|
ملتقى القرآن الكريم والتفسير قسم يختص في تفسير وإعجاز القرآن الكريم وعلومه , بالإضافة الى قسم خاص لتحفيظ القرآن الكريم |
|
أدوات الموضوع | انواع عرض الموضوع |
#1
|
||||
|
||||
![]() وقفات تربوية مع سورة القارعة رمضان صالح العجرمي الحمد لله رب العالمين، وصلى الله على نبينا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين، وبعد: فهذه وقفات تربوية مع سورة القارعة، وهي سورة مكية، وآياتها إحدى عشرة آية. لما ختمت سورة العاديات التي قبلها بوصف البعث من القبور؛ كما قال تعالى: ﴿ أَفَلَا يَعْلَمُ إِذَا بُعْثِرَ مَا فِي الْقُبُورِ * وَحُصِّلَ مَا فِي الصُّدُورِ * إِنَّ رَبَّهُمْ بِهِمْ يَوْمَئِذٍ لَخَبِيرٌ ﴾ [العاديات: 9 - 11] جاءت هذه السورة لتتحدث عن القيامة وأهوالها؛ فموضوعات السورة: خالصة في ذكر أهوال وأحوال يوم القيامة، وبيان انقسام الناس، ويمكن تقسيم موضوعات السورة إلى ثلاثة أقسام: القسم الأول: تسمية يوم القيامة بالقارعة لتهويل شأنها. القسم الثاني: ذكر بعض أحوال يوم القيامة. القسم الثالث: بيان انقسام الناس، وبيان السبيل إلى العيشة الراضية، وبيان سبب الخسران وهو: (لمن يأتي يوم القيامة وقد خفت موازينه). • والقارعة: من أسماء يوم القيامة، والعرب في لغتهم يعددون الأسماء للأشياء العظيمة؛ ومن ذلك القيامة لها أسماء كثيرة؛ منها: القارعة؛ وذلك لأنها تقرع القلوب والأسماع بأهوالها، ومنها: اليوم الآخر؛ وسمي بذلك لأنه لا يوم بعده، ومنها: يوم الخروج، ويوم البعث، ويوم الفصل، ويوم الوعيد، ويوم التناد، ويوم الخلود، ويوم الدين، ويوم الجمع، ويوم الحساب، والنشور، والتغابن، والحسرة، والتلاق، والآزفة، والساعة، والواقعة، والحاقة، والطامة الكبرى، والصاخة، والغاشية. أولًا: آيات القسم الأول: قوله: ﴿ الْقَارِعَةُ * مَا الْقَارِعَةُ ﴾ [القارعة: 1، 2] افتتاح مهول ومرعب فيه ترويع وتخويف! وفيه أيضًا تشويق إلى معرفة ما سيأتي من خبر هذه القارعة، والتكرار: لتهويل شأنها وشدة أهوالها. قوله: ﴿ وَمَا أَدْرَاكَ مَا الْقَارِعَةُ ﴾ [القارعة: 3]؛ أي: ما أعلمك عظم شأنها وشدة أهوالها. ثانيًا: آيات القسم الثاني: وبدأت بذكر أحوال الناس يوم القيامة: ﴿ يَوْمَ يَكُونُ النَّاسُ كَالْفَرَاشِ الْمَبْثُوثِ ﴾ [القارعة: 4]، وصفهم في ضعفهم وانتشارهم واضطرابهم وشدة فزعهم كالفراش المتفرِّق المنتشر. هذا الإنسان العاقل، القوي، والغني، هذا هو حاله يوم القيامة؛ كما قال الله تعالى: ﴿ خُشَّعًا أَبْصَارُهُمْ يَخْرُجُونَ مِنَ الْأَجْدَاثِ كَأَنَّهُمْ جَرَادٌ مُنْتَشِرٌ ﴾ [القمر: 7]. وعبر الله تعالى بالفراش؛ قالوا: لأنها حيوانات لا تكون إلا في الليل، يموج بعضها ببعض لا تدري أين تتوجه؟ فإذا أُوقد لها نار تهافتت إليها لضعف إدراكها، فهذه حال الناس من أهل العقول، ثم ذكر أحوال الجبال والتي هي من القوة والصلابة: ﴿ وَتَكُونُ الْجِبَالُ كَالْعِهْنِ الْمَنْفُوشِ ﴾ [القارعة: 5]؛ أي: كالصوف الملوَّن الذي تفرَّقت أجزاؤه. مع أنها ليست مكلفة! فما بالك بالعبد الضعيف الذي أمامه حساب وعقاب؟! هذه الجبال الرواسي التي نتعجب من قوتها وصلابتها وعظمتها تصير هباء منثورًا؛ كما قال الله تعالى: ﴿ إِذَا رُجَّتِ الْأَرْضُ رَجًّا * وَبُسَّتِ الْجِبَالُ بَسًّا * فَكَانَتْ هَبَاءً مُنْبَثًّا ﴾ [الواقعة: 4 - 6]، وقال تعالى: ﴿ يَوْمَ تَرْجُفُ الْأَرْضُ وَالْجِبَالُ وَكَانَتِ الْجِبَالُ كَثِيبًا مَهِيلًا ﴾ [المزمل: 14]، وقال تعالى: ﴿ وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ الْجِبَالِ فَقُلْ يَنْسِفُهَا رَبِّي نَسْفًا * فَيَذَرُهَا قَاعًا صَفْصَفًا * لَا تَرَى فِيهَا عِوَجًا وَلَا أَمْتًا ﴾ [طه: 105 - 107]؛ أي منبسطًا لا ارتفاع فيه، ولا انخفاض. وقال تعالى: ﴿ وَسُيِّرَتِ الْجِبَالُ فَكَانَتْ سَرَابًا ﴾ [النبأ: 20] وقال تعالى: ﴿ وَإِذَا الْجِبَالُ نُسِفَتْ ﴾ [المرسلات: 10]؛ أي: أقلعت عن أماكنها. ثالثًا: آيات القسم الثالث: مشهد الموازين، وانقسام الناس إلى فريقين: قوله: ﴿ فَأَمَّا مَنْ ثَقُلَتْ مَوَازِينُهُ * فَهُوَ فِي عِيشَةٍ رَاضِيَةٍ ﴾ [القارعة: 6، 7]؛ أي: من ترجَّحت حسناته على سيئاته فهو في حياة مرضية في الجنة؛ كما قال الله تعالى: ﴿ يَاأَيَّتُهَا النَّفْسُ الْمُطْمَئِنَّةُ * ارْجِعِي إِلَى رَبِّكِ رَاضِيَةً مَرْضِيَّةً * فَادْخُلِي فِي عِبَادِي * وَادْخُلِي جَنَّتِي ﴾ [الفجر: 27 - 30]. تعلمنا هذه الآية: أن الذي يريد طريق السعداء الذين هم في عيشة راضية يوم القيامة، عليه بتثقيل ميزانه بالحسنات، ومن رحمة الله تعالى جعل لنا من الأعمال اليسيرة ما يثقل الميزان؛ منها: 1- شهادة التوحيد؛ فلو وضعت في كفة ووضعت السموات والأرض في كفة لرجحت بهن لا إله إلا الله. 2- ومنها: حسن الخلق؛ فعن أبي الدرداء رضي الله عنه، أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((ما من شيء أثقل في ميزان المؤمن يوم القيامة من خلق حسن، وإن الله ليبغض الفاحش البذيء))؛ [رواه أبو داود، والترمذي، وصححه الألباني]. 3- ومنها: هذا الذكر اليسير؛ كما في الصحيحين عن أبي هريرة رضي الله عنه، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((كلمتان خفيفتان على اللسان، ثقيلتان في الميزان، حبيبتان إلى الرحمن: سبحان الله وبحمده، سبحان الله العظيم)). قوله: ﴿ وَأَمَّا مَنْ خَفَّتْ مَوَازِينُهُ * فَأُمُّهُ هَاوِيَةٌ ﴾ [القارعة: 8، 9]؛ أي: من ترجَّحت سيئاته على حسناته؛ فأمُّه ومأواه ومسكنه النار الحامية؛ لأنه يلازمها كما يلازم الطفل أمه! • والهاوية: من أسماء النار؛ لأنها بعيدة القعر! فالنار قعرها بعيد، وحرها شديد؛ كما في صحيح مسلم عن أبي هريرة رضي الله عنه، قال: كنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم، إذ سمع وجبةً، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: ((تدرون ما هذا؟)) قال: قلنا: الله ورسوله أعلم، قال: ((هذا حجر رمي به في النار منذ سبعين خريفًا، فهو يهوي في النار الآن، حتى انتهى إلى قعرها)). وفي الحديث الصحيح: ((إن العبد ليتكَلَّم بالكلمة من سخط الله لا يُلْقي لها بالًا يهوي بها في نار جهنم))، وفي رواية: ((إن العبد ليتكَلَّم بالكلمة ما يتبين ما فيها يهوي بها في النار أبعد ما بين المشرق والمغرب)). • والنار قد تعددت أسماؤها لتدل على عظم أمرها؛ فهي: جهنم، سقر، لظى، الجحيم، السعير، السموم، الحطمة، الهاوية، وبئس المصير، وبئس القرار، وبئس المهاد، وبئس الورد المورود، ودار البوار، ودار الفاسقين، وسوء الدار، وأسفل السافلين. قوله: ﴿ وَمَا أَدْرَاكَ مَا هِيَهْ * نَارٌ حَامِيَةٌ ﴾ [القارعة: 10، 11]؛ أي: ما أعلمك بخبر هذه الهاوية شديدة الحرارة، وقد جاء في الصحيح عن أبي هريرة رضي الله عنه: أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((ناركم هذه التي يوقد ابن آدم جزء من سبعين جزءًا من حر جهنم، قالوا: والله إن كانت لكافيةً يا رسول الله، قال: فإنها فضلت عليها بتسعة وستين جزءًا، كلها مثل حرها)). ولعظم أهوالها يأتي بها يوم القيامة أعداد عظيمة من الملائكة يجرونها؛ ففي صحيح مسلم عن ابن مسعود رضي الله عنه، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((يؤتى بجهنم يومئذٍ لها سبعون ألف زمام، مع كل زمام سبعون ألف ملك يجرونها))، فإن حرارة نار الآخرة لا تُطاق، واسمع لخبر أخف أهل النار عذابًا؛ فعن النعمان بن بشير رضي الله عنهما قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: ((إن أهون أهل النار عذابًا يوم القيامة، لرجل يوضع في أخمص قدميه جمرتان، يغلي منهما دماغه، ما يرى أن أحدًا أشد منه عذابًا، وإنه لأهونهم عذابًا)). وهناك فريق ثالث ذكر في سورة الأعراف: وهم أهل الأعراف، الذين تساوت حسناتهم مع سيئاتهم؛ كما قال تعالى: ﴿ وَبَيْنَهُمَا حِجَابٌ وَعَلَى الْأَعْرَافِ رِجَالٌ يَعْرِفُونَ كُلًّا بِسِيمَاهُمْ وَنَادَوْا أَصْحَابَ الْجَنَّةِ أَنْ سَلَامٌ عَلَيْكُمْ لَمْ يَدْخُلُوهَا وَهُمْ يَطْمَعُونَ * وَإِذَا صُرِفَتْ أَبْصَارُهُمْ تِلْقَاءَ أَصْحَابِ النَّارِ قَالُوا رَبَّنَا لَا تَجْعَلْنَا مَعَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ * وَنَادَى أَصْحَابُ الْأَعْرَافِ رِجَالًا يَعْرِفُونَهُمْ بِسِيمَاهُمْ قَالُوا مَا أَغْنَى عَنْكُمْ جَمْعُكُمْ وَمَا كُنْتُمْ تَسْتَكْبِرُونَ * أَهَؤُلَاءِ الَّذِينَ أَقْسَمْتُمْ لَا يَنَالُهُمُ اللَّهُ بِرَحْمَةٍ ادْخُلُوا الْجَنَّةَ لَا خَوْفٌ عَلَيْكُمْ وَلَا أَنْتُمْ تَحْزَنُونَ ﴾ [الأعراف: 46 - 49]. نسأل الله العظيم في عليائه أن يجعلنا ممن ثقلت موازينهم، وصلِّ اللهم على نبينا محمد.
__________________
|
الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1) | |
|
|
|
Powered by vBulletin V3.8.5. Copyright © 2005 - 2013, By Ali Madkour |