قصة موسى عليه السلام - ملتقى الشفاء الإسلامي

 

اخر عشرة مواضيع :         حدث في مثل هذا اليوم ميلادي ... (اخر مشاركة : أبــو أحمد - عددالردود : 4914 - عددالزوار : 1967620 )           »          إشــــــــــــراقة وإضــــــــــــاءة (متجدد باذن الله ) (اخر مشاركة : أبــو أحمد - عددالردود : 4486 - عددالزوار : 1264638 )           »          استشهاد الخليفة الراشد عمر بن الخطاب (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 32 )           »          طريقة شيطانية (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 31 )           »          كفارة المجلس (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 30 )           »          استشهاد عثمان بن عفان رضي الله عنه وأرضاه (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 25 )           »          حياة من الجن وجن من الحيات (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 36 )           »          وقفة معبرة مع تقويم الهجرة (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 19 )           »          قصة موسى عليه السلام (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 19 )           »          عام مضى وصوم عاشورا (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 19 )           »         

العودة   ملتقى الشفاء الإسلامي > قسم الصوتيات والمرئيات والبرامج > ملتقى الصوتيات والاناشيد الاسلامية > ملتقى الخطب والمحاضرات والكتب الاسلامية
التسجيل التعليمـــات التقويم

ملتقى الخطب والمحاضرات والكتب الاسلامية ملتقى يختص بعرض الخطب والمحاضرات الاسلامية والكتب الالكترونية المنوعة

 
 
أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
Prev المشاركة السابقة   المشاركة التالية Next
  #1  
قديم يوم أمس, 11:34 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم غير متصل
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 155,706
الدولة : Egypt
افتراضي قصة موسى عليه السلام

قصة موسى عليه السلام

الشيخ إسماعيل بن عبدالرحمن الرسيني

إن الحمد لله، نحمده ونستعينه ونستغفره ونتوب إليه، ونعوذ به من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، مَن يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، إله الأولين والآخرين وقيُّوم السماوات والأرَضين، أرسل رسله حجة على العالمين ليحيى من حيَّ عن بينة، ويهلك من هلك عن بينة، وأشهد أن محمدًا عبدُ الله ورسولُه البشير النذير والسراج المنير، ترك أمته على المحجَّة البيضاء، ليلها كنهارها، لا يزيغ عنها إلا هالك، فصلوات ربي وسلامه عليه ما تعاقب الليل والنهار، وصلوات ربي وسلامه عليه ما ذكره الذاكرون الأبرار، وصلوات ربي وسلامه عليه ما غفل عن ذكره الغافلون، وعلى آله وصحبه ومن اقتفى أثره واستنَّ بسُنَّته إلى يوم الدين، أما بعد:

عباد الله، اتقوا الله وأطيعوه وابتدروا أمره ولا تعصوه، واعلموا أن خير دنياكم وأخراكم بتقوى الله تبارك وتعالى: ﴿ وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجًا * وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لَا يَحْتَسِبُ ﴾ [الطلاق: 2، 3] ﴿ وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يُكَفِّرْ عَنْهُ سَيِّئَاتِهِ وَيُعْظِمْ لَهُ أَجْرًا ﴾ [الطلاق: 5] ﴿ يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ تَتَّقُوا اللَّهَ يَجْعَلْ لَكُمْ فُرْقَانًا ﴾ [الأنفال: 29]، ﴿ يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا * يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا ﴾ [الأحزاب: 70، 71].

رسول من رسل الله عليهم الصلاة والسلام أكرمه ربُّه فكلمه، وأرسله وبالمعجزات أيَّده، وأخوه ببركة دعائه أرسله، جعله الله من أولي العزم من الرسل، أمته أكثر الأمم أتباعًا بعد أمة حبيبنا صلى الله عليه وسلم، وَرَد اسمه في القرآن الكريم ست وثلاثين ومائة مرة في أربع وثلاثين سورة، حتى قال بعضهم: كاد القرآن أن يكون لموسى، موسى عليه الصلاة والسلام هو من أشار على رسولنا صلى الله عليه وسلم أن يراجع ربه بتخفيف الصلاة، فصلوات الله وسلامه وبركاته على أنبيائه ورسله، فكم حرصوا على هداية الناس وتعبيدهم لله رب العالمين.

قصته عليه السلام مشتهرة، فيها من العبر والدروس ما لا يُحصى، فلقد عرض القرآن قصته بأساليب شيقة، وساقها بطرائق متعددة، وصدرها بديباجة جذَّابة وقدم لها بمقدمات مذهلة، يقول الإمام السعدي رحمه الله: فلقد عالج القرآن فرعون وجنده، وعالج بني إسرائيل أشد المعالجة، وهو أعظم أنبياء بني إسرائيل، وشريعته وكتابه التوراة، وهو مرجع أنبياء بني إسرائيل وعلمائهم، وأتباعه أكثر أتباع الأنبياء إلا أتباع إمامنا وحبيبنا محمد صلى الله عليه وسلم، فدونك العبر استجابة لأمر الله ﴿ لَقَدْ كَانَ فِي قَصَصِهِمْ عِبْرَةٌ لِأُولِي الْأَلْبَابِ مَا كَانَ حَدِيثًا يُفْتَرَى وَلَكِنْ تَصْدِيقَ الَّذِي بَيْنَ يَدَيْهِ وَتَفْصِيلَ كُلِّ شَيْءٍ وَهُدًى وَرَحْمَةً لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ ﴾ [يوسف: 111].

1- عظمة منزلة أولياء الله ورسله عند ربهم وسرعة استجابتهم لأمره وتأييد الله لهم:
فهذه أم موسى المكلومة المصابة تؤمر بقذف ولدها في اليَمِّ فتستجيب؛ لتنتظر موعود الله بعودة مولودها، يكاد يطيش عقلها، فسبحان من ربط على قلبها، وثبت عقلها، وأعاد لها صغيرها، قال تعالى: ﴿ وَأَوْحَيْنَا إِلَى أُمِّ مُوسَى أَنْ أَرْضِعِيهِ فَإِذَا خِفْتِ عَلَيْهِ فَأَلْقِيهِ فِي الْيَمِّ وَلَا تَخَافِي وَلَا تَحْزَنِي إِنَّا رَادُّوهُ إِلَيْكِ وَجَاعِلُوهُ مِنَ الْمُرْسَلِينَ ﴾ [القصص: 7].

وسبحان من استجاب دعوة موسى لأخيه هارون فجعله نبيًّا وأيَّده وأحاط بالرعاية كليمه موسى وأخاه هارون عليهما السلام، وثبتهما وأعانهما على مقابلة طاغية عصره إمام الطغاة، فأعانهم وربط على قلوبهم وطمأنهم، ألم تسمع للذيذ خطابهم لربهم ونصرة ربهم لهم: ﴿ اذْهَبَا إِلَى فِرْعَوْنَ إِنَّهُ طَغَى * فَقُولَا لَهُ قَوْلًا لَيِّنًا لَعَلَّهُ يَتَذَكَّرُ أَوْ يَخْشَى * قَالَا رَبَّنَا إِنَّنَا نَخَافُ أَنْ يَفْرُطَ عَلَيْنَا أَوْ أَنْ يَطْغَى * قَالَ لَا تَخَافَا إِنَّنِي مَعَكُمَا أَسْمَعُ وَأَرَى ﴾ [طه: 43 - 46].

يا الله، ما أعظم هذه النصرة والتأييد وسلوان الفؤاد ﴿ إِنَّنِي مَعَكُمَا ﴾!

يخوض الكليم تحديًا مع السحرة فيجتمعون ويمكرون ويكيدون، فلقد تعَلَّقت قلوبهم بهبات من أرسلهم، فيربط الله على قلب كليمه ورسوله موسى ﴿ قَالَ بَلْ أَلْقُوا فَإِذَا حِبَالُهُمْ وَعِصِيُّهُمْ يُخَيَّلُ إِلَيْهِ مِنْ سِحْرِهِمْ أَنَّهَا تَسْعَى * فَأَوْجَسَ فِي نَفْسِهِ خِيفَةً مُوسَى * قُلْنَا لَا تَخَفْ إِنَّكَ أَنْتَ الْأَعْلَى * وَأَلْقِ مَا فِي يَمِينِكَ تَلْقَفْ مَا صَنَعُوا إِنَّمَا صَنَعُوا كَيْدُ سَاحِرٍ وَلَا يُفْلِحُ السَّاحِرُ حَيْثُ أَتَى ﴾ [طه: 66 - 69].

ما أعظم أثر رفع المعنويات لأجل الانتصار! فإياكم ثم إياكم أن يدب الخوف والضعف إلى نفوسكم لأجل مستقبلكم أو مستقبل أمتكم، فهو أول الهزائم، فلنحسن الظن بالله كما أحسنوا، ولنجتهد بالعمل كما اجتهدوا، ولننصر دين الله كما نصروا؛ وحينئذٍ فسُنَّة الله لا تتبدَّل ولا تتخلَّف ﴿ إِنَّا لَنَنْصُرُ رُسُلَنَا وَالَّذِينَ آمَنُوا فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَيَوْمَ يَقُومُ الْأَشْهَادُ ﴾ [غافر: 51]، فأُمَّتنا بفضل الله لا تموت؛ ولكن ربما تمرض، فلنُصحِّح مسارنا، ولنعلم أن العاقبة للمتقين.

حين تكون معية الله لك حاضرة يأتيك النصر من حيث لا تحتسب، فمن كان ألدَّ أعداء موسى وأكثرهم حرصًا على إسقاطه ونهايته وهم سحرة فرعون وأمام الملأ يعلنون التوحيد ويسجدون لربهم المجيد ويتحملون من فرعون الظالم الصلب طلبًا لموعود الحميد المجيد، وفي مشهد عظيم تتجلى فيه نصرة الله لأوليائه ورسله، ويظهر فيه عمق التوحيد في كليمه في ساعة الصفر تضيق الدنيا بما رحبت، ويظن من يظن بالله الظنون، فالبحر أمام موسى وبنو إسرائيل والجبال الشاهقة عن عينهم وشمائلهم، وفرعون الطاغوت وجنده خلفهم، بمقاييس البشر أزمة وأي أزمة وهزيمة منتظرة؛ لكن التدبير ليس عندهم ولا إليهم، فموسى الممتثل لأمر ربه، القائم به، يقذف الله في قلبه اليقين، ويرد مقالة من قال: ﴿ فَلَمَّا تَرَاءَى الْجَمْعَانِ قَالَ أَصْحَابُ مُوسَى إِنَّا لَمُدْرَكُونَ * قَالَ كَلَّا إِنَّ مَعِيَ رَبِّي سَيَهْدِينِ ﴾ [الشعراء: 61، 62]، والبحر جند من جند الله يأتمر بأمره، ولا يخالف البحر خالقه، فينفلق البحر فيكون يبسًا، فيمضي موسى ومن معه حتى اكتملوا خروجًا فيتبعهم فرعون وجنده تكبُّرًا وبلاهةً وغرورًا، فلما اكتمل موسى ومن معه خروجًا، واكتمل فرعون ومن معه دخولًا، أمر الله البحر أن يعود كما كان، فغرق فرعون وجنده، وجعل الله الذلة والصغار على من خالف أمره، فيا خسارة من يخالف القوي العزيز! ﴿ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَةً لِمَنْ خَافَ عَذَابَ الْآخِرَةِ ذَلِكَ يَوْمٌ مَجْمُوعٌ لَهُ النَّاسُ وَذَلِكَ يَوْمٌ مَشْهُودٌ ﴾ [هود: 103].

من العبر والدروس المهمة: أن من نازع الله في عظمته قصمه الله؛ فعن أبي هريرة رضي الله عنه قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: قال الله تعالى: "الكبرياء ردائي والعظمة إزاري، فمن نازعني واحدًا منهما قذفته في النار"، فهذا فرعون ادَّعى الربوبية، وظلم وتجبَّر، فقتل الأنفس الطاهرة، وطغى وتجبَّر، فجعل الله أمره في سفال، وأبان الله للعالمين ضعفه، فهو يقتل أبناء بني إسرائيل حتى لا ينقضوا ملكه، فيريد الله أن يجعل موسى يعيش في بيته، ويهتم فرعون ويغتم لأجل إطعامه ورزقه، وقذف الله حبه في قلب زوجه، فعاش معهم في غاية الأمان، ثم بعد ذلك يتجبَّر ويتكبَّر ويزعم أنه الرب مرة أخرى، قال تعالى: ﴿ وَنَادَى فِرْعَوْنُ فِي قَوْمِهِ قَالَ يَاقَوْمِ أَلَيْسَ لِي مُلْكُ مِصْرَ وَهَذِهِ الْأَنْهَارُ تَجْرِي مِنْ تَحْتِي أَفَلَا تُبْصِرُونَ ﴾ [الزخرف: 51]، فيجعل الله هلاكه بالماء الذي تفاخر فيه، يأتي بالسحرة لينقذوه فيكونون دليلًا على كذبه وزوره وبهتانه، يهددهم فيثبتون حتى يحصلوا على موعود الله، وأخيرًا ينجي الله فرعون ببدنه؛ ليكون عبرةً لأهل زمانه.

فإياك إياك من التكبُّر على أمر الله وشرعه.

ومن العبر والدروس:
اتقِ دعوة المظلوم فليس بينها وبين الله حجاب: فللمظلوم دعوة مجابة، ويتأكد إن كان من أولياء الله؛ فما آل إليه فرعون قومه هو دعوة رسل الله موسى وهارون عليهما السلام: "بعد أن يئسوا من إيمان فرعون وبعدما أجرى الله من معجزاته لأنبيائه ورسله دعوا ربهم، فقال الله: ﴿ وَقَالَ مُوسَى رَبَّنَا إِنَّكَ آتَيْتَ فِرْعَوْنَ وَمَلَأَهُ زِينَةً وَأَمْوَالًا فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا رَبَّنَا لِيُضِلُّوا عَنْ سَبِيلِكَ رَبَّنَا اطْمِسْ عَلَى أَمْوَالِهِمْ وَاشْدُدْ عَلَى قُلُوبِهِمْ فَلَا يُؤْمِنُوا حَتَّى يَرَوُا الْعَذَابَ الْأَلِيمَ ﴾ [يونس: 88]، فاتقِ دعوة المظلوم فليس بينها وبين الله حجاب.

ومن العبر:
الخير كل الخير في طاعة الله ورسوله وإن لم يتبين لك حكمته، فتأمل في أم موسى وحالها، وانظر عظيم الأعطيات حين استجابت لأمر الله، فأساس كل انتصار هو الثقة بالله، وهذا ظاهر في حياة موسى الذي عاش بين أعدائه.

ومن العبر:
يا دعاة الإسلام، ويا كل أب ومُرَبٍّ، القول اللين لا يثير العزة بالإثم، ولا يهيج الكبرياء الزائف الذي يعيش به الطغاة والقول اللين يوقظ القلب ويذكره، قال تعالى: ﴿ فَقُولَا لَهُ قَوْلًا لَيِّنًا لَعَلَّهُ يَتَذَكَّرُ أَوْ يَخْشَى ﴾ [طه: 44].

ومن العبر:
أن التمكن والرفعة في الأرض لا تكون إلا بعد الابتلاء وسنة الله ماضية، فاختبار الناس ليميز الله الخبيث من الطيب: ﴿ الم * أَحَسِبَ النَّاسُ أَنْ يُتْرَكُوا أَنْ يَقُولُوا آمَنَّا وَهُمْ لَا يُفْتَنُونَ ﴾ [العنكبوت: 1، 2].

ومن العبر:
ينبغي على الوالد والمربي والقائد ألَّا تهتز ثقته ويظهر خوفه، فذلك هزيمة نفسية عظيمة لمن تحته، وهذا واضح في ثقة موسى بربه قال: ﴿ قَالَ كَلَّا إِنَّ مَعِيَ رَبِّي سَيَهْدِينِ ﴾ [الشعراء: 62].

ومن العبر:
إن شكر النعم يكون بالاعتراف بها ومداومة ذكرها حتى لا ينسى الإنسان ربَّه الذي أنعم عليه، والشكر يكون باللسان وبالعمل؛ ولذا صام موسى هذا اليوم شكرًا لله، وصامه رسول الله صلى الله عليه وسلم، فبالشكر تدوم النعم، وبكفرها تفر، قال تعالى: ﴿ اعْمَلُوا آلَ دَاوُودَ شُكْرًا وَقَلِيلٌ مِنْ عِبَادِيَ الشَّكُورُ ﴾ [سبأ: 13].

بارك الله لي ولكم في القرآن العظيم، ونفعني وإياكم بما فيه من الذكر الحكيم، واستغفروا الله وتوبوا إليه، فطوبى للمستغفرين.

الخطبة الثانية
الحمد لله وكفى، والصلاة والسلام على النبي المصطفى، وبعد:
ومن العبر كلما أحدث الله لك نعمة فاستحدث لها شكرًا، فبالشكر تدوم النعم، وبالكفر تفر، قال تعالى: ﴿ وَإِذْ تَأَذَّنَ رَبُّكُمْ لَئِنْ شَكَرْتُمْ لَأَزِيدَنَّكُمْ وَلَئِنْ كَفَرْتُمْ إِنَّ عَذَابِي لَشَدِيدٌ ﴾ [إبراهيم: 7].

شكر الله جل وعلا عند تجدُّد النِّعَم، وشكر الله جل وعلا يكون بطاعة الله تبارك وتعالى وتطَلُّب مرضاته، ومن شكر الله تعالى صوم عاشوراء، فحين انتصر موسى على فرعون في يوم عاشوراء صامه موسى شكرًا لله تبارك وتعالى، ولأن الأنبياء دينهم واحد، فلقد قال النبي عليه الصلاة والسلام: "نحن أحقُّ بموسى منكم"، فصامه عليه الصلاة والسلام وأمر بصيامه، ورتَّب الفضل العظيم على صيامه، وجعل صيام يوم واحد يُكَفِّر سنةً كاملةً.

سئل النبي عليه الصلاة والسلام عن صيام يوم عاشوراء، فقال: "يُكفِّر السنة التي قبلها"، وكان في آخر حياته عليه الصلاة والسلام يقول: "لئن بقيت إلى قابل لأصومَنَّ التاسع"، فصوموه عباد الله تقربًا لله تبارك وتعالى، وامتثالًا لهدي نبيكم صلى الله عليه وسلم الذي اقتدى بموسى عليه الصلاة والسلام، عوِّدوا أولادكم الصوم واقتدوا بصحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم، فلقد كانت الربيع بنت مُعَوِّذ تقول: كنا نصومه ونصوم صبياننا، ونجعل له لعبة من العِهْن، فإذا بكى أحدهم طلبًا للطعام أعطيناه اللعبة حتى الإفطار.

عوِّدوا أولادكم على الحفاوة بمواسم الخيرات، لا تجعلوا هذه المواسم تمُرُّ مرور الكرام في مجالسكم، وفي دواوينكم، حدِّثوا أولادكم وجلساءكم عن قصة موسى عليه الصلاة والسلام؛ ففي قصصهم عبرة لأولي الألباب، جعلني الله وإياكم منهم.

اللهم اجعلنا مُعظِّمين لأمرك، مؤتمرين به، واجعلنا معظمين لما نهيت عنه منتهين عنه، اللهم أعنا على ذكرك وشكرك وحسن عبادتك، اللهم أعنا على ذكرك وشكرك وحسن عبادتك، اللهم أعنا على ذكرك وشكرك وحسن عبادتك.

اللهم إنا نسألك بأسمائك الحسنى وصفاتك العلى أن تعز الإسلام والمسلمين، وأن تذل الشرك والمشركين، وأن تدمر أعداء الدين، وأن تنصر من نصر الدين، وأن تخذل من خذله، وأن توالي من والاه بقوَّتِك يا جبَّار السماوات والأرض.

اللهم آمنا في أوطاننا، وأصلح أئمتنا وولاة أمورنا، اللهم وفق ولاة أمرنا لما تحب وترضى، وخذ بنواصيهم للبر والتقوى.

اللهم من أرادنا وأراد ديننا وأمننا وشبابنا ونساءنا بسوء وفتنة، اللهم اجعل كيده في نحره، واجعل تدبيره دماره، يا سميع الدعاء، اللهم كن لإخواننا المرابطين على الحدود، وجازهم خير الجزاء، اللهم اقبل من مات منهم، واخلفهم في أهليهم يا رب العالمين.

اللهم أصلح أحوال المسلمين في كل مكان، اللهم أصلح أحوال المسلمين في كل مكان، واجمع كلمتهم على ما يرضيك يا رب العالمين، اللهم بواسع رحمتك وجودك وإحسانك يا ذا الجلال والإكرام، اجعل اجتماعنا هذا اجتماعًا مرحومًا، وتفرُّقنا من بعده تفرُّقًا معصومًا.

اللهم اغفر للمسلمين والمسلمات، والمؤمنين والمؤمنات، الأحياء منهم والأموات، اللهم اغفر لآبائنا وأمهاتنا، وجازهم عنا خير الجزاء، اللهم من كان منهم حيًّا فأطِل عمره، وأصلح عمله، وارزقنا بره ورضاه، ومن سبق للآخرة فارحمه رحمةً من عندك تغنيهم عن رحمة من سواك.

اللهم ارحم المسلمين والمسلمات، اللهم اغفر لأموات المسلمين الذين شهدوا لك بالوحدانية، ولنبيِّك بالرسالة، اللهم جازهم بالحسنات إحسانًا، وبالسيئات عفوًا وغفرانًا يا رب العالمين.

اللهم احفظنا بحفظك، واكلأنا برعايتك، ووفقنا لهداك، واجعل عملنا في رضاك.

اللهم أصلحنا وأصلح ذريتنا وأزواجنا وإخواننا وأخواتنا ومن لهم حق علينا يا رب العالمين.

اللهم ثبِّتْنا على قولك الثابت في الحياة الدنيا والآخرة يا أرحم الراحمين، اللهم كن لإخواننا المسلمين في كل مكان، اللهم كن لهم بالشام وكل مكان يا رب العالمين.

اللهم إنا نسألك بأنك أنت الصمد تصمد إليك الخلائق في حوائجها، لكل واحد منا حاجة لا يعلمها إلا أنت، اللهم بواسع جودك ورحمتك وعظيم عطائك اقضِ لكل واحد منا حاجته يا أرحم الراحمين.

اللهم اغفر لنا في جمعتنا هذه أجمعين يا أرحم الراحمين، اللهم اغفر لآبائنا وأمهاتنا وجازهم عنا خير ما جزيت والدًا عن والده، اللهم من كان منهم حيًّا فأطِل عمره، وأصلح عمله، وارزقنا بره ورضاه، ومَن كان منهم ميتًا فارحمه برحمتك التي وسعت كل شيء، وجميع أموات المسلمين يا أرحم الراحمين، ﴿ سُبْحَانَ رَبِّكَ رَبِّ الْعِزَّةِ عَمَّا يَصِفُونَ * وَسَلَامٌ عَلَى الْمُرْسَلِينَ * وَالْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ ﴾ [الصافات: 180 - 182]، وصلِّ اللهم وسلم وبارك على نبينا محمد وعلى آله وأصحابه أجمعين.




__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
 


الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1)
 

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع


 


الاحد 20 من مارس 2011 , الساعة الان 01:21:21 صباحاً.

Powered by vBulletin V3.8.5. Copyright © 2005 - 2013, By Ali Madkour

[حجم الصفحة الأصلي: 83.00 كيلو بايت... الحجم بعد الضغط 81.27 كيلو بايت... تم توفير 1.72 كيلو بايت...بمعدل (2.07%)]