الاجتهاد في الشريعة الإسلامية - ملتقى الشفاء الإسلامي

 

اخر عشرة مواضيع :         تفسير جامع البيان عن تأويل آي القرآن للإمام الطبري .....متجدد (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 1174 - عددالزوار : 130914 )           »          3 مراحل لانفصام الشخصية وأهم أعراضها (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 19 )           »          متلازمة الشاشات الإلكترونية: كل ما تود معرفته (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 13 )           »          ما هي أسباب التعرق الزائد؟ (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 13 )           »          أضرار الوجبات السريعة على الأطفال: عواقب يُمكنك تجنبها (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 17 )           »          الوقاية من القمل بالقرنفل: أهم الخطوات والنصائح (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 14 )           »          علاج جفاف المهبل: حلول طبيّة وطبيعية (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 20 )           »          الوقاية من القمل في المدارس: دليل شامل للأهل والمعلم! (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 13 )           »          الوقاية من التهاب الكبد: 9 خطوات بسيطة لصحة أفضل! (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 11 )           »          الوقاية من الجلطات: دليلك الشامل لصحة أفضل! (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 14 )           »         

العودة   ملتقى الشفاء الإسلامي > قسم العلوم الاسلامية > الملتقى الاسلامي العام > فتاوى وأحكام منوعة
التسجيل التعليمـــات التقويم

فتاوى وأحكام منوعة قسم يعرض فتاوى وأحكام ومسائل فقهية منوعة لمجموعة من العلماء الكرام

 
 
أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
Prev المشاركة السابقة   المشاركة التالية Next
  #1  
قديم 12-12-2019, 06:41 AM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم متصل الآن
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 157,857
الدولة : Egypt
افتراضي الاجتهاد في الشريعة الإسلامية

الاجتهاد في الشريعة الإسلامية
رجاء بنت صالح باسودان*

المقدمة

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله ، معلم الناس الخير ، وعلى آله وصحبه الذين تتلمذوا على يديه فكانوا حصاداً طيباً نافعاً من يد أفضل البشر ، فتعلموا من المربي الفقيه كيف يقتدون به ويسيرون على خطاه حتى بعد مماته . وترك صلى الله عليه وسلم الناس على المحجة البيضاء ليلها كنهارها لا يزيغ عنها إلا هالك .
ومما تعلمه رضوان الله عليهم من إمامهم القدوة استنباط الأحكام من مصادرها فكانوا يحاولون قدر جهدهم حل ما يعترضهم في حياتهم من مشكلات ، فسهل طريق الإجتهاد لمن جاء بعدهم لأن يقتفوا أثرهم ، فقعّدوا القواعد ، ووضعوا الأسس ، وأرسوا الأصول ، فلبس الفقه به ثوباً متميزاً .
فموضوع الاجتهاد والذي اخترته للبحث فيه ولتوضيح أهميته فهو المراد الذي يدور حوله علم أصول الفقه ، وهو جوهره ومعناه ، خصوصاً وأن هناك خلافاً بين العلماء حوله ، فمنهم من يرى أن باب الاجتهاد قد أقفل ومنهم من يرى غير ذلك . فإيماناً مني بأهميته ، وبالذات في عصرنا عند حدوث متغيرات وأحداث تملي على العلماء والفقهاء بذل الجهد لمعرفة الأحكام الشرعية الخاصة بها . وأضرب مثالاً للاجتهاد بالطبيب الذي يمارس علمه وعمَله مع مرضاه عند الحاجة والضرورة .
خطة البحث :
تم تقسيم البحث ( بعد المقدمة ) إلى ثلاثة فصول وخاتمة ، كالتالي :
الفصل الأول : وفيه ثلاثة مباحث :
المبحث الأول : وفيه مطلبان : الأول : تعريف الاجتهاد
الثاني : مراتب المجتهدين
المبحث الثاني : حكم الاجتهاد
المبحث الثالث : شروط الاجتهاد ، وفيه مطلبان : الأول: شروط المجتهد
الثاني: شروط المجتهد فيه
الفصل الثاني : وفيه ثلاثة مباحث :
المبحث الأول : اجتهاد الرسول عليه الصلاة والسلام
المبحث الثاني : الاجتهاد في عصر الرسول عليه الصلاة والسلام
المبحث الثالث : الحكمة من اجتهاد الرسول عليه الصلاة والسلام
الفصل الثالث : وفيه مبحثان :
الأول : فتح باب الاجتهاد وإغلاقه
الثاني : نقض الاجتهاد
الخاتمة : وتحتوي على خلاصة البحث ، وما توصلت إليه من نتائج .
اللهم علمنا ما ينفعنا وانفعنا بما علمتنا وزدنا علماً . سبحان ربك رب العزة عما يصفون وسلام على المرسلين والحمد لله رب العالمين .
الفصل الأول
الاجتهاد : تعريفه – مشروعيته - حكمه
المبحث الأول : تعريف الاجتهاد

المطلب الأول : تعريف الاجتهاد لغة
الاجتهاد مأخوذ من الجهد وهو المشقة والطاقة ، فيختص بما فيه مشقة ليخرج عنه ما لا مشقة فيه[1] . وقيل بأنه : افتعال من الجهد ، واختلف في ضم الجيم أو فتحها ، وكلاهما يحمل معنى الوسع والطاقة ،قيل : المضموم الجهد : الطاقة ، أما الجهد بالفتح : المشقة . وقيل : هما لغتان في الوسع والطاقة ، والاجتهاد والتجاهد بذل الوسع والمجهود .

وفي بعض المعاجم الحديثة [2]، تفريق بين الكلمتين ، الجَهد : المشقة والنهاية والغاية ، والجُهد : الوسع والطاقة .

والاستخدام القرآني لكلمة "جهد" وإن كان في معناه الأوسع يشمل الاجتهاد باعتباره بذل طاقة وتحمل مشقة للوصول إلى الغاية ، إلا أنه لم يسق للتدليل على شرعية العملية الاجتهادية بالتعريف الاصطلاحي .
والمعنى اللغوي أوسع مجالاً من المعنى الاصطلاحي ، ولهذا فإن الاجتهاد يشمل بذل أي جهد دون حصر في الأمور الشرعية [3] وعرّفه الغزالي : بذل المجهود واستفراغ الوسع في فعل من الأفعال ، ولا يستعمل إلا فيما فيه كلفة وجهد ، فيقال اجتهد في حمل حجر الرحا ، ولا يقال اجتهد في حمل خردلة [4] .
وقيل : استفراغ الوسع في تحصيل الشيء ، ولا يكون إلا فيما فيه مشقة وكلفة [5] .
المطلب الثاني : تعريف الاجتهاد اصطلاحاً
قيل : استفراغ الوسع في درك الأحكام الشرعية . فاستفراغ الوسع جنس ، وقوله : في درك الأحكام خرج به استفراغ الوسع في فعل من الأفعال العلاجية مثلاً ، وقوله : الشرعية ، تخرج اللغوية والعقلية والحسية . والأحكام الشرعية تتناول الأصول والفروع ، ودركها أعم من كونه على سبيل القطع أو الظن ، هذا مدلول لفظه ، ويجوز أن يريد بالأحكام الشرعية خطاب الله تعالى المتعلق [6] .
وعرّفه الأمدي : استفراغ الوسع في طلب الظن بشيء من الأحكام الشرعية على وجه يحس من النفس العجز عن المزيد فيه [7] .
وقيل : بذل الوسع في طلب الظن بشيء من الأحكام الشرعية على وجه يحس الفقيه أو المجتهد من نفسه العجز عن المزيد عليه .
فالاجتهاد : بذل أقصى الجهد في فهم النص الشرعي من الكتاب أو السنة ، من أجل الوصول إلى معرفة الحكم الشرعي [8] .
وعُرّف الاجتهاد بأنه : بذل الطاقة من الفقيه لتحصيل حكم ظني شرعي عملي على وجه يحس من النفس العجز عن المزيد عليه [9] .
وقيل : بذل الطاقة من الفقيه في تحصيل حكم شرعي وتطبيقه ، عقلياً كان أو نقلياً ، قطعياً كان أو ظنياً [10] .

بعد ذكر التعريفين : نلاحظ أن المعنى الاصطلاحي لم يبتعد عن المعنى اللغوي ، فالتوافق ظاهر ، ونقطة الالتقاء بينهما : المبالغة في كلا الاستعمالين . وبين المعنيين عموم وخصوص مطلق ، فاستعمالها اللغوي هو العموم ، وهو مطلق الكلفة والمشقة ، وأما استعمالها الاصطلاحي الأصولي فهو مختص ببذل الوسع لاستنباط الحكم الشرعي [11] .
المبحث الثاني : مشروعية الاجتهاد
يعتبر الاجتهاد أصل من أصول الشريعة ، وقد دلت أدلة كثيرة على جوازه ، إما بطريق الإشارة أو بطريق التصريح ، ومن هذه الأدلة :
أ‌- القرآن الكريم قوله تعالى: {إِنَّا أَنزَلْنَا إِلَيْكَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ لِتَحْكُمَ بَيْنَ النَّاسِ بِمَا أَرَاكَ اللّهُ ... } (النساء: ١٠٥ )، وقوله تعالى : {... إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِّقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ }الروم21، و{يعقلون} {يتفكرون}، الروم: 21والزمر: 42 وهذه الآيات تنص صراحةً على إقرار مبدأ الاجتهاد بطريق القياس [12] .
ب‌- السنة الشريفة : حديث رسول الله- صلى الله عليه وسلم -: " إذا حكم الحاكم فاجتهد فأصاب فله أجران ، وإذا حكم فاجتهد ثم أخطأ ، فله أجر " [13] .
حديث معاذ – رضي الله عنه - : "حيث أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لما أراد أن يبعث معاذاً إلى اليمن ، قال : كيف تقضي إذا عرض لك قضاء ؟ قال : أقضي بكتاب الله ، قال : فإن لم تجد في كتاب الله ! قال : فبسنة رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، قال : فإن لم تجد في سنة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ولا في كتاب الله ! قال : أجتهد رأي ولا آلو ، فضرب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - صدره وقال : الحمد لله الذي وفق رسول رسول الله لما يرضي رسول الله "[14] .
ت‌- إجماع الصحابة : فقد أجمع الصحابة على مشروعية الاجتهاد ، فإذا حدثت لهم حادثة شرعية ، ولم يجدوا لها في كتاب الله أو سنة رسوله شيئاً ، اجتهدوا واشتهر عنهم ذلك [15] .
المبحث الثالث : حكم الإجتهاد

يطلق العلماء "الحكم" ويريدون به أمرين : أحدهما : حكمه ، بمعنى : وصف الشارع له من الوجوب والحرمة وغيرهما . والآخر : حكمه من حيث أثره الثابت به ، أي الصواب والخطأ في الاجتهاد [16]، وسيقتصر البحث على بيان الحكم بالمعنى الأول ، من حيث الوجوب والحرمة وغيرهما .
يمكن تقسيم حكم الاجتهاد بالنسبة إلى العلماء الذين توافرت فيهم مؤهلاته وشروطه وكانوا أهلاً له ، وبالنسبة إلى الذين لم يتوافر فيهم مؤهلاته من العلماء ، وكذلك بالنسبة إلى مجموع الأمة .
القسم الأول : حكم الاجتهاد بالنسبة إلى العلماء المؤهلين له
1 - الوجوب العيني
وعادة ما يكون في حق نفسه ، ولا يجوز له التقليد ؛ لأن لديه آلة الاجتهاد وملكة استنباط الأحكام ، وكذلك يكون فرض عين عليه في حق غيره عند سؤاله عن حادثة حتى لا يفوت وقت الحادثة بدون بيان الحكم الشرعي [17] .
2 - الوجوب الكفائي

وذلك عند عدم خوف فوات الحادثة وكان هناك غيره من المجتهدين ، فإذا اجتهد أحدهم سقط الوجوب عن الباقين ، وإلا أثموا جميعاً [18] .
3 - الندب
وهو الاجتهاد في حكم حادثة لم تقع ، ويتساوى الأمر في أن يستفتيه سائل أم لا [19] .

4 - الكراهة
فيكون الاجتهاد مكروهاً في المسائل التي لا يتوقع وقوعها ولم تجر العادة بحدوثها ، وكان اجتهاده من باب الألغاز فمثل هذا لا ثمرة فيه وأدنى ما يقال فيه إنه مكروه[20] .
القسم الثاني : حكم الاجتهاد بالنسبة إلى العلماء الغير مؤهلين له
حكمه التحريم ، لأنهم ما داموا ليسوا أهلاً للنظر في الأدلة الشرعية وفهم الأحكام الشرعية منها ، فلن يوصلهم نظرهم في الأدلة إلى حكم الله ، وسيفضي بهم إلى الضلال ، ومن القواعد الشرعية المقررة أن كل ما أدّى إلى الحرام حرام ، ولذلك يجب على هؤلاء أن يسألوا عن أحكام الله من يعلمها ، عملاً بقوله عز وجل : {... فَاسْأَلُواْ أَهْلَ الذِّكْرِ إِن كُنتُمْ لاَ تَعْلَمُونَ } (النحل: 43)، ثم هذا هو ما يسعهم ، وقد قال الله تعالى : {لاَ يُكَلِّفُ اللّهُ نَفْساً إِلاَّ وُسْعَهَا ... } ( البقرة: 286)[21].
هذا بالإضافة إلى أنه قد يقع الاجتهاد في مقابلة دليل قاطع من كتاب أو سنة أو إجماع نتيجة لجهلهم [22].
القسم الثالث : حكم الاجتهاد بالنسبة إلى مجموع الأمة
ونعني به حكم وجود المجتهدين فيها ، فهل يجب أن يكون في المسلمين في كل عصر مجتهد أو أكثر ، بحيث تأثم الأمة إذا خلا عصر من عصورها عن أهل الاجتهاد ، أو يجوز خلو عصر عن المجتهدين .
إن الحكم هو وجوب الاجتهاد وجوباً كفائياً على الأمة في كل عصر من عصورها ، فليس جائزاً أن يخلو عصر من عصورها عن أهل الاجتهاد ولو واحداً [23].
وقد ذكر الإمام السيوطي نصوصاً للعلماء من جميع المذاهب المتفقة على القول بفرضية الاجتهاد ( وذم التقليد ) ونهى عنه ، وأنه لا يجوز شرعاً إخلاء العصر منه [24].
الفصل الثاني
شروط الاجتهاد
المبحث الأول : شروط المجتهِد

المطلب الأول : الشروط العامة
الشروط العامة للمجتهد هي شروط التكليف ، مثل : الإسلام ، والبلوغ ، والعقل.
المطلب الثاني : الشروط الغير عامة
هناك أيضاً شروط غير عامة ، منها تأهيلية وأخرى تكميلية ، لاستنباط الأحكام الشرعية ، ويمكن تصنيف بعض الشروط التأهيلية في مجموعتين :
أولاً : مجموعة الشروط المتعلقة بالكتاب والسنة :
أ‌- الشروط المتعلقة بالقرآن :
العلم التام بالتشريع العملي في القرآن ، كلياته وجزئياته [25]. ووجوب كون المجتهد عالماً بمنطوق القرآن ومفهومه ، أي عالماً علماً تاماً بالأحكام الشرعية التي جاء بها القرآن وبطبيعتها . هل هي بصيغة الأمر الموجب ؟ أم بصيغة النهي المحرم ؟ وهل هي بصيغة العموم المطلق ؟ أم بصيغة الإطلاق التي تدل على أي فرد ؟ ومعرفة الناسخ والمنسوخ ، وغيرها [26]. ولا يشترط حفظ الآيات التي يتقرر عليه معرفتها ، بل يكفي أن يكون المجتهد عالماً بها ، وبما تقدم منها وما تأخر من جهة التلاوة والنزول ، وأن يكون عالماً بمعانيها ، عامّها وخاصّها ، مطلقها ومقيدها ، ناسخها ومنسوخها . وقد قدّر بعض العلماء آيات الأحكام في القرآن الكريم بخمسمائة آية ، وهذا باعتبار الآيات الدالة على الأحكام دلالة أولية بالذات ، لا بطريق التضمن والالتزام [27]. وقد اشترط بعض الأصوليين : معرفة أسباب النزول فهي تعين على فهم النصوص فهماً دقيقاً ، ومعرفة مكي الآيات ومدنيها أيضاً ، فهي هامة للتمييز بين المتقدم منها والمتأخر[28].
ب‌- الشروط المتعلقة بالسنة :
العلم التام بالتشريع العملي في السنة كلياته وجزئياته[29]، سواء أكانت السنة قولية أو فعلية أو تقريرية . وهذه الشروط تتمثل في وجوب كون طالب الاجتهاد عالماً بالسنة وبالحديث وأنواعه ومراتبه في الوثاقة : صحيح – حسن – ضعيف – مشهور – متواتر – بحيث يتيسر له عند الحاجة معرفة الأحكام الشرعية التي جاءت بها السنة سواء كان ذلك في المعاملات من بيع وشراء ورهن ، الخ ... ، أو العقوبات ، أو الأحوال الشخصية من زواج وطلاق ، أو العبادات من صلاة وصيام وحج وزكاة ، الخ ... . هذا فضلاً عن معرفته بتاريخ الرجال والرواة لمعرفة الصحيح والضعيف من الحديث ، وكذلك معرفة أسباب الجرح وأنواعه أو التعديل وشروطه ، الخ ... .
ثانياً : مجموعة الشروط المتعلقة باللغة العربية وتتمثل في أن يكون المجتهد عالماً باللغة العربية من حيث بنية الكلمات وإعرابها ، وفصاحتها ومن حيث معناها ظهوراً وخفاءً ، حقيقةً وكنايةً ، إفراداً وعموماً واشتراكاً ، بحيث يتمكن نتيجةً لهذا العالم من القطع بما تدل عليه كل كلمة ، وبطريقة دلالتها عبارة أو إشارة ، أو فحوى أو اقتضاء . فالفقيه في أشد الحاجة إلى معرفة ما سبق ، بالإضافة إلى معرفة معاني حروف اللغة العربية ، لأن عليها مدار الكثير من مسائل الفقه واستنباط الأحكام من نصوص الكتاب والسنة ، ومن ذلك على سبيل المثال : قوله تعالى : {...وَامْسَحُواْ بِرُؤُوسِكُمْ... } (المائدة:6) . فلولا مكان الباء في الآية ، لوجب مسح الرأس كله لا بعضه . وغيرها من الأمثلة [30] .
كانت هذه الشروط فيما يتعلق بالكتاب الكريم والسنة النبوية واللغة العربية ، وأستعرض الآن باقي الشروط الخاصة بالمجتهد التأهيلية والتكميلية ، وهي كالتالي :
العلم بمواقع الإجماع ومسائله حتى لا يفتي بخلافه ، ولا يلزمه حفظ جميع مواقع الإجماع والخلاف ، بل كل مسألة يفتي فيها ينبغي أن يعلم أن فتواه ليست مخالفة للإجماع ، إما بأن يعلم أنه موافق مذهباً من مذاهب العلماء أيهم كان أو يعلم أن هذه واقعة متولدة في العصر لم يكن لأهل الإجماع فيها خوض [31] .
العلم بعلم أصول الفقه ، فهو عماد الاجتهاد وأساسه الذي تقوم عليه أركان بنائه[32] . وعلم أصول الفقه يمكنه من أن يكون صاحب رأي في مسائل هذا العلم ، ما يتصل منها بحجية الظواهر ، وخبر الواحد ، وأحكام العام والخاص ، والمطلق والمقيد ، وقواعد التعارض والتزاحم ، والأصول العملية ، وغير ذلك من أمهات مسائله التي يتوقف عليها الاستنباط . وقد قرر الشافعي أن الاجتهاد هو القياس[33]، وعلّق على ذلك الشيخ أبو زهرة بقوله : لأن العلم بالقياس يقتضي العلم بثلاثة أمور : أولها : العلم بالأصول من النصوص التي يبنى عليها والعلل التي قامت عليها أحكام هذه النصوص ، والتي بها يمكن إلحاق حكم الفرع إليهما . ثانيها : العلم بقوانين القياس وضوابطه ، كألا يقاس على ما يثبت أنه لا يتعدى حكمه ، ومعرفة أوصاف العلة التي يبنى عليها القياس ، ويلتحق بها الفرع بالأصل . ثالثها : أن يعرف المناهج التي سلكها السلف الصالح ، في تعرف علل الأحكام ، والأوصاف التي اعتبروها أسساً لبناء الأحكام عليها ، واستخرجوا طائفة من الأحكام الفقهية [34].
معرفة وإدراك مقاصد الشريعة العامة في استنباط الأحكام ؛ لأن فهم النصوص وتطبيقها على الوقائع متوقف على معرفة هذه المقاصد ، فمن يريد استنباط الحكم الشرعي من دليله يجب عليه أن يعرف أسرار الشريعة ومقاصدها العامة في تشريع الأحكام ؛ لأن دلالة الألفاظ على المعاني قد تحتمل أكثر من وجه ، ويرجح واحداً منها ملاحظة مقصد الشارع . كما أن الأدلة الفرعية قد تتعارض مع بعضها فيؤخذ بما هو الأوفق مع قصد الشارع ، وقد تحدث أيضاً وقائع جديدة لا يعرف حكمها بالنصوص الشرعية ، فيلجأ إلى الاستحسان أو المصلحة المرسلة أو العرف ونحوها ، بواسطة مقاصد الشريعة العامة من التشريع [35].
العدالة : بمعنى أن يكون عدلاً مستقيماً في أقواله وأفعاله وأحواله ، محافظاً على مروءته . وقد اشترطها قوم* ومنهم من لم يشترطها مطلقاً ، ومنهم من فصّل بين أن يجتهد ليحصل العلم لنفسه ، وبين أن يجتهد للحكم والفتيا ، فاشترط العدالة في الثانية ، ولم يشترطها في الحالة الأولى . ولعل قول المفصل هو الأقوى ؛ لأن المستفتي إذا عرف أن إمامه موصوف بالعدالة تطمئن نفسه إلى قبول أحكامه بخلاف ما إذا كان المجتهد صاحب بدعة[36].
معرفة القواعد الكلية : فقد ذكر الإمام السبكي بأن من شروط الاجتهاد : الإحاطة بمعظم قواعد الشريعة حتى يعرف أن الدليل الذي ينظر فيه مخالفاً لها أو موافق [37].
معرفة مواضع الاختلاف : فمن كان بصيراً بمواضع الاختلاف كان جديراً بأن يتبين له الحق في كل نازلة تعرض له . ويأتي هذا الشرط بفوائد عدة ، منها : أن المجتهد حينما يعرف مواضع الخلاف ومواضع الإجماع ، فإنه لا يجتهد في أمر مجمع على حكمه ، ولا يدعي الإجماع في أمر مختلف فيه . بالإضافة إلى أن معرفة مواضع الخلاف مساعد هام للوصول إلى درجة الاجتهاد ، بالاطلاع على وجهات النظر ، وعلى الاستنباطات الاجتهادية وهذا العلم يدل المجتهد على المناهج المتبعة في الاجتهاد ، والطريقة المعتادة لاستنباط الأحكام من مظانها ، ويفتح أمامه آفاقاً أخرى للتفكير والبحث العلمي المنهجي [38].
العلم بما جرى عليه عرف الناس ، وبأحوالهم ، وبما فيه لهم صلاح أو فساد ، إذ لا تتيسر له الفتوى الصحيحة بدون هذا العلم [39]. وقد وضع الأصوليين كثيراً من القواعد الأصولية استناداً على العرف كقولهم: العادة محكمة ، والمعروف عرفاً كالمشروط شرطاً[40].
يتبع


__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
 


الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1)
 

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع


 


الاحد 20 من مارس 2011 , الساعة الان 01:21:21 صباحاً.

Powered by vBulletin V3.8.5. Copyright © 2005 - 2013, By Ali Madkour

[حجم الصفحة الأصلي: 120.59 كيلو بايت... الحجم بعد الضغط 118.87 كيلو بايت... تم توفير 1.72 كيلو بايت...بمعدل (1.43%)]