|
ملتقى الخطب والمحاضرات والكتب الاسلامية ملتقى يختص بعرض الخطب والمحاضرات الاسلامية والكتب الالكترونية المنوعة |
![]() |
|
أدوات الموضوع | انواع عرض الموضوع |
#1
|
||||
|
||||
![]() كلب لا يجوز إيذاؤه … فكيف بأذية المسلم؟ د. محمد جمعة الحلبوسي إن الحمد لله، نحمَده، ونستعينه، ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا، ومن سيئات أعمالنا، من يهدِه الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، يا رب: إذا المرء لم يلبَس ثيابًا من التُّقى ![]() تقلب عريانًا ولو كان كاسيا ![]() وخير خِصال المرء طاعة ربه ![]() ولا خير فيمن كان لله عاصيا ![]() وأشهد أن سيدنا محمدًا عبده ورسوله، بلَّغ الرسالة، وأدى الأمانة، وجمع شمل الأمة على كلمة سواء، يا سيدي يا رسول الله: فاحت بعاطر ذكرك الأيامُ ![]() وتفاخرت بجهادك الأعلامُ ![]() والله قد حيَّاك في قرآنه ![]() فاهنأ فأنت السيد المِقدامُ ![]() فصلوات ربي وسلامه عليه، وعلى آله الطيبين، وصحبه الغر الميامين، ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين. ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ﴾ [آل عمران: 102]. ﴿يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالًا كَثِيرًا وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا﴾ [النساء: 1]. ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا * يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا﴾ [الأحزاب: 70، 71]. أما بعد: فإن أصدقَ الحديث كتابُ الله، وأحسنَ الهَدْيِ هَدْيُ محمد صلى الله عليه وسلم، وشرَّ الأمور مُحْدَثاتُها، وكلَّ مُحْدَثَةٍ بدعةٌ، وكلَّ بدعة ضلالة، وكل ضلالة في النار. إخوة الإيمان والعقيدة: استمعوا معي إلى هذه الكلمة العظيمة، كلمة خرجت من قلب رجل عاش مع الله، قلبٍ ذاق حلاوة الإيمان، ففاضت على لسانه حكمةً وموعظةً حسنة؛ إنه سيدنا الفضيل بن عياض رحمه الله، العابد الزاهد، التقي النقي، يقول كلمة تهز الجبال الرواسي، فكيف لا تهز قلوب البشر؟ يخاطب أمة سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم، يخاطبنا نحن، محذرًا من عملٍ تهاون به كثير من الناس، عمل هو من أسباب البلاء، ومن أعظم أبواب الفتن، إنه أذى المسلمين، فاستمعوا إلى كلماته التي تُكتب بماء العيون لا بماء الذهب. يقول الفضيل رحمه الله: "والله ما يحل لك أن تؤذي كلبًا ولا خنزيرًا بغير حق، فكيف تؤذي مسلمًا؟"[1]. الله أكبر، إذا كان الكلب - أجلَّكم الله - لا يجوز لك أن تؤذيه ظلمًا، وإذا كان الخنزير - أجلكم الله - لا يحل لك أن تضربه عبثًا، فكيف بإيذاء المسلم؟ كيف تؤذي من يشهد معك أن لا إله إلا الله؟ كيف تؤذي من يصلي بجانبك في المسجد؟ كيف تؤذي من يصوم معك رمضان، ويؤمِّن معك على الدعاء؟ كيف تؤذي المسلم الذي هو جارك، أو ابن عمك، أو زميلك في العمل؟ هذه الكلمة ما قالها سيدنا الفضيل عبثًا، ولا نطق بها جزافًا، بل قالها لأنه يعلم أن حرمة المسلم في دين الله أعظم من حرمة الكعبة، وأن المسلم محترم في شريعة الله تعالى، وأن إيذاء المؤمن هو بمثابة إيذاء لرسول الله صلى الله عليه وسلم، وإيذاء رسول الله صلى الله عليه وسلم هو إيذاء لله تعالى. ولذلك يقول الله تعالى محذرًا من أذية المؤمنين والمؤمنات: ﴿وَالَّذِينَ يُؤْذُونَ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ بِغَيْرِ مَا اكْتَسَبُوا فَقَدِ احْتَمَلُوا بُهْتَانًا وَإِثْمًا مُبِينًا﴾ [الأحزاب: 58]. ويخبرنا نبينا صلى الله عليه وسلم بأن كل من يؤذي المسلمين في طرقهم بأي نوع من أنواع الإيذاء الحسي أو المعنوي، فهو مستحق للعنتهم؛ فقال سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم: ((من آذى المسلمين في طرقهم، وجبت عليه لعنتهم))[2]. يقول شرَّاح الحديث: من وضع حجرًا، أو شوكًا، أو أذًى في طريق المسلمين، فقد استحق اللعنة نعم، استحق اللعنة، أتدرون ما معنى أن يُلعن العبد؟ يعني أن يُطرد من رحمة الله، فإذا لعنه الناس، فليس عليهم وزر، بل لهم أجر؛ لأنهم لعنوا من لعنه الشرع، وطردوا من طرده الله. يا ألله! بلغ الأمر أن تكون اللعنة على المؤذي قربة إلى الله، بلغ الأمر أن تكون اللعنة عبادة يُثاب عليها المؤمن، إذا كانت على من آذى المسلمين. واليوم ... كم من المسلمين من لا يبالي بأذية الآخرين! كم من الناس من يوقفون سياراتهم في منتصف الطريق فيكونون سببًا في أذية الآخرين! كم من الناس من يأخذ الرصيف ويضيق على المارة في الشارع، وذلك ببناء محل عليه، أو أن يقدم سياج بيته أو يبني عليه بناء ليجعله حديقة تابعة لمصلحته! كم من الناس من يزعجون الجيران بأصوات الأغاني والموسيقى ليلًا ونهارًا لا يرحمون مريضًا، ولا يحترمون مسجدًا، ولا يعظِّمون جيرة! كم من الناس من يقودون سياراتهم ودراجاتهم النارية وستوتاتهم كالمجانين، يستهينون بأرواح الناس وممتلكاتهم! فيا من تستهينون بأذية الآخرين، أتظن أن الله لا يراك؟ أتظن أن الله لا يسمعك؟ أتظن أن الله لن يحاسبك؟ ماذا ستقول بين يدي الله وقد ضيَّقت على عباد الله؟ ماذا ستقول يوم تلقى الله، والناس يدعون عليك لأنك آذيتَهم؟ ألا تتذكر مقولة سيدنا عمر رضي الله عنه؛ أمير المؤمنين، العادل الورع، التي قالها خائفًا من الله: "لو عثرت شاة في العراق، لسألني الله عنها: لمَ لَمْ تمهِّد لها الطريق يا عمر؟". يا ألله! شاة، فماذا سيقول الذين يؤذون الناس عمدًا، في الشارع، في الوظيفة، في الأسواق، في البيوت، على مواقع التواصل، في أعراضهم، في سمعتهم؟ ماذا سيقول من يضرب ويؤذي ويظلم ويتجبر؟ أما والله إن الظلم شؤم ![]() ولا زال المسيء هو الظلومُ ![]() إلى الديان يوم الدين نمضي ![]() وعند الله تجتمع الخصومُ ![]() ستعلم في الحساب إذا التقينا ![]() غدًا عند المليك مَنِ الغشومُ ![]() أنا أقف اليوم لأقول لكل هؤلاء: أين نحن من أخلاق الإسلام؟ أين نحن من التحذيرات القرآنية والتحذيرات النبوية من أذية المسلمين؟ أين نحن من كلمة سيدنا الفضيل: "والله ما يحل لك أن تؤذي كلبًا ولا خنزيرًا بغير حقٍّ، فكيف تؤذي مسلمًا؟". فلنعُد إلى أخلاق الإسلام، وإلى هَدْيِ سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم، فالمسلم من سلم الناس من لسانه ويده، فهل أنت مسلم؟ أم لسانك سيف، ويدك أذى، وطريقك لعنة؟ فيا أخي كفى أذيةً للمسلمين، كفى تجبرًا على خلق الله، كفى ظلمًا وتضييقًا للطرق، كفى جرأةً على حدود الله، ﴿وَاتَّقُوا يَوْمًا تُرْجَعُونَ فِيهِ إِلَى اللَّهِ ثُمَّ تُوَفَّى كُلُّ نَفْسٍ مَا كَسَبَتْ وَهُمْ لَا يُظْلَمُونَ﴾ [البقرة: 281]. اللهم طهِّر قلوبنا من الحقد، وألسنتنا من الأذى، وأيدينا من الظلم، اللهم اجعلنا من عبادك الصالحين، الذين يسلم الناس من شرهم، ويأمن الناس من أذاهم. الخطبة الثانية: من المسائل التي نحتاج إلى التنبيه عليها اليوم، لما شاع من خطرها وانتشر من ضررها، ما نراه من بعض الناس الذين يقودون سياراتهم في الاتجاه المعاكس للطريق، أو ما يُعرف عند الناس بـ "الرون سايد".وهنا نقول: هذا الفعل محرم شرعًا، لأنه جمع بين مفاسدَ كثيرة: أولًا: فيه تعريض للنفس والآخرين للهلاك؛ والله تعالى يقول: ﴿وَلَا تُلْقُوا بِأَيْدِيكُمْ إِلَى التَّهْلُكَةِ﴾ [البقرة: 195]. ثانيًا: فيه أذية لعباد الله في الطرقات؛ وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم: ((المسلم من سلم المسلمون من لسانه ويده))[3]. ثالثًا: هو مخالفة للأنظمة المرورية، وهذه الأنظمة وُضعت لمصلحة الناس وحفظ أرواحهم، وطاعة ولي الأمر في هذا من طاعة الله؛ قال الله تعالى: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ﴾ [النساء: 59]. رابعًا: وإذا وقع بسبب هذا التصرف حادث، فصاحبه آثِم، ضامن، وربما يطالب شرعًا بالدية أو القصاص، والعياذ بالله. فيا أخي، لا تقل (أنا مستعجل)، ولا تقل (الطريق فاضي)، فكم من الناس ذهبوا إلى القبور لأنهم قالوا: (ماكو أحد بالطريق)، فهل ترضى أن تكون سببًا في أذية الناس في أرواحهم وممتلكاتهم؟ هل ترضى أن تكون سببًا في إعاقة طفل أو امرأة؟ قالتها العرب قديمًا: (امشِ شهرًا ولا تعبر نهرًا)، فكيف بمن يعبر "الرون سايد" في لحظة، ثم يزهق نفسًا، ويكسِر عائلة، ويفتح على نفسه باب المآثم والمظالم؟ فاتقوا الله في أنفسكم، وفي الناس، وفي الطرقات، وكونوا قدوة في الالتزام بالنظام، فإن الإسلام هو النظام، والعبث لا يليق بمسلم يخشى الله ويخاف على دماء المسلمين. نسأل الله أن يهدينا سواء السبيل، وأن يُرينا الحق حقًّا ويرزقنا اتباعه. [1] سير أعلام النبلاء، للذهبي: (8/ 427). [2] أخرجه الطبراني المعجم الكبير: (3/ 179)، برقم (3050)، قال الهيثمي: وإسناده حسن، الهيثمي، مجمع الزوائد ومنبع الفوائد: (1/ 483). [3] صحيح مسلم، كتاب الإيمان - باب بيان تفاضل الإسلام، وأي أموره أفضل: (1/ 65)، برقم (41).
__________________
|
![]() |
الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1) | |
|
|
|
Powered by vBulletin V3.8.5. Copyright © 2005 - 2013, By Ali Madkour |