حسن الظن بالمسلمين - ملتقى الشفاء الإسلامي

 

اخر عشرة مواضيع :         متابعة للاحداث فى فلسطين المحتلة ..... تابعونا (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 14853 - عددالزوار : 1086082 )           »          بيع العربون (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 21 )           »          أحكام من أدرك وقت الصلاة فلم يصل ثم زال تكليفه (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 18 )           »          بيع حبل الحبلة والمضامين والملاقيح (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 16 )           »          لماذا أحب رسول الله؟ (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 18 )           »          علة حديث: ((من غسل واغتسل يوم الجمعة وبكر وابتكر، كان له بكل خطوة عمل سنة أجر صيامها (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 18 )           »          الحديث العاشر: صلة الرحم تزيد في العمر والرزق (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 17 )           »          تخريج حديث: أن النبي صلى الله عليه وسلم نهى أن يبال في الجحر (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 15 )           »          رفع الارتياب في بيان أحكام إجازة القراءة والسماع عن بعد ومن وراء حجاب لأحمد آل إبراهي (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 16 )           »          «عون الرحمن في تفسير القرآن» ------متجدد إن شاء الله (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 483 - عددالزوار : 174587 )           »         

العودة   ملتقى الشفاء الإسلامي > قسم الصوتيات والمرئيات والبرامج > ملتقى الصوتيات والاناشيد الاسلامية > ملتقى الخطب والمحاضرات والكتب الاسلامية
التسجيل التعليمـــات التقويم

ملتقى الخطب والمحاضرات والكتب الاسلامية ملتقى يختص بعرض الخطب والمحاضرات الاسلامية والكتب الالكترونية المنوعة

 
 
أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
Prev المشاركة السابقة   المشاركة التالية Next
  #1  
قديم 12-10-2025, 11:11 AM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم غير متصل
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 163,449
الدولة : Egypt
افتراضي حسن الظن بالمسلمين

حسن الظن بالمسلمين

د. عبد الرقيب الراشدي
الخطبة الأولى
الحمد لله منشئ الموجودات، وباعث الأموات، وسامع الأصوات، ومجيب الدعوات، وكاشف الكربات، وعالم الأسرار والخفيات، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، له الملك، وله الحمد، وهو على كل شيء قدير، ربنا الله ورب جميع الكائنات.

وأشهد أن سيدنا وحبيبنا وشفيعنا محمدًا عبدُ الله ورسولُه وصفيُّه من خلقه وحبيبه، صلى الله وسلم عليه وعلى آله وأصحابه ومن سار على نهجه، وتمسَّك بسُنَّته، واقتدى بهديه إلى يوم الدين، ونحن معهم يا أرحم الراحمين... ﴿ يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ ﴾ [آل عمران: 102] ﴿ يَاأَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالًا كَثِيرًا وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا ﴾ [النساء: 1]، أما بعد:
روى ابن ماجه في سننه بسند حسنه الألباني عن ابْنِ عُمَرَ-رضي الله عنهما- قَالَ: رَأَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يَطُوفُ بِالْكَعْبَةِ، وَيَقُولُ: "مَا أَطْيَبَكِ وَأَطْيَبَ رِيحَكِ! مَا أَعْظَمَكِ وَأَعْظَمَ حُرْمَتَكِ، وَالَّذِي نَفْسُ مُحَمَّدٍ بِيَدِهِ، لَحُرْمَةُ الْمُؤْمِنِ أَعْظَمُ عِنْدَ اللَّهِ حُرْمَةً مِنْكِ، مَالُه، وَدَمُه، وَأَنْ نَظُنَّ بِهِ إِلَّا خَيْرًا".

أيها المؤمنون، نحن في زمن تكثر فيه الأقاويل، وتسري فيه الشائعات، وتروج فيه الظنون السيئة ببعض المسلمين، فتُلاكُ أعراضُهم، ويقع الناس في غيبتهم. فإذا اعتبرت الظنون، واستمع إلى مُصدِّريها؛ فَشَتِ الشائعاتُ، وانتشرت الغيبةُ والنميمةُ، وأُخِذ البُرَآءُ بمجرد الظنون والأوهام؛ فيتولد عن ذلك الأحقاد والضغائن، والانتقام والثارات، وحينئذٍ لا يأمن الناس على أنفسهم! فإن سلموا من الوقوع في الظن السيئ بإخوانهم، واتهام الأبرياء بمجرد الظنون، لم يأمنوا من أن يُلصق بهم ما ليس فيهم؛ لهذا كان النبي- صلى الله عليه وسلم- يذكِّر أصحابَه بعِظَم حرمة المؤمن، وحسن الظن به، وفي خطبتنا هذه سيكون حديثنا عن سوء الظن بالمسلمين، مخاطره، وأسبابه وعلاجه.

أيها المؤمنون، أمر الله تعالى عباده المؤمنين أن يبتعدوا ابتعادًا تامًّا عن الظنون السيئة بأهل الخير من المؤمنين؛ لأنَّ هذه الظنون السيئة لا تستند إلى دليل أو أَمارةٍ صحيحة، وإنما هي مجرد ظنونٍ وأوهام، قال تعالى: ﴿ يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اجْتَنِبُوا كَثِيرًا مِنَ الظَّنِّ إِنَّ بَعْضَ الظَّنِّ إِثْمٌ وَلَا تَجَسَّسُوا وَلَا يَغْتَبْ بَعْضُكُمْ بَعْضًا ﴾ [الحجرات: 12]، فقوله سبحانه: ﴿ اجْتَنِبُوا ﴾ فعل أمر يقتضي الوجوب ولا صارف له، قال الإمام القرطبي في تفسيره لهذه الآية: "المراد بالظن هنا التهمة التي لا سبب لها؛ كمن يتهم رجلًا بالفاحشة من غير أن يظهر عليه ما يقتضيها؛ ولذلك عُطف على ﴿ وَلَا تَجَسَّسُوا ﴾ وذلك أن الشخص الذي يقعُ له خاطرُ التهمة فيريد أن يتحقق، فيتجسس ويبحث ويستمع فنهي عن ذلك، فدلَّ سياق الآية على الأمر بصون عرض المسلم غاية الصيانة؛ لتقدم النهي عن الخوض فيه بالظن، فإن قال الظانُّ: أبحث لأتحقق؛ قيل له: ﴿ وَلا تَجَسَّسُوا ﴾، فإن قال: تحققت من غير تجسس؛ قيل له: ﴿ وَلَا يَغْتَبْ بَعْضُكُمْ بَعْضًا ﴾. وجاء في الصحيحين من حديث أبي هريرة- رضي الله عنه- عن النبي- صلى الله عليه وسلم- أنه قال: "إياكم والظن؛ فإن الظن أكذب الحديث، ولا تجسسوا، ولا تحسسوا، ولا تحاسدوا، ولا تباغضوا، ولا تدابروا، وكونوا عباد الله إخوانًا"، فعلاقة المسلم بأخيه المسلم أُسِّسَتْ في شريعة الله تعالى على الأخوة والمودة، والتراحم والتعاطف، قال تعالى: ﴿ إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ ﴾ [الحجرات: 10]، فكل ما يحقق الأخوة، ويزيد في المحبة بين المسلمين فإن الإسلام قد جاء به، وحضَّت عليه الشريعة، ورُتب عليه من المثوبة بحسبه. وكل ما يعكر صفو الأخوة بين المسلمين، ويؤدي إلى الاختلاف والفرقة، والتقاطع والتدابر، نهى عنه الإسلام، وسدَّ الطرق المفضية إليه، وله في الشريعة من العقوبة الدنيوية والأخروية ما يناسبه، وذلك من أجل أن يكون المسلمون عباد الله إخوانًا، ويتعاملون بالحسنى فيما بينهم، فلا يجدُ الشيطان مدخلًا على قلوبهم لإفسادها، وملئها بالعداوة والشحناء، والدغل والضغينة.

ومن أعظم ما يكون سببًا في فساد القلوب، وتغيُّر النفوس، وانفصام عرى الأخوة، وزوال المحبة والمودة سوءُ الظن بأخيك المسلم، بلا سبب يوجبه، ولا بيِّنة تدل عليه.

أيها المؤمنون، يحرم على المرء أن يظن السوء بأهل الخير والصلاح بدون دليل أو برهان، وكذا يحرم سوء الظن بالمسلم المستور الحال، الظاهر العدالة، الذي لم تظهر عليه علامات الفجور والفسوق، وإن كان في بعض الناس ما يظن به ظنًّا سيئًا فليس من النصيحة التشهيرُ والتعييرُ، وتناقل العثرات، وتسليط الضوء على الزلَّات. قال أبو حامد الغزالي- رحمه الله تعالى-: "ومهما خطر لك خاطر بسوء على مسلم، فينبغي أن تزيد في مراعاته، وتدعو له بالخير؛ فإن ذلك يغيظ الشيطان، ويدفعه عنك بالدعاء والمراعاة؛ ومهما عرفت هفوة مسلم بحجة، فانصحه في السر، ولا يخدعنك الشيطان فيدعوك إلى اغتيابه، وإذا وعظته فلا تعظه وأنت مسرور باطلاعك على نفسه؛ لينظر إليك بعين التعظيم، وتنظر إليه بعين الاستحقار، وتترفع عليه بإبداء الوعظ؛ وليكن قصدك تخليصه من الإثم وأنت حزينٌ كما تحزن على نفسك إذا دخل عليك نقصانٌ في دينك، وينبغي أن يكون تركه لذلك من غير نصحك أحبَّ إليك من تركه بالنصيحة، فإذا أنت فعلت ذلك كنت قد جمعت بين أجر الوعظ، وأجر الغم بمصيبته، وأجر الإعانة على دينه"؛ ا ه.

أيها المؤمنون، أما مَنْ يُجاهر بالمعاصي والمنكرات، ويرد مواطن التهم والشبهات، فلا يحرم ظن السوء فيه؛ لأنه عَرَّض نفسه لذلك. قال سعيد بن المسيب- رحمه الله- قال: "كتب إليَّ بعضُ إخواني من أصحاب رسول الله- صلى الله عليه وسلم-: أَنْ ضَعْ أَمْرَ أخيك على أحْسَنِه، ما لم يأتك ما يغلبك، ولا تظنَّنَّ بكلمة خرجت من امرئ مسلم شرًّا؛ وأنت تجد لها من الخير محملًا، ومَنْ عَرَّضَ نفسَه للتُّهم، فلا يلومنَّ مَنْ أساء به الظنَّ، وقال سفيان الثوري- رحمه الله-: "الظن ظنان؛ أحدهما إثم؛ وهو أن تظنَّ وتتكلَّم به، والآخر ليس بإثم؛ وهو أن تظنَّ ولا تتكلم".

أيها المؤمنون، كان النبي- صلى الله عليه وسلم- يُربِّي أصحابه على سدِّ منافذِ الشيطانِ، ونزعِ فتيلِ سوءِ الظنِّ؛ ففي الصحيحينِ: عَنْ جَابِرٍ- رضي الله عنه- قَالَ: "نَهَى رَسُولُ اللَّهِ- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أَنْ يَطْرُقَ الرَّجُلُ أَهْلَهُ لَيْلًا يَتَخَوَّنُهُمْ، أَوْ يَلْتَمِسُ عَثَرَاتِهِمْ"، وجاء رجلٌ إلى النبي- صلى الله عليه وسلم- وقد دخَلَتْه الريبةُ، وأحاطَتْ به ظنونُ السُّوءِ بزوجتِه؛ لأنَّها ولدَتْ غلامًا ليس على لونها ولا على لونه، فأزال النبيُّ- صلى الله عليه وسلم- ما في قلبه، بسؤاله عن لونِ إبِلِه، فَقَالَ- صلى الله عليه وسلم-: "هَلْ لَكَ مِنْ إِبِلٍ؟"، قَالَ: نَعَمْ، قَالَ: "مَا أَلْوَانُهَا؟" قَالَ: حُمْرٌ، قَالَ: "هَلْ فِيهَا مِنْ أَوْرَقَ؟"- والأوْرَقُ من الإبل: هو الذي في لونه ‌بياضٌ إلى سواد-، قَالَ الرجل: نَعَمْ، قَالَ: "فَأَنَّى كَانَ ذَلِكَ؟"، قَالَ: أُرَاهُ عِرْقٌ نَزَعَهُ، فقَالَ- صلى الله عليه وسلم-: "فَلَعَلَّ ابْنَكَ هَذَا نَزَعَهُ عِرْقٌ"؛ (رواه البخاري ومسلم).

وغَضِبَ- صلى الله عليه وسلم- على أسامة بن زيد- رضي الله عنهما- عندما قتَل مَنْ قال: لَا إلهَ إلَّا اللهُ، متأوِّلًا في نيتِه؛ ففي (صحيح مسلم): قال صلَّى اللهُ عليه وسلم لأسامة: "أَقَالَ لَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ وَقَتَلْتَهُ؟" قَالَ: قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللهِ، إِنَّمَا قَالَهَا خَوْفًا مِنَ السِّلَاحِ، قَالَ: "أَفَلَا شَقَقْتَ عَنْ قَلْبِهِ حَتَّى تَعْلَمَ أَقَالَهَا أَمْ لَا؟!"؛ أَيْ: إِنَّمَا كُلِّفْتَ بِمَا يَنْطِقُ بِهِ اللِّسَانُ، وَأَمَّا الْجَنانُ، فَلَيْسَ لَكَ طَرِيقٌ إِلَى مَعْرِفَةِ مَا فِيهِ، فالْأَحْكَامُ يُعْمَلُ فِيهَا بِالظَّوَاهِرِ، وَاللَّهُ- جلَّ جلالُه- يَتَوَلَّى السَّرَائِرَ.

وفي الرواية الأخرى: دَعَاهُ- صلى الله عليه وسلم- فَسَأَلَهُ، فَقَالَ: "لِمَ قَتَلْتَهُ؟" قَالَ: يَا رَسُولَ اللهِ، أَوْجَعَ فِي الْمُسْلِمِينَ، وَقَتَلَ فُلَانًا وَفُلَانًا، وَسَمَّى لَهُ نَفَرًا، وَإِنِّي حَمَلْتُ عَلَيْهِ، فَلَمَّا رَأَى السَّيْفَ قَالَ: لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ، فَقَالَ رَسُولُ اللهِ- صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: "أَقَتَلْتَهُ؟" قَالَ: نَعَمْ، قَالَ: "فَكَيْفَ تَصْنَعُ بِلَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ إِذَا جَاءَتْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ؟"، قَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، اسْتَغْفِرْ لِي، قَالَ: "وَكَيْفَ تَصْنَعُ بِلَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ إِذَا جَاءَتْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ؟"، قَالَ: فَجَعَلَ لَا يَزِيدُهُ عَلَى أَنْ يَقُولَ: "كَيْفَ تَصْنَعُ بِلَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ إِذَا جَاءَتْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ؟".


أيها المؤمنون، من أجل تجنب سوء الظن أُمِرَ المسلمُ إذا سافَر في رمضانَ، بأَلَّا يُجاهِرَ بفِطرِه أمامَ الناس، وإذا صلَّى فرضَه، وجاء لجماعةٍ يُصَلُّونَ، فإنَّه يُصلِّي معهَم وتكون له نافلةً؛ ففي مسند الإمام أحمد، عن جَابِرِ بْنِ يَزِيدَ، عَنْ أَبِيهِ قَالَ: شَهِدْتُ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ- صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- حَجَّتَهُ، قَالَ: فَصَلَّيْتُ مَعَهُ صَلَاةَ الْفَجْرِ فِي مَسْجِدِ الْخَيْفِ، فَلَمَّا قَضَى صَلَاتَهُ إِذَا هُوَ بِرَجُلَيْنِ فِي آخِرِ الْمَسْجِدِ لَمْ يُصَلِّيَا مَعَهُ، فَقَالَ: "عَلَيَّ بِهِمَا"، فَأُتِيَ بِهِمَا تَرْعَدُ فَرَائِصُهُمَا، قَالَ: "مَا مَنَعَكُمَا أَنْ تُصَلِّيَا مَعَنَا؟"، قَالَا: يَا رَسُولَ اللَّهِ، كُنَّا قَدْ صَلَّيْنَا فِي رِحَالِنَا. قَالَ: "فَلَا تَفْعَلَا، إِذَا صَلَّيْتُمَا فِي رِحَالِكُمَا، ثُمَّ أَتَيْتُمَا مَسْجِدَ جَمَاعَةٍ، فَصَلِّيَا مَعَهُمْ، فَإِنَّهَا لَكُمَا نَافِلَةٌ".

من أجل تجنُّب سوء الظن نُهي رأس القوم من أمير أو وزير أو مدير أو شيخ قبيلة، عن الاستماع إلى نَقَلَة الكلام، الذي ليس لهم من البضاعة إلا القيل والقال، والظنون والأوهام؛ لئلا يصيبوا بريئًا بشَرٍّ، وحتى لا تربح سوق الكلام والشائعات؛ فحصل للشيطان ما يريد من التحريش بين العباد، روى أحمد وأبو داود بإسناد حسن عن أبي أمامة- رضي الله عنه- عن النبي- صلى الله عليه وسلم- أنه قال: "إن الأمير إذا ابتغى الريبة في الناس أفسدهم".

وروى أبو داود وصححه ابن حبان من حديث معاوية- رضي الله عنه- قال: سمعت رسول الله- صلى الله عليه وسلم- يقول: "إنك إن اتبعت عورات الناس أفسدتهم، أو كدت أن تفسدهم" قال: يقول أبو الدرداء: "كلمة سمعها معاوية من رسول الله- صلى الله عليه وسلم- نفعه الله بها"، وذلك أن معاوية- رضي الله عنه- صار رأسًا للناس في وقته بتوليه الخلافة، فكان لا يأخذ بالريبة، ولا يتبع عوراتهم عملًا بقول النبي صلى الله عليه وسلم.


أيها المؤمنون، سوء الظن بالناس له أسباب كثيرة، ومن أعظم أسبابه الوقوع في الشبهات، والوقوف عند مواطن ومواضع التهم والريب؛ ولذا يقول- عليه الصلاة والسلام-: "دع ما يريبك إلى ما لا يريبك"؛ (رواه الترمذي والنسائي)، ولقد ضرب لنا رسولنا- عليه الصلاة والسلام- أروع الأمثلة في الابتعاد عن مواضع التهمة؛ لنقتدي به، تقول أم المؤمنين صفية بنت حيي- رضي الله عنها-: كان النبي- صلى الله عليه وسلم- معتكفًا فأتيته أزوره ليلًا؛ فحدثته، ثم قمت لأنقلب، فقام معي ليقلبني، فمَرَّ رجلان من الأنصار، فلما رأيا النبي- عليه الصلاة والسلام- أسرعا، فقال- عليه الصلاة والسلام-: "على رسلكما، إنها صفية بنت حيي"، فقالا: سبحان الله، يا رسول الله، قال: "إن الشيطان يجري من الإنسان مجرى الدم، وإني خشيت أن يقذف في قلوبكما شرًّا، أو قال: شيئًا"؛ (رواه البخاري).

فينبغي للإنسان أن يبتعد عن مواطن الشبهات؛ لئلا يسيء الناسُ به الظنَّ، قال عمر- رضي الله عنه-: "مَن عَرَّض نفسه للتهمة فلا يلومن مَن أساء به الظن"، ومَرّ بِرَجُل يُكَلِّم امرأة على ظَهر الطريق، فَعَلاه عمر- رضي الله عنه- بالدِّرَّة، فقال: يا أمير المؤمنين، إنها امرأتي! فقال: "هلَّا حيث لا يراك أحدٌ مِن الناس".

ومن أسباب سوء الظن: عدم مراعاة آداب الإسلام في التناجي؛ فإن هناك آدابًا يلزم مراعاتها حفاظًا على قلوب المسلمين أن يدخلها شيء من وسواس الشيطان، وفي هذا يقول- عليه الصلاة والسلام-: "إذا كنتم ثلاثة فلا يتناجى اثنان دون الآخر حتى تختلطوا بالناس، من أجل أن يحزنه"؛ (رواه البخاري ومسلم).

ومن أسباب سوء الظن بالناس: التشدُّد والغلو في بعض القضايا والمسائل والأفكار، ولأجل اجتماع كلمة المسلمين وخشية الفُرْقَة بينهم ترك النبي- صلى الله عليه وسلم- بعضَ المُستحبات كي لا تضيع في فِعلها واجبات؛ من ذلك أنه لم يُعطِ بعضَ الفقراء وأعطى بعضَ الأغنياء تأليفًا لقلوبهم على الإسلام، ومنها أنه ترك تغيير بناء الكعبة المشرفة إبقاء لتأليف القلوب، وقد كان ابن مسعود يُنكر على عثمان إتمام الصلاة في السفر، ثم صلَّى خلفه مُتِمًّا، وقال: "الخلاف شَرٌّ"، رضي الله عنهما جميعًا.

ومن أسباب سوء الظن بالناس: خبث النفس، وضعف العقل، وضعف الإيمان، وتسلُّط الشيطان على الإنسان، فإنَّ أصحاب العقول الكبيرة والنفوس الطيبة يتركون هذا الخُلُق السيئ ويُحسنون الظن بالمسلمين. قال المقدسي- رحمه الله-: "إنما يترشَّح سوء الظن بخبث الظانِّ؛ لأن المؤمن يطلب المعاذير للمؤمن، والمنافق يبحث عن عيوبه. وينبغي للإنسان أن يحترز عن مواقف التُّهم؛ لئلَّا يُساء به الظن، فهذا طَرَفٌ من ذِكر مداخل الشيطان".

ومن أسباب سوء الظن: عدم احترام آراء الآخرين، والإصرار على تبنِّي وجهة نظر واحدة وترك ما سواها، والموالاة فيها والمعاداة من أجلها، ومن أوضح الأمثلة في ذلك ما قاله ابن حزم عن بعض المتعصِّبين للعلماء أن "مَنْ نشأ بينهم قد شَغَلَه حُسن الظن بِمَنْ قلَّد، أو استحسانه لِمَا قلَّد فيه، وغَمَرَ الهوى عقلَه عن التفكير فيما فَهِمَ من البرهان، قد حال ما ذكرنا بينه وبين الرجوع إلى الحق، وصَرَفَ الهوى ناظِرَ قلبه عن التفكر فيما يتبيَّن له من البرهان، ونَفَّرَ عنه، وأوحشه منه، فهو إذا سَمِعَ برهانًا ظاهرًا لا مَدْفَعَ فيه عنده، ظَنَّه من الشيطان، وغالَبَ نفسَه حتى يُعْرِضَ عنه".

أسأل الله أن يجعلنا ممن يحسنون الظن بالمسلمين، وممن يحملون تصرفاتهم على أحسن المحامل.

أقول هذا القول، وأستغفر الله لي ولكم ولسائر المسلمين من كل ذنب، فاستغفروه؛ إنه هو الغفور الرحيم.


الخطبة الثانية
الحمد الله، والصلاة والسلام على رسول الله، وبعد:
مَعاشِرَ المؤمنينَ، إنَّ حقَّ المسلم على إخوانه، أن يُظنوا به خيرًا، ما دام الخيرُ ظاهرًا على أخلاقه، وأماراتُ الثقةِ باديةً على طباعه، فمَن شُوهد منه السترُ والصلاحُ، وأُونِسَتْ منه الأمانةُ والفَلاحُ، فظنُّ الفسادِ به والخيانةِ محرَّمٌ، ومَنْ ظنَّ به سوءًا فهو آثمٌ، وإنَّ مِنْ ثمراتِ حُسنِ الظنِّ أنَّه يُفضي إلى راحةِ البالِ وطمأنينةِ النفسِ، وسعادةِ القلبِ، وسلامةِ الصدرِ، وفيه امتثالٌ لأمرِ النبيِّ- صلى الله عليه وسلم-؛ حيث قال: "إِيَّاكُمْ وَالظَّنَّ، فَإِنَّ الظَّنَّ أَكْذَبُ الْحَدِيثِ"؛ (رواه البخاري ومسلم).

ومن يُعامِلُ الناسَ بالظنون الكاذبة، حريٌّ أن تجتمعَ فيه الأحقادُ والضغائنُ، فتشوِّش عليه قلبَه، وتنغِّص حياتَه، فتصبح معيشتُه ضنكًا، وبصيرتُه عمياءَ، يلجأ إلى تأويلاتٍ وتخريصاتٍ، وتحليلاتٍ وتفسيراتٍ، ويدَّعِي أنَّ ذلك حصافةٌ وفطنةٌ، وما علم أنَّه ضَرْبٌ من العَبَثِ بالنِّيَّاتِ، ولا يزال المرءُ يستجيب لسوء ظنِّه، فيُعَيِّب الناسَ بذِكر مساوئهم وزلَّاتِهم، ويُقبِّح أحوالَهم، حتى يرى أنهم قد فسَدُوا وهَلَكُوا، والحقيقة أنَّه أسوأُ حالًا منهم؛ بما يَلحَقُه من الإثمِ في عَيبِهم والوقيعةِ فيهم، وازدرائهم واحتقارِهم، وتفضيلِ نفسِه عليهم، ففي صحيح مسلم أَنَّ رَسُولَ اللهِ- صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ: "إِذَا قَالَ الرَّجُلُ: هَلَكَ النَّاسُ، فَهُوَ أَهْلَكُهُمْ"، وإذا كان المرءُ لَيَصْعُبُ عليه معرفةُ نيتِه في عمله، فكيف يتسلَّط على نيَّات الخلق؟!

أيها المؤمنون، إنَّ الأصلَ في المسلمِ السلامةُ، ولا يُعدَل عنها إلا بيقينٍ، وليس من منهج الصالحين، تتبُّع العورات، والبحثُ عن الزلَّات والسقطات، والفرحُ بالعَثَرات، وسوءُ الظنِّ بالمسلمينَ، فمن تلك سجيتُه، عرَّض نفسَه لغضب الله وسخطه، وخزيه وفضيحته؛ ففي سُنن الترمذي أن النبي- صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قال: "يَا مَعْشَرَ مَنْ آمَنَ بِلِسَانِهِ، وَلَمْ يُفْضِ الْإِيمَانُ إِلَى قَلْبِهِ، لَا تؤذوا الْمُسْلِمِينَ ولا تعيروهم، وَلَا تَتَّبِعُوا عَوراتِهِمْ، فَإِنَّهُ مَن تتَبَّع عورة أخيه المسلم تتبَّع اللَّهُ عَوْرَتَهُ، وَمَنْ تتبَّع اللَّهُ عَوْرَتَهُ يَفْضَحْهُ ولو في جوف رحله".

أيها المؤمنون، كل مرض له علاج، ومن ذلك سوء الظن بالناس، فهو مرض نفسي يصيب صاحبه بالغرور والتعالي على خَلْق الله تعالى، ومن سماحة الإسلام وشموليته أن أتاح لنا علاج هذه المرض، فمما أوصى به الإسلام لمكافحة سوء الظن والقضاء عليه:
فمن علاج سوء الظن: ذكر عقوبة من يسيء الظن: قال تعالى: ﴿ وَالَّذِينَ يُؤْذُونَ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ بِغَيْرِ مَا اكْتَسَبُوا فَقَدِ احْتَمَلُوا بُهْتَانًا وَإِثْمًا مُبِينًا ﴾ [الأحزاب: 58]، وعن ابن عمر- رضي الله عنهما-: قال: صعد رسول الله- صلى الله عليه وسلم- المنبر، فنادى بصوت رفيع، فقال: "يا معشر من أسلم بلسانه ولم يفض الإيمان إلى قلبه، لا تؤذوا المسلمين، ولا تعيروهم، ولا تتبعوا عوراتهم؛ فإنه من تتبع عورة أخيه المسلم تتبع الله عورته، ومن تتبع الله عورته يفضحه ولو في جوف رحله"؛ (رواه الترمذي).

ومن علاج سوء الظن التأمل في حقيقة البشر: إذْ يعتريهم النسيان والضعف والذهول، فإذا تأمل المرء ذلك يجد نفسه مرغمًا على التماس العذر لهم، وعدم مؤاخذتهم بما يصدر عنهم من أمور يمكن حملها على الوجه الحسن، ولو باحتمال ضعيف، قال عمر- رضي الله عنه-: "لا تظنن بكلمة خرجت من أخيك المؤمن إلَّا خيرًا، وأنت تجد لها في الخير محملًا".

ومن علاج سوء الظن إحسان الظن بالمسلمين، ففي حادثة الإفك يقول الله تعالى: ﴿ لَوْلَا إِذْ سَمِعْتُمُوهُ ظَنَّ الْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بِأَنْفُسِهِمْ خَيْرًا وَقَالُوا هَذَا إِفْكٌ مُبِينٌ ﴾ [النور: 12]، فأنزل المسلم منزلة النفس فلم يقل: بإخوانهم؛ بل قال: ﴿ بِأَنفُسِهِمْ ﴾ فالواجب عليك أن تقيم إخوانك مقام نفسك فلا تظن بهم إلا خيرًا.

ومن علاج سوء الظن: التماس الأعذار للمؤمنين، وتوقع الخير منهم، وترك تتَبُّع عوراتهم، والاعتماد على الظاهر، وترك السرائر إلى الله وحده الذي يعلم السر وأخفى، قال ابن عباس- رضي الله عنه-: "ما بلغني عن أخٍ مكروهٌ قطُّ إلا أنزلته إِحدى ثلاث منازل: إن كان فَوقي عرفتُ له قدره، وإن كان نظيري تفضَّلت عليه، وإن كان دوني لم أحفل به، هذه سيرتي في نفسي، فمن رغب عنها فأرضُ الله واسعة".

ومن علاج سوء الظن: اتهام النفس بالتقصير، وإدراك أنها مركبة على الجهل والظلم، قال ابن القيم- رحمه الله-: "ليظن العبد السوء بنفسه التي هي مأوى كل سوء، ومنبع كل شر، المركبة على الجهل والظلم، فهي أولى بظن السوء.

ومن علاج سوء الظن هجر مجالس أصحاب الظنون السيئة بإخوانهم المسلمين؛ لئلا يتصف بما هم عليه من هذه الصفة، ولا يصاحب أهل التهم والريب؛ لئلا يسيء الناس الظن به، قال أبو حاتم البستي- رحمه الله-: "الواجب على العاقل أن يجتنب أهل الريب؛ لئلا يكون مريبًا؛ فكما أن صحبة الأخيار تورث الخير، كذلك صحبة الأشرار تورث الشر.

عباد الله، لا أسعد للقلب وأزكى للنفس من إحسان الظن؛ فبه يسلم من أذى العواقب المقلقة التي تؤذي النفس، وتكدر البال وتتعب الجسد، والظنون أوهام لا ينبغي للعبد المؤمن أن يشتغل بها، قال تعالى: ﴿ إِنْ يَتَّبِعُونَ إِلَّا الظَّنَّ وَإِنَّ الظَّنَّ لَا يُغْنِي مِنَ الْحَقِّ شَيْئًا ﴾ [النجم: 28].

فمَنْ أراد النجاةَ: ظنَّ السوء بنفسه، واجتَهَد في إصلاح قلبه، وتزكية نفسه، وسلامة صدره؛ واشتَغَل بعيوبِه عن عيوب غيره، دخَل رجلٌ على أبي دُجانة- رضي الله عنه-، وهو في مرضه الذي مات فيه، ووجهُه- رضي الله عنه- يتهلَّل ويقول: "ما مِنْ عملٍ أَوْثقُ عندي مِنْ شيئينِ: لا أتكلَّمُ فيما لا يَعنِينِي، وقد كان قلبي سليمًا"، وذكر البيهقي في مناقب الإمام الشافعي-رحمه الله- أنَّه قال: "مَنْ أحبَّ أن يُقضى له بخير، فليُحسِنْ بالناس الظنَّ".

اللهم اهدنا لأحسن الأخلاق، لا يهدي لأحسنها إلا أنت، واصرف عَنَّا سيئها، لا يصرف عَنَّا سيئها إلا أنت.
الدعاء.




__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
 


الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1)
 

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع


 


الاحد 20 من مارس 2011 , الساعة الان 01:21:21 صباحاً.

Powered by vBulletin V3.8.5. Copyright © 2005 - 2013, By Ali Madkour

[حجم الصفحة الأصلي: 92.01 كيلو بايت... الحجم بعد الضغط 90.29 كيلو بايت... تم توفير 1.72 كيلو بايت...بمعدل (1.87%)]