|
ملتقى السيرة النبوية وعلوم الحديث ملتقى يختص في سيرة الرسول صلى الله عليه وسلم وعلوم الحديث وفقهه |
|
أدوات الموضوع | انواع عرض الموضوع |
#1
|
||||
|
||||
![]() شرح الحديث المعلل الشيخ محمد طه شعبان قال الشيخ البيقوني في منظومته البيقونية: وَمَا بِعِلَّةٍ غُمُوضٌ اَوْ خَفَا ♦♦♦ مُعَلَّلٌ عِنْدَهُمُ قَدْ عُرِفَا العلة لغة: قال في "القاموس المحيط": "العِلَّةُ، بالكسر: المرَضُ؛ عَلَّ يَعِلُّ، واعْتَلَّ، وأعَلَّهُ اللهُ تعالى، فهو مُعَلٌّ وعَليلٌ، وَلَا تَقُلْ: مَعْلُولٌ"[1]. فالعلة: المرض؛ ويستنكر اللغويون تسميته: "معلول"؛ وإنما "مُعَلٌّ". وإن كان جمهور المحدِّثين قديمًا وحديثًا يُسمونه "معلول". قال العلامة ابن الصلاح رحمه الله: ويُسَمِّيهِ أهلُ الحديثِ: "المعلولَ"، وذلكَ منهم ومِنَ الفقهاءِ مرذولٌ عندَ أهلِ العربيةِ واللُّغَةِ[2]. وقال العراقي رحمه الله في "ألفيته": وَسَمِّ مَا بِعِلَّةٍ مَشْمُولُ ♦♦♦ مُعَلَّلًا، وَلَا تَقُلْ: مَعْلُولُ والعلة اصطلاحًا: معروفة عند علماء الحديث بأنها: "سَبَبٌ غَامِضٌ خَفِيٌّ قَادِحٌ فِي الْحَدِيثِ، مَعَ أَنَّ الظَّاهِرَ السَّلَامَةُ مِنْهُ"[3]. وقال العراقي رحمه الله في "ألفيته": وَهْيَ عِبَارَةٌ عَنْ أَسْبَابٍ طَرَتْ ♦♦♦ فِيهَا غُمُوضٌ وَخَفَاءٌ أَثَّرَتْ فيُشترط في الحديث كي يُطلق عليه: "مُعَلٌّ" شرطان: الشرط الأول: الغموض والخفاء. الشرط الثاني: أن تكون قادحة. قال الإمام الحاكم النيسابوري رحمه الله: "وَإِنَّمَا يُعَلَّلُ الْحَدِيثُ مِنْ أَوْجُهٍ لَيْسَ لِلْجَرْحِ فِيهَا مَدْخَلٌ؛ فَإِنَّ حَدِيثَ الْمَجْرُوحِ سَاقِطٌ وَاهٍ، وَعِلَّةُ الْحَدِيثِ، يَكْثُرُ فِي أَحَادِيثِ الثِّقَاتِ أَنْ يُحَدِّثُوا بِحَدِيثٍ لَهُ عِلَّةٌ، فَيَخْفَى عَلَيْهِمْ عِلْمُهُ، فَيَصِيرُ الْحَدِيثُ مَعْلُولًا"اهـ[4]. وقال العلامة ابن الصلاح رحمه الله: "فَالْحَدِيثُ الْمُعَلَّلُ هُوَ الْحَدِيثُ الَّذِي اطُّلِعَ فِيهِ عَلَى عِلَّةٍ تَقْدَحُ فِي صِحَّتِهِ، مَعَ أَنَّ ظَاهِرَهُ السَّلَامَةُ مِنْهَا؛ وَيَتَطَرَّقُ ذَلِكَ إِلَى الْإِسْنَادِ الَّذِي رِجَالُهُ ثِقَاتٌ، الْجَامِعِ شُرُوطَ الصِّحَّةِ مِنْ حَيْثُ الظَّاهِرُ"اهـ[5]. تنبيه: اشتراط المحدِّثين غموضَ العلة وخفاءها في الحديث المعلول شرط أغلبي؛ بمعنى أن من الأحاديث ما تكون العلة فيه ظاهرةً؛ كانقطاع ظاهر أو ضعف راوٍ أو جهالته أو كذبه، ومع ذلك يطلقون عليه: "معلول"، إذًا فشرط الخفاء شرط أغلبي، وليس كليًّا. فتنبَّه. قال العلامة ابن الصلاح رحمه الله: "ثُمَّ اعْلَمْ أَنَّهُ قَدْ يُطْلَقُ اسْمُ الْعِلَّةِ عَلَى غَيْرِ مَا ذَكَرْنَاهُ مِنْ بَاقِي الْأَسْبَابِ الْقَادِحَةِ فِي الْحَدِيثِ الْمُخْرِجَةِ لَهُ مِنْ حَالِ الصِّحَّةِ إِلَى حَالِ الضَّعْفِ، الْمَانِعَةِ مِنَ الْعَمَلِ بِهِ؛ عَلَى مَا هُوَ مُقْتَضَى لَفْظِ الْعِلَّةِ فِي الْأَصْلِ؛ وَلِذَلِكَ تَجِدُ فِي كُتُبِ عِلَلِ الْحَدِيثِ الْكَثِيرَ مِنَ الْجَرْحِ بِالْكَذِبِ، وَالْغَفْلَةِ، وَسُوءِ الْحِفْظِ، وَنَحْوِ ذَلِكَ مِنْ أَنْوَاعِ الْجَرْحِ"اهـ[6]. وقال العراقي رحمه الله في "ألفيته": وَقَدْ يُعِلُّونَ بِكُلِّ قَدْحِ ♦♦♦ فِسْقٍ وَغَفْلَةٍ وَنَوْعِ جَرْحِ قال السخاوي رحمه الله شارحًا لهذا البيت: "(وَقَدْ يُعِلُّونَ): أَيْ: أَهْلُ الْحَدِيثِ - كَمَا فِي كُتُبِهِمْ - أَيْضًا الْحَدِيثَ (بِكُلِّ قَدْح) ظَاهِرٍ (فِسْقٍ) فِي رَاوِيهِ بِكَذِبٍ أَوْ غَيْرِهِ، (وَغَفْلَةٍ) مِنْهُ (وَنَوْعِ جَرْح) فِيهِ؛ كَسُوءِ حِفْظٍ، وَنَحْوِ ذَلِكَ مِنَ الْأُمُورِ الْوُجُودِيَّةِ الَّتِي يَأْبَاهَا أَيْضًا كَوْنُ الْعِلَّةِ خَفِيَّةً؛ وَلِذَا صَرَّحَ الْحَاكِمُ بِامْتِنَاعِ الْإِعْلَالِ بِالْجَرْحِ وَنَحْوِهِ؛ فَإِنَّ حَدِيثَ الْمَجْرُوحِ سَاقِطٌ وَاهٍ، وَلَا يُعَلُّ الْحَدِيثُ إِلَّا بِمَا لَيْسَ لِلْجَرْحِ فِيهِ مَدْخَلٌ. وَلَكِنَّ ذَلِكَ مِنْهُمْ بِالنِّسْبَةِ لِلَّذِي قَبْلَهُ قَلِيلٌ"اهـ[7]. أي: إطلاق العلة على ما هو ظاهر قليل مقارنة بإطلاقها على ما هو خفي غامض. وقال الصنعاني رحمه الله: "(وقد يعلون): أي: أئمة الحديثِ الحديثَ بأشياء ليست غامضة؛ كالإرسال وفسق الراوي وضعفه؛ وذلك موجود في كتب العلل؛ وقد قدَّمنا لك أن التعريف للعلة أغلبي"اهـ[8]. وأما الحافظ ابن حجر رحمه الله فسلك مسلكًا آخر في الجمع بين اشتراط الغموض، وبين إطلاق المحدثين على السبب الظاهر: "علة"؛ حيث فرَّق رحمه الله بين إطلاق لفظة "علة" على الانقطاع مثلًا، أو على ضعف الراوي، أو كذبه، ونحو ذلك؛ مما هو ظاهر، وبين إطلاق: "حديث معلول" على الحديث الذي تبيَّن فيه ذلك الأمر الظاهر؛ وذهب إلى أنَّ المحدثين يُطلقون على هذا السبب الظاهر: "علة"، ولا يُسمون الحديث: "معلولًا". قال الحافظ ابن حجر رحمه الله مُعقِّبًا على كلام ابن الصلاح السابق: "مراده بذلك أن ما حققه من تعريف المعلول [وهو ما فيه سبب غامض]، قد يقع في كلامهم ما يخالفه [أي: إطلاق العلة على ما فيه سبب ظاهر]. وطريق التوفيق بين ما حققه المصنف وبين ما يقع في كلامهم: أن اسم العلة إذا أُطلق على حديث لا يلزم منه أن يسمى الحديث معلولًا اصطلاحًا؛ إذ المعلول ما علته قادحة خفية؛ والعلة أعم من أن تكون قادحة أو غير قادحة خفية أو واضحة"اهـ[9]. قلت: وهذا كثير في استعمال المحدِّثين؛ فتجدهم يقولون – مثلًا -: هذا حديث ضعيف؛ وعلَّته ابن لهيعة. أو يقولون: هذا حديث متروك، أو موضوع؛ وفيه علتان: العلة الأولى: الإرسال، والعلة الثانية: فيه فلان وهو كذاب. فيُطلقون على السبب الظاهر علة؛ مع أنهم سموا الحديث "ضعيف" أو "موضوع"، أو "متروك"، وغير ذلك. وتعرف العلة بأمرين: الأمر الأول: التفرد. الأمر الثاني: الاختلاف. قال العلامة ابن الصلاح رحمه الله: "وَيُسْتَعَانُ عَلَى إِدْرَاكِهَا بِتَفَرُّدِ الرَّاوِي وَبِمُخَالَفَةِ غَيْرِهِ لَهُ، مَعَ قَرَائِنَ تَنْضَمُّ إِلَى ذَلِكَ تُنَبِّهُ الْعَارِفَ بِهَذَا الشَّأْنِ عَلَى إِرْسَالٍ فِي الْمَوْصُولِ، أَوْ وَقْفٍ فِي الْمَرْفُوعِ، أَوْ دُخُولِ حَدِيثٍ فِي حَدِيثٍ، أَوْ وَهْمِ وَاهِمٍ بِغَيْرِ ذَلِكَ، بِحَيْثُ يَغْلِبُ عَلَى ظَنِّهِ ذَلِكَ، فَيَحْكُمُ بِهِ، أَوْ يَتَرَدَّدُ فَيَتَوَقَّفُ فِيهِ، وَكُلُّ ذَلِكَ مَانِعٌ مِنَ الْحُكْمِ بِصِحَّةِ مَا وُجِدَ ذَلِكَ فِيهِ. وَكَثِيرًا مَا يُعَلِّلُونَ الْمَوْصُولَ بِالْمُرْسَلِ؛ مِثْلَ: أَنْ يَجِيءَ الْحَدِيثُ بِإِسْنَادٍ مَوْصُولٍ، وَيَجِيءَ أَيْضًا بِإِسْنَادٍ مُنْقَطِعٍ أَقْوَى مِنْ إِسْنَادِ الْمَوْصُولِ، وَلِهَذَا اشْتَمَلَتْ كُتُبُ عِلَلِ الْحَدِيثِ عَلَى جَمْعِ طُرُقِهِ"اهـ[10]. ومعنى قوله: "وَيَجِيءَ أَيْضًا بِإِسْنَادٍ مُنْقَطِعٍ أَقْوَى مِنْ إِسْنَادِ الْمَوْصُولِ"؛ أي: يختلف الرواة في الحديث فبعضهم يرويه منقطعًا، وبعضهم يرويه موصولًا، فيتبيَّن للمحدِّث بعد جمع طرقه أنَّ مَن رووه منقطعًا أقوى ممن رووه موصولًا؛ فيقول: "الصحيح المنقطع"؛ أي: أنَّ الصحيح في هذا الحديث وجود انقطاع بين فلان وفلان، ومَن وصله فقد أخطأ. وقال الحافظ العراقي رحمه الله: تُدْرَكُ بِالخِلَافِ وَالتَّفَرُّدِ ![]() مَعَ قَرَائِنَ تُضَمُّ، يَهْتَدِيْ ![]() جِهْبِذُهَا إلى اطِّلاَعِهِ عَلَى ![]() تَصْويْبِ إرْسَالٍ لِمَا قَدْ وُصِلَا ![]() أوْ وَقْفِ مَا يُرْفَعُ، أوْ مَتْنٌ دَخَلْ ![]() في غَيْرِهِ، أوْ وَهْمِ وَاهِمٍ حَصَلْ ![]() ظَنَّ فَأمْضَى، أوْ وَقَفْ فأحْجَمَا ![]() مَعْ كَوْنِهِ ظَاهِرَهُ أنْ سَلِمَا ![]() طريقة معرفة التفرد والاختلاف؟ تقدم أن العلة تُعرف إما بالتفرد، وإما بالاختلاف؛ والتفرد والاختلاف يُعرَفان من خلال سبر طرق الحديث، وجمع رواياته، ومقارنة بعضها ببعض؛ فيتبيَّن للمحدِّث حينها أنَّ هذا الراوي تفرَّد بهذا الحديث، ولم يروه غيره، أو يتبيَّن له أنَّ هذا الراوي قد خالف في هذا الحديث غيرَه من الرواة؛ فزاد في السند أو نقص، أو زاد في المتن أو نقص. عَنْ عُثْمَانَ بْنِ سَعِيدٍ الدَّارِمِيِّ، قَالَ: سَمِعْتُ نُعَيْمَ بْنَ حَمَّادٍ يَقُولُ: سَمِعْتُ ابْنَ الْمُبَارَكِ يَقُولُ: "إِذَا أَرَدْتَ أَنْ يَصِحَّ لَكَ الْحَدِيثُ فَاضْرِبْ بَعْضَهُ بِبَعْضٍ"[11]. أي: قارن بعضه ببعض. وَعَنْ عَلِيِّ بْنِ الْمَدِينِيِّ رحمه الله، قَالَ: "الْبَابُ إِذَا لَمْ تُجْمَعْ طُرُقُهُ لَمْ يَتَبَيَّنْ خَطَؤُهُ"[12]. قال الخطيب البغدادي رحمه الله: "وَالسَّبِيلُ إِلَى مَعْرِفَةِ عِلَّةِ الْحَدِيثِ أَنْ يَجْمَعَ بَيْنَ طُرُقِهِ، وَيَنْظُرَ فِي اخْتِلَافِ رُوَاتِهِ، وَيُعْتَبَرَ بِمَكَانِهِمْ مِنَ الْحِفْظِ وَمَنْزِلَتِهِمْ فِي الْإِتْقَانِ وَالضَّبْطِ"اهـ[13]. فإن وجد المحدِّثُ - بعد جمعه لطرق الحديث – تفردًا من راوٍ ما؛ فإنه ينظر في حال هذا المتفرِّد؛ هل هذا التفرد يُحتمل منه أم لا يُحتمل. فقد يكون التفردُ لا يُحتمل؛ كأنْ يكون هذا الراوي مع كونه ثقة، يروي حديثًا عن الزهري مثلًا، وليس هو من أصحاب الزهري المعروفين به الملاصقين له، ولم يروه عن الزهري أحدٌ من أصحابه المعروفين به؛ بل تفرد به هذا الراوي؛ فقد يحكم المحدِّث حينها بأن هذا الحديث معلول؛ لما فيه من تفرد غير محتمل من صاحبه. وقد يكون هذا التفرد مما يُحتمل؛ كأنْ يكون المتفردُ بهذا الحديث من أصحاب الزهري الملاصقين له، فروى عنه حديثًا لم يروه غيره؛ فيُقبل منه هذا التفرد. وإن وجد اختلافًا بين الرواة؛ فإنه ينظر في حال المخالفين، ثم يُرجح بينهم بحسب القرائن التي تظهر له. وتنقسم العلة من حيث محلها إلى: علة في الإسناد، وعلة في المتن. وتنقسم من حيث تأثيرها إلى: علة قادحة، وعلة غير قادحة. قال العلامة ابن الصلاح رحمه الله: "ثُمَّ قَدْ تَقَعُ الْعِلَّةُ فِي إِسْنَادِ الْحَدِيثِ -وَهُوَ الْأَكْثَرُ - وَقَدْ تَقَعُ فِي مَتْنِهِ. ثُمَّ مَا يَقَعُ فِي الْإِسْنَادِ قَدْ يَقْدَحُ فِي صِحَّةِ الْإِسْنَادِ وَالْمَتْنِ جَمِيعًا، كَمَا فِي التَّعْلِيلِ بِالْإِرْسَالِ وَالْوَقْفِ، وَقَدْ يَقْدَحُ فِي صِحَّةِ الْإِسْنَادِ خَاصَّةً مِنْ غَيْرِ قَدْحٍ فِي صِحَّةِ الْمَتْنِ"اهـ[14]. فمثال العلة القادحة في السند خاصة دون المتن: قال ابن الصلاح رحمه الله: "فَمِنْ أَمْثِلَةِ مَا وَقَعَتِ الْعِلَّةُ فِي إِسْنَادِهِ مِنْ غَيْرِ قَدَحٍ فِي الْمَتْنِ: مَا رَوَاهُ الثِّقَةُ يَعْلَى بْنُ عُبَيْدٍ عَنْ سُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ عَنْ عَمْرِو بْنِ دِينَارٍ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ، عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم، قَالَ: "الْبَيِّعَانِ بِالْخِيَارِ.." الْحَدِيثَ؛ فَهَذَا إِسْنَادٌ مُتَّصِلٌ بِنَقْلِ الْعَدْلِ عَنِ الْعَدْلِ، وَهُوَ مُعَلَّلٌ غَيْرُ صَحِيحٍ، وَالْمَتْنُ عَلَى كُلِّ حَالٍ صَحِيحٌ، وَالْعِلَّةُ فِي قَوْلِهِ: "عَنْ عَمْرِو بْنِ دِينَارٍ"؛ إِنَّمَا هُوَ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ دِينَارٍ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ، هَكَذَا رَوَاهُ الْأَئِمَّةُ مِنْ أَصْحَابِ سُفْيَانَ عَنْهُ، فَوَهِمَ يَعْلَى بْنُ عُبَيْدٍ، وَعَدَلَ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ دِينَارٍ إِلَى عَمْرِو بْنِ دِينَارٍ، وَكِلَاهُمَا ثِقَةٌ"اهـ[15]. مثال آخر: روى الوَلِيدُ بْنُ مُسْلِمٍ، عَنِ الأَوْزَاعِيِّ، عَنْ يَحْيَى بْنِ أَبِي كَثِيرٍ، عَنْ أَبِي سَلَمَةَ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه، قَالَ: قَالُوا يَا رَسُولَ اللَّهِ مَتَى وَجَبَتْ لَكَ النُّبُوَّةُ؟ قَالَ: "وَآدَمُ بَيْنَ الرُّوحِ وَالجَسَدِ". هذا الحديث أخرجه من هذا الطريق الإمام الترمذي في "جامعه" (3609)، وفي "العلل الكبير" (684). فهذا الحديث ظاهر إسناده الصحة؛ غير أن به علةً خفيةً؛ وهي أن الأوزاعي أخطأ فرواه من هذا الطريق، والصواب أن للحديث طرقًا آخرى، ولا يصح من هذا الطريق. قال الْمَرُّوذِيُّ: قلت لأَبِي عَبْدِ اللَّهِ: أَتَعْرِفَ: عَنِ الْوَلِيدِ، عَنِ الأَوْزَاعِيِّ، عَنْ يَحْيَى، عَنْ أَبِي سَلَمَةَ, عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، عَنِ الْنَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم: "مَتَى كُنْتَ نَبِيًّا؟". قَالَ: هَذَا مُنْكَرٌ، هَذَا مِنْ خَطَإِ الأَوْزَاعِيِّ، يُخْطِئُ، كَثِيرًا عَلَى يَحْيَى بْنِ أَبِي كَثِيرٍ[16]. فالعلة في هذا الحديث خفية؛ لأنها من خطأ الأوزاعي وهو إمام ثقة، وهي علة إسنادية، لم تتعدَّ إلى المتن؛ لأن المتن مروي من طرق أخرى صحيحة. ومثال العلة القادحة في المتن خاصة، دون السند: ما رواه سُفْيَانُ الثَّوْرِيُّ، عَنْ عَاصِمِ بْنِ كُلَيْبٍ، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ الأَسْوَدِ، عَنْ عَلْقَمَةَ، قَالَ: قَالَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مَسْعُودٍ: "أَلَا أُخْبِرُكُمْ بِصَلَاةِ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم؟"، قَالَ: "فَقَامَ فَرَفَعَ يَدَيْهِ أَوَّلَ مَرَّةٍ ثُمَّ لَمْ يَعُدْ". هذا الحديث رواه أحمد (3681)، وأبو داود (748)، والترمذي (257)، والنسائي في "المجتبى" (1026) (1058)، وفي "الكبرى" (1100)، وغيرهم؛ بهذا اللفظ وبنحوه. وهذا اللفظ قد أخطأ فيه الثوري رحمه الله، وهو إمام ثقة؛ وإنما عُرِف خطؤه بعرض روايته على روايات الآخرين. قال الإمام أبو داود عقب الحديث: "هَذَا حَدِيثٌ مُخْتَصَرٌ مِنْ حَدِيثٍ طَوِيلٍ، وَلَيْسَ هُوَ بِصَحِيحٍ عَلَى هَذَا اللَّفْظِ". وقال الإمام ابن أبي حاتم رحمه الله: "وسألتُ أَبِي عَنْ حديثٍ رَوَاهُ الثَّوْرِيُّ، عَنْ عَاصِمِ بْنِ كُلَيب، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ الْأَسْوَدِ، عَنْ عَلْقَمَةَ، عَنْ عَبْدِ اللهِ أنَّ النبيَّ صلى الله عليه وسلم قَامَ، فكبَّر فَرَفَعَ يدَيهِ، ثُمَّ لَمْ يَعُدْ؟ قَالَ أَبِي: هَذَا خطأٌ؛ يُقَالُ: وَهِمَ فِيهِ الثَّوْرِيُّ، وَرَوَى هَذَا الحديثَ عَنْ عاصمٍ جماعةٌ، فَقَالُوا كلُّهم: إنَّ النبيَّ صلى الله عليه وسلم افتتَحَ، فَرَفَعَ يدَيه، ثُمَّ رَكَعَ، فطبَّق، وجَعَلَها بَيْنَ رُكْبَتَيْهِ. وَلَمْ يقُلْ أحدٌ مَا رَوَاهُ الثَّورِيُّ"[17]. ومثال العلة غير القادحة في السند: قال الحافظ ابن حجر رحمه الله: "فمثال ما وقعت العلة في الإسناد ولم تقدح مطلقًا: ما يوجد مثلًا من حديث مدلس بالعنعنة، فإن ذلك علة تُوجب التوقف عن قبوله فإذا وجد من طريق أخرى قد صرح بالسماع تبين أن العلة غير قادحة. وكذا إذا اختُلف في الإسناد على بعض رواته، فإنَّ ظاهر ذلك يوجب التوقف عنه، فإنْ أمكن الجمعُ بينهما على طريق أهل الحديث بالقرائن التي تحف الإسناد تبين أن تلك العلة غير قادحة"اهـ[18]. ومثال العلة غير القادحة في المتن: ما وقع من اختلاف ألفاظ كثيرة من أحاديث "الصحيحين" وغيرهما، ولا تغير المعنى. كحديث ذي اليدين رضي الله عنه، وهو مخرج في "الصحيحين"؛ ففي بعض رواياته: "صَلَّى بِنَا رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم إِحْدَى صَلَاتَيِ العَشِيِّ"، وفي بعضها: "صَلَّى بِنَا النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم الظُّهْرَ أَوِ العَصْرَ"، وفي بعضها: "صَلَّى لَنَا رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم صَلَاةَ الْعَصْرِ". فكل هذه اختلافات في الرواية، وجميعها في "الصحيحين"؛ وهي غير مؤثرة في الحديث، لا سندًا ولا متنًا. وكحديث جابر رضي الله عنه أن النبي اشترى منه جمله، ففي بعض رواياته: "فَبِعْتُهُ بِوُقِيَّةٍ"، وفي بعضها: "فَبِعْتُهُ مِنْهُ بِخَمْسِ أَوَاقٍ"، وفي بعضها: "بِوُقِيَّتَيْنِ، وَدِرْهَمٍ أَوْ دِرْهَمَيْنِ". فكل هذه اختلافات في الرواية، وجميعها في "الصحيحين"؛ وهي غير مؤثرة في الحديث، لا سندًا ولا متنًا. [1] "القاموس المحيط" (1035)، طـ مؤسسة الرسالة، بيروت - لبنان. [2] "علوم الحديث" (89). [3] انظر: "علوم الحديث" لابن الصلاح (90)، "التقريب والتيسير" للنووي (43)، طـ دار الكتاب العربي، "نزهة النظر" (59)، "تدريب الراوي" (1/ 294)، وغير ذلك من كتب المصطلح، مبحث العلة. [4] "معرفة علوم الحديث" (112). [5] "علوم الحديث" (89). [6] "علوم الحديث" (92، 93). [7] "فتح المغيث" (1/ 287). [8] "توضيح الأفكار لمعاني تنقيح الأنظار" (2/ 22). [9] "النكت على ابن الصلاح" (2/ 771). [10] "علوم الحديث" (90). [11] "الجامع لأخلاق الراوي وآداب السامع" (2/ 295)، طـ مكتبة المعارف، الرياض. [12] السابق (2/ 212). [13] السابق (2/ 295). [14] "علوم الحديث" (91). [15] "علوم الحديث" (91). [16] "المنتخب من العلل" للخلال (141)، طـ دار الفاروق الحديثة - القاهرة. [17] "علل الحديث" (4/ 311). [18] "النكت على ابن الصلاح" (2/ 747).
__________________
|
الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1) | |
|
|
|
Powered by vBulletin V3.8.5. Copyright © 2005 - 2013, By Ali Madkour |