عاشوراء بين نهاية الطغاة واستثمار الأوقات - ملتقى الشفاء الإسلامي

 

اخر عشرة مواضيع :         تفسير جامع البيان عن تأويل آي القرآن للإمام الطبري .....متجدد (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 774 - عددالزوار : 117750 )           »          المسيح ابن مريم عليه السلام (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 5 - عددالزوار : 3622 )           »          قسمة غنائم حنين (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 17 )           »          الوجه المشرق والجانب المضيء لطرد المسلمين من الأندلس (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 12 )           »          القرآن يذكر غزوة حنين (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 10 )           »          مشاهد من معركة حنين (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 12 )           »          غزوة هوازن "حنين" (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 10 )           »          الإمام الأوزاعي (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 20 )           »          ليلة هي من أقسى ليالي الدنيا (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 14 )           »          أحكام فقهية وقعت في مكة (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 10 )           »         

العودة   ملتقى الشفاء الإسلامي > قسم الصوتيات والمرئيات والبرامج > ملتقى الصوتيات والاناشيد الاسلامية > ملتقى الخطب والمحاضرات والكتب الاسلامية
التسجيل التعليمـــات التقويم

ملتقى الخطب والمحاضرات والكتب الاسلامية ملتقى يختص بعرض الخطب والمحاضرات الاسلامية والكتب الالكترونية المنوعة

 
 
أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
Prev المشاركة السابقة   المشاركة التالية Next
  #1  
قديم 08-07-2025, 11:54 AM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم غير متصل
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 157,138
الدولة : Egypt
افتراضي عاشوراء بين نهاية الطغاة واستثمار الأوقات

عاشوراء بين نهاية الطغاة واستثمار الأوقات

الشيخ عبدالله محمد الطوالة

الحمدُ للهِ الذي أنشأَ وبَرَا، وخلقَ الماءَ والثَّرى، وأبْدَعَ كلَّ شَيْء وذَرَا، ﴿ الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى * لَهُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الأَرْضِ وَمَا بَيْنَهُمَا وَمَا تَحْتَ الثَّرَى ﴾ [طه:5].. وأشهدُ أن لا إلهَ إلا اللهُ، وحدهُ لا شريك لهُ، لهُ مطلق العزِّ والقوةِ والغنى.. منهُ الـمُبتدأُ، وعليهِ الـمُعتمدُ، وإليهِ الـمُنتَهى، ﴿ اللَّهُ لا إِلَهَ إِلا هُوَ لَهُ الأَسْمَاءُ الْحُسْنَى ﴾ [طه:8].. وأشهدُ أنَّ محمَّدًا عبدهُ ورسولهُ، النبيُّ المصطفى، والرسول المرتضى، والقدوةُ الـمُجتبى.. بعثه الله للعالمين رحمةً وبشرًا، وشاهدًا وداعيًا وذِكْرا، مَن صلَّى عليه مرةً صلى الله عليه بها عشرا.. اللهم صلِّ وسلِّم وبارك عليه وعلى آله الأرفعين قدرًا، وصحابته الأطيبين ذِكرًا.. والتابعين وتابعيهم بإحسان إلى يوم الدين، وسلم تسليمًا كثيرا.

أَمَّا بَعدُ: فَأُوصِيكُم أَيُّهَا النَّاسُ وَنَفسِي بِتَقوَى اللهِ، فاتقوا الله عباد الله.. فلا عِزَّ وَلا نجاةَ إِلاَّ بِتَقوَاهُ، ﴿ وَمَن يُطِعِ اللهَ وَرَسُولَهُ وَيَخْشَ اللهَ وَيَتَّقْهِ فَأُولَئِكَ هُمُ الفَائِزُونَ ﴾ [النور:52].. ثم اعلموا أنَّ تقوى الله ليست كلامًا يقال فحسب، ولكنَّه شعورٌ يتروَّى منه القلبُ، فيفيض بآثاره على الجوارح، ليُرى واقعًا مشهودًا.. وأنَّ من أقوى علامات صدق التقوى أن تستوي خشيةُ العبد لله في سره وعلانيته، وفي اجتماعه بالناس وخلوته.. ولذا كان المصطفى صلى الله عليه وسلم يدعو ربّه كثيرًا بقوله: (اللهم إني أسألك خشيتَك في الغيب والشهادة).. ألا وإنّ من أعظم ما يعينُ المسلم على التقوى، أن يستشعرَ دقَّةَ مراقبةِ المولى جلّ وعلا، واطلاعه الشامل على أحواله كلها، وأن يتدبَّرْ ويتفكر في آيات المراقبة، كقوله تعالى: ﴿ وَمَا يَعْزُبُ عَنْ رَبِّكَ مِنْ مِثْقَالِ ذَرَّةٍ فِي الأَرْضِ وَلا فِي السَّمَاءِ وَلا أَصْغَرَ مِنْ ذَلِكَ وَلا أَكْبَرَ إِلاَّ فِي كِتَابٍ مُبِينٍ ﴾ [يونس:61]، وقولِه جل وعلا: ﴿ يَعْلَمُ خَائِنَةَ الأَعْيُنِ وَمَا تُخْفِي الصُّدُورُ ﴾ [غافر:19]، وقوله تعالى: ﴿ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ مَا فِي أَنفُسِكُمْ فَاحْذَرُوهُ ﴾ [البقرة:235].. ونحوها من الآيات..

وليعلم العبد أنه متى ما راقب ربَّه في أحواله كلها.. فقد حقّق مرتبه الإحسان التي هي أعلى مراتبِ الإسلام.. فـ(الإحسانُ أن تعبد الله كأنك تراه، فإن لم تكن تراه فإنه يراك).. وحين تصل النفس إلى هذه المرتبة السامية.. فإنها تفعل الطاعاتِ وتنتهي عن المعاصي والمحرمات، ولو لم يكن عليها رقيبٌ من غيرها من المخلوقات.. فهي تراقبُ اللهَ عز وجل في سرها وجهرها، وفي كل حال من أحوالها..

ثم أعلم أخِي المسلم، أن وقتَك هو مزرعَتُك ورأس مالك: وهو أَغلَى مِن كلّ نفيس، وفوز الآخرة إنما يترتب على حسن استثماره: ﴿ مَنْ عَمِلَ صَالِحًا مِّن ذَكَرٍ أَوْ أُنثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ أَجْرَهُم بِأَحْسَنِ مَا كَانُواْ يَعْمَلُون ﴾ [النحل:97].. فالفوز والفلاحُ والسعادةُ في إعمارِ الليالي والأيام بالأعمال الصالحة والطّاعات المتنوّعة، والشقاءُ والخسارةُ في تضييعِ الأوقاتِ وإِهدارِها فيما لا ينفع: ﴿ وَالْعَصْرِ * إِنَّ الإِنسَانَ لَفِي خُسْرٍ * إِلاَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَتَوَاصَوْا بِالْحَقِّ وَتَوَاصَوْا بِالصَّبْر ﴾ [العصر: 1].

معاشر المؤمنين الكرام: حياة المسلم عزيزةٌ غالية.. وعمرُه ثمين نفيس، فَليحَذرَ أن يَضيع منه شيءٌ سُدًى، أو أن يذهب في غيرِ هُدى.. فقد صَحَّ عن الرسولِ صلى الله عليه وسلم أنه قَالَ: (لاَ تزول قدَمَا عَبدٍ يومَ القيامةِ حتى يُسأَل عن أربَع: عن عمرِه فيم أَفناه؟ وعن جِسمِه فيم أَبلاه؟ وعن مالِه مِن أين اكتسبه؟ وفيمَ أنفَقه؟ وعن عِلمه ماذا عمِل به؟).. يقول الحسنُ البصريّ رحمه الله: "لقد أَدركتُ أقوامًا كانوا أشدَّ حِرصًا على أَوقاتهم من حِرصِكم على دَراهمكم ودنانيركم"..

وأبنائنا أَيُّهَا الكرام وبناتنا، يعيشون طوال إِجَازَتهم فَرَاغًا كَبِيرًا، وَيمضون سَاعَاتٍ طِوَيلةً لا يَجِدُونَ فِيهَا مَا يَشغَلُهُم، ولا يعرفونَ كيف يستثمرونَ إجازتهم، وأكثر ما ينشغلون به متابعة التافه من البرامج المبثوثة عبر وسائل الاعلام والقنوات.. ولو تأمل عاقل.. كم من الأوقات والطاقات تذهب هباء منثورا.. لهاله الأمر وأشتد عليه الخطب.. فهَذَا الفَرَاغَ الكبير جُزءٌ مِن العمر إِنْ لم يُستَثمَرْ فِيمَا يَنفَعُ فَإِنه سَيَعودُ بمَا يَضُرُّ الدين والخلق، ففي الحديث الصحيح، قال صلى الله عليه وسلم: (نِعمَتَانِ مَغبُونٌ فِيهِمَا كَثِيرٌ مِنَ النَّاسِ: الصِّحَّةُ وَالفَرَاغُ).. وقال الصحابي الجليل عبد الله بن مسعود رضي الله عنه: (ما ندمت على شيءٍ ندمي على يوم غربت شمسه نقص فيه أجلي ولم يزدد فيه عملي)..

فأوصيكم أيها الكرام بكتاب الله عز وجل، فهو خير ما تُشغلُ به الأوقات، وتستثمر فيه الطاقات.. فعليكم بكتاب الله حفظًا وتدبرًا ومدارسه، ﴿ إِنَّ الَّذِينَ يَتْلُونَ كِتَابَ اللَّهِ وَأَقَامُوا الصَّلاةَ وَأَنْفَقُوا مِمَّا رَزَقْنَاهُمْ سِرًّا وَعَلانِيَةً يَرْجُونَ تِجَارَةً لَنْ تَبُورَ * لِيُوَفِّيَهُمْ أُجُورَهُمْ وَيَزِيدَهُمْ مِنْ فَضْلِهِ إِنَّهُ غَفُورٌ شَكُورٌ ﴾ [فاطر:29].. وتأمل هذه الأجور العجيبة المترتبة على الانشغال بالقرآن العظيم: ففي صحيح الامام مسلم، قال عليه الصلاة والسلام: "وَما اجْتَمع قَوْمٌ في بَيْتٍ مِن بُيُوتِ اللهِ، يَتْلُونَ كِتَابَ اللهِ، وَيَتَدَارَسُونَهُ بيْنَهُمْ؛ إِلَّا نَزَلَتْ عليهمِ السَّكِينَةُ، وَغَشِيَتْهُمُ الرَّحْمَةُ، وَحَفَّتْهُمُ المَلَائِكَةُ، وَذَكَرَهُمُ اللَّهُ فِيمَن عِنْدَهُ".. وتأمل كذلك تلك المنزلة العظيمة لأهل القرآن الكريم عند الله، ففي الحديث الصحيح، قال عليه الصلاة والسلام: "إنَّ للهِ أهلين من النَّاسِ قالوا من هم يا رسولَ اللهِ قال أهلُ القرآنِ هم أهلُ اللهِ وخاصَّتُه"..

فما هو نصيبك من هذا الخير العظيم.. علمًا أن هُنَاكَ دَورَاتٍ تقام لِحِفظِ القُرآنِ الكريم في كثير من الجَوَامِعِ وَالمَسَاجِدِ، وعن طريق الانترنت ووسائل التواصل المباشر، كما أن هناك الكثير من الجَمعِيَّات التطوعية تقيم دوراتٍ مفيدة في كثير من مجالات الحياة.. وهناك الدورات الفنية والمهارية.. وهي بابٌ واسعٌ ومجالٌ خصب.. الحاسوب ومجالاته.. اللغات ومعاهدها.. دورات تطوير الذات وتحسين القدرات وما أكثرها.. تحليل الشخصية وتحديد الميول والأهداف.. صناعة النجاح والتخطيط الشخصي.. إدارة المشاريع الصغيرة. فنون الاتصال والتواصل وتكوين العلاقات.. الإلقاء ومهاراته.. الذاكرة وتحسين قدراتها.. الذكاء والتفكير والإبداع وتطوير قدرات العقل.. القيادة وتنظيم الوقت.. السباحة واللياقة البدنية والعاب الدفاع عن النفس.. المكتبات العامة..

واختم كلامي بنصيحةٍ قيمة.. أرسلها الامام ابن الجوزي رحمه الله إلى ولده.. سماها: (لفتة الكبد في نصيحة الولد) قال رحمه الله: "اعلم يا بُني أن الأيام تبسط ساعات، والساعات تبسط أنفاسًا، وكل نفس خزانة، فاحذر أن يذهب نفَس بغير شيء، فترى في القيامة خزانة فارغة فتندم، وانظر كل ساعة من ساعاتك بماذا تذهب، فلا تودعها إلا أشرف ما يمكن، ولا تهمل نفسك، وعوِّدها أشرفَ وأحسنَ ما يكون من العمل، وابعث إلى صندوق القبر ما يسرك يوم القيامة أن تجده أمامك"..

اعوذ بالله من الشيطان الرحيم: ﴿ وَاتَّقُواْ يَوْمًا تُرْجَعُونَ فِيهِ إِلَى اللّهِ ثُمَّ تُوَفَّى كُلُّ نَفْسٍ مَّا كَسَبَتْ وَهُمْ لاَ يُظْلَمُون ﴾ [البقرة:282]..
أقول ما تسمعون..

الخطبة الثانية
الحمد لله وكفى، وصلاة وسلامًا على عباده الذين اصطفى..
أما بعد: فاتقوا الله عباد الله، وكونوا مع الصادقين، وكونوا من ﴿ الَّذِينَ يَسْتَمِعُونَ الْقَوْلَ فَيَتَّبِعُونَ أَحْسَنَهُ أُوْلَئِكَ الَّذِينَ هَدَاهُمُ اللَّهُ وَأُوْلَئِكَ هُمْ أُوْلُوا الأَلْبَاب ﴾ [الزمر:18].

معاشر المؤمنين الكرام: يومِ عاشوراء، يومٌ عظيمٌ مجيدٌ، من أيام اللهِ المباركة الخالدة، يومٌ أغرّ، ظهرَ فيه الحقُّ عزيزًا، وزهقَ الباطلُ ذليلًا.. يومٌ انتقمَ اللهُ فيه من الظالمين، وانتصرَ للمظلومين، يومٌ مبارك نجَّى اللهُ فيه موسى عليه السلامُ ومن معه من المؤمنين، وأهلكَ الطاغيةَ فرعونَ ومن معهُ من العتاة الظالمين..

وإنَّ في قصةِ موسى وفرعونَ لموعظةً وذكرى، ودروسًا كُبرى، قِصةٌ عظِيمةٌ، تحدَّثت عن الصراع بين الإيمانِ والكفرِ، وعن اليُسرِ بعد العُسرِ، وعن الظلم ونهايتهِ الوخيمة، وعن الصبر وعاقبتهِ الحميدة.. قِصةٌ مَليئةٌ بالفَوائِدِ والعِبرِ، والدروس والعِظاتِ والدُّررِ.. فمن فَوائِدِ هذه القِصةِ العَظِيمةِ:
أخذ العظة والعبرة، فآياتُ اللهِ تعالى في القُرآنِ، وآياته في الكونِ، وآياته في تَسيِّيرِ الأحداث.. يَنبغِي للمُسلمِ أن يتأملها وأن يتدبَّرها، وأنَّ يعتبِر ويتَّعِظَ بها، قال تعالى: ﴿ وَكُلًّا نَقُصُّ عَلَيْكَ مِنْ أَنْبَاءِ الرُّسُلِ مَا نُثَبِّتُ بِهِ فُؤَادَكَ وَجَاءَكَ فِي هَذِهِ الْحَقُّ وَمَوْعِظَةٌ وَذِكْرَى لِلْمُؤْمِنِينَ ﴾ [هود:120].. ﴿ وَلَقَدْ أَنزَلْنَا إِلَيْكُمْ آيَاتٍ مُّبَيِّنَاتٍ وَمَثَلًا مِّنَ الَّذِينَ خَلَوْا مِن قَبْلِكُمْ وَمَوْعِظَةً لِّلْمُتَّقِين ﴾ [النور:34].. ومِنْ أَقوى دُرُوسِ وفوائدِ هذه القصةِ العظيمة: تَحريمُ الظُّلْمِ بكلِّ صُورهِ وأشكالِهِ، وبيان شُؤمِهِ وسُوءِ عاقبتهِ ومآلِهِ.. ففي صحيح مُسلمٌ حديثٌ قدسيٌ مهيب، قال الله َتَعَالَى: (يَا عِبَادِي إِنِّي حَرَّمْتُ الظُّلْمَ عَلَى نَفْسِي، وَجَعَلْتُهُ بَيْنَكُمْ مُحَرَّمًا فَلَا تَظَالَمُوا).

ومن فوائدِ هذه القصةِ العظيمة: أنَّ الله تبارك وتعالى إذا أراد شيئًا، هيأ لهُ أسبابًا عجيبةً لطيفة، مُقدماتُها لا تُوحي بنتائِجها.. فهذا فرعونُ قد تجبَّرَ وطَغى، وأفسد فسادًا عظيمًا وبَغى.. ﴿ وَاسْتَكْبَرَ هُوَ وَجُنُودُهُ فِي الْأَرْضِ بِغَيْرِ الْحَقِّ وَظَنُّوا أَنَّهُمْ إِلَيْنَا لا يُرْجَعُونَ ﴾ [القصص:39]، وما زال في غيِّه يتمادا حتى قال: ﴿ أَنَا رَبُّكُمُ الْأَعْلَى ﴾ [النازعات:24]، كُلُّ هذا وربُنا العظيمُ الحليم يُملي له ويُمهِلُه، ويُهيئُ لهُ أسبابَ هلاكِهِ ويستدرجُه، في الحديثِ الصحيح: "إن الله ليُملي للظالم، حتى إذا أخذهُ لم يُفلتهُ"، وقد أملى اللهُ لهذا الطاغيةِ أربعينَ سنة، وزُيِّنَ لهُ سُوءُ عملهِ وصُدَّ عن السَّبِيلِ، حتى إذا وصلَ طُغيانه مداه، جاءهُ بَأْسُ اللهُ الذي لَا يُرَدُّ عَنِ الْقَوْمِ الْمُجْرِمِينَ، ﴿ فَأَخَذَهُ اللَّهُ نَكَالَ الْآخِرَةِ وَالْأُولَى ﴾ [النازعات:25].. أخذه اللهُ وجنودَهُ أَخْذًا وَبِيلًا شديدًا، وجعلهُم عبرةً للعالمين، ﴿ فَانْظُرْ كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الظالمين ﴾ [القصص:40].. ومن فوائد هذه القِصةِ العظِيمة، أنها تُعلمُنا أن نتفاءلَ ونستبشر، وأن لا نيأسَ ولا نبأس، فما من ضيقٍ إلا ويعقبهُ فرج، وما من بلاءٍ إلا وبعدهُ عافية، وإنّ مع العُسر يسرًا، إنَّ مع العسر يسرًا.. تأمل قوله جلَّ وعلا: ﴿ حَتَّى إِذَا اسْتَيْأَسَ الرُّسُلُ وَظَنُّوا أَنَّهُمْ قَدْ كُذِبُوا جَاءَهُمْ نَصْرُنَا فَنُجِّيَ مَنْ نَشَاءُ وَلَا يُرَدُّ بَأْسُنَا عَنِ الْقَوْمِ الْمُجْرِمِينَ ﴾ [يوسف:110]، فمهما تمدَّدَ الباطلُ وانتفش، ومهما علا الطغيانُ وبطش، فالحقُّ أعلى وأقوى، والعاقبةُ دومًا للتقوى، قال جلّ وعلا: ﴿ فَانْتَقَمْنَا مِنَ الَّذِينَ أَجْرَمُوا وَكَانَ حَقًّا عَلَيْنَا نَصْرُ الْمُؤْمِنِينَ ﴾ [الروم:47].. وفي الحديث الصحيح: قال صلى الله عليه وسلم: (ليبلغنَّ هذا الأمر ما بلغ الليل والنهار، ولا يترك اللهُ بيتَ مَدَرٍ ولا وَبَرٍ، إلا أدخَله الله هذا الدين بعزِّ عزيزٍ أو بذلِّ ذليلٍ، عزًّا يُعِزُّ الله به الإسلامَ، وذُلًّا يُذِلُّ الله به الكفر).. فلا يأس إذن ولا قنوط.. فالقوةُ للهِ جميعًا، والعزةُ للهِ ولرسولهِ وللمؤمنين حقًا ويقينًا، والعاقبة للمتقين، ونصر الله قادمٌ ولو بعد حين، هذا وعدُ الله، وإنَّ الله لا يُخلفُ الميعاد: ﴿ كَتَبَ اللَّهُ لَأَغْلِبَنَّ أَنَا وَرُسُلِي إِنَّ اللَّهَ قَوِيٌّ عَزِيزٌ ﴾ [المجادلة:21]، وقال تعالى: ﴿ إِنَّا لَنَنْصُرُ رُسُلَنَا وَالَّذِينَ آمَنُوا فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَيَوْمَ يَقُومُ الْأَشْهَادُ ﴾ [غافر:51].. وقال تعالى: ﴿ وَاللَّهُ غَالِبٌ عَلَى أَمْرِهِ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ ﴾ [يوسف:21].. ثم اعلموا يا عباد الله: أنه يستحبُ استحبابًا شديدًا صيامُ يومِ عاشوراء ويومًا قبلهُ أو بعدهُ، ففي صحيحِ مُسلمٍ أنَّ رسولَ ‏اللهِ صلى الله عليه وسلم: صامَ يومَ عاشوراء، وأمرَ بصيامه، ولما قيلَ له يا رسول الله: إنه يومٌ تعظمهُ ‏اليهود والنصارى، قال: (فإذا كان العام المقبل إن شاء ‏الله، صمنا اليوم التاسع).. فصوموا يا عباد الله يومَ عاشوراء، واعلموا أنَّ لهُ فضلًا عظيمًا، وأجرًا كبيرًا.. ففي الحديث الصحيحِ أنَّ رسولَ الله صلى الله عليه وسلم قال: "صيامُ يومِ عاشوراءَ، إنِّي أحتَسِبُ على اللَّهِ أن يُكَفِّرَ السَّنةَ الَّتي قبلَهُ".. فهي فرصةٌ عظيمةٌ من فُرصِ الخيرِ، فأحسنوا استغلالها.. ﴿ فَمَنْ يَعْمَلْ مِنَ الصَّالِحَاتِ وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَا كُفْرَانَ لِسَعْيِهِ وَإِنَّا لَهُ كَاتِبُونَ ﴾ [الأنبياء:94].. و﴿ مَنْ عَمِلَ صَالِحًا مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ أَجْرَهُمْ بِأَحْسَنِ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ ﴾ [النحل:97].. ﴿ وَمَنْ عَمِلَ صَالِحًا مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَأُولَئِكَ يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ يُرْزَقُونَ فِيهَا بِغَيْرِ حِسَابٍ ﴾ [غافر:40]..

يا ابن آدم عش ما شئت فإنك ميت، واحبب من شئت فإنك مفارقه، واعمل ما شئت فإنك مجزي به، البر لا يبلى، والذنب لا ينسى، والديان لا يموت، وكما تدين تدان..




__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
 


الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1)
 

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع


 


الاحد 20 من مارس 2011 , الساعة الان 01:21:21 صباحاً.

Powered by vBulletin V3.8.5. Copyright © 2005 - 2013, By Ali Madkour

[حجم الصفحة الأصلي: 79.18 كيلو بايت... الحجم بعد الضغط 77.46 كيلو بايت... تم توفير 1.72 كيلو بايت...بمعدل (2.17%)]