تطــبـيــق الحـــدود الشـــرعيــة بين مقاصد الشريعة وأهواء النفوس - ملتقى الشفاء الإسلامي

 

اخر عشرة مواضيع :         إشــــــــــــراقة وإضــــــــــــاءة (متجدد باذن الله ) (اخر مشاركة : أبــو أحمد - عددالردود : 4509 - عددالزوار : 1299824 )           »          تفسير جامع البيان عن تأويل آي القرآن للإمام الطبري .....متجدد (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 774 - عددالزوار : 117953 )           »          المسيح ابن مريم عليه السلام (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 5 - عددالزوار : 3642 )           »          قسمة غنائم حنين (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 20 )           »          الوجه المشرق والجانب المضيء لطرد المسلمين من الأندلس (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 17 )           »          القرآن يذكر غزوة حنين (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 16 )           »          مشاهد من معركة حنين (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 14 )           »          غزوة هوازن "حنين" (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 13 )           »          الإمام الأوزاعي (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 28 )           »          ليلة هي من أقسى ليالي الدنيا (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 17 )           »         

العودة   ملتقى الشفاء الإسلامي > القسم العام > ملتقى الحوارات والنقاشات العامة
التسجيل التعليمـــات التقويم

ملتقى الحوارات والنقاشات العامة قسم يتناول النقاشات العامة الهادفة والبناءة ويعالج المشاكل الشبابية الأسرية والزوجية

 
 
أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
Prev المشاركة السابقة   المشاركة التالية Next
  #1  
قديم 13-07-2025, 06:53 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم غير متصل
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 157,138
الدولة : Egypt
افتراضي تطــبـيــق الحـــدود الشـــرعيــة بين مقاصد الشريعة وأهواء النفوس

تطــبـيــق الحـــدود الشـــرعيــة بين مقاصد الشريعة وأهواء النفوس


الحمد لله رب العالمين، وصلى الله على نبيه الكريم صلى الله عليه وآله وسلم، وبعد: فهذه دراسة مختصرة عن مسألة تتعلق بأمر من أهم مهمات الدين وهو تطبيق شرع الله -عز وجل- وإقامة دين الله في عباده، وكذلك مست الواقع وتعلقت به تعلقا كبيرا.
لما كان أنصار الدين وأتباع الشريعة يذللون العقبات، وينفون الشبهات التي ألصقها دعاة الباطل بأمر تطبيق الشريعة ولاسيما الحدود، كان أهل الباطل ينفثون سموما، ويبغون الدين عوجا، فخلطوا بين مقاصد الشريعة وهوى النفس، فقننوا مقاصد زعموها، وآراء حسبوها شيئا، وهي خواء، وادعوا أن تطبيق الحدود يعطلها، ويعارض قيما مطلقة، وهذا مسلك ألبسه ذووه ثوبا فضفاضا.
إذ ليس من العسير على آحاد الناس أن ينفوا أي حكم شرعي تحت مسمى المقاصد العليا للشريعة، ليا للنصوص، وتلبيسا على الناس، فكان التبيين والرصد، لا التحقيق والإبطال، مع شيء من المقاصد العليا لتطبيق الحدود الشرعية، عسى الله أن يوفق أهل العلم وطلابه إلى كشف زيغ الأباعد، وبعثرة هذه الأوابد.
وقد انتظم عقده في تمهيد وبابين وخاتمة.
أما التمهيد ففيه:
1- بيان مفهوم الحد وحقيقته.
2- بيان مفهوم مقاصد الشريعة وحقيقتها.
أما الباب الأول، ففيه بيان الآراء والمذاهب في مسألة تطبيق الحدود.
وأما الباب الثاني، ففيه بيان مقاصد الشريعة من تشريع الحدود.
مفهوم الحدود:
الحدود: جمع حد، وهو في اللغة: المنع أو الفصل بين شيئين، ويسمى الحاجب حدا؛ لأنه يمنع الناس من الدخول، ومنها الحدود المقدرة شرعا؛ لأنها تمنع من الإقدام على أسبابها، وتمنع الناس عن ارتكاب المحرمات، والجرائم الموجبة لها.
والحد في الاصطلاح: عقوبة مقدرة تجب حقا لله تعالى.
فالحد عقوبة؛ لأنه وسيلة تأديبية لمنع الناس من ارتكاب الجرائم، التي تكون سببا لوقوع الحد، وتتوفر فيه صفات العقوبة من تأديب الفاعل، ومنع غيره من ارتكاب الفعل.
والحد عقوبة مقدرة من قبل الله -سبحانه وتعالى-، وتقديرها محدد بدقة، ومعين عونا قطعيا لا يقبل الزيادة ولا النقصان، وبالتالي، فلا يحق لولي الأمر ولا القاضي أن يزيد في العقوبة أو أن ينقص منها أو أن يستبدل بها غيرها، متى ثبت سبب الحد مهما كانت الظروف والأحوال(2).
مفهوم مقاصد الشريعة:
التعريف اللغوي: مقاصد الشريعة هي اسم ولقب لعلم من علوم الشريعة.
والمقاصد لغة جمع مقصد وهو مصدر ميمي مشتق من الفعل قصد، وله معان عدة.
وأما الشريعة لغة فتعني: الشرعة بالكسر الدين والشريعة مثله مأخوذ من الشريعة وهي مورد الناس للاستسقاء سميت بذلك لوضوحها وظهورها، وجمعها شرائع.
- ويقصد بالشريعة: الأحكام الشرعية التي سنها الله عز وجل، وأنزلها على خاتم رسله وأنبيائه محمد صلى الله عليه وسلم . وبعد التعريف بالمقاصد والشريعة مفردات ينتقل ليعرف التركيب الإضافي: وهو: مقاصد الشريعة، ولعل أولى تعريف لعلم المقاصد أنه: علم يعنى بالغايات التي رعاها المشرع في التشريع.
عرفها شيخ الإسلام ابن تيمية بأنها: «الحكم التي أرادها الله من أوامره ونواهيه لتحقيق عبوديته واصطلاح العباد في المعاش والمعاد».
الباب الأول الآراء والمذاهب في مسألة
تطبيق الحدود
وقع الاختلاف في تحقيق النظرة المطلوبة للعلاقة بين تطبيق الحدود الشرعية ومقاصد الشريعة، بصرف النظر عن الباعث على هذا الاختلاف المنهجي والتطبيقي من قبل بعض المذاهب، وإلا فإنه السبب الأكبر لوقوع التباين في النظرة المقاصدية لتطبيق الحدود، وتمثل ذلك في اتجاهين أساسيين.
- الاتجاه الأول: أن تطبيق الحدود الشرعية يعارض مقاصد الشريعة:
فرد البعض تطبيقها بزعم مناقضتها لمقاصد الشريعة ومصلحتها، وقد كان لأصحاب هذا الاتجاه مسالك عدة، اختلفت الوسيلة، واتفقت مضمونا ومآلا على دعوى المعارضة:
- المسلك الأول: التعلل بكون الحدود من قبيل الجزئي الذي ناقض مقصدا عاما، أو كليا كالرحمة وإشاعة الأمن مثلا، وغيرها:
وهذا المسلك هو الذي ألبسه بعض المعاصرين ثوبا فضفاضا؛ إذ ليس من العسير على آحاد الناس أن ينفوا أي حكم شرعي تحت مسمى المقاصد العليا للشريعة، كما ادعى بعضهم أن أي حكم بالتحريم فيه منافاة لمقصد الشريعة من التيسير ورفع الحرج.
والنقاش هنا أن أصحاب هذا المسلك أعلنوا مقاصد النفوس وعمموها، وجعلوها حاكمة على المقاصد الحقيقية وهي الشرعية الواردة في الكتاب والسنة والمستقرأة من نصوص الشريعة.
وأيضا فإن ما يعارض الحكم الكلي من النصوص الشرعية ليس بحق في ذاته، كما قال العلامة الشاطبي رحمه الله: «فإن ما يخرم قاعدة شرعية أو حكما شرعيا ليس بحق في نفسه».
بل أبطل الإمام الشاطبي -رحمه الله- أي استغلال لنظريته في المقاصد بأن قرر بكل وضوح: «أن من أخذ بالجزئي معرضا عن كليه فهو مخطئ، كذلك من أخذ بالكلي معرضا عن جزئيه». فلا مكان لنظريته المقاصدية لمنطق نسف الجزئيات تمسكا بالمقاصد.
- المسلك الثاني: اختراع مقاصد جديدة للشريعة، فيزعم المعارضة بين تطبيق الحدود -والشريعة عموما- وبين هذه المقاصد المخترعة.
وقد تبنى محمد عابد الجابري هذا المسلك، فقال: وهكذا عندما ننجح في جعل ضروريات عصرنا جزءا من مقاصد شريعتنا، فإننا سنكون قد عملنا ليس فقط على فتح باب الاجتهاد في وقائع عصرنا المتجددة المتطورة، بل سنكون أيضا قد بدأنا العمل في تأصيل أصول شريعتنا نفسها بصورة تضمن لها الاستجابة الحية لكل ما يحصل من تغيير أو يطرأ من جديد.
فالطريقة عند الجابري ليس أن تنظر في المصلحة المعاصرة ومدى موافقتها للشريعة، بل أن تنظر في المصلحة المعاصرة، ثم تبحث في كيفية جعلها من مقاصد الشريعة، فمقاصد الشريعة عند العلماء هي استخراج أصول كلية مستقرأة من جميع فروع الشريعة، وأما الجابري فيريد أن تكون مقاصد الشريعة منتزعة من المصالح المعاصرة التي نريد أن نجعلها داخلة ضمن الشريعة.
ومما ينبغي التنبيه عليه أن بعض العلماء المعاصرين من ذوي الاتجاه العقلاني أو المتقاربين معه، قد مال إلى هذا المسلك، لكنه لم يعارض بها حكم الحدود أو تطبيق الشرعية، بل لهم دعوة إلى تطبيقها في الجملة.
ومنهم الشيخ محمد الغزالي، فقال: يمكنني أن أضيف إلى الأحوال الخمسة «الحرية» و«العدالة».
وأضاف الشيخ يوسف القرضاوي «العدل» و«القسط» و«الإخاء» و«التكافل» و«الحرية» و«الكرامة».
ويمكن مناقشة الأخيرين -الشيخ الغزالي والشيخ القرضاوي- بأن معرفة مقاصد الشرع الكلية تمت باستقراء النصوص الشرعية الجزئية، ومن ثم فإبعاد النص والاكتفاء بالمصلحة إلغاء لدليل إثبات المصلحة، وذلك هدم للمصلحة ذاتها.
وأيضا فإن المقاصد الشرعية لو كانت موكولة إلى العقل، والواقع، والتجارب، والأذواق، والغرائز لما ظل ميزانها موحدا ومعيارها محددا لا ينال منه الواقع الحياتي، وتغيراته، وتقلباته، والعقل البشري وتناقضاته، وتعارضاته، ولا يمسه بشيء من المصالح الإنسانية المتعددة والمتضاربة والمختلفة باختلاف الأزمان والبقاع والأحوال، بل باختلاف الزمن اليسير الواحد، ورغبات الشخص الواحد في الأمر الواحد، وفي الوقت الواحد.
- الاتجاه الثاني: أن تطبيق الحدود الشرعية يتفق مع مقاصد الشريعة:
وهؤلاء هم الجمهور الأعظم من أهل العلم وفقهاء الإسلام، وعليه جاء الكتاب والسنة، فإن الله -عز وجل- شرع شرائع تناسب الخلق وتلائم فطرهم، وحد حدودا وعقوبات ومؤيدات تعينهم على التمسك زجرا أو دفعا، برغبة أو رهبة، وصدق ربي؛ إذ يقول: {وَلَكُمْ فِي الْقِصَاصِ حَيَاةٌ يَا أُولِي الأَلْبَابِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ} (البقرة:179).
وسوف نتناول في الباب الثاني، اثنا عشر مقصدا من مقاصد الشريعة، حاولت جمعها مما تفرق من كلام أهل العلم، ومنها إن شاء الله -تعالى- يبرز أن تطبيق هذه الحدود يتفق ويساير الحكمة والشريعة.
الباب الثاني
مقاصد الشريعة من تشريع الحدود الناظر في نصوص الشريعة وما سطره علماء هذه الأمة يجد أن الحدود -بل العقوبات عموما التي من جملتها الحدود والتعازير الموضوعة لمعاقبة من يستحق العقاب- وضعت لأجل مقاصد ومصالح عدة نورد بعضها فيما يأتي:
1- حفظ المصالح الأساسية للإنسان:
فمن مقاصد العقوبات في الشريعة حفظ الضرورات الخمس التي اتفق عليها علماء الأصول والمقاصد وهي الدين والنفس والعقل والنسل أو العرض والمال، وصيانتها من أن تنتهك. سواء من جانب الوجود أي بتثبت أركانها وقواعدها أو من جانب العدم بدرء الاختلال الواقع أو المتوقع فيها. ولو أمعنا النظر في كافة الحدود نجد أنها لا تتجاوز هذه الضرورات فحد الردة شرع للمحافظة على الدين، والقصاص شرع للمحافظة على النفس، وحد الزنا شرع للمحافظة على النسل، وحد السرقة شرع للمحافظة على المال، وعقوبة شارب الخمر شرعت للمحافظة على العقل، وحد الحرابة شرع لحماية الناس والمجتمع من قطاع الطريق ولأي مفسد في الأرض بأي طريق وبأي وسيلة، ولا شك أن العقوبات التعزيرية شرعت أيضا لحماية تلك المصالح من الاعتداء عليها.
2- جلب المصلحة للناس ودرء المفسدة عنهم:
فالعقوبات مع ما يصاحبها من ألم تحقق المصلحة للفرد والجماعة على السواء، لإشاعة الأمن والطمأنينة بين أفراد المجتمع، وأيضا لامتناع الأفراد من اقتراف الجرائم والمحظورات خوفا وحذرا من العقوبات، وفي هذا مصلحة ظاهرة.
3- العقوبات هي جوابر لأصحابها:
وهذه الجوابر قد تكون حسية ومادية، كما هو الحال في وجوب ضمان ما أخذه السارق أو الغاصب، وفي الدية للقتل، وغير ذلك.
وقد تكون معنوية ونفسية؛ وذلك بحصول الارتياح وذهاب الغيظ والتشفي والثأر.
قال النبي [ لعبادة بن الصامت ]: «تبايعوني على ألا تشركوا بالله شيئا، ولا تسرقوا، ولا تزنوا، ولا تأتوا ببهتان تفترونه بين أيديكم وأرجلكم، ولا تعصوني في معروف؛ فمن وفى فأجره على الله، ومن أصاب شيئا عوقب به فهو كفارة له، ومن أصاب شيئا من ذلك في الدنيا فستر الله عليه، فأمره إلى الله، إن شاء عفا عنه، وإن شاء عذبه، قال: فبايعناه على ذلك» (أخرجه البخاري في صحيحه).
4- إرضاء المجني عليه، وإذهاب غيظه ونقمته:
ودفع أخذه بالثأر الذي قد لا يكون عادلا؛ إذ ترك معاقبة الجاني تؤدي غالبا أو قطعا إلى الانتقام الذي يؤدي إلى التجاوز والاعتداء في غالب الأحيان، ولذلك وضعت العقوبات، وضبطت الحدود والتعازير من أجل تحقيق النظام بردع المخالفين، وإرضاء المعتدى عليهم بميزان العدل والمساواة والإنصاف.
قال العلامة ابن عاشور -رحمه الله تعالى-: «فمقصد الشريعة من تشريع الحدود والقصاص والتعزيز، أروش الجنايات ثلاثة أمور: تأديب الجاني، وإرضاء المجني عليه، وزجر المقتدي بالجناة».
5- الرحمة بالمجرم والمجتمع:
فالعقوبة رحمة للمجرم بما فيها من قوة وردع؛ حيث تكفه ابتداء إذا أراد الإقدام، وهي رحمة للمجرم إذا وقع في الجريمة ففي معاقبته تقويم وإصلاح له. ونصرة للظالم بكفه. وردعه عن الاعتداء، وهذه رحمة له، وهي رحمة للمجنى عليه برفع الظلم عنه وأخذ حقوقة من الجاني والعقوبة رحمة لجميع أفراد المجتمع بإقرار الأمن والأمان ونشر الطمأنينة بينهم ليتفرغوا وينعموا بممارسة حياتهم، فالعقوبات الشرعية – كما يذكر – ابن تيمية: هي رحمة من الله بعباده فهي صادرة عن رحمة الخلق وإرادة الإحسان إليهم، ولهذا ينبغي لمن يعاقب الناس بذنوبهم أن يقصد بذلك الإحسان إليهم كما يقصد الوالد تأديب ولده، وكما يقصد الطبيب معالجة المريض.
6- تأديب الجاني:
وهو راجع إلى المقصد الأسمى وهو إصلاح أفراد الأمة الذين منهم يتقوم مجموعها {وَالسَّارِقُ وَالسَّارِقَةُ فَاقْطَعُوا أَيْدِيَهُمَا جَزَاءً بِمَا كَسَبَا نَكَالًا مِنَ اللَّهِ ۗ وَاللَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ} (المائدة:38).
ألم العقوبة مقصود في العقاب، ليقابل هذا الألم اللذة التي حصلت له وقت ارتكابه الجريمة، ولا يعد هذا عيبا في التشريع الإسلامي بل إنه يتمشى مع طبيعة النفس الإنسانية، فبإيقاع العقوبة على الجاني يزول من نفسه الخبث الذي بعثه على الجناية، والذي يظن أن عمل الجناية أرسخه في نفسه؛ إذ صار عمليا بعد أن كان نظريا.
7- الزجر والردع:
فالعقوبات في الشريعة تقوم بعملية الردع والزجر بوصفها أفضل ما يكون الردع والزجر، سواء في هذا الردع الخاص مثل العقوبات الاستئصالية التي تقطع دابر الجاني وتقضي على حياته، أو الردع العام بزجر الآخرين عن الوقوع في المحظورات الشرعية والإقدام على الجرائم خوفا وتوقيا للعقاب الذي أنزل بالمجرمين.
فالعقوبات زواجر، أي أنها موضوعة لأجل زجر المعتدين والجناة وردعهم؛ ولأجل انزجار غير المعتدين وغير الجناة كيلا يفكروا أو يعزموا على الاعتداء والتعدي والانحراف.
قال ابن القيم -رحمه الله تعالى-: «فكان من بعض حكمته -سبحانه- ورحمته أن شرع العقوبات في الجنايات الواقعة بين الناس بعضهم على بعض، في النفوس والأبدان والأعراض والأموال كالقتل والجراح والقذف والسرقة، أحكم -سبحانه- وجوه الزجر الرادعة عن هذه العقوبات غاية الإحكام، وشرعها على أكمل الوجوه المتضمنة لمصلحة الردع والزجر، مع عدم المجاوزة لما يستحقه الجاني في الردع؛ فلم يشرع في الكذب قطع اللسان ولا القتل، ولا في الزنا الخصاء، ولا في السرقة إعدام النفس؛ وإنما شرع لهم في ذلك ما هو موجب أسمائه وصفاته وحكمته ورحمته ولطفه وإحسانه وعدله، لتزول النوائب وتنقطع الأطماع عن التظالم والعداوات، ويقتنع كل إنسان بما آتاه مالكه وخالقه، فلا يطمع في استلاب غيره حقه».
8- إقامة العدل بين الناس ورفع الظلم عن العباد:
فالعقوبات في الإسلام تتوخى العدل ورفع الظلم عن المسلمين، والعدل مبدأ أساس في الشريعة، ولا يعقل أن يتساوى المحسن مع المسيء، والمستقيم مع المجرم، والعقوبات في الشريعة تطبق على الجميع لا فرق بين غني وفقير، أو نسيب ووضيع. ولقد حسم الرسول [ الأمر كما أورد البخاري في كتاب الحدود: «لو أن فاطمة بنت محمد سرقت لقطع محمد يدها».
9- إرضاء المجني عليه:
فالعقوبات إذا أنزلت بالجاني فإنها تثلج صدر المجنى عليه، وتزيل غله وغيظه على الجاني، وتمنع الثارات وشهوة الانتقام الفردي كما كان في المجتمعات البدائية والقديمة.
10- تطهير المجرم من الذنوب التي حصلت بفعل الجريمة:
فالعقوبات مطهرة للذنوب في الدنيا كما أورد مسلم في كتاب الحدود عندما صلى رسول الله صلى الله عليه وسلم على تلك المرأة التي زنت بعد أن أقام عليها الحد، وتعجب عمر رضي الله عنه من فعل الرسول صلى الله عليه وسلم : تصلي عليها يا رسول الله وقد زنت، فيرد عليه الرسول صلى الله عليه وسلم : «لقد تابت توبة لو قسمت على سبعين من أهل المدينة لوسعتهم، وهل وجدت توبة أفضل من أن جادت بنفسها لله تعالى»؟
11- إصلاح الجاني:
وهذا يكون في جرائم التعزير لا الحدود، فالغرض الأساس من التعزير هو تأديب الجاني وإصلاحه، وكما يذكر الفقهاء فإن التعزير شرع للتطهير، ولإصلاح سبيل المجرم وعودته إلى الحياة الطبيعية عضوا نافعا في مجتمعه.
12- تضييق نطاق التطبيق:
إن المتأمل فى مقاصد العقوبات الشرعية وبخاصة الحدود، يجد ميل شديدا إلى تضييق نطاق تطبيقها ما أمكن، ولعل أوضح مثال قصة ماعز وتفاصيل ما حدث فيها، وحتى فى غير حالات الاعتراف نجد تشددا فى تكييف الجريمة وضبطها، إلى جانب التشدد فى الإثبات فالمعروف أنه يشترط فى شهادات الحدود ما لا يشترط فى شهادات العقود والمبايعات،إضافة إلى جانب تلمس الشبهات لدرء الحد رغم ثبوت الواقعة التى توجبه، كل ذلك مما يضيق نطاق التطبيق العملي للحدود ؛ مما يجعلها لا تكاد تنطبق على ما يقع فى الحياة فعلا إلا فى حالات نادرة شاذة، ولعل من حكمة الله فى ذلك- فوق رحمته بعباده- أنها لو طبقت على
نطاق واسع لفقدت هيبتها ولأصبحت مألوفة وعادية، وبالتالي تفقد وظيفتها الوقائية فى منع مقارفة هذه الخطايا، وعدم الاقتراب منها.
الخاتمة
بعد هذا المبحث اليسير وبيان المقاصد للشريعة الإسلامية، من تشريع الحدود والعقوبات جميعا، يتبين أن هذه المقاصد لا تنتفي إذا شرعت الأحكام الشرعية وسنت القوانين بناء عليها، وأن شرع الله كل لا ينفصل، مصداقا لقوله تعالى: {ادْخُلُوا فِي السِّلْمِ كَافَّةً }(البقرة:208)، وهو سبحانه خبير بخلقه وعليم بما يؤول إليه أمرهم، وليس مع من استحال تطبيق الشريعة في هذه الأزمان إلا الهوى أو التأثر بالحضارة الغربية التي تبث العلمانية وتصدرها لأهل الإسام، فانطلت على كثير من الناس منهجا ومذهبا، وتأثر ببعض آرائها بعض الباحثين.



اعداد: السعيد صبحي العيسوي





__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
 


الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1)
 

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع


 


الاحد 20 من مارس 2011 , الساعة الان 01:21:21 صباحاً.

Powered by vBulletin V3.8.5. Copyright © 2005 - 2013, By Ali Madkour

[حجم الصفحة الأصلي: 87.28 كيلو بايت... الحجم بعد الضغط 85.56 كيلو بايت... تم توفير 1.72 كيلو بايت...بمعدل (1.97%)]