|
ملتقى الخطب والمحاضرات والكتب الاسلامية ملتقى يختص بعرض الخطب والمحاضرات الاسلامية والكتب الالكترونية المنوعة |
![]() |
|
أدوات الموضوع | انواع عرض الموضوع |
#1
|
||||
|
||||
![]() مصعب بن عمير باع دنياه لآخرته يحيى سليمان العقيلي معاشر المؤمنين: نقف اليوم مع صحابيٍّ جليل باع دنياه لآخرته، ما تردد عن قبول الحق يومَ سمِع النبي صلى الله عليه وسلم يدعو إلى الله، فآمن مع السابقين الأولين في مكة، كان أنعم شباب مكة ثراءً وترفًا وزينةً، فترك كل ذلك لله ولرسوله صلى الله عليه وسلم، هو مثال للشاب المسلم، لم يُلهِه شبابه وغِناه عن الاستجابة لله ورسوله صلى الله عليه وسلم. إنه مصعب بن عمير رضي الله عنه، كان من أوائل شباب مكة دخولًا في دين الله، حين كان المسلمون يجتمعون سرًّا في دار الأرقم، ووهب نفسه للدعوة ونصرتها، كان رضي الله عنه قبل إسلامه شابًّا مُدللًا مترفًا غنيًّا، وكان من أحسن شباب مكة ثيابًا ومظهرًا وعطرًا؛ فكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يذكره ويقول: ((ما رأيت بمكة أحسن لمةً، ولا أرقَّ حُلةً، ولا أنعم نعمةً من مصعب بن عمير)). كتم إسلامه مدةً من الزمن، لكن عثمان بن طلحة رآه يصلي فوشى به إلى أمه وقومه، وما إن علموا حتى أوثقوه وعذبوه لصده عن دينه، وتركوه دون مال أو متاع، وقست عليه أمه رجاء أن يرجع عن إسلامه، فما زاده ذلك إلا إصرارًا على الحق، وتحملًا لضيق العيش، حتى هاجر من مكة إلى الحبشة. رأى فيه رسول الله صلى الله عليه وسلم الصدق والنبوغ، والذكاء والحكمة، الأمر الذي أهَّله ليكون سفيرَ الإسلام الأول إلى أهل يثرب، قبل أن يهاجر إليهم رسول الله صلى الله عليه وسلم؛ ليمهِّد أرض الهجرة لاستقبال النبي صلى الله عليه وسلم ونصرة دعوته، فقام بالمهمة خير قيام، وانتشر الإسلام في عامة بيوت الأنصار. كان رضي الله عنه ممن اشترى الآخرة بالدنيا، وترك النعيم الذي كان يتمتع به في الدنيا ليحظى بنعيم الآخرة؛ فقد كان أحسنَ شباب مكة لباسًا، وأطيبهم عطرًا، وأنعمهم جسمًا، لكنه بعد إسلامه تغيَّر حاله؛ حتى قال عنه سعد بن أبي وقاص: "لقد رأيته جهد في الإسلام جهدًا شديدًا، حتى رأيت جلده يتحشف كما يتحشف جلد الحية". أقبل مصعب يومًا وعليه نمِرة قد وصلها بإهابٍ يستر بها بدنه النحيل، فلما رآه أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم نكسوا رؤوسهم رحمةً له، ليس عندهم من الثياب ما يقدمونه له، فلما أقبل على رسول الله صلى الله عليه وسلم سلَّم، فردَّ صلى الله عليه وسلم السلام عليه، وأثنى عليه، وقال: ((الحمد لله يقلب الدنيا بأهلها، لقد رأيت هذا – يعني مصعبًا – وما بمكةَ فتًى من قريش أنعمَ عند أبويه نعيمًا منه، ثم أخرجه من ذلك الرغبةُ في الخير وحب الله ورسوله)). معاشر المؤمنين: حريٌّ بمصعب بن عمير أن يكون قدوةً لكل شابٍّ عاش في ترف العيش ومتاع الدنيا، ثم انفتحت بصيرته لِما عند الله فأقبل على الله يرجو رضوانه، فمصعبٌ باع الدنيا بالآخرة، وآثر النعيم المقيم على النعيم الزائل؛ لأن قلبه تعلق بالغاية وهي مرضاة الله تعالى، وتطلع لحسن المآل؛ يصدق فيه قوله تعالى: ﴿ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ رِجَالٌ صَدَقُوا مَا عَاهَدُوا اللَّهَ عَلَيْهِ فَمِنْهُمْ مَنْ قَضَى نَحْبَهُ وَمِنْهُمْ مَنْ يَنْتَظِرُ وَمَا بَدَّلُوا تَبْدِيلًا ﴾ [الأحزاب: 23]. رزقنا الله حبَّ النبي صلى الله عليه وسلم وصحابته الكرام، وجمعنا وإياهم في مستقر رحمته وخلود جناته، أقول ما تسمعون، وأستغفر الله لي ولكم، فاستغفروه؛ إنه هو الغفور الرحيم. الخطبة الثانية معاشر المؤمنين: في معركة أُحُدٍ انقلب الحال من نصر للمسلمين إلى هزيمة، وذلك بعد أن عصى الرماة أمرَ الرسول صلى الله عليه وسلم؛ كما قال تعالى: ﴿ أَوَلَمَّا أَصَابَتْكُمْ مُصِيبَةٌ قَدْ أَصَبْتُمْ مِثْلَيْهَا قُلْتُمْ أَنَّى هَذَا قُلْ هُوَ مِنْ عِنْدِ أَنْفُسِكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ ﴾ [آل عمران: 165]، عندها سعى الكفار للوصول إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، فأدرك عندها مصعب هذا الخطر، ومضى يقاتل وهمُّه أن يلفت أنظار الأعداء إليه؛ ليشغلهم عن رسول الله صلى الله عليه وسلم.فتجمع الأعداء حول مصعب، فقطعوا يده اليمنى، فحمل اللواء بيده اليسرى فقُطعت، فضم اللواء إلى صدره بعَضُديه، وهو يقول: ﴿ وَمَا مُحَمَّدٌ إِلَّا رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهِ الرُّسُلُ ﴾ [آل عمران: 144]، فضربوه ضربةً ثالثةً، ومضى شهيدًا رضي الله عنه. وبعد أن انتهت المعركة، مرَّ النبي صلى الله عليه وسلم ووقف على مصعب؛ فقرأ قوله تعالى: ﴿ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ رِجَالٌ صَدَقُوا مَا عَاهَدُوا اللَّهَ عَلَيْهِ فَمِنْهُمْ مَنْ قَضَى نَحْبَهُ وَمِنْهُمْ مَنْ يَنْتَظِرُ وَمَا بَدَّلُوا تَبْدِيلًا ﴾ [الأحزاب: 23]، وقال صلى الله عليه وسلم: ((أنا شهيد على هؤلاء: أنه ما من جريح يُجرح في سبيل الله، إلا والله يبعثه يوم القيامة يَدْمَى جرحه، اللون لون الدم، والريح ريح المسك، انظروا أكثر هؤلاء جمعًا للقرآن، فاجعلوه أمام صاحبه في القبر)). وفي الصحيحين عن خباب رضي الله عنه قال: ((هاجرنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم نبتغي وجه الله، ووجب أجرنا على الله، فمنا من مضى ولم يأكل من أجره شيئًا؛ منهم مصعب بن عمير قُتل يوم أُحُد، فلم نجد شيئًا نكفنه فيه إلا نمرةً، كنا إذا غطينا بها رأسه خرجت رجلاه، وإذا غطينا رجليه خرج رأسه، فأمرنا رسول الله صلى الله عليه وسلم أن نغطي رأسه بها، ونجعل على رجليه إذخرًا، ومنا من أينعت له ثمرته فهو يهذبها؛ يجنيها)). هكذا كانت خاتمة هذا الصحابي الجليل: الشهادة في سبيل الله. نسأل الله تعالى أن يُحيينا حياة السعداء، ويُميتنا موت الشهداء، ويرزقنا مرافقة الأنبياء.
__________________
|
![]() |
الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1) | |
|
|
|
Powered by vBulletin V3.8.5. Copyright © 2005 - 2013, By Ali Madkour |