{وما نرسل بالآيات إلا تخويفا} - ملتقى الشفاء الإسلامي

 

اخر عشرة مواضيع :         تفسير جامع البيان عن تأويل آي القرآن للإمام الطبري .....متجدد (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 1329 - عددالزوار : 138238 )           »          شرح كتاب الحج من صحيح مسلم (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 57 - عددالزوار : 42220 )           »          حكم من تأخر في إخراج الزكاة (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 20 )           »          حكم من اكتشف أنه على غير وضوء في الصلاة (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 18 )           »          المسيح ابن مريم عليه السلام (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 20 - عددالزوار : 5466 )           »          يا ربيعة ألا تتزوج؟! وأنتم أيها الشباب ألا تتزوجون؟! (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 14 )           »          فضائل الحسين بن علي عليهما السلام (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 28 )           »          سودة بنت زمعة - رضي الله عنها - (صانعة البهجة في بيت النبوة) (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 20 )           »          حجة الوداع (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 20 )           »          التشريع للحياة وتنظيمها (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 20 )           »         

العودة   ملتقى الشفاء الإسلامي > قسم الصوتيات والمرئيات والبرامج > ملتقى الصوتيات والاناشيد الاسلامية > ملتقى الخطب والمحاضرات والكتب الاسلامية
التسجيل التعليمـــات التقويم

ملتقى الخطب والمحاضرات والكتب الاسلامية ملتقى يختص بعرض الخطب والمحاضرات الاسلامية والكتب الالكترونية المنوعة

 
 
أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
Prev المشاركة السابقة   المشاركة التالية Next
  #1  
قديم 08-04-2020, 05:04 AM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم غير متصل
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 158,090
الدولة : Egypt
افتراضي {وما نرسل بالآيات إلا تخويفا}

{وما نرسل بالآيات إلا تخويفا}


الشيخ عبدالله بن محمد البصري




أيُّها المُسلِمونَ:
تابَعتُم ما نَقلَتْهُ وسائِلُ الإعلامِ، ممَّا حَدَثَ مِن هزَّاتٍ أرضيَّةٍ في بَعضِ المُحافَظاتِ في مِنطَقةِ المَدينةِ النَّبويَّةِ، هزَّاتٌ لا تَكادُ تُمَثِّلُ شَيئًا يُذكَرُ، نِسبةً إلى ما يَقَعُ في جِهاتٍ أُخرَى مِن الأرضِ؛ لَكِنَّها كانَت كافيةً لِتَرويعِ النَّاسِ وإخراجِهِم مِن مَنازِلِهِم وتَكديرِ صَفوِهِم، يَسمَعونَ أصواتًا كالرَّعدِ، ويُحِسُّونَ بِحَرَكةٍ غَريبةٍ في المَنازِلِ، أطفالٌ يَستَيقِظونَ لِهَذا ويَبكونَ، وآباءٌ وأُمَهَّاتٌ يَطيرُ نَومُهُم ويَقلَقونَ، لا يَدرونَ ماذا سَيَحدُثُ لهم؟ وما مَصيرُ مَنازِلِهِم ومَزارِعِهِم؟ هَل يَستَجيبونَ لِنِداءاتِ المُسؤولينَ ويَنزِحونَ عَن ديارِهِم الَّتي ألِفوها؟ أم يَبقَونَ فيها لأنَّهُم اعتادوها وأحَبُّوها؟ وإذا كانَ الباحِثُ المُطَلِّعُ يَعلَمُ أنَّ لِما يَحدُثُ في الكَونِ أسبابًا ظاهِرةً وعِلَلاً مَحسوسةً، فَإنَّ المُؤمِنَ النَّاظِرَ بِنورِ اللهِ لَيَذهَبُ بِبَصيرَتِهِ إلى ما هوَ أبعَدُ مِن ذَلِكَ.

إذْ يَعلَمُ أنَّ للهِ في الكَونِ سُنَنًا مُحكَمةً، لَولا أمرُهُ لَما قامَت، وأنَّهُ - سُبحانَهُ - خالِقُ الأسبابِ ومُسَبَّباتِها، وهوَ الَّذي يُحَرِّكُ ما طَبعُهُ السُّكونُ مَتى شاءَ، ويُسَكِّنُ ما كانَ مُتَحَرِّكًا إذا أرادَ؛ {إِنَّمَا أَمرُهُ إِذَا أَرَادَ شَيئًا أَن يَقُولَ لَهُ كُن فَيَكُونُ} [يس: 82]، {إِنَّ رَبَّكُمُ اللهُ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالأَرضَ في سِتَّةِ أَيَّامٍ ثُمَّ استَوَى عَلَى العَرشِ يُغشِي اللَّيلَ النَّهَارَ يَطلُبُهُ حَثِيثًا وَالشَّمسَ وَالقَمَرَ وَالنُّجُومَ مُسَخَّرَاتٍ بِأَمرِهِ أَلاَ لَهُ الخَلقُ وَالأَمرُ تَبَارَكَ اللهُ رَبُّ العَالمِينَ} [الأعراف: 54]، وإنَّ مِن حِكمَتِهِ أن هَيَّأ الأرضَ لِعَيشِ الإنسانِ عَلى ظَهرِها، وذَلَّلَها لَهُ وسَخَّرَها، فَلَيتَ شِعري: ما الَّذي يُهَيِّجُها في بَعضِ المَواضِعِ فَيُخرِجُها عَن وقارِها وسُكونِها؟ أيُّ شَيءٍ يُغضِبُها أحيانًا حَتى تَموجَ وتَميدَ؟ أعافَت الاستِقرارَ والسُّكونَ؟ أمَلَّتِ الهُدوءَ والصَّمتَ؟

لا واللهِ، ولَكِنَّها زُلزِلَت بِأمرِ اللهِ؛ غَضَبًا لِمَحارِمِ اللهِ، لَمَّا عُبِدَ غَيرُ اللهِ عَلَى ظَهرِها، واقتُرِفَتِ الكَبائِرُ في بَرِّها وبَحرِها، لَمَّا حورِبَ دينُهُ في فِجاجِها، وأوذي عِبادُهُ في بِلادِها، لَمَّا شُرِّدَ المُجاهِدونَ في سَبيلِهِ في هِضابِها، وقُتِلَتِ العِفَّةُ والحياءُ في شِعابِها، لَمَّا شُرِبَتِ المُسكِراتُ عَلَى أرجائِها، وبورِزَ اللهُ بِالحَربِ في أنحائِها، لَمَّا كثُرَ الظُّلمُ والتَّعَسُّفُ، وانتَشَرَ الغِشُّ والخِداعُ، إذْ ذاكَ سُلِبَت نورَ الإيمانِ فَأظلَمَتْ، وحُرِمَتِ الاستِقرارَ فاهتَزَّت وتَزَلزَلَت.

رَوَى ابنُ أبي الدُّنيا عَن أنَسِ بنِ مالِكٍ: أنَّهُ دَخَلَ عَلى عائِشةَ هوَ ورَجُلٌ آخَرُ، فَقالَ لها الرَّجُلُ: يا أُمَّ المُؤمِنينَ، حَدِّثينا عَنِ الزَّلزَلةِ، فَقالَت: "إذا استَباحوا الزِّنا وشَرِبوا الخُمورَ وضَرَبوا بِالمَعازِفِ، غارَ اللهُ - عَزَّ وجَلَّ - في سَمائِهِ، فَقالَ لِلأرضِ: تَزَلزَلي بهم، فَإنْ تابوا ونَزَعوا وإلاَّ هَدَمَها عَلَيهِم"، قالَ: يا أُمَّ المُؤمِنينَ، أعَذابًا لهم؟ قالَت: "بَلْ مَوعِظةً ورَحمةً لِلمُؤمِنينَ، ونَكالاً وعَذابًا وسخطًا عَلَى الكافِرينَ".

أيُّها الإخوةُ:
إنَّ في هَذِهِ الهزَّاتِ لَتَذكيرًا لِلنَّاسينَ أوِ المُتَناسينَ مِن أهلِ الإسلامِ، بما يَحدُثُ مِن هزَّاتٍ في عالَمِ الكُفرِ والطُّغيانِ، ثمَّ إنَّ فيها لَذِكرَى بِزَلزَلةِ يَومٍ يَشيبُ لِهَولِهِ الوِلدانُ؛ قالَ - سُبحانَهُ -: {يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُم إِنَّ زَلزَلَةَ السَّاعَةِ شَيءٌ عَظِيمٌ * يَومَ تَرَونَهَا تَذهَلُ كُلُّ مُرضِعَةٍ عَمَّا أَرضَعَت وَتَضَعُ كُلُّ ذَاتِ حَملٍ حَملَهَا وَتَرَى ٱلنَّاسَ سُكَارَى وَمَا هُم بِسُكَارَى وَلَكِنَّ عَذَابَ ٱللهِ شَدِيدٌ} [الحج: 1، 2]، وإنَّ اللهَ - سُبحانَهُ - حَكيمٌ عَليمٌ فيما يَقضيهِ ويُقدِّرُهُ، وهوَ - سُبحانَهُ - يَخلُقُ ما يَشاءُ مِنَ الآياتِ تَخويفًا لِعِبادِه، وتَذكيرًا لهم بما يَجِبُ عَلَيهِم مِن حَقِّهِ، وتَحذيرًا لهم مِن مُخالَفةِ أمرِه وارتِكابِِ نَهيِه وتَعَدِّي حُدودِه؛ قالَ - سُبحانَهُ -: {وَمَا نُرسِلُ بِالآيَاتِ إِلا تَخوِيفًا} [الإسراء: 59] وقالَ - عَزَّ وجَلَّ -: {سَنُرِيهِم آيَاتِنَا في الآفَاقِ وَفي أَنفُسِهِم حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَهُم أَنَّهُ الحَقُّ} [فصلت: 53].

وإنَّ كَثرةَ الزَّلازِلِ مِن أشراطِ السَّاعةِ الَّتي أخبرَ النَّبيُّ - صَلَّى اللهُ علَيهِ وسلَّم - عَن وُقوعِها في آخِر الزَّمانِ؛ فقالَ: ((لا تَقُومُ السَّاعَةُ حَتى يُقبَضَ العِلمُ، ويَتَقارَبَ الزَّمانُ، وتَكثُرَ الزَّلازِلُ، وتَظهَرَ الفِتَنُ، ويَكثُرَ الهَرْجُ))، قيلَ: وما الهَرْجُ يا رَسولَ اللهِ؟ قالَ: ((القَتلُ القَتلُ)).

ولا شَكَّ أنَّ ما حَصَلَ مِن هَذِهِ الهَزَّاتِ - وإن كانَت خَفيفةً قياسًا بِغَيرِها - لا شَكَّ أنَّهُ مِن جُملةِ الآياتِ الَّتي يُخَوِّفُ اللهُ بها عِبادَه؛ لأنَّهُ لا يَحدُثُ في الوُجودِ ضَرَرٌ مِن الزَّلازِلِ أو الفَيَضاناتِ، أو الحَرائِقِ أو الحُروبِ وغَيرِها، ممَّا يُسبِّبُ لِلعِبادِ أنواعًا مِنَ الأذَى - إلاَّ بِأسبابِ الشِّركِ والمَعاصي؛ كَما قالَ - عَزَّ وجَلَّ -: {وَمَا أَصَابَكُم مِن مُصِيبَةٍ فَبِمَا كَسَبَت أَيدِيكُم وَيَعفُو عَن كَثِيرٍ} [الشورى: 30]، وكَما قالَ - تَعالى -: {مَا أَصَابَكَ مِن حَسَنَةٍ فَمِنَ اللهِ وَمَا أَصَابَكَ مِن سَيِّئَةٍ فَمِن نَفسِكَ} [النساء: 79]، وكَما قالَ - تَعالى - عَنِ الأُمَمِ الماضيةِ: {فَكُلاًّ أَخَذنَا بِذَنبِهِ، فَمِنهُم مَن أَرسَلْنَا عَلَيهِ حَاصِبًا وَمِنهُم مَن أَخَذَتهُ الصَّيحَةُ وَمِنهُم مَن خَسَفنَا بِهِ الأَرضَ وَمِنهُم مَن أَغرَقنَا وَمَا كَانَ اللهُ لِيَظلِمَهُم وَلَكِنْ كَانُوا أَنفُسَهُم يَظلِمُونَ} [العنكبوت: 40].

ولَكِنَّ النُّفوسَ الَّتي أعرَضَت عنِ اللهِ - تَعالى - تَأبى أن تَتَّخِذَ هَذِه الزَّلازِلَ آيةً وعِبرةً وعِظةً، وتَضِلُّ إذْ تَنسِبُها إلى ظَواهِرَ طَبيعيَّةٍ فَحَسبُ، زاعِمةً أنَّ لها أسبابًا مَعروفةً، وأنْ لا علاقةَ لها بِالمَعاصي والذُّنوبِ، ويَقولونَ كَما قَال مَن ساروا عَلى دَربِه ممَّن سَبَقَهم: {قَدْ مَسَّ آبَاءَنَا الضَّرَّاءُ وَالسَّرَّاءُ} [الأعراف: 95]، فَيَعُدُّونَ ذَلِكَ حالةً طَبيعيَّةً ولَيسَت عُقوبةً إلهيَّةً، ممَّا يَجعلُهُم يَتَمادَونَ في غَيِّهِم، ويَستَمِرّونَ في عِصَيانِهِم، فَلا يَتوبونَ إلى اللهِ ولا يَستَغفِرونَهُ.

ألا فاتَّقوا اللهَ - عِبادَ اللهِ - واعتَبِروا بما يَجري حَولَكُم غَيرَ بَعيدٍ عَنكُم، واستَغفِروا مِن ذُنوبِكُم وتوبوا إلى رَبِّكُم، واستَقيموا على دينِكُم، واحذَروا كُلَّ ما نُهيتُم عَنهُ تَحصُلْ لَكُم العافيةُ والنَّجاةُ في الدُّنيا والآخِرةِ، ويَدفَعِ اللهُ عَنكُم كُلَّ بَلاءٍ، ويَمنَحْكُم كُلَّ خَيرٍ؛ قالَ - سُبحانَهُ -: {وَلَو أَنَّ أَهلَ القُرَى آمَنُوا وَاتَّقَوا لَفَتَحنَا عَلَيهِم بَرَكَاتٍ مِنَ السَّمَاءِ وَالأَرضِ وَلَكِنْ كَذَّبُوا فَأَخَذنَاهُم بِمَا كَانُوا يَكسِبُونَ} [الأعراف: 96]، وقالَ - تَعالى - في أهلِ الكِتابِ: {وَلَو أَنَّهُم أَقَامُوا التَّورَاةَ وَالإِنجِيلَ وَمَا أُنزِلَ إِلَيهِم مِن رَبِّهِم لأَكَلُوا مِن فَوقِهِم وَمِن تَحتِ أَرجُلِهِمْ} [المائدة: 66]، تَذَكَّروا قولَهُ - جَلَّ جَلالُهُ -: {قُلْ هُوَ القَادِرُ عَلَى أَن يَبعَثَ عَلَيكُم عَذَابًا مِن فَوقِكُم أَو مِن تَحتِ أَرجُلِكُم أَو يَلبِسَكُم شِيَعًا وَيُذِيقَ بَعضَكُم بَأسَ بَعضٍ انظُرْ كَيفَ نُصَرِّفُ الآياتِ لَعَلَّهُم يَفقَهُونَ} [الأنعام: 65]، وقَولَهُ - سُبحانَهُ -: {أَفَأَمِنَ الَّذِينَ مَكَرُوا السَّيِّئَاتِ أَن يَخسِفَ اللهُ بِهِمُ الأَرضَ أَو يَأتِيَهُمُ العَذَابُ مِن حَيثُ لا يَشعُرُونَ * أَو يَأخُذَهُم في تَقَلُّبِهِم فَمَا هُم بِمُعجِزِينَ} [النحل: 45، 46].

اللَّهُمَّ أنتَ رَبُّنا، لا إلَهَ إلاَّ أنتَ، خَلَقتَنا ونحنُ عَبيدُكَ، ونحنُ عَلَى عَهدِكَ ووَعدِكَ ما استَطَعنا، نَعوذُ بِكَ مِن شَرِّ ما صَنَعنا، نَبوءُ لَكَ بِنِعمَتِكَ عَلَينا ونَبوءُ بِذُنوبِنا، فاغفِرْ لَنا؛ فَإنَّهُ لا يَغفِرُ الذُّنوبَ إلاَّ أنتَ.
الخطبة الثانية

أمَّا بَعدُ:
فاتَّقوا اللهَ - تَعالى - وأطيعوهُ ولا تَعصوهُ.

أيُّها المُسلِمونَ:
لا يَعرِفُ قَدرَ النِّعَمِ إلاَّ مَن فَقَدَها أو كادَ، وكَثيرًا ما نُلابِسُ نِعَمًا عَظيمةً ونَتَقَلَّبُ في أحضانِها، وتُحيطُ بِنا آلاءٌ جَسيمةٌ فَلا نَشعُرُ بها، وما ذَلِكَ إلاَّ لأنَّنا عَلَيها نَشَأنا وتَعَوَّدنا، وكَثرةُ المِساسِ تُبَلِّدُ الإحساسِ.

ألا وإنَّ في الأرضِ الَّتي نَمشي في مَناكِبِها مُطمَئِنّينَ، ونَسلُكُ فِجاجَها غَيرَ خائِفينَ، إنَّ في ذَلِكَ لأكبَرَ نِعمةٍ لِمَن تَأمَّلَ، أرضٌ بَسَطَها اللهُ ودَحاها وأقَرَّها، وجَعَلَ فيها جِبالاً رَواسي تُثَبِّتُها؛ قالَ - سُبحانَهُ -: {وَاللهُ جَعَلَ لَكُمُ الأَرضَ بِسَاطًا * لِتَسلُكُوا مِنهَا سُبُلاً فِجَاجًا} [نوح: 19، 20]، وقالَ - جَلَّ وعَلا -: {وَالأَرضَ فَرَشنَاهَا فَنِعمَ المَاهِدُونَ} [الذاريات: 48]، وقالَ - سُبحانَهُ -: {أَمَّن جَعَلَ الأَرضَ قَرَارًا} [النمل: 61]، وَقَالَ - تَعَالى -: {وَالأَرضَ مَدَدْنَاهَا وَأَلقَينَا فِيهَا رَوَاسِيَ وَأَنبَتنَا فِيهَا مِن كُلِّ شَيءٍ مَوزُونٍ} [الحجر: 19]، وقالَ - سُبحانَهُ -: {وَجَعَلْنَا في الأَرضِ رَوَاسِيَ أَن تَمِيدَ بِهِم وَجَعَلْنَا فِيهَا فِجَاجًا سُبُلاً لَعَلَّهُم يَهتَدُونَ} [الأنبياء: 31]، وقالَ - جَلَّ وعَلا -: {وَأَلقَى في الأَرضِ رَوَاسِيَ أَن تَمِيدَ بِكُمْ} [النحل: 15]، وقالَ - تَعالى -: {وَالأَرضَ بَعدَ ذَلِكَ دَحَاهَا * أَخرَجَ مِنهَا مَاءَهَا وَمَرعَاهَا * وَالجِبَالَ أَرسَاهَا * مَتَاعًا لَكُم وَلأَنعَامِكُمْ} [النازعات: 30 - 33].

يَنامُ الإنسانُ قَريرَ العَينَ ساكِنَ النَّفسِ هادِئًا، فَما يُفتَحُ بابٌ أو تَعبَثُ الرّياحُ بِنافِذةٍ، حَتى يَتَكَدَّرَ نَومُهُ ويَذهَبَ صَفاؤُهُ، فَكَيفَ لَوِ اهتَزَّت أرضُهُ مِن زِلزالٍ؟! إنَّهُ لَيَتَذَكَّرُ إذْ ذاكَ نِعَمًا عَظيمة طالَما تمتَّعَ بها وتَقَلَّبَ فيها، وكانَ في غَفلةٍ عَن جَليلِ أثَرِها وعَميقِ مَعناها، فتَذَكَّرَها لَمَّا شاهَدَ تَغَيُّرَها، ولَئِنْ كانَت حَرَكةٌ يَسيرةٌ في جُزءٍ مِنَ الأرضِ تُقيمُ النَّاسَ فَلا يَقعُدونَ، وتُنَغِّصُ نَومَهُم فَلا يَرقُدونَ، فَكَيفَ لَو رَجَفَتِ الرَّاجِفةُ بِالأرضِ مِن أقطارِها؟! كَيفَ لَو هَزَّتها مِن كُلِّ أنحائِها؟! أيُّ قَرارٍ بَعدُ لأهلِها؟! وأيُّ عَمارٍ سَيَكونُ عَلَى ظَهرِها؟! بَل كَيفَ لَوِ اضطَرَبَتِ الحَرَكةُ في نِظامِ الفَلَكِ بِمَجَرَّاتِهِ وشُموسِهِ وكَواكِبِهِ؟! بَل {وَفِي أَنْفُسِكُمْ أَفَلا تُبْصِرُونَ} [الذاريات: 21]، كَيفَ لَوِ اضطَّرَبَت وظائِفُ أجسادِنا عَن نِظامِها الَّذي حَفِظَها اللهُ بِهِ؟! كَم في أجسادِنا مِن ساكِنٍ لَو تَحَرَّكَ لاضطَرَبنا؟! وكَم فيها مِن مُتَحَرِّكٍ لَو سَكَنَ لَهَلَكنا؟!

إنَّها نِعَمُ اللهِ الَّتي نَتَمَتَّعُ بها ولا نَعرِفُ قَدرَها إلاَّ عِندَ فَقدِها؛ {وَإِنْ تَعُدُّوا نِعمةَ اللهِ لا تُحْصُوهَا} [النحل: 18].

ألا فاتَّقوا اللهَ - تَعالى - واحفَظوا نِعَمَهُ بِطاعَتِهِ وشُكرِهِ؛ {مَا يَفعَلُ اللهُ بِعَذَابِكُم إِن شَكَرتُم وَآمَنتُم وَكَانَ اللهُ شَاكِرًا عَلِيمًا} [النساء: 147]، {وَإِذْ تَأَذَّنَ رَبُّكُم لَئِن شَكَرتُم لأَزِيدَنَّكُم وَلَئِن كَفَرتُم إِنَّ عَذَابي لَشَدِيدٌ} [إبراهيم: 7]، {إِن تَكفُرُوا فَإِنَّ اللهَ غَنِيٌّ عَنكُم وَلا يَرضَى لِعِبَادِهِ الكُفرَ وَإِن تَشكُرُوا يَرضَهُ لَكُم وَلا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزرَ أُخرَى ثُمَّ إِلى رَبِّكُم مَرجِعُكُم فَيُنَبِّئُكُم بمَا كُنتُم تَعمَلُونَ إِنَّهُ عَلِيمٌ بِذَاتِ الصُّدُورِ} [الزمر: 7].


__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
 


الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1)
 

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع


 


الاحد 20 من مارس 2011 , الساعة الان 01:21:21 صباحاً.

Powered by vBulletin V3.8.5. Copyright © 2005 - 2013, By Ali Madkour

[حجم الصفحة الأصلي: 74.78 كيلو بايت... الحجم بعد الضغط 73.06 كيلو بايت... تم توفير 1.72 كيلو بايت...بمعدل (2.30%)]