|
الملتقى الاسلامي العام مواضيع تهتم بالقضايا الاسلامية على مذهب اهل السنة والجماعة |
|
أدوات الموضوع | انواع عرض الموضوع |
#1
|
||||
|
||||
![]() فقه التعامل مع نصوص الشريعة وأثره على قضايا الاعتقاد .. الحلقة الأولى
من الأمور المقرَّرة عند أهل العلم، أنه ليس كل ما يُعلم يقال، والعامة إنما يُدعون للأمور الواضحة من الكتاب والسُنَّة، بخلاف دقائق المسائل، سواء أكانت من المسائل الخبرية، أو من المسائل العملية، وما يسع الناس جهله ولا يكلفون بعلمه أمر نسبيٌّ يختلف باختلاف الناس، وهو في دائرة العامة أوسع منه في دائرة طلبة العلم، وشاهد ذلك قول عَلِيٌّ - رضي الله عنه -: «حَدِّثُوا النَّاسَ بِمَا يَعْرِفُونَ؛ أَتُحِبُّونَ أَنْ يُكَذَّبَ اللَّهُ وَرَسُولُهُ؟». هذا الأثر بوَّب عليه البخاري بقوله: «بَابُ مَنْ خَصَّ بِالعِلْمِ قَوْمًا دُونَ قَوْمٍ؛ كَرَاهِيَةَ أَنْ لاَ يَفْهَمُوا»، قال ابن حجر: والمراد بقوله: (بما يعرفون) أي: يفهمون، وزاد آدم بن أبي إياس في كتاب العلم له عن عبدالله بن داود عن معروف في آخره: (ودعوا ما ينكرون) أي: يشتبه عليهم فهمه، وفيه دليل على أن المتشابه لا ينبغي أن يذكر عند العامة، ومثله قول ابن مسعود: «مَا أَنت بمُحَدِّثٍ قَوْمًا حَدِيثًا لَا تَبْلُغُهُ عُقُولُهُمْ إِلا كَانَ لِبَعْضِهِمْ فِتْنَةً». ليس كل ما يُعلم يُقال لذا الذي عليه أهل العلم أنه ليس كل ما يعلم يقال، لا سيما إذا كان سيحمل على غير وحجه، ولذا كان بعض أصحاب النبي - صلى الله عليه وسلم - يكتم بعض العلم؛ خشية أن يفهمه الناس على غير الوجه المقصود به، ومن ذلك ما رواه أَنَسُ بْنُ مَالِكٍ - رضي الله عنه - أَنَّ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - وَمُعاذٌ رَدِيفُهُ عَلَى الرَّحْلِ، قَالَ: «يَا مُعَاذَ بْنَ جَبَلٍ، قَالَ: لَبَّيْكَ يَا رَسُولَ اللَّهِ وَسَعْدَيْكَ، قَالَ: يَا مُعَاذُ، قَالَ: لَبَّيْكَ يَا رَسُولَ اللَّهِ وَسَعْدَيْكَ، ثَلاَثًا، قَالَ: مَا مِنْ أَحَدٍ يَشْهَدُ أَنْ لاَ إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَأَنَّ مُحَمَّدًا رَسُولُ اللَّهِ صِدْقًا مِنْ قَلْبِهِ إِلَّا حَرَّمَهُ اللَّهُ عَلَى النَّارِ، قَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، أَفَلاَ أُخْبِرُ بِهِ النَّاسَ فَيَسْتَبْشِرُوا؟ قَالَ: إِذًا يَتَّكِلُوا، وَأَخْبَرَ بِهَا مُعَاذٌ عِنْدَ مَوْتِهِ تَأَثُّمًا». ![]() أولاً: ضوابط فهم النصوص الشرعية إن الاستدلال بالنصوص الشرعية موضوع في غاية الأهمية؛ لأن النصوص الشرعية تقتضي أن يكون فهمها واستنباط الأحكام منها وفق ضوابط منهجية معينة، تضبط الفهم، ويُعصم بها الباحثون والدارسون من الشطط في التصور والفهم والاستنباط، ولا بد من الإدراك والوعي بالضوابط اللازمة لسلامة الاستدلال بالنصوص الشرعية وفهمها، والاستدلالُ السليم فرع عن الفهم الصحيح للنصوص الشرعية، وتطبيق هذه النصوص وتنزيلها على الوقائع المستجدة -وهو ركن أصيل في الاجتهاد وجانب مهمّ من ثماره- أمر غاية في الخطورة؛ لذا وجب العناية بضوابطه، ومن أبرز الضوابط المنهجية للاستدلال بالنصوص الشرعية ما يلي: (1) تعظيم النصوص الشرعية والتسليم لها قال الإمام الطحاوي -رحمه الله- في عقيدته: «ولا تثبُت قدمُ الإسلام إلا على ظهر التسليم والاستسلام، فمن رامَ عِلمَ ما حُظِر عنه علمه، ولم يقنع بالتسليم فَهمُه، حَجَبه مَرامُه عن خالص التوحيد، وصافي المعرفة، وصحيح الإيمان». (2) التأكّد من ثبوت النص الذي ينبني عليه الحكم هذا الضابط يخصّ السنة النبوية، وما أكثرَ الأحاديث التي نُسبت لخير البرية -عليه الصلاة والسلام- ولم تثبت ولم تصح !بل إن بعضها لم توجَد له رواية في الأحاديث الضعيفة أو الموضوعة، ومع ذلك بنى عليها بعض المبتدعة والجهلة أعمالًا وفضائلَ، كحديث: «إذا سألتم الله فاسألوه بجاهي؛ فإن جاهي عند الله عظيم»، قال ابن تيمية -رحمه الله-: «وهذا الحديث كذب، ليس في شيء من كتب المسلمين التي يَعتمد عليها أهل الحديث، ولا ذَكره أحد من أهل العلم بالحديث». ![]() (3) عرض النص على النصوص الشرعية لفهم النص واستنباط الأحكام منه لابد أن يُعرض على النصوص الأخرى ذات العلاقة به من الكتاب والسُنَّة النبوية، فلا يُنظر إلى نص بمفرده؛ فالقرآن والسُنَّة يفسّر بعضهم بعضًا، والسُنَّة النبوية بمنزلة الشرح والتفسير والبيان لمعاني القرآن، وهذا أمر مقرر لدى العلماء، فحصر التدبّر والاستنباط في النص بمفرده، أو في جزئية من جزئيات النص دون ربطه بنصوص القرآن والسُنَّة ذات العلاقة به وضمّه إليها يؤدّي إلى مفاهيم وأحكام خاطئة وسقيمة، وما يقع فيه كثير من الطوائف والفرق من زيغ مردُّه في بعض صوره إلى جزئية الإدراك، وكثير من المفاهيم والأحكام السقيمة التي ذهبت إليها بعض الفرق المبتدعة، إنما كان أساس الخلل والانحراف فيها هو تمسّكها ببعض النصوص وإغفالها للنصوص الأخرى ذات العلاقة واجتزاؤها للنصوص عن بعضها. (4) فهم ألفاظ النصوص الشرعية وفق أساليب اللغة العربية النصوص الشرعية نزلت بلسان عربي مبين، فمدلولات ألفاظ النصوص الشرعية هي بحسب قواعد اللغة العربية ودلالاتها اللغوية والشرعية والعرفية؛ فالنصوص الشرعية جاءت بلسان عربي مبين، فمن البديهي أن تكون معرفة مدلولات تلك الألفاظ العربية بحسب قواعد اللغة العربية وإيحاءاتها الدلالية اللغوية والشرعية والعرفية؛ لأنه لا سبيل إلى تطلّب فهمها من غير جهة لسان العرب. يقول الشاطبي: «إِنَّ الْقُرْآنَ نَزَلَ بِلِسَانِ الْعَرَبِ، وَإِنَّهُ عَرَبِيٌّ، وَإِنَّهُ لَا عُجْمَةَ فِيهِ، فَبِمَعْنَى أَنَّهُ أُنْزِلَ عَلَى لسان معهود العرب فِي أَلْفَاظِهَا الْخَاصَّةِ وَأَسَالِيبِ مَعَانِيهَا، وَأَنَّهَا فِيمَا فُطِرَتْ عَلَيْهِ مِنْ لِسَانِهَا تُخَاطِبُ بِالْعَامِّ يُرَادُ بِهِ ظَاهِرُهُ، وَبِالْعَامِّ يُرَادُ بِهِ الْعَامُّ فِي وَجْهٍ وَالْخَاصُّ فِي وَجْهٍ، وَبِالْعَامِّ يُرَادُ بِهِ الْخَاصُّ، وَالظَّاهِرُ يُرَادُ بِهِ غَيْرُ الظَّاهِرِ، وَكُلُّ ذَلِكَ يُعْرَفُ مِنْ أَوَّلِ الْكَلَامِ أَوْ وَسَطِهِ أَوْ آخِرِهِ، وَتَتَكَلّمُ بِالْكَلَامِ يُنْبِئُ أَوَّلُهُ عَنْ آخِرِهِ، أَوْ آخِرُهُ عَنْ أَوَّلِهِ، وَتَتَكَلَّمُ بِالشَّيْءِ يُعْرَفُ بِالْمَعْنَى كَمَا يُعْرَفُ بِالْإِشَارَةِ، وَتُسَمِّي الشَّيْءَ الْوَاحِدَ بِأَسْمَاءَ كَثِيرَةٍ، وَالْأَشْيَاءَ الْكَثِيرَةَ بِاسْمٍ وَاحِدٍ، وَكُلُّ هَذَا مَعْرُوفٌ عِنْدَهَا لَا تَرْتَابُ فِي شَيْءٍ مِنْهُ هِيَ، وَلَا مَنْ تَعَلَّقَ بِعِلْمِ كلامها»، وقال شيخ الإسلام -رحمه الله-: ولا بدَّ في تفسير القرآن والحديث مِن أن يعرف ما يدلُّ على مراد الله ورسوله مِن الألفاظ وكيف يُفهم كلامه، فمعرفةُ العربية التي خوطبنا بها مما يعين على أن نفقه مرادَ الله ورسوله بكلامه، وكذلك معرفة دلالة الألفاظ على المعاني، فإنَّ عامّة ضلال أهل البدع كان بهذا السبب، فإنّهم صاروا يحملون كلام الله ورسوله على ما يدّعون أنّه دالٌّ عليه، ولا يكون الأمرُ كذلك. اعداد: د. حماد عبدالجليل البريدي
__________________
|
الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1) | |
|
|
|
Powered by vBulletin V3.8.5. Copyright © 2005 - 2013, By Ali Madkour |