سوانح تدبرية - ملتقى الشفاء الإسلامي

 

اخر عشرة مواضيع :         الشرح الممتع للشيخ ابن عثيمين -رحمه الله-(سؤال وجواب) (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 50 - عددالزوار : 39310 )           »          شرح كتاب الصلاة من مختصر صحيح مسلم للإمام المنذري (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 60 - عددالزوار : 32660 )           »          اشتراط الحول والنصاب في الزكاة (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 3 )           »          من قرأ بالآيتين من آخر سورة البقرة في ليلة كفتاه (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 4 )           »          لا أحد أحسن حكما من الله (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 2 )           »          دلالة السنة والنظر الصحيح على أن الأنبياء عليهم السلام هم أفضل البشر (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 2 )           »          تفسير القرآن الكريم ***متجدد إن شاء الله (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 3091 - عددالزوار : 346292 )           »          الدرس الثالث والعشرون: لماذا نكره الموت (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 4 )           »          الإنفاق على الأهل والأقارب بنية التقرب إلى الله تعالى صدقة (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 4 )           »          الإسلام يدعو إلى المؤاخاة (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 6 )           »         

العودة   ملتقى الشفاء الإسلامي > قسم العلوم الاسلامية > ملتقى القرآن الكريم والتفسير > هيا بنا نحفظ القرآن ونرضى الرحمن
التسجيل التعليمـــات التقويم

هيا بنا نحفظ القرآن ونرضى الرحمن قسم يختص بحفظ واستظهار كتاب الله عز وجل بالإضافة الى المسابقات القرآنية المنوعة

إضافة رد
 
أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
  #1  
قديم 04-05-2025, 12:57 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم متصل الآن
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 153,683
الدولة : Egypt
افتراضي سوانح تدبرية

سوانح تدبرية
أيمن الشعبان



- سورة الفاتحة




|1| الاستعاذة


من أعظم الحِكم والغايات من إنزال الآيات، التدبر والتفكر واستخراج الدرر والمكنونات، قال تعالى: {كِتَابٌ أَنْزَلْنَاهُ إِلَيْكَ مُبَارَكٌ لِيَدَّبَّرُوا آيَاتِهِ وَلِيَتَذَكَّرَ أُولُو الْأَلْبَابِ} [ص:29]
  • التصنيفات: القرآن وعلومه -

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه ومن والاه، وبعد:
فإن من أعظم الحِكم والغايات من إنزال الآيات، التدبر والتفكر واستخراج الدرر والمكنونات، قال تعالى: {كِتَابٌ أَنْزَلْنَاهُ إِلَيْكَ مُبَارَكٌ لِيَدَّبَّرُوا آيَاتِهِ وَلِيَتَذَكَّرَ أُولُو الْأَلْبَابِ} [ص:29].
يقول ابن القيم رحمه الله في مدارج السالكين (1/450): فَلَيْسَ شَيْءٌ أَنْفَعَ لِلْعَبْدِ فِي مَعَاشِهِ وَمَعَادِهِ، وَأَقْرَبَ إِلَى نَجَاتِهِ مِنْ تَدَبُّرِ الْقُرْآنِ، وَإِطَالَةِ التَّأَمُّلِ فِيهِ، وَجَمْعِ الْفِكْرِ عَلَى مَعَانِي آيَاتِهِ.
قال سفيان بن عيينة رحمه الله (زاد المسير في علم التفسير، 2/370): قال سفيان بن عيينة: إِنما آيات القرآن خزائن، فإذا دخلتَ خزانةً فاجتهد أن لا تخرج منها حتى تعرف ما فيها.
فهذه فوائد ووقفات وهدايات وتأملات في الاستعاذة قبل التلاوة:
1- جمهور العلماء على أن الاستعاذة مستحبة عند القراءة.
2- الاستعاذة من الأذكار المهمة والأدعية الجليلة التي يحتاج إليها العبد في يومه وليلته، أكثر من حاجته للطعام والشراب والهواء.
3- أشهر صيغة للاستعاذة: (أعوذ بالله من الشيطان الرجيم).
4- هنالك أربع صيغ أخرى للاستعاذة: الأولى: أعوذ بالله من الشيطان الرجيم من همزه ونفخه ونفثه.
الثانية: أعوذ بالله السميع العليم من الشيطان الرجيم.
الثالثة: أعوذ بالله السميع العليم من الشيطان الرجيم، لكن مع زيادة: "من همزه، ونفخه، ونفثه.
الرابعة: اللَّهمَّ إنِّي أعوذُ بكَ منَ الشَّيطانِ الرَّجيمِ وهَمزِهِ ونفخِهِ ونفثِهِ.
5- "أعوذ" أي: ألتجأ وأستجير وأحتمي وأتحصن وأتحرز.
6- معنى الاستعاذة: الالتجاء إلى الله، والالتصاق بجانبه من كل ذي شر.
7- الاستعاذة: التجاءٌ إلى اللهِ القوي، واتقاءٌ لشرور الشيطانِ الغويّ.
8- أركانُ الاستعاذة أربعة:
الأول: مستعيذ: وهو مَن صدرت منه الاستعاذة، والتجأ إلى الله عز وجل.
الثاني: مُستعاذ منه: وهو الشيطان.
الثالث: مستعاذ به: وهو الله جل جلاله.
الرابع: صيغة الاستعاذة: كأن تقول: أعوذ بالله من الشيطان الرجيم.
9- المسلم باستعاذته بالله من الشيطان الرجيم، قبل قراءة القرآن الكريم، يعترف بعجزه وضعفه أمام حيل شياطين الإنس والجن ووساوسهم، وأنه لا يقوى على مقاومتهم وحده، فيستعين بالله من أجل ذلك تسليمًا بقدرته سُبحانه.
10- العبد باستعاذته بربه يعترف بأنه ضعيف وأن الله هو القوي، وأنه فقير وأن الله هو الغني، وأنه ذليل وأن الله هو العزيز.
11- "أعوذ" بالمضارع دون الماضي؛ لأن معنى الاستعاذة لا يتعلق إلا بالمستقبل؛ لأنها كالدعاء.
12- الاسم الكريم "الله" ذكره في الاستعاذة في غاية المناسبة، لأن هذا الاسم يتضمن أو يستلزم سائر الأسماء الحسنى، وهي تعود إليه لفظاً ومعنى.
كما أنه أيضا يستلزم إثبات جميع صفات الكمال، لأن الإله لا بد أن يكون كاملاً من كل وجه، ولا يُتصور إله وهو ناقص وعاجز أو فقير أو جاهل، فالاسم الجامع لجميع الصفات الكمالية إنما هو الله فكأن العبد قال أعوذ بالقادر العالم الحكيم الذي لا يرضى بشيء من المنكرات من الشيطان الرجيم
13- الاستعاذة كالتخلية، والبسملة كالتحلية.
14- الاستعاذة مقدمة وتنبيه للسامع أن الذي يأتي بعدها هو التلاوة، فهي عنوان وإعلام بأن المأتي به بعدها هو القرآن، ولهذا لم تشرع الاستعاذة بين يدي كلام غيره.
15- الحكمة في الاستعاذة عند القراءة الاستئذان وقرع الباب، لأن من أتى باب ملك من الملوك لا يدخل إلا بإذنه، كذلك من أراد قراءة القرآن، إنما يريد الدخول في المناجاة مع الحبيب، فيحتاج إلى طهارة اللسان، لأنه قد تنجس بفضول الكلام والبهتان، فيطهِّره بالتعوذ.
16- العبدُ وهو مقبلٌ على تلاوة القرآن بأمس الحاجة لأن يستعيذ بالله تعالى؛ من جميع الأهواء والأكدار التي قد تعيق الانتفاع الحقيقي من هذه القراءة، وهذا لا يتحقق إلا بالالتجاء والاستنجاد بالله جل في علاه.
17- استعمالُ القرآن الكريم لفظ "الشيطان" بدلَ "إبليس" في الاستعاذة؛ لضمان شمولها له ولذريته وجنوده.
18- الشيطان عدوٌ خطير وبين للإنسان، وهو لعين ومطرود من رحمة الله، فأنسب وصف جاء في هذا المقام "الرجيم" حتى نتخيل المشهد وكأنه يُرجم مذعوراً منشغلاً بنفسه.
19- الشيطانُ يحرصُ على منعك من قراءة القرآن، فإذا استعذت منه وشرعت بالقراءة يحاول صرفك وقطع قراءتك، وهكذا إذا بقيت في القراءة يحاول التشويش عليك حتى تقرأ بلا تأمل ولا تفكر ولا تدبر ولا فهم.
20- إن الشيطان رجيم وإن الله رحمن رحيم فأحذر من الشيطان الرجيم لتصل إلى الرحمن الرحيم.
21- إن من ضم إلى الاستعاذة قوله: {{إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ}} [الدخان: 6] إقتداء بما ورد في القرآن الكريم كأنه يقول يا من يسمع كل مسموع ويعلم كل سر خفي أنت تسمع وسوسة الشيطان وتعلم غرضه فيها وأنت القادر على دفعها عنى فادفعها عنى بفضلك.
22- الاستعاذة بداية حماية لا بداية قراءة فقط، كأن الله سبحانه وتعالى يقول لك: لا تفتح مصحفك إلا وقد احتميت بي، فلا علم بدون أمان، ولا فهم مع وسوسة.
23- الاستعاذة فيها درس عظيم في التوحيد، فلا ملجأ من الشيطان إلا إلى الله، ولا كافي سواه.
24- من استعاذ بلسانه وقلبه غافلٌ كمن يستغيث وهو لا يصدق أن هناك من ينقذه.
25- من تدبر الاستعاذة علم أن العدو حاضر، وإن لم يُرَ، فالشيطان لا ينام ولا يغيب، ولا يُهزم إلا حين تحتمي بالله.
26- الاستعاذة تذكير دائم بوجود معركة خفية وصراعٍ دائم مع عدو لا يكلّ، تحتاج فيها باستمرار لسلاح رباني.
27- فيها معنى استحضار الإيمان بالغيب، وثقة القلب بمن بيده كل شيء، فأنت تستعيذ ممن لا تراه، إلى من لا يُغلب.
28- الاستعاذة لحظة إصلاح قبل السير، كما تُصلح المركبة قبل السفر، تُصلح النفس قبل التلاوة، فلا تمضي في رحلتك مع القرآن وأنت مثقل بالوساوس.








__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
  #2  
قديم 04-05-2025, 12:59 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم متصل الآن
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 153,683
الدولة : Egypt
افتراضي رد: سوانح تدبرية

سوانح تدبرية
أيمن الشعبان



- سورة الفاتحة




|2| البسملة






الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه ومن والاه، وبعد:
فإن من أعظم الحِكم والغايات من إنزال الآيات، التدبر والتفكر واستخراج الدرر والمكنونات، قال تعالى: {كِتَابٌ أَنْزَلْنَاهُ إِلَيْكَ مُبَارَكٌ لِيَدَّبَّرُوا آيَاتِهِ وَلِيَتَذَكَّرَ أُولُو الْأَلْبَابِ} [ص:29].
يقول ابن القيم رحمه الله في مدارج السالكين (1/450): فَلَيْسَ شَيْءٌ أَنْفَعَ لِلْعَبْدِ فِي مَعَاشِهِ وَمَعَادِهِ، وَأَقْرَبَ إِلَى نَجَاتِهِ مِنْ تَدَبُّرِ الْقُرْآنِ، وَإِطَالَةِ التَّأَمُّلِ فِيهِ، وَجَمْعِ الْفِكْرِ عَلَى مَعَانِي آيَاتِهِ.
قال سفيان بن عيينة رحمه الله (زاد المسير في علم التفسير، 2/370): قال سفيان بن عيينة: إِنما آيات القرآن خزائن، فإذا دخلتَ خزانةً فاجتهد أن لا تخرج منها حتى تعرف ما فيها.
فهذه فوائد ووقفات وهدايات وتأملات في البسملة قبل التلاوة:
1- البسملةُ هي أن تقولَ "بسمِ اللهِ الرحمنِ الرحيم".
2- من الأذكارِ المهمةِ العظيمة التي يحتاج إليها العبدُ في يومه وليلته، بل تبقى معه حتى دخولَه القبر؛ البسملة.
3- إن أول ما نزل من الوحي على نبينا عليه الصلاة والسلام تضمّن الأمرَ بالبسملة: {اقرأ باسم ربك الذي خلق}.
4- البسملة نعمة عظيمة، لأن ملكَ الملوك أذن لك أن تستعين به! فكم من البشر عندما يترأس يتأفف ممن يطلب العون منه!
5- فيها إشارةٌ إلى أن الأمورَ العظيمةَ تبدأ بالبسملةِ، لذلك كان عليه الصلاة والسلام يقرؤها في أول كلِّ سورةٍ إلا سورةَ التوبة.
6- لما أرسلَ سليمانُ عليه الصلاة والسلامُ رسالةً إلى ملكةِ سبأ قال فيها: {إِنَّهُ مِنْ سُلَيْمَانَ وَإِنَّهُ بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ}.
7- يُستحب للمسلم في الأمور المهمة أن يبدأ بالبسملة، في بداية الكتاب والرسائل المهمة والدرس والاجتماع، فقد كان صلى الله عليه وسلم يكتب البسملة كاملة في بداية رسائله إلى الملوك.
8- البسملة أدب أدّب الله به نبيه صلى الله عليه وسلم بتعليمه تقديم ذكر أسمائه الحسنى أمام جميع أفعاله، وبين يدي كل مهماته.
9- البسملة جاءت بعد الاستعاذة، من باب التخلية قبل التحلية، فتهيئة المكان وتخليته من العدو، ثم طلب العون والمدد من الله.
10- إذا فارق المسلمُ الدنيا؛ صَحِبته "بسم الله" في قبره؛ فتُشرَع التسمية عند وضْعِ الميتِ في قبره.
11- تلاوة القرآن طاعة عظيمة، والطاعات تبدأ بالبسملة، والقرآن دستور ومرسوم إلهي، لذلك يصدر باسم الله.
12- البسملة عند الفقهاء: تكون شرطا عند الذبح، وواجبة عند الوضوء لمن تذكر، وسنة عند دخول المنزل، وتكون مكروهة إذا كان في الخلاء.
13- البسملة عند المفسرين: أجمعوا أنها بعض آية من سورة النمل: {إِنَّهُ مِنْ سُلَيْمَانَ وَإِنَّهُ بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ}[النمل:30]، وذكر جمع أنها آية من سورة الفاتحة، وذكر آخرون أنها للفصل بين السور وليست آية.
14- حين نقول "بسم الله"، فإن المعنى يكون: "أبدأ باسم الله"، أو "أقرأ باسم الله"، أو "ابتدائي باسم الله"، أو "قراءتي باسم الله".
ويجوز أيضًا أن يُقال: "باسم الله أبدأ"، أو "باسم الله أقرأ"، أو "باسم الله تكون قراءتي"، أو "باسم الله يكون ابتدائي".
15- البداءة بالبسملة تَجلب التبرك والتيمن، وتُعلن الاستعانة بالله تعالى وحده، ومن أعرض عنها، فقد يُحرَم بركة ما يُقدِم عليه.
16- ليست البسملة دلالةً على مجرد البداءة بالفعل، بل هي استـعانةٌ بالله على أداء الفعل على الوجه الذي يُرضيه.
17- البسملة أدبٌ من آدابِ الدين، وشعارٌ للمسلمين، وشعيرةٌ عظيمة، وقُربةٌ وطاعةٌ جليلة. وهي إقرارٌ بالعبودية، واعترافٌ بالنعمة، وقد اشتملت على تعليم عظيم، يُرشد إلى استفتاح الأمور بالتبرك بالله، وتعظيمه بذكر اسمه.
18- في البسملة إثباتٌ لأنواع التوحيد الثلاثة:
توحيد الألوهية، في لفظ الجلالة "الله"، إذ فيه إفراد الله بالعبادة، وتوحيد الربوبية، إذ إن من أقر بألوهيته استلزم ذلك إقراره بربوبيته، وتوحيد الأسماء والصفات، في اسميه الكريمين "الرحمن الرحيم".
19- في البسملة يتبرأ العبدُ من حوله وقوّته، ويلجأ إلى حول الله وقوّته؛ فإذا قلتَ "بسم الله"، فأنت تُظهر ضعفك وعجزك وذلّك، وتُعلن افتقارك، لتستمد القوة والعون من القوي العزيز الغني.
20- تجمع البسملة بين معاني الترغيب والترهيب، وهو دليلٌ على كمال عظمة الله سبحانه؛ ففي لفظ الجلالة "الله" ما يدلّ على القهر والغلبة والعظمة، وفي "الرحمن الرحيم" إشعارٌ بلطفه بعباده ورحمته الواسعة بهم. وهذا الجمع البديع يُورث في قلب العبد خوفًا من عظمة الله وهيبته، ورجاءً في رحمته وفضله، فيسير إلى ربّه بين جناحي الخوف والرجاء.
21- قال بعض العلماء: إن قوله تعالى: "بسم الله الرحمن الرحيم" قد اشتمل على جميع معاني الشرع؛ لأنها دلت على الذات الإلهية، ودلت على الصفات العظيمة، وهذا قولٌ صحيحٌ معتبر.
22- فمعنى أن أبتدئ عملي بقول: "بسم الله الرحمن الرحيم"، أنني أؤديه امتثالًا لأمر الله، وطلبًا لرضاه، لا تحقيقًا لحظوظ النفس وشهواتها.
23- معنى البسملة التي جاءت في أول الكتاب الكريم، أن جميع ما في القرآن من أحكام، وشرائع، وأخلاق، وآداب، ومواعظ، إنما هو من الله، ولله، لا يشاركُه فيه أحد.
24- في البسملة مخالفةٌ للمشركين الذين كانوا يبدؤون أعمالهم بالاستعانة بأسماء أصنامهم وأوثانهم، أما العبدُ الموحدُ فيبدأ عمله مستعينًا بالله وحده، صادقًا في توكّله وتفويضه.
25- ذكر اسم الله في البسملة له تأثير عظيم في طرد شر الشيطان، وذلك إذا كان الذاكر يذكره بصدقٍ وإخلاص، حيث إن البسملة تُعد حصنًا للعبد من وساوس الشيطان وسعيه للإضلال.
26- فيها تنبيهٌ على أن العونَ التامَّ والبركةَ لا يأتيان إلا من الله تعالى، فلا يجوز طلبُهما من غيره.
27- الاستعانة بالله هي مفتاح النجاح والفلاح، وحتى وإن لم يظفر العبد بما هو أعظم، فإنه يكون قد غنم بأجر الاستعانة نفسها، فهي عبادة جليلة.
28- البدء باسم الله هو رادعٌ للعبد عن معصيته فيما يقبل عليه، فمَن عرف الله تعالى استحى أن يبدأ فعل المعصية باسمه، لأنه لا يجوز للعبد أن يستعين باسم الله في أمرٍ يخالف مرضاته.
29- البدء بالبسملة يدفع العبدَ لأن تكونَ أعماله وأقواله طيبة، لتجانسها مع هذا الذكر الطيب، فيصبح عمله وكلامه متوافقًا مع ما يبدأ به من ذكر لله تعالى.
30- البدء بالبسملة يدفع العبدَ للفأل والأمل، ويجعل قلبه بعيدًا عن اليأس والقنوط، فكل من استقرت في قلبه سعة رحمة الله لا يمكن أن يدبَّ اليأس في نفسه.
31- افتتاح القراءة بالاسمين "الرحمن الرحيم" يحمل في طياته طمأنينة للقلب، ففيهما جمال ورحمة تهدئ النفس وتمنحها السكينة.








__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
  #3  
قديم 12-05-2025, 09:09 AM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم متصل الآن
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 153,683
الدولة : Egypt
افتراضي رد: سوانح تدبرية



سوانح تدبرية


أيمن الشعبان


سورة الفاتحة

|3| الحمد لله رب العالمين

أيمن الشعبان



الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه ومن والاه، وبعد:
فإن من أعظم الحِكم والغايات من إنزال الآيات، التدبر والتفكر واستخراج الدرر والمكنونات، قال تعالى: {{كِتَابٌ أَنْزَلْنَاهُ إِلَيْكَ مُبَارَكٌ لِيَدَّبَّرُوا آيَاتِهِ وَلِيَتَذَكَّرَ أُولُو الْأَلْبَابِ}} [ص:29].
يقول ابن القيم رحمه الله في مدارج السالكين (1/450): فَلَيْسَ شَيْءٌ أَنْفَعَ لِلْعَبْدِ فِي مَعَاشِهِ وَمَعَادِهِ، وَأَقْرَبَ إِلَى نَجَاتِهِ مِنْ تَدَبُّرِ الْقُرْآنِ، وَإِطَالَةِ التَّأَمُّلِ فِيهِ، وَجَمْعِ الْفِكْرِ عَلَى مَعَانِي آيَاتِهِ.
قال سفيان بن عيينة رحمه الله (زاد المسير في علم التفسير، 2/370): إِنما آيات القرآن خزائن، فإذا دخلتَ خزانةً فاجتهد أن لا تخرج منها حتى تعرف ما فيها.
قال تعالى في سورة الفاتحة: {{الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ (1)}}
الثناء على الله بصفاته التي كلُّها أوصاف كمال، وبنعمه الظاهرة والباطنة، الدينية والدنيوية، وفي ضمنه أَمْرٌ لعباده أن يحمدوه، فهو المستحق له وحده، وهو سبحانه المنشئ للخلق، القائم بأمورهم، المربي لجميع خلقه بنعمه، ولأوليائه بالإيمان والعمل الصالح. / التفسير الميسر.
فوائد ووقفات وهدايات وتأملات:
1- في هذه الآية الجليلة افتتاحٌ للثناء المطلق على الله تعالى، بما يليق بجلاله، ويُظهر كمال أسمائه، وجلال صفاته، وعظيم أفعاله.
2- "الحمد" ثناء يليق بمن له الصفات الكاملة، و"الله" اسم الجلالة الجامع لمعاني الألوهية، و"رب العالمين" يدل على سعة تدبيره وربوبيته لكل ما خلق.
3- {{الحمد لله رب العالمين} } حسن افتتاح للقرآن ولسورة الفاتحة، وبراعة استهلال.
4- افتُتح القرآن بالحمد لأن أعظم النعم هي القرآن، وبالحمد تُستجلب النعم وتُدفع النقم.
5- افتُتح القرآن بالحمد لأنه من أحبّ العبادات إلى الله وأعظمها ثناءً عليه.
6- {{الحمد لله}} : أي: ما من حمد وثناء في الكون إلا والله المستحق له.
7- الحمد: هو وصف المحمود بصفات بالكمال، مع المحبة والتعظيم والإجلال.
8- {{الحمد لله}} : فالله يُحمدُ على كماله من كل وجه؛ ويحمد على ذاته وصفاته وأفعاله، وعلى نعمه الظاهرة والباطنة، الدينية والدنيوية.
9- رُوِيَ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّهُ قَالَ: الْحَمْدُ لِلَّهِ كَلِمَةُ كُلِّ شَاكِرٍ.
10- {{الحمد لله}} : هي أعظم صيغة في الحمد، لأنها تحمل أسمى معاني الثناء والتعظيم لله سبحانه وتعالى. ولذا، اختار الله عز وجل هذه الصيغة لتكون في مفتتح كتابه.
11- من تمام رحمة الله وفضله أن علّمنا كيف نحمده، إذ لا أحد أعلم بكماله منه، وأعظم الثناء ما أثنى به الله على نفسه.
12- {{الحمد لله رب العالمين}} : اعترافٌ منا بنعمِ الله علينا فنحمده ونشكره.
13- كم نعمةٍ أسبغها عليك تستدعي حمدك إيَّاه في كل لمحة، وكم منّةٍ أسداها إليك تستوجبُ شكرك له في كل لحظة! فلا يزال لسانك رطبا بالثناء عليه في كل خَطرة.
14- لم يقل "قل الحمد لله"، لأنه لا يمكن لأحد أن يستحضر كمال استحقاق الله للحمد كما يفعل هو سبحانه.
15- {{الحمد لله}} {} : جملة خبرية بمعنى الأمر، فهو يخبر سبحانه عن اتصافه بالحمد، ويأمر عباده أن يحمدوه.
16- كل حمد لأحد من العالمين فالله أولى به، أوَليس قد خلق لك لساناً حامداً ويسَّر لك أسباب حمده؟
17- إنّ حمدك إياه نعمة تستوجبُ منك مزيد الحمد.
18- لماذا قال "الحمد" ولم يقل "الشكر"؟ لأن الشكر يكون مقابلاً لنعمة معينة، فهو يعبر عن الامتنان لفضل الله ونعمه، أما الحمد فيشمل الثناء على الله بجميع صفاته وأفعاله، سواء كان هناك نعمة معينة أم لا.
19- جاء بالجملة الاسمية: {{الحمد لله}} : ولم يقل "احمدوا الله"، "يحمد الله" أو "أحمدُ الله"؛ لأن الجملة الاسمية تفيد الدوام والثبات والاستقرار والاستحقاق والاختصاص والاهتمام، وهي أقوى من الجملة الفعلية، فالحمد ثابت ومستقر لله.
20- لماذا لم يقل "أحمد الله" أو "نحمد الله" أو "حمداً لله" أو "لله الحمد"؟
لأن "الحمد لله" صيغة مطلقة تشمل حمد جميع الخلق دون تحديد فاعل أو زمان، فهي دائمة وغير محدودة، مما يعبر عن الثناء الكامل المستمر لله تعالى.
21- اسم الجلالة "الله" دال على استحقاق جميع المحامد، بدلاً من أسماء أخرى مثل "الخالق" أو "السميع"، حتى لا نقتصر على ثناء محدد، فـ"لله الحمد" يشمل كل الثناء دائمًا.
22- فائدة دقيقة: في لفظ رب خصوصية لا توجد في غيره من أسمائه تعالى، وهي: أنك إذا قرأته طردا كان من أسمائه تعالى، وإن قلبته كان من أسمائه تعالى، "رب" و "بَر".
23- اللام في قوله {لله} تفيد التخصيص والاستحقاق، فالحمد بجميع أنواعه وأكمله حقٌ خالصٌ لله وحده، إذ لا يُحمد سواه إلا مع وجود نقص أو قصور، أما هو سبحانه فحمده مطلق وكامل من كل وجه.
24- في الآية أدبٌ رفيع في الخطاب مع الله؛ إذ يُعلَّم العبد أن يبدأ حديثه ودعاءه بالثناء على الله، فهو من تمام الأدب والتمهيد بين يدي المسألة.
25- تقدّم اسم "الله" على "الرب" إشارة إلى أن المقصود الأسمى من التوحيد هو توحيد الإلهية، أي توحيد العبادة، إذ ما خُلق الخلق إلا ليعبدوا الله، وفيه تقديم للغاية على السبب.
26- كمالُ الثقة بالله يظهر في قوله "الرب"، إذ يستحضر المؤمن سعة ملكه وخزائنه، وأنه المعطي المانع، يؤتي الملك لمن يشاء وينزعه ممن يشاء.
27- هو رب العالمين، وإليه مردّ الأولين والآخرين، فيا خيبة مَن صرف شيئا من العبادة والتعظيم، لمربوب ضعيف مثله وترك الجليل العظيم.
28- من الأسماء التي اختصّ الله بها نفسه ولا يُسمّى بها غيره: اسم "الله" و"الرحمن"، فهما علمان دالّان على الذات الإلهية، ولا يشاركه أحدٌ فيهما.
29- فإن قيل: لماذا جاء "العالمين" جمع قلة مع أن المقام يستدعي جمع الكثرة؟
يُجاب بأن ذلك ينبه إلى أن رغم كثرة المخلوقات، إلا أنهم في جنب عظمة الله وكبريائه لا يعدون شيئًا.
30- "الرب" هو من اتصف بالخَلق والملك والتدبير؛ فهو الخالق لكل شيء، والمالك له، والمدبر لأمره.
31- {{رب العالمين}} : تعددت العوالم وتنوعت، وربها واحد، يدبر أمرها جميعًا بحكمة وربوبية مطلقة.
32- قوله: {{ربِّ العالمين}} يدل على أن الله تولّى شؤون خلقه، ومن ذلك رزقهم، فهو المدبر لأمورهم، الكفيل بأقواتهم، لا يكلهم إلى غيره.
33- {{الحمد لله رب العالمين}} : يجري على ألسنة الجميع: الكبير والصغير، العالم والجاهل، الطائع والعاصي، في السراء والضراء، فسبحان من استحق الحمد في كل حال.
34- حين تقول: {الحمد لله رب العالمين}، فإنك تُعلن رضاك بقضاء الله، وقناعتك بما قسمه لك، إذ لا يقدّر الله لعبده إلا ما فيه صلاحه وخيره، وإن خفي عليه وجه الحكمة.
35- تشير الآية {{الحمد لله رب العالمين}} إلى أن الله وحده هو المتفرّد بالخلق والتدبير، والمنعِم على عباده، وهي دلالة على كمال غناه المطلق، وافتقار جميع الخلق إليه في كل حال وعلى كل وجه.
36- أفضل عباد الله الحمادون، ففي الحديث الصحيح: «"إنَّ أفضلَ عبادِ اللهِ يومَ القيامةِ الحمَّادون"» .
37- الحمد أفضلُ الدعاء، قال عليه الصلاة والسلام: " أفضلُ الذكرِ: لا إلَه إلَّا اللهُ، وأفضلُ الدعاءِ: الحمدُ للهِ".
38- العالَم مشتق من العلامة، لأنه دليل على خالقه، ففي كل مخلوق آية تشهد بربوبية الله، كما قال الأعرابي: سماء ذات أبراج، وأرض ذات فجاج، وبحار ذات أمواج، تدل على الواحد القهار.
__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
  #4  
قديم 17-05-2025, 10:24 AM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم متصل الآن
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 153,683
الدولة : Egypt
افتراضي رد: سوانح تدبرية

سوانح تدبرية


أيمن الشعبان



الفاتحة |4|

الرحمن الرحيم






الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه ومن والاه، وبعد:
فإن من أعظم الحِكم والغايات من إنزال الآيات، التدبر والتفكر واستخراج الدرر والمكنونات، قال تعالى: {{كِتَابٌ أَنْزَلْنَاهُ إِلَيْكَ مُبَارَكٌ لِيَدَّبَّرُوا آيَاتِهِ وَلِيَتَذَكَّرَ أُولُو الْأَلْبَابِ}} [ص:29].
يقول ابن القيم رحمه الله في مدارج السالكين (1/450): فَلَيْسَ شَيْءٌ أَنْفَعَ لِلْعَبْدِ فِي مَعَاشِهِ وَمَعَادِهِ، وَأَقْرَبَ إِلَى نَجَاتِهِ مِنْ تَدَبُّرِ الْقُرْآنِ، وَإِطَالَةِ التَّأَمُّلِ فِيهِ، وَجَمْعِ الْفِكْرِ عَلَى مَعَانِي آيَاتِهِ.
قال سفيان بن عيينة رحمه الله (زاد المسير في علم التفسير، 2/370): إِنما آيات القرآن خزائن، فإذا دخلتَ خزانةً فاجتهد أن لا تخرج منها حتى تعرف ما فيها.
قال تعالى في سورة الفاتحة: { { الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ (2)}}
{{الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ}} هما اسمانِ مشتقَّان من الرَّحمة على وجه المبالَغة، ورحمن أشدُّ مبالغةً من رَحيم؛ وذلك لأنَّ (رحمن) على وزن فعلان، وهذه الصيغة تفيد الكثرة والسعة.
والرحمن يدل على سعة رحمة الله، والرحيم يدل على إيصالها لخلقه، فالرحمن: ذو الرحمة الواسعة، والرحيم: ذو الرحمة الواصلة.
فوائد ووقفات وهدايات وتأملات:
1- اسم "الرحمن" ورد في القرآن سبعاً وخمسين مرة، وسام "الرحيم" ورد في القرآن أربعة عشر ومائة مرة.
2- قيل: أنّ اسمه "الرحمن" يدل على الصفة الذاتية من حيث اتصافه تعالى بالرحمة، واسمه "الرحيم" يدل على الصفة الفعلية من حيث إيصاله الرحمة إلى المرحوم.
3- لما كان في اتصافه بـ "رب العالمين" ترهيب قرنه بـ "الرحمن الرحيم"، لما تضمن من الترغيب؛ ليجمع في صفاته بين الرهبة منه، والرغبة إليه؛ فيكون أعون على طاعته وأمنع.
4- فبعد أن قال الله تعالى: {{الحمد لله رب العالمين}} ، قد يتوقع السامع أن تُذكر صفات العظمة والهيبة، كصفات الملك والتدبير والتصرف في الخلق، لما في قوله: {{رب العالمين}} من دلالة على السيادة والسلطان، لكن تأتي الآية التالية مباشرة: {الرحمن الرحيم}، في موضع بديع، وبلاغة رفيعة، تحمل حِكمًا عظيمة يمكن تلخيصها في ثلاث نقاط:
الأولى: إنَّ ربوبيةَ اللهِ تعالى قائمةٌ على رحمةٍ واسعةٍ شاملة، تمتدّ إلى جميع خلقه، فهي ربوبيةُ لطفٍ وإنعام، لا ربوبيةُ قهرٍ وانتقام.
الثانية: لكي يحيا العبدُ راجيًا عفوَ ربّه وصفحَه إذا زلَّ أو قَصَّر، فلا ييأس من رحمته مهما عظم الذنب.
الثالثة: لندرك أن تربيةَ اللهِ للعالمين لا تنبع من حاجةٍ إليهم، فلا هي لجلب نفعٍ ولا لدفع ضرّ، وإنما هي مظهرٌ من مظاهر رحمته الواسعة، وإحسانه الشامل لكل خلقه.
5- روى الشيخان في "الصحيحين" عن أبي هريرة رضي الله عنه، أن رسول الله ﷺ قال: «"لَمَّا قَضَى اللَّهُ الخَلْقَ، كَتَبَ عِنْدَهُ فَوْقَ عَرْشِهِ: إِنَّ رَحْمَتِي سَبَقَتْ غَضَبِي"» .
6- من لطيف التأمل في اسميه تعالى: {الرحمن الرحيم} ، أن ندرك أن ما يبدو من العقوبة في الدنيا، أو العذاب في الآخرة لمن تجاوز حدود الله، إنما هو في ظاهره قهرٌ، ولكنه في حقيقته رحمةٌ؛ إذ فيه تربيةٌ للنفوس، وزجرٌ للخلق، لئلا يزيغوا عن طريق الهداية، أو يتمادوا في الغي والضلال.
7- افتتاحُ العلاقة مع الله بالرحمة لا بالعقوبة؛ فأولُ ما يريدنا الله سبحانه وتعالى أن نعلمه عنه هو رحمته، لا سلطانه ولا جبروته ولا عقابه، بل رحمته الواسعة.
8- فيها دعوة إلى الثقة بالله، فحينما يكرر الله صفة الرحمة بقوله: {{الرحمن الرحيم}} فإنه يغرس في قلب العبد شعورًا بالأمان والثقة، حتى وإن أذنب وأخطأ، فهو يدعوه ليعود إلى باب الرحمة، لا لييأس أو ينكسر.
9- هذه الآية ترسم منهجاً في التعامل مع الناس، إذا كانت صفات الله التي بدأ بها كتابه هي صفات الرحمة، فنحن أولى أن نتخلّق بشيء من هذا الخُلق العظيم، فيكون تعاملنا بالرحمة لا بالشدة.
10- تكرار {{الرحمن الرحيم}} في البسملة وفي الفاتحة يؤكد أن الرحمة أصل من أصول العبودية، وأن العبودية لله لا تكتمل إلا مع استشعار رحمته، وأن السير إليه لا يكون عن طريق الخوف وحده، بل بالمحبة والطمأنينة.
11- {{الرحمن الرحيم}} : ذَكَرَ صفتين، بينما للتهديد صفةً واحدةً {مالك يوم الدين}، ليبينَ أنّ رحمته أوسعُ وأقرب.
12- {{الرحمن الرحيم}} : اسمان مشتقان من الرحمة، دالان على كمال الرحمة التي اتصف بها ربنا تبارك وتعالى، ويدلان على سعة هذه الرحمة، التي وسعت كل شيء وعمت كل حي، وكل ما نحن فيه من النعم هي من آثار رحمته جل جلاله.
13- كلا الاسمين "الرحمن" و"الرحيم "يدلان على الذات والصفة والأثر، وكلٌ منهما يشير إلى رحمة عظيمة، واسعة، كثيرة، ومستمرّة.
وقد وصف الله نفسه بذلك فقال: {{فَإِنْ كَذَّبُوكَ فَقُلْ رَبُّكُمْ ذُو رَحْمَةٍ وَاسِعَةٍ}} [الأنعام: 147].
14- إن اسم "الرحمن" أبلغ من "الرحيم"، ولهذا قُدّم في الذكر عليه، إذ إن صيغة "فَعَّال" (الرحمن) تدل على الامتلاء والكثرة والمبالغة، بخلاف "فَعِيل" (الرحيم) فهي دونها في القوة.
كما أن "الرحمن" يدل على الرحمة العامة الشاملة لجميع الخلق، وهو بذلك أخص من "الرحيم" الذي يدل على الرحمة الخاصة بالمؤمنين، فكان التقديم لمقتضى البلاغة والتناسب في المعنى.
15- الفرق بين "الرحمن" و"الرحيم" عند اقترانهما وافتراقهما:
إذا اقترن الاسمان: كان "الرحمن" دالًّا على الرحمة الذاتية، الثابتة في ذات الله، كما في قوله تعالى:
{{وربك الغفور ذو الرحمة}} ، وكان "الرحيم" دالًّا على الرحمة الفعلية، أي رحمته بعباده في الواقع، كما في قوله تعالى: {يعذّب من يشاء ويرحم من يشاء}.

أما إذا افترقا، شمل كلٌ منهما الرحمة الذاتية والفعلية معًا، فدلّ كل واحد منهما على كمال رحمة الله في ذاته وآثارها.
16- برحمته سبحانه ابتدأت النِّعَم ودامت:
فبرحمته أرسل إلينا رسوله ﷺ، كما قال تعالى: {{وما أرسلناك إلا رحمةً للعالمين}} ، وبرحمته أنزل علينا كتابه، شفاءً للصدور وهدايةً للقلوب: {{وننزل من القرآن ما هو شفاء ورحمة للمؤمنين}} .
وبرحمته خُـلِقت الجنة، وعُمِرت بأهلها، ووصلوا إليها بفضله ورحمته، وطاب لهم فيها العيش أبد الآبدين.
17- برحمته سبحانه أوجدنا من العدم وأسبغ علينا من النعم، وبرحمته علمنا من الجهالة، وهدانا من الضلالة، وبرحمته عرفنا من أسمائه وصفاته وأفعاله، وبرحمته علمنا ما لم نكن نعلم، وأرشدنا لمصالح ديننا ودنيانا.
18- من رحمته سبحانه جعل الخلق والتعليم ناشئا عن رحمته: {{الرَّحْمَنُ . عَلَّمَ الْقُرْآنَ . خَلَقَ الْإِنْسَانَ . عَلَّمَهُ الْبَيَانَ}} .
19- كَانَ عمر بن عبد العزيز يَقُول: اللَّهُمَّ لَا تعطني فِي الدُّنْيَا عَطاء يبعدني من رحمتك فِي الاخرة.
20- "الرحمنُ" أوسعُ أسماء الله، و"الرحمةُ" أوسعُ صفات الله، و"العرشُ" أوسعُ مخلوقات الله، قال تعالى: {{الرحمن على العرش استوى}} ، فاستوى بأوسعِ صفاته على أوسعِ مخلوقاته.
21- قال ابن القيم في كتابه "الفوائد": وفائدةُ الجمعِ بين الصفتينِ "الرحمن" و"الرحيم" الإنباء عن رحمةٍ عاجلةٍ وآجلةٍ وخاصةٍ وعامة.
22- جاء ذِكرُ الرحمة بعد الحمد في الفاتحة، لبيان أن الرحمة تُنال بالحمد، فمن أثنى على ربه، استجلب رحمته.
وأولُ من جُرّب له ذلك هو آدم عليه السلام، فلما خَلقه الله وعطس، قال: "الحمد لله"، فأجابه ربه: "يرحمك ربك".
23- الرحمةُ من أعظمِ نِعمِ الله على عباده.
24- على المؤمن مجافاةُ اليأسِ والبعدُ عن القُنوط، فإن الله رحمنٌ رحيم، {{قَالَ وَمَنْ يَقْنَطُ مِنْ رَحْمَةِ رَبِّهِ إِلَّا الضَّالُّونَ}} .
فكل من استقرت في نفسه سَعةُ رحمة الله، لا يمكن أن يَدِبَّ إليه اليأسُ ولو مثقالَ ذرة.
25- ينبغي للعبد أن يتفـاءل في السراء والضراء، ويحسن الظنّ بربه في أوقات السَّعة كما في أوقات الضيق، فربُّه أرحم به من نفسه، وألطف بتدبيره مما يتصوّر قلبه.
26- {الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ}، في هذين الاسمين تنزل السكينة، وتطمئن القلوب، وتأنس النفوس، وينشرح الصدر، فهما مصدر راحةٍ وطمأنينة، وباب تهدئةٍ ورحمة لا يُغلق.
كثرةُ الرحمات من الله تُورث العبد طمأنينة القلب، وسَعَةَ الفضل، وعميمَ الخير، ووفرةَ الرزق، وبركةَ العيش، وسعادةَ الدنيا، وفوزَ الآخرة.
قال تعالى: {{ومن تَقِ السيئاتِ يومئذٍ فقد رحمته، وذلك هو الفوز العظيم}} [غافر: 9].
ولعِظَمِ شأن الرحمة، سمّى الله دار كرامته في الآخرة بها، فقال: {{فَفِي رَحْمَةِ اللَّهِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ}} [آل عمران: 107].
وسمّى الرزق رحمة، فقال: {{وَإِمَّا تُعْرِضَنَّ عَنْهُمُ ابْتِغَاءَ رَحْمَةٍ مِنْ رَبِّكَ تَرْجُوهَا...}} [الإسراء: 28].
وسمّى الغيث والمطر رحمة، فقال: {{وَهُوَ الَّذِي يُرْسِلُ الرِّيَاحَ بُشْرًا بَيْنَ يَدَيْ رَحْمَتِهِ}} [الأعراف: 57]، أي: المطر.
27- وفي اسميه: {{الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ}} ، دعوةٌ ضمنيةٌ للتحلِّي بخلق الرحمة، فمن تخلّق برحمة الخلق، نال رحمة الخالق.
قال ﷺ: "الراحمون يرحمهم الرحمن، ارحموا من في الأرض يرحمكم من في السماء".
بل إن الرَّحم مأخوذة من اسمه "الرحمن"، كما قال ﷺ: "الرَّحِمُ شِجْنَةٌ - مشتقة - من الرحمن، من وصلها وصله الله، ومن قطعها قطعه الله".
28- إن من أعظم صور الحرمان، أن يُحرم العبدُ من رحمةٍ وسعت كل الخلائق، وشملت المؤمن والكافر، والبرّ والفاجر.
29- {{الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ . مَالِكِ يَوْمِ الدِّينِ}} رحمته فضل، وجزاؤه عدل، وفضلُه يسبقُ عدلَه، ورحمتُه تَغلِبُ غضبَه.
30- اللهم رحمتك نرجو فلا تكلنا إلى أنفسنا طرفة عين ولا أقلّ من ذلك.



__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
  #5  
قديم يوم أمس, 02:19 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم متصل الآن
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 153,683
الدولة : Egypt
افتراضي رد: سوانح تدبرية

سوانح تدبرية


أيمن الشعبان

|5| مالك يوم الدين







الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه ومن والاه، وبعد:
فإن من أعظم الحِكم والغايات من إنزال الآيات، التدبر والتفكر واستخراج الدرر والمكنونات، قال تعالى: {{كِتَابٌ أَنْزَلْنَاهُ إِلَيْكَ مُبَارَكٌ لِيَدَّبَّرُوا آيَاتِهِ وَلِيَتَذَكَّرَ أُولُو الْأَلْبَابِ}} [ص:29].
يقول ابن القيم رحمه الله في مدارج السالكين (1/450): فَلَيْسَ شَيْءٌ أَنْفَعَ لِلْعَبْدِ فِي مَعَاشِهِ وَمَعَادِهِ، وَأَقْرَبَ إِلَى نَجَاتِهِ مِنْ تَدَبُّرِ الْقُرْآنِ، وَإِطَالَةِ التَّأَمُّلِ فِيهِ، وَجَمْعِ الْفِكْرِ عَلَى مَعَانِي آيَاتِهِ.
قال سفيان بن عيينة رحمه الله (زاد المسير في علم التفسير، 2/370): إِنما آيات القرآن خزائن، فإذا دخلتَ خزانةً فاجتهد أن لا تخرج منها حتى تعرف ما فيها.
قال تعالى في سورة الفاتحة: {{مَالِكِ يَوْمِ الدِّينِ (3)}}
أي: مالك الأمور ومدبّرها، وقاضيها يوم المجازاة للعباد على أعمالهم؛ بإثابة المؤمنين، وعقاب الكافرين، وهو يوم القيامة.
أي: إنَّ اللهَ عزَّ وجلَّ هو المتصرِّف في جميع خلْقِه بالقول والفِعل.
فوائد ووقفات وهدايات وتأملات:
1- لما وصف الله نفسه بالرحمة، خشية أن يغلبَ الرجاءُ على العبد، نبّه بملكه ليوم الدين، ليدفعه إلى الخوف والعمل، وليوقن أن الجزاء آتٍ على ما قدّم من خير أو شر.
2- لما وصف الله تعالى نفسه بأنه {{مالك يوم الدين}} ، أراد أن يُظهر للعالمين كمال عدله، فقال: {{وما ربك بظلام للعبيد}} [فصلت: 46]، ثم بيّن صورة هذا العدل فقال: {{ونضع الموازين القسط ليوم القيامة فلا تُظلم نفس شيئًا}} [الأنبياء: 47].
فدلّ ذلك على أن حقيقة ملكه ليوم الدين تتجلّى في عدله الكامل، إذ لا يُظلم فيه أحد، ولا يُهضم فيه حق.
3- لما بين اللهُ سبحانه ملكَهُ التام في الدنيا بقوله {{رب العالمين}} أتبعَ ذلكَ ببيان ملكه التام والمطلق في الآخرة، فقال سبحانه {{مالكِ يوم الدين}} .
4- {{مالكِ يومِ الدين}} و {{ملِكِ يومِ الدين}} : قراءتان سبعيتان متواترتان.
5- "مالك": هو: المتصرِّفُ بالفِعل في الأشياء المملوكةِ له.
6- "مَلِك": هو الحيُ المتصرِّف بالقول أمرًا ونهيًا في مَن هو مَلِكٌ عليهم، يأمرُ وينهى ويُطاع.
7- قوله تعالى: {{مالك يوم الدين}} يتضمن تمجيدًا لله وثناءً عليه، حيث يُظهر عظمة الله وتفرده بالملك والحكم في الآخرة، مما يوجب على المسلم التقديس والتسليم لله.
8- مَن أكثر مِن حمد الله وشكره وعمل بما يرضيه، نجّاه الله برحمته يوم القيامة.
9- لأن الرحمة فضل من الله، بينما الجزاء عدل، وفضل الله سابق؛ لذا قدّم ذكر الرحمة على {يوم الدين}.
10- قال تعالى: {{مالك يوم الدين}} ولم يقل: "مالك الدين" ليبيّن أن للدين يومًا معينًا يُجزى فيه كل عامل بعمله.
11- قال تعالى: {{مالك يوم الدين}} ولم يقل: "يوم القيامة" لأن الدين هنا يشير إلى الجزاء والحساب، وهو أنسب للفظ {رب العالمين}.
كما أن القيامة تتضمن أحداثًا لا تتعلق بالجزاء وحده، فبذكر {{يوم الدين}} يُستحضَر يوم المحاسبة والطاعة والاعتقاد السليم، وهو اليوم الذي يُبرز فيه الدين ويُعظّم. إضافة إلى ذلك، يُظهر المعنى أن الجزاء يكون حسب نقاء دين المرء وعقيدته.
12- إذا قرأ العبد في كل ركعة {{مالك يوم الدين}} ، تذكر الآخرة، فتأهب لها، واستعد للقاء الله، فدفعته الآية للطاعة، وردعته عن المعصية.
13- وإن كان الله يملك الدنيا والآخرة، فقد خُصَّ يوم الدين لأنه لا يشاركه فيه أحد، إذ يزول كل مُلك، ويُعلن: {{لِمَنِ الْمُلْكُ الْيَوْمَ لِلَّهِ الْوَاحِدِ الْقَهَّارِ}} ، فيستوي الخلق جميعًا أمام ملكه، وإذا كان يملك هذا اليوم العظيم، فما سواه أولى وأحرى.
14- خصَّ الله يوم الدين بالملك، مع أنه يملك كل الأيام، ليُظهر عظمة ذلك اليوم، ويُبيِّن أنه يوم الجزاء والحساب، لا حكم فيه إلا لله وحده، ولأن الأملاك يومئذ زائلة، فلا ملك ولا أمر إلا لله سبحانه.
15- من المعاني المهمة التي تغرسها سورة الفاتحة في النفوس، كلما قرأها المصلي، هي عقيدة الإيمان باليوم الآخر، والجزاء، والحساب، والبعث.
16- إن قوله تعالى: {{مالك يوم الدين}} ليس مجرد خبر عن ملكه سبحانه للآخرة، بل هو نداء للمؤمن أن يعلو فوق شهوات الدنيا، وألا تستهويه رغباتها، أو تأسره أهواؤها، أو يغفل عن آخرته.
17- مَن أيقن أن هناك يومًا يُدان فيه الناس، وأن الله هو مالك ذلك اليوم، لم يركن إلى دنيا زائلة، بل سامى بنفسه إلى ما هو أبقى.
18- المتأمل في قوله تعالى: {{مالك يوم الدين}} ، يجد في نفسه دافعًا عظيمًا للعمل بإخلاصٍ لوجه الله، ويشعر بخشيةٍ تردعه عن كل بغيٍ وظلم، وتمنعه من مقارفة المعصية والإثم.
فإنّ من استحضر ملك الله المطلق ليوم الحساب، لا يرضى أن يلقى ربه وهو مُثقلٌ بالذنوب.
19- هذه الآية تُكسب المؤمنين الطمأنينة لموعود الله، وتمنحهم الصبر والثبات على دين الله، وحينها تطمئن قلوبهم إلى أن هناك حياة أخرى أبدية تستحق منهم أن يبذلوا أنفسهم وأموالهم وأوقاتهم لنصرة الحق في سبيل الله.
20- في قوله تعالى: {{مالك يوم الدين}} تذكيرٌ للعبد بيوم الجزاء، وتحفيز له ليستعد بالعمل لذلك اليوم الذي يُجازى فيه كل عامل بعمله.
فمن أيقن بيوم الدين، لزمه مجاهدة النفس والاستعداد له بالعمل الصالح.
21- قوله تعالى: {{يوم الدين}} يتضمن إثبات البعث بعد الموت، إذ لا جزاء إلا بعد إحياء الخلق للحساب.
22- الآية تضمنت إثبات الجزاء على أعمال العباد، خيرها وشرها، في يوم الدين.
23- تضمنت الآية تفرد الله بالحكم يوم الدين، حيث يُجازي العباد على أعمالهم، ولا حكم لأحد سواه.
24- تتضمن الآية تسليةً لكل مظلوم قد ضاع حقه، حيث يُقتص له من ظالمه يوم القيامة، ويُظهر أن الجزاء في الدنيا ليس هو الجزاء النهائي. فيقتص الله للعبد بالكلمة والنظرة والضربة، وغير ذلك. فمحكمة الدنيا قد تكون جائرة، أما محكمة الآخرة فهي عادلة.
25- أُثِرَ ذكرُ إلهية الله سبحانه وربوبيته ورحمته وملكه في بداية الفاتحة، لأن هذه الصفات الأربع تتضمن جميع صفات كماله عزَّ وجلَّ.
26- في قوله: {{مَـلِكِ يَوْمِ الدِّينِ}} جاء تخصيصُ اليومِ بالإضافة؛ إمَّا لتعظيمه وتهويله، أو لتفرُّده تعالى بنفوذِ الأمر فيه، وانقطاعِ العلائق بين المُلَّاك والأملاك حينئذٍ بالكليَّة.
27- قوله تعالى: {{مالك يوم الدين}} يدعونا إلى اغتنام الأوقات بالطاعات، فكل لحظة في الحياة فرصة للعمل الصالح، لأن يوم القيامة هو يوم الجزاء، ولن تنفعنا إلا الأعمال التي نُقدّمها في الدنيا.
28- يا أيها الملوك، لا تغتروا بما آتاكم الله من مالٍ وسلطان، فإنكم أسرى في قبضة قدرةِ {{مالكِ يومِ الدين}} .
29- يا أيها الرعية إذا كنتم تخافون سياسة الملك أفما تخافون سياسة ملك الملوك الذي هو { {مالك يوم الدين}} ؟!
30- من تمام أحكام كونه تعالى ملكًا، أنه ملكٌ لا يُشبه ملوك الدنيا؛ فإن ملوكهم إن تصدّقوا أو أنفقوا، نقصت خزائنهم، وقلّ ملكهم.
أما اللهُ عز وجل، فملكُه لا ينقص بالعطاء، ولا تضعف خزائنه بالإحسان، بل هو الغني الحميد، وكلما أعطى عباده ازداد ملكُه جلالًا، وحمدًا، وكمالًا.









__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
  #6  
قديم يوم أمس, 02:21 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم متصل الآن
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 153,683
الدولة : Egypt
افتراضي رد: سوانح تدبرية

سوانح تدبرية


أيمن الشعبان


|6| إياك نعبد وإياك نستعين



أيمن الشعبان

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه ومن والاه، وبعد:
فإن من أعظم الحِكم والغايات من إنزال الآيات، التدبر والتفكر واستخراج الدرر والمكنونات، قال تعالى: {{كِتَابٌ أَنْزَلْنَاهُ إِلَيْكَ مُبَارَكٌ لِيَدَّبَّرُوا آيَاتِهِ وَلِيَتَذَكَّرَ أُولُو الْأَلْبَابِ}} [ص:29].
إن تأملَ وتدبرَ آيات كتابِ الله عز وجل واستخراج كنوزها والتعرف على أسرارها؛ يعود على العبد بالبركةِ والخيرِ والنفع والهداية وسعادة الدارين.
يقول ابن القيم رحمه الله في مدارج السالكين (1/450): فَلَيْسَ شَيْءٌ أَنْفَعَ لِلْعَبْدِ فِي مَعَاشِهِ وَمَعَادِهِ، وَأَقْرَبَ إِلَى نَجَاتِهِ مِنْ تَدَبُّرِ الْقُرْآنِ، وَإِطَالَةِ التَّأَمُّلِ فِيهِ، وَجَمْعِ الْفِكْرِ عَلَى مَعَانِي آيَاتِهِ.
قال سفيان بن عيينة رحمه الله (زاد المسير في علم التفسير، 2/370): إِنما آيات القرآن خزائن، فإذا دخلتَ خزانةً فاجتهد أن لا تخرج منها حتى تعرف ما فيها.
قال تعالى في سورة الفاتحة: {{إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ (4)}}
أي: إنا نخصك وحدك بالعبادة، ونستعين بك وحدك في جميع أمورنا، فالأمر كله بيدك، لا يملك منه أحد مثقال ذرة، فلا نعبد إلا إياك ولا نستعين إلا بك.
فوائد ووقفات وهدايات وتأملات:
1- هذه الآية "آية العبودية" قاعدة السورة، فما قبلها مقدمةُ حمدٍ وثناء، وما بعدها خاتمةُ سؤالٍ ودعاء.
2- هذه الآية هي سرُّ العبودية، ومفتاحُ السعادة في الدنيا والآخرة، وهي قلب سورة الفاتحة، فرغم قِصر كلماتها ووجازة ألفاظها، إلا أنها تحمل في طيّاتها معانيَ عظيمة، ومقاصدَ جليلة.
3- في هذه الآية دليل على أن العبد لا يجوز له أن يصرف شيئًا من أنواع العبادة كالدعاء والاستغاثة والذبح والطواف إلا لله وحده.
4- في الآية شفاءُ القلوب من داء التعلق بغير الله، ومن أمراض الرياء والعجب، والكبرياء.
5- يقول ابن القيم: وَسِرُّ الْخَلْقِ وَالْأَمْرِ، وَالْكُتُبِ وَالشَّرَائِعِ، وَالثَّوَابِ وَالْعِقَابِ انْتَهَى إِلَى هَاتَيْنِ الْكَلِمَتَيْنِ، وَعَلَيْهِمَا مَدَارُ الْعُبُودِيَّةِ وَالتَّوْحِيدِ.
6- يقول ابن القيم: هي متضمنة لأجلِّ الغايات وأفضل الوسائل، فأجلُّ الغايات عبوديته وأفضل الوسائل إعانته.
7- العبودية هي الغاية التي من أجلها خلقَ اللهُ الخلق، قال تعالى: {وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ}.
8- العبادة: اسم جامع لكل ما يحبه الله ويرضاه من الأعمال، والأقوال الظاهرة والباطنة.
9- للعبودية ركنان أساسان لا تقوم إلا بهما وهما: الذل والمحبة.
10- الاستعانة: هي الاعتماد على الله تعالى في جلب المنافع، ودفع المضار، مع الثقة به في تحصيل ذلك.
11- كلما كان العبدُ أتمَ عبوديةً كانت الإعانةُ من الله له أعظم.
12- لا يزال العبد مفتقرا إلى إخلاص التوحيد لربه عبادةً واستعانة؛ لأن الشيطان لا ينفك يزين له الشرك، ونفسه لا تفتأ تدعوه إلى طاعته واتباعه.
13- العبد لا يمكن أن يعبد الله حقًا إلا إذا أعانه الله، ولا يعينه الله إلا إذا لجأ إليه، فهما متلازمان.
14- عبادة الله تعالى لا تتهيأ إلا بمعونته، والهداية إليه لا تكون إلا بتوفيقه، فيا أيها العبد الضعيف: اعتقد عجزك، واستشعر افتقارك، واعتصم بحول الله وقوته.
15- في قوله تعالى: {إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ} جاء التعبير بصيغة الجمع لا المفرد، فلم يقل: "أعبد وأستعين"، وذلك لحكمٍ عظيمة:
أولا: إشارة إلى الوحدة والائتلاف، وأهمية الجماعة في الإسلام، فالصلاة جماعة.
ثانيا: الشعور بأن الصلاة قد بنيت على الاجتماع.
ثالثا: المقام عظيم، لا يقوم به الفرد وحده، فناسبه الجمع.
رابعا: تحقيق العبودية والاستعانة لله يرفع العبد، ويمنحه الشرف الحقيقي.
خامسا: وفيه تعظيم أبلغ، فكأنك تقول: "نحن جميعًا يا رب عبيدك، نعبدك ونعظمك" لا "أنا وحدي".
سادسا: تعليم أدب الدعاء، بأن لا ينفرد العبد بنفسه، بل يستحضر الأمة كلها.
سابعا: تذكير بأن العبد ليس وحيدًا في الطريق إلى الله، بل هو مع جماعة المؤمنين.
16- قال ابن القيم في مدارج السالكين: وَكَانَ شَيْخُ الْإِسْلَامِ ابْنُ تَيْمِيَّةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ يَقُولُ: مَنْ أَرَادَ السَّعَادَةَ الْأَبَدِيَّةَ، فَلْيَلْزَمْ عَتَبَةَ الْعُبُودِيَّةِ.
17- في هذه الآية أنفع الدعاء للعبد، قال شيخ الإسلام ابن تيمية: تأملت أنفع الدعاء فإذا هو سؤال العون على مرضاته ثم رأيته في الفاتحة في: {{إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ}} .
18- وصف العبودية هو أشرف، وأرفع، وأعلى، وأعظم الأوصاف التي يمكن أن يُوصَف بها العبد.
19- من أسرار قوله تعالى: {{إياك نعبد}} ، أن فيه تبرؤًا تامًا من الشرك، لأن العبادة لا تُصرف إلا لله وحده، لا شريك له.
فكأن العبد يقول: "لا أعبد سواك يا رب، ولا أتوجه إلا إليك".
20- في قوله: {{وإياك نستعين}} ، تبرؤ من الطول، ومن الحول والقوة، واعتماد كامل على الله، في كل صغيرة وكبيرة.
كأن العبد يعترف: "لا أقدر على شيء من طاعتك ولا ديني ولا دنياي إلا بعونك يا الله".
21- {{إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ}} : آيةٌ عظيمة تُحقق للعبد الكمال البشري، الجامع بين العلم والعمل، بين العبادة والاعتماد، بين الصدق والتواضع.
22- العبادة وحدها قد تُصيّبها آفة الرياء، فجاء قوله: "إيَّاك نعبد" ليُصفِّيها من شوائب الشرك ويُخلِص الوجهة لله وحده.
23- العلم قد يصيبه الغرور والكبر، فجاء: "وإياك نستعين" ليُذكّر العبد أن لا حول له ولا قوة إلا بالله، وأنه مفتقر لربه في كل شيء.
24- تهدم هذه الآية آفتين من أعظم ما يُفسد القلوب: الرياء والكِبْر، وتبني مكانهما الإخلاص في العبادة والافتقار في الاستعانة.
قال ابن القيم في مدارج السالكين: وَكَثِيرًا مَا كُنْتُ أَسْمَعُ شَيْخَ الْإِسْلَامِ ابْنَ تَيْمِيَّةَ قَدَّسَ اللَّهُ رُوحَهُ يَقُولُ: {إِيَّاكَ نَعْبُدُ}[الفاتحة: 5] تَدْفَعُ الرِّيَاءَ {{وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ}} [الفاتحة: 5] تَدْفَعُ الْكِبْرِيَاءَ.
25- مَن فهم { {إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ}} حقَّ الفهم؛ سار إلى الله بقلبٍ خاشع، وعقلٍ خاضع، وروحٍ مخلصة.
26- من أعجب الأمور أن يقرأ العبد في كل ركعة من صلاته {{إياك نعبد وإياك نستعين}} ثم يتزين بها لخلقه!
27- {{إِيَّاكَ نَعْبُدُ}} تحقيق لكلمة التوحيد (لا إله إلا الله)،و {{وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ}} تحقيق لكلمة (لا حول ولا قوة إلا بالله).
فـ (لا إله إلا الله) فيها إفراد الله بالعبادة، و(لا حول ولا قوة إلا بالله) فيها إفراد الله بالاستعانة.
28- لم يُذكر "المستعان عليه" ولم يُحَدَّد ليَعُم كل شيء.
أي: نستعين بك يا ربنا على كل شيء، صغير أو كبير، ديني أو دنيوي، ظاهر أو باطن.
29- لم تُذكر نوع العبادة في قوله تعالى: {{إياك نعبد}} لشمول كل أنواع العبادات بلا استثناء.
30- {{إِيَّاكَ نَعْبُدُ}} تشير إلى قضية مهمة جداً في حياة المسلم؛ هي وضوح الهدف، و {{وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ}} تشير إلى الحاجة لمعرفة الطريق والوسيلة الموصلة إليه.
فكم مرة نظرت لهدفك ووسائل تحقيقه؟
31- من أجْلِ العبودية قامت السموات والأرض وخُلقت البشرية، قال تعالى: {{وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ (56) مَا أُرِيدُ مِنْهُمْ مِنْ رِزْقٍ وَمَا أُرِيدُ أَنْ يُطْعِمُونِ (57) إِنَّ اللَّهَ هُوَ الرَّزَّاقُ ذُو الْقُوَّةِ الْمَتِينُ (58)}} [الذاريات: 56-58].
32- في هذه الآية اجتمع الدين كله، قال شيخ الإسلام: فالله قد جمع بَين الْعِبَادَة والتوكل فِي عدَّة مَوَاضِع؛ لِأَن هذَيْن يجمعان الدّين كُله.
33- النتيجة الحتمية لمحبتك ورجائك وخوفك هي قوله تعالى: {إياك نعبد وإياك نستعين}:
{{الحمد لله رب العالمين}} تورث المحبة.
{{الرحمن الرحيم}} تورث الرجاء.
{{مالك يوم الدين}} تورث الخوف.
والنتيجة: {{إياك نعبد وإياك نستعين}} .
34- {{إياك نعبد}} إشارة إلى عبادته بما اقتضته إلهيته من المحبة والخوف والرجاء والأمر والنهي.
35- {{إياك نستعين}} إشارة إلى ما اقتضته الربوبية، من التوكل والتفويض والتسليم.
36- كتبَ الحسنُ إلى عُمَرَ بنِ عبدِ العزيز: لا تستعن بغيرِ اللَّهِ فيكِلَكَ اللَّهُ إليهِ. (تفسير ابن رجب 1/74).
37- من كلامِ بعضِ السلفِ: يا ربِّ عَجبتُ لمن يعرفك كيفَ يرجُو غيرَك، عجبتُ لمن يعرفُك كيفَ يستعينُ بغيرِكَ. (تفسير ابن رجب 1/74).
38- إذا قال العبد: {{إياك نعبد}} ، فليعلم أنه يُعلن بذلك انقيادَه التام، وتسليمَه الكامل لربه؛ إذ العبادة لا تقتصر على ركوع وسجود، بل تشمل أن يكون سعيه، وحياته، ومماته، وأدقّ شؤونه، وقفًا لله وحده، كما قال تعالى: {{قُلْ إِنَّ صَلَاتِي وَنُسُكِي وَمَحْيَايَ وَمَمَاتِي لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ}} [الأنعام:162].
39- مثل قوله تعالى: {{إياك نعبد وإياك نستعين}} ، ما ورد في قوله سبحانه: {{فاعبده وتوكل عليه}} ، وفي قوله: {{عليه توكلت وإليه أنيب}} .
40- تقديم المفعول به "إياك" على الفعل في الموضعين في الآية الكريمة: {{إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ}} له عدة حِكَمٍ بلاغية ودلالية مهمة، منها:
أولا: للاهتمام بتقديم حقه سبحانه على حق عبده؛ حتى يتذكر العبد أن المقصود بالعبادة هو الله، وأيضا هو وحده المستعان.
ثانيا: التقديم هنا يفيد الحصر والقصر والاختصاص، أي أن العبادة والاستعانة تكون لله وحده لا شريك له. والمعنى: "لا نعبد إلا إياك، ولا نستعين إلا بك".
ثالثا: للتشريف والتعظيم والتقديس؛ لئلا يتقدمَ ذكرُ العبد والعبادة على المعبود، كقوله تعالى: {{قُلْ أَغَيْرَ اللَّهِ أَبْغِي رَبًّا وَهُوَ رَبُّ كُلِّ شَيْءٍ}} ، ولئلا يتقدمَ ذكرُ الاستعانة والمستعين على المستعان به، كقوله تعالى: {{وَعَلَى اللَّهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُؤْمِنُونَ}} .
رابعا: للتنبيه والتوكيد، فتقديم المفعول به يُثير انتباه السامع ويُؤكِّد عليه، فكأنه يقول: "أنت – يا رب – المقصود بالعبادة والاستعانة دون سواك".
41- تكرار الضميرُ "إياك" مرة أخرى في قوله تعالى: {{إياك نعبد وإياك نستعين}} له ثلاثة أهداف رئيسية:
أولا: للاهتمام والتأكيد على الحصر، لإفادة أن العبادة والاستعانة لله وحده لا شريك له.
ثانيا: الفصل بين مقام العبادة التي هي خضوع لله، ومقام الاستعانة التي هي طلب العون، فكلٌ يحتاج تأكيداً مستقلا.
ثالثا: قطع الشرك الخفي؛ لئلا يظن أحد أن العبادة لله لكن الاستعانة قد تكون بغيره.
42- لأهمية الاستعانة ذُكرت بعد العبادة مع دخولها فيها.
43- ذكرت الاستعانة بعد العبادة؛ لاحتياج العبد في جميع عباداته إلى الاستعانة بالله تعالى.
44- ذكرت الاستعانة بعد العبادة؛ من باب ذكر الخاص بعد العام، وتقديم العموم على الخصوص.
45- ذكرت الاستعانة بعد العبادة؛ لتقديمُ حقه تعالى على حق عباده وحاجتهم؛ لأن العبادة حق الله والاستعانة حق العبد، فحق الله مقدم على حق العبد.
46- ذكرت الاستعانة بعد العبادة؛ لأن العبادة هي المقصودة والغاية والاستعانة هي الوسيلة لتلك العبادة.
47- ذكرت الاستعانة بعد العبادة؛ من تقديم الأهم على المهم.
48- ذكرت الاستعانة بعد العبادة؛ للتلازم بينهما، كما قال سبحانه: { {سبعاً من المثاني}} ؛ والعبادة والاستعانة مثاني، وهما متلازمتان فلا عبادة إلا باستعانة، ولا يحصلُ العون للعبد من الله بدون عبادته.
49- ذكرت الاستعانة بعد العبادة؛ لأنه بهما يتحقق الإيمان، وتحصلُ السعادة الأبدية والنجاة من جميع الشرور.
50- {إياك نعبد} متعلق بألوهيته، {{وإياك نستعين}} متعلق بربوبيته، فقدم قسم الرب على قسم العبد.
51- ذكرت الاستعانة بعد العبادة؛ لأن العبادة المطلقة تتضمن الاستعانة من غير عكس، فكلُ عابد عبادة تامة مستعين به، ولا ينعكس لأن صاحب الأغراض والشهوات قد يستعين به على شهواته فكانت العبادة أكمل وأتم.
52- ذكرت الاستعانة بعد العبادة؛ لأن الاستعانة طلب منه، والعبادة طلب له.
53- ذكرت الاستعانة بعد العبادة؛ لأن العبادة لا تكون إلا من مخلص، والاستعانة تكون من مخلص ومن غير مخلص.
54- في قوله {{إياك نعبد وإياك نستعين}} ، بعد الآيات الثلاث الأولى التفاتٌ من الغَيْبَةِ إلى الخطاب؛ لما فيه من التنبيه للمستمع؛ وأنه أدعى للإصغاء وأبعث على النشاط، بخلاف ما لو كان على وتيرة ونمط واحد.
55- هذه الآية هي أقوى مناجاة بين العبد وربه، حيث يقرّ العبد بالعبودية المطلقة لله، والافتقار الكامل إليه.
56- هذه الآية مختصر الإيمان، فمن حققها بقلبه وعمله، فقد أدرك لبَّ العبودية.
57- التوازن بين العمل والتوكل؛ الذي هو سِرّ النجاح في الدين والدنيا، فليس العبد متواكلًا ولا معتدًا بنفسه.
"نعبد" تدل على العمل، وبذل الجهد، والتكليف، و "نستعين" تدل على التوكل، والثقة، والاعتماد على الله.
58- عند مواجهة الصعوبات، تذكّر: "نستعين"، فهي باب الفرج.
59- أن كل عمل لا يُعين الله -تبارك وتعالى- عليه العبد، لا يمكن أن يكون، وأن كل عمل لا يُتوجه به إلى الله، ولا يُطلب به ما عند الله، فإنه لا ينفع، بل يبطل ويضمحل ويتلاشى.
60- حينما تتحول الاهتمامات إلى إقامة هذه الدنيا الفانية، والتهافت عليها، والتركيز على ذلك، فهذا خلاف الغاية والمقصود الذي هو العبادة.









__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
إضافة رد


الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1)
 

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع


 


الاحد 20 من مارس 2011 , الساعة الان 01:21:21 صباحاً.

Powered by vBulletin V3.8.5. Copyright © 2005 - 2013, By Ali Madkour

[حجم الصفحة الأصلي: 134.89 كيلو بايت... الحجم بعد الضغط 130.91 كيلو بايت... تم توفير 3.98 كيلو بايت...بمعدل (2.95%)]