَدْ بَاءَ بها أَحَدُهُمَا)).رواه الشيخان. وسبب ذلك أن التكفير بلا حق يترتب عليه أحكام كثيرة من أعظمها استحلال الدماء المعصومة وقد قال الله تعالى ï´؟ وَلَا تَقْتُلُوا النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللهُ إِلَّا بِالحَقِّ ï´¾ [الإسراء: 33] وقال سبحانه ï´؟ وَمَنْ يَقْتُلْ مُؤْمِنًا مُتَعَمِّدًا فَجَزَاؤُهُ جَهَنَّمُ خَالِدًا فِيهَا وَغَضِبَ اللهُ عَلَيْهِ وَلَعَنَهُ وَأَعَدَّ لَهُ عَذَابًا عَظِيمًا ï´¾ [النساء: 93] وروى ابن عُمَرَ رضي الله عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((لا يَزَالَ الْمُؤْمِنُ في فُسْحَةٍ من دِينِهِ ما لم يُصِبْ دَمًا حَرَامًا)).رواه البخاري. وفي حديث عبد الله بن عَمْرٍو رضي الله عنهما أَنَّ النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((لَزَوَالُ الدُّنْيَا أَهْوَنُ على الله من قَتْلِ رَجُلٍ مُسْلِمٍ)).رواه الترمذي والنسائي. وسبب الوقوع في هذا المزلق العظيم الجهل أو الهوى، وهذان الداءان الكبيران هما اللذان أوقعا أهل البدع من الخوارج والرافضة في تكفير المسلمين واستحلال دمائهم، فمن وقع فيما وقعوا فيه كان متشبها بأهل البدعة في بعض خصالهم. والجهل والهوى هما السببان فيما وقع من استهداف بلاد المسلمين ومنافعهم على أيدي بعض أبنائهم بالتفجير والتخريب الذي فرح به الكفار والمنافقون، وتضرر بنتائجه المسلمون. فواجب على المسلم أن يحفظ نفسه ورعيته من القول على الله تعالى بلا علم، ومن الوقوع في استحلال من عصم الله تعالى دماءهم من إخوانه المسلمين؛ فإن شأن الدماء عظيم، وهي أول ما يقضى فيه بين العباد يوم القيامة، فهنيئا لمن سلمت يداه من دماء المسلمين، وسلم لسانه من أعراضهم، والْمُسْلِمُ من سَلِمَ الْمُسْلِمُونَ من لِسَانِهِ وَيَدِهِ، كما جاء في الحديث.. وإن في أمة الإسلام ما يكفي من أدواء التفرق والاختلاف، فليست بحاجة إلى من يزيدها تمزقا وتفرقا، وأعداء الإسلام قد أحاطوا بها من كل جانب، فما أحوج أبناء الأمة إلى اجتماع الكلمة، ورأب الصدع، وإزالة أسباب الاختلاف والتفرق، وقد قال الله تعالى ï´؟ وَأَطِيعُوا اللهَ وَرَسُولَهُ وَلَا تَنَازَعُوا فَتَفْشَلُوا وَتَذْهَبَ رِيحُكُمْ وَاصْبِرُوا إِنَّ اللهَ مَعَ الصَّابِرِينَ ï´¾ [الأنفال: 46]. وصلوا وسلموا على نبيكم..
__________________
|
![]() |
الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1) | |
|
|
|
Powered by vBulletin V3.8.5. Copyright © 2005 - 2013, By Ali Madkour |